بلدان الخلافة الشرقية

اشارة

سرشناسه : لسترنج،كي

عنوان و نام پديدآور : بلدان الخلافه الشرقيه: يتناول صفه العراق والجزيره وايران واقاليم آسيه الوسطي منذالفتح الاسلامي حتي ايام تيمور /كي لسترنج

مشخصات نشر : [بي جا]: مكتبه الحيدريه، 1427ق. =1385ش. =2006م.

مشخصات ظاهري : ن،592ص.

فروست : مطبوعات المجمع العلمي العراقي

شابك : :9645030889

وضعيت فهرست نويسي : در انتظار فهرستنويسي

شماره كتابشناسي ملي : 1080458

===========

ظاهرا افست از چاپ زير:

نام كتاب: بلدان الخلافة الشرقية / تعريب بشير فرنسيس- كوركيس عواد

نويسنده: لسترينج، گاى

تاريخ وفات مؤلف: 1933 م

موضوع: جغرافياى شهرها

زبان: عربى

تعداد جلد: 1

ناشر: شريف رضي

مكان چاپ: قم

سال چاپ: 1413 ه. ق

نوبت چاپ: اول

=========

بلدان الخلافة الشرقية

bldan alkhlafah alshrkiah

تأليف: كي لسترنج تاريخ النشر: 01/01/1954

سعر السوق: 25.00$

الناشر: منشورات الشريف الرضي سعرنا: 25$

النوع: ورقي غلاف فني، حجم: 24×17، عدد الصفحات: 594 صفحة الطبعة: 1 مجلدات: 1

مدة التأمين: يتوفر عادة في غضون 30 يوم

اللغة: عربي

مضامين الكتاب

مقدمة الترجمة 3

ترجمة لسترنج مؤلف الكتاب 6

مقدمة المؤلف 9

البلدانيون المسلمون بحسب زمن تصانيفهم 12

الفصل الاول تمهيد بلاد ما بين النهرين و فارس و افاليمها فى أيام الخلفاء العباسيين- الاقاليم فى الاطراف الشمالية الغربية و الشمالية الشرقية- الطرق من بغداد الى أقاصى حدود بلاد الاسلام- البلدانيون المسلمون و تصانيفهم- المؤلفون الآخرون- اسماء المواضع فى الاقاليم العربية و التركية و الفارسية.

(14- 39)

الفصل الثانى العراق تقسيم ارض ما بين النهرين الى شمالية و جنوبية- العراق اى بلاد بابل- التغير فى مجريي الفرات و دجلة- أنهر الرى العظيمة- بغداد- المدائن و ما فى جنوبها من مدن على دجلة حتى فم الصلح.

(40- 58)

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، الفهرس، ص: 2

الفصل الثالث العراق (تابع) واسط- البطائح- المذار و القرنة- دجلة العوراء- البصرة و أنهارها- الابلة و عبادان-

دجلة فوق بغداد- البردان- طسوج دجيل- عكبرا و حربى و القادسية.

(59- 75)

الفصل الرابع العراق (تابع) سامراء- تكريت- النهروان- باعقوبا و غيرها من المدن- مدينة جسر النهروان و طريق خراسان- جلولاء و خانقين- البندنيجين و بيات- مدن الفرات من الحديثة الى الانبار- نهر عيسى- المحول و صرصر و نهر الملك- نهر كوثى.

(76- 95)

الفصل الخامس العراق (تتمة) انشطار الفرات- نهر سورا- قصر ابن هبيرة- النيل و نهر النيل- نهر النرس- نهر البداة و بماديتا- نهر الكوفة- مدينة الكوفة- القادسية- مشهد علي و كربلاء- استانات العراق الاثنا عشر- التجارة و الصناعة- طرق العراق.

(96- 113)

الفصل السادس الجزيرة الديار الثلاث- ديار ربيعة- الموصل و نينوى و المدن المجاورة- الزاب الكبير و الحديثة و اربل- الزاب الصغير و السن و داقوق- الخابور الصغير و الحسنية

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، الفهرس، ص: 3

و العمادية- جزيرة ابن عمر و جبل الجودي- نصيبين و رأس العين- ماردين و دنيسر- الهرماس و الخابور- عربان و الثرثار- سنجار و الحضر- بلد و أذرمة.

(114- 131)

الفصل السابع الجزيرة (تتمة) ديار مضر- الرقة و الرافقة- نهر البليخ و حران- اذسا و حصن مسلمة- قرقيسياء- نهر سعيد و الرحبة و الدالية- رصافة الشام- عانة- بالس و جسر منبج و سميساط- سروج- ديار بكر- آمد و حانى و منابع دجلة- ميافارقين و ارزن- حصن كيفا و تل فاقان- سعرت.

(132- 146)

الفصل الثامن الفرات الاعلى الفرات الشرقى أى ارسناس- ملاسكرد و موش- شمشاط و حصن زياد أى خربوط- الفرات الغربى- ارزن الروم أى قاليقلا- ارزنجان و كمخ- قلعة ابريق أى تفريك(Tephrike) - ملطية و طرندة- زبطرة و الحدث- حصن منصور و بهسنا و قنطرة سنجة- تجارات الجزيرة و غلاتها- المسالك.

(147- 158)

الفصل

التاسع بلاد الروم- أى آسية الصغرى بلاد الروم- الثغور من ملطية الى طرسوس- الدربان الكبيران فى جبال طوروس- طريق القسطنطينية المار بالابواب القليقية- طرابزون- حصارات القسطنطينية الثلاثة- غزوات المسلمين فى آسية الصغرى- نهب عمورية بامر

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، الفهرس، ص: 4

المعتصم- فتح السلاجقة آسية الصغرى- مملكة ارمينية الصغرى- الصليبيون- أجلّ مدن السلاجقة فى بلاد الروم.

(159- 175)

الفصل العاشر بلاد الروم (تتمة) الامارات التركمانية العشر- ابن بطوطة و المستوفى- قيسارية و سيواس- سلطان العراق- أمير قرمان- قونية- أمير تكة و العلايا و انطالية- أمير حميد و اكريدور- أمير جرميان و كوتاهية و سوري حصار- أمير منتشا و ميلاس- أمير آيدين و افسوس و ازمير- أمير صاروخان و مغنيسية- أمير قراصى و برغامس- الولاية العثمانية و برصى- أمير قزل احمد لي: صنوب (سينوب).

(176- 192)

الفصل الحادى عشر اذربيجان بحيرة ارمية- تبريز- سراو- المراغة و أنهارها- بسوى واشنه- مدينة ارمية و سلماس و خوى و مرند- نخجوان- القناطر على نهر أرس(Araxes) - جبل سبلان- اردبيل و آهر- سفيد روذ و روافده- الميانج- خلخال و فيروزاباد- نهر شال و ولاية شاهرود.

(193- 205)

الفصل الثانى عشر كيلان و الاقاليم الشمالية الغربية الجيلانات- اقليما الديلم و طالش- بروان و دولاب و خشم- لاهجان و رشت و غيرهما من مدن كيلان- اقليم موغان- باجروان و برزند- محمود اباد- ورثان- اقليم الران- برذعة- البيلقان- كنجة و شمكور- نهر الكر و نهر

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، الفهرس، ص: 5

الرس- اقليم شروان- شماخى- باكويه و باب الابواب- اقليم كرجستان أو جورجيا- تفليس و قرص- اقليم ارمينية- دبيل أو دوين- بحيرة وان- اخلاط و ارجيش و وان و بتليس- حاصلات و تجارات الاقاليم الشمالية.

(206-

219)

الفصل الثالث عشر الجبال اقليم الجبال أو عراق العجم، و نواحيه الاربع- قرميسين أى كرمان شاهان- بهستون و منحوتاتها- كنكور- الدينور- شهرزور- حلوان- طريق خراسان العظيم- كرند- كردستان فى عهد السلاجقة- بهار- جمجمال- ألانى و أليشتر- همذان و رساتيقها- در كزين- خرقانين و آوه الشمالية- نهاوند- كرج روذ راور و كرج ابى دلف- فرهان.

(220- 234)

الفصل الرابع عشر الجبال (تابع) اللر الصغرى- بروجرد- خرماباذ- شابر خواست- سيروان و الصيمرة- اصفهان و كورها- فيروزان و فافان و نهر زنده رود- اردستان- قاشان- قم و كلبيكان و نهر قم- آوه و ساوه- نهر كاوماها.

(235- 248)

الفصل الخامس عشر الجبال (تتمة) الرى- ورامين و طهران- قزوين و قلعة ألموت- زنجان- السلطانية-

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، الفهرس، ص: 6

شيز أو ستوريق- خونح- ناحيتا الطالقان و طارم- قلعة شميران- تجارات اقليم الجبال و غلاته- مسالك اقليم الجبال و اذربيجان و اقاليم الحدود الشمالية الغربية.

(249- 266)

الفصل السادس عشر خوزستان نهر دجيل أى كارون- خوزستان و الاهواز- تستر أو شوستر- الشاذروان العظيم- نهر المسرقان- عسكر مكرم- جنديسابور- دزفول- السوس و نهر كرخه- بصنا و متوث- قرقوب و دور الراسبى- الحويزة و نهر تيرى- الدورق و كورة سرّق- حصن مهدى- فيض دجيل- رامهرمز و كورة الزط- بلاد اللر الكبرى- ايذج أو مال أمير- سوسن- لردكان- تجارات خوزستان و غلاته- مسالكه.

(267- 282)

الفصل السابع عشر فارس تقسيم الاقليم الى خمس كور- كورة اردشير خره- شيراز- بحيرة ماهلوية- نهر سكان- جويم- بحيرة دشت أرزن- كوار- خبر و الصيمكان- كارزين و كورة قباذ خره- جهرم- جويم أبى أحمد- ماندستان- ايراهستان- جور أو فيروز اباد- أسياف فارس- جزيرة قيس- سيراف- نجيرم- توج- الغندجان- خارك و سائر جزر خليج فارس.

(283-

297)

الفصل الثامن عشر فارس (تابع) كورة شابور خرّه- مدينة سابور و كهفها- نهر رتين- النوبنجان- القلعة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، الفهرس، ص: 7

البيضاء و شعب بوّان- زموم الاكراد- كازرون و بحيرة كازرون- نهر أخشين و نهر جرشيق- جره و قنطرة سبوك- كورة ارجان- نهر طاب- بهبهان- نهر شيرين- كنبذ ملغان- مهروبان- سينيز و جنابة- نهر الشاذكان.

(298- 310)

الفصل التاسع عشر فارس (تابع) كورة اصطخر و مدينة اصطخر أى برسبوليس- نهر الكر و بلوار- بحيرة البختكان و ما حولها من مدن- سهل مرودشت- البيضاء و مايين- كوشك زرد- سرمق و يزد خواست- الطرق الثلاث من شيراز الى اصفهان- أبرقوه- يزد:

ناحيتها و مدنها- ناحية الروذان و مدنها- شهر بابك و هراة.

(311- 324)

الفصل العشرون فارس (تتمة) كورة دار أبجرد أو كورة شبانكاره- مدينة دار أبجرد- در كان و ايك- نيريز و اصطهبانات- فسا و رونيز و خسو- لار و فرج- طارم- سورو- تجارات فارس و صناعاتها- مسالك اقليم فارس.

(325- 336)

الفصل الحادى و العشرون كرمان كور كرمان الخمس- قصبتا الاقليم- القصبة الأولى: السيرجان، موضعها و تاريخها- القصبة الثانية: بردسير، و هى مدينة كرمان اليوم- ماهان و وليها- خبيص- زرند و كوه بنان و هى كوبنان (Cobinan) لدى ماركو بولو.

(337- 348)

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، الفهرس، ص: 8

الفصل الثانى و العشرون كرمان (تتمة) كورة السيرجان- كورتا بم و نرماسير- ريكان- جيرفت و قمادين: كمادى(Camadi) لدى ماركو پولو- دلفريد- جبال البارز و القفص- روذكان و المنوجان- هرمز العتيقة و الجديدة و كمبرون- تجارات اقليم كرمان- مسالكها.

(349- 359)

الفصل الثالث و العشرون المفازة الكبرى و مكران امتداد المفازة الكبرى و خواصها- الواحات الثلاث: الجرمق و نابند و سنيج- أهم مسالك المفازة-

اقليم مكران- فنزبور و ميناء التيز- مدن أخرى- السند و الهند- ميناء الديبل- المنصورة و الملتان- نهر مهران (Indus)- كورة طوران و قصدار- كورة البدهة و قندابيل.

(360- 371)

الفصل الرابع و العشرون سجستان سجستان أى نيمروز و زابلستان- زرنج و هى القاعدة- بحيرة زره- نهر هيلمند و الانهار الآخذة منه- العاصمة العتيقة للاقليم و هى رام شهرستان- نه- فره و نهر فره- نهر خاش و رستاق نيشك- قرنين و مدن أخرى- روذبار و بست- رساتيق زمينداور- رخج و بالس أى والشتان- قندهار- غزنة و كابل- معدن الفضة- المسالك فى سجستان.

(372- 391)

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، الفهرس، ص: 9

الفصل الخامس و العشرون قوهستان اقليم قوهستان، هو تونو كاين(Tunocain) لدى ماركو پولو- قاين و تون- ترشيز و رستاق بشت: سروة زرادشت العظيمة- زاوة- بوزجان و اقليم زم- رستاق باخرز و مالن- خواف- زيركوه- دشت بياض- كناباد و بجستان- طبس التمر- خوست أو خوسف برجند- مومناباد- طبس مسينان، و دره.

(392- 403)

الفصل السادس و العشرون قومس و طبرستان و جرجان اقليم قومس- الدامغان- بسطام- بيار- سمنان و خوار- طريق خراسان المار بقومس- اقليم طبرستان أو مازندران- آمل- سارية- جبل دماوند و رساتيق فادوسبان و قارن و روبنج- فيروز كوه و غيرها من القلاع- ناتل و سالوس و ناحية رويان- حصن الطاق و ناحية رستمدار- ممطير و طميسة- كبود جامه و خليج نيم مردان- اقليم كركان أو جرجان- نهر جرجان و نهر أترك- مدينة جرجان و استراباد- ميناء أبسكون- ناحية دهستان و آخر- مسالك طبرستان و جرجان.

(404- 422)

الفصل السابع و العشرون خراسان أرباع خراسان الاربعة- ربع نيسابور- مدينة نيسابور و شاذياخ- كورة نيسابور- طوس و المشهد- بيهق و سبزوار- جوين

و جاجرم و اسفرايين- استوا و كوجان- رادكان و نسا و ابيورد- كلات- خابران و سرخس.

(423- 438)

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، الفهرس، ص: 10

الفصل الثامن و العشرون خراسان (تابع) ربع مرو- نهر مرغاب- مرو الكبرى و قراها- آمل و زم على جيحون- مرو الروذ أو مرو الصغرى و قصر الأحنف.

(439- 448)

الفصل التاسع و العشرون خراسان (تابع) ربع هراة- نهر هراة أو هرى رود- مدينة هراة- مالن و المدن التى فى أعلى نهر هرى رود- بوشنج- كورة اسفزار- كورة بادغيس و مدنها- كنج رستاق- رساتيق غرجستان و الغور- الباميان.

(449- 461)

الفصل الثلاثون خراسان (تتمة) ربع بلخ فى اقليم خراسان- مدينة بلخ و النوبهار- ناحية الجوزجان- الطالقان و الجرزوان- ميمنة أو اليهودية- الفارياب، شبرقان، أنبار، واندخود- ناحية طخارستان- خلم، سمنجان و اندرابة- و رواليز و الطايقان- تجارات خراسان و غلاته- المسالك فى خراسان و قوهستان.

(462- 475)

الفصل الحادى و الثلاثون ماوراء النهر (نهر جيحون) بلاد ماوراء النهر اجمالا- اسما جيحون(Oxus) و سيحون(Jaxartes) - روافد نهر جيحون العليا- بدخشان و وخان- الختل و الوخش- القباذيان و الصغانيان و مدنهما- قنطرة الحجارة- ترمذ- الابواب الحديد- كالف و اخسيسك و فربر- بحر آرال أى بحيرة خوارزم- انجماد ماء جيحون شتاء.

(476- 488)

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، الفهرس، ص: 11

الفصل الثانى و الثلاثون خوارزم اقليم خوارزم- قصبتاه: كاث و الجرجانية- اركنج القديمة و الجديدة- خيوه و هزار اسب- انهار خوارزم و المدن التى على يمين جيحون و يساره- المجرى الاسفل لجيحون الى قزوين- تجارات خوارزم و غلاته.

(489- 502)

الفصل الثالث و الثلاثون الصغد بخارا و المدن الخمس داخل أسوارها- بيكند- سمرقند- جبل البتم و نهر زرفشان أى نهر السغد- كرمينية- دبوسية

و ربنجن- كش و نسف و المدن المحاورة لهما- غلات الصغد و تجاراته- مسالك ماوراء جيحون حتى سمرقند.

(503- 516)

الفصل الرابع و الثلاثون اقاليم نهر سيحون اقليم اشروسنة- بونجكث و هى قصبته- زامين و المدن الاخرى- اقليم فرغانة- نهر جكسارتس Jaxartes أى سيحون- اخسيكث و انديجان- اوش و اوزكند و المدن الأخرى- اقليم الشاش أى بنكث- بناكث اى شاه رخية و المدن الأخرى- ناحية ايلاق و مدينة تونكث. معادن الفضة فى خشت- ناحية اسبيجاب- مدينة اسبيجاب اى سيرام- جمكند و فاراب أى أترار- يسى و صبران- جند و ينغكنت- طراز و ميركى و مدن الترك النائية- حاصلات اقاليم سيحون- المسالك التى فى شمال سمرقند.

(517- 532)

فهارس الكتاب 533

1- الفهرست البلدانى 535

2- فهرست الاشخاص و الاقوام 573

3- الفهرست العمرانى 582

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، الفهرس، ص: 12

ثبت الخوارط رقم الخارطة/ الصفحة

1- أقاليم آسية الجنوبية الغربية فى أيام الخلافة 14

2- اقليما العراق و خوزستان، مع قسم من اقليم الجزيرة 40

3- اقليما الجزيرة و اذربيجان، مع أقاليم الحدود الشمالية الغربية 114

4- بلاد الروم 159

5- اقليما الجبال و جيلان، مع اقليم مازندران و قومس و جرجان 220

6- اقليما فارس و كرمان 283

7- اقليم مكران، مع قسم من اقاليم سجستان 360

8- اقليما خراسان و قوهستان، مع قسم من اقليم سجستان 372

9- اقاليم نهري سيحون و جيحون 476

10- اقاليم خوارزم 489

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 1

مقدمة الترجمة

صفة أقاليم الدولة العباسية من العراق الى اقاصى الشرق

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 3

عني المؤرخون المسلمون الاقدمون عناية كبيرة بوضع التصانيف البلدانية:

من معجمات و رحلات و مسالك و خطط و خوارط و مصورات، تناولوا فيها بالوصف و التخطيط

أقاليم العالم المعروف فى أيامهم. فلم يدعوا شاردة و لا واردة وقعت اليهم بالمشاهدة و المعاينة أو بالسماع و النقل الا دوّنوها فى أسفارهم. فخلّفوا لنا بذلك ثروة علمية ثمينة صارت مرجعا أساسيا لمن يبحث فى جغرافيا البلاد الاسلامية و غيرها، من الوجهة العمرانية و التاريخية و الاقتصادية و الخططية. و لا ريب فى أن عناية الاولين بهذه الموضوعات، كابن حوقل و ابن خرداذبه و المقدسى و الاصطخرى و ياقوت، انما كانت صفحة من صفحات النهضة العلمية التى ازدهرت منذ صدر الدولة العباسية.

و الى اولئك المصنفين الثقات الذين كتبوا بالعربية، و لا يتعدى ز منهم فى الغالب المئة التاسعة للهجرة (المئة الخامسة عشرة للميلاد)، نجد جماعة ممن كتب بالفارسية و التركية. و بعض ما كتبه هؤلاء مستمد من المصادر العربية و بعضه من زياداتهم. و تصانيفهم هذه لا يستغنى عنها الباحث فى الجغرافيا التاريخية للاقطار الاسلامية، و لا سيما ما تأخر ز منه عن اولئك المصنفين الاولين. و أشهرهم الحاج خليفة و أبو الغازى.

و حين بدأ اهتمام الغربيين ببلاد الشرق- و مبعث ذلك أسباب كثيرة مختلفة-، رأينا منهم من قصد هذه الديار مستطلعا حال بلدانها و آثارها دارسا لغاتها و تاريخها.

فصنفوا فى ذلك الكتب و كتبوا المقالات و وضعوا الخوارط. و منهم من وجه همه الى مخلفات اولئك المصنفين الاقدمين، فأقبلوا عليها يتدارسونها، و كانت يومذاك مخطوطات تفرق شملها فى خزائن كتب العالم، و يحققونها و ينشرونها بالطبع و ينقلون بعضها الى لغاتهم. و منهم من انصرف الى التأليف فى الجغرافيا التاريخية

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 4

للبلدان الاسلامية بلغته، مستمدا مادة بحثه من اولئك و هؤلاء جميعا.

و لعل فى طليعة من

يذكر من علماء هذا الصنف الاخير، البحاثة الانكليزى المشهور گى لسترنج، مؤلف هذا الكتاب الذى نضع ترجمته اليوم بين أيدى قراء العربية. فقد ألفينا كتابه أجمعها مادة و أكثرها شمولا. حوى بين دفتيه صفة الاقاليم الاسلامية من الفرات غربا حتى أقاصى ما بلغته الدولة العباسية فى أواسط آسية شرقا. و هو الى ذلك كثيرا ما تناول زمنا تقدم عصر هذه الدولة و تأخر عنه استيفاء للموضوع الذى يعالجه. و قد رجع فى كتابه هذا الى امهات التآليف البلدانية و التاريخية التى انتهت الينا من المصنفين المسلمين الاقدمين، و يدخل فى ذلك المطبوع و المخطوط، كما رجع الى ما كتبه المستشرقون و الرحالون من أبناء الغرب.

و قد جعل المؤلف لكتابه هذا خوارط عديدة استند فى وضعها الى الخوارط الجغرافية الحديثة و أثبت فيها التسميات القديمة حسبما هداه اليه علمه و دلّه عليه بحثه. فذكر فى هذه الخوارط أشهر كور الاقاليم الاسلامية و مدنها و قراها و أنهارها، مبيّنا ما كان يتخللها من مسالك، فان حصل فى تعيين بعض المواقع شى ء من الوهم، فمردّ ذلك فى الغالب الى أن كثيرا من التسميات لا يعرف من أمره اليوم شى ء، و مبنى تعيينه على الحدس و التخمين. و لابد من القول ان متن الكتاب و خوارطه وحدة متماسكة يكمل بعضها بعضا.

ثم أن المؤلف، على ما بان لنا من تتبع النصوص التى نقلها من المراجع القديمة، كان أمينا فى نقلها حريصا على رجع الفضل لذويه. و لم يتردد قط فى أن ينوّه بالمرجع الذى استقى منه و بزمنه كلما نقل منه. و ان و هم المؤلف أحيانا فى نقل بعض النصوص أو فهمها على غير وجهها- على ما أشرنا اليه

فى موطنه- فقد سبق هو الى الاعتذار عن ذلك فى مقدمته، بكون معظم مراجعه مكتوبا بالعربية و الفارسية و التركية، و هى لغات قلّ من أجادها معا.

و المؤلف، على ما سيرى القارئ، متمكن من موضوعه، خبير بدقائقه، مطلع على اصوله و فروعه، يتنقل فيه تنقّل العارف. و ليس أدلّ على ذلك من تصانيفه الكثيرة فى هذا الباب- و سيرد ذكرها فى ترجمة حياته.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 5

و لقد راعينا فى نقل هذا الكتاب، أن تكون الترجمة العربية مطابقة للاصل. و لما كان المؤلف قد رجع الى جملة كبيرة من المصادر العربية القديمة، منقّبا فيها و ناقلا منها ما يتعلق بموضوعه، رأينا لزاما علينا أن نعود الى تلك الاصول أنفسها فننقل منها النصوص بالحرف الواحد أو نوفّق بين جملة نصوص أدمجها المؤلف نفسه فى صفة مدينة أو موضع ما. و ننتقى من ألفاظ الحضارة و العمران و من تعابير تلك المصادر ما طابق سياق البحث فى الاصل الانكليزى و تمشى مع اسلوب المصنفين الاقدمين فى هذه الموضوعات. و لم نغفل مراجعة ما ظهر من كتب بعد تأليف هذا السفر. فاستعنّا بها فى استكمال بعض جوانب الموضوع بما أضفناه من حواش حيثما اقتضى الامر، و قد ذيلناها بحرف (م).

و لا يسعنا، و نحن نقدّم ترجمة هذا السفر الى قراء العربية، الا أن نشيد بفضل المجمع العلمى العراقى، الذى رأى ما لهذا الكتاب من جزيل الفائدة و عظيم النفع، فعهد الينا نقله الى العربية و أقرّ طبعه بنفقته، و عني بنشره خدمة للعلم. فله منا أبلغ الشكر و أطيب الثناء.

بشير فرنسيس كوركيس عواد

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 6

ترجمة لسترنج مؤلف الكتاب

ولد

لسترنج Guy Le Strange فى هنستنتن هل بانكلترة سنة 1854، و توفى فى كمبرج فى 24 كانون الاول 1933، عن عمر ناهز الثمانين سنة.

أمضى لسترنج وقتا طويلا من عمره خارج بلاده، فعاش فى باريس مع امه. و هناك اتصل بالمستشرق موهل Julius Mohl ناشر الشاهنامة و مترجمها الى الفرنسية. فشوّقه الى درس اللغتين الفارسية و العربية. و حضر فى باريس دروس المستشرق ستانسلاس گويارStanislas Guyard فى اللغة العربية. فحفّزته هذه الدراسات الى زيارة بلاد فارس و هو فى عنفوان شبابه، فمكث فيها ثلاث سنوات (1877- 1880) توفر فى أثنائها على الوقوف على تاريخ هذه البلاد و أحوالها و لغتها. و كان من ثمار ذلك أن نشر سنة 1882 بمشاركة هگردHaggard قصةThe Vizir of Lankuran بالفارسية مع ترجمة انكليزية لها و معجم لألفاظها و تعليق عليها. و فى سنة 1886 نشر ترجمة قصة فارسية اخرى عنوانهاThe Alchemist . و نشر فى سنة 1915 القسم الجغرافى من كتاب «نزهة القلوب» لحمد اللّه المستوفى القزوينى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 7

مع ترجمة له، فى سلسلة مطبوعات لجنة گب. و كان لسترنج من أعضاء هذه اللجنة العاملين.

و لكن أجلّ الميادين التى برز فيها لسترنج و رفعته الى مصاف كبار المستشرقين، كان فى ما ألفه من كتب فى الجغرافيا التاريخية للبلاد الاسلامية.

فقد نشر فى سنة 1886 ترجمة لما كتبه المقدسى عن فلسطين فى كتابه «أحسن التقاسيم فى معرفة الاقاليم». و فى سنة 1890 ظهر كتابه «فلسطين فى عهد الاسلام»Palestine Under the Moslems . و فى سنة 1895 نشر قطعة من كتاب «عجائب الاقاليم السبعة» لابن سرابيون (سهراب) فيها صفة أنهار العراق و الجزيرة، مع ترجمة انكليزية و تعليقات و

خارطة. و فى سنة 1900 طبع كتابه الموسوم «بغداد فى عهد الخلافة العباسية»Baghdad During the Abbasid Caliphate . ثم أصدر فى سنة 1905 كتابه «بلدان الخلافة الشرقية»The Lands of the Eastern Caliphate . و هو هذا الذى نقدم اليوم ترجمته بالعربية.

و فى سنة 1912 نقل صفة اقليم فارس من كتاب «فارسنامه» لابن البلخى و نشره فى سلسلة كتب الجمعية الآسيوية الملكية. و قد ساهم أيضا فى نشر «تجارب الامم» لمسكويه الذى طبعت بعض أجزائه لجنة گب. و له مقالات عديدة فى الجغرافيا التاريخية لبلاد الاسلام، نشرها فى مجلة الجمعية الآسيوية الملكية منذ انتخابه عضوا فيها سنة 1880 حتى وفاته.

و قد انجز لسترنج جميع هذه التآليف الجليلة و هو يعانى ضعفا شديدا فى بصره، آل به سنة 1912 الى العمى. و لم يحل العمى دون مواصلة نشاطه العلمى، فكان يلجأ الى من يقرأ و يكتب له. و انكبّ و هو فى هذه الحال على دراسة الاسبانية فأثمر ذلك نشره سنة 1920 «كتاب الاغانى الاسبانية»

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 8 The Book of Spanish Ballads

. و فى سنة 1926 نقل من الاسبانية تاريخ «دون جوان الفارسى»Don Juan of Persia و فى سنة 1928 نشر حوادث «سفارة كلافيجو»The Embassy of Clavijo

و التفّ حول لسترنج كثير من الاصدقاء و المعجبين به. و كان من أقرب أصدقائه اليه، المستشرق براون E .G .Browne الذى مهد له السبل الى العمل فى جامعة كمبرج حيث ألقى محاضرات كثيرة فى شتى المواضيع. و قد اشتغلا معا فى لجنة گب التذكارية. و لم تخل أيام لسترنج من تلميذ، شيخ أو شاب، يتلقى عنه العلم بالفارسية أو العربية أو الاسبانية.

لسترنج فى

اواخر ايامه

(عن صورة فتغرافية زودنا بها البروفسور ملوان)

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 9

مقدمة المؤلف

حاولت فى هذه الصفحات، أن أجمع فى مجلد معتدل الحجم ما تفرق من أخبار فى مؤلفات جغرافيى القرون الوسطى: العرب و الفرس و الترك ممن وصف بلاد العراق و الجزيرة و فارس و الاصقاع الدانية من آسية الوسطى.

و ما نقلت عنه من مراجع يبدأ بمصنفات المسلمين الاقدمين و ينتهى بالمؤلفين الذين وصفوا استيطان هذه البلدان فيما بعد وفاة تيمورلنك- أى بعد الفتوحات الكبرى فى آسية الوسطى- ففى و سعنا القول ان بالقرن الخامس عشر للميلاد ختمت العصور الوسطى فى آسية.

و ما السفر الذى أضعه بين أيدى القراء الا تكملة لكتاب «بغداد فى عهد الخلافة العباسية» المطبوع سنة 1900 وصلة للبحث الجغرافى الذى بدأته بكتاب «فلسطين فى عهد الاسلام» الصادر سنة 1890.

و لكى احافظ على اعتدال حجم هذا الكتاب، ضربت صفحا عن جغرافيا جزيرة العرب و وصف المدينتين المقدستين مكة و المدينة، مع أن معظم هذه البلاد كان تابعا لدولة بنى العباس. و قد يتناول هذا الموضوع من هو أدرى به منى من الباحثين فيكتب الجغرافيا التاريخية لجزيرة العرب و لمصر الفاطمية فى الجانب الثانى من البحر الاحمر. و يصف أقاليم شمالى أفريقية المختلفة و بلدان الخلافة الغربية فى الاندلس البعيدة التى ازدهرت على قصر عمرها. فحينذاك يتكامل علمنا بالبلاد الاسلامية.

و ان أردنا أن يكون التاريخ الاسلامى ممتعا مفيدا و أن يفهم على حقيقته فهما صحيحا، وجب علينا أن نبحث فى الجغرافيا التاريخية للشرق الأدنى خلال

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 10

العصور الوسطى بحثا مستفيضا شاملا. و ها أنذا قد بذلت أول جهد فى هذا السبيل.

أما ما يفتقر اليه هذا الكتاب من مزيد العناية به و جعله خيرا مما هو عليه الآن فأنا أول المسلّمين لذلك. و مهما يكن الامر فقد مهدت الطريق لمن يتناول الموضوع من بعدى بما أشرت اليه فى الحواشى من مراجع كل قول و بما قوّمته من أغلاط كتاب سالفين، فكان ما جئت به باكورة التآليف فى وصف أقاليم الخلافة العباسية وصفا كاملا خلال هذه الحقبة. و ما كتابى هذا الا مجمل و لست أدعي أنه وعى كل واردة و شاردة، فقد اضطررت للمحافظة على الحجم الذى أردته له، الى تحاشى ترجمة نصوص الرحلات المنتهية الينا من مؤلفى الاسلام ترجمة كاملة. و على ذكر الرحلات أقول ان الحاجة تمس الى اصدار طبعة جديدة لكتاب «طرق البريد و السفر فى بلاد الشرق»

Sprenger, Post und Reise Routen des Orients

مصححة تصحيحا وافيا بالاستناد الى المتون المنشورة حديثا.

ذلك بالرغم من أن ترجمة المسالك و الممالك التى ألحقها الاستاذ دى غويه بطبعته لابن خرداذبه و قدامة، قد سدّت هذه الفجوة الى حد بعيد.

و قد ألحقت بوصف كل اقليم، ذكر تجاراته و صناعاته على ما جاء فى المصادر التى اعتمدت عليها. على أن ما أوردته ليس الا نزرا يسيرا، و من أراد الوقوف على تجارات و صناعات الشرق الاسلامى فى العصور الوسطى، فليرجع الى الفصل الموسوم ب «التجارة و الصناعة» من كتاب فون كريمر «تاريخ حضارة الشرق»Culturgeschichte des Orients فهو ما زال خير ما كتب فى هذا الشأن.

و يرى القارئ بعد ثبت «مضامين» الكتاب، أسماء البلدانيين المسلمين مرتبة بحسب سياق زمنهم. و قد أشرت اليهم فى الهوامش بالحروف الاولى من أسمائهم.

أما غيرهم ممن رجعت اليهم فى الحواشى، فقد ذكرت أسماءهم كاملة لدى

الاشارة الاولى اليهم فقط. و من اليسير معرفة أسماء مؤلفاتهم حين النقل منهم فى ما يلى المرة الاولى بالرجوع الى الفهرست الهجائى للوقوف على أول ذكر لهم فى الكتاب.

و سيقف القارئ فى الفصل التمهيدى، على وصف موجز لمؤلفات

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 11

البلدانيين العرب. و كنت قد بسطت القول فيها فى كتاب «فلسطين فى عهد الاسلام»Palestine Under the Moslems .

و لقد ذكرت السنين بالتاريخ الهجرى مقرونة بما يوافقها من السنين الميلادية (بين قوسين). و أرانى فى غنى عن التعليق على ما اتبعته فى ضبط الاعلام:

فقد جريت فيه على الطريقة الشائعة الاستعمال. و حسبى أن أذكر أن حرف (و) العربى يلفظ عادة (ف V ) بالفارسية و أن (ض- ظ) يلفظان بالفارسية (ز)، و (ث) يلفظ) (س).

و لا ريب فى أن كتابا مثل هذا، أعتمد فى تأليفه على مصادر يكاد جميعها يكون شرقيا، قد يقع القارئ على هفوات جمة فيه. ثم انه لتعدد المراجع، لا مناص من الزلل. و انى لأشكر فضل من يهدينى الى صواب أو ينبهنى الى سهو.

و أرجو أن يقدم غيرى على العناية بموضوع الجغرافيا التاريخية. فان ظهر كتاب غير هذا أوفى بحثا و أشمل موضوعا، يكون كتابى قد أصاب الغاية من تمهيد الطريق الى ما هو أحسن.

شارع سان فرنسسكو بوفيرينو رقم 3 فلورنسة- ايطالية أيار 1905

لسترنج

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 12

البلدانيون المسلمون و قد رتبت أسماؤهم بحسب زمن تصانيفهم الاسم/ السنة الهجرية/ السنة الميلادية

ابن خرداذبه 250 (864)

قدامة 266 (880)

اليعقوبى 278 (891)

ابن سرابيون 290 (903)

ابن رسته 290 (903)

ابن الفقيه 290 (903)

المسعودى 332 (943)

الاصطخرى 340 (951)

ابن حوقل 367 (978)

المقدسى 375 (983)

ناصر خسرو 438 (1047)

فارسنامه 500 (1107)

الادريسى 548

(1154)

ابن جبير 580 (1184)

ياقوت 623 (1225)

القزوينى 674 (1275)

مراصد الاطلاع 700 (1300)

أبو الفداء 721 (1321)

المستوفي 740 (1340)

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 13

الاسم/ السنة الهجرية/ السنة الميلادية

ابن بطوطة 756 (1355)

حافظ ابرو 820 (1417)

على اليزدى 828 (1425)

جهان نما 1010 (1600)

أبو الغازى 1015 (1604)

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 14

الفصل الاول تمهيد

بلاد ما بين النهرين و فارس و اقاليمها فى ايام الخلفاء العباسيين- الأقاليم فى الأطراف الشمالية الغربية و الشمالية الشرقية- الطرق من بغداد الى اقاصى حدود بلاد الاسلام- البلدانيون المسلمون و تصانيفهم- المؤلفون الآخرون- اسماء المواضع فى الأقاليم العربية و التركية و الفارسية.

كانت بلاد العراق و الجزيرة و فارس تؤلف مملكة الاكاسرة الساسانيين التى قضى عليها العرب قضاء مبرما حين ساروا لهداية العالم الى الاسلام بعد وفاة النبى محمد. أما الروم البزنطيون، و هم الدولة العظمى الثانية التى هاجمها المسلمون، فلم يغلبوها كل الغلبة، بل استولوا على أقسام متفرقة من أقاليمها الغنية، لا سيما سواحلها المطلة على جنوب البحر المتوسط و شرقه. و أما فى غير ذلك، فقد أفلح القياصرة فى صد تقدم الخلفاء، و ظلوا على ذلك قرونا عدة. بل ان دولة الروم عاشت مئتى سنة و نيّفا بعد زوال الخلافة العباسية.

على أن العرب اكتسحوا مملكة الساسانيين و أخضعوها لسلطانهم. أما يزدجرد آخر الاكاسرة فقد اعترضه بعضهم و قتله . و انضوت بلاد فارس كلها الى الاسلام. و كانت دولة الخلفاء الذين اضطلعوا بتدبير المملكة الفارسية العابرة، قد نهجت نهج الاكاسرة فى الحكم. و لا سيما فى أيام العباسيين الذين غلبوا خصومهم الامويين بعد وفاة النبى بقرن و نيف من الزمن، و نقلوا قاعدة الخلافة من الشام الى العراق، و أسسوا بغداد

على دجلة، على بضعة أميال فوق طيسفون

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 15

عاصمة الساسانيين الشتوية الاولى. و سرعان ما أصبحت بغداد قاعدة الدولة الاسلامية فى الشرق. و لكن هذه الدولة منذ أيام أول خلفاء بنى العباس، لم تحافظ على وحدتها، و لو اسميّا. فانفصلت عنها الاندلس، و ما عتم أن قام فى قرطبة خليفة أموى زاحم خليفة بغداد العباسى. و لم يمض قرن و بعض قرن على قيام دولتهم حتى أفلتت مصر من أيديهم. فحين أعلن أمير قرطبة الاموى نفسه أميرا للمؤمنين فى الاندلس، كانت السلطة قد انتقلت فى مصر الى الفاطميين الذين أخذوا بنظام الخلافة أيضا، و نبذوا طاعتهم لبغداد. أما الشام فقد كانت تواكب مصر فى أغلب الاحيان. و أما جزيرة العرب فكانت تتنازعها الاثنتان. أما فى الشرق البعيد، فقد استقلت أقاليم كثيرة عن الخليفة العباسى، بيد أنها لم تقم فيها خلافة تناوي ء بغداد . و بالاجمال فجميع تلك الاقاليم الواسعة التى كانت تؤلف المملكة الساسانية قبل الاسلام، لبثت حتى الاخير خاضعة لخلفاء بنى العباس خضوعا اسميّا، ان لم يكن حقيقيا. فان هاتيك البلاد المترامية الاطراف التى يحدها شرقا صحارى آسية الوسطى و جبال أفغانستان، و غربا دولة الروم البزنطيين، كانت منقسمة الى أقاليم عديدة سنتبسط فى صفة أحوالها فى الفصول الآتية من الكتاب. و قد ظلت أسماء الاقاليم و حدودها فى أيام العرب على ما كانت عليه فى أيام الاكاسرة فى الغالب (على ما انتهى اليه علمنا). فالشرق فى واقع الامر، لم يتغير الا قليلا بحيث ان الاسماء و الحدود لم يطرأ عليها تبدل يذكر حتى يومنا هذا، و ان كانت أحوال البلاد السياسية و أوضاعها الاقتصادية أى المادية

قد تغيرت على ما هو منتظر تغيرا كبيرا فى خلال الالف و الثلاثمئة سنة الاخيرة.

و قبل أن أتوغل فى هذا الموضوع، أرى أن اوجز القول فى هذه الاقاليم المختلفة تبعا لسياق ورودها فى الفصول الآتية.

فالاقليم السهلي العظيم الذى أطلق عليه اليونان اسم «ميزوبوتامية»Mesopotamia (أى ما بين النهرين) ما هو الا هبة الرافدين: الفرات و دجلة.

و هذا النهر الاخير (على ما سنبين فى الفصل الثانى) لم يكن مجراه الاسفل أيام

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 16

العباسيين فيما هو عليه اليوم. و نظرة واحدة الى الخارطة ترينا أن بادية العرب القاحلة، تمتد حتى طف الفرات الغربى، اذ ليس لهذا النهر روافد فى يمينه.

أما دجلة، فحاله خلاف ذلك: لأن الجبال الايرانية تبعد مسافة كبيرة عن شرقيّه، فتنحدر منها جداول كثيرة تؤلف روافد عدة لدجلة تصب فى يساره. و قد ورث المسلمون عن الساسانيين فى العراق نظاما للرى جعل هذا الاقليم من أخصب بلاد الدنيا . و سنتبسط فى ذكر هذا النظام. و لكن نكتفى الآن بالقول ان العرب كانوا يسقون أرض ما بين النهرين بتحويل الفائض من ماء الفرات الى جملة أنهر تأخذ من الفرات الى دجلة مخترقة سهول ما بين هذين النهرين. أما الارض من شرقى دجلة حتى سفوح جبال ايران، فقد كان بعضها تسقيه أنهار تنحدر من هذه الجبال، و بعضها تسقيه جملة أنهار تخرج من دجلة و تعود اليه فى جانبه الايسر. و كانت هذه الانهار تستوعب مياه فيضانات كثير من الانهار الصغيرة التى تنبع فى الجبال الشرقية.

و قد قسم العرب بلاد ما بين النهرين الى اقليمين: الاسفل و الاعلى. و قوام الاقليم الاسفل أرض الرسوب الخصبة و هى بلاد بابل القديمة،

و قد عرف هذا الاقليم بالعراق. و حدّه الشمالى (و قد اختلف باختلاف الازمان) خط يمتد من الشرق الى الغرب مبتدئا من دجلة و منتهيا بالفرات، حيث يأخذ هذان النهران باقتراب أحدهما من الآخر فى السهل الذى بينهما. و لاريب أن أكبر مدن العراق فى أيام بنى العباس كانت بغداد. و لكن قبل قيام الدولة العباسية بقرن، أنشأ

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 17

المسلمون الاولون بعد فتح العراق، ثلاث مدن كبيرة و هى: واسط و الكوفة و البصرة. ظلت هذه المدن مزدهرة بضعة قرون، و كانت هى و الانبار (و الانبار مدينة من أيام الساسانيين) التى على الفرات فى خط عرض بغداد، أكبر المدن الآهلة فى اقليم العراق أيام بنى العباس.

و تمتد فى شمال أرض الرسوب، السهول الصخرية فى أعالى ما بين النهرين. و هناك قامت مملكة نينوى فى العصور القديمة. و قد سمى العرب بلاد ما بين النهرين العليا بالجزيرة، لأن تلك السهول العظيمة تحيط بها مياه أعالى الفرات و دجلة و الأنهار التى تنصب فيهما جنوبى السهول الصخرية.

و يمتد اقليم الجزيرة شمالا حتى الجبال التى ينبع فيها هذان النهران العظيمان.

و كانت الجزيرة تنقسم الى ثلاثة أقسام، نسب كل قسم منها الى القبيلة العربية التى نزلته أيام الاكاسرة. و أشهر مدنها: الموصل و هى على مقربة من أطلال نينوى، و آمد فى أعالى دجلة، و الرقة على عدوة الفرات الكبرى بالقرب من طف البادية. و فى أقصى الطرف الآخر من هذه البادية مدينة دمشق.

و يصف الفصل الذى يليه، البلاد الجبلية التى يخرج منها النهران التوأمان، و هما منبعا الفرات. و هذه البلاد قد تناوبتها أيدى العرب و الروم. فقد كانت مدنها

و حصونها تارة بيد المسلمين و تارة بيد النصارى، بحسب مدّ الحرب و جزرها بينهم. و لم يستقر العرب فى هذه الاصقاع، و لهذا جاء وصفها فى مصادرنا الاولى مختصرا فى الغالب. و نظير ذلك ما كان من أمر الاقليم المعروف ببلاد الروم بل بمدى أوسع: فقد لبث هذا الاقليم حتى النصف الاخير من المئة الخامسة للهجرة (المئة الحادية عشرة للميلاد) جزءا لا يتجزأ من دولة الروم البزنطيين و مرجع ذلك أنه كان يفصل بين هذا الاقليم و بين بلدان الخلافة، حاجز عظيم و هو جبال طوروس. على أن المسلمين كانوا فى نحو كل سنة يغزون بلاد الاناضول عابرين دروب جبال طوروس. و لقد حاصروا القسطنطينية غير مرة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 18

دون جدوى و أقاموا فى بعض الاوقات حاميات، و استولوا على حصون فى هضبة آسية الصغرى. أما فى ما عدا ذلك فلم يكتب لخلفاء بنى العباس الاستيلاء على تلك البلاد. فقد غزوا غزوات كثيرة فى آسية الصغرى، دون أن يتاح لهم أخذ رقعة فيها. و لم يتوطد حكم المسلمين هناك حتى ضعفت الخلافة فحلّ السلاجقة الاتراك فى هذه الهضاب التى غنموها من البزنطيين، فصارت آسية الصغرى، أى بلاد الروم أخيرا، من جملة ديار المسلمين. و هى ما زالت على ذلك. و فى شرق اقليم الجزيرة العليا، و هى بلاد ما بين النهرين، اقليم اذربيجان. و قد عرف قديما باسم «أتروباتين»Atropatene و يحدّه من أعلاه نهر أرس Araxes و من أسفله النهر الابيض و هو «سفيدرود»، و كلاهما يصب فى بحر قزوين. و أبرز العوارض الطبيعية فى هذا الاقليم، البحيرة الملحة الكبرى المعروفة الآن ببحيرة أرمية، و بقربها تبريز و مراغة

قاعدتا الاقليم. و الى شرقها: أردبيل، و هى من كبار مدنه و أقربها الى بحر قزوين. و تناول الفصل الذى يليه، جملة أقاليم صغيرة على الحدود الشمالية الغربية. أولها گيلان أو جيلان، على بحر قزوين حيث يشق سفيد رود جبل ألبرز و هو الحاجز الجبلى فى الهضبة الايرانية. و يجرى هذا النهر فى سهل رسوبى كوّنه الغرين فألف دلتا صغيرة فى داخل بحر قزوين. و تناول هذا الفصل أيضا صفة اقليم موقان، و هو عند فم نهرى أرس و الكرCyrus المتحد. و اقليم أران الى غربه، و هو بين هذين النهرين. و اقليم شروان فى شمال الكر، و كرجستان «جورجية» عند منابعه. و فى آخره: أرمينية الاسلامية عند منابع أرس و هى الاقليم الجبلى المحيط ببحيرة وان.

و فى جنوب شرقى أذربيجان، اقليم ماذى الخصب الذى أحسن العرب فى تسميته باقليم الجبال. فان جباله تشرف على سهل ما بين النهرين الاسفل. و هذه الجبال تمتد شرقا حتى تبلغ حدود المفازة الكبرى فى أواسط ايران. و لما علا شأن الاكراد و عظم أمرهم فى الازمنة الاخيرة، عرف القسم الغربى من اقليم الجبال بكردستان. و سيمرّ بنا أن اقليم الجبال فى القرون الوسطى غالبا ما أخطأوا فى تسميته بالعراق العجمى تمييزا له عن العراق العربى الذى يراد به بلاد

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 19

ما بين النهرين السفلى. و فى اقليم الجبال، مدن كثيرة: ففى الغرب كرمانشاه و همذان (و هى اكبتاناEcbatana القديمة). و فى الشمال الشرقى: الرى (و هى(Rhages . و فى الجنوب الشرقى: أصفهان. ثم ابتنى مغول فارس مدينة السلطانية فى سهول هذا الاقليم الشمالية، و قد أخذت مكان بغداد حينا من الزمن

فأضحت قاعدة هذا القسم من دولتهم التى كانت تتألف فى أيام الايلخانيين من بلاد ما بين النهرين و فارس. و كانت تخرج من جبال «اقليم الجبال» أنهار كثيرة، منها كارون، و قد سماه العرب دجيل (تصغير دجلة). و هذا النهر بعد أن ينساب فى مجرى طويل متعرج يصب فى رأس خليج فارس الى شرق المصب المشترك للفرات و دجلة.

أما اقليم خوزستان، فهو فى جنوب ماذى و شرق العراق، على جانبى المجرى الاسفل لنهر كارون، أى دجيل و فروعه العديدة. كان هذا الاقليم عظيم الخصب وافر الخير. و أشهر مدنه تستر و الاهواز. و لوفرة مياهه زكت غلات أرضه. و فى شرق خوزستان على الخليج، اقليم فارس العظيم. و هو بلاد برسس Persis القديمة مهد المملكة الفارسية. و قد ظل هذا الاقليم فى أيام العباسيين منقسما الى خمس كور على نحو ما كان عليه فى عهد الساسانيين.

و كانت فارس مكتظة بالمدن الصغيرة و الكبيرة. و أجلّها شيراز قاعدة الاقليم، و اصطخر (پرسپوليس(Persepolis و يزد، و أرّجان، و دار أبجرد.

و كانت جزر الخليج تعد من أعمال فارس. و كانت جزيرة قيس مركزا تجاريا ذا شأن قبل نشوء مدينة هرمز. و أبرز العوارض الطبيعية فى فارس بحيرة بختيكان الكبرى الملحة، و رقع مائية اخرى أصغر منها منتشرة فى وديان الهضبة العريضة. و ما فى هذا الاقليم من جبال، متشعب من سلاسل اقليم الجبال، و قد مرت الاشارة اليه. و صارت كورة دار أبجرد فى فارس اقليما قائما بنفسه فى أيام المغول. و كانت تسمى فى المئة السابعة (الثالثة عشرة للميلاد) شبان كاره و فى أواخر العصور الوسطى الحقت كورة يزد أيضا باقليم الجبال.

و فى شرق فارس، اقليم كرمان. و

هو دون سالفه خصبا لخلوه من الانهار تقريبا. و لمتاخمته المفازة الكبرى. و كان لهذا الاقليم قصبتان فى أيام العباسيين،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 20

و هما: السيرجان و كرمان. و أشهر مدنه: هرمز على الساحل و جيرفت فى الداخل، و كانت مدينة رائجة التجارة. و أبرز العوارض الطبيعية فى هضبة ايران العالية: المفازة الكبرى فى وسط بلاد فارس. و هذه المفازة مقفرة ملحة مترامية الاطراف، تنحرف باتجاه الجنوب الشرقى قاطعة بلاد فارس من الرى فى لحف الجبال المشرف جانبها الشمالى على بحر قزوين. و هى تنبسط كنطاق عريض يندمج طرفه الاسفل بجبال مكران، الاقليم المتاخم للمحيط الهندى.

و فى هذه المفازة واحات قليلة و تغطى الاملاح رقعة واسعة من سطحها المجدب.

على أن عبور المفازة هيّن شتاء ففيها مسالك كثيرة واضحة المعالم تربط بين المدن القائمة على جوانبها. و مع ذلك فان هذه المفازة الكبرى حاجز يحول دون الاتصال الدائم بين اقليمى فارس و كرمان، و هما فى شفيرها الجنوبى الغربى و الاقليمين الشرقيين فيما يلى حدها الآخر، و نعنى بذلك خراسان و معه سيستان فى جنوبه الشرقى. و كان لهذا الحاجز الصحراوى أثر كبير فى تاريخ بلاد فارس خلال جميع أدواره. و بعد أن ذكرنا فى هذا الفصل ما انتهى الينا من أقوال البلدانيين المسلمين فى المفازة الكبرى، تناولنا بالبحث اقليم مكران الذى يصاقب الهند من شرقه و يصعد المرتفعات المشرفة على وادى الاندس(Indus) و يعرف قسم منه اليوم ببلوجستان. على أن مراجعنا لم تستوف صفة هذه الانحاء.

و الى شمال مكران، عبر أضيق أقسام المفازة، بازاء كرمان، اقليم سجستان أى سيستان. و هو فى شرق زره، البحيرة الواسعة الضحلة. و يصب فى

هذه البحيرة نهر هلمند و غيره من الانهار الكثيرة المنحدرة من جبال أفغانستان الشاهقة- فوق كابل و غزنة- الى الجنوب الغربى. و فى هذا الموضع مدينة قندهار.

و هى فى سهل يحف به رافدان من روافد هلمند. و مدينة زرنج قاعدة سجستان، عند مصب هذا النهر الكبير فى بحيرة زره. و فى شمال غربى بحيرة زره، على شفير المفازة الكبرى، الاقليم الجبلى المسمى قوهستان (أى بلاد الجبال) و أشهر مدنه: تون و قاين و قد ذكرهما ماركو بولو فى رحلته معا باسم تنوكين

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 21 ( Tunocain )

و يؤلف اقليما سجستان و قوهستان حدود خراسان الجنوبية و هو الاقليم الشرقى العظيم فى بلاد فارس.

و يحسن بنا قبل أن نصف هذا الاقليم الاخير الاشارة الى الاقاليم الصغيرة الثلاثة: قومس و طبرستان و جرجان و هى موضوع الفصل المقبل. فقومس و قصبته الدامغان، يمتد بحذاء الحافة الشمالية للمفازة الكبرى شرقى الرى.

و فيه السفوح الجنوبية لجبال ألبرز التى تفصل هضبة ايران العالية عن بحر قزوين.

و هذه الجبال، و لا سيما جانبها الشمالى، تنحدر الى بحر قزوين و تؤلف اقليم طبرستان المسمى أيضا مازندران، الممتد من كيلان و دلتا النهر الابيض (سفيد رود) فى الغرب الى الزاوية الجنوبية الشرقية من بحر قزوين. و يتصل هاهنا اقليم طبرستان بجرجان، أى كركان، و هو هركانية(Hircania) القديمة، و فيه الاودية التى يسقيها نهر اترك(Atrak) و نهر جرجان. و على هذا الاخير تقوم مدينة جرجان. و يمتد اقليم جرجان شرقا من بحر قزوين الى الصحراء التى تفصل خراسان عن الارض الزراعية فى دلتا جيحون(Oxus) و هى التى يقال لها اقليم خوارزم.

و اقليم خراسان الحالى ليس الا

بقية للصقع الكبير الذى كان يعرف بهذا الاسم منذ أيام العباسيين حتى أواخر العصور الوسطى. فان اقليم خراسان، كان حينذاك يضم أيضا ما هو اليوم شمال غربى أفغانستان. و كان يكتنف خراسان فى العصور الوسطى نهر بدخشان من الشرق و نهر جيحون و صحراء خوارزم من الشمال. و قسّم البلدانيون المسلمون خراسان الى أربعة أرباع، عرف كل ربع باسم قصبته، و هى: نيسابور و مرو و هراة و بلخ. و أبرز

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 22

العوارض الطبيعية فى خراسان: النهران العظيمان، نهر هراة و نهر مرو.

و مخرجهما فى جبال البلاد المعروفة اليوم بأفغانستان، و ينعطفان شمالا، ثم يفنى ماؤهما فى رمال الصحراء أمام خوارزم، فلا ينتهيان الى بحر أو بحيرة.

و يتناول الفصل الذى يليه أعالى نهر جيحون و صفة جملة أقاليم صغيرة تمتد من بدخشان فالى الغرب و تقع فى شمال هذا النهر العظيم و على روافد ضفته اليمنى. و فى هذا الفصل أيضا وصفنا اقليم خوارزم و هو فى جنوب بحر آرال.

و قوامه دلتا هذا النهر، و قصبته القديمة أركنج. و قد أفردنا بعض صفحات هذا الفصل لايضاح المجرى القديم لنهر جيحون الماد الى بحر قزوين، و هو موضوع قد كثر حوله الجدل. و وراء هذا النهر، فيما بينه و بين سيحون(Jaxartes) ، اقليم الصغد و هو صغديانا(Soghdiana) القديم، و فيه المدينتان الجليلتان:

سمرقند و بخارى، و هما على نهر الصغد. و هذا الفصل يسبق آخر فصول الكتاب. أما الفصل الاخير، فيتناول بالبحث الاقاليم التى على نهر سيحون من اقليم فرغانة، بالقرب من تخوم صحارى الصين، و قاعدته أخسيكث، الى الشاش و هى طشقند الحديثة. كما يتناول اقليم أسبيجاب فى الشمال

الغربى. و وراء هذا الاقليم ينساب نهر سيحون حتى يصب فى أعلى بحر آرال مارا بالتيه الصحراوى القارس. و لم يذكر البلدانيون العرب الاقدمون الا أخبارا مختصرة عن هذه الاقاليم الشمالية التى فى أقاصى الشرق فيما وراء آسية الوسطى. و تلك الاصقاع موطن الترك و لم تصبح ذات شأن الا بعد الغزو المغولى. و مما يؤسف عليه أنه لم ينته الينا مما يعتد به من الاخبار عن هذه الحقبة الا النزر القليل. و فى الغالب لم يسعفنا البلدانيون العرب فى ذلك. و كان لنا العوض بالمؤلفين الفرس و الترك، و لكن ما انتهى الينا منهم مشوش لا يوثق به.

و حين بلغت الدولة الاسلامية أقصى اتساعها فى أيام بنى العباس، انشئ نظام محكم للطرق مركزه بغداد. فكانت الطرق الآتية من أقاصى الشرق تعبر دجلة ميممة شطر الحجاز لأداء فريضة الحج، اذ على المسلمين الحج الى مكة و لو مرة واحدة فى العمر . و قد انتهت الينا من ذلك الزمن أوصاف وافية عن نظام

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 23

الطرق هذا (و قد ورثه العرب عن مملكة الفرس القديمة) و فى وسعنا أن نجمل وصف أهم الطرق التى تخترق الاقاليم المار ذكرها فى الفقرات السابقة.

و أشهر الطرق العامة: طريق خراسان العظيم الضارب الى الشرق. و هو يربط العاصمة بمدن ما وراء النهر التى فى تخوم الصين. و لعل هذا الطريق أوفر الطرق حظا من وصف البلدانيين له. يبدأ من باب خراسان فى بغداد الشرقية، ثم يقطع السهل عابرا أنهارا عديدة فوق قناطر حسنة البناء، حتى يبلغ حلوان و هى أسفل الدرب المؤدى الى جبال ايران. و هناك يدخل هذا الطريق اقليم الجبال. و

بعد أن يصعد الجبال صعودا حادا، يصل كرمنشاه قاعدة كردستان فيجتاز اقليم الجبال من أقصاه الى أقصاه باتجاه الشمال الشرقى، و يمر بهمذان، فالرى. و من الرى فما بعدها يأخذ نحو الشرق فى الغالب، فيمر بقومس تاركا جبال طبرستان فى يساره و المفازة الكبرى فى جنوبه، حتى يدخل اقليم خراسان قرب مدينة بسطام. ثم يتابع سيره فيأتى الى نيسابور، ثم الى طوس حتى يبلغ مرو. و بعد أن يبارح مرو، يجتاز الصحراء فيبلغ ضفة نهر جيحون عند آمل، ثم الى بخارى، فسمرقند، و هما فى اقليم الصغد. و ينشطر الطريق فى زامين، و هى على مسافة قصيرة من سمرقند، شطرين: الايسر- يتابع سيره الى الشاش (و هى طشقند الآن) ثم الى معبر النهر عند أترار(Utrar) - فى أسافل نهر جيحون. أما الشطر الثانى، فلدى مبارحته زامين، ينعطف يمينا ثم يتجه الى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 24

اقليم فرغانة و نهر سيحون الاعلى، فيبلغ أخسيكث قاعدته. و ينتهى أخيرا الى أزكند على تخوم صحراء الصين.

هذا ما كان عليه طريق خراسان العظيم فى أقصى مداه. و ما زال طريق البريد فى يومنا هذا، الذى يقطع بلاد فارس و مركزه طهران و هى قرب الرى القديمة، يقتفى ذياك الطريق الطويل نفسه الذى وصفه البلدانيون العرب الاولون. و بعد سقوط الخلافة العباسية، تغير بعض نظام الطرق بانشاء مدينة السلطانية التى أضحت قاعدة المغول. على أن كل ما طرأ فى الواقع لم يكن الا فتح طريق فرعى يتجه شمالا من همذان الى السلطانية التى صارت حينا من الزمن مركزا للطرق فى هذه الربوع بدلا من الرى.

و فى أوائل أيام الدولة العباسية، كان يتشعب من المدن الكبرى التى

على طريق خراسان العظيم، طرق من يساره و يمينه، تمتد الى سائر أنحاء بلاد فارس. فكان يخرج من جوار كرمانشاه، طريق يأخذ الى الشمال نحو تبريز و غيرها من المدن التى على بحيرة أرمية. و لهذا الطريق شعب تنتهى الى اردبيل و الى مواضع على نهر أرس. و يخرج من همذان طريق نحو الجنوب الشرقى الى أصفهان، كما يخرج من الرى نحو الشمال الغربى الى زنجان طريق معروف المسافات. و منها طريق يؤدى الى اردبيل. و كانت نيسابور فى خراسان مركز طرق فرعية كثيرة يتجه أحدها جنوبا الى طبس على شفير المفازة الكبرى فى قوهستان. و طريق آخر كان يذهب الى قاين و آخر يتجه نحو الجنوب الشرقى الى هراة ثم الى زرنج فى سجستان. و من مرو، يبدأ طريق يحاذى نهر مرو صاعدا الى نهر مرو الاصغر (أى مرو الرود) حيث يلتقى بطريق آت من هراة، فيمضى الى بلخ و أصقاع الحدود الشرقية فيما وراء نهر جيحون(Oxus) .

ثم أنه كان يخرج من بخارى، طريق نحو الشمال الغربى يوصلها بأركنج فى خوارزم. و طريق نحو الجنوب الغربى يوصلها بترمذ على نهر جيحون بازاء بلخ.

و بهذا، يكمل وصف نظام طريق خراسان و فروعه. و لنعد الآن الى بغداد، لنجمل القول فى الطرق العامة الخارجة منها الى الجهات الاخرى.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 25

فقد كان بانحدار دجلة، الطريق المار بواسط الى البصرة، الميناء التجارى العظيم على خليج فارس، و ما فى هذا الطريق من مسافات و مراحل، فى كلا البر و الماء، معروف لدينا. و من واسط و البصرة، كان يصل طريق الى الاهواز فى خوزستان، ثم يشرّق الى شيراز فى فارس. و

كانت هذه المدينة مركزا لكثير من الطرق: طريق يذهب شمالا الى أصفهان ثم الى الرى، و طريق نحو الشمال الشرقى يمر بيزد مخترقا المفازة الكبرى، حتى يصل الى طبس. و هذه تتصل بنيسابور. و يصل شيراز بالسيرجان و كرمان فى الشرق جملة طرق. ثم فى شرقيهما يصلها بزرنج فى سجستان طريق يخترق المفازة الكبرى. و كان يتفرع من شيراز طريقان: نحو الجنوب الشرقى و الجنوب، يؤديان الى موانئ خليج فارس. أحدهما يمر بدار أبجرد الى سور و قرب هرمز، و الثانى الى سيراف، و كانت حينا من الزمن أجلّ موانئ اقليم فارس

و اذا عدنا الى بغداد، مركز الطرق العام، ألفينا طريق الحج الى مكة و المدينة يبدأ من بغداد الغربية فيتجه جنوبا الى الكوفة على طف البادية العربية، فيقطعها بخط يكاد يكون مستقيما حتى الحجاز. و قد كان يخرج من البصرة طريق ثان للحج، يسير فى بادئ أمره فى موازاة الطريق الاول، و يلتقيان أخيرا على مرحلتين من شمال مكة. و كان يخرج من بغداد، من شمالها الغربى، طريق يصل الى الفرات عند الانبار، و منها يصعد بمحاذاة النهر الى الرقة. و كان يخرج من الرقة طريق يخترق بادية الشام الى دمشق، و طرق غيرها كثيرة تذهب شمالا الى ثغور الروم. ثم أنه كان يمتد من بغداد الى الشمال، طرق تصعد الى الموصل فى جانبى دجلة. و من الموصل كان هذا الطريق يصل الى آمد من جهة، و الى قرقيسياء على الفرات فى الجنوب الغربى من جهة ثانية. و كانت تخرج من آمد طرق تتصل بمعظم الثغور التى بازاء بلاد الروم.

هذا مجمل ما كانت عليه المسالك الخارجة من بغداد فى أيام العباسيين.

و كانت تلك المسالك،

بما يتخللها من محطات للبريد، تربط العاصمة بأقاليم الدولة النائية. و لقد عنى البلدانيون العرب بوصف هذه المسالك كل العناية و للرجوع الى ما كتبوه، يحسن بنا أن نوجز القول فى اولئك الاقدمين بحسب

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 26

زمن كتابة تصانيفهم. فعلى ما كتبوه كان اعتمادنا فى ما أوردنا من أخبار فى فصول هذا الكتاب .

و أقدم اولئك المصنفين، عاش فى أواسط المئة الثالثة للهجرة (المئة التاسعة للميلاد). و أول ما دوّنه العرب فى صفة البلدان من كتب، كان فى المسالك.

فان هاتيك المصنفات تبسطت فى ذكر مختلف الطرق، و ضمنت ذلك نبذا من الاخبار عن المدن التى كانت تمر بها تلك الطرق، و ذكرت ما يرتفع من كل اقليم من أقاليم الدولة من خراج و غلة. و فى طليعة ما ذكر مما فى أيدينا من كتب المسالك، أربعة يكمل بعضها بعضا، لأن نصوصها فى كثير من المواضع مخرومة.

و مؤلفو هذه الكتب من أهل المئة الثالثة (التاسعة) و هم: ابن خرداذبه و قدامة و اليعقوبى و ابن رسته.

فالاثنان الاولان يكادان يتفقان فى مادتهما. فابن خرداذبه كان صاحب البريد فى اقليم الجبال، و قدامة كان من عمال الخراج. و على ذلك فمسالكهما قد ذكرت المسافات التى على طريق خراسان العظيم و غيره من الطرق الكبيرة التى كانت تتشعب من بغداد، مرحلة مرحلة على ما بينّاه فى الفقرات السابقة.

و مما يؤسف عليه، ان كتاب اليعقوبى لم ينته الينا كله. و قد تيسّر لنا أن نصف عاصمة العباسيين و صفا خططيا مفصلا بالاستناد الى ما جاء عن بغداد فى كتابه و فى كتاب ابن سرابيون. هذا الى أن اليعقوبى أورد أخبارا ثمينة عن كثير من

المدن الاخرى، و تفاصيل عن الطرق التى تخترق اقليم العراق مما لا وجود له فى غير كتابه. أما ابن سرابيون، معاصره، فلم يصلنا من كتابه غير قسم . و هذا

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 27

القسم، الى احتوائه على صفة بغداد، فان قيمته الكبرى فى ذكر أنهار العراق و الجزيرة. كما أن ابن سرابيون أوجز القول فى صفة أنهار الاقاليم الاخرى.

أما ابن رستة، فقد صنّف كتابا مماثلا لكتاب اليعقوبى، و زاد عليه تنويهه بالمدن، الا أن أفضل ما جاءنا به هو تدقيقه فى كلامه على طريق خراسان العظيم حتى طوس قرب المشهد، و ذكره ما تفرّع منه من طرق لاسيما الذاهب من طوس الى أصفهان و هراة. و مثل ذلك و صفه الطريق من بغداد فجنوبا الى الكوفة و الى البصرة مع تتمته المتجهة شرقا الى شيراز. و هو لم يقتصر على ذكر مسافات هذه الطرق و منازلها، بل وصف طبيعة الارض التى تخترقها مبيّنا عما اذا كان الطريق فى الجبال صاعدا أم هابطا، أم كان الطريق فى السهول. فوصف ابن رستة هذا كبير الشأن فى تعيين الخطوط التى كانت تقطعها هذه الطرق و تثبيت مواضع كثير من الاماكن الدارسة. و من ثقات المؤلفين الآخرين: ابن الفقيه، و هو معاصر لابن رستة فقد كتب كشكولا بلدانيا عجيبا جدا لم ينته الينا يا للأسف غير مختصره على أن بعض أقواله فى الامكنة نافع فى استكمال أخبار من تقدمه و تصحيحها .

أما البلدانيون الذين نهجوا نهجا متسقا فيما كتبوا، فكان أول ظهورهم فى المئة الرابعة للهجرة (العاشرة للميلاد) و قد وفوا القول فى صفة كل اقليم من أقاليم الدولة الاسلامية و لم يذكروا شيئا

عن المسالك الا عرضا. و لكنهم بوجه عام ذكروا ما فى كل اقليم من طرق. و لا مراء فى أن تصانيفهم أرقى من كتب المسالك و نحن مدينون لهم بالتفاصيل البلدانية الواسعة التى سيقف عليها القارئ

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 28

فى تضاعيف هذا الكتاب. و فى طليعة هؤلاء ثلاثة هم: الاصطخرى و ابن حوقل و المقدسى. فتصانيفهم زاخرة بالفوائد. و ما كتاب ابن حوقل الا نسخة محدثة موسعة منقحة لكتاب الاصطخرى. على أن الاصطخرى، و هو من أهل اصطخر (برسبوليس)، قد وصف فارس موطنه و صفا مسهبا فيه لا تجده فى ابن حوقل الذى اختصر هذا الفصل عن فارس بالقياس الى سائر فصول كتابه. أما المقدسى، و قد عاصرهما، فانه كتب جغرافيته باسلوب خاص يختلف عمن سبقه. ذلك أنه بناه على ما شاهده بنفسه فى مختلف الاقاليم. فلعل كتابه أعظم من كل ما صنفه البلدانيون العرب و أكثرها اصالة. فوصفه للأمكنة و العادات و الطبائع و التجارات و الصناعات و تلخيصه لخصائص كل اقليم يعدان من خير ما كتب فى سلسلة مصنفات العرب فى القرون الوسطى.

و يحسن بنا أن نشير الى أننا مدينون لاولئك البلدانيين المنهجيين الثلاثة فى تعيين معظم الاسماء التى ذكرت فى الخوارط الملحقة بكتابنا تعيينا صحيحا. فانهم أوردوا فى آخر كل فصل ثبتا بالمسافات، أى منازل الطرق و مراحلها التى و صفناها، أو ما فى الاقليم المبحوث فيه من طرق. و هم الى ذكر الطرق، قد أشاروا الى عدد كبير من الطرق الفرعية التى بين المدن المجاورة. و هذه المسافات التى سردوها ابتداء من نقاط معروفة قد أعانتنا على مل ء الخارطة بشبكة من نقاط التثليث، فأوقفتنا على مواضع

بعض المدن التى مضى ز من طويل على اندراسها و زوال معالمها فى معظم الاحوال، فتسنى لنا تعيينها فى الخارطة بوجه تقريبى.

مثال ذلك مدينة توّج فى بلاد فارس: فانه لم يتحقق موضع خرائبها الى اليوم، و ان كنا قد تمكنّا الآن من تعيين موضعها فى الخارطة ضمن أضيق نطاق. و من مؤلفى المئة الرابعة أيضا (العاشرة): المسعودى. فقد صنف كتابين: أولهما تاريخى فى جملته و هو «مروج الذهب» و ثانيهما من التصانيف الجامعة الزاخرة بأخبار و فوائد غريبة و هو كتاب «التنبيه و الاشراف» .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 29

فاذا انتهينا الى المئة الخامسة و السادسة (الحادية عشرة و الثانية عشرة)، أصبنا كتابين لحاجّين من مشاهير الرحالين، و وصفهما لما مرا به من أماكن كبير الشأن. أحدهما ناصر خسرو، و هو رجل فارسى خرج حاجا من خراسان فى منتصف المئة الخامسة (الحادية عشرة) الى مكة، ثم عاد اليها بعد طوافه بمصر و الشام و اختراقه الجزيرة العربية. و يومياته التى دوّنها بالفارسية من أقدم ما وقع لنا فى هذه اللغة من تصانيف و بعده بقرن خرج ابن جبير الرحالة العربى الأندلسى، حاجا من غرناطة. و وصفه للعراق، و لا سيما بغداد، من اروع ما انتهى الينا. و من التصانيف الفارسية الواصلة الينا من اوائل المئة السادسة (الثانية عشرة) مؤلّف يسمى «فارسنامه» (كتاب فارس) تناول مؤلفه هذا الاقليم بوصف ثمين قد أوفى على الغاية. و وصل الينا من منتصف هذا القرن أيضا، مصنّف جغرافى علمى للادريسى الذى عاش فى بلاط الملك النورمندى روجر الثانى ملك صقلية. دوّن الشريف الادريسى كتابه باللغة العربية و وصف العالم المعروف فى زمنه بحسب الاقاليم المناخية وصفا

تشقّ مراجعته. فقد قطّع أوصال الولايات المختلفة فى الغالب اعتباطا لأنه جرى فى وصفها بحسب الاقاليم أى بحسب مناطق العرض. فبلاد العراق و الجزيرة مثلا، جاء وصف بعضها فى الاقليم الثالث و بعضها فى الاقليم الرابع. و المؤلف الى ذلك لم يكن وا أسفا، واقفا بنفسه على بلاد فارس و لا على الاصقاع التى فى شرق البحر المتوسط و هو ما نهتم له فى كتابنا. الا أنه زار آسية الصغرى و قد كانت حتى زمنه ولاية تابعة لدولة الروم . و وصفه لهذه البلاد لا يثمّن، الا أن أسماء الامكنة (بسبب تصحيف المخطوط) لا تتيسر قراءتها فى كثير من الاحوال

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 30

اذ أن التصحيف قد بلغ فيها حدا لا يمكن معه تبيّن وجه الصواب فى الاصل .

و وصلنا من مصنفات المئة السابعة (الثالثة عشرة)، و فيها كان الغزو المغولى و سقوط الخلافة العباسية، «معجم البلدان» لياقوت الحموى. و هو سفر كبير كثير الاجزاء. و مع أن مصنّفه استقاه ممن تقدم من المؤلفين، الا أنه زاد عليهم مشاهداته فى رحلاته الواسعة المدى. فهو كتاب لا يقدّر بثمن اذا روجع بنقد و تمحيص. صنّف ياقوت المواد فيه على الترتيب الهجائى و اقتبس، دون تقيّد، من كل ما وضعه أسلافه من بلدانيى العرب، و بينهم مؤلفون لم يكن لنا أن نطلع على ما دوّنوه لولا مقتبسات ياقوت منهم. كالرحالة ابن مهلهل الذى كتب فى سنة 330 (942). و بعد مضى ثلاثة أرباع القرن على تأليف هذا المعجم الكبير، ظهر مختصر له بعنوان «مراصد الاطلاع» لمؤلف من أهل العراق له فى الغالب استدراكات ثمينة موثوق بها على الامكنة التى فى أنحاء بغداد.

و ممن نشأ فى نحو هذا الزمن: القزوينى، و قد دوّن كتابا فى جزءين وصف فيهما الارض ضمنهما فوائد فى تجارات مختلف المدن و الاقاليم و غلاتها. و انتهى الينا من النصف الاول من المئة الثامنة (الرابعة عشرة) كتاب منسّق فى البلدان لأبى الفداء. و أبو الفدا أمير شامى. و مع أنه ألّف كتابه نقلا عمن تقدمه فى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 31

الغالب، فانه أضاف اليه مشاهداته لما زاره من بلدان .

و مما جاءنا من هذا الزمن نفسه، أى النصف الاول من المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، رحلة ابن بطوطة. و ابن بطوطة رجل مغربى قام برحلات طويلة جارى فيها ماركو بولو البندقى. و قد دوّن كتابه بالعربية. أما حمد اللّه المستوفى، و قد عاصر ابن بطوطة، فقد كتب بالفارسية وصفا لمملكة ايران المغولية (بلاد العراق و فارس) اوضح فيه حال البلاد بعد أن حلّ فيها المغول أيام الايلخانيين.

و صنّف المستوفى كتابا فى التأريخ و هو «تاريخ گزيدة» (زبدة التاريخ) و هذا السفر، الى قيمته العظيمة عن العهد المغولى، يحتوى فى الغالب على فوائد جغرافية جليلة .

و فى طليعة ما وصلنا من مصادر عن عهد تيمور، كتاب تأريخى لعلى اليزدى.

ثم مصنّف جغرافى لحافظ أبرو و كلاهما بالفارسية. و يرقى عهدهما الى النصف الاول من المئة التاسعة للهجرة (الخامسة عشرة للميلاد). و مما نذكر من المصادر أيضا عما بعد فتوحات تيمور، تصانيف مؤلفين تركيين أحدهما كتب بالتركية الشرقية و الثانى بالتركية العثمانية، و هما من أهل النصف الاول من المئة الحادية

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 32

عشرة (السابعة عشرة). و هذان السفران هما: «تأريخ الترك و المغول» لأبى الغازى أمير

خوارزم، و جغرافية العالم المسماة «جهان نما» للحاج خليفة واضع الكشف المشهور بأسماء الكتب .

و لا مندوحة لنا، ان ابتغينا التعمق فى بعض التفاصيل، من الرجوع الى مصنفات كثير من المؤرخين العرب. فقد كان المؤلفون الاقدمون يعالجون التأريخ و البلدان معا فى مصنفاتهم. فمن ذلك كتاب «فتوح البلدان» للبلاذرى، و قد ألّفه فى المئة الثالثة للهجرة (التاسعة للميلاد). وصف فيه فتوح المسلمين فى الشرق و الغرب بحسب وقوعها. و هذا الكتاب جليل القدر لأنه يرينا حال البلاد حين أصبح الاسلام الدين السائد فيها. و لدينا الى كتاب «تاريخ اليعقوبى»، و قد مر ذكره، كتاب آخر يرقى الى المئة الثالثة (التاسعة) صنفه ابن مسكويه و لم يطبع منه غير القسم السادس. و مما يدخل فى هذا الباب تأريخ حمزة الاصفهانى، و قد كتبه فى منتصف المئة الرابعة (العاشرة). و مع أن هذا الكتاب مؤلف بالعربية، الا أنه رجع فى تأليفه الى كثير من الكتب الفارسية الضائعة الآن و أورد فيه حقائق كنا على جهل بها لولاه.

على أن أكمل التواريخ العربية و أجمعها المنتهية الينا من أوائل المئة الرابعة (العاشرة) تأريخ الطبرى. و الطبرى ممن عاش فى ذلك الزمن. و هذا الكتاب مرجع جغرافى أساسى. و يحسن أن يعتمد على تاريخ ابن الاثير فى تعرف أحوال العباسيين فى أواخر عهدهم. و كذلك الموجز فى التأريخ الاسلامى المعروف ب «الفخرى». و يفيدنا تأريخ ابن خلدون فى استكمال الاخبار اليسيرة التى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 33

نجدها فى تاريخ ابن الاثير. و يزيدنا تعريفا بها كتاب «و فيات الاعيان» لابن خلّكان. فكل هؤلاء المؤلفين دوّنوا مؤلفاتهم باللغة العربية . و مما يحسن ذكره من المؤلفات التاريخية

باللغة الفارسية «روضة الصفا» لميرخواند و «حبيب السير» لخواند مير حفيده. و هما كتابان جليلان حويا فوائد جغرافية ثمينة، لاسيما ما اتصل بالاقاليم الفارسية. و لا تفوتنا الاشارة أيضا الى تاريخين فارسيين آخرين يبحثان فى الدولة السلجوقية فى آسية الصغرى و كرمان و قد رجعت اليهما غير مرة فى صفحات كتابى باسم المؤرخين ابن بيبى و ابن ابراهيم .

و يحسن بنا، لاكمال ما بسطناه، أن نخصّص بضع صفحات نختتم بها هذا الفصل التمهيدى، نذكر فيها شيئا عن أسماء الامكنة التى وردت فى فصول الكتاب و ثبّتت فى خوارطه. فمعظم أسماء الامكنة فى اقليمى العراق و الجزيرة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 34

اما أن يكون عربى النجار أو اراميا، اذ كانت الثانية هى لغة القوم الشائعة قبل الفتح الاسلامى. و لأسماء المدن بالعربية معنى، و من الامثلة على ذلك الكوفة و البصرة و واسط. أما الاسماء الارامية، فمن اليسير تمييزها من صيغتها و من انتهائها بحرف الالف الطويلة. مثال ذلك: «جبلتا». و معانى هذه الاسماء أيضا لا تصعب معرفتها بوجه عام. فمثلا «عبرتا» معناها (المعبر، أى موضع العبور) فهى تعيّن موضعا لجسر على قوارب. و «باجسرا» و معناها فى العربية (بيت الجسر).

أما الاسماء الفارسية القديمة مثل «بغداد» (أى موضع عطية اللّه) فنادر.

و تجد أيضا هنا و هناك اسما يونانيا ما زال حيّا مثل «الأبلة» و هى «أبلوغس»(Apologos) .

و لم تصبح بلاد الروم فى آسية الصغرى بلادا اسلامية، على ما بيّنا، الا بعد الفتح السلجوقى لها فى النصف الثانى من المئة الخامسة (الحادية عشرة). و من ثمّة، فالاسماء اليونانية فيها انتهت الينا بصيغتين: قديمة (عربية) و حديثة (تركية). فسلوسية(Seleucia) مثلا عرفت أولا بسلوقية ثم

بسلفكة(Selefkeh) . و هركلية(Heraclia) نجدها أولا بصيغة هرقلة و فى العصور الحديثة أراكلية(Arakliyah) و لا ريب أنه بعد الفتح السلجوقى للبلاد و السيادة العثمانية التى أعقبت ذلك، حلّت التسميات التركية محل الاسماء اليونانية القديمة. و لكن ما يجب ذكره بصدد ضبط التهجئة، أن الالفباء العربية غريبة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 35

عن التركية غرابتها عن اليونانية. و لهذا صار للكلمات التركية (كما يظهر ذلك فى كل معجم تركى) تهجئتان مختلفتان. و كان حال أسماء الامكنة حال ألفاظ اللغة نفسها. فنجد اسم «قراحصار» و «قره حصار» و «قره سى» و «قراسى» و «قرمان» و «قرامان» و غير ذلك من الامثلة الكثيرة.

و اذا ألقينا نظرة على خوارط الاقاليم الفارسية، تبيّن لنا قلة الاسماء المنحدرة من أصل عربى. فمن الصعب أن نجد أسماء مدن بالعربية هناك ما عدا المراغة فى أذربيجان و بيزا (البيضاء أى «البلدة البيضاء») فى فارس. فالمسلمون لم يغيّروا الاسماء فى الواقع أو غيّروها بعض التغيير حينما استولوا على المملكة الساسانية . و كثيرا ما نجد قرى و منازل ذات أسماء مأخوذة من أشياء طبيعية أو مشهورة، كقرية الآس و قرية الجمل و قرية الملح. فقد كانت تسمى بالفارسية: ده مرد، ده اشتران، ده نمك. و قد أورد البلدانيون العرب هذه الاسماء مترجمة دائما، فنجد فى تصانيفهم القرى السالفة الذكر مثلا باسم قرية الآس و قرية الجمل و قرية الملح . و لدينا ما يؤيد أن الاسم الفارسى كان هو المستعمل فى كل الاوقات فى بلاد فارس. و بعبارة اخرى، ان الامر هنا على نحو ما هو عليه عندنا حين نقول: الغابة السوداء(Black Forest) و هى بالالمانية(Schwarz -Wald) و رأس الرجاء الصالح(Cape

of Good Hope) فمثل هذه الاسماء يرد عادة بصيغ متنوعة فى الخوارط و فى الكتب على حسب لغة المتكلم.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 36

و مما تحسن الاشارة اليه، أننا قد نجد فى جداول الاسماء العربية، اسم منزل بالعربية لم ينته الينا ما يقابله بالفارسية. فمن ذلك «رأس الكلب» و قد يكون الموضع ما صار يعرف بعد ذلك باسم «سمنان» و نعت العرب أحيانا مدينة فارسية فعرفت فى أوان واحد باسمها و بنعتها، على نحو ما كان الامر فى كنكوار فقد سماها المسلمون الاولون «قصر اللصوص» لأن دوابهم كانت تسرق فيها.

و مع ذلك فالاسم الذى عاش فى الاخير هو «كنكوار» لا النعت العربى، حتى أنه لما أسس المسلمون الفاتحون عاصمة اقليمية جديدة، على نحو ما حصل فى شيراز التى سرعان ما حجبت اصطخر القديمة «برسبوليس»، كانوا قد اتخذوا للمدينة الجديدة على ما يظهر اسم القرية الفارسية الاصلية و خلّدوه لها. و لا يمكن تحقق أصل اسم شيراز و اشتقاقه على ما يبدو، شأن غيره من الاسماء الكثيرة.

اذ أننا يا للأسف نكاد نجهل جغرافيا المملكة الساسانية القديمة برمتها.

أما تهجئة الاسماء، فكانت بالطبع تتغير بتغير الزمن. فان «طريثيث» أصبح «ترشيز» و «همذان» صارت تهجئتها فى الكتب الحديثة «همدان» .

و قد تستعمل الى ذلك أيضا، تهجئة عربية و تهجئة فارسية لاسم ما فى وقت واحد. مثال ذلك «قاشان» العربية فهى تكتب فى الفارسية «كاشان»، و «صاهك» ظهرت أخيرا «جاهك» و «صغانيان»: «جغانيان» و بمقتضى قواعد اللغة العربية فى الالفاظ الثلاثية ذات الحروف الصحيحة، فان: بم الفارسية يجب أن تكتب فى العربية مشددة «بمّ» و قم: «قمّ» مجاراة لمخارج الحروف فى العربية. و لم يستعمل الحرف

الصحيح الاخير المشدد فى الفارسية البتة. و قد يحصل أن يبطل استعمال اسم لأسباب مجهولة ليحل محله اسم آخر، و لكنه فارسى كالأول، على نحو ما حدث فى «قرماسين» أو «قرميسين» التى عرفت بعدئذ باسم «كرمانشاهان» ثم اختصرت الى «كرمانشاه» فى الوقت الحاضر.

و كما أننا نجهل المنشأ الاصلى لهذه الاسماء، نجهل أيضا علة تبديلها.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 37

أما «أل» أداة التعريف العربية التى تعرّف بها أسماء الامكنة، فاستعمالها سماعى الى حد بعيد. لأن القاعدة الصرفية تقضى بادخال «أل» التعريف على الاسماء العربية دون الاعجمية، غير أن هذه القاعدة لا تطّرد دائما. ففى العراق، حيث معظم الاسماء من أصل سامى بطبيعة الحال، نجد أن دجلة يكتب دائما بدون «أل». أما الفرات فقد دخلته «أل» التعريف و ان كان مثل صنوه اسما غير عربى . و فى تسمية الاقاليم الفارسية درجوا على اسقاط «أل» التعريف العربية بمرور الزمن: فالسيرجان (بالعربية) أصبحت بالفارسية سيرجان. و مهما يكن من أمر فاستعمال هذه الاداة عرفى. فليس من تفسير لاستعمال العرب «أل» التعريف على اسم «الرى» بينما نجد أن اسم «جى» و هو الاسم القديم لقسم من أصفهان يكتب دائما بدون «أل» .

و كان العرب مقلّين فى اطلاق التسميات فكان ذلك علة كثير من الارتباك.

فالقاعدة عندهم أن يسمّوا عاصمة اقليم باسم ذلك الاقليم، حتى و لو كان لتلك العاصمة اسم آخر: فدمشق مثلا ما زالت تعرف عندهم بالشام و هى عاصمة الشام، و زرنج أهم مدن سجستان كانوا يسمونها فى الغالب سجستان أو مدينة سجستان و يريدون بها مدينة ذلك الاقليم. و قد أدى هذا الاستعمال طبعا الى ارتباك حينما يكون للاقليم عاصمتان، كما حدث مثلا

فى اقليم كرمان. فان اسم كرمان (و نقصد المدينة) اطلق فى الكتب القديمة على العاصمة الاولى السيرجان.

و فى العصور الاخيرة اطلق هذا الاسم على كرمان المدينة الحالية و هى غير تلك المدينة بالمرة. و لم تصبح عاصمة الا بعد خراب السيرجان. و كذلك اذا قارنا بين الخوارط الموضوعة استنادا الى روايات بلدانيى القرون الوسطى و بين خوارط هذه

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 38

الايام، رأينا فى الغالب أن اسم مدينة مندرسة قد بقى محافظا عليه فى الولاية الحديثة. و هكذا الامر فى بلدة السيرجان المندرسة مثلا، فان هذا الاسم نفسه ما زال مستعملا لولاية السيرجان الحديثة. و نحو ذلك «بردسير» و «جيرفت» و كانا قبلا اسمين لبلدتين جليلتين فبقيا لولايتيهما فقط. و مجمل القول فالولاية و قصبتها يطلق عليهما دائما اسم واحد، و بمرور الزمن يهجر اما اسم الولاية أو اسم المدينة. و بناء على ما تقدم من الامثلة فان اسم مقاطعة اردون القديمة يطلق الآن على بلدة صغيرة تعرف باسم اردون، و قد كان يقال لها قديما خوار (خوار الرى).

و فى الجغرافيا الطبيعية، لم تكن التسميات العربية وافرة أيضا. نعم نجد بوجه عام أن قمم جبال مشهورة لها أسماء تعرف بها (مثل دماوند و ألوند) و لكنهم لم يطلقوا اسما خاصا على سلسلة من الجبال. فسلسلة جبال طوروس العظيمة التى تحجز بلاد الروم عن غيرها، تذكر غالبا (و خطأ) باسم جبل لكام، غير أن هذا الاسم ليس الا جبلا واحدا من مجموعة طوروس الداخلة (انتى طوروس).

و لم يطلق البلدانيون العرب اسما لسلسلة القمم الطويلة التى تتألف منها جبال ألبرز العظيمة الشهرة الفاصلة بين هضبة ايران و بحر قزوين. و لقد كانوا

يطلقون عادة على البحيرات الكبيرة أسماء خاصة (مثل: ماهالو، زره، جيجست).

و لكن المألوف أن البحيرة كانت تعرف باسم أشهر مدينة على سواحلها كبحيرة أرمية و بحيرة و ان و نسبت أيضا الى مدينة أرجيش. بل أن البحار كان الامر فى تسميتها أكثر غموضا. فكانت تذكر تسميات مختلفة مقتبسة من الاقاليم أو المدن الكبيرة الواقعة على سواحلها. و هكذا سمى بحر قزوين بتسميات شتى فقيل فيه: «بحر طبرستان» و «بحر گيلان» و «بحر جرجان» و كذلك «بحر باكو» و عرف أخيرا ببحر الخزر نسبة الى مملكة الخزر التى قامت فى شماله فى أوائل العصور الوسطى. و مثل ذلك «آرال» فقد كان يعرف ببحر خوارزم.

و عرف خليج فارس ببحر فارس.

و فى الختام أود أن أجعل القارئ يحيط علما بأننى لم أذكر فى فصول الكتاب الا منتخبات مما بيدنا من مصادر اذ أن المدن و القرى التى وردت أسماؤها

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 39

فى هذا الاقليم أو ذاك، كثيرة جدا. و هى و لا شك أكثر من ضعف الاسماء المثبتة فى فهرست هذا الكتاب. و قد أغفلت ذكر أسماء المواضع التى لم يكن فى الامكان تعيينها تعيينا تقريبيا. أما الخوارط، فهى على ما يرى ليست الا رسوما بيانية لايضاح المتن، و هى لا تبين عما كان عليه أى قطر فى حقبة ما من الزمن. و هكذا فالمدن التى تعاقبت الواحدة بعد الاخرى اشير اليها غالبا فى الخوارط كأنها كانت كلها فى وقت واحد. و المتن كفيل بايضاح ما اذا كانت هذه المدن تعزى الى زمن واحد أم لا .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 40

الفصل الثاني العراق

تقسيم ارض ما بين النهرين الى

شمالية و جنوبية- العراق أى بلاد بابل- التغير فى مجريى الفرات و دجلة- أنهر الرى العظيمة- بغداد- المدائن و ما فى جنوبها من مدن على دجلة حتى فم الصلح قسمت الطبيعة سهل ما بين النهرين العظيم الذى اتخذ الفرات و دجلة فيه مجرييهما الى قسمين: الشمالى (و هو مملكة آشور القديمة) و معظمه مراع تغطى سهلا حجرىّ الاصل. و الجنوبى (و هو بلاد بابل القديمة) و أرضه رسوبية خصبة يكثر فيها النخيل و تسقيها أنهار الرى. و عدّ أهل الشرق هذه البلاد من جنان الدنيا الاربع لوفرة خصبها. و قد سمى العرب ما بين النهرين الشمالى بالجزيرة، و الجنوبى بالعراق. و معنى العراق «الجرف» أو «الساحل» و أما

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 41

كيف جرى استعمال هذا الاسم فى العهود السالفة فأمر يعتريه الشك، فلعله يمثّل اسما قديما ضاع الآن، أو أنه اريد به فى الاصل غير هذا المعنى و كان العرب يسمون السهل الرسوبى بأرض السواد أى الارض السوداء. و اتسع مدلول كلمة السواد حتى صارت هى و العراق لفظين مترادفين فى الغالب.

و أصبح يراد بها اقليم بلاد بابل جميعه .

و قد تغيرت الحدود بين العراق و الجزيرة فى أزمنة مختلفة فكان الحد بينهما لدى البلدانيين العرب الاولين يطابق بوجه عام خطا يذهب شمالا من الانبار على الفرات الى تكريت على دجلة. و كانت كلتا هاتين المدينتين تعد من أعمال العراق.

أما من أعقبهم من البلدانيين، فقد جعلوا الخط يذهب من تكريت باتجاه الغرب تقريبا، فأدخلوا فى العراق كثيرا من المدن التى على الفرات فى شمال الانبار.

و هذا الخط، بالنظر الى الجغرافيا الطبيعية، أقرب الى التقسيم الطبيعى بين الاقليمين. و هو يقطع

الفرات أسفل من عانة حيث ينعطف النهر انعطافه الكبير نحو الجنوب. و قد سمى العرب نهر «يفراتس»(Euphrates) بالفرات كما سموا «تايگرس»(Tigris) بدجلة خاليا من «أل» التعريف. و هذا الاسم الاخير ورد فى الترجوم بصورة «ديكلات» التى تقابل الشطر الاخير من كلمة «حدّاقل»(Hiddekel) و هى الصيغة التى ذكر بها دجلة فى سفر التكوين .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 42

و لما فتح المسلمون العراق فى خلال النصف الاول من المئة الاولى للهجرة (السابعة للميلاد)، كانت طيسفون، و هى على دجلة، و قد سموها المدائن، أجلّ مدن هذا الاقليم و العاصمة الشتائية للملوك الساسانيين. و لرغبة العرب فى مدن يسكنونها و يعسكرون فيها، أسسوا فى زمن قصير مدنا ثلاثا: الكوفة و البصرة و واسط سرعان ما نمت و صارت أهم مدن هذا الاقليم الاسلامى الجديد.

و كانت الكوفة و البصرة بوجه خاص عاصمتى العراق الشقيقتين فى أيام بنى امية .

و لما انتقل الامر من الامويين الى العباسيين، اقتضى الحال اتخاذ عاصمة جديدة لدولتهم الجديدة. فأسس ثانى خلفاء بنى العباس بغداد على دجلة فوق طيسفون (المدائن) ببضعة أميال. و ما عتمت بغداد أن غطت على ما اتصفت به دمشق من مفاخر فى العهد الاموى و أصبحت قاعدة الخلافة العباسية و عاصمة العراق أيضا بطبيعة الحال. و علا شأن اقليم العراق فصار قلب الدولة الاسلامية و مركزها فى الشرق.

و كانت أحوال العراق الطبيعية فى القرون الوسطى تختلف اختلافا بيّنا عما نعهده الآن، لما طرأ من تغير عظيم فى مجريى الفرات و دجلة، و ما نجم عن ذلك من خراب فى أنهر الرى العديدة التى جعلت من العراق فى زمن الخلفاء الاولين جنة عدن لخصب أرضه. ينساب دجلة

اليوم فى مجرى متعرج يأخذ الى الجنوب الشرقى و يلتقى على نحو 250 ميلا (بخط مستقيم) أسفل من بغداد هو و مياه الفرات فى القرنة. و من اقتران النهرين يتكون نهر يعرف بشط العرب، كان يجرى حينذاك فى مجرى عريض أى فى فيض يصب فى خليج فارس.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 43

و كان يبلغ طوله زهاء مئة ميل فى أعدل الخطوط. و هذا ما يرى فى الخارطة الحديثة. و يغلب على الظن أن دجلة كان منذ صدر الاسلام حتى منتصف المئة لعاشرة (السادسة عشرة) اذا تجاوز أسفل بغداد بمئة ميل انحرف عن اتجاهه الجنوبى، حيث مجراه الحالى، فانساب الى واسط فى مجرى يعرف اليوم بشط الحى (أى شط الحية) على ما سيأتى بيانه. و كانت مدينة واسط على جانبى النهر. و على نحو ستين ميلا أسفل من واسط كان دجلة يوزع معظم مائه على أنهار الرى، و كانت بقيته تتشعب ثم تفنى فى البطيحة العظمى.

و كانت البطيحة العظمى طوال القرون الوسطى، تتبطّح فى رقعة يبلغ عرضها خمسين ميلا و طولها قرابة مئتى ميل، و تمتد جنوبا حتى تناوح البصرة.

و كانت البطيحة يأتيها الماء من الفرات عند موضع فى شمالها الغربى، يبعد بضعة أميال عن جنوب الكوفة، اذ كان عمود الفرات فى تلك الايام شط الكوفة. و لم يكن شط الحلة حينذاك (و هو عموده الآن) الا نهرا عظيما للرى يعرف بنهر سورا. و كان على الحافة الشمالية من أسفل البطيحة العظمى، أهوار يوصل ما بينها أزقة لسير السفن. و قد كان دجلة يدخل البطائح عند القطر، و كانت السفن تخرج منها الى موضع (قرب القرنة الحالية) تجتمع فيه مياه الفرات و

دجلة فتجرى فى نهر أبى الأسد الى رأس فيض شط العرب ، و كانت سفن النهر تنحدر فى هذا الطريق المائى دون أن تلقى صعوبة من بغداد حتى البصرة. و البصرة فرضة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 44

بغداد. و قد كانت عند منتهى نهر قصير يحمل من الفيض الى الغرب- و الفيض هو دجلة العوراء على ما كان يعرف به شط العرب فى الغالب حينذاك.

و دجلة الحالى على ما يرى فى الخارطة الحديثة، يجرى فى شرق شط الحى منسلا من عند قرية يقال لها اليوم كوت العمارة ، و هى فى موضع بلدة ماذرايا القرون الوسطى. و مجرى دجلة الحالى هذا الى القرنة هو المجرى نفسه الذى كان أيام الساسانيين على ما يبدو، حين لم تكن البطيحة العظمى التى وصفها البلدانيون العرب قد تبطّحت. و قد ذهب المؤرخ البلاذرى الى أن نشأة البطيحة كانت فى أيام قباذ الاول الملك الساسانى، و قد تولى العرش فى أواخر المئة الخامسة للميلاد. ففى أيامه اغفل أمر السدود فى دجلة اغفالا دام سنين كثيرة.

و ارتفعت المياه فجأة فتدفقت من جملة بثوق، فغلب الماء على ما كان من الارضين منخفضا فى جنوبه و جنوبه الغربى. و فى عهد أنوشروان العادل ابن قباذ و خليفته، رممت السدود بعض الترميم حتى عادت تلك الارضين الى عمارتها و زراعتها.

الا أنه فى عهد كسرى أبرويز، و قد عاصر النبى محمد، زاد الفرات و دجلة ثانية فى نحو السنة السابعة أو الثامنة للهجرة (629 م) زيادة عظيمة لم ير مثلها قبلها. و انبثقت بثوق عظام فى مواضع لا تحصى، و غلب الماء على الارضين.

و على ما جاء فى البلاذرى، ان كسرى أبرويز،

ركب بنفسه لسد تلك البثوق بعد فوات الاوان و «نثر الاموال على الانطاع و قتل الفعلة بالكفاية و صلب على بعض البثوق فيما يقال أربعين جسّارا فى يوم، فلم يقدر للماء على حيلة». و لما لم تعد المياه الى حالها الاولى، أصبحت ما غمرته من بقاع بطيحة دائمة. اذ أنه

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 45

للفوضى التى سادت السنوات التالية، و لقيام الجيوش الاسلامية باكتساح بلاد ما بين النهرين، و لانحلال المملكة الساسانية، بقى حال السدود على ما آلت اليه مغفلة بطبيعة الحال. «فكانت البثوق تنفجر فلا يلتفت اليها، و يعجز الدهاقين (أى النبلاء الفرس الذين كانوا يملكون تلك الارض) عن سد عظمها فاتسعت البطيحة و عرضت».

و الاخبار المارة الذكر عن تكوّن البطيحة الكبرى و اشارة ابن رسته الى هذه الحقبة من آخر عهد الساسانيين، تبين أول تحول كبير لدجلة من مجراه الشرقى، فيما وراء ماذرايا، الى مجراه الغربى (أى شط الحى) . ثم أن دجلة «خرقت الارض حتى مرت بين يدى واسط قبل أن تكون واسط». فلما تحولت دجلة على ما ذكر ابن رسته- صارت الارضين المتاخمة للمجرى الشرقى القديم صحارى و مفاوز، و قد كانت على هذه الحال فى المئة الثالثة (التاسعة) حين كتب كتابه.

ثم وصف ابن رسته ما بقى من دجلة- و كان طوله ستة فراسخ (فوق القرنة)- الصاعد شمالا الى عبدسى و المذار حيث سكرت دجلة و واضح أن هذا النهر هو أسافل مجرى دجلة الشرقى القديم و الحديث. و قال ابن رسته ان هذا السكر، و قد كان فى أيامه يعرقل الملاحة فيما فوق هذا الموضع، لم يكن موجودا فى أيام الساسانيين. فكانت السفن تجرى الى شمال

عبدسى و المذار حتى ملتقاه بدجلة (أى دجلة أيامه) ثانية فى كورة فى شمال واسط (فى ماذرايا) حتى تأتى المدائن، فلا عائق فى النهر يحول دون سير السفن. ثم يوالى ابن رسته قوله:

«فكانت سفن البحر قبل الاسلام تجرى من بلاد الهند، فتدخل دجلة البصرة (أى فيض دجلة) حتى تأتى المدائن (طيسفون) فتمر حتى تخرج فوق فم

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 46

الصلح فتصير الى دجلة (أى موضع دجلة السفلى فى الازمنة المتأخرة) بغداد».

فأسفل دجلة الحالى، ينساب فى المجرى الاصلى الذى كان يتبعه بوجه عام فى أيام الساسانيين. و لكنه كان طوال العصر العباسى، ينحدر الى البطيحة فى مجراه الغربى المار بواسط. و لسائل أن يسأل: متى تحوّل النهر ثانية الى مجراه الشرقى الحالى؟ و الجواب عن هذا، ان التحول حصل و لا شك تدريجا من ترسّب الطمى فى المجرى الغربى. و مهما يكن من أمر فان مراجعنا الاسلامية حتى عهد تيمور و بدء المئة التاسعة (الخامسة عشرة) أجمعت على أن دجلة الاسفل كان ما زال يمر بواسط. و قد أيد حافظ ابرو هذا الامر، حين كتب فى سنة 820 (1417 م). و فى طليعة الرحالين الذين نوهوا بالفرع الشرقى و ذكروا أنه نهر صالح لسير السفن هو جون نيوبرى(John Newberie) فانه بعد أن زار بغداد أقلع فى سنة 1581 م بسفينة الى البصرة فبلغها فى ستة أيام، و كان قد مر فى اليوم الخامس بالقرنة، فقال انها «قلعة تقوم عند ملتقى نهر فرّو (الفرات) بنهر بغداد (دجلة)». و فى القرن الذى يليه انحدر تافرنيه الفرنسى برحلة فى دجلة كسلفه. فقد غادر بغداد فى شباط سنة 1652 م. و ذكر أنه على مسافة

غير قليلة أسفل من هذه المدينة، يتفرع دجلة الى فرعين، كان الفرع الغربى (و هو المار بواسط) فى أيامه قد أصبح غير صالح لسير السفن، و كان يجرى فى ناحية ما بين النهرين- على حد قوله- فاتبع الرحالة الفرنسى فى سفينته النهر الشرقى الحالى الذى كان يجرى فى ناحية «كلدية القديمة» بعد مغادرته (كوت) العمارة. و قبل وصوله البصرة بشى ء يسير مر بالقرنة فقال: ان دجلة و الفرات يلتقيان هناك و يعد نشوء البطيحة العظمى و ما تلا ذلك من تبدل فى مجريى الفرات

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 47

و دجلة أهم ما يلفت النظر للحالة الطبيعية لأرض ما بين النهرين السفلى فى أيام الخلافة. و لا يقل عن ذلك شأنا ما كان عليه نظام الرى الذى ورثه العرب بعد الفتح بانتقال البلاد اليهم من الفرس. و بوجيز القول نجد أن العراق جميعا، مما كان فى شمال البطيحة و واقعا بين النهرين، كانت تشقه على ما قد بينّا، أنهار تلو انهار، تأخذ من الفرات و تتجه نحو الشرق فتصب فى دجلة. بينما كان فى شرق دجلة، نهر طوله مئتا ميل يعرف بالنهروان يبدأ أسفل من تكريت و ينتهى فى دجلة على نحو من خمسين ميلا من شمال واسط و كان يروي ما فى الجانب الابعد من دجلة، أى ما تاخم ايران. و سنبسط القول فى هذا النظام المائى العظيم فى موضعه من الكتاب. على أننا، ان ألقينا نظرة الى الخارطة المرفقة الموضوعة بالاستناد الى ما كتبه المؤلفون المعاصرون، بان لنا أن مرجع حصب العراق العجيب فى أيام العباسيين كان نظامهم الدقيق فى استغلال مصادر المياه كل الاستغلال. فبينما كانت الاراضى الممتدة بين

الفرات و دجلة تكاد تسقيها كلها الانهار الآخذة من الفرات الى ناحية الشرق، كانت الاراضى التى فى يسار دجلة و أمام سفوح الجبال الايرانية، تسقيها أنهار تأخذ من النهروان. فقد كانت توزع مياه دجلة الفائضة على الاراضى الشرقية توزيعا فنيا اقتصاديا، و تجرّ مياه فيضان الانهار الكثيرة المنحدرة من جبال كردستان.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 48

و قد عنيت فى أحد تآليفى السابقة، بوصف خطط بغداد و غاية ما نتوخاه الآن هو أن نلخص أهم الاخبار عن هذه المدينة اظهارا لمنزلة العاصمة العباسية بين مدن العراق و ايضاحا لنظام الطرق (و قد نوهنا به فى الفصل الاول) الذى كانت بغداد مركزه.

فأول الانهار الكبيرة التى كانت تحمل من الفرات الى دجلة، نهر عيسى .

و فى نحو سنة 145 (762) ابتنى المنصور فوق مصب نهر عيسى فى دجلة المدينة المدورة و هى نواة مدينة بغداد. و كان للمدينة المدورة أربعة أبواب متساوية الابعاد بعضها عن بعض، بين الباب و الباب ميل عربى. و يخرج من كل باب طريق. ثم نشأت مع الايام أرباض واسعة على هذه الطرق الاربعة. و لم يمض وقت طويل عليها حتى اندمجت فى نطاق المدينة و قام منها مدينة بغداد الكبرى.

و كانت أبواب المدينة المدورة الاربعة:

(1) باب البصرة فى الجنوب الشرقى، و هو يفضى الى الارباض الممتدة على ضفة دجلة حيث تصب فروع نهر عيسى المختلفة.

(2) باب الكوفة فى الجنوب الغربى من بغداد، و يخرج منه طريق الى الجنوب و هو طريق الحج الى مكة.

(3) باب الشام فى الشمال الغربى، حيث يتفرع الطريق يسارا الى الانبار على الفرات و يمينا الى المدن الواقعة على ضفة دجلة الغربية شمال بغداد.

(4) باب

خراسان المؤدى الى الجسر الكبير لمن أراد عبور النهر. و هذا الجسر كان يفضى الى بغداد الشرقية، و هى التى عرفت بعسكر المهدى أولا، و المهدى هو ابن المنصور و خليفته. و قد بنى المهدى هاهنا قصره، و أنشأ أيضا المسجد الجامع فى بغداد الشرقية.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 49

و كان فى الجانب الشرقى ثلاث محلات: المحلة التى بالقرب من رأس الجسر، و قد عرفت بالرصافة. و محلة الشمّاسية فوقها على النهر. و محلة المخرّم تحتها. و كان يطيف بهذه المحلات الثلاث من بغداد الشرقية سور نصف دائرى يبدأ من ضفة النهر فوق الشماسية و ينتهى بالنهر أيضا تحت المخرم. و كان يخترق القسم الوسطى الضيّق من بغداد الشرقية، أول طريق خراسان الذى يبدأ من باب خراسان فى المدينة المدورة، و يعبر الجسر الكبير الى باب خراسان (الثانى) فى بغداد الشرقية. و منه- على ما بينّا فى الفصل السابق- يتابع سيره شرقا حتى يبلغ أقاصى ديار الاسلام.

و كان يخرج من باب الكوفة فى المدينة المدورة، طريق الكوفة، أى طريق الحج- على ما بينّا- فيتجه جنوبا. و كان الربض العظيم الممتد من هذا الباب الى نحو فرسخ من أسوار المدينة المدورة يعرف بالكرخ. و فى غربى المدينة المدورة ربض باب المحوّل، و كان الوصول اليه من باب الكوفة و باب الشام.

و فيه مجتمع الطرق التى تتصل بالطريق الغربى الكبير الذاهب الى الانبار مارا ببلدة المحوّل. و كان فى شمال باب الشام محلة الحربية (تناظر الكرخ فى جنوب المدينة المدورة). و كانت المقابر الشمالية فى بغداد الغربية فيما وراء محلة الحربية، يكتنف دجلة جانبين منها. و عرفت هذه المقابر بعدئذ بالكاظمين و سميت

بذلك نسبة الى ضريحى امامين من أئمة الشيعة .

و مدينة بغداد، تتوسط اربعة طساسيج: كل طسوجين منها فى جانب من دجلة ففى الجانب الغربى طسوج قطر بل فى شمال نهر عيسى، و طسوج بادوريا فى جنوبه. و فى الجانب الشرقى طسوج نهر بوق و هو فى شمال طريق خراسان، و طسوج كلواذى فى الجنوب. و كانت بلدة كلواذى قائمة على ضفة دجلة على

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 50

شى ء يسير تحت اقصى ابواب بغداد الشرقية الى الجنوب . و يخرج من بغداد، و هى المركز الذى تتفرع منه طرق الدولة جميعها، طريقان- على ما ذكرنا- يذهب احدهما الى الجنوب و الآخر الى الغرب، و كانا ينفصلان عند باب الكوفة فى المدينة المدورة. و طريقان يذهبان الى الشمال و الى الشرق يخترقان بغداد الشرقية و يبدآن من منتهى الجسر الكبير. فالطريق الجنوبى و هو الذاهب الى الكوفة (و مكة) كان بعد ان يغادر ربض الكرخ، يصل الى بلدة صرصر و هى على نهر صرصر ثانى الانهار الكبيرة الآخذة من الفرات الى دجلة، و يجرى بموازاة نهر عيسى فى جنوبه. و يبدأ الطريق الغربى، أى طريق الانبار، من باب الكوفة فيخترق ربض براثا، و بعد نحو فرسخ يصل الى بلدة المحوّل على نهر عيسى. و الطريق الشرقى، أى طريق خراسان، يترك بغداد الشرقية، على ما بينا الآن، عند باب خراسان شمال محلة المخرم. و اول مدينة يبلغها: جسر النهروان و عندها معبر النهر العظيم: النهروان. و آخر الطرق: الطريق الشمالى، و كان يخترق محلة الشماسية فباب البردان فى بغداد الشرقية، و ما يعتم ان يصل الى بلدة البردان و هى على ضفة دجلة الشرقية.

ثم يتابع سيره يسار النهر فيبلغ سامراء و مدن ما بين النهرين الشمالى (اقليم الجزيرة).

و فى غضون القرون الخمسة التى عاشت فيها الخلافة العباسية، تغيرت خطط بغداد و ارباضها تغيرا كبيرا، لاتساع المدينة من جهة و خراب بعض اقسامها من جهة اخرى. و ما صورناه فى الفقرات السابقة ان هو الا صورة المدينة على ما كانت عليه فى خلافة هرون الرشيد. و كانت الحروب الداخلية التى نشبت بعد وفاته، قد اوقعت الخراب فى المدينة المدورة. و فى سنة 221 (836)، نقل مقام الخلافة الى سامراء فضؤل شأن بغداد فى عهد سبعة من الخلفاء، و امست مدينة اقليم لا غير. و لما هجرت سامراء سنة 279 (892) و عاد الخليفة الى العاصمة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 51

القديمة، كانت بغداد الشرقية، و قد استجد فيها الكثير من القصور، قد خلفت مجد المدينة المدورة التى ازدادت خرابا على خراب. و أقام الخلفاء فى الجانب الشرقى خلال القرون الاربعة التالية حتى الفتح المغولى دون ان يتحولوا عنه.

و قد ابتنى الخلفاء فى اواخر العصر العباسى قصورهم هذه فى جنوب المخرّم.

و المخرّم سفلى المحلات الثلاث التى فى داخل اسوار بغداد الشرقية على ما كانت عليه فى ايام هرون الرشيد. و كانت هذه المحلات الثلاث فى الزمن الذى نتكلم عليه، قد استولى عليها الخراب، الا انه ما عتم ان نشأ حول القصور المحدثة ارباض جديدة، ما كاد يمضى عليها وقت طويل حتى احيطت هى ايضا بسور عظيم نصف دائرى. و قد كان سور بغداد الشرقية الجديد يضم قسما من محلة المخرم العتيقة، و بدؤه من ضفة النهر فوق القصور، و انتهاؤه فى ضفة النهر تحتها (أى انه يصاقب

طسوج كلواذى). و كان المستظهر قد بنى السور فى سنة 488 (1095) ثم رمّ غير مرة. الا انه فى سنة 656 (1258) لم يقو على صد هجوم المغول فانتهى الامر بسقوط الخلافة العباسية. و مازال هذا السور المتشعث قائما حتى اليوم يحتضن ما تبقى من مدينة الخلفاء، و يحمى بغداد الحديثة عاصمة العراق اليوم مثلما كانت بالامس و مقام و اليها التركى .

و على سبعة فراسخ اسفل من بغداد: المدائن، على جانبى دجلة. و المدائن

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 52

هو الاسم الذى اطلقه العرب على اطلال العاصمتين التوأمين: قطيسفون و سلوقية التى اسسها السلوقيون الاولون قبل الميلاد بثلاثة قرون. و سلوقية، و هى فى الجانب الغربى، قد سميت باسم سلوقس نقطور. اما «قطيسفون»، و قد اختصر العرب اسمها فقالوا طيسفون، فلا يعرف اصل اشتقاقه. و هو و ان بدا اغريقيا، فقد يكون تصحيفا لاسم المدينة الفارسى القديم، اذ لسنا نعلم ما كان يسمي به الساسانيون عاصمة دولتهم هذه و فى سنة 540 للميلاد، استولى انوشروان العادل على انطاكية الشام و سلوقية نهر الكلب، و اجلى اهل سلوقية هذه الى عاصمته طيسفون على عادة ملوك الفرس، فانزلهم فيها فى ربض جديد فى جانب دجلة الشرقى، أى بازاء موضع سلوقية العراق. و كان هذا الربض باقيا حين فتح العرب العراق بعد ذلك بقرن. و كان ما زال يعرف ب «رومية» أى المدينة الرومية «اليونانية» و قد ذكر بعضهم انها بنيت على غرار انطاكية.

و كانت المدائن على ما ذكر المصنفون المسلمون تتألف من سبع مدن ذات اسماء معروفة على اختلاف فى قراءتها. و الظاهر ان خمسا من هذه المدن فقط كانت قائمة عامرة حينما

كتب اليعقوبى فى المئة الثالثة (التاسعة)، و هى: المدينة العتيقة أى طيسفون. و على ميل من جنوبها اسبانبر. و بجوارها رومية و هذه المدن فى الجانب الشرقى. و فى الجانب الآخر من دجلة كانت بهرسير و هى تصحيف «به- اردشير»- (أى بلدة الملك اردشير الطيبة)- و على فرسخ من اسفلها: ساباط، و كان الفرس على ما ذكر ياقوت يسمونها بلاس أباذ.

و القصر الساسانى الفخم الذى ما زالت بقاياه قائمة فى الجانب الشرقى من

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 53

دجلة، سماه العرب: ايوان كسرى. و كان هذا الايوان، على ما جاء فى اليعقوبى يقوم فى اسبانبر. و هناك بناء فخم آخر يعرف بالقصر الابيض، كان يرى فى المدينة العتيقة على ميل من شمالها. الا ان هذا الاخير قد اندرس و عفت آثاره منذ ابتداء المئة الرابعة (العاشرة). فان جميع المصنفين المتأخرين، اطلقوا اسم «القصر الابيض» و «ايوان كسرى» دون تفريق على البناء المعقود الكبير و هو الاثر الوحيد القائم حتى اليوم فى هذا الموضع من أبنية الملوك الساسانيين. و قد كاد هذا البناء يمحق عن آخره فى اواسط المئة الثانية (الثامنة) حين كان المنصور يبنى بغداد. فان هذا الخليفة امر بنقض القصر الساسانى و استعمال آجره فى بناء مدينته الجديدة، و حاول وزيره الفارسى، خالد البرمكى، دون جدوى، اقناعه بالعدول عن نقضه، فقد اصر الخليفة على ذلك و لكن الوزير تحقق رأيه حين بدئ بالنقض و تبين ان ذلك يكلف اكثر من صنع الآجر الجديد للبناء. فترك ايوان كسرى، على ما سماه به ياقوت، قائما فى مكانه. و بعد ذلك بزمن نقل شى ء كثير من آجره لبناء اسوار «قصر التاج» الجديد فى بغداد

الشرقية. و قد فرغ الخليفة علي المكتفى من بنائه فى سنة 290 (903).

و المدائن، و قد عمها الخراب اليوم، كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) بلدة صغيرة آهلة ذات مسجد جامع عامر بنى فى زمن الفتح الاسلامى. و بالقرب منه ضريح سلمان الفارسى من اشهر صحابة النبى محمد. و كانت اسواق المدائن من الآجر، عامرة. و قد عقد الخليفة المنصور مجلسه حينا من الزمن فى رومية المجاورة لها. كما اقام المأمون ايضا فى ساباط، و هى فى الجانب الثانى من النهر.

و كانت فخامة قصر الاكاسرة العتيق و روعته موضوعا تحدث به البلدانيون العرب و افاضوا فى الكلام عليه. فقد ذكر اليعقوبى ان علو قمة الطاق عن الارض ثمانون ذراعا. و اشار ياقوت الى عظم آجره: فطول كل آجرة نحو ذراع فى عرض اقل من شبر . و روى المستوفى، و قد سرد حديثا خرافيا عن المدائن و قصرها،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 54

ان فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) صارت المدائن و رومية خرابا يبابا و ان بقيت القرى التى بازائها فى الجانب الغربى آهلة. و كان من اعمر تلك القرى على قوله بهرسير، و قد مر ذكرها، سماها ياقوت حين زارها: الرومقان. و الى جنوبها:

زريران، و هى على مرحلة فى طريق الحاج، و فى غربها صرصر، و قد مر ذكرها.

و هى على نهر صرصر و هو يصب فى دجلة على شى ء يسير فوق المدائن. و الطسوج الذى حول المدائن الممتد شرقا من دجلة الى النهروان، كان يعرف بالراذان (الاعلى و الاسفل). و قد سرد ياقوت اسماء قرى عديدة فيه، و اطرى المستوفى و فرة غلاته .

و دير العاقول (أى عقلة «النهر» و

عوجته)، ما زالت الخارطة الحديثة تشير اليه، و هو فى الجانب الشرقى على عشرة فراسخ اسفل المدائن. و اسمه يدل على شكل مجرى دجلة فى هذا الموضع. و قد كان ديرا للنصارى حوله مدينة كبيرة كانت من اجلّ مدن طسوج النهروان الاوسط. و كان فى المدينة مسجد جامع لا يبعد كثيرا عن السوق. و ذكر ابن رسته فى نهاية المئة الثالثة (التاسعة) المآصر على دجلة فى هذا الموضع «و بها اصحاب السيارة و المأصر من قبل السلطان».

قال: «و المأصر ان تشد سفينتان من احد جانبى دجلة و سفينتان من الجانب الآخر، و تشد السفن على شطين ثم تؤخذ قلوس (حبال) على عرض دجلة و تشد رؤوسها الى السفن لئلا تجوز السفن بالليل». و ذكر المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة) ان «ليس على دجلة من نحو واسط مدينة اجلّ من دير العاقول، كبيرة عامرة آهلة». ثم ان دجلة حوّل مجراه. فذكر ياقوت فى المئة السابعة (الثالثة عشرة)

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 55

ان دير العاقول كان على شاطئ دجلة، فاما الآن فبينه و بين دجلة مقدار ميل، و هو بمفرده فى وسط البرية. على ان المستوفى بعد ياقوت بقرن كان يعد دير العاقول مدينة كبيرة ذات هواء رطب لتوسطها بساتين النخيل.

و فى الضفة الشرقية ايضا على ثلاثة فراسخ فوق دير العاقول، بلدة السيب الصغيرة، و سميت بسيب بنى قوما تفريقا لها عن غيرها. و كانت تكثر فيها بساتين الزيتون، و اشتهر امرها فى التاريخ بالوقعة التى جرت فيها سنة 262 (876) حين تغلبت جيوش الخليفة المعتمد على يعقوب الصفار. و على بعد قليل اسفل من دير العاقول، دير مر ماري الملقب بالسليح، و

يعرف أيضا بدير قّنى أو (قنه)، و هو فى الجانب الشرقى، بينه و بين دجلة ميل، على ستة عشر فرسخا من بغداد. وصفه الشابشتى المؤرخ فى المئة الرابعة (العاشرة)، (و عنه نقل ياقوت)، بانه «دير عظيم شبيه بالحصن المنيع و عليه سور عظيم عال محكم البناء، و فيه مئة قلاية لرهبانه، و هم يتبايعون هذه القلالى بينهم من الف دينار الى مائتى دينار (500- 100 باون). و حول كل قلاية بستان، و تباع غلة البستان منها من مائتى دينار الى خمسين دينارا (100- 25 باونا) و فى وسطه نهر جار».

و بالقرب من دير قنى على نهر دجلة: الصافية. و هى بليدة قال ياقوت انها كانت فى ايامه خرابا، و بازائها فى الجانب الغربى: همانية (أو همينيا) و ما زالت ترى فى الخارطة الحديثة و هى على فرسخين جنوب شرقى دير العاقول. و فى بدء المئة الثالثة (التاسعة) كانت همانية بلدة قليلة الشأن، فبعد وفاة الخليفة الامين حجر فيها المأمون حينا من الزمن: ابنى الامين و امه زبيدة ارملة هرون الرشيد .

و وصف ياقوت فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) همانية بقوله: انها قرية كبيرة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 56

حولها مزارع حسنة .

و على اربعة فراسخ جنوب شرقى دير العاقول، جرجرايا أو جرجراى و ما زالت باقية . و وصفها المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة) بانها «بلدة عظيمة، الجامع بقرب الساحل عامر، و لهم ماء يدور حول قطعة من المدينة». و ذكر اليعقوبى، و قد سبقه بقرن، انها «ديار اشراف الفرس، و هى مدينة النهروان الاسفل». و كانت فى المئة السابعة (الثالثة عشرة)، على ما جاء فى ياقوت، قد «خربت مع ما خرب

من النهروانات». و فى جانب دجلة الغربى، على اربعة فراسخ اسفل من جرجرايا، حيث الخرائب المعروفة اليوم بتل نعمان، تقوم بلدة النعمانية، و قد ذكر ياقوت انها «بليدة بين واسط و بغداد فى نصف الطريق» و هى مدينة الزاب الاعلى و مسجدها الجامع فى السوق و زاد اليعقوبى على ذلك ان فى مدينة النعمانية دير هزقل، و فيه يعالج المجانين. و اشتهرت النعمانية، على ما ذكر ابن رسته، لان «بها تتخذ الطنافس الحرير». و فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) ذكر المستوفى النعمانية انها بلدة زاهرة حولها بساتين النخيل .

و كانت جبّل بليدة فى الجانب الشرقى على تسعة فراسخ اسفل من جرجرايا.

و ذكر ابن رسته فى المئة الثالثة (التاسعة) ان بها «دار طبيخ للسلطان» و هى مدينة كبيرة و بها مسجد جامع فى السوق. و قال المقدسى ان جبل تلى دير

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 57

العاقول فى الكبر. الا انها صارت فى ايام ياقوت قرية كبيرة .

و كانت بلدة ماذرايا حيث تقوم اليوم كوت العمارة عند مخرج شط الحى من مجرى دجلة الشرقى و هو دجلة الحالى المنحدر اليوم باتجاه الجنوب الشرقى الى القرنة. و كانت ماذرايا فى ضفته الشرقية. و كان يسكنها فى المئة الثالثة (التاسعة) اشراف الفرس، و عندها كان مصب النهروان فى دجلة. و يلى ماذرايا سفلا: المبارك، و هى بلدة بازاء نهر سابس الذى هو فى الجانب الغربى من دجلة و بلدة نهر سابس كانت عند فم النهر الذى الاسم. و سيأتى الكلام على ذلك. و كانت هذه البلدة قصبة طسوج الزاب الاسفل، و قيل انها كانت على خمسة فراسخ من جبل و فى الضفة المقابلة، على خمسة

فراسخ بانحدار دجلة: نهر الصلح و بلدة فم الصلح عند فمه أى مخرجه. و كانت على سبعة فراسخ فوق واسط. و فم الصلح، على ما جاء فى ابن رسته، «مدينة على شرقى دجلة. و بها مسجد جامع و أسواق». و قد اشتهر أمرها فى التاريخ الاسلامى بالقصر الفخم الذى أنشأه فيها الحسن بن سهل وزير المأمون. و فيه بنى المأمون ببوران ابنته. فأنفق فى ذلك العرس على العطايا و الهبات أموال جسام تفوق حدود التصديق، على ما فصله المسعودى فى كتابه . ثم خربت فم الصلح.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 58

فلما زارها ياقوت فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) وجد البلدة و ما جاورها من قرى على امتداد النهر خرابا الا قليلا و من بلدة فم الصلح كان المسجد الجامع فى واسط يرى فى الأفق الجنوبى.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 59

الفصل الثالث العراق (تابع)

واسط- البطائح- المذار و القرنة- دجلة العوراء- البصرة و انهارها- الأبلة و عبادان- دجلة فوق بغداد- البردان- طسوج دجيل- عكبرا و حربى و القادسية.

سميت واسط واسطا، لتوسطها بين الكوفة و البصرة و الاهواز. فهى على خمسين فرسخا من كل واحدة منها. و قد كانت اعظم مدن طسوج كسكر، بل كانت على ما ذكرنا احدى مدن العراق الكبرى الثلاث قبل بناء بغداد.

ابتنى الحجاج، والي العراق المشهور فى أيام الخليفة عبد الملك الاموى، مدينة واسط فى نحو سنة 84 ه (703). و كانت واسط على جانبى دجلة، بينهما جسر سفن. لها جامعان، فى كل جانب جامع. و ذكر اليعقوبى ان الجانب الشرقى من واسط كان مدينة قبل زمن الحجاج. و الغلبة على سكان هذا الجانب، حتى المئة الثالثة (التاسعة)،

للعجم. و بنى الحجاج فى المدينة الغربية القصر الاخضر و يقال له القبة الخضراء، و هو المشهور بقبته العظيمة فقد كانت ترى من اعلاها فم الصلح، و هى على سبعة فراسخ فى شمالها. كانت ارض واسط و فيرة الخصب «و بها قوام مدينة السلام اذا أسنتت نواحيها أو عيهت» و كان خراجها فى العام ألف

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 60

ألف درهم (40 الف دينار) على ما ذكر ابن حوقل. و قد كان فى واسط سنة 358 ه (969 م) . وروى المقدسى، ان جامع الجانب الشرقى قد بناه الحجاج كذلك و كانت أسواقها حسنة عامرة، و قد جعل فى طرفى الجسر موضعان تدخل فيهما السفن لتفريغ و سقها.

و بقيت واسط طوال عصور الخلافة من اشهر مدن العراق. و يظهر ان جانبها الشرقى كان اول ما انتابه الخراب منها. فالقزوينى، و كان قاضيا فى واسط فى النصف الاخير من المئة السابعة (الثالثة عشرة)، ذكر ان المدينة بمفردها فى جانب دجلة الغربى. واشاد ابن بطوطة، و كان فيها فى اوائل المئة التالية، بمبانيها الفخمة، و قال ان فيها مدرسة عظيمة حافلة فيها نحو ثلاثمئة خلوة ينزلها القادمون للتعلم.

و نوه المستوفى، و هو ممن عاصر ابن بطوطة، بما حولها من بساتين النخيل الكثيفة التى ترطب هواءها كثيرا. و فى نهاية المئة الثامنة للهجرة (الرابعة عشرة) ورد ذكر واسط غير مرة بكونها موضعا ذا شأن فى حروب تيمور الذى أقام فيها حامية قوية. و لكن بعد ذلك بنحو قرن، ابتعد مجرى دجلة عن واسط- على ما بينا فى مطلع الفصل السابق- و تحوّل الى مجراه الشرقى المنحدر الى القرنة. فاستولى الخراب على سائر المدينة. فلما

كتب الحاج خليفة فى مطلع المئة الحادية عشرة (السابعة عشرة)، قال انها بمفردها فى وسط البرية و ان النهر قد كان مشهورا بقصبه الذى تتخذ منه الاقلام .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 61

و على ما ذكر ياقوت، كان دجلة أسفل من واسط، اذا انفصل عنها، انقسم الى خمسة أنهر عظام تحمل السفن، ذكرها باسمائها . ثم تصب فى البطائح.

و هذا القول يوافق ما ذكره المصنفون الاولون. فقد ذكر ابن سرابيون، جملة مدن على دجلة أسفل من واسط و فوق القطر، و هى فم البطيحة فى المئة الرابعة (العاشرة). و أولى هذه المدن: الرصافة فى الجانب الايسر على عشرة فراسخ من واسط. و بالقرب منها نهر يحمل من دجلة شرقا و يصب فى البطيحة، يقال له نهر بان. و فى مصبه بلدة بهذا الاسم. و يلفظ ايضا نهر أبان. و اسفله:

الفاروث، فدير العمال. و هذه المواضع فى الجانب الشرقى، و بازائها ثلاثة أنهر تجرى غربا و تصب فى البطائح، هى اولا نهر قريش و عليه قرية كبيرة بهذا الاسم، فنهر السيب و عليه بلدتا الجوامد و العقر، فنهر بردودى أوله عند قرية الشديدية. و كلها كانت مدنا ذات شأن فى البطيحة حول الجامدة و قربها، و يقال لها ايضا «الجوامد» (بصيغة الجمع). و الى ذلك فقد وصف المقدسى مدينة كبيرة فى هذه البقعة تعرف بالصليق على بحيرة حولها ضياع و مزارع حسنة. و كان تجاه هذه الأمكنة على الجانب الشرقى من دجلة: الحوانيت و بها المأصر يشدّ جانبى دجلة كالمأصر الذى قد وصفناه فى دير العاقول (ص 54). و كان هذا المأصر

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 62

عند القطر

على اثنى عشر فرسخا اسفل الرصافة حيث كان دجلة فى المئة الثالثة (التاسعة)، على ما ذكر ابن رسته، يتشعب ثلاث شعب و ينصب ماؤه فى البطائح .

و البطائح جمع البطيحة و قد و صفناها فى صفحة 43. و الرقعة التى تبطّحت فيها هذه البطائح، تنتشر فيها المدن و القرى، و كل واحدة منها تتوسّد نهرها.

و مع ان هواءها و خم، فان تربتها كانت حين تجف غاية فى الخصب. فابن رسته، و قد كتب فى نهاية المئة الثالثة (التاسعة)، وصف البطائح بقوله ينبت فيها القصب، و يخرج من هذه البطائح أنهار منها سمكهم من الطرى و المالح، كان يحمل الى النواحى المجاورة. اما مياه دجلة فالظاهر انها من قطر فشرقا- و لعلها كانت تتبع مجرى الفرات الحالى بوجه التقريب- تشق طريقها بين اهوار متصلة الى نهر ابى الاسد، و تنصبّ مياه البطائح من هذا النهر الى فيض البصرة. و البطائح ان خلت من القصب، سماها العرب الهور أو الهول. و يصل فيما بينها أزقة تسير فيها الزواريق. اما السفن النهرية الكبيرة فانها تجنح أسفل القطر على ما جاء فى ابن رسته: «و يحمل بعض ما فيها فى الزواريق فتمر فى شبه أزقة قصب تصل ما بين الاهوار. و بين هذه الازقة، مواضع- متخذة من قصب- أشباه الدكاكين- عليها اكواخ من قصب يكتنون بها من البقّ» و فيها مسالح يعمل رجالها على تطهير المجرى و حماية الملاحين، لان فى البطائح مكامن طبيعية يختبئ فيها اللصوص .

و قد سرد ابن سرابيون أسماء اربعة من هذه الاهوار التى تحمل الماء الى البصرة: الاول هور بحصّى، و الثانى هور بكمصى، و الثالث هور بصرياثا، و الهور الرابع المحمدية و هو

اعظم الاهوار، و فيه كانت المنارة المسماة منارة حسان.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 63

و انما عرفت بذلك نسبة الى حسان النبطى الذى كان فى خدمة الحجاج عامل بني امية، فاعاد بعض تلك الارضين الى عمارة. و يلى الهور الاخير زقاق قصب و هو مادّ الى نهر ابى الاسد، و يمرّ النهر بالحالة و قرية الكوانين، و هو يحمل ماء البطيحة الى رأس فيض دجلة. و ابو الاسد هذا، و نهره يتفق هو و مجرى الفرات الحالى فوق القرنة، كان من موالى الخليفة المنصور. و حين كان قائدا للجيش فى البصرة، حفر بها النهر على ما ذكر ياقوت، و قيل ان السفن لم تدخله لضيقه، فوسعه حتى دخلته فنسب اليه. و كان على ما ذكر ياقوت، محفورا قبله منذ ايام الساسانيين.

اما القرنة، و هى حيث يقترن اليوم الفرات بدجلة، فلم يذكرها احد من البلدانيين العرب . و اول اشارة الى قلعة القرنة، وردت فى جهان نما التركية فى مطلع المئة الحادية عشرة (السابعة عشرة).

و كان القسم الاسفل من مجرى دجلة الشرقى- و هو دجلة الزمن الساسانى و زمننا ايضا- فى العصور الوسطى، على ما قد ذكرنا، تصعد اليه المياه المرتدة و قد سكر فى نهايته الشمالية. و كانت هذه المياه المرتدة تسمى نهر المذار. و كان طوله ستة فراسخ و يؤدى الى مدينتى عبدسى (أو عبداسى) و المذار اللتين لا يعرف موضعهما الصحيح. و كان ما يحف بجانبيه من اراض- أعنى بامتداد عقيق دجلة الشرقى حينذاك- يعرف بجوخى، و هى تمتد الى الشمال الغربى حتى كسكر، كورة واسط. و كانت المذار فى ايام الفتح الاسلامى بلدة جليلة، و هى قصبة ميسان و

عرفت ايضا بدستميسان. و بينهما و بين البصرة اربعة ايام، و بها مشهد عامر عظيم فيه ضريح عبد اللّه بن على بن أبى طالب. اما مدينة عبدسى، القريبة منها فانها على ما ذكر ياقوت، فارسية الأصل، و اسمها تعريب افداسهى اسمها القديم، و كانت مصنعة فى كورة كسكر قبل الفتح. و كانت كسكر و ميسان كورتى القسم الشرقى من البطائح. و على ما ذكر القزوينى، كان يجلب من كسكر الرز الجيد، و تربى فى مراعيها الجواميس و البقر و الجداء. و تكثر فى اهوار القصب: البطوط و الفراريج التى تصاد بالشباك و تحمل الى اسواق المدن المجاورة. و كان يصاد فى انهارها كثير من الشبوط فيملح و يحمل الى غيرها. و فى ميسان مشهد العزير

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 64

النبى و يسمى عزرا. و قد ذكر القزوينى انه «معمور يقوم بخدمته اليهود، و عليه وقوف و تأتيه النذور» فقد كان مشهورا فى تلك الانحاء ان الصلاة فيه مقبولة مستجابة . بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد ؛ النص ؛ ص64

الفيض العريض المتكون من اقتران مياه دجلة و الفرات، يبلغ مئة ميل طولا، و هو يبدأ من فم نهر ابى الاسد و يصب فى خليج فارس عند عبادان. و قد عرف هذا الفيض ايضا بدجلة العوراء و بفيض البصرة. و سماه الفرس بهمن شير و هو يعرف اليوم بشط العرب. و يدركه المدّ و الجزر من خليج فارس حتى رأسه عند المذار و عبدسى شمالا. و يدرك المد انهار البصرة العديدة و انهار الرى فى شرق الفيض و فى غربه ثم يجزر منها. و تقع البصرة، ثغر العراق التجارى الكبير، على

طفّ البادية على بعد قليل من غرب الفيض. و كانت السفن تبلغه من البصرة بنهرين. و فى شمال البصرة و جنوبها انهار كثيرة تحمل مياه البطائح السفلى الى دجلة العوراء. و كان يصب فى الجانب الشرقى من الفيض انهار اخرى كثيرة. هذا الى نهر محفور يقال له نهر بيان على نحو من ثلاثين ميلا فوق عبادان، يصل فيض دجلة بفيض دجيل (نهر كارون)، و دجيل ينحدر من اقليم خوزستان و يصب فى خليج فارس عند سليمانان .

و البصرة- و قد اشتق اسمها من الحجارة السود - أنشئت فى أيام عمر فى سنة 17 (638)، و أقطع سوادها القبائل العربية التى نزلت فيها بعد تقويض الدولة الساسانية. و سرعان ما اتسعت هذه المدينة فاذا هى و الكوفة تصبحان من عواصم العراق الجديدة. و فى سنة 36 (656)، جرت قرب البصرة وقعة الجمل

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 65

المشهورة و مع ان الامام عليا قد تغلب على من سبّب موت الخليفة عثمان، فذلك لم يؤثر فى مجرى الامور. و فى هذه الوقعة قتل طلحة و الزبير الصحابيان المشهوران. و البصرة، على نحو اثنى عشر ميلا من فيض دجلة فى خط مستقيم.

و قد شق اليها من دجلة نهران: نهر معقل من الشمال الشرقى و تأتيه السفن النازلة من بغداد، و نهر الأبلّة و تسير فيه السفن من البصرة نحو الجنوب الشرقى فتخرج الى خليج فارس عند عبادان. و يتألف مما توسط بين هذين النهرين و بين مياه الفيض فى الشرق، الجزيرة الكبرى، على ما كانت تسمى به. و بلدة الأبلّة فى الزاوية الجنوبية الشرقية لهذه الجزيرة، فوق مصب نهر الأبلّة فى الفيض.

و كانت البصرة تقوم

على امتداد النهر الموصل بين نهرى معقل و الأبلّة. و كانت دورها من ناحية البر غربا تطيف بها البادية بشكل قوس. و للبصرة فى هذه الجهة باب يقال له باب البادية. و فى المئة الرابعة (العاشرة) كان امتدادها من النهر الى هذا الباب نحو ثلاثة أميال. أما طولها فيزيد على ذلك بكثير. و أكثر دورها بالآجر. و حول اسوارها ارض خصبة تسقيها انهار صغار كثيرة، ويليها بساتين النخيل الواسعة. و ذكر المقدسى ان بالبصرة ثلاثة جوامع: احدها على الباب الغربى فى وجه البادية و هو القديم، و جامع ثان فى الاسواق «بهىّ جليل عامر آهل ليس بالعراق مثله، على أساطين مبيّضة». و جامع ثالث «على طرف البلدة».

و فى البصرة ثلاث اسواق فيها الدكاكين و الخانات، و هذه الاسواق كأسواق بغداد سعة. و كان المربد من اشهر محالها فى الباب الغربى، و فيه تحطّ القوافل الآتية من البادية. و هو أكثر أقسام المدينة اكتظاظا و بها قبر طلحة و الزبير.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 66

و كان كثير من محال البصرة حين كتب المقدسى قد آل الى الخراب . و ذكر المقدسى فيما ذكر من دور العلم: دار كتب كانت فى المئة الرابعة (العاشرة)، انشأها ابن سوّار و وقفها. و أنشأ أيضا دار كتب مثلها فى مدينة رامهرمز بخوزستان. «و أجرى فى الدارين على من قصدهما و لزم القراءة و النسخ».

و كانت دار الكتب فى البصرة حافلة بجمهرة كبيرة من الاسفار.

و قد عانت البصرة كثيرا من جراء الحروب و الفتن المذكورة فى تاريخ الدولة العباسية. ففى سنة 257 (871) حين كانت ثورة الزنج على أشدها، خرب صاحب الزنج- و كان يدعي انه من

سلالة الامام علي- البصرة و أحرق معظم أقسامها. و كان الجامع مما خرب. و انتهب جنده المدينة ثلاثة أيام . و فى سنة 311 (923) نهب زعيم القرامطة مدينة البصرة، و دام النهب فى هذه المرة سبعة عشر يوما. و لكن المدينة استرجعت بعض رخائها السابق. فلما زارها الرحالة الفارسى ناصر خسرو فى سنة 443 (1052) قال: بها خلق كثير و لها سور عظيم يحيط بها، و كان معظم البصرة خرابا. و كان بيت الخليفة علي، قرب المسجد الجامع. و كان فيها ثلاثة عشر مزارا تشير الى الاحداث المختلفة التى جرت حين مقام علي فيها. و سرد ناصر خسرو أيضا اسماء العشرين ناحية المحيطة بالمدينة.

و فى سنة 517 (1123) استحدث القاضى عبد السلام سورا للمدينة كان يمتد نصف فرسخ فى داخل حدودها القديمة. و كانت البصرة فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) حين زارها ابن بطوطة بعد الفتح المغولى، مدينة آهلة. و قد تكلم ابن بطوطة على مسجد علي بن ابى طالب فقال: انه «بناء عال مثل الحصن

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 67

و له سبع صوامع و هم يصلون الجمعة فيه فلا يأتونه الا فى الجمعة». و بينه الآن و بين أحيائها العامرة ميلان و حوله الخرائب، و كذلك بينه (أى بين الجامع) و بين السور الاول ميلان. و بالقرب من السور قبر طلحة و قبر الزبير. اما البلدة نفسها فلم يبق فيها غير ثلاثة أحياء آهلة. و سرد المستوفى، و قد كتب فى ذلك الزمن نفسه، اخبارا طويلة عن البصرة، فذكر ان جامعها لم يجدده الا الخليفة علي، و كان أعظم جامع فى الاسلام- و لم يبن جامع أوسع منه- و

عيّن علي قبلة هذا الجامع فى اتجاهها الصحيح. و كان فيه منارة تتحرك أو تبقى ساكنة وفقا للقسم الذى يحلف به فى وجهها ان كان صدقا أو كذبا و هى كرامة تعزى الى الامام علي بن ابى طالب و كان رافعها. و للمستوفى كلام آخر فى مشاهد البصرة.

و أطرى بساتينها الغنّ و نخيلها الذى يحف بالمدينة حتى انه لالتفاف اشجارها لا يكاد يرى الرائى أبعد من مئة خطوة. و تمرها من أجود التمور و تجارته رابحة فى الهند و الصين.

و اشتهرت البصرة فى كل الازمنة بانهارها. و قد عدّت، على ما ذكر ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة)، فزادت على مئة الف نهر تجرى فى أكثرها الزواريق. و نهر معقل، و قد بينّا انه هو النهر الكبير الآتى من جهة بغداد، حفره معقل بن يسار الصحابى فى أيام عمر. و هذا النهر و نهر الابلة، و هما يمتدان من البصرة نحو الجنوب الشرقى، كان طول كل منهما أربعة فراسخ. و كانت بساتين نهر الابلة بامتداد الجانب الجنوبى للجزيرة الكبرى، احدى جنان الدنيا الاربع .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 68

و الأبلّة، و هى تعريب اسمها اليونانى(Apologos) ، يرجع تاريخها الى العهد الساسانى بل الى أقدم من ذلك . و هى على الفيض، ذات هواء حار.

و لما ابتنى المسلمون البصرة مدينتهم الجديدة، جعلوها فى الداخل عند طّف البادية. و كانت الابلة على ما بينا، عند فم نهر الأبلة من قبل الشمال فى الجزيرة الكبرى و بازائها من نحو الجنوب البلدة المسماة شقّ عثمان (و يقال ان عثمان هذا حفيد سميه الخليفة الثالث) و كانت فوق فم نهر الابلة و تجاهه فى الجانب الشرقى

من الفيض، مرحلة ينزل فيها من يعبر دجلة و يريد خوزستان. و كان يقال لهذا الموضع عسكر ابى جعفر، أى عسكر الخليفة المنصور. و كانت الابلة فى المئة الرابعة (العاشرة) بلدة كبيرة ذات مسجد جامع. و كان شق عثمان مثل ذلك.

و هما على ما روى المقدسى عامرتان. و ذكر ناصر خسرو، و قد زارها بعد ذلك بنصف قرن، ان قصور هاتين المدينتين و أسواقهما و جامعيهما فى حال حسنة.

و لكن المغول بعد ذلك بقرنين خرّبوا هذه الجهات. و لما كتب القزوينى فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) قال ان هذه المواضع قد آلت الى الخراب. و بقى شق عثمان مشهورا بسدرته العظيمة. و بعد ذلك بقرن وصف ابن بطوطة الأبلّة فقال هى الآن قرية. و قد نهضت فى العصر الحديث من حالتها هذه التى ألمت بها حين قامت البصرة الحديثة فى موضعها القديم .

«و كان على ركن الأبلة فى دجلة بين يدى نهرها، خور عظيم الخطر جسيم الضرر، و كانت أكثر السفن تغرق فيه». و على ما جاء فى ابن حوقل «احتالت له بعض نساء بنى العباس- ذكر بعضهم انها زبيدة- بمراكب أوسقتها بالحجارة العظام و بلّعتها ذلك المكان فابتلعها، و قد توافت على مقدار فانسد المكان

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 69

و زال الضرر». و ذكر ابن سرابيون الانهار التسعة و كلها يصب الى فيض البصرة فى جانبه الغربى و هى: نهر معقل و ثلاثة فوقه و أربعة جنوب البصرة بين نهر الابلة و فم الفيض على ان أهم هذه الانهار هو نهر ابى الخصيب- و انما سمي بذلك نسبة الى مولى من موالى الخليفة المنصور- فقد بني عليه فى أواسط المئة

الثالثة (التاسعة)، حصن عظيم للثوار من الزنج. و هذه المدينة التى سماها الزنج «المختارة» كانت حصينة مكينة فامتنعت زمنا طويلا على جيوش الخليفة العباسى التى جردها عليها و لم يقض بعد ذلك على فتنة الزنج القضاء النهائى الا بعد حروب دامت خمس عشرة سنة .

و كانت أهم الانهار فى شرقي فيض دجلة، على ما ذكر ابن سرابيون، نهر الريّان و عليه أو على مقربة منه مدينتا المفتح و الدسكرة و لا يعلم موضعهما الصحيح، و ان كانت الاولى ذات شأن بحيث غلب أسمها على الفيض فسمي دجلة المفتح.

و أسفل هذا النهر، نهر بيان و عند فمه بلدة بيان على خمسة فراسخ من الابلة بازائها على الفيض. و فى موضعها اليوم ميناء المحمرة على نهر الحفار و هذا النهر يصل أعالى فيض دجلة بفيض دجيل (كارون). قال المقدسى، و قد كتب بعد ابن سرابيون بثلاثة أرباع القرن، ان هذا النهر، و طوله أربعة فراسخ، قد شقه عضد الدولة البويهى. و قبل ذلك بقرن ذكره قدامة باسم «النهر الجديد» و كانت تسير فيه السفن الآتية من البصرة الى الاهواز و كانت السفن قبل ان يشق النهر العضدى (على ما سماه المقدسى) تذهب فى النهر الى البحر ثم تعود فتدخل من البحر الى فيض دجلة مارة ببيان الى الابلة .

و الجزيرة الكبرى التى بين الفيضين (أى فيض دجلة و دجيل)، سماها ياقوت ميان روذان (و هو فارسي معناه وسط الانهار) و قد وصفها المقدسى بانها

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 70

سبخة فى زاوية منها على ساحل البحر مدينة عبادان، و فى زاوية أخرى عند فيض دجيل سليمانان. و ما زالت عبادان قائمة و لكنها الآن

على فيض دجيل تبعد عن ساحل خليج فارس الحالى أكثر من عشرين ميلا، اذ ان البحر قد انحسر الى هذا المدى بفعل دلتا النهر العظيم. و مع ذلك فالمقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة) وصف عبادان بان ليس وراءها بلد و لا قرية غير البحر، فيها صنّاع الحصر من الحلفاء التى تنبت فى الجزيرة و حولها مسالح عظيمة لحراسة فم الفيض. و قال ناصر خسرو، و قد حل فيها سنة 438 (1047)، ان البحر فى زمنه كان يبتعد عنها أقل من فرسخين فى اثناء الجزر. و قد أقاموا فيه ما عرف بالخشاب و هو بمثابة منار «يتكون من أربعة أعمدة كبيرة من خشب الساج على هيئة المنجنيق و هو مربع قاعدته متسعة و قمته ضيقة و يرتفع عن سطح البحر أربعين ذراعا و على قمته حجارة و قرميد مقامة على عمد من خشب كأنها سقف و من فوقها أربعة عقود يقف بها الحراس ... ففى الليل يشعلون سراجا فى زجاجة بحيث لا تطفؤه الرياح و ذلك حتى يراه الملاحون من بعيد فيحتاطون و ينجون.» و كانت عبادان كثيرة الجوامع و الرباطات و لكنها حين مر بها ابن بطوطة فى المئة الثامنة كانت قد صارت قرية كبيرة بينها و بين الساحل ثلاثة أميال. و مع ذلك فان المستوفى، معاصر ابن بطوطة، قال فى عبادان انها ميناء كبير و روى ان جبايتها بلغت اربعمئة و واحدا

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 71

و اربعين ألف دينار بصرف زمنه تدفع الى بيت مال البصرة. و كانت ميناء سليمانان على بضعة فراسخ شرق عبادان، و هى تعد فى الغالب من أعمال خوزستان. و ما نعرفه عنها ان مؤسسها

رجل يقال له سليمان بن جابر الملقب بالزاهد .

و لنعد الى سمت بغداد لنصف المدن التى على امتداد دجلة فى شمال العاصمة حتى حدود العراق و المدن القريبة من ضفاف النهروان. و لقد تكلمنا قبلا (انظر الصفحة 50) على الطريق العام من بغداد الى الموصل و المدن الشمالية التى على دجلة الشرقية أى اليسرى. فهذا الطريق كان يبدأ فى شرقي بغداد من باب البردان بمحلة الشماسية. و بعد نحو أربعة فراسخ يبلغ بليدة البردان و هى ما زالت قائمة باسم تحرّف الى بدران . و عند البردان قريتان أخريان جليلتا الشأن هما بزوغى و المزرفة. و المزرفة على ثلاثة فراسخ فوق بغداد . و يلتقى نهر الخالص و دجلة عند الراشدية قرب البردان، على ما سيأتى بيانه، و ينتهى فوق ملتقاه منعطف دجلة الكبير المتجه شرقا و هو المنعطف الذى يبدأ من القادسية على ستين ميلا شمال بغداد. و قد كان مجرى النهر فى القرون الوسطى يتابع فى الغالب خطا مستقيما من القادسية الى البردان. و اطلال ما كان على شرقى عقيقه

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 72

من مدن قد أشير اليها فى الخارطة، و ذكرها ابن سرابيون و غيره من المصنفين الأولين.

و الظاهر ان مجرى دجلة قد تحول هنا غير مرة، فالمجرى الحالي (الشرقى) لدجلة سماه مؤلف المراصد، و قد كتب كتابه فى نحو سنة 700 (1300)، الشطيطة و من أعظم التبدلات فى مجراه، ما حصل أيام الخليفة المستنصر، أعني بين سنتى 623 و 640 (1226- 1242) فقد روت الأخبار ان الخليفة شق كثيرا من الانهار لسقي ما أجدب من أراض بتحّول المجرى الاصلى عنها.

و قد تكلم المسعودى منذ أوائل المئة

الرابعة (العاشرة) على تسوية شرعية لمطالبات بالاراضى بين أهل الجانب الغربى و الجانب الشرقى فوق بغداد، نشأت من هذا التحول الأخير لمجرى دجلة. فما كان من مدن فى الجانب الشرقى (و ترى اطلالها الآن على عقيق دجلة و هو يبعد كثيرا عن غرب المجرى الحالى): عكبرا و هى أشهرها و يجاورها أوانا و يليها بانحدار النهر بصرى. و هذه المدن الثلاث على نحو عشرة فراسخ من بغداد. و كانت تكتنفها البساتين التى يقصدها أصحاب اللهو و الطرب. و قد أطرى المقدسى أعناب عكبرا بوجه خاص و قال انها مدينة كبيرة عامرة. و فوق عكبرا بشى ء يسير، بلدة علث أو العلث و ما زالت تعيّن فى خوارطنا و لكن فى الجانب الغربى. و وصفها المقدسى بقوله انها مدينة كبيرة آهلة على نهر يجرّ اليها من دجلة. و فى شمال غربى العلث حيث ينعطف النهر اليوم الى ناحية الشرق انعطافه العظيم: قادسية دجلة، فلا يخلطن بين هذه القادسية و قادسية الفرات التى كانت فى غرب هذا النهر . و كانت قادسية دجلة مشهورة بعمل

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 73

الزجاج . و بازائها يأخذ نهر دجيل من دجلة مادا صوب الجنوب .

و نهر دجيل (و هو غير نهر دجيل المعروف بنهر كارون)، كان فى أصله، على ما سنبينه فى الفصل الآتى، يحمل من الفرات الى دجلة. غير انه فى مطلع المئة الرابعة (العاشرة) انطمر قسمه الغربى و بقي الماء فى مجراه الاسفل و هو قسمه الشرقى، بشقّ نهر جديد يأخذ من دجلة أسفل القادسية. و كان دجيل يسقى طسوج مسكن الخصب فى شمال بغداد الغربية مما يلى طسوج قطربل.

فنهر دجيل الأخير هذا، على ذلك،

كان يأخذ من دجلة ثم يصب فيه بازاء عكبرا و يتفرع منه أنهار كثيرة، منها ما يمد الى الجنوب فيسقى الحربية الربض الشمالى الكبير فى بغداد الغربية (أنظر ص 49). و كان فى طسوج دجيل، و يسمى أيضا مسكن، كثير من القرى و المدن فى غرب عكبرا و دجلة و أهمها: حربى و قد زارها ابن جبير فى سنة 580 (1184) و كانت حينذاك قائمة. و فى هذا الموضع اليوم بقايا قنطرة كبيرة فوق النهر شيدها، على ما جاء فى (الفخرى)، الخليفة المستنصر باللّه فى سنة 629 (1232) و هو ما تؤيده الكتابة التى ما زالت فيها .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 74

و قرب حربى كانت الحظيرة «ينسج فيها الثياب الكرباس الصفيق و يحملها التجار الى البلاد». و سرد ياقوت، الى ذلك، أسماء قرى كثيرة و هى مئة قرية و نيف كانت فى هذا الطسوج، و ما زال كثير منها يرى فى الخارطة ك «بلد» قرب الحظيرة. و ظل طسوج دجيل و مدينته حربى حتى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) فى غاية الخصب على ما وصفه به المستوفى. و كان رمّانه أجود ما يرى فى أسواق بغداد.

و كان فى هذا الطسوج مدن كثيرة غيرها. فعلى عشرة أميال فوق القادسية مدينة سامراء و سيأتى وصفها فى الفصل الآتى. و تتوسط المسافة بينهما: المطيرة و هى فوق موضع تفرع ثلاثة أنهار صغيرة من يسار (شرق) دجلة. و فى منتصف الطريق بين المطيرة و القادسية و أسفل صدور هذه الأنهر يقوم بر كوار و يقال له أيضا بلكوار و بزكوار. و قرية المطيرة على ما جاء فى ياقوت «نسبت الى مطر الشيبانى، و كان يرى

رأي الخوارج، و انما هى المطرية فغيرت و قيل المطيرة» .

و كان أيضا على عشرة أميال شمال سامراء، كرخ فيروز و يقال له أيضا كرخ سامراء تمييزا له عن الكرخ، المحلة الجنوبية فى الجانب الغربى من بغداد. ثم الى شماله «الدور» و بالقرب منها يحمل النهروان من يسار دجلة. و بازائها يأخذ

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 75

من ضفة دجلة الغربية، أي اليمنى، نهر الاسحاقى و هو نهر يأخذ من دجلة ثم يعود اليه ثانية بازاء المطيرة. و مواضع هذه الأمكنة جميعا تعينها الانهار و هى و ان كان بعضها خرائب، الا انها ما زالت موجودة، و لكن علمنا بها لا يتجاوز اسماءها.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 76

الفصل الرابع العراق «تتمة»

سامراء- تكريت- النهروان- باعقوبا و غيرها من المدن- مدينة جسر النهروان و طريق خراسان- جلولاء و خانقين- البندنيجين و بيات- مدن الفرات من الحديثة الى الانبار- نهر عيسى- المحول و صرصر و نهر الملك- نهر كوثى كانت مدينة سامراء التى اتخذها سبعة من خلفاء بنى العباس عاصمة لهم مدى نصف قرن و نيف، أي من سنة 221 الى 279 ه (836- 892)، معروفة قبل الفتح العربى، ثم بقيت بعد ان تهاوت من ذروة عزها الذى لم يدم كثيرا مدينة ذات شأن ردحا طويلا من الزمن. و اسمها بالارامية سامرا، فأمر الخليفة المعتصم، حين أقام فيها، ان تسمى سر من رأى. و بهذه الصيغة الاخيرة وجد اسمها فى النقود العباسية المضروبة فيها. و كانت التسمية مع ذلك تلفظ بصور مختلفة، ذكر ابن خلكان ستا منها أشهرها «سامراء» و هو الاسم الذى اختاره ياقوت عنوانا لبحثه عن هذه المدينة .

بلدان الخلافة الشرقية/

تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 77

و انتهى الينا من اليعقوبى، و قد كتب فى آخر المئة الثالثة (التاسعة)، حديث طويل مفصل لسامراء و قصورها. فالخلفاء السبعة الذين أقاموا فيها، و كانوا فى الغالب أسرى جندهم من الترك، قد شغلوا وقت فراغهم المفروض عليهم فرضا، بالبناء و تنظيم الأحياء و ميادين اللعب. قامت المدينة نفسها على ضفة دجلة الشرقية فامتدت قصورها سبعة فراسخ بمحاذاة النهر و قام فى الجانب الغربى كثير من القصور و أنفق الخلفاء، الواحد تلو الآخر أموالا طائلة لا يكاد العقل يصدقها، على انشاء ميادين جديدة للصيد و اللعب، و كانت الارض التى بنى عليها الخليفة المعتصم (و هو أصغر أبناء هرون الرشيد) أول قصر له حين قدم الى سامراء فى سنة 221 (836)، ديرا للنصارى اشتراه من أصحابه بأربعة آلاف دينار (2000 باون) و كانت أرضه تعرف بالطيرهان. و أقطع جنده الاتراك قطائع فى الكرخ و ما فوقها حتى الدور، و قطائع أخرى فى جنوبى سامراء فى جهة المطيرة.

و بنى الخليفة أول مسجد جامع قرب ضفة دجلة الشرقية. و خطّ قصره.

و كتب فى اشخاص الفعلة و البنائين و أهل المهن من سائر انحاء الدولة، و فى حمل الساج و سائر الخشب و الجذوع من البصرة، و فرش الرخام من انطاكية و اللاذقية. و اختط الشارع المسمى بالشارع الاعظم، بموازاة دجلة. و قامت على يمين الشارع و يساره القصور الجديدة و القطائع. و كان الشارع الاعظم ممتدا من المطيرة الى الكرخ و فى جانبيه دروب و أسواق. و انشأ أيضا بيت المال الجديد

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 78

و دواوين الدولة و دار العامة التى يجلس فيها الخليفة يوم

الاثنين و الخميس.

و لما فرغ المعتصم من الخطط و وضع الاساس للبناء فى جانب سامراء، عقد جسرا الى الجانب الغربى من دجلة. فأنشأ هناك البساتين و الأجنّة و حمل النخل اليها من البصرة و حملت الغروس من الشام و خراسان و سائر الاقاليم. و كان يسقى الجانب الغربى أنهار تحمل من الاسحاقى، و قد مر ذكره، حفره اسحق بن ابراهيم صاحب شرطة المعتصم. فهذه كانت الارض المسماة بالطيرهان، و فيها قال اليعقوبى ان سامراء صحراء من أرض الطيرهان. و لما توفى المعتصم فى سنة 227 (842) كانت سامراء قد أخذت تنافس بغداد فى فخامة قصورها و جمال مبانيها. و اكمل ابناه الواثق و المتوكل اللذان تعاقبا على الخلافة من بعده، ما بدأ به أبوهما. فقد بنى هرون الواثق القصر المعروف بالهارونى، نسبة اليه، على دجلة و جعل فيه مجالس فى دكة شرقية و دكة غربية. و حفر الواثق فرضة من النهر تصلح لدخول السفن التى تردها من بغداد. و خلفه أخوه جعفر المتوكل على اللّه فى سنة 232 (847) فنزل الهارونى أولا، الا انه فى سنة 245 (859) ابتدأ ببناء قصر جديد له على ثلاثة فراسخ شمال الكرخ، و مدّ الشارع الاعظم، و عرف قصره و المدينة الجديدة التى قامت حوله بالمتوكلية أو القصر الجعفرى، و ما زالت أطلال القصر الجعفرى فى الزاوية التى يؤلفها تفرّع النهروان هناك، و اندمجت به الماحوزة و هى المدينة القديمة.

و بنى المتوكل أيضا جامعا جديدا واسعا فى مكان الجامع الذى بناه أبوه، اذ ضاق على أهل العاصمة الجديدة. و امتدت القصور و البساتين من المطيرة الى الدور و اتصلت. و فى سنة 247 (861) قتل المنتصر أباه المتوكل فى

قصره المعروف بالجعفرى فى المتوكلية. و أقام الخلفاء الاربعة الذين أعقبوه فى ذلك العهد المضطرب، فى قصر الجوسق فى غربى دجلة قبالة سامراء، و هو من أبنية المعتصم. و قد أقام المعتمد بن المتوكل و آخر الخلفاء، فى سامراء فى الجوسق أولا، ثم ابتنى له قصرا جديدا فى الجانب الشرقى و هو القصر المعروف بالمعشوق .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 79

و من هذا القصر انتقل مركز الدولة الى بغداد قبيل وفاة المعتمد فى سنة 279 (892). و قد نوهت مراجعنا باسماء كثير من القصور الأخرى. فذكر ابن سرابيون قصر الجص المشهور و هو من أبنية المعتصم على الاسحاقى .

و سرد ياقوت أسماء جملة كبيرة من القصور، و زاد على غيره مبينا ما أنفقه الخلفاء عليها من أموال خيالية. فكان مجموع تلك النفقات مئتى مليون و أربعة ملايين درهم أى ما يعادل نحوا من ثمانية ملايين باون استرلينى.

و كان طبيعيا ان يزول عز سامراء و يضيع مجدها بعودة الخلفاء منها الى بغداد و ان تؤول قصورها الكثيرة الى الخراب . و لقد أطنب ابن حوقل، و هو من أهل المئة الرابعة (العاشرة)، فى وصف بساتينها الزاهرة العامرة لا سيما ما كان منها فى الجانب الغربى. و لكن المقدسى قال ان الكرخ فى الشمال أصبح فى أيامه أعمر منها (أى من سامراء) و كان المسجد الجامع فى سامراء ما زال قائما، قال فيه المقدسى: «بها جامع كبير يختار على جامع دمشق قد لبست حيطانه بالمينا و جعلت فيه اساطين الرخام و فرش به، و له منارة طويلة». و قال ياقوت:

انها منارة الجامع الاول الذى بناه المعتصم فقد «أمر برفع منارة لتعلو أصوات المؤذنين

فيها». و كانت هذه المنارة تشاهد من مسافة فرسخ من كل جهة .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 80

و الظاهر ان هذه المنارة القديمة، و هى ما زالت شاخصة تعرف ب «الملوية» كانت ذات مرقاة حلزونية تدور حولها من خارج يصعد بها الى قمتها. و الملوية الآن على نحو نصف ميل من شمال سامراء الحالية. و هذا ما رآه المستوفى فى النصف الاول من المئة الثامنة (الرابعة عشرة) فقد قال ان المنارة القائمة فى المسجد الجامع يومذاك يبلغ طولها مئة و سبعين ذراعا و لها مرقاة من خارجها لا يرى مثلها فى مكان آخر و زاد على ذلك ان قد بناها الخليفة المعتصم .

اما ما هو أحدث من ذلك من مراجع، فلم يزدنا علما بسامراء الا قليلا. ثم صار جل اهل سامراء من الشيعة، اذ ان فيها ضريحى الامامين العاشر و الحادى عشر: على الهادى و ابنه الحسن العسكري. و فى جامعها سرداب الغيبة يقولون ان الامام الثانى عشر غاب فيه فى سنة 264 (878) و هو القائم المهدي المنتظر الذى سيعود فى آخر الزمان . و يقوم هذان الضريحان فى الموضع المعروف بعسكر المعتصم. و الى هذا الموضع نسب الامام العاشر فعرف بالعسكري. و فى اوائل المئة الثامنة (الرابعة عشرة) حين كتب المستوفى، و هو شيعي، ذكر هذه المراقد بوجه خاص و قال ان فى المسجد الجامع القريب من هذه المراقد، فضلا عن منارته العظيمة التى أشرنا اليها، حوضا مشهورا من حجر، يعرف بقصعة فرعون ، محيطها ثلاث و عشرون خطوة و ارتفاعها سبع اذرع و ثخنها نصف ذراع، قائمة فى صحن

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 81

الجامع

للوضوء. و قد امر الخليفة المعتصم بعملها. و زاد المستوفى على ذلك ان معظم سامراء فى ايامه قد استولى الخراب عليه و لم يبق من المدينة الا قليل. و ايد هذا القول وصف ابن بطوطة لها، و قد زار سامراء سنة 730 (1330) .

و على ثلاثين ميلا من شمال سامراء، مدينة تكريت على ضفة دجلة الغربية.

و كانت تعد آخر مدينة فى حد العراق. و هى مشهورة بقلعتها الحصينة المطلة على دجلة. و ذكر ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) ان أكثر أهلها نصارى و ان لهم ديرا هناك. و كانت هذه المدينة، على ما ذكر المقدسى، معروفة بصنّاع الصوف و انها معدن السمسم. و زاد المستوفى على ذلك ما يقال من ان البطيخ يزرع فيها ثلاث مرات فى السنة بالرغم من برودة هوائها. و ذكر ابن جبير حين مر فى تكريت سنة 580 (1184) انه يطيف بالبلد سور محيطه ستة آلاف خطوة و ابراجه مكينة.

و قد اطرى ابن بطوطة اسواقها و جوامعها الكثيرة .

و النهروان يحمل من دجلة، و أوله أسفل الدور بشى ء يسير على ما قد بينّا.

و كان يعرف فى أعلاه بالقاطول الكسروى لأن الأكاسرة أول من أحدثه.

و كان يسقى الارضين التى فى شرقى دجلة من فوق سامراء الى نحو مئة ميل جنوب بغداد. و ذكر ابن سرابيون عددا كبيرا مما على ضفافه من مدن، و اشار الى الجسور و الشاذروانات، غير ان جلّها قد زال الآن، و ان كانت معالم النهر ما زالت ترى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 82

فى الخارطة. و بعد ان يتجاوز النهروان الدور التى سميت دور عربايا أو دور الحارث تمييزا لها عن غيرها من المدن

الكثيرة التى عرفت بهذا الاسم، يمر مماسا لقصر المتوكلية و غيره مما فى ظاهر شمالى سامراء من احياء، و عليه هناك قنطرة حجارة . ثم يمر الى الايتاخية و هى قرية و قطيعة منسوبة الى ايتاخ التركى، و قد كان صاحب حرس الخليفة المعتصم، و كانت أولا تعرف بدير أبى صفرة، و عليه هناك قنطرة كسروية. و انما سمى الدير بهذا الاسم نسبة الى ابي صفرة و هم قوم من الخوارج. ثم يمر النهروان الى المحمدية و هى بلدة صغيرة و عليه هناك جسر زواريق . و المحمدية هذه على ما قال ياقوت اسم حديث للايتاخية، سماها المتوكل المحمدية باسم ابنه محمد المنتصر و قد تولى الخلافة بعد مصرع أبيه. و على بعد قليل أسفل من هذه المواضع، يلتقى بالنهروان القواطيل الثلاثة و هى: اليهودي فالمأمونى فأبو الجند. و أوائلها كلها موضع واحد فى جانب دجلة الايسر قرب المطيرة أسفل من سامراء، و كانت تسقى البقاع الخصبة فى جنوب المدينة. و أقيم فى النهروان، فوق مصاب هذه القواطيل فيه، أول سد من السدود الكثيرة (الشاذروانات)، ثم يمر الى المأمونية و هى قرية كبيرة عند مصب أول قاطول. و كان على قاطول اليهودي بين المطيرة و المأمونية قنطرة تعرف بقنطرة وصيف، نسبة الى وصيف القائد التركى فى أيام المعتصم. و القاطول الثانى و هو المأمونى، يصب فى النهروان أسفل من قرية القناطر. و القاطول الثالث و هو أبو

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 83

الجند، و سمي أبا الجند لكثرة ما كان يسقي من الارضين و هى التى جعلت أرزاقا للجند. و كان أبو الجند أجلّ القواطيل و أعمرها شاطئا حفره هرون الرشيد و

بنى له فيه قصرا يوم أقام هناك ابّان حفره. و كانت على جانبيه مدينة طفّر و عليه هناك جسر زواريق. و وصف ياقوت طفر، و قد زارها فى المئة السابعة (الثالثة عشرة)، انها «قاع موحش ليس به ماء و لا مرعى بين باعقوبا و دقوقا» . و قد سلكه ياقوت مرة من بغداد الى اربل فلم ير فيه أثر ساكن و لا أثر طارق. و قال ان دليله كان يستقبل الجدي حتى أصبح و قد قطعه.

و على أربعة فراسخ أسفل من التقاء آخر هذه القواطيل الثلاثة و النهروان، مدينة صولى (أو صلوى) و تسمى أيضا باب صلوى أو باصلوى. و أسفل منها مدينة باعقوبا، على عشرة فراسخ شمال بغداد. و هى مدينة طسوج النهروان الاعلى. و عند باعقوبا يعرف القاطول الكبير ب «تامرا» و يبقى بهذا الاسم حتى يصل الى باجسرا و منها الى البلدة المسماة جسر النهروان. و بالقرب من باجسرا (و هى الصيغة الارامية لبيت الجسر)، و هى وسط طسوج عامر تحف به النخيل يحمل من يمين تامرا، نهر يقال له نهر الخالص و يصب فى دجلة عند البردان شمال بغداد. و يحمل من الخالص أنهار كثيرة تسقى بغداد الشرقية.

أما جسر النهروان، و يقطعه طريق خراسان الذاهب من بغداد، فسيأتى الكلام عليه فى سياق بحثنا هذا. و يحمل هنا من يمين النهروان نهر يقال له نهر بين يصب فى دجلة عند كلواذى. و يتفرع من هذا النهر أنهار كثيرة تسقى المحلات السفلى فى بغداد الشرقية «و يحمل من النهروان نهر يقال له نهر ديالى أوله اسفل الجسر بميل، يمر بقرى و ضياع و يصب فى دجلة أسفل بغداد بثلاثة أميال» .

بلدان الخلافة الشرقية/

تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 84

و من جنوب مدينة جسر النهروان، يعرف النهر باسم النهروان. ثم يمر الى الشاذروان الأعلى، ثم يمر الى جسر بوران، و انما سمى بذلك نسبة الى زوجة الخليفة المأمون. و أسفل من جسر بوران: يرزاطية (لعلها برزاطية) ثم يمر الى مدينة عبرتا، و قد ذكر ياقوت انها اسم أعجمى و فيها سوق عامر، ثم الى الشاذروان الاسفل، ثم يمر الى اسكاف بنى الجنيد، و هى مدينة فى جانبين و النهر يشقها. و يؤخذ مما ذكره ياقوت، ان بنى الجنيد كانوا رؤساء هذه الناحية و كان فيهم كرم، و زاد على ذلك قوله «و هاتان الناحيتان الآن (المئة السابعة- الثالثة عشرة) خراب، بخراب النهروان منذ أيام الملوك السلجوقية، كان قد انسد نهر النهروان، و اشتغل الملوك عن اصلاحه و حفره باختلافهم، و تطرقها عساكرهم، فخربت الكورة بأجمعها».

و يمر النهروان بعد اسكاف بنى الجنيد، بنحو ستين ميلا، بين قرى متصلة و ضياع مادة الى ان يصب فى دجلة أسفل ماذرايا بشئ يسير. و ماذرايا، على ما قد بينّا، فى جنوب جبّل و فوق المبارك التى بازاء مدينة نهر سابس، و كانت فى زمن ياقوت خرابا و لم يبق لاسمها أثر فى الخارطة الآن. على انها قد كانت أسفل كوت العمارة حيث يبتعد دجلة عن شط الحي على ما تقدم بيانه .

و هذه الأقسام الثلاثة للنهروان (و اعني بها القاطول و تامرا و النهروان) مع فروعه الثلاثة (الخالص و نهر بين و ديالى) التى تعود مياهها الى دجلة بعد ان تسقى نواحى بغداد الشرقية، توضح ما أورده ابن سرابيون عن الشبكة المائية المعقدة. فالأسماء التى أطلقها عليها لا توافق ما صارت اليه

بعد زمنه. فان نظرة واحدة الى الخارطة الحديثة ترينا ان النهروان البالغ طوله مئتى ميل، كانت تجتمع فيه مياه الجداول و مخارجها من الجبال الفارسية. و لولا ان النهروان قد حفر، لطغت مياهها (فى أيام الفيضان) على الجانب الايسر لدجلة. فقسم تامرا

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 85

من النهروان كان فى مبدئه جدولا من هذه الجداول. فقد ذكر ياقوت انه «خيف ان ينزل من الأرض الصخرية الى الترابية فيحفرها، ففرش سبعة فراسخ و سيق على ذلك الفرش سبعة أنهار كل نهر منها لكورة من كور بغداد» الشرقية.

و كان الخالص و ديالى، على ما ذكر، فرعين لتامرا (و على كل حال فان الخالص الذى ذكره البلدانيون العرب ليس بالنهر المعروف بالخالص اليوم، اذ ان النهر الحالى يجرى على مقربة من شمال غربى باعقوبا). و الخالص فى أيام ياقوت اسم كورة فى شمال طريق خراسان، و ينتهى أحد أطرافها الى أسوار بغداد الشرقية.

و فى المئة الثالثة (التاسعة) جعل ابن رسته و ابن خرداذبه النهروان اسم نهر يأتى من الجبال و يصب فى القاطول عند صلوى. و ذكر المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) ان النهروان كان اسما لنهر ديالى الذي يخرج من جبال كردستان و يتألف من اقتران نهرين هما شروان و يسمى فى أسفله تيمرا و نهر حلوان و هو يمر الى قصر شيرين و خانقين و يصيران فوق باعقوبا نهرا واحدا يصب فى النهروان .

اما بلدة النهروان المعروفة أيضا بجسر النهروان، فهي أول مرحلة فى طريق خراسان من بغداد. و كانت فى القديم موضعا جليل الشأن و قد حلّ محلها الآن دسكرة سفوة الصغيرة. و قد وصف ابن رسته فى المئة الثالثة

(التاسعة) بلدة النهروان بأنها مدينة يشقها نهر النهروان بنصفين فى وسطها و قال: «فى الجانب الغربى أسواق و مسجد جامع و نواعير تسقي أراضيها. و فى الجانب الشرقى مسجد جامع و سوق و حول المسجد خانات ينزلها الحاج و المارة». و نوه ابن حوقل فى المئة الآتية بكثرة غلاتها و خيراتها. و زاد المقدسى على ذلك ان الجانب الشرقى كان فى يومه أعمر و فيه المسجد الجامع، و لما كتب المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) كانت بلدة النهروان خرابا لان طريق خراسان قد عدل عنها واتجه شمالا مارا بباعقوبا و ظلت تلك البقعة الخصبة هناك حتى أيامه تعرف بطسوج

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 86

طريق خراسان و كانت باعقوبا على ما ذكر المستوفى أولى مدنه، و هى ذات بساتين و نخيل متصلة تؤتى أجود أنواع النارنج و الأترج .

و تعرف بلدة براز الروز الآن ببلدة الروز (أو بلد روز) و هى فى شمال شرقى بلدة النهروان. و ذكرها ياقوت غير مرة. و كان الخليفة المعتضد قد بنى فيها قصرا . و تعد من طسوج تامرا. و هى من شرقى طريق خراسان، و قد أشار اليها المستوفى أيضا. و المرحلة التى تلى مدينة النهروان فى طريق خراسان دسكرة الملك و قد وصفها ابن رسته بقوله «هى مدينة كبيرة و بها قصر من بناء الأكاسرة حوله سور مشرف و ليس داخله شى ء من البناء له باب واحد مما يلى المغرب». و يتبين من موضع هذه الدسكرة انه يطابق موضع دستجرد المشهورة حيث ابتنى خسرو برويز قصرا عظيما جاء فى التاريخ ان هر قل نهبه و أحرقه عن آخره فى سنة 628 للميلاد. و

هذا القصر، و بقيت خرائبه على ما يظهر الى المئة الرابعة (العاشرة)، يعرف بدستجرد كسروية، قد رآه الرحالة ابن مهلهل (و قد نقل عنه ياقوت) فقال «فيها أبنية عجيبة من جواسق و ايوانات، كلها من الصخر المهندم، لا يشك الناظر اليها انها من صخرة واحدة منقورة» اما الدسكرة،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 87

البلدة العربية، فان ابن حوقل ذكر فى المئة الرابعة (العاشرة) ان فى الدسكرة حصنا قويا بناه المسلمون . و قال المقدسى فى هذه المدينة انها «مدينة صغيرة سوقها واحد طويل، الجامع أسفله، غام بآزاج». و على مقربة من الدسكرة، قرية شهربان، ذكرها ياقوت و المستوفى و أشار الأخير الى ان من أعمال هذه البلدة ثمانين ضيعة انشأتها الأميرة گلبان من بنات الاكاسرة.

و كانت المرحلة التالية فى طريق خراسان، مدينة جلولاء، تحفّ بها الاشجار و لا سور لها. و على مقربة من هذه المدينة قنطرة من بناء الاكاسرة من حجر مرصصة، و هناك قرية يقال لها الهارونية. و على ما فى ياقوت، انها كانت فوق النهر الذى تسير فيه السفن من باعقوبا الى باجسرا. و بها كانت الوقعة المشهورة على الفرس للمسلمين سنة 16 (637) فاستباحهم المسلمون و فرّ الملك يزدجرد. و سمى المستوفى هذا الموضع رباط جلولاء، لان فيه رباطا بناه ملكشاه السلجوقى. و موضع جلولاء فى وقتنا هذا هو مرحلة قزلرباط (أى الرباط الاحمر) الحديثة. و كان فى شرق جلولاء، مدينة خانقين و قد أشار المقدسى الى انها مدينة «على جادة حلوان». و ذكرها ابن رسته فقال: «بها واد عظيم قد بنيت عليه قنطرة عظيمة بجص و آجر و طيقان». و بالقرب من خانقين عين للنفط عظيمة كثيرة

الدخل. و قال ياقوت: «بها قنطرة عظيمة على واد تكون 24 طاقا» فى أيامه أى فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) عليها جادة خراسان.

و لما كتب المستوفى فى القرن التالى، ذكر ان خانقين قد آلت الى الخراب فلا تعدو قرية كبيرة الا ان ناحيتها لبثت وافرة الغلات .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 88

و على ستة فراسخ مما يلى خانقين، فى وسط الطريق الى حلوان، و هى أول بلدة فى اقليم الجبال، تقوم قصر شيرين. و كانت شيرين معشوقة الملك كسرى ابرويز. و هناك قرية كبيرة ذات أسوار و اطلال قصر ساسانى، وصفه ابن رسته فى المئة الثالثة (التاسعة) بقوله: «فيه ايوان عظيم كبير مبني بالجص و الآجر، و حول الايوان حجر ينفذ بعضها الى بعض و منها أبواب تؤدى الى الايوان و الدكان بالبلاط و المرمر». و لياقوت و المستوفى وصف طويل لقصر شيرين التى ما زالت أطلالها باقية. و مما ينّوه به ان حكاية فرهاد، عشيق الملكة شيرين و بلهبذ المغنى و العوّاد و شبديز فرس الملك ابرويز المشهور، قد صارت من الحكايات المحلية فى كثير من البقاع فى تلك الارجاء و تطلّ على قصر شيرين الجبال العظيمة التى عند بداية هضبة فارس. و حلوان، المرحلة التالية فى فى طريق خراسان، و هى و ان كانت تعد من أعمال العراق فى الغالب، الا انها لوقوعها فى المضيق الجبلى، سنأتى على وصفها فى فصل آخر.

و فى جنوب طريق خراسان عند حدود خوزستان، مدينتان مهمتان تحسن الاشارة اليهما، هما: البندنيجين و بيات. و البندنيجين اسم لم يبق له ذكر فى الخارطة، الا ان هذه المدينة كانت أهم مدن طسوجى بادرايا و باكسايا، و

ما زالت قرية باكسايا قائمة و لابد ان يكون موضع البندنيجين على مقربة منها . و هذان الطسوجان مما يلى شمال شرقى النهروان، فيهما عدد كبير من القرى الخصبة.

و كانت البندنيجين مركز هذين الطسوجين، عرفت بالفارسية على ما رواه ياقوت و ندنيكان. و ذكر المستوفى ان الاسم فى أيامه كان يلفظ بندنيكان و انها فى ناحية لحف جبال كردستان، و ينحدر نهرها من أرّجان. و البندنيجين، على ما ذكر ابن

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 89

خرداذبه، كانت هى و براز الروز فى كورة واحدة. اما بيات، و ما زالت خرائبها ظاهرة، فقد ذكرها المستوفى بقوله: ان مخرج نهرها جبال كردستان و يفنى فى المفاوز فلا يصل دجلة و مع ان ماءه كان على شي ء من الملوحة، فان كثيرا من النواحى كانت تسقى منه. و الظاهر، ان بيات كانت حيث بلدة الطيب التى ذكرها ابن حوقل بقوله: «يتخذ بالطيب تكك تشبه الارمنى» . و كانت الطيب بلدة قليلة الشأن فى أيام العباسيين. و تجاور خرائبها بقايا بلدة بيات الحادثة بعدها. و روى ياقوت ان أهل الطيب «نبط و لغتهم نبطية» ، و يرجعون نسبهم الى شيث بن آدم .

و لنصف الآن مدن العراق التى على الفرات و على الانهار الحاملة من الفرات الى دجلة. فقد بينّا قبلا، ان الخط الذى يبدأ من دجلة عند تكريت و يتجه غربا الى الفرات ثم يعبره أسفل من عانة بشى ء يسير عند انعطاف النهر جنوبا، هو الحد الطبيعى بين اقليمى الجزيرة و العراق، على ما قال المستوفى.

و من جنوب هذا الخط يبدأ السواد، و هو أرض بلاد بابل الرسوبية. و فى شماله السهول الحجرية فيما بين النهرين

الأعلى. و تعد «حديثة» الفرات و هى على خمسة و ثلاثين ميلا أسفل من عانة، أقصى مدينة فى شمال هذا القسم. و عرفت بحديثة النورة تمييزا لها عن حديثة دجلة. و ذكر ياقوت ان فيها قلعة حصينة فى وسط الفرات، و الماء يحيط بها، أنشئت فى أيام عمر بعد الفتح العربى بوقت يسير. و وصفها المستوفى بانها مقابل تكريت موضعا و هواء. و بين الحديثة وهيت، للمنحدر، بلدتا آلوسة و ناووسة و هما على الفرات بين الواحدة و الأخرى سبعة فراسخ. و آلوسة، على ما ذكر ياقوت، بلدة صغيرة و ما زالت قائمة الى اليوم

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 90

و يقترن ذكر هاتين البلدتين فى أخبار الفتح الاسلامى. و كانت الناووسة تحسب من قرى هيت. و كانت هيت مدينة عليها سور و لها قلعة حصينة و فيها نخيل كثير و هى على جانب الفرات الغربى. و ذكر ابن حوقل ان هيت مدينة عامرة. و قال المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) ان من أعمالها نيفا و ثلاثين قرية، منها قرية جبة (جبّى) و كانت تكثر فيها فاكهة البلاد الباردة و الحارة كالجوز و اللوز و التمر و النارنج، غير ان المدينة نفسها لم تكن طيبة السكنى لما يخالط هواءها من روائح كريهة تنبعث من عيون القير المجاورة لها .

و فى أيام الفتح الاسلامى، كان خندق سابور (و هو الملك سابور الثانى) موجودا. و قد حفر هذا الخندق فى المئة الرابعة للميلاد، سابور ذو الاكتاف على ما أسماه العرب. يبدأ هذا الخندق من هيت و يمتد جنوبا الى الأبلّة (قرب البصرة الحديثة) حتى ينفذ الى البحر. و كان الماء يجرى فيه أول

أمره «و جعل عليه المناظر و المسالح ليكون مانعا لمن أراد السواد من أهل البادية». و ما زالت ترى بعض أقسامه الجافة. و عين التمر، و هى فى جنوب هيت فى البادية، قال فيها المقدسى انها بلدة حصينة، و يخرج من عين التمر نهر يمرّ بارضها و يصب فى الفرات أسفل من مدينة هيت. و منها يحمل القسب و التمر الى سائر البلاد و من موضع يقال له شفاثا بقربها. على ان موضع هذين

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 91

غير معروف .

و كان على اثنى عشر فرسخا اسفل من هيت، قرية الرّب حيث كان يحمل نهر دجيل القديم من يسار الفرات قبل المئة الرابعة (العاشرة) و يشرّق فيسقى طسوجى مسكن و قطر بل ثم يصل الى الارباض الشمالية لبغداد الغربية. و قد انطمر هذا القسم الغربى من دجيل على ما قد بينا. و حين كتب الاصطخرى فى سنة 340 (951) كان دجيل يأخذ ماءه من دجلة بازاء القادسية، و قد أوضحنا ذلك فى كلامنا على طسوج مسكن. أما الأنبار، و هى على يسار الفرات، فقد كانت من مدن العراق العظيمة أيام العباسيين. و يرتقى زمنها الى ما قبل الفتح الاسلامى. و قد سماها الفرس فيروز سابور (و باليونانية بيريسابور(Perisabor و كان أول من عمرها شابور و صار اسم فيروز سابور يطلق فى أيام العرب على الطسوج الذى يكتنفها. و يقال ان هذه المدينة انما سميت بالانبار «لانه كان يجمع بها أنابير الحنطة و الشعير و القتّ و التبن، و كانت الاكاسرة ترزق أصحابها منها ثم جددها أبو العباس السفاح أول خلفاء بنى العباس و بنى بها قصورا و أقام بها الى ان

مات». و أقام بها أيضا أخوه المنصور حينا من الزمن ثم انتقل منها الى بغداد عاصمة بنى العباس الجديدة التى أخذ المنصور ببنائها. و حكى المستوفى، ان اليهود الذين سباهم نبوخذ نصر من بيت المقدس الى بابل كانوا قد حبسوا فى الانبار. و قال ان دور أسوارها كان فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) خمسة آلاف خطوة .

و منزلة الانبار فى انها عند مخرج أول نهر كبير صالح لسير السفن يحمل

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 92

من الفرات الى دجلة و يصب فى الفرضة جنوبى المدينة المدوّرة فى الجانب الغربى. و هذا النهر هو نهر عيسى، و انما عرف بذلك نسبة الى عيسى الامير العباسى، و هو اما ان يكون عيسى بن موسى ابن عم المنصور، أو عيسى بن علي عم الخليفة (و اليه ينسب النهر فى الاغلب). و مهما يكن الامر، فان الامير عيسى اطلق اسمه على النهر اذ جدد حفره و جعله صالحا لسير السفن من الفرات حتى بغداد. و كان على هذا النهر بعد خروجه من الفرات أسفل الانبار بشى ء قليل، قنطرة مهولة يقال لها قنطرة دممّا نسبة الى قرية دممّا و كانت على ضفة الفرات عند الفلوجة. ثم يمر فيسقى قرى طسوج فيروز سابور و ضياعه حتى ينتهى الى المحوّل على فرسخ واحد من أرباض الجانب الغربى من بغداد. فاذا صار الى المحول تفرع من يساره نهر الصراة و هو النهر الذى يؤلف الحد الفاصل بين طسوج قطر بل فى شمال بغداد الغربية و طسوج بادوريا فى جنوبها. و نهر الصراة الذى كان يجرى غالبا بموازاة نهر عيسى يصب فى دجلة أسفل من باب البصرة أحد أبواب المدينة المدورة.

و كانت تتفرع من هذين النهرين جميع أنهار بغداد الغربية الا ما تفرع من نهر دجيل و هو قليل.

أما المحوّل، فقد سميت بذلك لان عندها يحوّل ما يكون فى السفن الآتية من مدن الفرات الى بغداد الى سفن اصغر منها تعبر من تحت القناطر العديدة التى تعلو نهر عيسى فيما يلى المحوّل الى ربض الكرخ. و كانت المحول بليدة حسنة طيبة نزهة كثيرة البساتين و الفواكه و الاسواق و المياه، و كان فيها حتى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) قليل من البنايات الفخمة. ذكر المستوفى منها قصرا بناه الخليفة المعتصم فوق تل لا يقربه البعوض بفعل رقية. و لا يعرف الآن موضع المحول الصحيح، بيد انه يجب ان يكون فى شمال شرقى التل البابلى القديم المعروف بعقرقوف الذى ذكره البلدانيون العرب كثيرا . و قد ربط المستوفى بين هذا

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 93

التل و أسطورة نمرود الجبار الذى ألقى بابراهيم فى نار تنّور حامية .

و على ثلاثة فراسخ أسفل من قرية دممّا يحمل من الفرات، النهر الثانى الكبير الى دجلة، و هو نهر صرصر و مصبه فوق المدائن بأربعة فراسخ. و كانت اسافل هذا النهر تسقى طسوج بادوريا فى جنوب بغداد الغربية. و ذكر ابن سرابيون انه يسقى منه بالدوالى و الشواديف. و فوق مصب هذا النهر فى دجلة بشى ء يسير عند زريران و حيث يمكن رؤية قصر الاكاسرة الابيض فى المدائن، كانت مدينة صرصر العامرة و عليه فيها جسر من مراكب يعبر عليه طريق الكوفة.

و مدينه صرصر على فرسخين من الكرخ، الربض الجنوبى الكبير فى جانب بغداد الغربى. و كان نهر صرصر على ما ذكر ابن حوقل تجرى فيه السفن.

و مدينة صرصر عامرة بالنخيل و الزروع. و شبّهها المقدسى ببعض قرى فلسطين فى طراز بنائها. و ظلت صرصر مدينة ذات شأن حتى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة) حينما استولى تيمور على بغداد و عسكر فى الارباض المجاورة لها.

اما النهر الثالث الذى يحمل من الفرات الى دجلة فكان نهر الملك. و أوله عند قرية الفلوجة أسفل من فوهة نهر صرصر بخمسة فراسخ، و مصبه فى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 94

دجلة أسفل من المدائن بثلاثة فراسخ. و كان نهر الملك معروفا منذ الازمنة القديمة فقد ذكره اليونان باسم نهر ملخا(Malcha) . و على ما فى ياقوت «قيل ان أول من حفره سليمان بن داود (عم)، و قيل انه حفره الاسكندر الكبير. و كانت على ضفافه مدينة يقال لها نهر الملك، عليه فيها جسر من سفن يعبر عليه طريق الكوفة» و هى على سبعة أميال جنوبا من صرصر. و مدينة نهر الملك، كانت على ما ذكر ابن حوقل «أكبر من صرصر، عامرة بأهلها و هى أكثر نخلا و زرعا و ثمرا و شجرا منها». و زاد المستوفى على ذلك ان قد كان فى كورتها نيف و ثلاثمئة قرية .

و النهر الرابع الذى كان يحمل من الفرات الى دجلة هو نهر كوثى. أوله أسفل من نهر الملك بثلاثة فراسخ. و يصب فى دجلة أسفل المدائن بعشرة فراسخ. و كان هذا النهر يسقى طسوج كوثى من كورة اردشير بابكان (نسبة الى الملك الساسانى الاول) و يسقى فرع آخر منه طسوج نهر جوبر. و كانت مدينة كوثى ربّا، و فيها جسر من سفن، على هذا النهر، و يقال انها تطابق كوثى الوارد ذكرها فى التوراة فى

سفر الملك الثانى (17: 24) و كانت مدينة ذات شأن فى ناحية بابل. و كوثى، على ما جاء فى الروايات الاسلامية، «يزعمون انها نار النمرود بن كنعان التى طرح فيها ابراهيم و اسمها من كوثى جد ابراهيم الخليل». و قال ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة): «كوثى بلدان و ناحيتان تعرف احداهما بكوثى الطريق و الاخرى بكوثى ربّا. و يزعم قوم ان كوثى ربّا مدينة كانت أكبر من بابل. و بها تلال رماد عظيمة قالوا هى رماد نار نمرود».

و زاد المقدسى على ذلك «بقرب كوثى الطريق شبه منارة «قديمة» لهم فيها كلام».

و روت كتب الرحلات ان مدينة كوثى و موضعها على ما تشير اليه الخوارط هو تل

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 95

ابراهيم على ما يظهر، و كانت على أربعة أميال جنوب مدينة نهر الملك .

و على بضعة أميال من شمال كوثى، قرية فراشا الكبيرة و هى مرحلة تتوسط بين بغداد و الحلة فى طريق الحاج الذاهب الى الكوفة على ما كان عليه فى نهاية المئة السادسة (الثانية عشرة). وصفها ابن جبير و كان فيها سنة 580 (1184) فقال «قرية كثيرة العمارة يشقها الماء ... و فيها خان كبير يحدق به جدار عال له شرفات صغار». و ذكر المستوفى فراشا أيضا فى وصفه للمسالك فقال انها على سبعة فراسخ جنوب صرصر . بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 96

الفصل الخامس العراق «تتمة»

انشطار الفرات- نهر سورا- قصر ابن هبيرة- النيل و نهر النيل- نهر النرس- نهر البداة و بمباديتا- نهر الكوفة- مدينة الكوفة- القادسية- مشهد على و كربلاء- استانات العراق الاثنا عشر- التجارة و الصناعة- طرق العراق كان نهر الفرات فى المئة

الرابعة (العاشرة) «اذا جاوز نهر كوثى بستة فراسخ، انقسم الى قسمين»: الغربى، و هو النهر الايمن، عمود الفرات.

و كان يماس مدينة الكوفة و ينتهى الى البطائح. و الشرقى، و هو النهر الايسر، عمود الفرات الحالى. سماه ابن سرابيون و غيره من البلدانيين العرب نهر سورا أو سوران. ثم كان يتشعب الى انهار تصب فى البطائح. و ذكر ابن سرابيون ان نهر سورا (و هو الفرات الحالى)، كان فى ايامه نهرا عظيما أعظم من نهر الكوفة و أعرض منه. و كان نهر سورا الاعلى، حيث ينقسم الفرات، يسقى طسوج سورا و بربيسما و باروسما، و كانت هذه الطساسيج قسما من استان بهقباذ الاوسط. ثم يمر بغرب مدينة يقال لها قصر ابن هبيرة و بينهما ميلان. و عندها، على النهر، جسر سورا و عليه يمر طريق الحج من قصر ابن هبيرة الى الكوفة.

و مدينة القصر، و سميت بذلك اختصارا، هى قصر ابن هبيرة ينسب الى مؤسسه ابن هبيرة عامل العراق من قبل مروان الثانى آخر خلفاء بنى أمية.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 97

و لم يعش ابن هبيرة ليستتمه. و بعد زوال بنى أمية، نزله السفاح أول خلفاء بنى العباس «و استتم تسقيف مقاصير فيه، و زاد فى بنائه و سماه الهاشمية»، تخليدا لاسم جده هاشم. و ظل الناس يسمون المدينة التى نشأت حول قصر الخليفة باسم العامل الاموي، و بقى الامر كذلك حتى نزول المنصور فى الهاشمية قبل بنائه بغداد، فكانوا يسمونها قصر ابن هبيرة أو مدينة ابن هبيرة على العادة الاولى. و كان قصر ابن هبيرة فى المئة الرابعة (العاشرة) أكبر مدينة بين بغداد و الكوفة، و هو على نهر يخرج من

نهر سورا يقال له نهر ابى رحى، أوله من فوق القصر و يصب الى سورا أسفل من القصر. و كانت المدينة، على ما ذكر المقدسى، «كبيرة جيدة الاسواق كثيرة اليهود، و الجامع فى السوق». على انه فى مطلع المئة السادسة (الثانية عشرة) انحطت و قلّ شأنها على ما يظهر بارتفاع شأن الحلة حتى ان موضعها اليوم أصبح غير معروف و ان اشارت اليها الخوارط باحدى الاخربة الكثيرة التى على بضعة أميال شمال الاطلال الواسعة لبابل القديمة.

اما مدينة الحلة، و هى على بضعة أميال من اطلال بابل على الفرات أى نهر سورا على ما كان يسمى به فى المئة الرابعة (العاشرة)، فقد عرفت فى هذا الزمن بالجامعين. و كان معظمها فى أول أمرها فى الجانب الشرقى، و كانت موضعا عامرا كثير الخصب. ثم بنى سيف الدولة رئيس بنى مزيد فى نحو سنة 495 (1102) الحلة بازائها، أى فى الجانب الايمن. و سرعان ما علا شأنها لوجود جسر عظيم فيها معقود على مراكب متصلة. و صار طريق الحج من بغداد الى الكوفة يعبر الفرات عليه لما بطل الطريق المار بقصر ابن هبيرة (و كان قد آل حينذاك الى الخراب) الذى كان يعبر جسر سورا. و ما ان حلت المئة السادسة (الثانية عشرة) حتى صار نهر سورا عمودا للفرات شأنه اليوم و بطل مع الزمن استعمال اسم نهر سورا. و فى سنة 580 (1184) عبر ابن جبير جسرا فى الحلة على الفرات، و كان هذا الجسر «عظيما معقودا على مراكب كبار تحف بها من جانبها سلاسل من حديد». و كانت الحلة آنذاك مدينة كبيرة على جانب الفرات الغربى ممتدة مع الفرات. و لابن بطوطة، و قد اقتفى خطوات

سلفه فى أوائل المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، وصف طويل لجسر السفن المشهور هذا

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 98

فى الحلة، فقد كان على جانبى هذا الجسر سلاسل من حديد مربوطة فى كلا الشطين الى خشبة عظيمة مثبتة بالساحل. و قد اطرى أسواق المدينة. و ما ذكره ابن بطوطة أورده معاصره المستوفى بكماله فقال ان الحلة أخذت تمتد فى جانب الفرات الشرقى على نحو ما هى عليه فى جانبه الغربى. و كان النخيل يكثر فى داخلها و خارجها فكان ذلك سببا لرطوبة هوائها. و اضاف المستوفى الى ذلك ان أهل الحلة كلهم امامية اثنا عشرية و لهم بها مقام يسمونه مشهد صاحب الزمان المهدى المنتظر الذى اختفى فى سامراء سنة 264 (878) و سيخرج لهداية الناس الى الايمان (أنظر ص 80 أعلاه) .

و اذا ما عدنا ثانية الى وصف ابن سرابيون فى المئة الرابعة (العاشرة) لنهر سورا، ألفيناه يقول ان هذا النهر كان على ما قد بينا، يمر فى غرب اطلال بابل. و ذكر المقدسى ان فى هذه الاطلال قرية قريبة من جسر. و للمستوفى حديث طويل عن الكهنة العظام الذين عاشوا فى بابل و عن الجب الذى فى قمة التل، و قد حبس فيه الملاكان الساقطان هاروت و ماروت الى يوم الدين .

و فوق بابل يأخذ من سورا، آخر الانهار الكثيرة التى تحمل من الفرات الى دجلة. و هذا النهر، و يعرف اليوم بشط النيل، قد سماه ابن سرابيون فى قسمه الاعلى غرب مدينة النيل ب «الصراة الكبيرة». و يشبه هذا الاسم اسم

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 99

نهر آخر اشهر منه فى بغداد الغربية (أنظر ص 92) و

نهر الصراة الكبيرة، يجرى الى الشرق ابتداءا من مخرجه و يمر بقرى عامرة كثيرة، و تتفرع منه أنهار صغيرة متعددة. و قبل ان يصل مدينة النيل بشى ء يسير، يتفرع من يساره نهر صراة جاماسب ثم يعود فيصب فيه أسفل المدينة. و كان الحجاج، عامل بنى أمية المشهور على العراق، قد اعاد حفر صراة جاماسب. و لكن اسمه، على ما انتهى الينا، بقى ينسب الى جاماسب، كبير الموابذة الذى عاون الملك كشتاسب فى توطيد دين زرادشت فى بلاد فارس فى قديم الزمان. كما بنى الحجاج مدينة النيل و صارت أجل مدينة فى هذا الطسوج كله. و اطلالها ما زال يشار اليها فى الخارطة باسم النيلية . و قد سمى هذا النهر باسم نيل مصر على ما يقال. و يمر الصراة الكبيرة بمدينة النيل، و عليه هناك قنطرة عظيمة يقال لها قنطرة الماسى.

و ما كان من النهر فى غربى المدينة، و هو الذى سماه ابن سرابيون الصراة الكبيرة، عرف فى أيام أبى الفداء بنهر النيل أيضا. اما ابن سرابيون فقد اطلق هذا الاسم على ما جاوز منه شرق مدينة النيل فقط.

و يمر هذا النهر بقرى و رساتيق على جانبيه فيسقيها حتى يصل هورا يقال له الهول قرب دجلة بازاء النعمانية (أنظر ص 56). و منه يتفرع نهر يقال له الزاب الاعلى يحمل الى دجلة رأسا. اما نهر النيل نفسه فانه من الهول ينساب فى طريقه جنوبا فيسير بموازاة دجلة مسافة قليلة حتى يصير فى أسفل مدينة نهر سابس. و مدينة سابس على مسيرة يوم فوق واسط، و عندها يصب النهر فى دجلة. و ربما ينساب بعض مائه فى الزاب الاسفل الى دجلة. و مما يحسن

بلدان الخلافة الشرقية/

تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 100

بيانه أيضا ان ما كان من النيل أسفل الهول يقال له نهر سابس و اليه نسبت المدينة التى على يمين دجلة، على ما بينا فى (ص 57). و لقد تبدلت تسميات هذه الانهار فى أزمنة مختلفة: ففى المئة السابعة (الثالثة عشرة) ذكر ياقوت ان مجرى النهر من مدينة النيل الى النعمانية كان يسمى نهر الزاب الاعلى، بينما يظهر ان زابه الاسفل يطابق نهر سابس لدى ابن سرابيون. و على كل فان معظم أقسام هذين النهرين قد جفت فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) و ان بقى عامرا ما كان على جانبيهما من رساتيق.

فاذا عدنا الى اطلال بابل على الفرات، وجدنا اسفل منها على نهر سورا قنطرة يقال لها قنطرة القامغان «و الماء فيها منصب عظيم»، على ما ذكر ابن سرابيون. و على ستة فراسخ اسفل من هذه القنطرة، بالقرب من الجامعين- الحلة الحديثة-، ينقسم نهر سورا الى قسمين: يتجه الايمن جنوبا فيمر بالجامعين، و الايسر و يقال له نهر النرس يجرى نحو الجنوب الشرقى فيسقى حمام عمر و غيرها من القرى و ينتهى الى مدينة نفر. و قد سمى هذا النهر بذلك نسبة الى نرسى (نرسس) الملك الساسانى الذى اعتلى العرش فى سنة 292 للميلاد و قد كان أمر بحفره. و بعد ان يجرى جنوبا بشى ء يسير، يصب نهر النرس و نهر سورا ماءهما فى نهر البداة الذى يخترق حافة البطائح الشمالية. و نهر البداة أو البداة هذا كان مغيضا يأخذ من يسار فرات الكوفة على مسيرة يوم شمال مدينة الكوفة و ربما من قرب بلدة قنطرة الكوفة و يقال لها أيضا القناطير. و لعل الطريق العام كان يعبر نهر

البداة عليها. و مدينة القناطير هذه على سبعة و عشرين ميلا جنوب جسر السفن العظيم الذى على سورا. و هذا الجسر على ثمانية و عشرين ميلا شمال الكوفة و لعل القناطير تجاور أو تطابق موضع فومبديتة(Pombedita) العبرية (و بالعربية فم البداة) و كانت، على ما ذكر بنيامين التطيلى فى المئة السادسة (الثانية عشرة)، مركزا علميا عظيما لليهود فى بلاد بابل. و بعد ان يجرى نهر البداة نيفا و خمسين ميلا و يستقبل فى يساره مياه نهر سورا الاسفل و نهر النرس، يصب أخيرا فى البطائح قرب مدينة نفر .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 101

و كان الطسوجان اللذان بين منقسم الفرات الاسفل، و نهر سورا الى شرقهما و عمود الفرات الى غربهما، يعرفان بطسوج الفلوجة العليا و السفلى، و فى اسفلهما يمر النهر بمدينة القنطرة و بفم نهر البداة ثم ينتهى الى الكوفة فى الجانب الغربى من الفرات تجاه الجسر. و فى جنوب الكوفة كانت مياه هذا النهر تنصب فى البطائح من فروع صغيرة له. و النهر القديم سماه قدامة و المسعودى نهر العلقمى، و هو على ما يظهر يطابق نهر الهندية الحالى الذى ينشطر اليوم من الفرات فى أسفل المسيب. و كان يمر بخرائب الكوفة القديمة ثم يلتقى بعمود الفرات الحالى بعد ان يجرى بين أهوار البطائح التى كانت فى العصر العباسى.

و أسس المسلمون مدينة الكوفة عقيب فتحهم بلاد العراق بعد ان بدأوا ببناء البصرة، أى فى نحو سنة 17 (638) أيام الخليفة عمر. و اختطت الكوفة لتكون معسكرا للجيش فى الجانب العربى من الفرات أى جانب البادية. و قامت على بسيط واسع من الارض على ضفة النهر جوار الحيرة المدينة

الفارسية القديمة . ثم تكاثر الناس فى الكوفة. و حين قدم اليها علي (بن أبى طالب) فى سنة 36 (657) و أقام فيها، صارت مدى اربع سنين عاصمة المسلمين الذين و الوا عليا و بايعوه بالخلافة. و قد أغتيل الامام علي سنة 40 (661) فى جامع الكوفة. و وصف الاصطخرى مدينة الكوفة فى المئة الرابعة (العاشرة) فقال «انها قريبة من البصرة فى الكبر و هواؤها اصح و بناؤها مثل بناء البصرة».

و كانت أسواقها عامرة، الا انها دون أسواق البصرة شأنا، و كان المسجد الجامع الذى فيه أصيب الامام علي بضربة قاتلة، فى شرقى المدينة. و فيه

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 102

السواري من صم الحجارة المنحوتة التى نقلت من مدينة الحيرة المجاورة و كانت قد خلت عن الاهل ببناء الكوفة. و من محلات الكوفة الكبيرة: الكناسة، فى طفّ البادية و حولها بساتين النخيل و تمرها أجود التمور. و لما مرّ ابن جبير بالكوفة فى سنة 580 (1184) كانت «لا سور لها فقد استولى الخراب على أكثرها، و الجامع العتيق آخرها». و ذكر ابن بطوطة فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) ان سقف جامع الكوفة يقوم «على سوارى حجارة ضخمة منحوتة قد صنعت قطعا و وضع بعضها على بعض و أفرغت برصاص». و بهذا المسجد محراب يعين موضع مقتل علي. و سرد المستوفى حديثا طويلا عن الكوفة فقال ان ذرع أسوارها 18000 خطوة، و قد بناها الخليفة المنصور. و كان قصب السكر فيها أجود ما فى سائر العراق، و يكثر فيها القطن. و كان فى سارية من سوارى الجامع علامة كف علي و فيه أيضا «الموضع الذى فار منه التنور حين طوفان نوح» .

و

على دون الفرسخ من جنوب الكوفة، اطلال الحيرة. و كانت مدينة عظيمة فى أيام الساسانيين و بالقرب منها القصران المشهوران: الخورنق و السدير.

و قد بنى النعمان ملك الحيرة قصر الخورنق، على ما قيل، للملك بهرام جور الصياد العظيم. و حين استولى المسلمون على الحيرة فى اثناء فتح العراق، هالهم قصر الخورنق بما كان فيه من ابهاء فسيحة. و اتخذه الخلفاء بعد ذلك موضعا ينزلون فيه اثناء خروجهم للصيد. و مع انه لم يبق من هذا القصر شى ء الآن على ما يظهر، الا ان بقايا قبابه الضخمة و بعض عمارته كان ما زال شاخصا حين مر به ابن بطوطة فى مطلع المئة الثامنة (الرابعة عشرة) . و كانت القادسية مدينة على سيف البادية، على خمسة فراسخ غرب الكوفة، و هى أول مرحلة فى طريق

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 103

الحج الى مكة. و كان حولها نخيل و بساتين. و بالقرب منها احرز المسلمون سنة 14 (635) نصرا عظيما فى أول وقعة كبيرة جرت لهم مع الفرس، أسفر عن استيلائهم على العراق. و وصف المقدسى القادسية- و تسمى قادسية الكوفة تمييزا لها عن قادسية سامراء على دجلة (أنظر ص 73)- بأنها «مدينة تعمر ايام الحج.

و لها بابان و حصن طين. و قد شق لهم نهر من الفرات الى حوض على باب بغداد».

و عند باب البادية، الجامع. و امامه كانت تقام السوق فى أيام الحج . و لما اجتاز ابن بطوطة بالقادسية فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) كانت قد اضحت قرية كبيرة. و ذكر المستوفى ان معظمها فى أيامه خراب .

و النجف، و فيها مشهد علي الذى يكرمه الشيعة و يقدسونه، على نحو أربعة أميال

من غرب خرائب الكوفة. و هى مدينة عامرة الى يومنا هذا. و المتواتر لدى الشيعة، على ما ذكر المستوفى، ان الامام عليا لما ضرب فى جامع الكوفة و حضرته الوفاة أوصى بان يوضع جثمانه على جمل ثم يطلق على رسله و حيثما يبرك تدفن جثته هناك، فعمل بهذه الوصية. و لكن فى أيام بنى أمية لم يشيد له قبر، اذ كان الموضع قد أخفى. على انه فى سنة 175 (791) اهتدى الى موضعه الشريف، الخليفة هرون الرشيد العباسى. فانه خرج راكبا ذات يوم الى ظاهر الكوفة يتصيد، و طارد صيده الى كثيب فلما لحق به توقف فرسه عنده.

فطلب من له علم بذلك فاخبره بعض شيوخ أهل الكوفة انه قبر علي ابن ابى طالب تلجأ اليه حتى وحوش البر فلا ينالها اذى. ثم ان الرشيد أمر بحفر الموضع و اظهر قبر علي. و على ما ذكر المستوفى بنى عليه قبة. و أخذ الناس فى زيارته. و بدء تاريخ هذا المقام مبهم، و ما أوردناه انما هو ما اتفق عليه الشيعة. على ان هرون

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 104

الرشيد و ان قرّب اليه العلويين حقبة من عهده، فان تواريخ العرب لم تذكر انه هو الذى وقع على قبر علي.

و أقدم من أطال القول فى مشهد علي، ابن حوقل، فى منتصف المئة الرابعة (العاشرة). فقد أخبرنا ان الامير الحمدانى ابا الهيجاء- و كان أمير الموصل فى سنة 292 (904) و توفى فى سنة 317 (929) «ابتنى على القبر قبة عظيمة مرتفعة الاركان من كل جانب لها أبواب و سترها بفاخر الستور و فرشها بثمين الحصر السامانى. و جعل عليها حصارا منيعا». على ان الاصطخرى

و ابن حوقل ذكرا ان قبر علي فى ايامهما كان فى زاوية جامع الكوفة الكبير. و قد أيد ذلك كثير من الثقات و عززه غيرهم من المصنفين . و زاد المستوفى على ذلك قوله: ان فى سنة 366 (977) شيّد عضد الدولة البويهى الضريح الذى ظل قائما حتى أيامه (أى فى أيام المستوفى). و اصبح الموضع حينذاك مدينة صغيرة محيطها 2500 خطوة. و جاء فى تاريخ ابن الاثير، ان عضد الدولة دفن فيها عملا بوصيته. و دفن فيها أيضا ابناه شرف الدولة و بهاء الدولة. و اقتفى أثره بعده كثير من أعيان القوم. و فى سنة 443 (1051) أحرق أهل بغداد الضريح و أزالوا أثره . و كانوا يشتدون فى اضطهاد الشيعة. على انه سرعان ما أعيد بناؤه فقد زاره ملكشاه و وزيره نظام الملك فى سنة 479 (1086).

و حينما كتب المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) قال ان غازان الايلخانى، كان استحدث فى مشهد علي دارا للسادة سميت بدار السيادة و أنشأ خانقاه (تكيه للصوفية). و ذكر ياقوت قبل المستوفى بقرن ان «النجف بظهر

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 105

الكوفة كالمسناة تمنع مسيل الماء أن يعلو الكوفة». و لكنه لم يشر الى المشهد.

و قدم الرحالة ابن بطوطة الى النجف فى سنة 726 (1326) فقال فى مشهد علي انه «مدينة حسنة». و دخله من باب الحضرة الفضة المؤدى رأسا الى الضريح. و اطنب فى وصف أسواقها و مدارسها الجليلة كما أشاد بجامعها و فيه ضريح الامام علي و كانت حيطانه بالقاشانى. و ذكر ان المقعدين كانوا يبرأون من عاهاتهم فى الروضة. و سرد كشفا بكثير من قناديل الذهب و الفضة التى نذرت

لها، و ذكر أيضا انها مفروشة بأنواع البسط من الحرير و سواه . و وصف الضريح نفسه فقال: «فى وسط القبة مصطبة مربعة مكسوة بالخشب عليها صفائح الذهب المنقوشة و المحكمة العمل مسمرة بمسامير الفضة». و يفضى الى الضريح أربعة أبواب، على كل باب ستار و عتبته من الفضة و عليه ستور من الحرير الملّون» و ختم ابن بطوطة حديثه بذكر الكرامات التى يضفيها الامام علي على المؤمنين الصادقين .

اما كربلاء، أى مشهد الحسين، فعلى ثمانية فراسخ من شمال غربى الكوفة. و هى تعين موضع الوقعة التى استشهد فيها الحسين بن علي حفيد الرسول مع جميع آله و ذويه تقريبا فى سنة 61 (680). و يزور الشيعة اليوم مشهد الحسين أكثر مما يزورون مشهد علي. و لا علم لنا بأول من بنى هذا المشهد، الا ان هناك ما يدل على وجود بناية فيه، منذ المئة الثالثة (التاسعة). فان الخليفة المتوكل، و هو الذى يمقته الشيعة مقتا لم يضعف على مرور الزمن، أمر فى سنة 236 (850) بهدم قبر الحسين و بسقى موضع قبره و منع الناس من

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 106

اتيانه، و تهدّدهم بالعقاب الشديد ان زاروه. و ذكر المستوفى فى وصفه قصور سامراء، ان هذه الاساءة التى أوقعها المتوكل قد جوزي عليها فلم ينجز بناء قصر واحد من قصوره التى ابتناها فى سامراء، بل اصابها ما أصاب قبر الحسين على يده. و لا يعلم كم بقى هذا الموضع خرابا، الا ان عضد الدولة البويهى، بنى فيه سنة 368 (979) حضرة جليلة، و لا ريب ان اتساع هذا البناء قد تنبه اليه الاصطخرى و ابن حوقل، البلدانيان اللذان كتبا قبل

هذا التاريخ بمدة قصيرة.

و فى سنة 407 (1016) احترقت قبة مشهد الحسين، و لكنها جددت بعد فترة و جيزة على ما يظهر. فان ملكشاه، زار مشهد الحسين فى سنة 479 (1086) حين خرج متصيدا فى تلك الانحاء. و مما يؤسف عليه، أن ياقوتا الحموى لم يصف الضريحين فى كربلاء، بل انه ذكر عرضا «الحائر»، و هو السور الذى يحف بضريح الحسين. و تكلم المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) على مدينة صغيرة كانت قد نشأت حول الروضة. و قال ان محيطها نحو 2400 خطوة.

و وصف معاصره ابن بطوطة المدرسة العظيمة التى زارها هنا و قال: «على باب الروضة الحجّاب و القومة، لا يدخل احد الا عن اذنهم فيقبّل العتبة الشريفة، و هى من الفضة. و على الضريح المقدس، قناديل الذهب و الفضة، و على الابواب أستار الحرير». و زاد ابن بطوطة على ذلك ان أهل هذه المدينة فى قتال ابدا، و لاجل فتنهم تخرّبت هذه المدينة. على انها كانت تحف بها بساتين النخيل و تسقيها أنهار تأخذ من الفرات .

و لما وصف ابن خرداذبه و قدامة اقليم العراق فى المئة الثالثة (التاسعة)، قالا ان هذا الاقليم كان اثنتى عشرة كورة كل كورة استان، و طساسيجه ستون طسوجا. و هذا التقسيم، و لعل الاصل فيه كان لغايات مالية، قد أعاد المقدسى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 107

سرد شى ء منه فى القرن الذى يليه. و عليه يحسن بنا ان نذكر الاستانات الاثني عشر و اشهر طساسيجها. يتألف ثبت الاستانات، من ثلاث مجموعات، بما يوافق الانهار التى تسقيها و مآخذ تلك المياه.

فالمجموعة الاولى، تتألف من أربعة استانات، و هى التى فى جانب دجلة الشرقى. و

سقيها من هذا النهر و من تامرا و هى: (1) كورة استان شاد فيروز:

و هى حلوان (و يقال لها أيضا شاذفيروز) و فيه طسوج تامرا و طسوج خانقين و ثلاثة طساسيج أخرى . فمجموعها خمسة طساسيج. و (2) كورة استان شاذ هرمز حول بغداد، و طساسيجه: طسوج نهر بوق و طسوج كلواذى و نهر بين و طسوج المدينة العتيقة (أى المدائن) و طسوج راذان الاعلى و طسوج راذان الاسفل و طسوجان آخران و كلها سبعة طساسيج. و (3) كورة استان شاذ قباذ و طساسيجه طسوج جلولاء و طسوج البندنيجين و طسوج براز الروز و طسوج الدسكرة و أربعة طساسيج أخرى و كلها ثمانية طساسيج. و تسميات الاستانين الاخيرين أوردناها على ما جاءت فى ابن خرداذبه و قد خالفه قدامة بابداله الاسمين، فجعل استان شاذ قباذ: استان بغداد. و اطلق اسم خسرو شاذ هرمز على طسوج جلولاء مع الطساسيج السبعة المجاورة له. و آخر الاستانات فى شرقى دجلة كان (4) كورة استان بازيجان خسرو و يقال له النهروان، و قد سماه قدامة ارندين كرد، و فيه خمسة طساسيج و هى: طسوج النهروان الاعلى و طسوج النهروان الاوسط و طسوج النهروان الاسفل (و معه اسكاف بنى جنيد و جرجرايا و نحوها) و طسوج بادرايا و أخيرا طسوج باكسايا.

و المجموعة الثانية، استانان و كان سقيهما من دجلة و من الفرات و هما (5) كورة استان كسكر و هى شاذ سابور اربعة طساسيج حول واسط و (6)

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 108

كورة استان شاذ بهمن و هى كورة دجلة على دجلة الاسفل و فيها أربعة طساسيج هى طسوج ميسان و طسوج دستميسان و طسوجان آخران

و يقع دستميسان حول الابلة.

اما الاستانات الستة الباقية فكلها الى غربى دجلة و كان سقيها من نهر دجيل القديم، و قد مر ذكره، و من الانهار الكبيرة الآخذة من الفرات و المادة شرقا الى دجلة. و أول هذه الاستانات كان (7) كورة استان العالى و طساسيجه الاربعة بامتداد نهر عيسى و هى: طسوج فيروز سابور و هو الانبار و طسوج مسكن و طسوج قطربل و طسوج بادوريا. و يليه اسفله (8) كورة استان اردشير بابكان و هى على امتداد نهر كوثى و النيل و فيها طسوج بهر سير و طسوج الرومقان بازاء المدائن و طسوج كوثى و طسوج نهر درقيط و طسوج نهر جوبر. و الى شرق هذا الاستان كان (9) كورة استان الزوابى و هى به ذيوماسفان و طساسيجه:

طسوج الزاب الاعلى و طسوج الزاب الاوسط و طسوج الزاب الاسفل.

اما الاستانات الثلاثة الاخيرة فكانت بالتعاقب: استان بهقباذ الاعلى و الاوسط و الاسفل. و أول هذه الثلاثة (10) كورة استان بهقباذ الاعلى و هى ستة طساسيج: طسوج بابل (حول خرائب بابل) و طسوج الفلوجة العليا و طسوج الفلوجة السفلى و طسوجان آخران . و طسوج عين التمر على بعد يسير من غرب الفرات. و (11) كورة استان بهقباذ الاوسط و فيه اربعة طساسيج هى طسوج نهر البداة و طسوج سورا و بربيسما و طسوج باروسما و طسوج نهر الملك.

و أخيرا (12) كورة استان بهقباذ الاسفل و فيها خمسة طساسيج كانت على الفرات الاسفل حيث يدخل البطائح. و يتبين لنا من هذه الاسماء تقسيمات الاقليم التى أخذها العرب عن الساسانيين. فقد كان اردشير بابكان مؤسس الدولة الساسانية و شاد فيروز أو شاذ فيروز معناها بالفارسية الطالع السعيد.

و بهقباذ

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 109

و معناها أرض قباذ الطيبة، و شاذ معناها مجد. فشاذ هرمز و شاذ قباذ و شاذ سابور و شاذ بهمن ينوّه كلها باسماء أربعة من أشهر ملوك الفرس .

و كانت تجارات العراق اكثرها مما يحمل اليها من سائر البلدان و كانت عاصمة الاقليم تستهلك محصول غيره من الانحاء. و مع ذلك فقد سرد المقدسى ثبتا بالسلع و الصناعات التى اشتهرت بها جملة من المدن، و هذا الثبت، و ان لم يكن قد أوفى على الغاية، الا انه حريّ بالنظر.

كانت اسواق بغداد حافلة مشهورة بغرائب السلع التى تحمل اليها من سائر البلدان و كان ينسج فيها ألوان ثياب الخز- النسيج العتّابى المشهور و جلّه من الحرير. و انما سمي بذلك نسبة الى احدى محلات بغداد - و ببغداد أزر و ستور و عمائم رفيعة و ألوان المناديل السامانية الرفيعة. و اشتهرت البصرة بالخز، و أسواقها بباعة اللآلئ و الطرائف. و البصرة الى ذلك معدن الجواهر «و بها يصنع الراسخت و الزنجفر و الزنجار و المرداسنج . و منها تحمل

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 110

التمور و الحناء و الخز و الماورد و البنفسج». «و بالابلة تعمل ثياب الكتان الرفيعة على عمل القصب». و اشتهرت الكوفة بالتمور و البنفسج و عمائم الخز.

و اشتهرت واسط بالسمك البنيّ و بسمك مقدد يقال له «شيم» و أخيرا كان يصنع فى النعمانية اكسية و ألوان ثياب الصوف .

و قد بيّنا فى الفصل التمهيدى، ان بغداد كانت فى أيام الخلافة العباسية، المركز الذى تخرج منه جميع الطرق. فمنها كان يخرج خمسة طرق كبيرة- الى البصرة و الكوفة و الانبار

و تكريت و حلوان- تصلها بأقاصى الدولة.

و لا مراء فى ان ايسر الطرق من بغداد الى البصرة، كان بالسفن المنحدرة فى دجلة. و قد ذكر ابن رسته و اليعقوبى ما فى هذا الطريق من مدن على يمين النهر و يساره. فكانت السفن تنحدر فى عمود دجلة حتى القطر ثم تدخل البطائح فتجتازها من أزقة تتخلل الهول (أنظر ص 62) ثم يفضى نهر ابى الاسد الى رأس فيض دجلة و منه الى البصرة فى نهر معقل. فاذا ارادت السفن عبادان فخليج فارس، عادت الى الفيض بنهر الابلة. اما الطريق البرى من بغداد الى واسط فى شرقى دجلة المار بالمدائن، فقد وصفه ابن رسته وصفا ساعدنا على تعيين المدن التى على النهر فى الخارطة لانه ذكر ما بينها من مسافات بالفراسخ.

و وصف قدامة هذا الطريق أيضا وصفا مطولا، و استكملنا وصفه الطريق فى موضع أو موضعين من ابى الفداء. و انتهى الينا من قدامة، وصف الطريق البري من واسط الى البصرة بامتداد الحافة الشمالية للبطائح. و هذا الطريق هو الذى سلكه ابن بطوطة فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة). و لابن رسته و قدامة وصف للطريق من واسط باتجاه الشرق الى الاهواز عاصمة خوزستان. و عند محطة باذبين، و هى على مرحلة شرق واسط فى هذا الطريق، ينشطر منه فرع كان يذهب نحو الشمال الشرقى الى الطيب و منها الى السوس (سوسا) فى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 111

خوزستان .

و طريق الحج من بغداد الى الكوفة، يخرج من باب الكوفة فى المدينة المدورة متجها نحو الجنوب و مجتازا محلة الكرخ الى صرصر و منها الى قصر ابن هبيرة. فاذا جاوز هذه المدينة، عبر نهر الفرات

الشرقى (و هو عمود الفرات الآن) و كان يقال له فى المئة الرابعة (العاشرة) نهر سورا، على جسر السفن فى سورا، و منها يتجه الى الكوفة. و بازائها يعبر نهر الفرات الغربى على جسر سفن يفضى الى الارباض الشرقية فى الكوفة. و من الكوفة يتجه طريق الحج نحو الجنوب الغربى الى القادسية. فاذا خرج من القادسية وقع فى البادية. و قد أورد جميع البلدانيين القدماء وصف هذا الطريق. و كان أكثرهم تفصيلا له:

ابن رسته. فقد ذكر لبعض اقسام الطريق من بغداد الى الكوفة مسالك أخرى مع ذكر المسافات بالاميال و الفراسخ. و بعد مطلع المئة السادسة (الثانية عشرة) خربت مدينة قصر ابن هبيرة، و هى مرحلة فى نصف الطريق بين بغداد و الكوفة، و قامت مقامها الحلة (أنظر ص 97). فكان الطريق ينحدر اليها من صرصر مارا بفراشا. و كان الطريق يعبر نهر الفرات الشرقى فى الحلة على جسر سفن عظيم على غرار الجسر الذى كان قبله فى سورا. و هذا هو الطريق الذى سلكه ابن جبير و من جاء بعده من الرحالين. و كان المعروف ان طول الطريق من الكوفة الى البصرة، بمحاذاة حافة البطائح الجنوبية، بين ثمانين و خمسة و ثمانين فرسخا. و هذا الطريق الذى يتفرع الى اليسار عند المرحلة الثانية من مراحل البادية فى جنوب القادسية، قد وصفه ابن رسته و ابن خرداذبه .

و قد مرّ بنا انه كان يقطع البادية العربية من العراق الى الحجاز طريقان

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 112

للحج: اولهما يبدأ من الكوفة و الآخر من البصرة و يلتقيان عند مرحلة يقال لها «ذات عرق». و كانت على مسيرة يومين من شمال شرقى مكة.

و قد وصفت كتب المسالك فى المئة الثالثة (التاسعة) و كذلك المقدسى، هذين الطريقين المشهورين مرحلة مرحلة مع ذكر المنازل التى فيها المتعشّى، بين مرحلة و أخرى، و ما بينها من المسافات بالاميال. كان الطريق من الكوفة يمر بفيد على بعد قليل جنوب الحائل، اجل مدينة فى جبل شمر اليوم. اما طريق البصرة فيمر الى ضرية، العاصمة القديمة للبلاد التى اصبحت فيما بعد دولة للوهابيين، و ما زالت خرائبها ظاهرة على بضعة أميال غرب الرياض أكبر مدن نجد الآن. و كان يتفرع من طريقى الحج الآخذين من الكوفة و البصرة طرق فرعية تخرج من يمينهما و تفضى رأسا الى المدينة .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 113

و يخرج من بغداد عند باب الكوفة فى المدينة المدورة، طريق ثان يتجه غربا و يذهب الى المحوّل أولا ثم يتابع ضفة نهر عيسى الى الانبار على الفرات، و منها يصعد مع النهر فيمر بالحديثة أعلى مدينة فى اقليم العراق، و منها يبلغ عانة فى اقليم الجزيرة. و هذا الطريق هو القسم الاول لاحد الطرق (المحاذية للفرات) الذاهبة من بغداد الى الشام، و قد وصفها ابن خرداذبه و قدامة. اما الطريق الآخر الى الشام، فيتجه شمالا بمحاذاة دجلة الى الموصل، و يكون فى اقليم العراق حتى مدينة تكريت. و هذا الطريق، و كان طريق البريد، يخرج من باب البردان فى بغداد الشرقية و يساير يسار النهر مارا بعكبرا و سامراء حتى يبلغ تكريت. و عند هذه المدينة كان يلتقى هو و طريق القوافل البادئ من محلة الحربية فى بغداد الغربية و الصاعد مع نهر دجيل الى حربى. ثم يمر بالقصر الذى بازاء سامراء . ثم يساير

نهر الاسحاقى الى تكريت. و الطريق الاخير هذا، هو الذى سلكه ابن جبير و ابن بطوطة .

و أخيرا كان يشرع من باب خراسان فى بغداد الشرقية، طريق خراسان.

و كان يجتاز بلاد فارس و يتجه، على ما قد بينا، الى حدود الصين مخترقا بلاد ماوراء النهر. و قد اسهب ابن رسته فى وصف هذا الطريق مرحلة مرحلة، بل ان اغلب البلدانيين الآخرين، ان لم نقل كلهم، قد ذكروا المسافات بين اقسام هذا الطريق المختلفة. فصار علمنا به يفوق ما سواه من الطرق .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 114

الفصل السادس الجزيرة

الديار الثلاث- ديار ربيعة- الموصل و نينوى و المدن المجاورة- الزاب الكبير و الحديثة و اربل- الزاب الصغير و السن و داقوق- الخابور الصغير و الحسنية و العمادية- جزيرة ابن عمر و جبل الجودى- نصيبين و راس العين- ماردين و دنيسر- الهرماس و الخابور- عربان و الثرثار- سنجار و الحضر- بلد واذرمة.

كان العرب يسمون بلاد ما بين النهرين العليا بالجزيرة، على ما قد بينّا، لان أعالى دجلة و الفرات كانت تكتنف سهولها. و كان هذا الاقليم ينقسم الى ديار ثلاث و هى: ديار ربيعة و ديار مضر و ديار بكر، نسبة الى القبائل العربية:

ربيعة و مضر و بكر التى نزلت هذا الاقليم قبل الاسلام، و كان يحكمه الساسانيون، فعرف كل من هذه الديار بقبيلته. و كانت الموصل على دجلة اجل مدن ديار ربيعة. و الرقة على الفرات قاعدة ديار مضر. و آمد فى أعالى دجلة أكبر مدن ديار بكر. و ديار بكر، هى أقصى هذه الديار الثلاث شمالا. على ان المقدسى، وصف اقليم الجزيرة تحت اسم «اقليم اقور». و اصل اقور غير واضح، و

لكن يخال لنا انه كان حينا من الزمن اسم السهل العظيم فى شمالى ما بين النهرين.

و اذا رجعنا الى الخارطة، تبين لنا ان دجلة و الفرات فى بلاد ما بين النهرين العليا، يستقبلان روافدهما كلها من يسارهما. فقد كانت هذه الروافد، تنحدر اليهما من شمالهما الشرقى أو من الشمال. و قد شذّ عن هذه القاعدة فى القرون الوسطى، انصراف ماء نهر الهرماس الآتى من نصيبين. و الهرماس رافد الخابور

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 115

(الكبير). فيماه الهرماس قد سكرت فوق موضع اجتماعه بالخابور بسكير العباس. فبينما كان قسم من مائه يجرى فيلتقى هو و الخابور الذى يصب فى الفرات عند قرقيسياء، كانت مياه نهر الهرماس نفسه تنصب فى يمين دجلة عند تكريت بعد ان تجرى فى واد يقال له الثرثار . و الى ذلك فحدود هذه الديار الثلاث قد عينتها الفواصل المائية، على ما سيتبين لنا. فقد كانت ديار بكر، و هى سقي دجلة من منبعه الى منعطفه العظيم فى الجنوب أسفل من تل فافان مع ما فى شمالها من ارض، تسقيها روافد دجلة الكثيرة التى تصب فى يساره غرب تل فافان. و كانت ديار مضر، الى الجنوب الغربى، هى الاراضى المحاذية للفرات من سميساط حيث يغادر سلاسل الجبال منحدرا الى عانة مع السهول التى يسقيها نهر البليخ رافد الفرات الآتى من حران. اما ديار ربيعة، فقد كانت فى شرق ديار مضر، و تتألف من الاراضى التى فى شرق الخابور (الكبير) المنحدر من رأس العين و من الاراضى التى فى شرق الهرماس و هو النهر المنساب فى وادى الثرثار نحو الشرق الى دجلة، على ما قد بينا. و كذلك مما على ضفتى

دجلة من اراض تمتد بانحدار النهر من تل فافان الى تكريت، أى الاراضى التى فى غرب دجلة حتى نصيبين و التى فى شرقه المشتملة على السهول التى يسقيها الزابان الاسفل و الاعلى و نهر الخابور الصغير.

و كانت الموصل، قاعدة ديار ربيعة، على ضفة دجلة الغربية، حيث تتصل عواقيل النهر فتؤلف مجرى كبيرا واحدا. و يقال ان الموصل انما جاء اسمها من هذا الاتصال. و كان يقوم فى موضعها ايام الساسانيين مدينة يقال لها بوذ اردشير.

و علا شأن الموصل فى أيام بنى أمية. و نصب فيها على دجلة جسر سفن يربط المدينة التى فى الجانب الغربى بخرائب نينوى فى الجانب الشرقى. و صارت الموصل فى عهد مروان الثانى آخر خلفاء بنى أمية، قاعدة اقليم الجزيرة و بنى فيها ايضا الجامع الذى عرف بعدئذ بالجامع العتيق . و وصف ابن حوفل،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 116

و قد كان فى الموصل سنة 358 (969)، هذه المدينة بانها بلدة طيبة عامرة الاسواق، نواحيها و رساتيقها كثيرة الخيرات. فمن ذلك رستاق نينوى و فيه قبر النبى يونس. و كان جل أهلها فى المئة الرابعة (العاشرة) من الاكراد .

و قد عنى ابن حوقل بسرد ما حول الموصل من كور و رساتيق كثيرة تؤلف ديار ربيعة. و اطرى المقدسى حسن فنادق الموصل الكثيرة. و كانت المدينة حسنة البناء و دورها بهية. و البلد نصف مستدير نحو ثلث البصرة كبرا و فيها حصن يسمى المربعة على نهر زبيدة، فى داخله سوق تعرف بسوق الاربعاء، و كان يعرف الحصن باسم السوق أيضا. و الجامع (جامع مروان الثانى) على رمية سهم من الشط على نشزة يصعد اليه بدرج كله آزاجات من

الحجارة. و مداخله المؤدية من مصلى الجامع الى صحنه لا أبواب لها. و أكثر الاسواق مغطاة. و ذكر المقدسى اسماء ثمانية من دروبها الكبيرة . و كانت دور المدينة تمتد بامتداد الشط مسافة كبيرة. و قال ان اسم الموصل كان خولان، و ان قصر الخليفة فى الجانب الآخر على نصف فرسخ من المدينة يشرف على نينوى القديمة. و لهذا القصر قديما حصون قوية تحميه، أقلبه الريح، و يشق خرائبها الآن نهر يقال له نهر الخوسر. و حين كتب المقدسى، كانت تلك الخرائب مزارع .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 117

و فى سنة 580 (1184) زار ابن جبير مدينة الموصل و وصفها. و قبل هذا الزمن بيسير، كان نور الدين المشهور، و هو الذى تحت لوائه عمل صلاح الدين (الايوبى) فى أول أمره، قد بنى جامعا جديدا فى وسط السوق و لكن الجامع العتيق الذى بناه مروان الثانى كان ما زال قائما على النهر بمنبره المزوّق الجميل و شبابيكه الجديدة «و فى أعلى البلد قلعة عظيمة ينتظمها سور مشيّد البروج و قد فصل بينهما و بين البلد شارع متسع يمتد من أعلى البلد الى اسفله.

و دجلة شرقى البلد و هى متصلة بالسور و ابراجه فى مائها و للبلدة ربض كبير فيه المساجد و الحمامات و الخانات و الاسواق و فيها مارستان حفيل»، و سوق يقال له القيسارية . و فى المدينة مدارس للعلم كثيرة. و سرد القزوينى اسماء الديارات المختلفة المجاورة للموصل، و أشار بوجه خاص الى خندق الموصل

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 118

العميق و قلعتها العالية. و كان حواليها بساتين كثيرة تسقيها النواعير على ما قال .

اما تلول

نينوى فقد كان يقال لها منذ ايام المقدسى تل توبة و هو الموضع الذى خرج اليه النبى يونس لدعوة أهل نينوى الى التوبة و فى هذا الموضع جامع حوله دور للزوار بناها ناصر الدولة الحمدانى. و على نصف فرسخ منه، عين يستشفى بمائها يقال لها عين يونس نسبة الى النبى يونس، بجوارها جامع و يرى هناك شجرة اليقطين التى غرسها هذا النبى . و ذكر ياقوت ان معظم دور الموصل كان مبنيا بالرخام و كلها آزاج. و فى المدينة قبر النبى جرجيس. و مرّ ابن بطوطة بالموصل فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) فقال: على البلد سوران اثنان و ثيقان ابراجهما كثيرة عالية «مثل السور الذى على مدينة دهلى». و كانت قلعتها تعرف بالحدباء. و كان فى جامعها الحديث (جامع نور الدين) «خصة رخام مثمنة يخرج منها الماء بقوة و انزعاج فيرتفع مقدار القامة» و بها مسجد جامع ثالث على شط دجلة، و لعل هذا الجامع هو الذى نوه به المستوفى و قال ان منبره من حجارة محفورة حفرا جميلا متقن الصنع كأنه حفر فى الخشب. و كان دور الموصل فى ايامه الف خطوة . و أشار الى «مشهد يونس»، فى الجانب الآخر من دجلة، المشيد فوق خرائب نينوى .

و على بضعة أميال من شرقى الموصل، بلدتان صغيرتان، هما: برطلى و كرمليس و قد ذكرهما ياقوت و المستوفى. و الى شمالهما بقليل باعشيقا. و هذه البلدان الثلاثة من أعمال الموصل. و ذكر المقدسى باعشيقا بقوله «بها نبت من

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 119

قلعه و به بواسير أو خنازير سقطت عنه». و زاد ياقوت على ذلك ان باعشيقا «من قرى الموصل ... لها

نهر جار يسقى بساتينها و تدار به عدة ارحاء، و الغالب على شجر بساتينها الزيتون و النخل و النارنج، و لها سوق كبير، و فيه حمامات و قيسارية ... و بها جامع كبير حسن له منارة ... و أكثر أهلها نصارى» فى المئة السابعة (الثالثة عشرة). و كانت برطلى على بضعة أميال جنوب باعشيقا، و هى مثلها من أعمال نينوى. و قال ياقوت انها «قرية كالمدينة كثيرة الخيرات و الاسواق و البيع و الشراء و الغالب على أهلها النصرانية. و بها جامع للمسلمين، و لهم بقول و خس جيد يضرب به المثل». و أطرى المستوفى جودة قطنها. و الى الجنوب ببضعة أميال: كرمليس و كان بها سوق عامر على ما فى ياقوت. و هى قرية شبيهة بالمدينة و بها تجار. و كان بالقرب من هذه الامكنة ايضا: مرجهينة أو مرج جهينة. بيد انها على ضفة دجلة و هى أول منزل لمن يريد بغداد من الموصل.

و ذكر المقدسى «انها كثيرة ابراج الحمام. و الحصن من جص و حجر، و الجامع وسط البلد» .

و بين الموصل و تكريت، يستقبل دجلة فى ضفته الشرقية مياه الزابين.

و يصب احدهما على نحو مئة ميل فوق الآخر. و قد اطرى ابن حوقل المراعى و المزارع الخصبة الواسعة فى ما بين هذين النهرين. و مبدأ الزاب الاعلى، أى الكبير، فى الجبال بين ارمينية و اذربيجان، و مصبه فى دجلة عند الحديثة. اما الزاب الاسفل أى الصغير، و يسمى المجنون ايضا لحدة جريه، فانه ينحدر من بلاد شهرزور و ينصب فى دجلة عند السن. و تعرف البلاد التى يمر بها الزاب الكبير على ما ذكر ياقوت، باسم مشتكهر و بابغيش. و يكون ماؤه

فى أوله شديد الحمرة، و كلما جرى صفا قليلا. اما الحديثة، و هى على فرسخ فوق ملتقاه بدجلة (و تسمى حديثة الموصل تمييزا لها عن حديثة الفرات و قد مرّ ذكرها فى الصفحة 89)، فقد اعادها الى العمارة مروان الثانى آخر خلفاء بنى أمية على

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 120

جرف يشرف على مناقع، و هى كثيرة الصيود ذات بساتين و اشجار، و قد بنيت على شبه دائرة و يصعد اليها من دجلة بدرج. و جامعها مبنى بالحجر قرب الشط.

و كانت تعرف فى أيام الساسانيين باسم نو كرد و معنى ذلك بالفارسية (البلدة الحديثة) ايضا . و قد كانت قصبة الكورة قبل قيام الموصل .

و بلدة السن على ميل تحت ملتقى الزاب الاسفل بدجلة، على ما فى المسعودى. ولكنها، على ما فى المقدسى، فوقه، و الزاب الاصغر فى شرقها.

و كان معظم اهلها فى العصور الوسطى نصارى. و فيها، على ما ذكر ياقوت بيع لهم. و كان يقال لها سن بار مّا تمييزا لها عن غيرها من المدن المعروفة بالسن.

و كان دجلة يقطع جبال بارما قرب السن. و جامع السن فى الاسواق بناؤه بالحجارة. و للمدينة سور، و الى شرقها باربعة فراسخ، على ضفة الزاب الاسفل:

مدينة البوازيج (حسب تسمية ابن حوقل) و الظاهر انها لا أثر لها اليوم فى الخارطة. و كذلك الحال فى السن و الحديثة. و تعليل ذلك ان اسافل الزابين قد تبدلت كثيرا منذ المئة الرابعة (العاشرة). و أشار ياقوت الى هذه المدينة باسم بوازيج الملك، و ظلت قائمة حتى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) فقد ذكر المستوفى انها كانت تؤدى الى بيت مال الايلخانيين 14000 دينار.

و من جنوب السن، كان

طريق البريد الى سامراء و بغداد، يساير ضفة دجلة اليسرى مارا أولا ببارما و هى بلدة فى لحف جبل بارما، و يعرف أيضا بجبل حمرين. و منها الى السودقانية، و ينتهى أخيرا الى جبلتا أو جبلتا، و قد كانت على ما يظهر دارا للضرب فى سنة 304 (916)، و كانت على ضفة دجلة الشرقية شمالى تكريت بقليل و لا أثر لهذه البلدان الصغيرة الآن فى الخارطة الا ان كتب المسالك قد ذكرت مواضعها بوجه دقيق.

و على نيف و مئة ميل من شرق السن، مدينة دقوقاء أو دقوق- أورد علي اليزدى هذا الاسم بصورة طاووق و طاوق و هى التسمية الشائعة الآن- و قد

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 121

أكثر ياقوت و من بعده من البلدانيين من ذكرها. و تكلم المستوفى على نهر دقوق (على ما ضبطه) و مخرجه من جبال كردستان قرب دربند خليفة، و يفنى ماؤه اسفل مدينة دقوق فى الارض الرملية حيث، على ما جاء فى المستوفى، مواضع شديدة الخطر يسوخ فيها من يحاول اجتيازها. و يصل نهر دقوق الى دجلة فى موسم الفيضان على قوله، و مجراه الاسفل هو ما يعرف اليوم بنهر العظيم و لكن فى الازمنة القديمة، حين كان النهروان حيا بأجمعه، قد كانت مياه نهر داقوق فى فيضان الربيع تنصب فى النهروان. و وصف المستوفى مدينة داقوق بانها بلدة وسطة و هواؤها أصح من هواء بغداد و بالقرب منها عيون نفط. و مما تحسن الاشارة اليه ان البلدانيين العرب الاولين لم يذكروا هذا الموضع .

اما اربل، و هى اربلا القديمة، ففى فضاء من الارض واسع بسيط بين الزابين الكبير و الصغير. و قد وصفها ياقوت بانها

مدينة يقصدها التجار «و قلعتها على تل عال من التراب عظيم و لها خندق عميق، و سور المدينة ينقطع فى نصفها و فيها سوق عظيمة. و بها مسجد يسمى مسجد الكف فيه حجر عليه كف انسان». و فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) قامت فى ربضها خارج السور مدينة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 122

كبيرة عمرت فيها أسواق و قيساريات. و اطرى المستوفى جودة غلتها لا سيما القطن . و الى شمال الموصل، مدينة العمادية. و هى بالقرب من منابع الزاب الاعلى. و على ما ذكر المستوفى، نسبت العمادية الى مؤسسها عماد الدولة الامير الديلمى المتوفى سنة 338 (949) الا ان غيره من المؤلفين يعزون انشاء العمادية أو تجديدها فى سنة 537 (1142) الى عماد الدين زنكى ابى امير الجزيرة المشهور نور الدين و كان صلاح الدين (الايوبى) من أشهر رجاله، و روى ياقوت ان حصنا للاكراد كان هناك قبلها يعرف بآشب . و وصف المستوفى العمادية فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) بانها مدينة كبيرة .

و فى الجبال المجاورة للعمادية، منابع نهر خابور الحسنية و هو ينصب فى دجلة شمال مدينة فيسابور على نحو مئة و خمسين ميلا فوق الموصل.

و مخرج هذا النهر (و هو غير خابور رأس العين) على ما جاء فى ياقوت، من أرض الزوزان، و كان عليه عند بلدة الحسنية قنطرة عظيمة و ما زالت بقاياها

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 123

قرب قرية حسن اغا، و لعل هذه القرية تمثل البلدة القديمة. و كان فى الحسنية جامع. و قد وصفها المقدسى بانها موضع ذو شأن . و على مرحلة يوم من جنوبها فى طريق الموصل، بلدة معلثايا

الصغيرة و فيها جامع على تل و هى كثيرة البساتين.

و فى شمال فيسابور، الجزيرة و هى مدينة ذات شأن و تعرف بجزيرة ابن عمر نسبة الى الحسن بن عمر التغلبى بانيها. و كانت دجلة، على ما ذكر ياقوت، «تحيط بهذه الجزيرة الا من ناحية واحدة شبه الهلال ثم عمل هناك خندق أجري فيه الماء». و فى المئة الرابعة (العاشرة)، وصف ابن حوقل الجزيرة بقوله: «عليها سور و هى فرضة لأرمينية و كانت مشهورة بالجبن و العسل» و زاد المقدسى على ذلك ان بناءها من الحجارة «و هى وحلة فى الشتاء». و شاهدها ابن بطوطة و كان فيها فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) و قال: ان «أكثرها خراب. و لها سوق حسنة و مسجد عتيق مبني بالحجارة محكم العمل و سورها مبنى بالحجارة أيضا». و ذكر المستوفى انه كان من أعمالها مئة قرية و نيف.

و كان قبالة جزيرة ابن عمر: بازبدى و هى قرية فى كورة باقردى .

و بازبدى تقوم مقام الحصن الرومانى المشهور المسمى بزبدى(Bezabda) غير انه لم ينته الينا وصف لهذا الموضع.

و يرى من جزيرة ابن عمر، من شرقيها، جبل الجودى. و فى قمته مسجد نوح، و تحت الجبل قرية الثمانين. و قد جاء فى القرآن (السورة 11 الآية 43) ان فلك نوح «استوت على الجودي». و هو الجبل الذى يتفق موضعه فى الجزيرة و ما عينته الروايات الاسلامية. و يقال ان ثمانين من رجال نوح بنوا قرية هناك سميت ثمانين بعددهم. و أشار المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة) الى هذه القرية فقال هى مدينة على مرحلة شمال الحسنية. و سماها المستوفى بسوق

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 124

ثمانين، و قال

ان الخراب كان مستحوذا عليها فى ايامه. و ينصب فى يسار دجلة، قرب جزيرة ابن عمر، روافد كثيرة سرد ياقوت اسماءها و هى: يرنى و باعيناثا (و هو باسانفا فى ابن سرابيون) و عليه قرية كبيرة بهذا الاسم فوق الجزيرة.

و اسفل هذه المدينة فى شمال خابور الحسنية ينحدر نهر البويار و دوشا من ارض الزوزان .

و فى جانب دجلة الغربى فى سمت جزيرة ابن عمر، كورة طور عبدين الجبلية، و أهلها يعاقبة، و فيها مخرج نهرى الهرماس و خابور نصيبين. و كانت نصيبيين و هى نسيبيس(Nisibis) الرومانية و قد ذكر ياقوت انها مشهورة بوردها الابيض و ببساتينها الاربعين الفا. تقوم فى اعالى نهر الهرماس و قد سماه جغرافيو اليونان سوكورس(Saocoras) أو مكدونيس(Mygdonius) و ما زالت نصيبين من أعظم مدن الجزيرة شأنا، وصفها ابن حوقل، و كان فيها سنة 358 (959)، فقال: هى اجل بقاع الجزيرة و احسنها، الى سعة غلات من الحبوب و القمح و الشعير. و مخرج مائها عن شعب جبل يعرف ببالوسا. و هى من أطيب المدن لولا الخوف من عقاربها. و على ما فى المقدسى انها ارحب من الموصل. و أطرى «حماماتها الحسنة و قصورها المنيفة و سوقها من الباب الى الباب، و الجامع وسط البلد، و بها حصن من حجر و كلس». و قد زار ابن جبير نصيبين فى سنة 580 (1184) و أطرى بساتينها. و ذكر ان فى جامعها صهريجين.

و على نهر الهرماس جسر معقود من صم الحجارة. و فيها مارستان و مدارس و غير ذلك من العمارات الحسنة. و وصف ابن بطوطة نصيبين، و قد زارها فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، فقال ان أكثرها قد خرب اما جامعها فكان

قائما فى ايامه و فيه صهريجاه الكبيران. و تحفّ بها البساتين الملتفة و بها يصنع ماء الورد الذى لا نظير له فى العطارة و الطيب . و ذكر المستوفى ان دور سورها نحو

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 125

6500 خطوة و أطرى كرومها الفاخرة و فواكهها الحسنة و خمورها الجيدة.

و لكنه قال انها و خمة و بئة. و تكلم كذلك على جودة وردها و شر عقاربها المميتة و هى سامة مؤذية و كالبعوض كثرة .

و كانت رأس العين قرب منابع الخابور، و هى رأس اينا(Resaina) الرومانية على نهر خابوراس(Chaboras) مشهورة بكثرة عيونها البالغة 360 عينا على ما يقال. و تجتمع هذه العيون فتسقى بساتينها و تجعلها كأنها بستان واحد. و قيل ان عينا منها، و هى عين الزاهرية، لا يعرف لها قرار. و الماء الماد منها يصب فى الخابور. و كانت الزواريق الصغار تدخل الى عين الزاهرية و الناس يركبون فيها الى بساتينهم و الى قرقيسياء على الفرات ان شاءوا. و وصف ابن حوقل رأس العين، فقال انها مدينة ذات سور من حجارة و كان داخل السور بساتين و طواحين، و كان لأهل المدينة نحو عشرين فرسخا قرى و مزارع مما يلى دورها. و ذكر المقدسى ان «بها بحيرة صغيرة رأس الماء نحو من قامتين زلال، يطرح الدرهم فلا يخفى فى اسفله». و البنيان فى رأس العين حجارة و جص و قد مرّ بها ابن جبير سنة 580 (1184) و قال: لها جامعان و مدرسة و حمام على الخابور. و لم يكن للمدينة فى أيامه سور يحصنها و ان كان فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) قد عمر ثانية، لان المستوفى ذكر ان

محيطه نحو 5000 خطوة و قال انها كثيرة القطن و القمح و الكروم.

و على نحو نصف المسافة بين رأس العين و نصيبين، فى شمالهما، القلعة الصخرية العظيمة: ماردين المشرفة على دنيسر التى هى تحتها فى السهل على نحو ثلاثة فراسخ جنوبها و كانت قلعة ماردين فى المئة الرابعة (العاشرة) يقال لها الباز. و هى معقل امراء بنى حمدان. و هذه القلعة على قنة جبل و فى جانبها الجنوبى نشأ ربض عظيم كان آهلا فى المئة السادسة (الثانية عشرة). و قامت فيه «أسواق كثيرة و خانات و مدارس و ربط. و دور اهلها كالدرج كل دار فوق

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 126

الأخرى و كل درب منها يشرف على ما تحته من الدور ليس دون سطوحهم مانع.

و جل شربهم من صهاريج معدة فى دورهم». و وصف ابن بطوطة ماردين و قد زارها فى المائة الثامنة (الرابعة عشرة) بانها «مدينة عظيمة بها تصنع الثياب المنسوبة اليها من الصوف المعروف بالمرعز. و لها قلعة شماء تسمى الشهباء».

و يقال لها أيضا قلعة كوه «أى قلعة الجبل». و وصف المستوفى ماردين فقال:

يسقيها نهر صور الآتى من جبل باسمه فى طور عبدين و يصب هذا النهر فى الخابور، و زاد على ذلك ان ناحيتها كثيرة الغلات و القطن و الفواكه.

و دنيسر، على بضعة فراسخ منها (تفاوت القول فى ذلك ما بين فرسخين الى اربعة و يظهر ان موضعها الحقيقى غير معروف). و كانت فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) مدينة ذات أسواق عظيمة و يقال لها أيضا قوج حصار. و ذكر ياقوت انه حين زارها فى صباه فى نهاية المئة السادسة (الثانية عشرة) رآها قرية و لكنها فى سنة

623 (1225) «صارت مصرا لا نظير لها كبرا و كثرة أهل و عظم أسواق». و وصفها ابن جبير، حين مرّ بها فى سنة 580 (1184)، بانها مدينة لا سور لها و هى مخطر للقوافل. و خارجها مدرسة جديدة و حمامات. و دارا، على بضعة أميال شرقا. و كانت فى أيام الرومان قلعة عظيمة. ذكر ابن حوقل انها مدينة صغيرة . و وصف المقدسى «قناة تعم البلد و تجرى فوق السطوح و تقر فى الجامع ثم تنحدر الى واد. و بنيانهم حجارة سود و كلس». و قال ياقوت انها بلدة فى لحف جبل. و من أعمالها يجلب المحلب الذى تتطيب به الاعراب.

و هى ذات بساتين». و حين مرّ ابن بطوطة بدارا فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) كانت قلعتها خرابا لا عمارة بها. و كفرتوثا فى جنوب غربى ماردين على نهرها الصغير. و ذكر ابن حوقل انها صارت فى المئة الرابعة (العاشرة) بلدة قليلة الشأن و كانت عند ملتقى الطريق المنحدر من آمد. و كانت حينذاك أوسع من دارا، الا ان ياقوت الحموى أشار فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) الى انها

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 127

قرية كبيرة .

كان الخابور الكبير يستقبل فى يساره مياه نهر ماردين الآتى من رأس العين، و يصب فيه أسفل من ذلك نهر الهرماس الآتى من نصيبين. على ان أكثر مياه هذا النهر كانت- على ما بينا- تنساب من سكير العباس و كان على شى ء يسير فوق ملتقى الهرماس بالخابور الى وادى الثرثار. فتجتمع من ذلك فى الخابور مياه ثلاثة أنهار كبيرة، هذا الى ما ينصب فيه من مياه ثلاثمئة جدول على ما ذكر المستوفى. ثم ينحدر الخابور جنوبا

الى قرقيسياء على الفرات و هى أكبر مدينة فى ديار مضر، و سيجئ وصفها. و قبل ان يصل النهر الى هذه المدينة يمر بمدينتى عربان و ماكسين، و هما فى أراضى الخابور من أعمال ديار ربيعة. و عربان أو عرابان، و ما زالت خرائبها موجودة، كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) مدينة عليها سور منيع و تعمل فيها الثياب القطن، و هى كثيرة الاقطان التى تنمي فى جانبى الخابور. و تكلم المقدسى على عرابان و قال انها «تل رفيع حولها بساتين، و الى جنوبها فى نصف الطريق بينها و بين قرقيسياء: ماكسين (أو ميكسين) حيث كان جسر سفن يقطع الخابور. و كان القطن يكثر فيها أيضا. و على مقربة منها بحيرة صغيرة تسمى المنخرق، استدارتها مساحة جريب أو أزيد و فيها ماء ازرق عذب كالزجاج الملوح و لا يعرف قعرها و لا يعلم كمية مائها».

و يقال ان مخرج الهرماس من عين بينها و بين نصيبين ستة فراسخ (شمالا) مسدودة بالحجارة و الرصاص. «و يقال ان الروم بنت هذه الحجارة عليها لئلا تغرق هذه المدينة. و كان المتوكل لما دخل هذه المدينة سار اليها و أمر بفتحها ففتح منها شى ء يسير ... فغلب عليه الماء غلبة شديدة حتى أمر باحكامه و اعادته الى ما كان عليه بالحجارة و الرصاص». و على مئة ميل أو يزيد جنوب نصيبين، السكر المعروف بسكير العباس و كان هناك فى المئة الرابعة (العاشرة) مدينة كبيرة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 128

لها جامع و أسواق. و سكير العباس فى رأس نهر الثرثار، و قد كان يصب فى دجلة على ما بينا. اما اليوم فقد قل ماء الثرثار و انقطع جريه.

و كان ماؤه منذ المئة السابعة (الثالثة عشرة) ضئيلا فحين كتب ياقوت معجمه ذكر انه «يمد اذا كثرت الامطار. فأما فى الصيف فليس فيه الا مناقع و مياه حامية و عيون قليلة ملحة». و قد ارتاد ياقوت مجراه غير مرة و زاد على ما تقدم: «يقال ان السفن كانت تجرى فيه (من الخابور الى دجلة) و كانت عليه قرى كثيرة و عمارة».

اما حين كتب ياقوت فلم تكن تلك البقاع غير برية مقفرة .

و فى برية سنجار، كان نهر الثرثار يجرى بين مرتفعات يقال لها جبل حمرين، و هو جبل بارما، و كان الثرثار يستقبل من الشمال نهرا صغيرا ينحدر اليه من مدينة سنجار. و كان على سنجار فى المئة الرابعة (العاشرة) سور من حجر، و نواحيها عامرة كثيرة الخيرات. و اشار المقدسى الى شهرة اساكفتها و ترنجها و نارنجها و قال «بها نخل كثير» و الجامع فى وسط البلدة. و تقول الروايات الاسلامية ان سفينة نوح نطحت فى جبل سنجار فى زمن الطوفان، ثم استوت على جبل الجودى فى الجانب الشرقى من دجلة. و زاد ياقوت على ذلك ان فى مدينة سنجار، على ما قيل، ولد آخر سلاطين السلاجقة سنجار أو سنجر بن ملكشاه. و كانت سنجار، على ما ذكر القزوينى فى المئة السابعة (الثالثة عشرة)، مشهورة بحماماتها: فرشها فصوص و سقوفها جامات ملونة. و نوه ابن بطوطة، و قد مرّ بها فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، بمسجدها الجامع الفخم.

و كان دائر سورها على ما ذكر المستوفى 32000 خطوة و هو من حجارة و يصعد الى دورها بدرجات فى سفح الجبل. و تكثر فى بساتينها الكروم و الزيتون

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص،

ص: 129

و السماق . و الحضر و هى حترا(Hatra) عند الرومان. ذكر ابن سرابيون ان الثرثار يمر بها عند نصف المسافة بين سنجار و ملتقاه بدجلة قرب تكريت.

و ما زال يرى فى الحضر بقايا قصر فرثى كبير . روى ياقوت ان بانيه الساطرون شيده من حجارة مربعة، و فيه بيوت كثيرة بنيت سقوفها و أبوابها بالحجارة المهندمة و ذكر انه «يقال كان فيها ستون برجا كبارا و بين البرج و البرج تسعة أبراج صغار بازاء كل برج قصر» . و كان الطريق من الموصل الى نصيبين فى جانب دجلة الايمن. و هذا الطريق ينقسم عند بلد (الموضع المعروف اليوم باسكى موصل) و هى على اربعة فراسخ من الموصل

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 130

الى طريقين: طريق يتجه الى اليسار ذاهبا الى سنجار مارا بتل اعفر. ذكر ياقوت انه كان فى بلد مشهد علوى. و بلد فى موضع المدينة الفارسية القديمة شهراباذ. بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد ؛ النص ؛ ص130

قال ان مدينة «بلد» ربما قيل لها بلط. و اشار ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) الى بلد فقال هى مدينة كبيرة. و قال المقدسى فى قصورها انها حسنة البنيان من جص و حجر فرجة الاسواق و الجامع وسط البلدة و ينمى فى نواحيها قصب السكر و هى خصبة. و فوق تل «تل اعفر» المنفرد، و هو على مرحلة واحدة من غربها، قلعة حصينة تشرف على ربض كبير فيه نهر جار. و ذكر ياقوت ان النخل كان ينمى فى ناحية منها يقال لها المحلبية «نسبة الى المحلب و هو شى ء من العطر» يعمل فيها .

اما الطريق الايمن، فانه يبدأ من منقسمه،

مما يلى مدينة بلد و يذهب الى مدينة باعيناثا و قد وصفها المقدسى بقوله «نزهة طيبة و هى خمس و عشرون محلة، يتخللها البساتين و المياه، ليس مثلها بالعراق مع رفق و رخص». و ينبغى ان لا نخلط بينها و بين «قرية كبيرة كالمدينة» تعرف أيضا بباعيناثا على النهر الذى يلتقى بدجلة شمال جزيرة ابن عمر، على ما بينّا فى الصفحة 124 و على طريق نصيبين مما يلى باعيناثا: برقعيد، و هى بلدة يضرب المثل باهلها فى اللصوصية. فكانت القوافل اذا نزلت بهم لقيت منهم الامّرين. و كانت فى المئة الثالثة (التاسعة) بلدة كبيرة عليها سور و لها ثلاثة أبواب و فيها مئتا حانوت و بها آبار كثيرة عذبة. و ما حلت

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 131

المئة السابعة (الثالثة عشرة) حتى تجنبتها أكثر القوافل لكثرة أفاعيل اهلها فاصبحت قرية صغيرة حقيرة.

و أذرمة فى نحو نصف المسافة بين برقعيد و نصيبين، و كانت مدينة مثل برقعيد كبرا و هى من كورة تعرف بين النهرين. و انتهى الينا من المئة الثالثة (التاسعة) انه كان بها قصر حسن و نهر يشقها و عليه فى وسط المدينة قنطرة معقودة بالصخر و الجص. و فيها سوران احدهما دون الآخر و من خارج السور خندق يحيط بالمدينة. و هذا ما انتهى الينا على كل حال مما وصفها به طبيب الخليفة المعتضد، و قد مرّ بها حين كان فى خدمة الخليفة. و فى المئة الرابعة (العاشرة) وصف المقدسى اذرمة فقال «صغيرة فى البرية، شربهم من آبار و بنيانهم قباب» .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 132

الفصل السّابع الجزيرة «تتمة»

ديار مضر- الرقة و الرافقة- نهر البليخ و حران-

اذسا و حصن مسلمة- قرقيسياء- نهر سعيد و الرحبة و الدالية- رصافة الشام- عانة- بالس و جسر منبج و سميساط- سروج- ديار بكر- آمد و حانى و منابع دجلة- ميافارقين و ارزن- حصن كيفا و تل فافان- سعرت.

كانت ديار مضر، على ما قد بينّا، تحف بضفاف الفرات. و اجل مدنها الرقة، و هى فوق مصب نهر البليخ المنحدر من الشمال الى الفرات. و قامت فى موضع المدينة اليونانية القديمة كلنيكس(Callinicus) و هى نقفوريوم(Nicephorium) . و ما اسم «الرقة» العربى الا نعت لها «فالرقة كل ارض الى جنب واد ينبسط عليها الماء» وقت الفيضان. و من ثمة فالرقة توجد فى مواضع أخرى كتسمية لمكان. و هذه الرقة التى على الفرات عرفت بالرقة السوداء تمييزا لها عن غيرها.

و حين انتقلت الخلافة الى بنى العباس فى المئة الثانية (الثامنة)، كانت الرقة من أهم مدن ما بين النهرين الاعلى، و تسيطر على تخوم الشام. فكان عليهم الاحتفاظ بها فشرع الخليفة المنصور فى سنة 155 (722) ببناء مدينة الرافقة على نحو ثلاثمئة ذراع من الرقة و رتب بها جندا من أهل خراسان الموالين للدولة الجديدة. و يقال ان الرافقة بنيت على غرار مدينة السلام. فكانت مدينة مدورة.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 133

ثم ان الرشيد بنى قصورها و بنى له فيها قصرا سماه قصر السلام، لانه كان يقيم فى الرقة أو الرافقة كلما اشتد الحر فى بغداد. و سرعان ما خربت الرقة القديمة و شيدت أبنية جديدة فى الارض الفضاء بين الرقة و الرفقة، و حول رقتها و كانت بحيرة ضحلة. و غلب اسم الرقة على الرافقة، و قد كانت الاخيرة حينا من الزمن ربضا لها، و

بطل اسمها بمرور الايام. على ان ابن حوقل تكلم فى المئة الرابعة (العاشرة) على مدينتى الرقة و الرافقة فقال هما «مدينتان كالمتلاصقتين و فى كل واحدة منهما مسجد جامع». و كانتا كثيرتى الاشجار، اما المقدسى فلم يصف الا الرقة و قال «الرقة قصبة ديار مضر، بحصن عريض و لها بابان، حسنة الاسواق كثيرة القرى و البساتين و الخيرات، و معدن الصابون الجيد و الزيتون.

و جامع الرقة فى البزازين و بها حمامات طيبة». ثم قال: كان لكل بيت كبير فى الرقة دكة. و بالقرب منها خرائب مدينة قديمة يقال لها الرقة المحترقة. على ان المستوفى تكلم على الرافقة و قال هى ربض الرقة، الجامع فى الصاغة فيه شجر عناب و بالقرب منها مسجد يطل على الفرات .

و فى جانب الفرات الايمن، بازاء الرقة فيما فوقها، ارض صفّين المشهورة و فيها كان القتال بين اصحاب الخليفة علي و معاوية و قبور من استشهد فى هذه الوقعة من اصحاب علي معروفة فيها. و روى ابن حوقل، و قد تابعه فيه المستوفى، ان من كان بعيدا عن القبور يرى عجبا ذلك انه يرى قبورا و يصعد الى المكان فلا يرى لذلك أثرا و لا يحسّ منه خبرا. و مقابل ارض وقعة صفين على ضفة الفرات الشمالية (اليسرى) قلعة يقال لها قلعة جعبر نسبة الى مالكها الاول و كان عربيا من بنى نمير و كانت هذه القلعة تعرف فى بدء امرها بدوسر و كثيرا ما تردد ذكرها فى آخر أدوار تاريخ الخلافة. و فى سنة 497 (1104) استولى الفرنج

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 134

عليها من اذسا فى الحملة الصليبية الاولى. و يستقبل الفرات من يساره اسفل

الرقة نهر البليخ، و قد عرفه اليونان باسم بليخا(Bilecha) و منبعه من عين تسمى عين الذهبانية فى شمال حران. و ورد اسم هذه العين ايضا فى المراجع التى بيدنا بصورة الدهمانية و الذهبانة و كتبه المستوفى (بالفارسية) بصورة جشمة دهانة أى عين دهانة .

و يجرى البليخ نحو الجنوب ثم يلتقى بالفرات تحت الرقة و يمر بمدن جليلة كان سقيها من هذا النهر و روافده. فقرب منبعه حران (كرها(Carrhae و كانت مدينة الصابئيين (و هم الصابئة الحرانية فينبغى الا يخلط بينهم و بين صابئة العراق اليوم) و هم على دين ابراهيم. و يقال ان حران كانت أول مدينة بنيت فى الارض بعد الطوفان. و قال المقدسى فى حران انها «مدينة نزيهة عليها حصن من حجارة على عمل ايلياء فى حسن البناء» و فيها جامع. و ذكر ابن جبير، و قد مرّ بحرّان سنة 580 (1184)، ان لها سورا مبنيا بالحجارة و وصف الجامع فقال:

له صحن كبير ذو تسعة عشر بابا و فيه قبة قد قامت على سوار من الرخام. و لها اسواق مسقفة كلها بالخشب. و لهذه البلدة مدرسة و مارستان. و زاد المستوفى على ذلك ان محيط سور الصحن كان 1350 خطوة. و على ثلاثة فراسخ من جنوبها، مشهد ابراهيم، و ما حوله من اراض تسقيه انهار لا عدّ لها .

اما ادسّا و قد سماها العرب الرها (و هو تحريف للاسم اليونانى كلرهو(Callirhoe) ، فهى عند منابع احد روافد البليخ. و لم يسهب البلدانيون

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 135

المسلمون فى أخبار هذه المدينة، لان أغلب سكانها اقاموا على نصرانيتهم. و أكثر ما اشتهرت به هذه المدينة كنائسها الكثيرة فقد ذكر ابن

حوقل «بها زيادة على ثلاثمئة بيعة و دير، و كان بها منديل لعيسى»، أعطاه المسلمون للروم فى سنة 332 (944) انقاذا للرها من هجوم الروم عليها و نهبها. و قال المقدسى فى النصف الثانى من المئة الرابعة (العاشرة) بعد كلامه على جامعها ان «بها كنيسة عجيبة بآزاج ملبسة بالفسافساء هى احدى عجائب الدنيا» الاربع. و قال أيضا ان المسجد الاقصى فى بيت المقدس قد بني على غرارها.

و زاد على ذلك انها كانت مدينة محصنة. و لم تثبت الحامية العربية بوجه الحملة الصليبية الاولى فى سنة 492 (1098). فاستولى بلدوين على ادسا و بقيت نصف قرن ولاية لاتينية. و لكن فى سنة 540 (1145) استعادها زنكى من جوسلين الثانى(Jocelin II) . و منذ هذا الزمن صارت الرها بايدى المسلمين. و كانت خرائب كثير من مبانيها الجميلة شاخصة فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة). و وصف المستوفى قبة عظيمة حسنة البناء بالحجارة نقوم وراء صحن سعته مئة ذراع و نيف فى مثلها. و ذكر علي اليزدى مدينة الرها غير مرة فى حديثه عن حروب تيمور. و ظلت الرها تعرف بهذا الاسم حتى مطلع المئة التاسعة (الخامسة عشرة) فانها بعد انتقالها الى ايدي الترك العثمانيين عرفت باسم «اورفا» و قيل ان هذا الاسم تحريف «الرها» العربى. و ما زالت تسمى بأورفا حتى اليوم .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 136

و فى جنوب حران على مقربة من شرق نهر البليخ، مدينة باجدّا الصغيرة على الطريق الى رأس العين. و كان فيها بساتين، و هى قرب حصن مسلمة الذى هو أقرب الى البليخ منه الى باجدا و قد نسب هذا الحصن الى مسلمة بن عبد الملك الخليفة الاموى.

و هو على تسعة فراسخ جنوب حران و على نحو ميل و نصف الميل عن ضفة النهر الحقيقية. «و شرب أهله من مصنع فيه طوله مئتا ذراع فى عرض مثله، و عمقه نحو عشرين ذراعا معقود بالحجارة. و كان مسلمة قد اصلحه. و الماء يجرى فيه من البليخ فى نهر مفرد فى كل سنة مرة حتى يملأه فيكفى أهله بقية عام. و يسقى هذا النهر بساتين حصن مسلمة». و كان الحصن «قد بني على قدر جريب من الارض (و هو ما يعادل ثلث ايكر) و ارتفاعه فى الهواء أكثر من خمسين ذراعا». و كان فى جنوب حصن مسلمة فى طريق الرقة على ثلاثة فراسخ منها: باجروان. و قد وصفها ابن حوقل فقال: «كانت منزلا خصبا نزها واسعا». و قد عراها الاختلال فى المئة الرابعة (العاشرة). اما ياقوت، و قد قدمنا وصفه لحصن مسلمة، فذكر ان باجروان قرية من ديار مضر .

و على نحو مئتى ميل اسفل من الرقة، قرقيسياء و هى كركيسيوم(Circesium) القديمة على ضفة دجلة اليسرى حيث يصب الخابور فضلة مياهه فيه على ما قد بينّا فى الصفحة (127). و وصف ابن حوقل قرقيسياء بانها «مدينة لها بساتين و أشجار كثيرة و هى فى نفسها نزهة». اما ياقوت و المستوفى فقد ذكرا انها بلد أصغر من الرحبة المجاورة لها على ستة فراسخ منها فى الجانب الغربى من الفرات. و الرحبة هذه سميت برحبة مالك بن طوق مؤسسها، تمييزا

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 137

لها عن غيرها من الرحاب. و قد عاش مالك فى خلافة المأمون. و كان بالقرب منها: الدالية و هى بلدة صغيرة. و الرحبة و الدالية قرب نهر يقال

له نهر سعيد، كان يخرج من يمين الفرات على شى ء قليل فوق قرقيسياء و يعود فيصب فيه فوق الدالية. و هى مثل الرحبة تعرف بدالية مالك ابن طوق تمييزا لها عن غيرها. و كان قد أمر بحفر هذا النهر الامير سعيد ابن الخليفة عبد الملك الاموي، و كان رجلا تقيا يلقب بسعيد الخير، و قد تولى الموصل حينا من الزمن. و قد وصف المقدسى مدينة الرحبة فقال هى اجل مدن ناحية الفرات، فى الجزيرة، و كانت دورها «من نحو البادية طيلسان» و لها حصن منيع و ربض كبير. اما الدالية فكانت اصغر منها حسنة فوق شرف من الارض على شاطئ الفرات فى غربيه.

و فى البادية، بين الرحبة و الرقة: الرصافة- و ما زالت بقاياها على أربعة فراسخ جنوب الرقة و كانت تسمى رصافة الشام أو رصافة هشام نسبة الى بانيها . فقد بنى الخليفة هشام احد ابناء عبد الملك هذا القصر له فى البادية لما وقع الطاعون بالشام اتقاء شره. و كان يسكن فى هذا الموضع ملوك غسان قبل الاسلام. و ذكر ياقوت ان فى الرصافة آبارا طول رشاء كل بئر مئة و عشرون ذراعا و أكثر. و ذكرها ابن بطلان الطبيب فى رسالة له كتبها سنة 443 (1051) بقوله: فيها «بيعة عظيمة أنشأها قسطنطين الملك، ظاهرها بالفص المذهب.

و تحت البيعة صهريج فى الارض على مثل بناء الكنيسة معقود على اساطين الرخام. و سكان هذا الحصن أكثرهم نصارى (فى المئة الخامسة- الحادية عشرة) معاشهم تخفير القوافل و جلب المتاع و الصعاليك مع اللصوص» فكانوا يرافقون القوافل فى اجتيازها البادية الى حلب. و كان فى شرقى الفرات، بين الرقة و قرقيسياء، على يومين فوق قرقيسياء، الخانوقة.

و هى على ما ذكر ابن حوقل مدينة «رزحة الحال». و زاد ياقوت عليه ان بالقرب منها أرض «المضيق».

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 138

و لم يكن فى اقليم الجزيرة اسفل من قرقيسياء، مدينة ذات شأن غير عانة و هى اناتوAnatho القديمة و ما زالت ترى فى الخارطة العصرية .

و قد ذكرها ابن سرابيون فقال ان الفرات يدور بها و تصير جزيرة فيها مدينة. اما ابن حوقل فقال ان عانة «فى وسط الفرات و يطوف بها خليج من الفرات». و زاد ياقوت على ذلك ان «بها قلعة حصينة مشرفة على الفرات» و اليها التجأ القائم بأمر اللّه فى سنة 450 (1058) حين استولى البساسيرى الديلمى على بغداد و أمر باقامة الخطبة فى غيبته باسم خليفة مصر الفاطمى. و قال المستوفى ان عانة كانت حتى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) مدينة حسنة ذات نخيل و فرضتها تعرف بفرضة نعم و هى الى غرب عانة على الفرات فى وسط المسافة بين عانة و قرقيسياء و لعلها عند المنعطف الشرقى للفرات و لكنها لا ترى اليوم بالخارطة. و كانت هذه الفرضة محطة مهمة عند منقسم الطريق، فيقطع ايسره البادية مارا بالرصافة ثم الى الرقة رأسا و يصعد الطريق الايمن مع النهر .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 139

و كان على الفرات فوق الرقة، ثلاث مدن و هى: بالس، و جسر منبج و سميساط. و قد كانت تحسب جميعا من أعمال الشام فى الغالب، لوقوعها فى يمين الفرات، أى فى جانبه الغربى. و ان عدها أكثر المؤلفين من أعمال الجزيرة.

و كانت بالس فى غرب الرقة عند حد ارض صفين حيث يتجه الفرات شرقا بعد

جريانه الى الجنوب. و هى بربلسس(Barbalissus) عند الرومان، و كانت فرضة عظيمة لأهل الشام على الفرات، و من ثم كانت مركزا لكثير من طرق القوافل. و قد وصف ابن حوقل مدينة بالس فقال «عليها سور ازلي و لها بساتين فيما بينها و بين الفرات. و أكثر غلاتها القمح و الشعير». و هى و ان كان الخراب قد امتد اليها، فقد قال المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة) انها ما زالت عامرة. على ان ياقوت الحموى ذكر ان الفرات فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) «لم يزل يشرّق عنها قليلا قليلا حتى صارت بينهما فى أيامنا هذه أربعة أميال».

و لمّح ابو الفداء الى بالس فقال انها «بلدة كانت مسكونة».

و جسر منبج، على الفرات و منه يصعد طريق يغرّب الى منبج «هيرابوليس»(Hierapolis) من أعمال حلب و كانت موضعا ذا شأن فى القرون الوسطى.

و عند الجسر «قلعة حصينة تحتها ربض عامر مطلة على الفرات». و يقال لهذه القلعة قلعة النجم لأنها على جبل و كانت تسمى أيضا حصن منبج. و لما مرّ ابن جبير بقلعة النجم و هو آت من حران فى سنة 580 (1184) قال «حولها ديار بادية و فيها سويقة». و قال ابو الفداء ان بناء القلعة «صار يعرف بقلعة نجم و هو من بناء السلطان (نور الدين) محمود بن زنكى و كانت مسلحة تشدد النكير على ما فى يد الصليبيين من مدن». و ذكر القزوينى، و قد كتب فى النصف الاخير من المئة السابعة (الثالثة عشرة)، حكاية طويلة عن «طائفة يتعانون أنواع القمار.

فاذا رأوا غريبا أظهروا انهم مرمدين (كذا) و يلعبون دونا ليظن الغريب انهم فى طبقة نازلة يطمع فيهم و يخرجون المال اذا قمروا من غير

اكتراث فتتوق نفس الغريب ان يلعب معهم فكلما جلس لا يتركونه يقوم و معه شى ء حتى سراويله.

و ربما ان استرهنوا نفسه و منعوه من الذهاب حتى يأتى أصحابه و يؤدون عنه و يخلصونه».

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 140

و سميساط، و هى سموساطا(Samosata) عند الرومان، أعلى هذه المدن على الفرات فى ضفته اليمنى أى الشمالية. و عند هذه المدينة ينحرف النهر الى الغرب. و قد كانت قلعة حصينة مكينة. و ذكر المسعودى ان سميساط كانت تعرف أيضا بقلعة الطين. و روى ياقوت فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) ان «شقا من قلعتها يسكنه الارمن». و يحسن بنا أخيرا ان نذكر مدينة سروج استكمالا لما وصفنا من مدن ديار مضر. فقد كانت فى نحو نصف الطريق الضارب شمالا من الرقة، قاطعا البرية الى سميساط. و يكون هذا الطريق وترا لنصف الدائرة العظيمة التى يؤلفها مجرى الفرات. و كانت سروج أيضا على طريق القوافل من حران و الرها الى جسر منبج. و قد قال فيها ابن حوقل انها مدينة عامرة خصبة، و أيده ياقوت فى ذلك دون ان يزيد شيئا .

اما مدن ديار بكر، و هى اصغر الديار الثلاث التى يتألف منها اقليم الجزيرة، فان كلها على دجلة الاعلى أو فى شماليه. و كانت قصبة هذه الديار: آمد و تكتب أحيانا حامد و هى آمدا(Amida) عند الرومان. و ثم اشتهرت بعد تلك الازمان باسم ديار بكر، و هو ما تعرف به اليوم أيضا. و قيل لها أيضا قره آمد (أى آمد السوداء) لان حجارة بنائها سود.

و مدينة آمد، فى غربى دجلة أى يمينه، و يطلّ عليها جبل علوه مئة قامة . قال ابن حوقل «عليها

سور اسود من حجارة الارحية». و وصف المقدسى آمد فقال «بلد حصين حسن عجيب البناء على عمل انطاكية ... له أبواب و عليه شرف بينه و بين الحصن فضاء» نشأت فيه أرباض بعد ذلك. و فى آمد عيون. و أشار المقدسى أيضا الى انها بنيت «بحجارة سود صلبة و كذلك أساسات الدور. و فى وسط البلد: الجامع. و لأسوارها خمسة أبواب: باب الماء و باب الجبل و باب الروم و باب التلّ و باب السر يحتاج اليه وقت الحرب». و كان بعض

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 141

الحصن- على ما أشار المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة)- على الجبل ثم قال «لا أعرف للمسلمين اليوم بلدا أحصن و لا ثغرا أجل منها» فى تخوم المسلمين بوجه الروم.

و فى سنة 438 (1046) مرّ ناصر خسرو الحاج الفارسى بآمد و دوّن و صفا دقيقا للمدينة حسبما رآها بنفسه، فكان طول المدينة ألفي خطوة و عرضها مثل ذلك. و سورها من الحجارة السود يحيط بالتل المشرف عليه. و علو هذا السور عشرون ذراعا و ثخنه عشر أذرع و أكثر حجارته ملتصق بعضه ببعض من غير طين أو جص، اذ كل حجر منه على قول ناصر خسرو يزن ألف من (و يعادل ذلك نحو ثلاثة أطنان). و على بعد كل مئة ذراع من السور بني برج نصف دائري تنتهى قمته بشرفات من الحجارة السود أنفسها. و قد شيد فى عدة أماكن داخل السور مراق من الحجر يصعد بها الى أعلى السور. و كان فيه أربعة أبواب حديد تقابل الجهات الاصلية، يسمى الباب الشرقى باب دجلة، و الشمالى باب الارمن، و الغربى باب الروم، و الجنوبى باب التل.

و خارج هذا السور سور آخر من الحجر نفسه علوه عشر أذرع. و فى الفصيل بينهما ربض كالحلقة عرضه 15 ذراعا. و كان من فوق هذا السور شرفات و مرقاة للدفاع. و كان له أيضا أربعة أبواب حديد تناظر أبواب السور الداخل. و زاد ناصر خسرو على ذلك انه لم ير امنع من آمد.

و فى وسط المدينة عين يتفجر ماؤها من الحجر الاصم. و هذا الماء من الغزارة بحيث يكفى فى ادارة خمس أرحاء، و هو غاية فى العذوبة. و تسقى البساتين المجاورة من هذا الماء. و مسجدها الجامع جميل البناء و هو من الحجر الاسود كسائر المدينة. و قد أقيم فى وسطه أكثر من مئتى سارية من الحجر كل سارية قطعة واحدة. و يعلو هذه السوارى عقود من الحجر نصبت فوقها سوار أقصر من تلك. و جميع سقوف المسجد من الخشب المحفور و المنقوش و المدهون.

و فى صحن الجامع حوض مستدير من الحجر فى وسطه أنبوب من النحاس ينفر منه ماء صاف. فيبقى الماء فى الحوض على مستوى واحد فى كل الاوقات.

و بالقرب من الجامع كنيسة عظيمة مبني كلها من الحجر و قد فرشت أرضها

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 142

بالرخام. و جدرانها غنية بالزخارف. و رأى ناصر خسرو فيها بابا جميلا من الحديد المشبك يؤدى الى مذبحها لا نظير له.

و قد أيد المعلق المجهول على مخطوطة باريس من كتاب ابن حوقل ما ذكرناه عن روعة مدينة آمد و جلالها فى تعليقاته أيضا. فقد كان هذا المعلق فى آمد سنة 534 (1140) و ذكر ان أسواقها حسنة عامرة . و فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) أعاد ياقوت و القزوينى أكثر الوصف

المتقدم. فقال القزوينى فى آمد ان دجلة فى ايامه «... محيطة بها من جوانبها الا من جهة واحدة على شكل الهلال و انها كثيرة الاشجار و البساتين» و كتب المستوفى بعد ذلك بقرن فقال انها بلدة وسط و كان ما تؤديه لحكومة الايلخانيين ثلاثة آلاف دينار . و استولى تيمور عليها فى ختام هذا القرن .

و فى شمال آمد على مقربة من أحد السواعد الشرقية فى أعالى دجلة، مدينة حانى. ذكر ياقوت ان «فيها معدن الحديد و منها يجلب الى سائر البلاد». و ذكر المستوفى مدينة حانى أيضا. و على بعد قليل من غربها «اصل دجلة العراق فانها تخرج من تحت كهف الظلمات ماء أخضر» على حسب وصف المقدسى. و قال «أول مبداها- أى دجلة- لا تدير أكثر من رحى واحدة. أول ما يختلط بها نهر الذئب» و هو نهر الكلاب عند ياقوت على ما يظهر. و كان يخرج من الجبال قرب شمشاط شمالى حانى. و أول مخرج دجلة فيما قال ياقوت، على مسيرة يومين و نصف من آمد، من موضع يعرف بهلورس «و هو الموضع الذى استشهد فيه علي الارمنى». و تكلم أيضا على الكهف المظلم الذى يخرج منه ماؤه. و ذكر المقدسى و ياقوت اسماء سواق و رواضع و انهار كثيرة ليس من الهين التوفيق بين اسمائها التى سردها المقدسى و سردها ياقوت فى كلاميهما عليها. و لعل هذه الاسماء تبدلت تبدلا كبيرا فيما بين المئة الرابعة و المئة السابعة (العاشرة و الثالثة عشرة).

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 143

و على شى ء يسير اسفل من آمد، يشرّق نهر دجلة فيكون على هيئة زاوية قائمة ثم ينصب فيه من شماله نهر

يقال له نهر الرمس أو نهر الصلب. غير ان أعظم الانهار المنصبة فيه: النهر المنحدر من شمال ميافارقين، و يتفرع منه نهر يسقى هذه المدينة و هو نهر ساتيدما أو ساتيدماد و كان أحد فروعه يسمى وادى الزور الآخذ من انحاء الكلك. اما نهر ساتيدما، فأول مائه من درب الكلاب.

و انما سمى بذلك، على ما ذكر ياقوت، لأن الروم قتلهم انوشروان «قتل الكلاب» و قد وقعت هذه الحادثة قبيل مولد النبى محمد. و نهر ساتيدما هذا الذى ذكره ابن سرابيون هو ما سماه المقدسى بنهر المسوليات و هو المعروف اليوم باسم بطمان صو و أحد روافده على ما بينّا ينحدر من ميافارقين .

و الظاهر ان ميافارقين العربية تحريف لاسم ميفركت(Maypharkath) الارامى أو موفركن(Moufargin) الارمنى. و سماها اليونان مرتيروبولس(Martyropolis) . و قد ذكرها المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة) فقال «بلد طيب حصين له شرف و فصيل بحجارة و خندق بها ربض فيه الجامع». و لكن المقدسى لمح الى انها «قليلة البساتين». و زار ناصر خسرو ميافارقين فى سنة 438 (1046) و تكلم على المدينة قائلا ان عليها سورا عظيما من الحجر الابيض الذى يزن الحجر منه خمسمئة مّن (نحو طن و نصف طن). و بينما كانت آمد مبنية بالحجر الاسود، على ما قد بينّا، كانت مبانى ميافارقين كلها من الحجر الابيض. و كان سورها فى أيامه كأنه بني اليوم. و فى أعلاه شرفات. و على بعد كل خمسين ذراعا منه برج عظيم من الحجر الابيض نفسه. و لهذه المدينة باب من ناحية الغرب ركب فيه باب من حديد لا خشب فيه. و كان فيها على ما ذكر ناصر خسرو مسجد جامع حسن البناء و مسجد ثان

فى الربض ظاهر المدينة يقوم فى وسط الاسواق و يليه بساتين كثيرة. و زاد على ذلك ان فى ناحية الشمال، على شى ء يسير من ميافارقين، مدينة أخرى تسمى المحدثة، بها مسجدها الجامع و حماماتها و أسواقها. و على اربعة فراسخ من ميافارقين مدينة النصرية بناها مرداسد

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 144

أمير نصر الملقب بشبل الدولة .

و أسهب ياقوت و القزوينى فى حديثهما عما كان فى ميافارقين قديما من مختلف البيع و عن أبراجها الثلاثة و أبوابها الثمانية. و قال ياقوت ان اسمها عند الروم مدور صالا و معناه بالعربية مدينة الشهداء. و يرجع تاريخ هذه المبانى الى ايام الملك ثيودسيوس. و كان بها من بقايا هذه البيع حتى المئة السابعة (الثالثة عشرة) بيعة «من عهد المسيح». «و فى برج فى الركن الغربى القبلى فى أعلاه صليب منقور كبير يقال انه مقابل البيت المقدس. و على بيعة القيامة فى البيت المقدس صليب مثل هذا مقابله و يقال ان صانعهما واحد». و الى ذلك فقد «كان فى المحلة المعروفة بزقاق اليهود فى ميافارقين قرب كنيسة اليهود جرن من رخام اسود فيه منطقة زجاج من دم يوشع بن نون و هو شفاء من كل داء ... جي ء به من رومية الكبرى». و لما انتقلت ميافارقين فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) الى يد المغول كانت ما زالت موضعا ذا شأن. و قد أطرى المستوفى طيب هوائها و وفرة فاكهتها .

و ارزن، على شى ء يسير من ميافارقين، على الضفة الغربية لنهر أو واد يقال له سربط. و لأرزن حصن عظيم منيع. و قد زارها ناصر خسرو فى سنة 438 (1046) فقال انها مدينة عامرة فيها أسواق

حسنة و تحف بها بساتين يانعة كثيرة الماء. و ذكر ياقوت مدينة أرزن (و لا يخلط بينها و بين ارزن الروم أو ارضروم التى سنصفها فى الفصل الآتى) بقوله: «بلغنى ان الخراب ظاهر فيها الآن» غير ان المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة)- و قد كتبها بصورة ارزنه- تكلم عليها بما يستدل منه على انها ما زالت بلدا مزدهرا عامرا.

و على ضفة الفرات الجنوبية، بين مصبى النهرين الآتيين من شمال ميافارقين و ارزن، حصن يعرف بحصن كيفا. و سماه الروم كيفس(Kiphas) أو كيفي

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 145 ( Cephe )

. و وصف المقدسى حصن كيفا بانها «كثيرة الخير و بها قلعة حصينة و كنائس كثيرة». و تكلم المعلق المجهول على مخطوطة ابن حوقل الذى أشرنا اليه قبلا، و قد كتب تعليقاته فى المئة السادسة (الثانية عشرة) على قنطرة كانت «بين يديها على دجلة، استحدثها الامير فخر الدين قرا ارسلان فى سنة 510 (1116) و تحتها ربض عامر فيه الاسواق و الفنادق و المساكن الحسنة و بناؤهم بالحجر و الجص. و لها رساتيق كثيرة و ضياع عامرة و هى و خمة الهواء و بيئة لا سيما فى الصيف». و ذكر ياقوت حصن كيفا و قد زارها فقال: «بلدة و قلعة عظيمة مشرفة على دجلة و هى كانت ذات جانبين، و على دجلة قنطرة لم أر فى البلاد التى رأيتها أعظم منها» و هى طاق كبير فوقه طاقان صغيران، و على ما يظن انهما كانا يقومان على دعامة فى وسط النهر قسمت دجلة الى قسمين . و وصف المستوفى حصن كيفا بعد ذلك بقرن بانها مدينة عظيمة و لكن الخراب ظاهر فيها

و ان كانت آهلة بالناس حينذاك.

اما التل المعروف بتل فافان، ففى أسفله مدينة بهذا الاسم على ضفة دجلة الشمالية أى اليسرى، على نحو خمسين ميلا شرق حصن كيفا حيث ينعطف النهر انعطافا عظيما نحو الجنوب. و كان حول المدينة، على ما ذكر المقدسى، فى المئة الرابعة (العاشرة)، بساتين. و أسواقها عامرة و بناؤها و ان كان من طين الا ان اسواقها كانت مغطاة، و النهر الذى يلتقى بدجلة عند تل فافان ينحدر من بدليس (بتلس) و مخرجه فى جبال ارمينية جنوب غربى بحيرة و ان. و يقترن بهذا النهر رافد عظيم ينبع من جنوب البحيرة سماه المقدسى و ياقوت: وادى الرزم. و يصير دجلة اسفل اقترانهما فى مجرى واحد صالحا لسير السفن.

و على ضفاف نهر الرزم شمال تل فافان و فوق مصب نهر بدليس فيه، مدينة سعرت أو سعرد أو اسعرت. و كانت تعد فى الغالب من أعمال ارمينية. أشار اليها ياقوت غير مرة و لكنه لم يصفها. على ان المستوفى قال فى سعرت انها مدينة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 146

عظيمة مشهورة بآنيتها النحاس الفاخرة التى يصنعها الصفارون هناك، و باقداح الشرب التى تجلب منها. و كان بقرب اسعرت، على ما ذكر القزوينى، بليدة يقال لها حيزان «و بها الشاه بلوط و ليس الشاه بلوط فى شى ء من بلاد الجزيرة ... و العراق الا بها» .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 147

الفصل الثامن الفرات الأعلى

الفرات الشرقى أى ارسناس- ملاسكرد و موش- شمشاط و حصن زياد اى خربوط- الفرات الغربى- ارزن الروم أى قاليقلا- ارزنجان و كمخ- قلعة ابريق أى تفريك(Tephrike) - ملطية و طرندة- زبطرة و الحدث- حصن منصور و

بهسنا و قنطرة سنجة- تجارات الجزيرة و غلاتها- المسالك.

كانت المدن و الكور التى تحفّ بضفاف الفرات الاعلى، الشرقى و الغربى (فان لنهر الفرات منبعين) تعد بوجه عام تابعة لشمالى ما بين النهرين، بل كانت فى الغالب تضاف الى اقليم الجزيرة. و الفرات الشرقى هو أقصى الاثنين جنوبا، و يرى بعض البلدانيين انه منبع الفرات الأصلى و قد ذكره تاسيتس(Tacitus) و بلنى(Pliny) باسم نهر ارسنياس فلومن(Arsanias Flumen) و سمى ابن سرابيون هذا النهر فى المئة الرابعة (العاشرة) بنهر ارسناس.

و ذكره ياقوت أيضا بهذا الاسم حتى لكأنه ظل مستعملا حتى المئة السابعة (الثالثة عشرة) و قال انه «يوصف ببرودة مائه». و يعرف هذا النهر اليوم عند الترك باسم مراد صو و سمى بذلك، على ما يقال، اكراما للسلطان مراد الرابع الذى استولى على بغداد فى سنة 1048 (1638).

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 148

و مخرج نهر ارسناس فى بلاد طرون، و يكتب الارمن هذا الاسم بصورة درون(Daron) و عرفها الروم باسم ترونيتس(Taronites) و فيها الجبال التى الى شمال بحيرة و ان. و أول موضع ذى شأن على نهر ارسناس: مدينة ملازكرد، و تعرف أيضا حسب لغات هذه الانحاء باسم منازجرد و منزكرت و ملاسكرد . و وصف المقدسى ملازكرد فى المئة الرابعة (العاشرة) بانها «حصينة، الجامع على حافة السوق، كثيرة البساتين». و فى منزكرت، على ما سماها به الروم، وقعت سنة 463 (1071) وقعة فاصلة بين الروم و المسلمين، أسر فيها السلاجقة الملك رومانس الرابع (ديوجينس)، و أدت هذه الوقعة الى فتحهم آسية الصغرى و قرارهم فيها. و أشار ياقوت غير مرة الى منازجرد أو منازكرد. و أطرى المستوفى، و قد كتب اسمها بصورة

ملازجرد، حصنها المنيع و هواءها الطيب و أرضها الخصبة. و كانت مدينة موش فى جنوب ارسناس فى السهل العظيم غرب بحيرة و ان، و تحسب فى الغالب من أعمال ارمينية. و قد ذكرها ياقوت و وصفها المستوفى فقال: فيها مراع غنية تسقيها انهار تجرى شمال الفرات الشرقى و جنوب دجلة، و كانت المدينة فى أيامه خرابا .

و يصب فى يمين نهر ارسناس رافدان ينحدران من الشمال من بلاد قاليقلا.

و هذان الرافدان مهمان لأنهما يمكّناننا من تعيين الموضع التقريبى لشمشاط و هى مدينة ذات شأن قد اختفت من الخارطة. و كثيرا ما يلتبس أمرها بسميساط التى على الفرات و قد مرّ ذكرها (ص 140) و روى ابن سرابيون ان الرافد الاول كان نهر الذئب و مخرجه فى قاليقلا و يصب فى ارسناس فوق مدينة شمشاط بشى ء يسير.

و الثانى نهر يقال له السلقط. مخرجه من جبل مرور (أو مزور) و يصب فى ارسناس اسفل مدينة شمشاط بميل. و اذا رجعنا الى الخارطة رأينا ان هذين النهرين يعرف أحدهما الآن باسم كونك صو(Gunek Su) و الثانى پري چاي

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 149 ( Peri Chay )

و بلاد قاليقلا هى منطقة الجبال، ما بين ارسناس و الفرات الغربى، و الى غربها بلاد طرون.

و كانت شمشاط (شمشاط) اجل مدينة على ارسناس و هو النهر الذي سماه ابن سرابيون نهر شمشاط أيضا. و يبدو ان المدينة كانت على الضفة الجنوبية أى اليسرى للنهر. و لا ريب ان شمشاط هى ارسموساطا(Arsamosata) عند الروم.

و ذكر ياقوت- و قد نبّه بوجه خاص الى انها غير سميساط- ان شمشاط بين بالوية (پالو الحديثة) و حصن زياد (خربوط الحديثة) و كانت

شمشاط فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) حين كتب ياقوت، قد خربت. و ما افادنا به ابن سرابيون و ياقوت مكننا من حصر موضعها فى أضيق نطاق. و كان حصن زياد، و قد ذكر ابن خرداذبه انه على بعد غير كبير من شمشاط، الاسم العربى لخرتبرت المدينة الارمنية على رأى ياقوت، و تعرف اليوم باسم خربوط. و أورد المستوفى هذا الاسم بصورة خربرت و لم يزد على ذلك. و اشارته لا تعدو كونها مدينة كبيرة طيبة الهواء. و ذكر البلاذرى و غيره من المصنفين الاوائل ان فى هذه الارض جسر يغرا فوق نهر لعله من روافد ارسناس، و هو من شمشاط على نحو من عشرة أميال. على ان موضع الجسر الحقيقى غير معروف. ثم ان ارسناس، أى الفرات الشرقى، يختلط بالفرات الغربى على نحو مئة ميل غرب شمشاط .

و كان الفرات الغربى يعدّ بوجه عام اصل هذا النهر العظيم، و يعرف الآن عند الترك باسم قره صو «الماء الاسود» و هو نفسه نهر الفرات عند ابن سرابيون.

ذكر ابن سرابيون ان أوله من جبل يقال له جبل أقردخس (و الظاهر ان هذا الاسم كتبه المسعودى بصورة افردخس كما وردت صور أخرى له) فى بلاد قاليقلا شمال ارزروم. و ارزروم مدينة جليلة سمّاها العرب ارزن الروم أو ارض الروم و قد عرفها الارمن باسم كرن Karin و الروم باسم ثيود سيوبوليس(Theodosiopolis) و هى المدينة الاسلامية فى بلاد قاليقلا و أكبر مدنها.

و الظاهر ان اصل اسم قاليقلا، و هو ما أكثر البلدانيون العرب القدماء من ذكره،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 150

غير معروف. الا انهم يجمعون على انها كانت البلاد التى يخرج منها الفرات الغربى و نهر الرس(Araxes)

و روافد ارسناس. و لم يأت البلدانيون العرب الأول بشى ء من التفصيل عن مدينة ارزروم ما عدا قولهم انها كانت مدينة عظيمة. و قال المستوفى ان فيها كثيرا من البيع الحسنة، كان لاحداها بوجه خاص قبة قطر دائرتها خمسون ذراعا، و كان بازاء هذه الكنيسة جامع شيّد على غرار الكعبة فى مكة. و وصفها ابن بطوطة، و كان فى ارز الروم (حسبما كتب الاسم)، فى سنة 733 (1333) بأنها «مدينة كبيرة الساحة من بلاد ملك العراق، خرب أكثرها، و فى أكثر دورها بساتين و يسقيها ثلاثة انهار». و على ثمانية فراسخ شرق ارزن الروم: أونيك و هى قلعة عظيمة فوق قمة جبل بالقرب من أحد منابع نهر الرس. و قال المستوفى ان المدينة التى فى لحفه كانت تسمى ابسخور (أو ابشخور) و كانت من أعمال ارزن الروم. و زاد ياقوت على ذلك ان كورتها كانت تسمى باسين. و فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة) استولى تيمور على اونيك بعد حصار مديد، و قد كثر ذكرها فى أخبار حروبه.

و على نحو مئتى ميل غرب ارزن الروم، فى ضفة الفرات اليمنى، أى الشمالية، مدينة ارزنجان. قال ياقوت انها غالبا ما تسمى ارزنكان. و تكلم عليها قائلا «هى بلدة طيبة مشهورة نزهة كثيرة الخيرات و غالب أهلها أرمن، و شرب الخمر بها ظاهر و فيها مسلمون». و زاد المستوفى عليه ان السلطان علاء الدين كيقباد السلجوقى قد جدد عمارة أسوارها فى ختام المئة السابعة (الثالثة عشرة) فبناها من حجارة مهندمة متلاحمة. و ارزنجان ذات هواء طيب و يكثر فيها القمح و القطن و العنب. و أشار ابن بطوطة، و قد مرّ بها فى سنة 733 (1333)، الى ان

«أكثر سكانها الارمن و المسلمون يتكلمون بها بالتركية، و فيها معادن النحاس و يصنعون منه الاوانى و غيرها. و لها أسواق حسنة الترتيب و يصنع بها ثياب حسان تنسب اليها». و ذكر ياقوت بابرت فى شمال ارزنجان و قال انها مدينة حسنة أكثر أهلها أرمن. و قد زاد المستوفى عليه ان شأنها ضؤل فى أيامه. و قلعة كمخ

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 151

(كمخ) على الفرات الغربى على مسيرة يوم أسفل من ارزنجان فى يسار النهر أى فى ضفته الجنوبية. و قد أكثر ذكرها ابن سرابيون و غيره من البلدانيين العرب الاقدمين. و هى كمخا(Kamcha) عند الروم. و قال المستوفى انها قلعة عظيمة فى اسفلها مدينة على ضفة النهر، و كان من أعمالها كثير من القرى الخصبة .

و على ستين ميلا أو أكثر غرب كمخ يزوّر الفرات جنوبا بعد ان كانت وجهة مجراه من ارزروم نحو الغرب، و يصب فى ضفته اليمنى هنا نهر سماه ابن سرابيون نهر ابريق نسبة الى قلعة ابريق القائمة فى أعاليه. و هذا هو النهر المعروف الآن بنهر جلته ايرمق الآتى من دوريك أى ديوريكى. و جاء الاسم فى المستوفى و ابن بيبى بصورة دفريكى. و قد كتبه الروم بصورة تفريك(Tephrike) (و ذكر الاسم أيضا فى المخطوطات اليونانية بصورة افريك(Aphrike) و قد اختصر البلدانيون العرب القدماء هذا الاسم فجعلوه بصورة ابريق. و اشتهر هذا الموضع فى ختام المئة الثالثة (التاسعة) بكونه معقلا عظيما للبيالقة(Paulicians) و هم فرقة غريبة من فرق نصارى الشرق و مذهبهم بين النصرانية و المجوسية، فاضطهدهم بسبب ذلك ملوك القسطنطينية الارثودكس اضطهادا شديدا. و كانوا على المذهب الذى أحدثه بولس الشمشاطى. و عرفهم العرب

بالبيالقة. و قد استولى البيالقة على تفريك و حصنوها. و كان الخلفاء يؤازرونهم و يعينونهم فتمكنوا من رد جنود القسطنطينية بضع سنين. و ذكر قدامة و المسعودى و هما من زمن واحد تقريبا، ان «البيلقانى صاحب مدينة ابريق». و انتهى الينا من علي الهروي (و قد نقل منه ياقوت) و هو من كتبة المئة السابعة (الثالثة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 152

عشرة) حديث غريب عن كهف عظيم و كنيسة قرب الابروق (بحسب تسمية ياقوت) فيه جثث جماعة من الشهداء، و هم على زعمه اصحاب الكهف السبعة فى افسوس.

و على شى ء يسير من جنوب جلته ايرمق و ديوريك، يلتقى نهر صاري جيجك هو و الفرات، و عليه قلعة عرب گير. و الظاهر ان هذا الموضع لم يشر اليه أحد من البلدانيين العرب القدماء، و ان كان ابن بيبى قد ذكره غير مرة فى تاريخه عن السلاجقة فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة). و يرى الاسم أيضا فى التواريخ البزنطية بصورة(Arabraces) . و على كل حال فان عرب گير لا تمثل ابريق و تفريك كما توهم فى ذلك بعضهم. و الظاهر ان اقدم ذكر لاسم عرب گير أو عرب كير عند بلدانى مسلم، فى جهان نما التركية للحاج خليفة، فى مطلع المئة الحادية عشرة (السابعة عشرة). و قد ذكر أيضا ديوريكى (على ما تسمى المدينة اليوم). و مما يؤسف عليه انه لم ينته الينا وصف ما عن حصن البيالقة القديم .

و ملطية، و قد سماها الروم مليتين(Melitene) كانت فى الازمنة الخالية من اجل الثغور الاسلامية امام الروم. روى البلاذرى انه كان لها مسلحة تحمى الجسر الذى على ثلاثة أميال منها، و هناك يقطع الطريق العام

نهر القباقب بالقرب من ملتقاه بالفرات. و القباقب هو النهر المعروف عند الروم باسم ملاس(Melas) و يسميه الترك اليوم طوخمه صو. و منبعه فى غرب ملطية بعيدا عنها فى الجبل الذى منه يخرج نهر جيحان. و هو نهر بيرامس(Pyramus) القديم و ينحدر نحو الجنوب الغربى (على ما سنبينه فى الفصل الآتى) الى البحر المتوسط فى خليج اسكندرونة. و نهر القباقب أهم روافد أعالى الفرات بعد ارسناس. و لنهر القباقب نفسه روافد كثيرة ذكر ابن سرابيون اسماءها. و قد أمر الخليفة المنصور فى سنة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 153

139 (756) بتجديد بناء ملطية و بناء مسجد حسن فيها و بنى لها مسلحة اسكنها اربعة آلاف مقاتل. و وصفها الاصطخرى فى المئة الرابعة (العاشرة) بقوله:

«مدينة كبيرة و تحّف بها جبال كثيرة بها مباح الجوز و اللوز و الكروم و سائر الثمار الشتوية و الصيفية». و قد تعاورتها غير مرة ايدى الروم و المسلمين.

و عدّها ياقوت فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) من بلاد الروم. و تكلم المستوفى بعده بقرن على ملطية فقال انها مدينة حسنة ذات حصن منيع. و كانت مراعيها مشهورة و يكثر فيها القمح و القطن و الفواكه. و كان على قلة جبل قرب ملطية دير يسمى دير برصوما، وصفه القزوينى فقال انه دير معتبر عند النصارى و فيه كثير من الرهبان.

و حصن طرنده، درنده الحديثة- و جاء فى جهان نما بهذه الصورة- فى أعالى نهر القباقب على مسيرة ثلاث مراحل فوق ملطية. و كانت فيه مسلحة اسلامية لحماية الدرب منذ سنة 83 (702) و لكن المسلمين تخلوا عن هذا الحصن فى سنة 100 (719) بأمر الخليفة عمر الثانى (عمر بن عبد

العزيز) و ذكرت التواريخ البزنطية هذا الموضع غير مرة باسم ترنته(Taranta) و قد كان فى المئة الثالثة (التاسعة) من أقوى حصون البيالقة .

و لنهر قباقب رافد كبير هو نهر قراقيس و يصب فيه من جنوبه. و فى أعالي قراقيس حصن زبطرة العظيم و يقال له عند الروم سوزبطرة(Sozopetra) أو زبطرة(Zapetra) و لعل أطلاله هى ويران شهر على بضعة فراسخ جنوب ملطية على نهر سلطان صو و هو الاسم الحديث لقراقيس. و تكلم البلاذرى و الاصطخرى على زبطرة فذكرا انها حصن عظيم «من أقرب الثغور الى بلد الروم» خربه الروم غير مرة ثم بناه الخليفة المنصور و بعده المأمون. و قد جمع

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 154

ياقوت و غيره من الثقات بين اسمي زبطرة و قلعة الحدث التى سنذكرها قريبا.

و اشتهرت زبطرة أو سوزبطرة فى التواريخ العربية و البزنطية باستيلاء الملك ثيوفيلس(Theophilus) عليها و استعادة الخليفة المعتصم لها فى حملته على عمورية، على ما سيأتى ذكره فى الفصل القادم. و ظلت زبطرة وقتا طويلا موضعا ذا شأن. الا ان ابا الفداء حين زارها فى سنة 715 (1315) قال «ان زبطرة اليوم خراب خالية من الزرع و السكان و لم يبق منها غير رسم سورها و ليس بالكثير». حتى ان ابا الفداء اصطاد «من ارض زبطرة بين شجر البلوط صيودا كثيرا و هى أرانب كبار الى الغاية لا يوجد فى الشام أرانب تقاربهن فى القدر».

و قال «هى فى الجنوب من ملطية على نحو مرحلتين و هى فى جهة الغرب عن حصن منصور» الذى سنصفه فيما يأتى .

و قلعة الحدث و هى اداتا(Adata) عند الروم، قد استولى عليها المسلمون فى أيام الخليفة عمر و

لها ذكر كثير فى الاخبار. و معنى «الحدث» فى العربية «الخبر» و لا سيما «الخبر المحزن». و قال البلاذرى ان الدرب، و كان يقال له درب الحدث، قد سمي بدرب السلامة بعد استيلاء المسلمين على هذا الحصن.

و على كان فان اسم درب السلامة على ما سنبينه فى الفصل الآتى يطلق فى الغالب على طريق القسطنطينية الذى يجتاز الابواب القليقية. و كان فى الحدث جامع.

و قد جدد الخليفة المهدى عمارة الحدث فى سنة 162 (779) ثم أعاد هرون الرشيد عمارتها و اسكنها الفي مقاتل من جنده. و نوه الاصطخرى بكثرة خيراتها.

و روى ان الروم و المسلمين قد تناوبوا الاستيلاء عليها غير مرة. و على ما ذكر ياقوت و غيره كان يقال للحدث: الحمراء، لاحمرار تربتها و قلعتها على جبل يقال له الأحيدب. و فى سنة 343 (954) بعد ان تعاورتها أيدى المسلمين و الروم، استعادها سيف الدولة الحمدانى نهائيا فجدد عمارتها، ثم انتقلت الى يد مسعود بن قلج ارسلان السلجوقى فى سنة 545 (1150).

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 155

و كان النهر الذى تقوم الحدث بالقرب منه يسمى جوريث أو حوريث، و هو النهر الذى جعله ابن سرابيون و هما رافدا من روافد القباقب (نهر ملطية).

و لكن ياقوتا الحموى و قد كتب اسمه بصورة حوريث اصاب فى قوله انه «يصب فى نهر جيحان» و هو بيرامس. و أفاد ابن سرابيون ان اول نهر الحدث عين يقال لها عين زنيثا، يصب الى بحيرات و يمر بالقرب من مدينة الحدث. و قال أيضا «انه يصب الى حوريث نهر يقال له نهر العرجان أوله من جبل الرمش و من العرجان قناة الحدث و اليه تصب». و

نكمل هذا الكلام بقول ابى الفداء: «بين الحدث و بين مخابط العلوى على نهر جيحان اثنا عشر ميلا». و لسنا على يقين من موضع الحدث و لعلها كانت تحمى الدرب من مرعش (جرمانيقية(Jermanicia الى البستان (عربسوس(Arabissus و هى على ضفاف آق صو الحالى قرب انكلى. و آق صو أحد منابع جيحان

و كان كل من حصن منصور و قلعة بهسنا (و هى ما زالت) على نهر له.

و هذان النهران من الروافد اليمنى للفرات و يصبان فيه أسفل سميساط. و يقال لحصن منصور اليوم فى الغالب أديمان و كان يسميه الروم برها(Perrhe) و قد نسب هذا الحصن الى بانيه منصور القيسى و كان تولى بناء عمارته و مرمته. و هو من قادة الجند فى خلافة مروان الثانى آخر خلفاء بنى أمية و قد قتل فى سنة 141 (758). ثم ان هرون الرشيد بنى حصن منصور و أحكمه و شحنه بالرجال فى أيام ابيه المهدى. و قال فيه ابن حوقل انه «مدينة صغيرة حصينة فيها منبر و لها رستاق و قرى برسمها اعذاء» . و ذكر ابن حوقل انه قد اصاب هذه المدينة ما أصاب غيرها من الثغور من نهب و تخريب لتعاور ايدى الروم و المسلمين لها.

و زاد ياقوت على ذلك ان حصن منصور كان «مدينة عليها سور و خندق و ثلاثة أبواب و فى وسطها حصن و قلعة عليها سوران». و ذكر ابو الفداء فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) حصن منصور فقال «هو الآن خراب و لكن به مزدرع».

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 156

و ينحدر النهر الازرق الى شمال غربى حصن منصور و هذا الحصن «فى مستو من الارض» فوق الفرات

و الفرات يحاذي حده الجنوبى. اما قلعة بهسنا، و جاء ذكرها فى أخبار الحرب الصليبية باسم بهسدن(Behesdin) ، فهى فى غرب حصن منصور و رستاقها هو رستاق كيسوم. و كانت بهسنا على سن جبل عال. و بالبلدة التى تحتها، مسجد جامع و لها أسواق عامرة و ما حولها ارض واسعة الخير و الخصب. و تكلم ياقوت عليها فقال انها قلعة حصينة عجيبة. و على نهر سنجة القريب منها، و هو ما اسماه الروم سنكزSingas كانت سنجة و هى مدينة صغيرة بقربها قنطرة مشهورة على هذا النهر متخذة بحجر مهندم و هى طاق واحد «ليس أعجب و لا أعظم منها و يضرب بها المثل، هى احدى عجائب الدنيا» على قول ابن حوقل. و قد تكلم ياقوت على نهري سنجة و كيسوم و قال انهما من روافد الفرات، و أورد وصفا لهذه القنطرة العظيمة جاء فيه انها «طاق واحد من الشط الى الشط و الطاق يشتمل على مئتى خطوة و هو متخذ من حجر مهندم طول الحجر عشر أذرع فى ارتفاع خمس أذرع» و لم يذكر ثخنها.

و قال أيضا انه استعين فى بنائها بطلسم .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 157

و فى اقليم الجزيرة أى اقليم ما بين النهرين الاعلى، تجارات سرد المقدسى صنوفها و أكثرها من حاصلات ارضه. فقال: ترتفع من الموصل- و هى قاعدة الجزيرة- الحبوب و العسل و الفحم و الجبن و الشحوم و السماق و حب الرمان و المنّ و النمكسود و الطرّيخ الفائق و كذلك الحديد. و من المصنوعات السكاكين و النشاب و السلاسل و الاسطال. و من سنجار اللوز و حب الرمان و السماق و القصب. و من

نصيبين الشاه بلوط. و من الرقة الزيت و الصابون و الاقلام.

و من الرحبة السفرجل الفائق الرائق. و من حران عسل النحل فى ادنن و القبيط . و من جزيرة ابن عمر الجوز و اللوز و السمن و الخيل الجياد و تربى فى مراعيها. و من الحسنية، و هى على الخابور الاصغر (فى ضفة دجلة الشرقية)، الجبن و القبج و فراخ الدجاج و الفواكه المقددة. و من معلثايا المجاورة لها الفحم و الاعناب و الفواكه الرطبة و النمكسود و بزر القنب و نسيج القنب.

و من آمد فى ديار بكر ثياب الصوف و الكتان .

اما مسالك الجزيرة فانها تكملة وصلة لمسالك العراق. فطريق البريد من بغداد الى الموصل يصعد فى شرقى دجلة نحو اقليم الجزيرة فيدخله عند تكريت و يظل فى يسار النهر فيصل الى جبلتا رأسا ثم ينتهى الى الموصل عن طريق السن و الحديثة. و قد جاء وصف هذا الطريق فى مصنفات العرب القدماء و فى المستوفى .

و من الموصل يعبر طريق البريد الى يمين دجلة أى الى الجانب الغربى فيتجه صاعدا الى بلد، و عندها ينقسم الى طريقين ينتهى ايسرهما الى قرقيسياء على الفرات مارا بسنجار و يتجه الايمن صوب كفرتوثا مارا بنصيبين و هناك ينقسم أيضا الى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 158

طريقين ينتهى الايمن الى آمد و الايسر الى الرقة على الفرات مارا برأس العين.

و قد جاء وصف هذا الطريق اعني من الموصل الى آمد فى ابن خرداذبه و قدامة، و وصفه المقدسى أيضا مع ذكر المراحل. و ورد فى هذه المصنفات نفسها ذكر الطرق التى تخرج منه الى الفرات. و سرد المقدسى كذلك مراحل الطريق من الموصل الى

جزيرة ابن عمر مارا بالحسنية. و ذكر الطريق من آمد الى بدليس قرب بحيرة و ان مارا بأرزن .

اما طريق البريد الصاعد بحذاء ضفة الفرات اليمنى، أى الغربية، فانه يبدأ من آلوسة مارا بعانة الى الفرضة على النهر. و عندها ينقسم الى طريقين:

احدهما يحاذي الفرات صاعدا الى فاش بازاء قرقيسياء ثم يظل فى الجانب الغربى من النهر حتى الرقة. و الطريق الايسر البادئ من الفرضة كان يتجه الى الرقة فيقطع البادية و يمر بالرصافة فكان بذلك يجانب تعاريج الفرات. و كانت الرصافة محطة ذات شأن اذ يخرج منها طريقان الى الغرب يقطعان بادية الشام احدهما الى دمشق فحمص(Emessa) . و كان ينتهى الى قرقيسياء و الرقة، على ما قد بينّا، طرق: واحد يأتى من الموصل مارا بسنجار، و آخر من نصيبين مارا برأس العين و باجروان و ثالث من الرقة مارا بباجروان و حران و الرها (اذسّا) الى آمد.

و أخيرا كان يخرج طريق من الرقة فيمر بسروج و ينتهى الى سميساط مجانبا فى سيره ازورار الفرات العظيم. و ورد فى كتب المسالك ذكر المسافات من سميساط الى حصن منصور و ملطية و كمخ و غيرها من الثغور. على ان ما يؤسف عليه ان هذه المسافات لم تذكر بتدقيق يساعدنا على تعيين مكاني الحدث و زبطرة، اذ ما زال ذلك موضع النظر، مع ان المقدسى أورد بعض الفوائد حتى المتعلقة منها بهذه الثغور البعيدة .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 159

الفصل التاسع بلاد الرّوم أى آسية الصغرى

بلاد الروم- الثغور من ملطية الى طرسوس- الدربان الكبيران فى جبال طوروس- طريق القسطنطينية المار بالأبواب القليقية- طرابزون- حصارات القسطنطينية الثلاثة- غزوات المسلمين فى آسية الصغرى- نهب عمورية بأمر المعتصم- فتح السلاجقة

آسية الصغرى- مملكة ارمينية الصغرى- الصليبيون- اجل مدن السلاجقة فى بلاد الروم.

كان المسلمون يسمون أقاليم الدولة البزنطية فى جملتها: بلاد الروم. و لفظ الرومى أى الرومانى فى العصور الاسلامية الاولى كانت ترادف عندهم «النصرانى» سواء أكان من اليونان أم اللاتين. و كانوا يعرفون البحر المتوسط باسم بحر الروم أيضا ثم اختصر اسم «بلاد الروم» الى «الروم» فقط. و صارت لفظة «الروم» بمرور الايام اسما لاقرب الاقاليم النصرانية من بلاد الاسلام. و من ثمة صار «الروم» اسما لآسية الصغرى عند العرب و هى البلاد العظيمة التى انتقلت نهائيا فى ختام المئة الخامسة (الحادية عشرة) الى ايدى المسلمين باستيلاء السلاجقة عليها.

و لقلة ما بأيدينا من مراجع عن ذلك الزمن لم يتوفر لدنيا- يا أسفا-

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 160

من وثيق الأخبار ما يعتدّ به عن تاريخ آسية الصغرى و جغرافيتها التاريخية فى القرون الوسطى، سواء فى عهدها النصرانى أم فى أيام المسلمين . و لا غرابة فى قلة ما عرفه البلدانيون العرب القدماء عن هذه البلاد: فقد كانت فى أيامهم اقليما من أقاليم دولة الروم، و بعد انتقال هذا الاقليم الى سلطان السلاجقة الترك لم يعن- يا للأسف- مصنفونا المسلمون بهذا الاقليم الاسلامى البعيد، فلم ينته الينا وصف دقيق له يشبه ما خلفوه عن غيره من الاقاليم. و أول وصف كامل لآسية الصغرى الاسلامية، كتبه الحاج خليفة، غير ان هذا لا يرقى الا الى مطلع المئة الحادية عشرة (السابعة عشرة) أى بعد أن مضى نحو مئتى سنة على دخول هذا الاقليم فى جملة أجزاء الدولة العثمانية .

كانت الحدود بين بلاد المسلمين و الروم فى أيام بنى أمية و بنى العباس بل حتى قبل

ان يقضى المغول القضاء المبرم على العباسيين بما ينيف على قرن و نصف قرن، تتألف من سلسلتى جبال طوروس و طوروس الداخلة (انتي طوروس)Anti Taurus . و كان يعين هذه الحدود و يحميها خطّ طويل من القلاع (تعرف بالعربية بالثغور) يمتد من ملطية على الفرات الاعلى الى طرسوس بالقرب من ساحل البحر المتوسط. و كان الروم يحتلون هذه القلاع تارة و المسلمون تارة أخرى. فكان الفريقان فيها بين كرّ و فرّ. و ينقسم خط القلاع هذا عادة الى مجموعتين: احداهما تحمى الجزيرة (و تسمى ثغور الجزيرة) و هى الشمالية الشرقية، و الثانية تحمى الشام (و تسمى ثغور الشام) و هى الجنوبية الغربية.

و كان من ثغور الجزيرة: ملطية و زبطرة و حصن منصور و بهسنا و الحدث، و قد مرّ

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 161

وصفها فى الفصل السابق. ثم مرعش و الهارونية و الكنيسة و عين زربى. و من الثغور التى تحمى الشام، و كانت بالقرب من الساحل الشمالى لخليج اسكندرية (اسكندرونة): المصيّصة و أذنة و طرطوس.

اما مرعش، و سماها الروم مراسيون(Marasion) فيقال انها قامت فى موضع جرمانيقية. و قد جدد بناءها الخليفة معاوية فى المئة الاولى (السابعة). و فى عهد أواخر خلفاء بنى أمية حصنها المسلمون و انتقلوا اليها و بنوا لهم فيها مسجدا جامعا. ثم حصّنها هرون الرشيد. و كان لها سوران و خندق و فى وسطها حصن عليه سور يعرف بالمروانى، على ما جاء فى ياقوت. و انما سمي بذلك نسبة الى بانيه مروان الثانى آخر خلفاء بنى أمية. و فى سنة 490 (1097) استولى الصليبيون على مرعش بقيادة غودفرى دى بويون(Godfrey de Bouillon) ثم صارت مدينة ذات شأن

من مدن مملكة ارمينية الصغرى (و سيأتى الكلام عليها). و لبثت أغلب الوقت فى ايدى النصارى حتى سقوط هذه المملكة. و ما زال ثغر عين زربى، و عرفه الصليبيون باسم انازربس(Anazarbus) ، قائما. و قد كان هرون الرشيد جدده و أحكم تحصينه فى سنة 180 (796). و وصف الاصطخرى عين زربى بقوله انها «بلد يشبه مدن الغور. بها نخيل و هى خصبة واسعة الثمار و الزروع و المراعى». و كان لها سور مكين، كثيرة الخيرات جليلة الشأن فى المئة الرابعة (العاشرة). و فى نحو منتصف هذه المئة انفق سيف الدولة الحمدانى على ما يقال ثلاثة آلاف ألف درهم (نحو 120000 باون) حتى أعاد عمارتها. ثم استولى الروم عليها غير مرة، و فى ختام المئة التالية استولى الصليبيون عليها و خرّبوها.

ثم صارت جزءا من دولة ملك ارمينية الصغرى. و وصف أبو الفداء هذه المدينة بقوله: بلد فى جبل ذات قلعة مستعلية عنها». و هى على مسيرة يوم جنوب سيس. و زاد ابو الفداء على ذلك ان فى جنوبها نهر جيحان. و فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) «غيّر الناس اسمها و سموها ناورزا».

و موضعا الهارونية و الكنيسة، لا يعرفان على وجه الصحة، الا انهما تقعان فى الجبال بين مرعش و عين زربى. و الهارونية، و هى على مرحلة غرب مرعش، و حصونها نسبت الى هرون الرشيد، بناها سنة 183 (799). و كان هذا الثغر غربى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 162

جبل اللكام فى بعض شعابه. و جبل اللكام اسم اطلقه البلدانيون المسلمون على سلسلة جبال انتي طوروس. و الظاهر ان ابن حوقل زار الهارونية فقد قال فيها انها «فى غاية العمارة» و قلعتها حصينة

و قد خربها الروم «ففى سنة 348 (959) سبوا من أهلها الفا و خمسمئة مسلم ما بين امرأة و رجل و صبى» على ما ذكر ياقوت. ثم ان سيف الدولة الحمدانى جدد عمارة الهارونية، و استعادها النصارى ثانية، و ظلت بعد ذلك فى يد ملك ارمينية الصغرى. اما الكنيسة، و يقال لها الكنيسة السوداء، فهى حصن منيع قديم. بناها الروم بحجارة سود على ما قال البلاذرى. و زاد على ذلك ان هرون الرشيد «أمر ببنائها و اعادتها الى ما كانت عليه و تحصينها، و ندب اليها المقاتلة». فيها منبر و الظاهر انها كانت الى جنوب جيحان. فذكر الاصطخرى انها «ثغر فى معزل من شط البحر». و قال ابو الفداء: «كان بينها و بين الهارونية اثنا عشر ميلا». و كانت فى أيامه من جملة بلاد ارمينية الصغرى، حالها حال الهارونية.

و أما الثغر الآخر فى هذه الجهات، فهو المعروف عند العرب بالمثقّب، و سمي بذلك على ما جاء فى ياقوت «لانه فى جبال كلها مثقبة. فيه كوى كبار».

و الظاهر ان موضعها الحقيقى غير معروف الا انها لا تبعد كثيرا عن الكنيسة فانها كانت عند لحف جبل اللكام على ساحل البحر قرب المصيصة. و أول من بنى حصن المثقّب هشام الخليفة الاموي. و قال ياقوت ان الذى استحدثه عمر الثانى «عمر بن عبد العزيز» و كان فيه على ما ذكر ابن حوقل مصحفه بخطه (أى بخط عمر بن عبد العزيز) أتقى خلفاء بنى أمية و أكثرهم ورعا. و روى البلاذرى الى ذلك انه لما ورد المهندسون لبنائها، حفروا أولا الخندق فى حصن المثقب فوجد فى خندقه حين حفر، عظم ساق مفرط الطول فبعث به الى هشام لطرافته .

اما

المدن الثلاث: المصيصة(Mopsuestia) و اذنة و طرطوس، و كلها من بناء الروم، فما زالت قائمة. فالمصيصة على نهر جيحان (نهر بيرامس) فتحها عبد اللّه بن

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 163

الخليفة عبد الملك الاموي فى المئة الاولى (السابعة) و بنى حصنها على أساسه القديم و وضع بها سكانا من الجند من أرباب البأس و النخوة. و بنى فيها مسجدا فوق تل الحصن. و كان فى الحصن كنيسة جعلت هريا. و بعد وقت قصير نشأ فى الجانب الآخر من جيحان ربض أو مدينة ثانية سميت كفربيا، بنى فيها الخليفة عمر الثانى مسجدا جامعا اتخذ فيه صهريجا. ثم ان مروان الثانى آخر خلفاء بنى أمية أنشأ ربضا ثالثا فى شرقى جيحان يقال له الخصوص. و بنى عليه حائطا و أقام عليه باب خشب و خندق خندقا. و فى زمن الخلفاء العباسيين، بنى المنصور فى المصيصة مسجدا جامعا فى موضع هيكل قديم كان بها و جعله مثل مسجد عمر (الثانى) ثلاث مرات.

و استحدث هرون الرشيد كفربيا. و زاد المأمون فى مسجدها. و كان بين كفربيا و المصيصة قنطرة على نهر جيحان. ثم لما استخلف المنصور و دخلت سنة 139 (756) أمر بعمارة مدينة المصيصة و كان حائطها متشعثا من الزلازل و سماها المعمورة. و بعد ذلك انتقلت المصيصة كسائر البلدان المجاورة لها الى ايدى ملوك ارمينية الصغرى.

و مدينة اذنة، و هى قرب المصيصة، تقع على نهر سيحان (نهر سارس(Sarus و كان فى الطريق على شى ء يسير من المصيصة قنطرة ترقى الى أيام يسطنيانس(Justinian) رمّت فى سنة 125 (743) و سميت بجسر الوليد نسبة الى الوليد الخليفة الاموى. ثم رمم المعتصم الخليفة العباسى هذا الجسر ثانية

فى سنة 225 (840). و أعاد المنصور بناء قسم من اذنة فى سنة 141 (758). وصفها الاصطخرى بقوله انها مدينة خصبة عامرة فى غربى نهر سيحان حصينة و كان حصنها فى ضفة النهر الشرقية بينه و بين المدينة «قنطرة معقودة عليه على طاق واحد»، على ما جاء فى ياقوت. و لأذنة ثمانية أبواب و سور يليه خندق.

و اطلق المسلمون على نهرى سارس و بيرامس اسم نهر سيحان و نهر جيحان.

و كانا فى صدر الاسلام حدا مائيا بين بلاد المسلمين و بلاد الروم. و قد سمى البلدانيون العرب نهرى بيرامس و سارس باسم جيحان و سيحان، على غرار تسميتهم نهري أوكسس(Oxus) و جكسارتس(Jaxartes) فى آسية الوسطى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 164

و هما أكثر شهرة، باسم جيحون و سيحون، على ما سنبسط القول فيه. و منابع هذين النهرين فى المرتفعات شمال ارمينية الصغرى. و كان نهر جيحان- و قد ذكر ابو الفداء انه «يقارب نهر الفرات فى الكبر، و تسميه العامة جهان»- بعد مروره بالمصيصة يصب فى بحر الروم فى خليج اياس الى شمال ميناء الملّون (ملس(Mallus ثم صار ملو(Malo) . اما نهر سيحان فاصغر منه، و لم يكن على ضفافه مدن جليلة غير اذنة. و على هذا النهر كانت قنطرة الحجر و قد مرّ ذكرها.

و جيحان و سيحان على ما روى المسعودى من انهار الجنة .

و مهما يكن من أمر، فان أجل الثغور مدينة طرسوس. و كان مقاتلتها من الفرسان و المشاة. و هى تشرف على المدخل الجنوبى للدرب المشهور عبر طوروس المعروف بأبواب قليقية ذكر ابن حوقل ان على طرسوس سورين من حجارة و بها مئة الف فارس. ثم قال «و

كان بينها و بين حد الروم جبال منيعة متشعبة من اللكام كالحاجز بين العملين» و يقصد بهما عالمي الاسلام و النصرانية. و قال ابن حوقل ان الحامية العظيمة التى أدركها و شاهدها فيها سنة 367 (978) «كانت من الغزاة الوافدين اليها من البلدان الاسلامية لقتال الروم». و سبب ذلك- فيما ذكر- «ان ليس مدينة عظيمة من حد بلاد فارس و الجزيرة و العراق و الحجاز و اليمن و الشامات و مصر و المغرب الا و بها لأهلها دار و رباط فى طرسوس ينزله غزاة تلك البلدة و يرابطون بها اذا وردوها. و ترد عليها الجرايات و الصلات و تدرّ عليهم الانزال و الحملان العظيمة الجسيمة الى ما كان السلاطين يتكلفونه و ينفذونه متطوعين و يتحظّون عليه متبرعين».

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 165

و عني الخلفاء العباسيون الاولون، و لا سيما المهدى و هرون الرشيد، بتحصين طرسوس و شحنها فى أول الأمر بثمانية آلاف من المقاتلة. و كانت الندبات السنوية على النصارى تجتاز من باب الجهاد المشهور لمقاتلتهم. و فى الجهة اليسرى من جامع طرسوس، دفن الخليفة المأمون، فقد ادركته منيته و هو فى بذندون (بدندس(Podandos) القريبة منها. و كان يشق المدينة نهر البردان (نهر كودنس(Cydnus . و فى سوري المدينة ستة أبواب و خندق عميق. و لبثت طرسوس، على ما قال ياقوت، ثغرا اسلاميا حتى كانت سنة 354 (965) فان نقفور ملك الروم Nicephorus Phocas استولى على الثغور و نزل على طرسوس فسلمها اليه من كان بها على الامان و الصلح. فخرج منها من المسلمين من أراد بلاد الاسلام و أقام نفر يسير على الجزية. و خربت المساجد «و أحرق نقفور المصاحف و

أخذ من خزائن السلاح ما لم يسمع بمثله، و لم تزل طرسوس بيد النصارى الى هذه الغاية أى سنة 623 (1226)».

و كان نهر كودنس القديم يعرف على ما بينّا، بنهر البردان أو بردى.

و ذكر ابن الفقيه انه كان يسمى ايضا نهر الغضبان. و مخرجه من أصل جبل فى شمال طرسوس يعرف بالاقرع و يصب فى بحر الروم غير بعيد عن المصب الحديث لنهر سيحان. و فى ناحية الغرب، على مرحلة من طرسوس، نهر كان يؤلف حدا مائيا فى الازمنة الاولى، و هو نهر لموس Lamos سماه العرب نهر اللامس.

«و عليه يكون الفداء اذا فودي بين المسلمين و الروم». و مما يلي هذا النهر بلدة للروم تعرف بسلوقية أو سلوقية قليقيةSeleucia of Cilicia و قد صار أسمها فى أيام الترك فى العهد الاخير سلفكةSelefkeh .

و يقطع جبال طوروس دروب كثيرة سلك المسلمون اثنين منها بوجه خاص فى غزواتهم السنوية لبلاد الروم: اولهما درب الحدث و هو فى الشمال الشرقى و كان من مرعش فشمالا الى ابلستين و قد عرفت هذه المدينة فى الازمنة الاخيرة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 166

بالبستان (و هى أبلسثا البزنطيةAblastha و عربسوس اليونانية(Arabissus و كان يحمى هذا الدرب حصن الحدث Adata و قد مرّ ذكره فى الفصل السابق. و ثانى الدروب، و كثيرا ما كان يسلك فى الأزمنة القديمة، هو درب الابواب القليقية الضارب شمالا من طرسوس، و منه يأخذ الطريق العام الى القسطنطينية. كان هذا الطريق هو الذى يسلكه سعاة البريد و يمرّ منه وفود قيصر و الخليفة، كما انه الطريق الذى تتبعه ندبات الغزو العديدة من الاسلام و النصارى. و قد عني ابن خرداذبه فى سنة 250 (864) بوصف

هذا الطريق، و عنه نقل غير واحد من المصنفين بعده. كان هذا الدرب يعرف فى قسمه الجنوبى بدرب السلامة و يتصل بما يسمى پيلية قليقيةPylae Ciliciae و هى الأبواب القليقية المشهورة.

و دونك هذا الوصف، على ان كثيرا من المواضع المذكورة فيه لا يمكن تعيينها فى يومنا، و قد وضعنا بين قوسين ما تيسرت معرفته عن اسماء بعضها. قال ابن خرداذبه: «من طرسوس الى العلّيق اثنا عشر ميلا، ثم الى الرهوة (أى المكان المنخفض و لعلها مبسكرينةMopsukrene القديمة)، ثم الى الجوزات اثنا عشر ميلا، ثم الى الجردقوب سبعة أميال، ثم الى البذندون Podandos) و هى بزنطى الحديثة) سبعة أميال و فيها عين تسمى عين رقة مات عندها المأمون . ثم الى معسكر الملك على حمة لؤلؤة (لولون Loulon و الصفصاف عشرة أميال (قرب فوستينوبوليس(Faustinopolis و كذلك حصن الصقالبة عشرة أميال، و تصير الى معسكر الملك و قد قطعت الدرب (النهاية الشمالية من درب الابواب القليقية) و أصحرت. و من معسكر الملك (حيث نهاية الابواب القليقية) الى وادى الطرفاء اثنا عشر ميلا، ثم الى منى عشرون ميلا، ثم الى نهر هرقلة (و هرقلة هى اراكلية الحديثة و هركليةHeraclia عند الروم و هى المدينة التى استولى عليها هرون الرشيد عنوة) اثنا عشر ميلا، ثم الى مدينة اللبن ثمانية أميال، ثم الى رأس الغابة خمسة عشر ميلا. ثم الى المسكنين ستة عشر ميلا، ثم الى عين برغوث اثنا

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 167

عشر ميلا، ثم الى نهر الاحساء (أى النهر الذى تحت الارض) ثمانية عشر ميلا، ثم الى ربض قونية (ايكونيوم(Iconium ثمانية عشر ميلا، ثم الى العلمين خمسة عشر ميلا، ثم الى ابرومسمانة عشرون ميلا، ثم الى

وادى الجوز اثنا عشر ميلا، ثم الى عمورية (آموريون Amorion اثنا عشر ميلا. و طريق آخر من العلمين الى عمورية يبدأ من العلمين الى قرى نصر الاقريطشى خمسة عشر ميلا، ثم الى رأس بحيرة الباسليون (بحيرة الاربعين شهيدا) عشرة أميال، ثم الى السند عشرة أميال، ثم الى حصن سنادة (و هى حصن سنادس(Synades ثمانية عشر ميلا، ثم الى مغل خمسة و عشرون ميلا، ثم الى غابة عمورية ثلاثون ميلا.

و من عمورية الى قرى الحرّاب خمسة عشر ميلا، ثم الى صاغري (و هو(Sangarius نهر عمورية ميلان، ثم الى العلج اثنا عشر ميلا، ثم الى فلامى الغابة خمسة عشر ميلا، ثم الى حصن اليهود اثنا عشر ميلا، ثم الى سندابري (سنتابريس(Santabaris ثمانية عشر ميلا، ثم الى مرج حمر الملك فى درولية (دوريليوم(Dorylaeum خمسة و ثلاثون ميلا، ثم الى حصن غروبلي خمسة عشر ميلا، ثم الى كنائس الملك Basilica of Anna Comnena ثلاثة أميال، ثم الى التلول خمسة و عشرون ميلا، ثم الى الاكوار خمسة عشر ميلا، ثم الى ملاجنةMalagina خمسة عشر ميلا، ثم الى اصطبل الملك خمسة أميال، ثم الى حصن الغبراء (و هى كيبوتس Kibotos حيث معدية تصل الى(Aigialos ثلاثون ميلا ثم الى الخليج (و هو بوسفور القسطنطينية(Bosporus اربعة و عشرون ميلا، و نيقيةNicaea بازاء (أى جنوب) الغبراء». و بهذا يختتم ابن خرداذبه كلامه على طريق القسطنطينية .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 168

اما ما كان يعرفه المصنفون العرب القدماء عن جغرافية آسية الصغرى، فليس الا لمحات خاطئة لا تمتّ الى الواقع بصلة الا وصفهم الطريق العام الى القسطنطينية.

مصداق ذلك ما نراه من خلط عند ابن حوقل بين النهرين المختلفين: آلس و صاغرة و هلس و

سنكاريوس. و نجد أيضا فى التواريخ القديمة اسماء جملة من مدن الروم بصورتها المعربة و لكن معظم هذه الاسماء قد انتهى الينا على غير هذه الصور بعد الفتح التركى. على ان ما يؤسف له، هو ان المصنفين العرب لم يخلفوا لنا وصفا لهذه المدن. و نذكر ههنا شيئا منها مما لا شبهة فى صحته:

الطوانة(Tyana) دباسة(Thebasa) ملقوبية(Malacopia) هرقلة(Heraclia) لاذق(Laodicea) قيصرية(Caesarea Mazaka of Cappadocia) انطاكية(Antioch of Pisidia) قطيّة(Cotyaeum انقرة(Angora) افسوس(Ephesus) أبدوس(Abydos) نقموذية(Nicomedia) و غيرها من المدن.

أما طرابزون(Trebizond و كتب اسمها طرابزندة أو اطرابزندة، فهى على ما جاء فى ابن حوقل أجل ميناء كانت تجلب اليها السلع من القسطنطينية فى صدر الدولة العباسية و تحمل منها الى بلاد الاسلام. فكان التجار العرب و وكلاؤهم ينقلون السلع منها عبر الجبال الى ملطية و غيرها من مدن الفرات الاعلى. و كانت هذه التجارة بيد الارمن على ما فى ابن حوقل. على ان كثيرا من التجار المسلمين، حسبما ذكر، كانوا يقيمون فى اطرابزندة. و أخص هذه السلع: ثياب الكتان اليونانى و ثياب الصوف و الديباج و الاكسية الرومية و كلها كان يجلب بحرا من الخليج أى البوسفور. و مما يدل على شهرة طرابزون و عظم شأنها فى ذلك الزمن، ان البحر الاسود كان يعرف باسم بحر طرابزندة.

على ان اسمه الرسمى كان بحر بنطس أو پنطش. و هو پنتس Pontos

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 169

عند الروم الذى كان لتصحيف اسمه (من جرّاء اعجام الحروف العربية) قد كتب و لفظ منذ الأزمنة الاولى خطأ بصورة نيطس و نيطش، و غالبا ما اقتبس المصنفون الفرس و الترك الاسم بهذه الصورة المصحفة، و انتقل هذا التصحيف الى المطبعة فلا سبيل الى

رجعه الى سابق اسمه .

و مع ان ما دوّنه مصنفو العرب عن طبغرافية مدن آسية الصغرى فيما قبل الفتح السلجوقى، أى فى النصف الاخير من المئة الخامسة (الحادية عشرة)، قليل غاية القلة، فقد كان المسلمون يعرفون معظم هذه البلاد، فانهم كانوا فى أيام بنى امية و صدر الدولة العباسية يقومون فى كل سنة تقريبا بل غالبا مرتين فى السنة، فى الربيع و الخريف بغزوات يجتازون فيها دروب جبل طوروس الى بلاد الروم. و كانت غاية الغايات عندهم الاستيلاء على القسطنطينية. و فى الواقع لقد ضرب المسلمون الحصار على القسطنطينية ثلاث مرات فى أيام بنى امية و لكن نهاية كل حصار كانت وخيمة على المهاجمين. و ليس ذلك بمستغرب اذا ما علمنا ان البوسفور يبعد عن طرسوس قاعدة الهجوم العربى نيفا و اربعمئة و خمسين ميلا فى خط مستقيم يقطع هضبة آسية الصغرى الجبلية.

و اول هذه الحصارات الثلاثة المشهورة كان فى سنة 32 (652) فى ايام عثمان، حين غزا معاوية- و قد تولى الخلافة فيما بعد- آسية الصغرى و اجتازها يريد القسطنطينية. فهاجمها اولا ثم ضرب عليها الحصار و لكنه اضطر الى رفع الحصار عنها لما بلغه مقتل الخليفة عثمان. و اعقب ذلك أحداث انتهت بقيام الدولة الاموية. و كان الحصار الثانى فى سنة 49 (669) حين بعث معاوية- و كان قد اصبح خليفة- ابنه و ولى عهده يزيد لقتال الملك قسطنطين الرابع. بيد ان عجز قادة الجيش اوقع بالجيش الاسلامى هزيمة منكرة. فلما توفى ابوه صارت اليه الخلافة فعاد الى بلاده. أما الحصار الثالث و هو اشهر حصار وقع على القسطنطينية فقد دام سنين فى عهد الخليفة سليمان الذى بعث اخاه مسلمة فى سنة 96

(715)

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 170

لقتال ليو الايزورى Leo the Isaurian و قد انتهى الينا عن هذه الحملة التى باءت ايضا بهزيمة المسلمين اخبار كاملة من التواريخ العربية و الرومية. و فى هذه الحروب اشتهر عبد اللّه الملقب بالبطال الذى اعتبره الترك بعد زمن طويل بطلهم القومى و الجندى المسلم الذى لا يقهر.

و لم تحل هذه الخسائر و الهزائم دون مضي المسلمين فى غزواتهم سنة بعد أخرى ما خلا فترة قصيرة انصرف فيها العباسيون الى توطيد أركان دولتهم، ثم حلّوا فى ذلك محل بنى أمية بعد قرن أو أكثر من قرن على توليهم الخلافة.

و العباسيون و ان صعب عليهم ضرب الحصار على القسطنطينية، فانهم غزوا ارجاء آسية الصغرى مرة تلو أخرى و أعملوا فيها النهب و الحرق. و أشهر هذه الغزوات:

ندبة الخليفة المعتصم بن هرون الرشيد فى سنة 223 (838) على عمورية. و هى الموصوفة بانها اجل مدينة فى الشرق «و امنع و احصن بلاد الروم و هى عين النصرانية» فأمر الخليفة بنهبها و هدمها و حرقها و عاد الخليفة راضيا و معه المغانم .

و قد عني ابن خرداذبه بوصف أعمال آسية الصغرى فى أيام ملوك الروم.

و يفيدنا وصفه فى تصحيح التفاصيل المشوشة التى دوّنها قسطنطين بورفيروجينيتس

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 171 Constantine Porphyrogenitus

و نحن على كل حال فى غنى عن بحث ذلك ها هنا اذ ان هذا الموضوع يدخل فى جغرافية بلاد الروم. اما عدا ما وصفنا من مدن، فان المصنفين العرب حين تحدثوا عن الحملات الاسلامية على ماوراء الحدود، أشاروا الى جملة مواضع يصعب تعيينها الآن اما لغموض ما ذكروه عنها و اما للبس فى الاسم.

و عليه فان مرج الاسقف، و كثيرا ما ذكروه، جاء عنه فى أحد مسالك ابن خرداذبه انه على شى يسير غرب پدندس (البذندون).

و المطمورة أو المطامير (بصيغة الجمع) تردد ذكرها كذلك، و علينا ان نبحث عنها فى ما جاور ملقوبية. و ذو الكلاع و تكتب أيضا ذو القلاع كانت قلعة مشهورة.

قال البلاذرى ان اسمها عند الروم تفسيره «الحصن الذى مع الكواكب». و يبدو انها تطابق سيديروبوليس Sideropolis فى بلاد القباذق Cappadocia .

و مدينة لؤلؤة و هى لولون عند البزنطيين سماها العرب بذلك ليضفوا على اسمها معنى، و هى على ما ذكرنا فى النهاية الشمالية لدرب الابواب القليقية و الى شمالها كانت تيانا (طوانة أو طوانة) و قد كان هرون الرشيد شحنها بالمقاتلة و بنى فيها جامعا. و كانت مدينة أو حصن الصفصاف فى طريق القسطنطينية قرب لؤلؤة و لعلها موضع فوستينوبوليس على ما قد مرّ (ص 166). و فى جنوب البذندون حصن الصقالبة و فيه عسكر، على ما ذكر البلاذرى، قوم من الصقالبة كانوا فروّا من البزنطيين. و كان مروان الثانى آخر خلفاء بنى أمية قد جعلهم فيها لحراسة الدرب .

و بعد عام 223 (838) و هو تاريخ حملة الخليفة المعتصم المشهورة على عمورية، قلّت الغزوات الاسلامية لبلاد الروم. فان تواتر الفتن فى بغداد صرف خلفاء بنى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 172

العباس عن التفكير فى غزو بلاد الروم. و مع ذلك فانه منذ منتصف المئة الثالثة (التاسعة) حتى المئة الخامسة (الحادية عشرة) كان كثير من الجيوش الاسلامية المجنّدة من ممالك عدة تابعة للخليفة قد عبر الدروب. و لم تثبت الحدود على حال واحدة بل كانت فى تقدم و تراجع و اقبال و ادبار

و فى وسعنا القول ان المسلمين لم يحتفظوا بجزء من الارض مما وراء طوروس احتفاظا مستداما.

و لكن بقيام الاتراك السلاجقة فى المئة الخامسة (الحادية عشرة) بعد [كذا.

و الصواب: قبل] الحروب الصليبية، تغير وجه الامور فى آسية الصغرى كل التغير. ففى ربيع سنة 463 (1071) أحرز الب ارسلان السلجوقى نصرا مبينا فى وقعة ملسجرد (منزكرت) فأباد جيش الروم على بكرة أبيه و أسر ملكهم رومانس ديوجينس(Romanus Diogenes) . و الى ذلك، كان الب ارسلان قد استولى سنة 456 (1064) على آنى عاصمة ارمينية النصرانية، فتقوضت بذلك مملكة بغروند الارمنية القديمة فكان من ذلك ان أسس روبن(Rupen) أحد اقاربهم مملكة ارمينية الصغرى فى طوروس. و على أثر وقعة ملسجرد انفذ الب ارسلان ابن عمه سليمان بن قتلمش الى آسية الصغرى. ثم ان السلاجقة بعد ما كانوا عليه من بداوة، اقاموا فى الهضبة العالية التى تؤلف قلب هذا الاقليم و صارت مملكة الروم منذ ذلك الحين من ديار الاسلام.

و قد أوغل السلاجقة غربا و حليفهم النصر، فامتدت غزواتهم حتى نيقية، و بقيت فى أيديهم زمنا قصيرا متخذيها عاصمة لهم. و لكنهم ردّوا على أعقابهم فى الحملة الصليبية الاولى و تراجعوا الى الهضبة الوسطى و اصبحت ايكونيوم(Iconium) و هى قونية التى فتحوها فى سنة 477 (1084) دار ملكهم و لبثت كذلك .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 173

دامت سلالة سلاطين قونية السلجوقية أكثر من قرنين أى من سنة 470 (1077) حتى سنة 700 (1300) غير ان سلطانهم الحقيقى كان قد انتهى بفتح المغول لقونية فى سنة 655 (1257) و ذلك قبل سقوط بغداد بسنة واحدة. و اقترن قيام السلاجقة فى هضبة آسية الصغرى بنشوء مملكة ارمينية

الصغرى النصرانية فى بلاد طوروس. و بعيد سنة 473 (1080) اتخذ روبن مؤسس الدولة الجديدة مدينة سيس و يقال لها أيضا سيسية قاعدة لملكه. و بعد ذلك بقرن أى فى سنة 594 (1198) لقب ليو بالملك. و لم ينته حكم ملوك ارمينية الصغرى الذين قاوموا الفتح المغولى الا فى سنة 743 (1342). و كانت هذه المملكة قد اتسعت رقعتها من سيس فشملت البلاد الجبلية التى يسقيها نهرا سيحان و جيحان. و امتدت جنوبا الى بحر الروم و ضمت مدينة المصيصة و اذنة و طرسوس و معظم مدن الساحل الى غرب طرسوس. و كانت سيس (أى سيسية) و هى فلافيوبوليس Flaviopolis القديمة حصن عين زربى البعيد فى صدر الدولة العباسية. و قد جدد أسواره الخليفة المتوكل حفيد هرون الرشيد. و استولى عليه الروم بعد ذلك.

و حين كتب ابو الفداء فى سنة 721 (1321) نوّه بان ليو الثانى (ابن لاون) الملقب بالعظيم ملك ارمينية الصغرى قد احدثها، و هى ذات قلعة بأسوار ثلاثة على جبل مستطيل و لها بساتين و نهر صغير من روافد جيحان. و ذكر ياقوت «ان عامة أهلها يقولون سيس» فى أيامه.

و فى غرب مملكة ارمينية الصغرى و شمالها تمتد بلاد سلاطين السلاجقة.

و لم تمض مئة سنة على استيلائهم على هضبة آسية الصغرى حتى كانت جيوش الصليبيين قد اخترقت هذا الاقليم ثلاث مرات، و قد انتهت الحرب الصليبية الاولى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 174

سنة 490 (1097) بهزيمة قلج ارسلان الأول (ابن و خليفة سليمان، أول سلطان على بلاد الروم) من نيقية. و مرّت شرذمة من الصليبيين بقونية و عادت الى البحر عند طرسوس و ركبت السفن الى فلسطين. و فى الحرب

الصليبية الثانية تغلب لويس السابع ملك فرنسة على السلطان مسعود (ابن قلج ارسلان) عند ضفاف مياندر(Meander) سنة 542 (1147) و لكن الفرنج فى فى مسيرهم الى ميناء أنطالية كابدوا خسرانا فادحا فى المنطقة الجبلية. و فى الحرب الصليبية الثالثة يقال ان الملك فردريك بربروسة انتزع فى سنة 586 (1190) قونية عاصمة السلاجقة من قلج ارسلان الثانى (ابن مسعود). و لكن بربروسة فى متابعته السير غرق فى نهر قرب سلوقية (سلوقية قليقية) لعله نهر لاموس أو نهر اللمس المار ذكره (ص 165) حيث كان يجرى فى أيام العباسيين الاوائل تبادل الاسرى بين المسلمين و النصارى أى فداؤهم.

و لا ريب فى ان رقعة البلاد التى حكمها سلاجقة الروم قد اختلفت باختلاف الازمنة و الاحوال. فقد كان لتضاؤل شأن الروم أو ازدياد قوتهم، و نشوء مملكة ارمينية الصغرى النصرانية، و ما كانت عليه حال الدويلات الاسلامية المجاورة التى اكتسح الصليبيون بعضها و حكم بعض الوقت امراء الفرنج رعايا من المسلمين، أثره فى ذلك. و قد عرفنا أهم المدن التابعة لسلاجقة بلاد الروم على نحو ما كانت عليه فى سنة 587 (1191) من توزيع قلج ارسلان الثانى أملاكه فى تلك السنة بين أولاده الاحد عشر. فقد كانت قونية (ايكونيوم)، على ما بيّنا، عاصمة السلاجقة. و كانت قيصرية(Caesarea Mazaka) ثانى مدن سلطنتهم. و ملطية(Melitene) أهم مدن الولاية الشرقية على حدود الفرات. و فى الشمال سيواس(Sebastia) و نكيسار (أو نيكسار و هى نيوسيزارية(Neo -Caesarea) القديمة).

و توقات و اماسية(Amasia) و قد اقطع كل منها أميرا سلجوقيا. و مثل ذلك انكورية(Angora) فى الشمال الغربى و برغلو فى الحد الغربى و لعلها ألو برلو الحديثة و هى غرب بحيرة اكردور. و على الحدود الجنوبية

شرقى قونية المدن

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 175

المهمة: اراكليةHeraclia و نكيدة أو نكدة و ابلستين التى عرفت بعدئذ بالبستان(Arabissus) .

و قد مدّ السلطان علاء الدين، الذى اعتلى العرش فى سنة 616 (1219) و هو حفيد قلج ارسلان الثانى، سلطانه شمالا و جنوبا من سواحل البحر الاسود الى بحر الروم. فاستولى على سينوب(Sinope) على البحر الاسود و أنشأ على الساحل الجنوبى ميناء عظيما فى العلايا- و قد نسب اليه- و ما زالت ترى فيه بقايا أخشاب لبناء السفن و غير ذلك من المنشئات الخاصة ببحرية السلاجقة العظيمة.

و مدّ سلطانه فى الشمال الشرقى الى مدينة صارى بولى. و قد كان لكتابات جلال الدين الرومى الشاعر الصوفى العظيم الذى عاش و مات فى قونية أبلغ الاثر فى اشتهار عهده. و بعد ان مضت ثلاثون سنة على موت علاء الدين أى فى سنة 634 (1237) قوض الجيش المغولى سلطان السلاجقة و لم يكن السلاطين الاربعة الاخيرون فى الحقيقة غير ولاة خاضعين لايلخانيي فارس. و فى سنة 700 (1300) قسمت ولاية الروم بين الامراء التركمان العشرة و هم فى الاصل من اتباع السلاطين السلاجقة .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 176

الفصل العاشر بلاد الرّوم «تتمة»

الامارات التركمانية العشر- ابن بطوطة و المستوفى- قيسارية و سيواس- سلطان العراق- امير قرمان- قونية- امير تكة و العلايا و انطالية- امير حميد و اكريدور- امير جرميان و كوتاهية و صورى حصار- امير منتشا و ميلاس- امير آيدين و افسوس و ازمير- امير صاروخان و مغنيسية- امير قراصى و برغامس- الولاية العثمانية و برصى- امير قزل احمد لى:

صنوب (سينوب).

تتفق حدود الامارات التركمانية العشر فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) و حدود المقاطعات اليونانية

القديمة فى آسية الصغرى. و هذه الامارات هى:

قرامان أو قرمان أكبرها و هى ليقونية القديمة(Lycaonia) . و على ساحل بحر الروم: تكه و تشتمل على ليقية(Lycia) و بمفيلية(Pamphylia) . و فى الداخل: حميد و تضم بسيدية(Pisidia) و ايزورية(Isauria) معا. و كرميان أو جرميان و تطابق فريجية(Phrygia) . و على ساحل البحر الاسود: قزل احمد لى و يقال لها أيضا اسفنديار و كانت بفلغونية(Paphalagonia) . و على السواحل الايجية: منتشا و هى كارية(Caria) القديمة. و آيدين و صاروخان

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 177

معا تطابقان مملكة ليدية(Lydia) . و قراصى كانت ميسية(Mysia) و أخيرا الولاية العثمانية (و هى للعثمانيين الذين سيطروا بعدئذ على الامارات التسع الاخرى) و كانت فى أول أمرها مقاطعة فريجية ابيكتتس(Phrygia Epictetus) و فى ظهرها أراضى بيثية(Bythia) العالية التى انتزعها العثمانيون أخيرا من يد الروم.

و قد انتهى الينا عن حال آسية الصغرى فى أيام الامراء التركمانيين أخبار غريبة جدا دوّنها ابن بطوطة المغربى فى رحلته، و كان قد نزل فى العلايا فى منصرفه من الشام و زار فى سنة 733 (1333) كثيرا من الامراء الصغار فى طريقه الى صنوب(Sinope) . و منها قطع البحر الاسود الى القرم، و يبدو ان قسما من وصفه قد ضاع يا للأسف. سافر ابن بطوطة من العلايا محاذيا ساحل البحر الى أنطالية ثم ضرب شمالا فاجتاز الجبال الى اكريدور فى حميد على بحيرة اكريدور و منها توجه الى لاذق(Laodicea ad Lycum) فوصل ميلاس فى منتشا. ثم قطع آسية الصغرى بطريق منحرف الى قونية و قيسارية فسيواس و ارزن الروم. و من بعد ذلك يعتري حديث رحلته نقص: اذ ان المدينة التالية التى ذكرها كانت بركي

فى آيدين. و منها زار اياسلوق (افسوس(Ephesus . و أخيرا اتجه ابن بطوطة صوب الشمال فالشرق فمرّ فى طريقه بمدينة برصى و غيرها من المدن حتى انتهى الى صنوب فى ساحل البحر الاسود. و قد زاد معاصره المستوفى، فى ما كتبه عن جغرافية بلاد الروم، بعض التفصيل على ما وصفه من مدن. على ان المستوفى، و ان كتب فى سنة 740 (1340)، فقد اعتمد على مراجع قديمة.

فكانت أخباره تصف حال بلاد الروم فى أواخر عهد السلاجقة أكثر مما تصف حال تلك البلاد حين وطد الامراء العشرة سلطانهم فيها.

و فى مطلع المئة التاسعة (الخامسة عشرة) كانت غارة تيمور على آسية الصغرى قد قلبت مجرى الامور رأسا على عقب الى أجل ما، و ردّت الدولة العثمانية الحديثة النشأة على أعقابها زهاء ربع قرن، و ما أورده علي اليزدى عن حروب تميور وسّع علمنا بهذه البلاد. و هناك تفاصيل أخرى فى كتاب جهان نما

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 178

التركى. و هذا السفر و ان دوّن فى مطلع المئة الحادية عشرة (السابعة عشرة)، حيث كانت الدولة العثمانية قد وطدت أركانها فى آسية الصغرى منذ عهد بعيد، فانه ذكر أهم ما خلّفه سلاطين آل سلجوق من آثار.

و قبل ان نصف الامارات العشر التركمانية، و قد نوهنا باسمائها آنفا، يحسن بنا ان نذكر شيئا عن المدن التى فى شرقي قرامان، و هى التى قد يعينها المجرى الاسفل لنهر هلس (قزل ايرماق عند الترك) و يكملها خط يتجه جنوبا الى جيحان.

كانت آسية الصغرى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) مما يلى شرق هذا الحد من مملكة الايلخانيين، و هم الامراء المغول الذين تولوا حكم العراق و فارس. و كانوا يولون

عمالهم على هذه البقاع لينشروا السلام بين قبائل التركمان البدوية الصغيرة التى حلت فى هذه البلاد بعد الفتح المغولى العظيم. و كانت أهم المدن فى شرق حدود قرامان: قيصرية (و تكتب أيضا قيسارية و هى Caesarea Mazaka فى القباذق) و قد كانت فى زمن بنى سلجوق ثانية مدن الروم، و عدّها القزوينى قاعدة ملكهم.

و يرى فيها فيما يرى من المقامات: جامع (ابي محمد) البطّال، بطل العهد الاموى. و وصف المستوفى قيصرية بان حولها سورا من حجر بناه السلطان علاء الدين السلجوقى. و كانت مدينة عظيمة محصنة عند لحف جبل ارجاست(Argaeus) . و ذكر المستوفى ان ارجاست كان جبلا شامخا لا يفارق الثلج قمته. و ينحدر منه أنهار كثيرة. و فى لحفه: دولو(Davlu) . و هو موضع سيأتى ذكره. و فوق قمة الجبل بيعة عظيمة. و فى قيصرية «موضع يقولون انه حبس محمد ابن الحنفية» من ابناء الامام علي. و لما زار ابن بطوطة قيسارية (و قد كتب اسمها بهذا الوجه) «كان بها عسكر اهل العراق» من عساكر السلطان المغولى.

و كانت قيصرية فى مطلع المئة التاسعة (الخامسة عشرة) أولى المدن الكبرى التى استولى عليها جيش تيمور فى آسية الصغرى.

و ابلستين (ارابيسوس(Arabissus فى شرق قيصرية. و هى من مدن الثغور فى أيام الروم. و قد ذكرت أيضا فى فتوح تيمور. قال المستوفى ان ابلستين مدينة لا كبيرة و لا صغيرة. و ذكرها صاحب جهان نما بالتهجئة الحديثة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 179

«البستان». و كانت قير شهر (و هى جستنيانوبوليس موكيسوس(Justinianopolis Mokissus) الرومية على نحو ثمانين ميلا غرب قيصرية، و كانت ذات شأن، و كثيرا ما ورد ذكرها فى أخبار حروب تيمور. و وصف المستوفى قير

شهر بانها مدينة كبيرة ذات مبان جميلة. وعدها صاحب جهان نما من مدن قرامان. و كانت اماصية أو اماسية(Amasia) فى عهد السلاجقة من مراكز حكوماتهم. و روى المستوفى ان السلطان علاء الدين قد احدثها. و وصفها ابن بطوطة، و قد مرّ بها، بقوله انها «مدينة كبيرة حسنة و هى فسيحة الشوارع و الاسواق ذات أنهار و بساتين و على أنهارها النواعير تسقى جناتها و دورها. و ملكها لصاحب العراق. و بقرب منها بلدة سونسى (كتبها جهان نما بصورة صونيسا) «و بها سكنى أولاد ولى اللّه تعالى ابى العباس احمد الرفاعى». و فى شمال اماسية:

لاذق(Laodicea Pontica) و هى موضع ذو شأن بيد السلاجقة. و كثيرا ما ذكرها ابن بيبى فى تاريخه. و وصف المستوفى ميناء سمسون (أو صامصون و هى اميسوس Amysos عند الروم) بأنه مرفأ عظيم للسفن. و بحلول النصف الاخير من المئة الثامنة (الرابعة عشرة) نمت ثروتها بانتقال تجارة سنوب (أو صنوب(Sinope اليها و هى الميناء الذى كان قبلها .

و كانت نيكسار (أو نكيسار و هى Neo -Caesarea اليونانية) مدينة جليلة خاضعة للسلاجقة. و كثيرا ما ورد ذكرها فى ابن بيبى. و قد وصفها المستوفى بانها مدينة وسطة حولها بساتين تكثر فيها الفواكه. و كانت توقات (و تكتب أيضا دوقاط) فى غرب نيكسار على طريق اماسية. و كانت من الحكومات العظيمة التابعة لبنى سلجوق. و يليها فى الغرب: زيلة و قد ذكرها ابن بيبى و من جاء بعده من المصنفين. و أحدث السلطان علاء الدين مدينة سيواس(Sebastia) على قزل ايرماق (هلس(Halys و قد شيّد أبنيتها الجديدة كلها بالحجارة المهندمة. و روى المستوفى ان الموضع كان مشهورا بثياب الصوف التى تحمل

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص:

180

منها. و هى ذات هواء بارد يكثر فيها القطن و القمح. و تكلم ابن بطوطة على سيواس فقال هى «من بلاد ملك العراق و أعظم ما له بهذا الاقليم من البلاد، و بها منزل أمرائه و عماله. مدينة حسنة العمارة واسعة الشوارع أسواقها غاصة بالناس و بها دار مثل المدرسة تسمى دار السيادة».

و وصف المستوفى الطريق الضارب غربا من سيواس الى بلاد فارس و هو كما يأتى: مرحلتان الى زاره، و هى مدينة قليلة الشأن. ثم مرحلتان الى آق شهر (المدينة البيضاء) و قد تردد ذكرها كثيرا فى أخبار السلاجقة. و فى شمال غربى آق شهر قره حصار (الحصن الاسود) و قد أكثر ابن بيبى من الاشارة اليه و سماه قره حصار دولة تمييزا لهذا الحصن- الذى أشار اليه أيضا المستوفى- عن حصن آخر بالاسم ذاته. و سماه جهان نما قره حصار شبين نسبة الى معدن الشب على مقربة منه. و من آق شهر يتجه الطريق الى بلاد فارس فيبلغ ارزنجان فى ثلاث مراحل، و منها مثل ذلك الى ارزن الروم، ثم يتجه جنوبا الى خنوس (خوناس كما كتبه ابن بيبى، و خنس اسمها الحالى) و هو ثلاث مراحل. و منها عشر مراحل الى ملاسجرد (منزكرت) و هذه على ثمانى مراحل من ارجيش القائمة على بحيرة و ان .

كانت امارة قرمان أو قرامان، أكبر الامارات العشر. و انما سميت بذلك نسبة الى القبيلة التركمانية التى حلت فى هذه الارجاء. و كانت قاعدتها لارندة و قيل لها قرمان أيضا نسبة الى الامارة. و يرقى زمن لارندة الى أيام الروم.

وصفها ابن بطوطة، و قد زارها فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، و كتب اسمها بصورة اللارندة فقال «مدينة حسنة

كثيرة المياه و البساتين». و فى ختام هذا القرن استولت عليها جيوش تيمور و نهبتها، الا انها استعادت بعد ذلك ازدهارها الاول.

و الى جنوب لارندة مدينة ارمناك، و قد تكلم عليها المستوفى و قال انها كانت فيما مضى مدينة كبيرة و لكنها انحطت فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) فصارت مدينة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 181

اقليمية. و نوّه بها جهان نما حين ذكره سلفكة و كان العرب يسمونها قبلا سلوقية(Seleucia of Cilicia) . و دخلت هذه المدينة فى أيام العثمانيين ضمن الولاية المسماة ايج ايلي و معناها بالتركية «الارض الداخلة». و لما كان هذا الوصف لا يتفق هو و وضع الولاية المبحوث عنها، اذ انها تحاذى الساحل، ظنّ ان ايج ايلى ليس الا تصحيفا مقتطعا من الاسم اليونانى القديم قليقيةCilicia .

و كانت قونية(Iconium) على ما بينّا دار ملك السلاجقة. و لكنها فى عهد امراء قرامان تضاءل شأنها فصارت مدينة فى المرتبة الثانية و روى المستوفى انه كان فيها ايوان عظيم فى القصر الذى بناه السلطان قلج ارسلان و هو بانى الحصن أيضا. ثم بنى علاء الدين، أو استحدث، أسوار المدينة بالحجارة المقدودة و جعل علوها ثلاثين ذراعا و اطاف بها خندقا عمقه عشرون ذراعا. و كان محيط الاسوار عشرة آلاف خطوة و فيها اثنا عشر بابا جعل فوقها أبراجا عظيمة. و مدّ الماء الوافر اليها من الجبل القريب منها. و اختزنه فى صهريج عظيم تعلوه قبة عند أحد أبواب المدينة. و منه كان يخرج ثلثمئة قناة و نيف توزع الماء بين سائر انحاء المدينة.

و اشتهرت قونية ببساتينها التى يكثر فيها المشمش الاصفر و ينمو فى مزارعها القطن و القمح.

و ذكر المستوفى، الى ما

تقدم، ان الخراب كان غالبا على قونية فى أيامه و ان بقي الربض الذى فى أسفل الحصن آهلا بالسكان. و كان فى المدينة تربة الشاعر الصوفى العظيم جلال الدين الرومى، و قد مرّ ذكره. و يزورها كثيرون.

و رأى ابن بطوطة هذه التربة. و أشاد بقونية فقال انها «مدينة عظيمة حسنة العمارة كثيرة المياه و الانهار و البساتين و الفواكه و بها المشمش المسمى بقمر الدين و يحمل منها أيضا الى الشام. و شوارعها متسعة جدا و أسواقها بديعة الترتيب و أهل كل صناعة على حدة». و ذكر ابن بيبى فى تاريخه عن السلاجقة اسماء ثلاثة من أبواب قونية، هى: باب سوق الخيل (دروازه اسب بازار) و باب دار الفحص (دروازه جاشنى گير) و باب جسر احمد (دروازه بول احمد).

و قلعة قره حصار التابعة لقونية، لا تبعد كثيرا عن شرق قونية. و قال

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 182

المستوفى ان بهرام شاه قد بناها. و يليها هرقلة(Heraclea) و هو اسم تحرّف فى الازمنة المتأخرة الى اراكلية. و كثيرا ما تردد ذكرها فى جهان نما. و فى شمال قونية: لاديق سوخته أى لاديق المحروقة(Laodicea Combusta) و هى Katakekaumena اليونانية) و قد أطلق عليها ابن بيبى قرية لاديق تمييزا لها عن غيرها من المدن التى تسمى Laodicea (Ad Lycum ,Pontica) و أشار جهان نما الى لوديقية كمبوستة باسم يورغان لاديق و تسمى أيضا لاذقية قرمان .

و فى شمال ولاية قرمان: انكورة(Angora) (انقيراAncyra اليونانية) و قد كتبها البلدانيون العرب القدماء بصورة انقرة و المؤلفون الفرس و الترك المحدثون انكورية . وصفها المستوفى بقوله انها مدينة ذات هواء بارد يكثر فيها القمح و القطن و الفواكه. و قد اشتهرت فى

التاريخ لان فيها تغلب تيمور سنة 804 (1402) على السلطان بايزيد العثمانى و أسره بعد موقعة حامية. و قوشحصار أو كوج حصار على الحافة الشرقية للبحيرة الملحة الكبرى، ذكرها المستوفى و قال انها مدينة وسطة. و قد ورد ذكرها أيضا فى جهان نما. و على شى ء يسير من شرق الطرف الجنوبى للبحيرة: آقسرا (القصر الابيض). بناها السلطان قلج ارسلان الثانى فى سنة 566 (1171). وصفها المستوفى بانها مدينة فى ارض كثيرة الخيرات. و أقصرا (بحسب تسمية ابن بطوطة لها) «يشقها ثلاثة انهار. و داخلها بساتين كثيرة و فيها الاشجار و دوالى العنب و تصنع فيها (فى المئة الثامنة- الرابعة عشرة) البسط المنسوبة اليها من صوف الغنم لا مثل لها فى بلد من البلاد. و منها تحمل الى الشام و مصر و العراق». و زاد ابن بطوطة على ذلك، ان اقصرا فى أيامه كانت «فى طاعة ملك العراق».

و على نحو خمسين ميلا شرق آقسرا: ملنقوبية (ملكوبية(Malacopia

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 183

ذكر المستوفى أنها موضع ذو شأن فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة). و الى شمال هذه المدينة: قرا حصار أخرى. وصفها المستوفى بانها من أعمال نيكدة. و الى شرق هذه المدينة أيضا: دولو (و جاء أسمها فى جهان نما بصورة دوه لو). و هى على ما بينّا تقوم عند لحف جبل ارجاست و قد ورد ذكرها غير مرة فى تاريخ ابن بيبى فى كلامه على قيصرية. و وصف المستوفى دولو بانها مدينة وسطة، جدد السلطان علاء الدين السلجوقى بناء أسوارها. و فى جنوب ملنقوبية: نيكدة (و كتبها ابن بيبى نكيدة) و قد قامت فى موضع طوانة القديمة (تيانة(Tyanah بناها السلطان علاء الدين. وصف

المستوفى نيكدة بانها مدينة لا كبيرة و لا صغيرة. و قد مرّ ابن بطوطة بمدينة نكدة (على ما سماها به) و قال ان بعضها قد خرّب و انها من بلاد ملك العراق و يشقها النهر المعروف بالنهر الاسود و عليه ثلاث قناطر، و عليه النواعير و منها تسقى البساتين و الفواكه بها كثيرة، و فى جنوب نكدة:

لؤلؤة (لولون(Loulon و كثيرا ما ذكرها ابن بيبى. و قد بينّا انها قلعة عظيمة فى الطرف الشمالى من درب أبواب قليقية. و فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) وصف المستوفى لؤلؤة فقال هى مدينة صغيرة حولها أرض خصبة و هواؤها بارد و فيها مواطن للصيد مشهورة .

و الظاهر ان أهم المدن فى بلاد امير تكه: مدينتا العلايا و انطالية و هما ميناءان مشهوران. فالاولى، على ما بينّا، اسسها السلطان علاء الدين السلجوقى فوق كوراكسيوم(Coracesium) و قد نزلها ابن بطوطة حين جاء من الشام سنة 733 (1333) فوصف العلايا بانها مدينة كبيرة على ساحل البحر و لها تجارة مع الاسكندرية و لها قلعة صعد اليها ابن بطوطة و وصفها بقوله «لها قلعة باعلاها عجيبة منيعة بناها السلطان المعظم علاء الدين». و كانت العلايا فى أيامه على ما يظهر من بلاد سلطان قرمان.

أما أنطالية، و هى الميناء الثانى، فكانت على نحو مئة ميل من غرب العلايا عند رأس الخليج. و قد اشتهرت بان الصليبيين كانوا يبحرون منها الى فلسطين.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 184

و هى بلد كبير عده ياقوت «من مشاهير بلاد الروم و هى حصن على شط البحر واسع الرستاق كثير الاهل» و فيها بنى السلطان قلج ارسلان السلجوقى قصرا له فوق نشز من الارض يطل على

البحر. و وجد فيها ابن بطوطة أيضا ان «كل فرقة من سكانه منفردة بأنفسها عن الفرقة الاخرى: فتجار النصارى ماكثون منها بالموضع المعروف بالميناء و عليهم سور. و اليهود فى موضع آخر و عليهم سور.

و سائر الناس من المسلمين يسكنون المدينة العظمى و بها مسجد جامع و مدرسة».

و انطالية، و هى التى ورد اسمها فى أخبار الحروب الصليبية بصورة ستالية(Satalia) أو اتالية(Attaleia) ، قد جاء ذكرها مرارا فى حروب تيمور لنك باسم عدالية.

و فى غربها، على ما ذكر علي اليزدى، استانوس. و هى مدينة ذكرت فى جهان نما بصورة استناز .

و فى شمال تكه كان لامير امارة حميد البلاد التى حول البحيرات الاربع:

اكريدور و بردور و بقشهر و آقشهر. و كانت دار المملكة فى أيام السلاجقة، على ما جاء فى ابن بيبى، فى مدينة برغلو و هى تطابق الوبرلو الحديثة على ما يظهر (فى غرب اكريدور) و هى سوزوبوليس(Sozopolis) أو ابولونية(Apollonia) عند الروم. و انطاكية(Antioch of Pisidia) ، و كثيرا ما ذكرتها التواريخ الاسلامية القديمة، قد اضحى اسمها فى العهد التركى يلاواج.

و كانت فى البرية بين بحيرتى أكريدور و آقشهر. و الظاهر ان أهم مدن هذه الولاية فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، على ما جاء فى المستوفى، اكريدور و هى مدينة بروستنه Prostanna القديمة) فى جنوب بحيرة اكريدور. و وصف ابن بطوطة مدينة اكريدور بقوله «مدينة عظيمة كثيرة العمارة حسنة الاسواق ذات أنهار و أشجار و بساتين (ثم قال:) و لها بحيرة عذبة الماء يسافر المركب فيها الى آقشهر و بقشهر و غيرهما من البلاد و القرى» التى على شطئان هاتين البحيرتين.

و كانت مدينة بقشهر أو بى شهر (و هى كرليةKarallia عند الروم)

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب

بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 185

عند طرف بحيرتها و قد بناها السلطان علاء الدين السلجوقى على ما جاء فى جهان نما.

و لها سور من حجر فيه بابان و فيها مسجد جامع و حمامات حسنة و سوقها فى موضع يسمى آلرغة. و الى غرب اكريدور مدينة بردور على بحيرة بر دور و هى بلدة صغيرة. قال ابن بطوطة انها كثيرة البساتين و الانهار و لها قلعة فى رأس جبل شاهق. و جاء فى جهان نما ان اسبارطة و هى فى جنوب اكريدور كانت قاعدة حميد فى الازمنة المتأخرة. و كتب ابن بطوطة هذا الاسم بصورة سبرتا. و قال انها «بلدة حسنة العمارة كثيرة البساتين و الانهار لها قلعة فى جبل شامخ».

و تمثل هذه المدينة مدينة برس(Baris) البزنطية و تعرف اليوم باسم سبارتا .

أما بحيرة آقشهر فهى التى سماها ابن خرداذبه (أنظر الصفحة 167 أعلاه) الباسليون و قد عرفها الروم ببحيرة الاربعين شهيدا. و الى غربها الحصن العظيم قرا حصار. و كثيرا ما جاء اسمه مرتبطا باقشهر فى حروب تيمور لنك. و فى آقشهر، على ما ذكر علي اليزدى، كان السلطان بايزيد ايلدرم العثمانى المنكود الحظ قد مات كمدا فى سنة 805 (1403) و كان تيمور لنك قد قهره فى انقرة. و ذكر المستوفى هاتين المدينتين: آقشهر و قرا حصار فى جملة ما عرف من أمكنة بهذين الاسمين. و قرا حصار هذه تعرف اليوم بافيون قره حصار لكثرة ما يزرع فيها من الافيون و هى تعين موضع مدينة بريمنسوس(Prymnessos) أو اكروينس(Akroenos) اليونانية. و تؤكد الروايات المحلية ان البطال، و هو بطل عهد بنى امية الاول، فى حروبهم مع الروم قد قتل فى وقعة جرت بالقرب منها. على

ان الطبرى، و هو أقدم مرجع لدينا، روى فى حوادث سنة 122 (740) ان عبد اللّه البطال «قتل فى أرض الروم» و لم يشر الى موضع مقتله .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 186

و فى شمال امارة حميد و غربها، البلاد التى كان يحكمها أمير كرميان أو جرميان و كانت دار حكومته كوتاهية (كوتيوم(Cotyaeum . و كتب المؤرخون العرب هذا الاسم، على ما بينّا، قطيّة و لا مراء ان المدينة البزنطية قد خربت منذ زمن بعيد. و جاء فى جهان نما ان الذى بنى كوتاهية مدينة القرون الوسطى هو سلطان جرميان. و أشار ابن بطوطة الى ان فيها طائفة من قطاع الطرق. و فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة) ذكر هذا الموضع كثيرا فى حروب تيمور لنك و كان قد جعله مقر قيادته بعض الوقت. و فى شرق كوتاهية بمئة ميل قرب روافد سنكاريوس(Sangarius) العليا حصن عظيم يقال له سوري حصار اتخذه تيمور أيضا مركزا لقيادته وقتا ما. و معنى اسمه فى التركية «الحصن المدبب»، (و كتبها القزوينى بصورة سبرى حصار)، و كان فوق موضع بسينوس(Pessinus) الرومانى الذى سمى بعدئذ جستنيانوبوليس پاليا(Justinianopolis Palia) . و روى القزوينى انه كان فيه فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) بيعة مشهورة تسمى بيعة كمنانوس. «و ان الدابة اذا احتبس ماؤها يطاف بها حول هذه البيعة سبعا ينفتح ماؤها».

و الى جنوب سورى حصار: مدينة عموريةAmorion) و هى عند أسّار قلعة الحديثة) و قد تكلمنا عليها قبلا (ص 170). و فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) أشار المستوفى اليها بقوله انها موضع ذو شأن و ان عامة الناس كانوا يسمونها، لسبب مبهم، أنكورية أو انكوره(Angora) . و كرّر جهان نما

هذه التسمية الغريبة المغلوط فيها و قال ان انكورية هى التى يقال لها عمورية. و فى جنوب شرقى جرميان، مدينة لاذق(Laodicea ad Lycum) التى سمّاها الاتراك دنزلو (المياه الوافرة) لكثرة انهارها و يعرف هذا الموضع اليوم باسم اسكى حصار (القلعة القديمة) و قد وصفها ابن بطوطة فقال «هى من أبدع المدن و اضخمها

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 187

فيها سبعة من المساجد لاقامة الجمعة و أسواقها حسان. و تصنع بها ثياب قطن معلمة بالذهب لا مثل لها و أكثر الصناع بها نساء الروم». و قد ذكر جهان نما ان اسمها القديم: لاذقية .

و فى امارة أمير المنتشا، زار ابن بطوطة المدن المتجاورة الثلاث: مغلة و ميلاس و برجين و كان مقام الامير فى مغلة (مبلةMobolla القديمة) و هى دار حكمه على ما جاء فى جهان نما. و قد أشار ابن بطوطة الى انها مدينة حسنة.

و كانت ميلاس Mylasa) أو(Melisos أيضا مدينة من أحسن بلاد الروم و اضخمها، كثيرة الفواكه و البساتين و المياه. و كانت برجين Bergylia) و تعرف اليوم اسّارلك) على بضعة أميال من ميلاس «و هى جديدة على تل هناك بها العمارات الحسنات و المساجد». و زار ابن بطوطة فى القسم الشرقى من المنتشا مدينة قل حصار و قد ذكرها المستوفى باسم «گل» و قال فيها انها مدينة وسطة. و أشير اليها أيضا فى حروب تيمور. و وصفها ابن بطوطة فقال «بها المياه من كل جانب قد نبتت فيها القصب فلا طريق لها الا طريق كالجسر مهيأ ما بين القصب و المياه، و المدينة على تل فى وسط المياه منيعة لا يقدر عليها». و كان فى شمال المنتشا حصن طواس و يسمى فى وقتنا

هذا دوناس(Donas) و هو على مسيرة يوم و نصف من لاذق(Laodicea ad Lycum) . وصف ابن بطوطة طواس بانه حصن كبير فى اسفله ربض. و يقال ان صهيبا الصحابى من أهل هذا الحصن .

و الى شمال المنتشا بلاد امير آيدين و كانت قاعدتها تيرة(Teira) . و حكى ابن بطوطة و قد زار امير آيدين فيها انها «مدينة حسنة ذات انهار و بساتين».

و قد مرّ أيضا بمدينة بركى (برگيون(Pyrgion على مرحلة من شمال تيرة.

و قد أطرى أشجارها الباسقة. و تقوم مدينة آيدين أو گزل حصار فى موضع

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 188

ترليس(Tralleis) البزنطية و كانت مدينة قليلة الشأن. و كانت أفسس على الساحل، و قد عرفها البلدانيون العرب باسم افسوس أو أبسوس. و اشتهرت لان فيها كهف اصحاب الكهف الذين جاء ذكرهم فى القرآن (السورة 18، الآية 8). و قد عرفت هذه المدينة بعد ذلك باسم ايا سلوق (و تكتب أيضا اياثلوخ أو اياسليغ) و هو تصحيف الاسم اليونانى(Agiou Theologou) و سميت بذلك لان فيها كنيسة كبيرة للقديس يوحنا اللاهوتى بناها الملك يسطنيانس. و قد زار ابن بطوطة هذه الكنيسة حين كان هناك سنة 733 (1333) و وصفها بقوله «مبنية بالحجارة الضخمة و يكون طول الحجر منها عشر أذرع فما دونها، منحوتة ابدع نحت.

و المسجد الجامع بهذه المدينة من أبدع مساجد الدنيا لا نظير له فى الحسن و كان كنيسة للروم. فلما فتحت هذه المدينة جعلها المسلمون مسجدا جامعا، و حيطانه من الرخام الملون، و فرشه الرخام الابيض، و هو مسقّف بالرصاص، و فيه احدى عشرة قبّة منوعة. و زاد ابن بطوطة على ما تقدم انه كان لأياسلوق فى أيامه خمسة عشر

بابا، و نهرها يشقها الى البحر. «و عن جانبي النهر الاشجار المختلفة الاجناس و دوالي العنب و معرشات الياسمين».

و كان فى آيدين ميناء عظيم آخر هو سمرنة(Smyrna) و سمّاه الترك أزمير أو يزمير و هى التى ظفر بها تيمور من الفرسان الاسبتالية فى مطلع المئة التاسعة (الخامسة عشرة). وصفها ابن بطوطة، و كان فيها سنة 733 (1333)، فقال «معظمها خراب و لها قلعة متصلة بأعلاها». و زاد على ذلك ان امير آيدين «كان كثير الجهاد، له اجفان غزوية يضرب بها على مدن نصرانية فى سواحل البحر قرب ثغر آيدين فيسبي و يغنم». و من هذه المدن: فوجة «أو فوچة و هى فوجية(Phocia على ساحل امارة صاروخان، فقد ذكرت بعد ذلك فى أيام تيمور لنك بانها حصن اسلامى. و ذكر ابن بطوطة فى رحلته انها كانت حينئذ فى ايدى الكفار، و المراد بهم الجنويين (أهل جنوة). و كانت قاعدة صاروخان مدينة مغنيسية (مغنيسيا و هى(Magnesia قال ابن بطوطة فيها «هى مدينة كبيرة حسنة فى سفح جبل و بسيطها كثير الانهار و العيون و البساتين و الفواكه».

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 189

و فيها يقيم أمير صاروخان. و فى حروب تيمور اطلق على البلاد التى حول مغني سياه (بحسب تهجئة ذلك الزمن) اسم سروهان ايلى .

و فى شمال صاروخان بلاد امير قراصى (أو قره سى) و له داران للحكم فى بلي كسري و برغمة (برگامس(Pergamus . و وصف ابن بطوطة برغمة و قد زارها فى سنة 733 (1333) بقوله انها «مدينة خربة لها قلعة عظيمة منيعة بأعلى جبل». اما بلي كسري، و قد زارها أيضا، فكانت «مدينة حسنة كثير العمارة مليحة الاسواق و لا

جامع لها يجمع فيه، و ان كان سلطان قراصى دمور (أو تيمور) خان يعيش فيها. و أبوه هو الذى بنى بلي كسري». و كثر ذكر هذه المدينة فيما بعد أيام حروب تيمور.

و من بلي كسري سار ابن بطوطة الى برصى و قد كانت فى أيامه قاعدة الدولة العثمانية حين أخذ نجمها يتألق و سطوتها تقوى و بدأت تبتلع الامارات التركمانية الأخرى. و كانت برصى أو بروسة(Prusa) فى ذلك الزمن «مدينة كبيرة عظيمة حسنة الاسواق فسيحة الشوارع تحفّها البساتين من جميع جهاتها و العيون الجارية. و بخارجها نهر ماء شديد الحرارة يصب فى بركة عظيمة و قد بني عليها بيتان احدهما للرجال و الآخر للنساء. و المرضى يستشفون بهذه الحمة و يأتون اليها من أقاصى البلاد». و قد زار ابن بطوطة سلطانها العثمانى اورخان (و هو جد بايزيد ايلدرم، و قد مرت الاشارة الى تغلّب تيمور عليه فى مطلع القرن التالى). و فى عاصمته من المبانى قبر ابيه السلطان عثمان بمسجدها. و كان مسجدها كنيسة للنصارى.

و كانت ميخاليج (ميلتوبوليس Miletopolis ، و قد سمّاها الروم(Michaelitze على نحو خمسين ميلا غرب برصى. و قد ورد ذكرها كثيرا فى حروب تيمور و فى جهان نما. على ان أهم بلاد العثمانيين سنة 733 (1333)

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 190

هى نيقية التى أخذها السلطان اورخان من الروم و كان البلدانيون العرب الاولون يسمون Nicaea : نيقية، و عرفها الترك باسم يزنيق أو ازنيق. و وصف ابن بطوطة بحيرة يزنيك فقال انها «تنبت القصب». و فى طرفها الشرقى مدينة يزنيك «لا يستطاع دخولها الا على طريق واحد مثل الجسر لا يسلك عليها الا فارس واحد». و المدينة على قوله «خاوية

على عروشها لا يسكن بها الا اناس قليلون و بداخل المدينة البساتين. و عليها أسوار أربعة بين كل سورين خندق و فيه الماء و يدخل اليها على جسور خشب». و الى شمال نيقية: نيقوميدية(Nicomedia) و قد عرفها البلدانيون العرب الاولون باسم نقمودية، و سماها الترك ازنكميد.

و بهذه الصورة ورد اسمها فى جهان نما ثم اختصر الى ازميد و هو ما تعرف به اليوم و لم يصف هذه المدينة ابن بطوطة و لا غيره من المصنفين .

و كانت امارة قزل احمد لى تشرف على ساحل البحر الاسود مما يجاور البوسفور الى سينوب. و أول مدينة كبيرة بلغها ابن بطوطة فى رحلته من يزنيق بعد عبوره نهر سنكاريوس الذى يسميه الترك سقري كانت: مطرنى أو مدرنى (مدرلو الحديثة و هى Modrene القديمة) و قد ذكر انها بلدة كبيرة. و جاء ذكرها فى جهان نما أيضا. و وصف ابن بطوطة مدينة بولى (كلوديوبوليس(Claudiopolis و هى فى شمال شرقى مطرنى فقال: «بالقرب منها واد ليس بالصغير. و كانت كردي بولي على مرحلة من شرقيها «و هى مدينة كبيرة فى بسيط من الارض حسنة متسعة الشوارع و الاسواق و هى محلات متفرقة كل محلة تسكنها طائفة لا يخالطهم غيرهم». و كانت كردى بولى فى سنة 733 (1333) مقام الامير، و الظاهر انها كانت حينذاك أولى مدن قزل احمد لى.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 191

و فى القسم الشرقى من الولاية: قصطمونية (أو قصطمونى و أصلها قصطمون) و قد ذكر المستوفى انها مدينة وسطة. و ذكرها ابن بطوطة فقال انها «من أعظم المدن» التى زارها فى آسية الصغرى. «و هى كثيرة الخيرات رخيصة الاسعار». و فى شمال شرقها ميناء صنوب الكبير

(سينوب و هو سينوپ(Sinope .

و منها ابحر الى القرم. و قد علمنا من وصفه لصنوب انه «يحيط بها البحر من جميع جهاتها الا واحدة و هى جهة الشرق. و لها هنالك باب واحد، و هى مدينة حافلة جمعت بين التحصين و التحسين. و المسجد الجامع بمدينة صنوب من احسن المساجد فيه قبة تقلّها ارجل من الرخام. و بها قبر الولي الصالح بلال الحبشى» اول من أذن للصلاة فى الاسلام.

و على خمسين ميلا جنوب قصطمونى: المدينة البزنطية گنگرة جرمانيكوبوليس(Gangra Germanicopolis) و قد سمّاها الترك كانقرى. و ورد اسمها فى التواريخ العربية القديمة بصورة خنجرة. و غزا المسلمون فى أيام الخليفة هشام الاموي بلاد الروم و توغلوا فيها حتى بلغوا مدينة خنجرة. و قال القزوينى، و قد أورد الاسم بصورة غنجرة: «بها نهر يسمى المقلوب لانه آخذ من الجنوب الى الشمال بخلاف سائر الانهار». و زاد على ذلك ان فى سنة 442 (1050) «وقعت زلزلة هائلة سقط منها أبنية كثيرة» و لم يبق لها أثر . و للاحاطة فى ذكر مدن امارة قزل أحمد لى، يحسن بنا ان نذكر ما سماه صاحب جهان نما ب «كوج حصار» و هى فى نحو نصف الطريق بين قصطمونى و كانقرى.

و لعلها هى قوشحصار نفسها عند المستوفى، و قد مرت الاشارة اليها (ص 182).

و يعينها هناك المدينة التى بالاسم ذاته على البحيرة الملحة العظمى .

فاذا استثنينا الطريق من طرسوس الى القسطنطينية (و جاء وصفه فى ص 166) و الطريق من شرق سيواس الى تبريز (و وصف فى ص 180) ألفينا ان ما

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 192

دوّنه اصحاب كتب المسالك عما يخترق آسية الصغرى من طرق لا طائل

تحته.

على ان جهان نما ذكر عددا من المسالك التى تتفرع من سيواس و ذكر اسماء ما عليها من قرى و منازل.

و ما زال كثير منها يرى فى الخارطة. و مما يؤسف عليه ان ما بينها من مسافات لم تذكر فى معظم الاحوال. و من ثم فان ما يمكن استخلاصه من وصف هذه الطرق قليل الجدوى.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 193

الفصل الحادي عشر أذربيجان

بحيرة ارمية- تبريز- سراو- المراغة و انهارها- بسوى و اشنه- مدينة ارمية و سلماس و خوى و مرند- نخجوان- القناطر على نهر أرس Araxes - جبل سبلان- اردبيل و آهر- سفيدرود و روافده- الميانج- خلخال و فيروزاباد- نهر شال و ولاية شاهرود.

كان اقليم اذربيجان الجبلى، و يلفظ ازربيجان بالفارسية الحديثة ، فى أيام الخلافة أقل شأنا مما صار اليه فى أواخر العصور الوسطى بعد الغزو المغولى، و كان فى أقدم أدواره مبتعدا عن طريق خراسان الذى تسلكه القوافل قاطعا اقليم الجبال (ماذى). و مما امعن فى انعزال اذربيجان أيضا، ما ذكر المقدسى من انه

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 194

«يقال ان به سبعين لسانا» يتكلم بها أهل جباله و هضابه. و ليس بين مدنه مدينة عظيمة الكبر.

و بتعاقب الازمان، علا شأن بعض مدنه فصارت الواحدة بعد الاخرى قصبة الاقليم. فقد كانت قاعدة الاقليم فى صدر العهد العباسى اردبيل أولا، ثم تبؤأت تبريز المقام الاول فى أواخر عهد الخلفاء. و لكن بعد الغزو المغولى أخذت المراغة مكانها ثم استعادت تبريز سابق عزها فى أيام الايلخانيين. و لكن نجمها افل فى أيام الملوك الصفويين الاولين بنهوض اردبيل ثانية. و بعد ذلك الزمن أى فى المئة الحادية عشرة (السابعة عشرة) حين اتخذ الشاه

عباس اصفهان عاصمة لبلاد فارس جميعا و انحطت اردبيل، استعادت تبريز مقامها السابق واضحت المدينة الاولى فى اذربيجان. و ما زالت على ذلك الى يومنا هذا. فهى الآن أجل مدينة فى القسم الشمالى الغربى من بلاد فارس.

و ابرز العوارض الطبيعية فى هذا الاقليم بحيرة ارمية. و هى أوسع رقعة دائمة الماء فى بلاد فارس. اذ يربو طولها على ثمانين ميلا من الشمال الى الجنوب و نحو ثلث ذلك فى أعرض اقسامها. و هى فى غرب تبريز. و قد سميت بذلك نسبة الى مدينة ارمية التى على ساحلها الغربى. و تطلق مراجعنا على هذه البحيرة اسماء مختلفة: ففى زند آفستا سميت چيچستا. و احتفظت الفارسية القديمة بهذا الاسم بصورة چيچست و هو الاسم الذى عرفت به فى الشاهنامة. و قد ظل شائعا حتى أيام المستوفى. و سماها المسعودى و ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) ببحيرة كبوذان و هو اسم مشتق من الارمنية و معناه «البحيرة الزرقاء» (گابويد معناه: ازرق فى تلك اللغة). و اطلق عليها الاصطخرى اسم بحيرة ارمية (و تابعة فى ذلك المقدسى). و كذلك بحيرة الشراة، و الشراة فرقة من الخوارج كانت تقيم فى شطئانها. و قال ان هذه البحيرة مالحة الماء و زاد على ذلك ان فيها مراكب كثيرة تختلف بالتجارة بين ارمية و المراغة و حواليها كلها عمارة و قرى و رساتيق.

و فى وسط البحيرة جزيرة سماها ابن سرابيون جزيرة كبوذان، فيها مدينة صغيرة يسكنها الملاحون، و فى البحيرة سمك كثير على ما ذكر الاصطخرى. (و خالفه

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 195

فى ذلك ابن حوقل فقد قال «ليس فيها دابة و لا سمك»). و فيها دابة غريبة

تسمى كلب الماء. و فى الشتاء «يكون أمواج عظام» و تصير الملاحة محفوفة بالاخطار. و ذكر ابو الفداء هذه البحيرة تلا- غير ان هذا الاسم لا يدل على شى ء معروف. و وصف القزوينى هذه البحيرة فقال «يخرج منها ملح يجلو، شبه التوتيا» و يحمل منها الى سائر الانحاء. اما المستوفى فقد بينّا انه سماها بحيرة جيجست و وصفها أيضا بلفظة «دريا شور» (أى البحيرة الملحة).

و ذكرها أيضا باسم بحيرة طروج أو طسوج نسبة الى مدينة ذات شأن على ساحلها الشمالى. و أشار المستوفى و حافظ ابرو الى جزيرة شاها أو شاهى التى «تصير شبه جزيرة حين يضحل الماء». و فيها قلعة حصينة على جبل، و بها مدافن هولاكو و غيره من أمراء المغول. و جاء ذكر حصن شاها فى المئة الثالثة (التاسعة) فان مسكويه حين سرد حوادث الخليفة المتوكل حفيد هرون الرشيد تكلم على شاها و يكدر و هما قلعتان كانتا حينذاك بيد رؤساء الشراة فى تلك الانحاء. و فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) جدّد هولاكو قلعة شاها- و قد سماها حافظ ابرو قلعة تلا فى بحيرة أرمية- و جعل فيها أمواله مما نهبه من بغداد و أقاليم الخلافة. ثم صارت هذه القلعة مدفنا له. و كانت تعرف بالفارسية باسم گور قلعة «قلعة القبر». و حين دوّن حافظ ابرو تاريخه فى أيام تيمور كانت خالية خاوية .

و مدينة تبريز على نحو ثلاثين ميلا من شرق البحيرة على نهر يصب فيها قرب جزيرة أو شبه جزيرة شاها. و يبدو ان تبريز كانت قرية حتى نزلها فى المئة الثالثة (التاسعة) الرواد الازدى فى أيام المتوكل و بنى بها هو و أخوه و ابنه

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير

فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 196

قصورا، و حصّنها بسور فنزلها الناس معه. و اشارت رواية متأخرة الى ان بانى تبريز: زبيدة زوجة هرون الرشيد، غير ان التواريخ القديمة لا تؤيد هذا القول.

هذا الى انه لم يرد ما يشير الى ان هذه الاميرة قد رأت اذربيجان. و وصف المقدسى مدينة تبريز فى المئة الرابعة (العاشرة) فقال «مدينة حسنة و الجامع وسط البلد تجرى خلالها الانهار و تميد فى سوادها الاشجار». و ذكرها ياقوت، و كان فيها سنة 610 (1213)، فقال انها فى ايامه أشهر مدن اذربيجان. و زاد القزوينى على ذلك انه «تحمل منها الثياب العتّابى و السقلاطون و الاطلس و النسيج الى الآفاق». و افتدى الناس مدينتهم حال استيلاء المغول عليها فى سنة 618 (1221) فنجت بذلك مما أحاق بالمدن التى اكتسحها المغول من نهب و سلب. ثم اصبحت بعدهم فى أيام الدولة الايلخانية على ما بينّا أوسع مدن تلك الانحاء.

و قد اسهب المستوفى فى كلامه على تبريز فقال: ان الزلازل دمرتها مرتين ثم أعيد بناؤها بعد كل تدمير و كان ذلك فى سنة 244 (858) و 434 (1043) و هلك من سكانها فى هذه الزلازل اربعون الفا. و بعد أن بنيت حصّنت بسور محيطه ستة آلاف خطوة له عشرة أبواب. و ظلت على ذلك حتى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) حين شرع غازان خان ببناء ارباض كبيرة فى ما يلى سورها القديم، و حوّط هذه الارباض بسور جديد. و لهذا السور ستة أبواب و فى داخله جبل و ليان.

و كان محيط السور خمسة و عشرين ألف خطوة. و ذكر المستوفى أسماء أبواب تبريز الداخلة و الخارجة (و المخطوطات متضاربة فى هذه الاسماء) و قال ان غازان

خان كان قد دفن فى سنة 703 (1303) فى ربض الشام العظيم الذى أنشأه هو.

و زاد خلفاؤه على ابنيته كثيرا من المساجد الكبيرة و غيرها من الابنية فى داخل المدينة و فى الربض الرشيدى فى منحدرات جبل وليان. و كان يسقى بساتين تبريز نهر مهران رود و مخرجه فى جبل سهند فى جنوب المدينة. و كان حول تبريز سبع نواح سمى معظمها باسم النهر الذى يشقه. و سرد المستوفى أسماء

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 197

هذه النواحى و ما جاورها من قرى الا ان قراءة كثير من تلك الاسماء غير موثوق بها. و تكلم ابن بطوطة، و قد زار تبريز فى سنة 730 (1330)، فقال «نزلنا بخارجها فى موضع يعرف بالشام». و زاد ان فيه مدرسة حسنة من بناء قازان خان و زاوية. الى قال «دخلت المدينة على باب يعرف بباب بغداد. و وصلنا الى سوق عظيمة تعرف بسوق قازان ... و اجتزت بسوق الجوهريين فحار بصرى مما رأيته من أنواع الجواهر ... و يعرضون الجواهر على الناس ... و دخلنا سوق العنبر و المسك ... ثم وصلنا الى المسجد الجامع الذى عمره الوزير علي شاه المعروف بجيلان، و صحنه مفروش بالمرمر، و يشقّه نهر جار، و حيطانه بالقاشانى، و كان بخارجه عن يمين القبلة مدرسة و عن يساره زاوية» .

و فى تبريز نهران: اولهما مهران رود و هو يشق ارباض تبريز و الثانى سرد رود (النهر البارد) و يجرى الى الجنوب الغربى و هو كصاحبه منبعه فى جبل سهند جنوب تبريز، و يلتقى النهران بنهر سراو على بعد قليل شمال المدينة.

و سراو رود و كان يسمى أيضا نهر سرخاب ينبع فى

جبال سبلان كوه، و هى على مئتى ميل شرقى تبريز و تشرف على اردبيل. و بعد ان يجرى نهر سراو متمعجا مسافة طويلة مارا بمستنقعات ملحة يأخذ بعضها برقاب بعض و يستقبل كثيرا من الروافد، يصب فى بحيرة ارمية على نحو اربعين ميلا غرب مدينة تبريز. و قد اسهب المستوفى فى وصف جبلى سهند و سبلان و النهرين اللذين ينحدران منهما و قال ان مدينة سراو أو سراب، و اليها ينسب النهر الذى بهذا الاسم، على الطريق من تبريز الى اردبيل. و كان فى ظاهرها اربع نواح، و هى على ما جاء فى المستوفى: ورزند و درند و براغوش و سقهير. و سمّاها البلدانيون العرب الاولون باسم سراه (عوض سراب). و وصفها ابن حوقل بانها «مدينة طيبة كثيرة الخير و المير و البساتين و المياه و الفواكه و الزروع و الطواحين و لها أسواق حسنة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 198

و فنادق نظيفة». و ذكرها ياقوت باسم سراو أو سرو و قال خرّبها التتر فى سنة 617 (1220) و قتلوا كل من وجدوه فيها. على انها استعادت سابق حالها حين كتب المستوفى بعد ذلك بقرن و قال ان بينها و بين تبريز ثلاثة أيام و بينها و بين اردبيل يومان.

و على رافد فى الجانب الايسر (الجنوبى) لنهر سراو: مدينة اوجان أو اجان و كانت على عشرة فراسخ من تبريز فى طريق ميانه. وصف ياقوت أجان و كان فيها فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) بانها مدينة «عليها سور و بها سوق الا ان الخراب غالب عليها» من فعل المغول فيها. و قد أعاد غازان بناءها فى أيام المستوفى و أقام فيها زمنا ما.

و أطلق عليها اسما جديدا هو شهر اسلام (أى مدينة الاسلام) و لها سور ذرعه 3000 خطوة من حجارة و جص. و كانت نواحيها وافرة الخيرات يكثر فيها القطن و القمح و الفواكه. و يسمى نهرها آب أجان، و ينبع فى قمة جبل سهند الشرقية. و الى جنوب غربى هذا الجبل، على نحو ستين ميلا من تبريز و اربعة فراسخ من شاطئ البحيرة، القرية الكبيرة داخرّقان بحسب تسمية ابن حوقل و البلدانيين العرب لها. و قد كتبها الفرس ديه خوارقان.

و أورد ياقوت اسما آخر لها و هو ده نخيرجان و تفسيره «ده: قرية و نخيرجان:

صاحب بيت مال (كسرى ملك فارس)» و وصفها المستوفى بانها بلدة صغيرة حولها ضياع و ثمانى قرى تكثر فيها الفاكهة و القمح .

و مدينة المراغة على سبعين ميلا جنوب تبريز على «نهر صافى» و هو ينحدر نحو الجنوب من جبل سهند اليها ثم ينحرف غربا حتى يصل البحيرة. و اسم المراغة «من قرية المراغة (قرية المراعي) فحذف الناس القرية و قالوا مراغة».

و كان الفرس يسمونها افراز هروذ. و فى المئة الرابعة (العاشرة) وصف ابن حوقل المراغة بقوله «المراغة تلى اردبيل فى الكبر». و قد كانت فى أيامه مدينة اقليم اذربيجان. و زاد على ما تقدم انها كانت فى قديم الايام المعسكر و دار الامارة و خزانة دواوين الناحية بها فنقلت الى اردبيل». و كانت المراغة مدينة نزهة عليها

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 199

سور كثيرة البساتين و الانهار و الفواكه و اشتهرت بضرب من البطيخ «مستطيل الخلق قبيح المنظر غاية فى الحلاوة و طيب الطعم». و قال المقدسى: «لها حصن و بها قلعة و لها ربض». و قال

ياقوت ان هرون الرشيد امر ببناء سورها و تحصينها و قد رمّ سورها فى أيام الخليفة المأمون.

واضحت المراغة فى أيام المغول الاولين، على ما رأينا، قصبة اذربيجان.

وصفها المستوفى بانها مدينة عظيمة حولها نواح كثيرة الخيرات ذكر اسماء بعضها.

و كانت تسقيها انهار كثيرة. و فى ظاهر المراغة الرصد العظيم الذى بناه الفلكى نصير الدين الطوسى بأمر هولاكو و فيه وضع كتابه «الزيج الايلخانى» المشهور.

و هذا الرصد، و ما زالت اطلاله ترى هناك، كان خرابا حين كتب المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة). و ذكر القزوينى القلعة المسماة روين دز فقال انها «على ثلاثة فراسخ من المراغة و هى بين رياض على يمينها نهر و على يسارها نهر و على القلعة بستان يسمى عميداباذ و مصنع بئر الماء من تحتها». و على فرسخ منها قرية جنبذق فيها فوارات يحكى عنها عجائب كثيرة.

و نهر صافى يصب فى البحيرة قرب المراغة، و تختلط مياهه ايام الفيضان بمياه نهر جغتو و رافده تغتو. و ذكر المستوفى ان كليهما ينبع فى جبال كردستان.

و كان شاطئ البحيرة الجنوبى عند مصب هذه الانهار مستنقعا كبيرا. و فى هذا الموضع ليلان (أو نيلان) و هى مدينة صغيرة تلتف حولها الانهار و تحفّ بها البساتين المثمرة. و كانت آهلة بالمغول فى أيام المستوفى. و على شى ء من جنوب ليلان بحسب المسافات الواردة فى كتب المسالك قرية برزة، و فيها ينقسم الطريق الصاعد من سيسار (فى اقليم الجبال). فالايمن يتجه نحو الشمال الشرقى الى المراغة و الايسر الطريق الذاهب الى ارمية مصاقبا غرب البحيرة.

و على خمسين ميلا من شاطئ البحيرة الجنوبى بسوى، و ينطق بها الفرس بسوى. و قد زارها ياقوت فقال «رأيتها، أكثر أهلها حرامية».

و اطرى المستوفى بساتينها المثمرة. و الى شمالها الغربى مدينة اشنه و كان بها فى أيام ابن حوقل أكراد. و فى المئة الرابعة (العاشرة) كان «يجلب منها و من سوادها الاغنام و الدواب الى بلد الموصل و نواحى بلد الجزيرة. و هى أيضا مدينة كثيرة الشجر

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 200

و الخضر و الخيرات». و لمراعيها ينتجع اصحاب الاغنام. و قال ياقوت، و قد زارها، انها ذات بساتين. و وصفها المستوفى، و أورد اسمها، بصورة أشنويه فقال انها فى المنطقة الجبلية التى سماها ده كياهان .

و مدينة ارمية، و بها عرفت البحيرة التى باسمها، على شى ء يسير من شاطئها الغربى. «و هى فى ما يزعمون مدينة زرادشت». و كانت هذه المدينة على ما ذكر ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) «تلى المراغة فى الكبر. و هى مدينة نزهة كثيرة الكروم وافرة الحظ من التجارات». «و الجامع فى البزّازين» .

و كانت ارمية «بقلعة عامرة و لها حصن و بها نهر» ينحدر الى البحيرة و هى على نحو فرسخ منها. و فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) اضحت مدينة كبيرة ذرع سورها عشرة آلاف خطوة. و من أعمالها عشرون قرية. و على الطريق فى شمال أرمية، على بعد قليل من زاوية البحيرة الشمالية الغربية، مدينة سلماس و قد وصفها المقدسى بانها بلدة طيبة ذات أسواق حسنة و المسجد الجامع مبنى بالحجارة «و قد أحاط بها الاكراد» فى المئة الرابعة (العاشرة) و قال ياقوت ان معظم سلماس قد خرّب فى المئة السابعة (الثالثة عشرة). و لكن الوزير علي شاه، على ما روى المستوفى، كان فى القرن التالى، فى حكم غازان خان المغولى، قد جدد بناء

أسوارها، و محيطها 8000 خطوة. فاستعادت المدينة شأنها الاول. و هى باردة الهواء، و لها نهر ينبع فى الجبال التى فى غربها و يصب فى البحيرة.

و على شاطئ البحيرة الشمالى مدينة يقال لها طروج أو طسوج و لعلها ترسة الحديثة. و المستوفى، على ما بينّا، كثيرا ما ذكر بحيرة طسوج أو طروج الملحة و على هذا فمدينة طسوج مثل ارمية قد انتقل اسمها الى هذه الرقعة من الماء. و فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) كانت طسوج، على ما يبدو، موضعا ذا شأن، و كانت أدفأ هواء من تبريز و أكثر رطوبة لشدة اقترابها من البحيرة. و حولها البساتين و الكروم. و الى شمال شرقى سلماس، مدينة خوي و تلفظ خوي على نهر يجرى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 201

شمالا فيصب فى نهر ارس(Araxes) . و خوي، على ما ذكر ياقوت و القزوينى، «ذات سور حصين و مياه و أشجار كثيرة الخيرات يعمل بها الديباج، بها عين ينبع منها ماء كثير جدا بارد فى الصيف حار فى الشتاء». و قال المستوفى ان دائر أسوار المدينة 6500 خطوة و ان أهلها من قوم بيض الاجسام كأهل الخطا (و هم من الصين) و لها ثمانون قرية.

و فى المئة الرابعة (العاشرة) وصف المقدسى مدينة مرند و هى فى شرق خوي على ضفاف نهر من روافد الجانب الايمن لنهر خوى بقوله: «مرند: حصينة لها ربض عامر و الجامع فى الاسواق تحدق بها البساتين». و قال ياقوت فيها:

«قد تشعثت الآن و بدا فيها الخراب مذ نهبها الكرج و أخذوا جميع أهلها».

و كان نهرها على ما جاء فى المستوفى يسمى زولو (أو زكوير) و يقال ان قسما منه كان

يجرى مدى أربعة فراسخ تحت الارض. و روى المستوفى ان مرند كانت فى أيامه على نصف سعتها الاولى الا انها بقيت مشهورة بتربية دود القرمز و كان يستخرج منها صبغ أحمر. و حول المدينة ستون قرية كانت من أعمالها .

و كانت نخچوان أو نقچوان الى شمال نهر أرس و تحسب عادة من أعمال اذربيجان. و هى نشوى لدى البلدانيين العرب. و ذكرتها كتب المسالك كثيرا دون ان تتطرق الى وصفها. و قد علا شأن نخچوان فى أيام المغول. و وصفها المستوفى بانها بلدة كبيرة بناؤها من الآجر و بالقرب منها فى ناحية الشرق قلعة النجق و في شمالها جبل ضارب فى الفضاء تغطيه الثلوج يقال له ماست كوه. و فى نخجوان القبة التى بناها ضياء الملك ابن نظام الملك وزير ملكشاه السلجوقى العظيم.

و وصف علي اليزدى قنطرة ضياء الملك المشهورة (و ما زالت بقاياها قائمة) فوق نهر ارس عند قلعة كركر على طريق مرند على نحو 15 ميلا من نخجوان.

و على نهر ارس، اسفل منها بشى ء يسير، مدينة جلفا و قد تكتب جولاها.

دمرها الشاه عباس ملك فارس فى سنة 1014 (1605) حين نقل أهلها الارمن

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 202

الى ربض جديد ابتناه فى جنوب اصفهان و سماه جلفا نسبة الى جلفا القديمة التى على نهر ارس. و مما ذكره المستوفى من مدن نهر ارس: اردوباد (و ما زالت قائمة) و هى قرب ملتقى نهر بأرس من الجنوب. تقوم على ضفافه قلعة دزمار و قد ذكرها ياقوت أيضا. و أسفل منها على نهر ارس أيضا مدينة زنگيان فى كورة مردان نعيم. و هناك قنطرة ثانية ما زالت قائمة على نهر ارس

يقال لها بالفارسية پل خدا آفرين (جسر خلقة اللّه) و قد بناها على ما ذكر المستوفى أحد الصحابة فى سنة 15 (636) و تشتمل ارض مردان (أو مراد) نعيم على نيف و ثلاثين قرية .

و مدينة اردبيل فى أعالى نهر سماه المستوفى اندراب، و اسفل منها يقع نهر اهر فى يسار نهر اردبيل و هذا يصب فى نهر ارس على شى ء يسير أسفل من قنطرة خدا آفرين. و مخرج نهرى اردبيل و اهر من منحدرات سبلان كوه الشرقية و الغربية (على التوالى) و هو الجبل العظيم المطلّ على اردبيل. و من منحدراته الجنوبية يخرج نهر سراو، على ما قد بيّنا، فيجرى غربا الى بحيرة ارمية. و ذكر ابن حوقل جبل سبلان فى المئة الرابعة (العاشرة) و لكنه أخطأ فى قوله انه اعظم من دماوند و هو على بضعة أميال من شمال طهران، و تكسو الاشجار سفوحه و عليه قرى و مدن كثيرة أحصاها المستوفى. و قال ان الجبل كان يرى من بعد خمسين فرسخا و لا يفارقه الثلج شتاء و لا صيفا. و بالقرب من قمته عين كان سطحها دائم الجمود. و على مقربة من جبل سبلان، قمتان أخريان هما كوه سرا هند شمال أهر و سياه كوه (الجبل الاسود) و هو يطل على كلنتر و هى مدينة صغيرة فيها قلعة تحفّ بها الاشجار و يسقى مزارعها نهر.

و كانت اردبيل، على ما بينّا، قصبة اذربيجان فى المئة الرابعة (العاشرة).

قال فيها الاصطخرى «عليها سور و هى مدينة تكون ثلثى فرسخ فى مثلها. و الغالب على ابنيتها الطين و الآجر و بها المعسكر. و بها رساتيق و كور جليلة و هى خصبة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس

عواد، النص، ص: 203

و اسعارها رخيصة». و عسل اردبيل مشهور. و تكلم المقدسى على الحصن و قال ان أسواق اردبيل «مصلبة الى اربعة دروب و الجامع وسط الصليب و خلف الحصن ربض عامر». و فى سنة 617 (1220) نهب المغول اردبيل و تركوها قاعا صفصفا و لكنها قبيل ذلك كانت آهلة بالسكان حين زارها ياقوت. و كانت اردبيل معروفة لدى الفرس قديما باسم باذان فيروز و هى حين كتب المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) و ان لم تعد أولى مدن اذربيجان الا انها استعادت كثيرا من سالف عزها. و فى المئة العاشرة (السادسة عشرة) اضحت، على ما قد بينّا، عاصمة بلاد الفرس كلها فى أيام الدولة الصفوية الجديدة قبل ان ينقلوا قاعدة ملكهم الى تبريز أولا ثم الى اصفهان.

و أهر، و هى على مئة و خمسين ميلا غرب اردبيل، على نهر اهر. و قد ذكرها البلدانيون العرب القدماء. وصفها ياقوت بانها «مدينة عامرة كثيرة الخيرات».

و الى شمالها جبل سراهند و حولها كثير من البلدان الصغيرة القائمة على سفوح الجبل. و قد ذكر ياقوت و المستوفى اسماءها الا انه يصعب الآن تمييز تلك الاسماء أو تعيين مواضعها. و كانت الناحية المحيطة بها تعرف باسم بيشكين (و هى ميشكين فى الوقت الحاضر) نسبة الى اسرة أميرها التى حكمت فيها فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة). و مدينة بيشكين على مرحلة من اهر و كانت تعرف فى الاصل باسم و راوي و كان على نهر اندراب، فوق ملتقى نهر اهر به على ما ذكر المستوفى، قنطرة حسنة بناها علي شاه وزير غازان خان المغولى .

و نهر سفيدرود، أى النهر الابيض، و روافده الكثيرة تسقى نواحى اذربيجان الجنوبية الشرقية.

و يؤلف معظم مجرى هذا النهر الحدود الفاصلة بين اذربيجان و اقليم الجبال و يصب هذا النهر أخيرا فى بحيرة قزوين بعد مروره باقليم گيلان. و سماه الاصطخرى و غيره من المصنفين العرب باسم سبيذرود. و قال المستوفى ان المغول كانوا يطلقون عليه اسم هولان مولان (و الاصح: ألان موران) و تعنى بالمغولية «النهر الاحمر». و يعرف اليوم قسم من سفيذروذ باسم قزل اوزن

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 204

و هى بالتركية «النهر الاحمر» أيضا. و كتب المستوفى ان مخرج سفيدرود من جبال كردستان فى جبل يسمى بالفارسية پنج انگشت و بالتركية بش پرماق و معنى التسميتين «الاصابع الخمس». و فى انحدار سفيدرود شمالا يستقبل اولا نهر زنجان فى ضفته اليمنى و هو النهر الآتى من مدينة زنجان التى سنصفها فى فصل قادم. ثم يصب فى ضفته اليسرى نهر ميانج الذى يتألف من اجتماع عدة انهار تنحدر من الغرب. و شمال ميانج ينعطف سفيدرود غربا و يستقبل فى ضفته اليسرى النهرين المتحدين سنچيده و كديو المنحدرين من خلخال الى جنوب أردبيل. و يلى ذلك نهر شال من ناحية شاهرود التابعة لخلخال. و أسفل ذلك، على ضفته اليمنى، يلتقى نهر طارم الآتى من اقليم الجبال (على ما سنبينه فى الفصل الخامس عشر) بنهر سفيدرود ثم يلتقى به نهر شاهرود (و يجب ان لا يلتبس بناحية شاهرود المارة الذكر) الآتى من بلاد الحشيشيين (الحشاشين).

و أخير فان سفيدرود بعد ان يخترق الحاجز الجبلى يصل الى بحر قزوين عند كوتم فى اقليم كيلان.

و كان نهر ميانج كما بينّا أهم الروافد اليسرى لسفيدرود. و هو يأتى من الغرب و ينبع من البلاد التى فى جنوب أوجان (أنظر

ص 198). و يستقبل فى ولاية كرمرود فى ضفته اليسرى مياه نهر كرمرود (النهر الحار) و هو نهر ينبع فى الجبال التى فى جنوب سراو. و أسفل مدينة ميانج يستقبل النهر الاصلى فى يمناه مياه هشترود (الانهار الثمانية) و مخرجها فى الجبال شرق المراغة. و كان فى أيام المستوفى عند ملتقى هشترود بنهر ميانج قنطرة حجر عظيمة ذات اثنين و ثلاثين طاقا.

و كانت ميانج أو ميانه «الموضع الوسط» التى تقوم عند ملتقى كل هذه الانهار مدينة ذات مركز خطير منذ الازمنة القديمة. ذكر ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) انها منعمة بالخيرات كثيرة الثمار و مثلها كورتها التى عرفت فى الأزمنة المتأخرة باسم كرمرود. و المقدسى، و قد أورد اسمها بصورته الحديثة اعني ميانه، قال انها كثيرة الخير. و نوّه بها ياقوت و قد زارها فى المئة السادسة (الثانية عشرة). و فى القرن التالى ذكر المستوفى انها قد ضؤلت و أمست قرية

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 205

كبيرة الا انها بقيت من المراحل المهمة فى شبكة الطرق التى انشأها المغول. و هى حارة الهواء كثيرة الحشرات (و بعوض ميانه مؤذ للمسافرين اليوم). و كان فى ولاية كرمرود نيف و مئة قرية خصبة يكثر فيها القمح.

و الانهار الثلاثة المسماة سنجيده و كديو (أو كدپو فى جهان نما) و شال تلتقى بنهر سفيدرود من الشمال منحدرة اليه من ناحية خلخال. و كانت خلخال أيضا أولى مدن هذه الناحية و قد وصفت كتب المسالك موضعها بانه على اثنى عشر فرسخا جنوب اردبيل. و كانت فيروز اباد فوق قمة الدرب حيث هنالك حمة يغلي ماؤها و يفور فى وسط القمم المغطاة بالثلوج. و على ما فى

المستوفى قد كانت فى الازمنة السابقة دار الملك. و لما آلت الى الخراب حلت محلها مدينة خلخال.

و لا يمكن الآن معرفة الموضع الصحيح لفيروز اباد. و كانت البلدتان كلور و شال، و ما زالت الخوارط تذكرهما، من أعمال شاهرود و تقومان على نهر شال «يسمى الآن شاهرود الصغير» و مخرجه فى جبل شال. و ذكر المستوفى جملة مواضع أخرى فى خلخال غير انه لا يمكن تعيينها فى الوقت الحاضر .

اما غلات اذربيجان فقليلة و سنأتى على ذكرها فى آخر الفصل القادم. و فى ختام الفصل الخامس عشر لخصنا القول فى مسالك هذا الاقليم بعد ان وصفنا اقليم الجبال لان كل هذه المسالك تخرج من مواضع عديدة فى طريق خراسان الذى يخترق اقليم الجبال.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 206

الفصل الثاني عشر كيلان و الأقاليم الشمالية الغربية

اشارة

الجيلانات- اقليما الديلم و طالش- بروان و دولاب و خشم- لاهجان و رشت و غيرهما من مدن كيلان- اقليم موغان- باجروان و برزند- محمود اباد- ورثان- اقليم الران- برذعة- البيلقان- كنجه و شمكور- نهر الكر و نهر الرس- اقليم شروان- شماخى- باكويه و باب الابواب- اقليم كرجستان أو جورجيا- تفليس و قرص- اقليم ارمينية- دبيل أو دوين- بحيرة وان- اخلاط و ارجيش و وان و بتليس- حاصلات و تجارات الاقاليم الشمالية.

اوضحنا فى الفصل السابق ان نهر سفيدرود بعد ان يخترق مجراه المتعرج جبال البرز، يصب فى بحر قزوين فى النهاية الغربية من ساحله الجنوبى.

و تتكون فى هذا الموضع «دلتا» و مناقع على شى ء من السعة و وراءها الجبال. و دلتا سفيدرود هذه التى تحفّ بها من الجنوب و الغرب سفوح الجبال المتدرجة المكسوة بالغابات، هى اقليم كيلان الصغير الذى سماه العرب الجيل أو

جيلان، و فيه ثلاث نواح .

و اراضى الدلتا الرسوبية هى التى اطلق عليها البلدانيون العرب اسم الجيل أو جيلان بوجه خاص. و هم اذا أرادوا الاشارة الى الاقليم باجمعه، أطلقوا عليه

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 207

اسما بصيغة الجمع فقالوا جيلانات «كيلانات». و قد يشمل هذا الاسم أيضا الاصقاع الجبلية. و فى جنوب هذا الاقليم و غربه، مما يحاذى جبال ناحيتى الطالقان و تارم من اقليم الجبال، كانت بلاد الديلم، و قد جاء اسمها بصيغة الجمع فقيل الديلمان. و اشتهرت هذه البلاد فى التاريخ بكونها موطن بنى بويه أى الديالمة. فقد كان رؤساؤهم فى المئة الرابعة (العاشرة) سادة بغداد و ذوى النفوذ على الخلافة فى أكثر تلك الحقبة. اما الشقة الساحلية الضيقة و المنحدرات الجبلية الممتدة شمالا من جنوب غربى بحر قزوين و المواجهة من شرقيها ذلك البحر فهى بلاد طالش و قد ذكر ياقوت هذا الاسم بصيغة الجمع فقال طالشان أو طلشان. و الى الشرق، على حدود طبرستان، جبال روبنج، ويليها الناحية الجبلية العائدة الى اسرة قارن العظيمة و كان رؤساؤها منذ ازمنة غير معروفة سادة هذه البقاع الفسيحة على ما سنبينه أيضا فى الفصل السادس و العشرين.

و حين كتب المقدسى كتابه فى المئة الرابعة (العاشرة)، و هو الوقت الذى بلغت فيه سيادة البويهيين ذروتها، كانت جميع جيلان و أقاليم الجبل التى فى شرقيها المحاذية لبحر قزوين، و هى طبرستان و جرجان و قومس، فى ضمن اقليم الديلم. ثم صار ينظر الى هذه الاقاليم الشرقية فى الازمنة المتأخرة كأنها مستقلة عنه. و بعد ذلك بطل استعمال اسم الديلم نفسه فى الغالب. و انتقل اسم المناقع فى دلتا سفيدرود الى جميع الجهات

المجاورة فعرفت باقليم جيلان. على ان جيلان، بوجه اصحّ، لم تكن غير البقاع الساحلية بينما الديلم كان الصقع الجبلى المطلّ عليها. و جرى اطلاق احد هذين الاسمين فى بعض الاحيان على جميع الاقليم الذى يكتنف جنوب غربى بحر قزوين .

و كانت قصبة بلاد الديلم تسمى، على ما يقال، روذبار. الا ان موضعها غير معروف. اما المقدسى فقد قال ان «قصبة الديلم: بروان». و مما يؤسف له ان لا أثر لها اليوم، و لم تذكر كتب المسالك موضعها الحقيقى. و زاد المقدسى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 208

على ذلك قوله انه لم يكن فى بروان «منازل رشيقة انيقة و لا أسواقها بالواسعة عطيفة و لا جوامع ... و حيث مستقر السلطان يسمى شهرستان». و قد كان فيها تجار من أهل الثراء فكثر خيرها. و ذكر المقدسى ان «دولاب: قصبة الجيل» و قال فيها: «بلد طيب، بناؤهم من جص و حجر، و سوق حسن» و الجامع وسط السوق. و على ما فى ابى الفداء ان «دولاب تسمى كسكر».

و لم ينته الينا شى ء عن مسالك هذه البلاد غير ما ذكره المقدسى من ان دولاب على اربع مراحل من بيلمان، و هى قرية على ما جاء فى ابى الفداء. و الظاهر انها كانت من أهم المواضع فى بلاد طالش. و على مرحلتين من سفيدرود و اربع مراحل من بيلمان، مدينة خشم و هى مدينة الداعى (العلوى) فى النصف الاخير من المئة الثالثة (التاسعة) و كان يحكم هذه الانحاء حكم السلطان المستقل و خلع الطاعة للخليفة. و وصف المقدسى خشم فقال «لها سوق عامر و على طرف الاسواق جامع ثم دار الامير. و النهر منها على جانب

عليه جسر هائل». و يحسن ان نبين ان مواضع هذه المدن القديمة غير متحقق منها .

و كانت أكبر مدن كيلان فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) على ما فى المستوفى:

لاهجان و فومن. و ذكر ابو الفداء لاهجان أيضا و قال انها فى شرق مصب سفيدرود. و كانت حينذاك مدينة وسطة يجلب الحرير منها و ينمو فى ناحيتها الرز و القمح و النارنج و الاترنج و غير ذلك من فواكه المنطقة الحارة. و كوتم أو كوتم و هى أقرب الى فم سفيدرود، كانت ميناء تقصدها السفن من سائر انحاء بحر قزوين. ذكرها ياقوت و ابو الفداء. و كانت مدينة تجارية كبيرة فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة). و قال ابو الفداء «انها ناقلة عن البحر (بحر قزوين) مسيرة يوم». و فومن، و ناحيتها داخلية أكثر من كوتم، فى غرب نهر سفيدرود.

و كانت أكبر مدن القسم الجبلى فى بلاد الديلم. و ذكر المستوفى انها مدينة كبيرة فى بقعة خصبة يكثر فيها القمح و الرز و الحرير و هو ينسج فيها أيضا. بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 209

و المستوفى من أقدم مراجعنا التى وصفت رشت، و هى الآن قصبة كيلان و الظاهر ان بلدانيى العرب لم يتكلموا عليها بل لم يذكروا اسمها. فلقد أشار المستوفى الى ان هواءها شديد الحر عفن. و يكثر فيها القطن و الحرير و منها يحملان الى سائر الانحاء. و كانت هذه المدينة فى أيامه موضعا على شى ء من السعة و الشأن. و فى غربى رشت اليوم كورة تولم. و وردت تولم فى المستوفى اسما لمدينة ذات شأن فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة). و على ما فى ابى الفداء، كانت تولم اولى

مدن القسم السهلى فى جيلان. و نواحيها ذات خيرات فيها القمح و القطن و الرز و النارنج و الاترنج و الليمون. و شفت، أو شفته، ذكرها المستوفى اسما لمدينة و لم يبق اليوم من هاتين التسميتين غير ناحية تعرف بشفت و هى فى جنوب رشت.

و أخيرا ذكر المستوفى من مدن كيلان: اصفهبد و هى مدينة صغيرة كتبها ياقوت اصبهبذان. و زاد على ذلك فقال «بينها و بين البحر (قزوين) ميلان». و لم يشر الى موضعها. و فيها القمح و الرز و بعض الفاكهة. و فى ناحيتها نحو مئة قرية . و قد اشتق اسم المدينة، من الاصبهبذان و كانوا ملوكا لهذه البلاد خاضعين للساسانيين اعتنقوا الاسلام ظاهرا و ظلوا امراء فى طبرستان فى صدر الخلافة .

موغان

موغان و مغكان أو موقان اسم يطلق على سهل عظيم فيه مناقع يمتد من جبل سبلان حتى ساحل بحر قزوين الشرقى. و هذه البلاد فى جنوب مصب نهر ارس و شمال جبال طالش. و كانت تعد أحيانا من اقليم اذربيجان و لكنها فى الغالب كانت تؤلف اقليما بنفسه.

و قصبة موغان فى المئة الرابعة (العاشرة) مدينة موغان، و يصعب تعيين موضعها. ذكر المقدسى مدينة موغان فقال انها «مدينة قد احاط بها نهران و حولها حدائق حسان كأنها فى رحبها جنان هى مع تبريز روضتان». و من وصفه

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 210

لا يستبعد ان تكون مدينة موغان هذه مطابقة لباجروان التى عدّها المستوفى قصبة الاقليم فى القديم و كانت فى أيامه قد آلت الى الخراب. و فى وصفه للمسالك عيّن موضع باجروان على اربعة فراسخ شمال برزند، و هذا الاسم ما زال يرى فى الخارطة. و

فى الروايات الاسلامية ان عند باجروان «عين الحياة التى وجدها الخضر عليه السلام» و هو النبى الياس. و الى جنوب باجروان، على ما بينّا، برزند و قد وصفها ابن حوقل بانها مدينة كبيرة. و أشاد المقدسى بأسواقها التى تأتى اليها السلع من الانحاء المجاورة لها و تحمل الى سائر الانحاء، فهى موئل التجارة فى هذه البلاد. و أشار المستوفى الى ان كلا من باجروان و برزند كان قرية فى أيامه. و هواء نواحيها حار و يكثر فيها القمح .

و ذكر المستوفى ثلاث مدن فى سهل موغان، هى: پيلسوار و محمود اباد و همشرة. و بيلسوار كانت على نهر ينحدر من باجروان على مسافة ثمانية فراسخ من باجروان و يقال انها سميت بذلك نسبة الى الامير پيله سوار الذى وّلاه بنو بويه عليها و معنى اسمه «الفارس أو الجندى الصنديد». و محمود اباد فى مفازة كاوبارى قرب بحر قزوين و كانت على اثنى عشر فرسخا مما يلى بيلسوار. ذكر المستوفى ان بانيها غازان خان المغولى و كانت همشرة المجاورة لها على فرسخين من الساحل و تعرف فى الاصل باسم ابرشهر أو بوشهرة و قد أسسها، على ما فى المستوفى، فرهاد بن كودرز «و يزعمون انه نبوخذ نصر». و كان فى الازمنة القديمة فى شمال باجروان: بلدة بلخاب قيل انها «قرية آهلة فيها رباطات و فنادق للسبيل تنزلها السيارة». و وراء هذه المرحلة فى الطريق الشمالى على ضفة نهر الرس الجنوبية مدينة ورثان. و هى عند المعبر المؤدى الى بلاد الران.

و كانت ورثان فى المئة الرابعة (العاشرة) مدينة عليها سور و بها أسواق عامرة و لها ربض خارج السور. و كانت آهلة و هى فى سهلة عامرة

على فرسخين من ضفة النهر و مسجدها الجامع فى الربض. و يقال ان ورثان بنيت بأمر زبيدة زوجة هرون الرشيد .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 211

أرّان (الران)

أما اقليم الران و شروان و جورجيا و ارمينية، و هى فى جملتها شمال نهر أرس، فقد كان يصعب عدها من ديار الاسلام. و لهذا لم يتبسط البلدانيون العرب فى وصفها. لقد أقام المسلمون فيها منذ صدر الاسلام و ولى الخلفاء عليها عمالهم فى أوقات مختلفة، غير ان اغلب أهلها بقوا على نصرانيتهم حتى اوشكت العصور الوسطى ان تنتهى، و ما زالت هذه البلاد على ذلك حتى حلّ فيها المسلمون ثانية عقب الفتح المغولى، و لا سيما بعد الحروب الكثيرة التى شنها تيمور على جورجيا فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، اذ استقرّ فيها الترك فصار الاسلام الدين السائد فيها.

و اقليم الران فى المثلث العظيم غرب اقتران سيرس و اراكسس- و هما نهرا الكر و الرس- فهو اقليم «بين النهرين» على ما سماه به المستوفى. و كتب البلدانيون العرب القدماء هذا الاسم بصورة الران (و نطقوا به أرّان) و ما ذلك الا ليجعلوا منه اسما عربيا. و كانت قصبة هذا الاقليم فى المئة الرابعة (العاشرة) برذعة- و ما زالت خرائبها باقية. و وصف ابن حوقل مدينة برذعة- و كتبت بعدئذ بصورة بردعة- فى المئة الرابعة (العاشرة) بانها نحو فرسخ طولا فى أقل منه عرضا و كانت أكبر مدن هذه الديار مربعة الشكل لها قلعة و هى من نهر الكر على نحو ثلاثة فراسخ على ضفة احد روافده المعروف بالثرثور. و قربها فى نهر الكر السمك المعروف بالسر ماهى (و شور ماهى بالفارسية تعنى السمك المملّح)

و يحمل منها الى سائر البلاد و يكون من هذا السمك أيضا فى نهر الرس بورثان.

«و كان من برذعة على أقل من فرسخ، ناحية بموضع يدعى الاندراب، و أقطاره أكثر من مسيرة يوم فى مثله، مشتبكة البساتين و العمارات، طيبة المنتزهات

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 212

و الباغات، و لها فواكه كثيرة، و تشتمل اجنتها على البندق و الشاه بلوط و بها تين، و يربّى فيها دود القز».

و فى ظاهر برذعة عند باب الاكراد، سوق يجتمع فيها الناس كل يوم أحد، مقدارها فرسخ، تعرف بسوق الكركى (من قرياقوس(Kuriakos) اليونانى و تعنى «يوم الرب»). و يسمون يوم الاحد هناك يوم الكركى. و فى برذعة مسجد جامع حسن فسيح يرتفع سقفه على اساطين خشب و حيطانه من الآجرّ مكسوة بزخارف الجص. و فيها حمامات كثيرة. و كان بيت مال الاقليم فى أيام بنى أمية فى برذعة. و فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) كانت برذعة حين كتب ياقوت قد استولى الخراب عليها اما المستوفى فقد ذكر فى القرن التالى انها مدينة كبيرة على نهر الثرثور. و عند المعبر الذى على نهر الكر، و لعله اسفل من اقتران الثرثور به على ثمانية عشر فرسخا أى مسيرة يوم واحد فى الطريق من برذعة الى شماخي فى شروان، مدينة برزنج، و يقصدها التجار و تحمل السلع الكثيرة اليها و منها . بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد ؛ النص ؛ ص212

ضحت مدينة البيلقان و تعرف بالارمنية باسم فيداكران(Phaidagaran) قصبة الران بعد خراب برذعة. و معالم هذه المدينة، و ان زالت الآن على ما يبدو، الا ان كتب المسالك العربية قد عرّفتنا بموضعها تقريبا. و البيلقان على أربعة

عشر فرسخا من جنوب برذعة، و على سبعة أو تسعة فراسخ من شمال الرس فى الطريق الصاعد من برزند. و قد كانت موضعا عظيما حتى المئة التاسعة (الخامسة عشرة). وصفها ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) بانها «مدينة طيبة كثيرة المياه و الاجنة و الاشجار و الطواحين الواسعة على انهارها». «و بها ناطف موصوف». و فى سنة 617 (1220) «قصدها التتر و رأوا حصانة سورها، أرادوا خرابه بالمنجنيق، فما وجدوا حجرا يرمى به الحائط و رأوا أشجارا من الدلب عظاما قطعوها بالمناشير و تركها قطّاعها فى المنجنيق و رموا بها السور حتى خربوا سورها و نهبوا ... ثم احرقوها. فلما انفصلوا عنها تراجع اليها قوم كانوا هربوا

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 213

عنها و هى الآن متماسكة ... و عادت الى عمارتها». و فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، حاصرها تيمور و استولى عليها. ثم أمر باعادة بنائها و حفر نهر حمل اليه الماء من نهر ارس كان طوله ستة فراسخ و عرضه خمس عشرة ذراعا و منه كان ماء المدينة الجديدة. و كان يقال لهذا النهر برلاسى نسبة الى برلاس قبيلة تيمور.

و جاء ذكر مدينتين أخريين فى الران الى شمال غربى برذعة فى طريق تفليس.

أولاهما مدينة كنجة (و الاشهر فى تسميتها اليوم اليزابيت بول(Elizabetpol و قد كتبها البلدانيون العرب بصورة جنزة و سمى القزوينى نهرها باسم قردقاس.

و الى شمالها الغربى شمكور و خرائبها ما زالت موجودة. و كانت هذه المدينة تعرف فى المئة الثالثة (التاسعة) بالمتوكلية لان الخليفة المتوكل احدثها فى سنة 240 (854) .

و النهران اللذان يحدان اقليم الران المعروفان لدى اليونان باسم اراكسس و سيرس، سماهما العرب بنهر الرس

(أو ارس) و نهر الكر (أو كر). و ينبع نهر ارس فى بلاد قاليقلا فى غربى ارمينية. و بعد ان يجرى بمحاذاة حدود اذربيجان الشمالية يلتقى بنهر كر (على ما ذكر المستوفى) فى بلاد قراباغ فى شرقى الران. و مخرج نهر الكرّ فى الجبال غرب تفليس ببلاد جورجيا، أى فى بلاد الخزر التى تتألف من ولايتى أبخاز و اللان. و بعد أن يمرّ نهر الكر بتفليس ينحدر الى شمكور و فيها، على ما ذكر المستوفى، يتفرع منه نهر يصب فى بحيرة شمكور العظيمة و بعد ان يلتقى الكر بنهر ارس على بعد قليل أسفل من برذعة يصب فى بحر قزوين بولاية كشتاسفي .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 214

شروان

و فى ما يلى نهر الكر على بحر قزوين، حيث تفنى جبال القفقاس فيه، اقليم شروان و قصبته الشماخية و هى اليوم شماخي أو شماخى. و فى المئة الرابعة (العاشرة) وصف المقدسى هذه المدينة بقوله «الشماخية على أسفل جبل، بنيانهم حجارة و جص و لها ماء جار و بساتين و نزه. و كان ولاتها، و هم خواقين الولاية، يلقبون بشروان شاه. و يكثر فيها القمح». و بالقرب منها، بحسب الروايات الاسلامية، على ما قال المستوفى، صخرة موسى (و قد أشار اليها القرآن فى السورة 18 الآية 62) و عين الحياة على ما قد بينّا فى باجروان. و ذكر المقدسى و غيره من المؤلفين مدينتين أخريين فى اقليم شروان لم يعين موضعهما، هما شابران و «الغلبة فيها للنصارى» و هى على ما يقال على عشرين فرسخا من دربند.

و شروان و هى «فى سهلة و الجامع فى الاسواق» على مسيرة ثلاثة أيام من شماخي قصبة

الاقليم فى طريق دربند.

و كان فى اقصى شمالى بلاد شروان، باب الابواب و هى تسمية العرب لدربند أجل موانئ بحر قزوين. و فى ابن حوقل ان المدينة كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) أكبر من اردبيل التى كانت قصبة اذربيجان «فى وسطها مرسى للسفن.

و فى هذا المرسى الخارج من البحر اليها بناء قد بني كالسد بين جبلين مطلّين على هذا المرسى الخارج ماؤه من بحر الخزر. و فى هذا السد باب مغلق على الماء قد استحكم من و صيده بعقد قد عقد على الماء نفسه و الماء من تحته ... و على فم المدخل الذى تدخل فيه السفن، سلسلة ممدودة و عليها قفل لمن ينظر فى أمر البحر فلا يخرج المركب و لا يدخل الا بامر صاحب القفل. و السد من صخر و رصاص ...

و هذه المدينة عليها سور منيع من حجارة» . و فيه بابان: الباب الكبير و الباب الصغير غير الباب الثالث المارّ الذكر و هو نحو البحر. و على الاسوار أبرجة .

و تصنع فى دربند ثياب الكتان تجلب منها الى سائر البلاد. و بها زعفران كثير.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 215

و فى سوق باب الابواب مسجد جامع. فقد كانت ثغرا من ثغور الاسلام لان أهل الكفر كانوا يحيطون بها من كل جانب فى أول العهد. و اسهب ياقوت فى ذكر الامم التى فى أعلى جبال القفقاس و هضابها فى ناحية الغرب فان فيها على ما قال «نيفا و سبعين أمة، لكل أمة لغة لا يعرفها مجاورهم». و أول تلك الامم الخزر و اليهم نسب بحر قزوين فعرف ببحر الخزر. و وصف ياقوت السور العظيم الذى على المدينة و كان

يمتد من دربند حتى الغرب ليصد عنها شر الاعداء و يقال انه من بناء انوشروان ملك فارس فى المئة السادسة للميلاد. و نهر السمور و هو يصب فى بحر قزوين على شى ء يسير من جنوب دربند قد ذكره المقدسى باسم نهر الملك، و كان على نهر السمور جسر، بينه و بين الدربند عشرون فرسخا، و كان على الطريق الماد من شماخي.

و ميناء باكوه أو باكويه (باكو الحالية) فى جنوب دربند و قد اشار الاصطخرى الى نفطها. و تبّسط ياقوت و غيره فى الكلام على هذا النفط. قال ياقوت: فيها «عين نفط عظيمة تبلغ قبالتها فى كل يوم الف درهم (40 باونا).

و الى جانبها عين أخرى تسيل بنفط ابيض لا تنقطع ليلا و لا نهارا ... و هناك ارض لا تزال تضطرم نارا». و تكلم المستوفى على قلعة باكوية التى كانت تطل على المدينة فتنشر عليها ظلها فى وسط النهار. و الى جنوب باكو ولاية كشتاسفي قرب فم نهر الكر و سقيها من نهر يحمل منه. و يكثر فيها القمح و القطن. و أخيرا كان فى الجبال القريبة من دربند قلعة يقال لها قبلة و جامعها «ناء على تل» على ما فى المقدسى. و قد ورد ذكر قبلة غير مرة فى حروب تيمور. و زاد المستوفى انه يكثر فيها الحرير و القمح .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 216

كرجستان

و كرجستان، هى التى نسميها جورجيا الآن، و ابخاز و يقال لها ابخازية، لم تدخلا فى عداد الولايات الاسلامية الا بعد ان فتح تيمور هذه النواحى فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة). و تفليس قصبة كرجستان و هى فى أعالى نهر الكر و قد

عرفها البلدانيون مع ذلك فى المئة الرابعة (العاشرة) فوصفها ابن حوقل بقوله: «عليها سوران و هى حصينة لها ثلاثة أبواب، و بها حمامات ماؤها سخين من غير نار، و هى خصبة كثيرة الخيرات». و يخرق المدينة نهر الكر، و هى جانبان بجسر على ما فى المقدسى.

اما اقليم ابخاس أو ابخاز المجاور لها فكان، على ما فى المقدسى، يعدّ من جبل القبق أى القوقاس. و فيه قرية يونس و بها مسلمون و حولها قبائل من الكرج (أهل جورجيا) و اللان و غيرهم. و تنحدر من جبل ألبرز انهار كثيرة على ما ذكر المستوفى الذى زاد على ذلك ان قرص من المدن الكبيرة بجورجيا .

أرمينية

كانت ارمينية الكبرى تنقسم الى ارمينية الداخلة و ارمينية الخارجة و هى و ان كان اكثر اهلها نصارى، الا ان خضوعها لحكم المسلمين كان منذ زمن بعيد.

و فى هذه البلاد جبال عظيمة تمتد بين بحيرة و ان و بحيرة گوگجة. و من هذه الجبال مخرج نهر ارس و رافدى الفرات. و كانت قصبة ارمينية الاسلامية فى الازمنة الاولى دبيل، و تسمى ايضا دوين أو توين، و تدل عليها الآن قرية صغيرة فى جنوب اريفان أو اريوان قرب نهر ارس. و كانت دبيل فى المئة الرابعة (العاشرة) أكبر من اردبيل و هى اجل ناحية و بلدة بارمينية الداخلة، و عليها

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 217

سور له ثلاثة أبواب ، و جامعها الى جنب البيعة، و يطلّ جبل اراراط بقمتيه على دبيل و هى فى جنوبه وراء نهر الرس. و قد اشرنا (ص 123) الى ان الروايات الاسلامية تقول ان جبل الجودى فى الجزيرة هو الجبل الذى استوت عليه سفينة

نوح. و يقال لأراراط فى ارمينية جبل الحارث (اما ان يكون الاسم مشتقا من الحرث و اما ان الحارث كان علما لرجل فيما قبل الاسلام حلّ فى هذه الديار).

و كانت قمة اراراط الصغرى تسمى الحويرث (تصغير الحارث)، و قال الاصطخرى ان الثلوج على هذين الجبلين دائمة و لا يرتقى الى اعلاهما من الارتفاع و صعوبة المسلك. و محتطب اهل دبيل و متصيدهم فى هذه الجبال. و زاد المقدسى على ذلك انه كان بين شعاب هذه الجبال «ألف مدينة». «و يرتفع (فى دبيل) ثياب مرعزي و صوف مصبوغ بالقرمز و هو صبغ احمر اصله من دود كدود القز».

و وصف المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة) بلد دبيل فقال: «الاكراد به الا ان الغالب عليه النصارى. ذات ربض عتيق قد حفّ به البساتين». و آنى، و هى قصبة ارمينية النصرانية قديما، و قد استولى عليها الب ارسلان السجلوقى و أمر بنهبها سنة 456 (1064) قد قال فيها المستوفى، انها بلد فى الجبال تكثر فيه الفواكه. و على بعد يسير من شمال شرقى دبيل بحيرة عذبة المياه سماها علي اليزدى كوكجة تنكيز (البحيرة الزرقاء). و يبدو انه لم يطلق عليها هذا الاسم من المصنفين المسلمين الاوائل غير المستوفى .

و بحيرة و ان أو ارجيش، على ما سماها به المصنفون الاولون، كانت و لا مراء اشهر بحيرات ارمينية. فقد كان على شطئانها مدينة اخلاط و ارجيش و وان و وسطان و قد وصفها الاصطخرى، و طولها عشرون فرسخا يخرج منها سمك صغار يعرف بالطرّيخ (و هو ضرب من الشبوط ما زال يصاد فيها بوفرة) فيملح و يحمل الى كثير من الاقطار كالموصل و نواحى الجزيرة بل الى اقصى بلاد خراسان.

فقد ذكر ياقوت فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) انه ابتاع فى بلخ شيئا

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 218

من هذا السمك المملح. و ماء البحيرة ملح مر. و كانت اخلاط أو خلاط و هى فى طرف البحيرة الغربى من اجل مدن ارمينية، وصفها المستوفى بانها مدينة فى سهلة تحف بها البساتين و عليها حصن، و الجامع فى الاسواق، و البرد فيها قارس فى الشتاء، و هى آهلة جدا. و النهر يخرقها و يصل جانبيها جسر. و نوه المستوفى بالبساتين المجاورة لها. و يطل على اخلاط الجبل العظيم المسمى كوه سيپان و كان على ما فى المستوفى يرى من بعد خمسين فرسخا و لا تفارق الثلوج قمته.

و ارجيش، و هى على الساحل الشمالى للبحيرة، و كثيرا ما عرفت البحيرة باسمها، كانت على ما ذكر المستوفى قد احكم تحصينها الوزير علي شاه بامر غازان خان فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة). و يكثر القمح فى نواحيها، و تبعد عنها من شرقيها مدينة بارگيري أو بهر گري قرب بندماهى (سد السمك) و هى على الطريق من ارجيش الى خوي فى اذربيجان. ذكر المستوفى ان فيها قلعة حصينة فى رأس الجبل. و كان نهرها ينحدر من مروج ألاطاق حيث ابتنى ارغون الايلخانى قصرا عظيما يصطاف فيه فى وسط حير للصيد عليه سور. و مدينة و ان و قد عرفت البحيرة بها اليوم، قرب شاطئها الشرقى، و لم ينته الينا وصف لها.

و كانت قلعة وسطام أو وسطان فى ساحل البحيرة الجنوبى و قد تكلم عليها المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) و قال ان بالقرب منها مدينة كبيرة. و أخيرا كان فى جنوب غربى بحيرة و ان مدينة

بدليس (بتلس). وصفها المقدسى بانها «فى واد عميق يجرى فيه نهران فى المدينة يجتمعان و هى جانبان فيها قلعة من حجارة».

و على ما جاء فى ياقوت ان «تفاحها يضرب به المثل فى الجودة و الكثرة و الرخص و يحمل الى بلدان كثيرة» .

و كانت حاصلات و تجارات هذه الاقاليم الشمالية قليلة. فكان يصنع فيها اصناف من الثياب المصبوغة بالقرمز و اصله من دود يربى على شجر البلوط الذى يكثر فى انحاء اذربيجان. و الى القرمز ينسب الحرير القرمزى(Cramoisie)

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 219

و منه جاءت اللفظتان(Crimson) و(Carmine) . و وصف ابن حوقل و المقدسى القرمز فقال الاول: «اصله من دود ينسج على نفسه كدودة القز اذا نسجت على نفسها القز». و قال المقدسى ان القرمز «دودة تظهر فى الارض و تخرج اليها النسوان ينقرنها بنحاسة معهن ثم يجعلنها فى فرن». و يصبغ به المرعزي و الحرير و الصوف و كان هذا الصبغ معروفا فى كل مكان. و مما اشتهرت به ارمينية ايضا: «الأنماط و التكك الرفيعة و البسط و المحفوريات و الوسائد و الستور. و كذلك التين و الشاه بلوط و سمك يقال له الطريخ من بحيرة و ان- على ما اشرنا اليه- و كل ما يعرف من عملهم هذا لا نظير له فى شى ء من الارض». و كانت تجلب منها هذه السلع و تحمل كلها من دبيل. و كان يحمل الابريسم من برذعة و من سائر النواحى المجاورة. و من باب الابواب تحمل البغال الجياد. و أخيرا يقع الى هذا الميناء الذى يقال له الدربند رقيق كثير من سائر البلدان الشمالية المصاقبة له .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس

عواد، النص، ص: 220

الفصل الثالث عشر الجبال

اقليم الجبال أى عراق العجم، و نواحيه الاربع- قرميسين أى كرمان شاهان- بهستون و منحوتاتها- كنكور- الدينور- شهرزور- حلوان- طريق خراسان العظيم- كرند- كردستان فى عهد السلاجقة- بهار- جمجمال- ألانى و اليشتر- همذان و رساتيقها- دركزين- خرقانين و آوه الشمالية- نهاوند- كرخ روذراور و كرج أبى دلف- فراهان.

ان البلاد الجبلية الواسعة التى سماها اليونان ميدية (ماذي(Media الممتدة من سهول العراق و الجزيرة فى الغرب الى مفازة فارس الملحية الكبرى فى الشرق، قد سماها البلدانيون العرب اقليم الجبال. ثم بطل استعمال هذا الاسم، و صار الاقليم ايام ملوك السلجوقية فى المئة السادسة (الثانية عشرة) يعرف غلطا بعراق العجم. و قد سمي بذلك تمييزا له عن عراق العرب، و هو ما يعرف به القسم الاسفل من ما بين النهرين .

و قد حصل هذا التغير فى اسم هذا الاقليم على الوجه الآتى حسبما يظهر:

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 221

فالعراق، على ما قد بينّا (الفصل الثانى ص 42 الحاشية 1)، اسم اطلقه المسلمون على النصف الاسفل لما بين النهرين، كما اطلق العرب هذا الاسم بصيغة المثنى على المدينتين الكبيرتين: الكوفة و البصرة فقالوا «العراقين» أى «عاصمتي العراق». و كانت هذه التسمية هى التسمية القديمة الوارد ذكرها فى الادب العربى. غير ان السلاجقة، و قد تولّوا حكم بلاد فارس الغربية فى النصف الثانى من المئة الخامسة (الحادية عشرة)، جعلوا دار حكومتهم فى همذان، و بسطوا نفوذهم أيضا على ما بين النهرين حيث مقام الخليفة العباسى. و احرز السلاجقة من الخليفة لقب سلطان العراقين، فكان اسم عراق العجم يتفق هو و وضعهم هذا على ما يظهر. و سرعان ما اصبح ثانى هذين العراقين

يراد به اقليم الجبال حيث كان السلطان السلجوقى يمضي أكثر وقته. و هكذا صار يعرف لدى العامة بعراق العجم تمييزا له عن الآخر. و لياقوت رأي بصدد هذه التسمية.

فقد أشار الى ان تسمية العجم لهذا الاقليم بالعراق فى ايامه غلط، و هو اصطلاح محدث. و قد استعمل ياقوت نفسه الاسم القديم فقال الجبال. و لكن القزوينى معاصره، و قد كتب بالعربية أيضا، اطلق على هذا الاقليم ما يرادفه بالفارسية فسماه قوهستان (أى اقليم الجبل). و مهما يكن من أمر فان لفظ «الجبال»، بطل استعماله على ما يظهر بعد الفتح المغولى. و لم يستعمله المستوفى البتة فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة). و ينقسم اقليم الجبال القديم الى قسمين: الصغير، و هو كردستان فى الغرب، و الكبير و هو عراق العجم فى الشرق. و ما زال اسم «العراق» يطلق عليه حتى اليوم. و ما زال ذلك القسم من البلاد الذي كان اقليم الجبال قديما فى جنوب غربى طهران، يعرفه أهله اليوم باسم «ولاية عراق» .

و كانت المدن الاربع القديمة- قرميسين (كرمانشاه الحديثة) و همذان و الري و اصفهان- أجلّ مدن النواحى الاربع لهذا الاقليم منذ القدم. ففى أيام بنى بويه، أى فى المئة الرابعة (العاشرة)، كانت دواوين الدولة فى الرى، على ما فى ابن حوقل، ثم اصبحت همذان فى ختام القرن التالى قاعدة سلاجقة بلاد فارس. و لكن اصفهان كانت فى جميع الاوقات على ما يظهر اوسع بلاد الجبال

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 222

و اخصبها و أكثرها مالا. و فى بحثنا هذا يحسن ان نصف الاقليم بحسب ولايات مدنه العظيمة الاربع. و نبدأ بالولاية الغربية التى تتبع كرمانشاه فقد كانت منذ أيام السلاجقة

تعرف عادة بكردستان و يراد بذلك بلاد الكرد.

و قصبة كرمان شاهان، و يختصر اسمها عادة الى كرمانشاه، قد عرفها العرب قديما باسم قرميسين (و تكتب أيضا قرماسين و قرماشين). وصفها ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) فقال: «مدينة لطيفة فيها مياه جارية و شجر و ثمر و رخص و عيون متدفقة و خيرات و تجارات». و كان المقدسى أول من ذكرها باسمها الفارسى كرمان شاهان و قال ان «الجامع فى الاسواق، و قد بنى عضد الدولة (البويهي) ثم دارا حسنة، و هى على الجادة». و تكلم القزوينى فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) على قرميسين و قال انها «بقرب كرمنشاهان فكأنهما بلدة واحدة».

و اما ياقوت فقد ذكر الاسمين، و لم يطل فى الكلام على المدينة بل قصر وصفه على الصور المنحوتة و الخرائب و ما فى جبل بهستان المجاور من آثار. و كان من أثر الفتح المغولى فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) ان خربت كرمانشاه، فقال المستوفى فى المئة التالية ان هذه المدينة ضؤلت فى أيامه و صارت كالقرية و قال ان اسمها فى الكتب ما زال يكتب قرماسين (و قد بطل منذ أيامه). و هو الآخر قد قصر وصفه على منحوتات بهستان أو بيستون.

و هذه الصور كانت منحوتة فى سفح الجبل العظيم و قاعدته، على حجر اسود. و هى على مسيرة يوم من شرق كرمانشاه قرب طريق خراسان. و تحتوى هذه الصور على بقايا يرقى تاريخها الى الملوك الاخمينيين (المئة الخامسة قبل الميلاد) و الساسانيين (السابعة للميلاد) و قد وصفها الاصطخرى و ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) فذكرا ان اسم الجبل بهستون و بيستون، و قالا انه كانت هناك قرية تدعى ساسانيان . و

لا ريب فى انها هى القرية التى سماها المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) وسطام أو بسطام و تعرف اليوم باسم طاق بستان. فيها صورة دارا المشهور يستقبل الملوك التابعين له. و فيها كتابة مسمارية بثلاث لغات

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 223

أشار اليها ابن حوقل و قد وصفها بقوله ان فيه «صورة مكتب و معلم صبيان من حجارة، و بيد معلمهم كالسير يومى به لضرب الصبيان، و ان هناك قدورا منصوبة على اثاف، كل ذلك من حجارة». و اما المنحوتات الساسانية التى اضيفت الى الاولى بعد ما يربو على الف سنة فقد كانت «فى مكان يشبه الغار فيه عين ماء تجرى». و فيه على ما جاء فى ابن حوقل و تناقله من جاء بعده من مؤلفى الفرس «صورة دابة كسرى المسمى شبداز (شبديز) و عليه صورة كسرى من حجر و صورة امرأته شيرين فى سقف هذا الغار». و هذه الصور و ان نالها بعض التشويه، ما زالت ترى الى يومنا هذا، و قد صورت و وصفت غير مرة. و روى ياقوت، نقلا عن رحلة ابن مهلهل فى المئة الرابعة (العاشرة)، و المستوفى كثيرا مما كان يحكى فى زمنهما بشأن هذه الصور. فقصة خسرو و شيرين و عشيقها النحات فرهاد الذى انتحر يأسا، تسمع محوّرة تحويرا محليا فى كثير من الامكنة المجاورة. و حوادث القصة معروفة جيدا من الشاهنامة للفردوسى و من شعر نظامى الشاعر العظيم (و عنه نقل المستوفى) بعنوان «عشق خسرو و شيرين» .

و يطل على كرمانشاه من ناحية الشمال، فى يسار الذاهب بطريق خراسان، الجبل الفرد المسمى سن سميرة و منه يبدأ الطريق الشمالى الى الدينور و اقليم اذربيجان.

و انما سمى هذا الجبل بسن سميرة نسبة الى امرأة عربية بهذا الاسم كانت لها سن مشرفة على اسنانها فسمى المسلمون الجبل بسنها حين مرت جيوشهم به تريد نهاوند. و مما يلى بيستون فى الناحية الشرقية على طريق خراسان العظيم قرية صحنة و قد ذكرها الاصطخرى، و ما زالت قائمة فلا يلتبس أمرها بمدينة سحنة الحديثة التى سيأتى الكلام عليها. و يلى قرية صحنة مدينة كنكوار و قد سماها العرب بقصر اللصوص لأن أهلها سرقوا دواب المسلمين لما سار جيشهم الى نهاوند فى أول الفتح الاسلامى. و كان فى هذه المدينة على ما فى ابن رسته

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 224

و غيره، ايوان على دكة من حجر و هو لكسرى ابرويز، مبني بالجص و الحجارة على اساطين. و كانت مدينة كنكوار جليلة القدر و فيها منبر، استحدثها مؤنس المظفر حاجب الخليفة المقتدر. و قال ياقوت ان الدكة التى عليها القصور الساسانية، ارتفاعها عن وجه الارض نحو عشرين ذراعا. و زاد المستوفى على ذلك قوله ان الحجارة العظيمة التى بنيت بها القصور جئ بها من جبل بيستون .

و على نحو خمسة و عشرين ميلا من غربى كنكوار، اطلال الدينور و كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) قصبة للامارة المستقلة الصغيرة المنسوبة الى حسنويه أو حسنوية رئيس القبيلة الكردية الغالبة على هذه الانحاء. و فى أيام الفتح الاسلامى لبلاد فارس، سميت الدينور ماه الكوفة لأن (على ما فى اليعقوبى) «مالها كان يحمل فى اعطيات أهل الكوفة». و سميت المدينة و ما جاورها ماه الكوفة زمنا ما.

و وصف ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) الدينور فقال هى «كثلثى همذان و تزيد على همذان من جهة

آداب أهلها و تصرفهم فى العلم». و زاد المقدسى على ذلك انها «حسنة الاسواق و قد احدق بها بساتين». و كان الجامع، و هو من بناء حسنويه فى السوق «على المنبر قبة حسنة و مقصورة ما رأيت أحسن منها».

و كانت الدينور مدينة آهلة حين كتب المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، طيبة الهواء وافرة المياه يكثر فيها القمح و الاعناب. و لعل ما يرى فى هذا الموضع من خراب الآن، قد حل به بعد فتح تيمور، فقد ذكر علي اليزدى ان تيمور ابقى بعض جنده فى حامية هناك.

و لعله كانت فى جوار الدينور قلعة سرماج العظيمة، و لا يعرف حتى الآن موضعها على ما يظهر. وصفها ياقوت بأنها حصينة من أحصن القلاع و أشدها امتناعا.

بناها حسنويه بالصخور المهندمة و توفى فيها سنة 369 (979) بعد ان حكم حكما حافلا، على ما فى ابن الاثير، زهاء خمسين سنة. و فى المئة التالية استولى طغرل بك

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 225

السلجوقى على سرماج فى سنة 441 (1049) بعد ان ضرب الحصار عليها اربع سنين و لم يستول على هذه القلعة الا بعد ان انفذ جيشا من مئة الف رجل و استنزل (ينال) من هذه القلعة العظيمة مقهورا .

و على ستين ميلا شمال خرائب الدينور تقوم اليوم مدينة سحنة الجليلة، و هى القاعدة الحديثة لاقليم كردستان الفارسى، و ان لم يذكرها بهذا الاسم بلدانيو القرون الوسطى من عرب و فرس. و كان فى موضع سحنة الحديثة فى القرون الوسطى، على ما جاء فى كتابي المسالك لابن خرداذبه و قدامة، مدينة سيسر و معنى الاسم بالفارسية «ثلاثون رأسا» بحسب تفسير ياقوت الصحيح له. و فى

سيسر عيون كثيرة لا تحصى و كانت تدعى صد خانية (أى البيوت المئة) أو منابع المياه لكثرة عيونها و منابعها. و قد بنى الخليفة الامين حصنها و نزله المأمون بعسكره، بينهم جند من القبائل الكردية التى كانت فى المراعى المجاورة و قد استخدمهم فى محاربة أخيه و خلعه من الخلافة. و كانت سيسر رستاقا من الرساتيق الاربعة و العشرين التابعة لهمذان. و لعل اسم سحنة الحديث تصحيف صد خانية اختصرت الى سيخانة (أى ثلاثين بيتا) الا انه لا دليل على ذلك.

و على مسيرة اربع مراحل شمال غربى الدينور، مدينة شهر زور فى كورة شهر روز. و قد ذكر ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) شهر زور بأنها مدينة حصينة عليها سور يسكنها الاكراد، و قد سرد اسماء قبائلهم المنبثة فى تلك الارجاء. و كانت «من رغد العيش و كثرة الرخص و خصب الناحية بحالة واسعة و صورة رائعة». و وصفها الرحالة ابن مهلهل فى المئة الرابعة (العاشرة)، على ما اقتبسه منه ياقوت بقوله «شهرزور مدينات و قرى، فيها مدينة كبيرة و هى قصبتها فى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 226

وقتنا هذا». يقال لها نيم راه عند الفرس. (و معناه منزل نصف الطريق) لانها تقوم فى نصف الطريق بين المدائن (طيسفون) و شير، و فيهما بيتا النار العظيمان فى أيام الساسانيين. و بقرب من هذه المدينة جبل يعرف بشعران و آخر يعرف بالزلم، على ما ذكر القزوينى «ينبت حب الزلم الذى يصلح لأدوية الباه» و كان أكراد هذه الكورة حين زارها ابن مهلهل تنشئ ستين الف بيت. و حين كتب المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) كانت شهرزور مدينة زاهرة و أهلها أكراد

.

كان طريق خراسان، و قد مرّ وصفه فى الفصل الاول، يأخذ من بغداد فيشرّق الى اقصى حدود بلاد الاسلام. فبعد ان يخترق سهل ما بين النهرين، يدخل فى منطقة جبال فارس عند حلوان و هى من مدن اقليم الجبال. و قد عدّها بعضهم فى ضمن العراق العربى. و قال ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) ان «حلوان نحو نصف الدينور و بناؤها من طين و حجارة. و هى و ان كانت مدينة حارة فيها نخيل و رمان و شجرتين كثير موصوف، فان الثلج يكون منها على فرسخين فى الصيف غير منقطع ابدا». و قال المقدسى ان لها حصنا عتيقا فيه الجامع و لسورها ثمانية أبواب سرد اسماءها و قال «ثم كنيسة اليهود يعظمونها خارج البلد» من الجص و الحجارة المربعة المتلاحكة. و كانت حلوان حين كتب القزوينى فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) خرابا. «و فى حواليها عدة عيون كبريتية ينتفع بها من عدة ادواء». و فى المئة التالية نوه المستوفى بقمحها، و لكنه قال ان المدينة كانت خالية خاوية ما خلا مزارات الاولياء و كان فى ناحيتها ثلاثون قرية.

و على طريق خراسان، على اربعة فراسخ فوق حلوان من ناحية كرند، مدينة ماذرستان على مافى ياقوت، كان فيها «ايوان عظيم و بين يديه دكة عظيمة و أثر بستان خراب بناه بهرام جور «الملك الساسانى و قد آل فى أيام ياقوت الى الخراب.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 227

و على ستة فراسخ مما يلى ماذرستان، مدينة كرند و يبدو ان أول من ذكرها المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، و قد جمع اسم كرند الى قرية مجاورة لها يقال لها خوشان و لا أثر

لها اليوم. مع ان المستوفى قال انها فى أيامه آهلة أكثر من كرند.

و هذان الموضعان عند رأس درب حلوان فى سهل خصب و يتفق موضعها- اذ كما بينّا لم يذكر البلدانيون العرب القدماء موضع كليهما- مع المرج المعروف بمرج القلعة. و وصفها ابن حوقل فقال انها مدينة عليها سور لطيف و حولها رساتيق آهلة كثيرة الخيرات. و روى اليعقوبى ان «بهذا الموضع دواب الخلفاء فى المروج».

و على أربعة فراسخ مما يلى هذه المروج يمر الطريق بطزر، فيها على ما فى المقدسى بقايا ايوان للاكاسرة، بناه خسرو جرد بن شاهان على ما ذكر ياقوت. و فى طزر أسواق حسنة. و لعلها قصر يزيد الذى ذكره غير ياقوت من المصنفين. و على ستة فراسخ مما يلى طزر أيضا، الزبيدية. و هى «منزل صالح» على ما فى ابن حوقل.

و يستدل من وجودها على الطريق العام انها قد تكون فى موضع قرية هرون اباد الحديثة. و ينعطف طريق خراسان هنا نحو الشرق فيخترق سهل مايدشت (او ماهدشت) قاصدا كرمانشاه. و ذكر المستوفى ان فى سهل مايدشت فى أيامه خمسين قرية ذات مروج خضر يانعة كثيرة المياه المنحدرة اليها من الجبال المجاورة لها. و فى هذه الارجاء قلعة هرسين و عند قاعدتها مدينة صغيرة ما زالت قائمة على نحو عشرين ميلا جنوب شرقى كرمانشاه .

اما ما يقال فى أصل اقليم كردستان، فيروى انه فى نحو منتصف المئة السادسة (الثانية عشرة) اقتطع السلطان سنجر السلجوقى القسم الغربى من اقليم الجبال، أى ما كان منه من اعمال كرمانشاه و سماه كردستان و ولى عليه ابن أخيه سليمان شاه الملقب أبوه (أو ابوه) و هو الذى صار فيما بعد- أى من سنة 554-

556 (1159-

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 228

1161)- خلفا لعمه فى رئاسة البيت السلجوقى و سلطنة العراقين. و هذه هى رواية المستوفى الذى قال ان كردستان فى أيام سليمان شاه ازدهر ازدهارا عظيما و بلغ ارتفاعه مليونى دينار ذهبا (ما يعادل نحو مليون استرلينى). و هو عشرة أضعاف ما كان يدّره هذا الاقليم فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) أيام الحكم المغولى حين كان المستوفى نفسه مستوفيا أموال الدولة. و اتخذ سليمان شاه بهار- و هى مدينة ما زالت قائمة على نحو ثمانية أميال شمال همذان- قاعدة له. و كان فيها قلعة منيعة. و فى أيام المغول بنى السلطان ألجايتو عاصمة ثانية فى سلطان أباد جمجمال (چمچمال) قرب حافة جبل بيستون. و قد وصف المستوفى هذه المدينة فقال هى وسط صقع وافر الخيرات كثير القمح. و أشار فى وصف المسالك الى موضع جمجمال أو چمچمال- و هى على اربعة فراسخ من قرية سحنة و ستة من كرمانشاه- و ما زالت أطلالها قائمة معينة فى الخارطة فى الموضع المنوه به. و قد ذكر على اليزدى هذه المدينة غير مرة حين وصفه زحف تيمور الى كردستان.

و من المدن التى يقع ذكرها فى أخبار حروب تيمور، و أشار اليها المستوفى، مدينة دربند تاج خاتون «مدينة متوسطة السعة أكثرها قد استولى عليه الخراب الآن». و دربند زنكى و هى دونها. و كانت فيها مراتع حسنة و هواؤها طيب معتدل، و الظاهر انه لم يبق لهاتين المدينتين أثر فى الخارطة. و بما ان دربند تعني الدرب الجبلى، و ان علي اليزدى ذكر اسم الاولى بصورة دربند تاشى خاتون، فان هاتين المدينتين المشتركتين باسم دربند كانتا فى الحدود الغربية

لبلاد كردستان على ما يظهر، (بين شهرزور و حلوان) فى الجبال التى تهمين على سهول ما بين النهرين.

و ذكر المستوفى أيضا اربع مدن أخرى فى كردستان هى: ألانى و اليشتر و خفتيان و دربيل. و قال ان هذه المدن كانت فى أيامه جليلة، اما اليوم فليس من اليسير تعيين مواضعها. و كانت ألانى، و قد ورد ذكرها فى بعض المخطوطات بصورة ألابى، فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) قصبة الاقليم المعتبرة على ما يظهر و ان لم يذكرها غير المستوفى على ما نعلم. و يكثر فيها القمح و هواؤها طيب و مروجها وافرة المياه و يكثر الصيد فى انحائها. و فى اليشتر أيضا بيت للنار قديم

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 229

يسمى اردحش (اروخش أو ارخش) بيد ان كتب المسالك لم تعين موضعها.

الا ان سهل اليشتر ما زال معروفا و لعل من مواضعه القديمة المدينة التى ذكرها المستوفى و هى بلا ريب مطابقة لمدينة ليشتر أو لاشتر التى ذكر ابن حوقل و غيره بانها على عشرة فراسخ جنوب غربى نهاوند و اثنى عشر فرسخا شمال شابر خاست . و يحسن بنا ان نبين من الجهة الثانية انه يشك كل الشك فى قراءة اسم اليشتر، فان كثيرا من اوثق المخطوطات و اصحها و كذلك جهان نما التركية، أوردته بصورة البشر كما وقعت فيها صور أخرى مختلفة لهذا الاسم.

و لا يعلم شى ء عن خفتيان (و أوردها جهان نما حقشيان، و المخطوطات بصور أخرى) سوى انها كانت قلعة محكمة البناء حولها القرى على ضفاف نهر الزاب.

و غير واضح ما اذا كان هذا الزاب هو الزاب الاعلى أم الاسفل. فموضعها غير معلوم و الامر كذلك فى دربيل (أو دزبيل)

و هى «مدينة وسطة ذات هواء طيب». و لم يشر المستوفى الى موضعها و لو بوجه التقريب. و بهذا يختتم المستوفى كلامه فى اقليم كردستان .

و همدان (و قد كتبها العرب بصورة همذان) و هى اكبتانا القديمة قاعدة اقليم ماذي. وصف ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) همذان بأنها «مدينة كبيرة حسنة مقدارها فرسخ فى مثله، محدثة، اسلامية. و لها سور و ربض. و للمدينة أربعة أبواب، كثيرة التجارات و المير، و لها مياه و بساتين كثيرة و زروع خصبة» و غلات وافرة و لا سيما الزعفران. و قال المقدسى ان اسواق المدينة ثلاثة صفوف، و الجامع فى السوق و بنيانه عتيق. و قال ياقوت، و له فى همذان فوائد كتبها قبيل ان يقوضها الفتح المغولى و يحيلها أرضا يبابا فى سنة 617

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 230

(1220)، انها اربعة و عشرون رستاقا لكل رستاق قصبة، و قد سرد اسماءها.

ثم أورد المستوفى هذه الاسماء فى المئة التالية و قد زاد عليها اسماء القرى التى فى كل رستاق. على ان أكثرها لا يمكن تعيين موضعه الآن. و وصف المستوفى هذه المدينة فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) بانها فرسخان فى مثلهما و فى وسطها تقوم القلعة العتيقة و قد بنيت بالطين، يقال لها شهرستان. و قلعة همذان العتيقة هذه كنظيرتها التى فى اصفهان. و سيأتى ذكرها- سماها ابن الفقيه ساروقا و لكنه لم يفسر معنى الاسم. و كان سوق الصاغة فى همذان مشهورا، أنشى فى موضع قرية قديمة يقال لها زمين ديه. و كان محيط أسوار المدينة 12000 خطوة.

و قوام همذان فى أول ايامها، على ما ذكر المستوفى، خمس مدن و هى: قلعة

كبريت و قلعة ماكين و كرد لاخ و خورشيد و كورشت. و زاد على ذلك «ان الاخيرة و هى مدينة كانت واسعة فى القديم قد آلت الى الخراب». و من أعمال همذان أيضا النواحى الخمس العظيمة الآتية مع قراها و هى: فريوار قرب المدينة ثم ازمدين و شرامين و أعلم. و أخيرا يلحق بها كورة سردرود و برهندرود. و يحسن بنا ان نقول انه لا يركن الى قراءة هذه الاسماء، فان مخطوطات الكتاب المختلفة متباينة فى ذلك كثيرا .

و على ثلاثة فراسخ من همذان، قرية يقال لها جوهستة (و لم تذكر المراجع فى أية جهة من همذان هى، كما لم تذكر الخوارط اسمها) فيها اطلال قصر الملك بهرام جور. وصفه ابن الفقيه فقال ان القصر كله حجر واحد منقور فيه الحجر و الدروب و الغرف «و فى كل ركن من اركانه صورة جارية و فيه كتابة بالفارسية من أوله الى آخره» تشيد بفتوحات الاكاسرة. و على مقدار نصف فرسخ من هذا القصر، تل مشرف عليه «ناووس الظبية». و روى ابن الفقيه حكاية الملك بهرام جور و جاريته المحبوبة. جاء فيها خبر صيده كثيرا من الظباء فى البرية القريبة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 231

من ذلك الموضع، ثم قتله جاريته جزاء أقوالها المهينة التى انتقصت فيها من مقدرته على الصيد.

و الى جنوب غربى همذان يشمخ جبل ألوند العظيم أو أروند، على ما كتبه ياقوت. و هذا الاسم يرى فى دراهم الفضة التى ضربها فيها أبو سعيد الايلخانى فى سنة 729 (1329) . و سرد المستوفى حديثا طويلا عن كوه الوند فقال فيه ان محيطه ثلاثون فرسخا و قمته لا تفارقها الثلوج شتاء وصيفا.

و كان فى ذروة الجبل عين يخرج ماؤها من شق فى صخرة. و زاد على ذلك انه ينبع من ذراه أيضا اثنان و اربعون نهرا. فاذا سرنا غربا من همذان و عبرنا درب الوند فى الطريق الى كنكوار الفينا اسدآباد، و قد وصفها ابن حوقل بانها مدينة آهلة. و ذكر المقدسى ان على مقدار فرسخ منها ايوانا فى بناء سماه ياقوت مطابخ كسرى. و كان فى اسداباد جامع و أسواق عامرة و هى كثيرة الخير و العسل. و قال المستوفى انه كان من أعمالها خمس و ثلاثون ضيعة .

و السهل الذى تقوم فيه همذان تنصرف مياهه الى الشمال و الشرق، فتتحد مجاريه العديدة لتؤلف أوائل نهر كاوماها (كاوماسا) و سنذكره فى كلامنا على نهر قم. و الى شمال همذان ناحية در كزين و فى شمالها أيضا ناحية خرّقان. و قد كتب المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) عن در كزين و قال انها مدينة جليلة كانت قبلا قرية و هى قصبة ناحية أعلم و قد مرّ بنا فى الصفحة السابقة انها واحدة من خمس نواح من أعمال همذان. و قال ان ناحية أعلم- و ذكرها ياقوت قبله أيضا- سماها الفرس خطأ باسم المر، و كانت هضبة عالية بين همذان و زنجان. و تكثر فيها الاعناب و القطن و القمح. أما خرقان و تسمى فى الغالب خرقانين فهى الى شمال أعلم و فيها كثير من القرى سرد المستوفى اسماءها (و لكن قراءتها فى مخطوطات كتابه لا يوثق بها). و قصبتها: آوه أو آبه همذان و ما زالت قائمة.

و انما سميت بذلك تمييزا لها عن آوه ساوه و سيأتى ذكرها. و قد تكتب آوه

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب

بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 232

الشمالية هذه احيانا بصورة آوا على ما ذكر ياقوت. و جاء ذكرها منذ المئة الرابعة (العاشرة) فقد نوه بها المقدسى. و كان نهر خرّقان، على ما فى المستوفى، يفيض فى الربيع و يسيل ماؤه فى نهر كوشك رود ثم يفنى فى المفاوز الكبيرة فى نواحى الرى. و لا يتجاوز ماء نهر خرقان فى الصيف حدود هذه الناحية فان السقى يستنفد مياهه .

و مدينة نهاوند على نحو اربعين ميلا جنوب همذان و كانت مدينة جليلة منذ ايام الساسانيين. و بعد ان فتحها المسلمون بجيش من أهل البصرة صارت تعرف المدينة و ناحيتها باسم ماه البصرة لان خراجها كان يحمل فى اعطيات أهل البصرة مثل خراج الدينور الذى كان يحمل فى اعطيات أهل الكوفة (راجع الصفحة 224). و تكلم ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) فقال هى مدينة جليلة كثيرة التجارة و الرساتيق. و يرتفع اليها زعفران الروذراور، و بها جامعان احدهما عتيق و الآخر محدث. و ذكر ياقوت: يروى ان كثيرا من عرب البصرة سكنوها منذ أيام الفتح الاولى. و اشتهرت نهاوند بصنف من العطور. و روى المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) ان جل أهلها فى أيامه من الاكراد. و يكثر فى رساتيقها قطن لاسيما فى ثلاثة رساتيق ذكر اسماءها و هى: ملاير و اسفيذان و جهوق. و على نحو نصف الطريق بين همذان و نهاوند رستاق روذراور «و هو رستاق كبير عظيم يزرع فيه الزعفران، و المنبر منه بموضع يعرف بكرج الروذراور» و روذراور على ما فى ياقوت «مسيرة ثلاثة فراسخ فيها ثلاث و تسعون قرية». و جاء اسمها فى المستوفى بصورة رودارود و غير ذلك. و ذكر من

مدنها سركان و توي و كلتاهما ما زالت ترى. و يطلق على ناحيتها الآن اسم توي .

و فى شرقى نهاوند كورة الايغارين و قصبتها يقال لها كرج، و اشتهرت باسم

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 233

كرج ابى دلف. و لا يعرف الآن الموضع الحقيقى لكرج هذه. و لكن مع التدقيق فى المسافات التى ذكرت فى وصف المسالك و مما قاله المستوفى فى ان المدينة كانت وراء جبال راسمند (و هى الجبال المعروفة اليوم باسم راسبند) ينبغى أن يبحث عن موضعها بالقرب من منابع النهر المارّ بساروق و الملتقى بنهر قراصو الحالى. و تكلم ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) على كرج فقال انها اصغر من بروجرد و لكنها كانت مدينة ذات شأن «بنيانها عال و كانت مدينة طويلة نحو فرسخين و لها سوقان احدهما على باب مسجد الجامع و سوق آخر و بينهما صحراء كبيرة. و تصاقبهما المنازل و المساكن و الحمامات. و بناؤهم من طين و ليس بها كثير بساتين و منتزهات» و تحف بها أراض قليلة وافرة الخصب. اما ابو دلف، و هو الذى نسب اليه هذا الموضع، فقد كان قائدا شهيرا و شاعرا فى قصر هرون الرشيد و ابنه المأمون. و قد أقام ابو دلف و آله فى هذه الكورة و فى ما حول البرج و هو على اثنى عشر فرسخا أمام اصفهان. و قد اوغرت لهم ايغارا أى انها معفاة من الخراج ما خلا ما يدفع سنويا من المال الى الخليفة . و روى ياقوت ان «كرج» فارسية و أهلها يسمونها كره. و كانت فرّزين «قلعة على باب كرج». و قد اشار المستوفى الى نهرها باسم كره- كره

رود- و قال ان جبل راسمند كان يطل على السهل فى شمالها. و عند حافة الجبل عين ماء غزيرة يقال لها عين الملك كيخسرو تسقى المراتع المجاورة طولها ستة فراسخ فى عرض ثلاثة و كانت تعرف باسم مرغزار كيتو و تحميها قلعة فرزين. و جبل راسمند، على

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 234

ما قيل، صخرة سوداء تشمخ مثل جبل بيستون. و تشق سفوحه و ديان صغيرة و محيطه عشرة فراسخ اما موضع البرج و هى مدينة الايغارين الثانية فلم يتوصل الى تعيينها و لكن موضعها معروف بوجه التقريب فقد قال ابن حوقل انها مدينة حسنة الحال فى الطريق الذاهب الى اصبهان على اثنى عشر فرسخا من الكرج .

و أسفل منها بانحدار نهر الكرج و فى شمال كرج أبى دلف، مدينة ساروق فى رستاق فراهان و قد أشار اليها ياقوت و المستوفى و عداها من أعمال همذان. و دولة آباد، و هى ما زالت قائمة فى تلك الانحاء، ذكرت فى جملة المواضع الجليلة، و كان بالقرب منها ملّاحة و هى بحيرة تكون اربعة فراسخ فى مثلها فاذا كانت ايام الصيف و جفت البحيرة صارت ملحا جيدا يأخذه الناس و يحملونه الى البلدان فيباع. و قد سمى المغول هذه البحيرة، على ما فى المستوفى، جغان ناوور و معناها «البحيرة الملحة» و هى بلا ريب بحيرة توالة الحالية. و أخيرا فان فى جنوب شرقى همذان، فى نحو نصف الطريق بين هذه المدينة و نهاوند، بلدة رامن الصغيرة و قد ذكرها ياقوت فى جملة مدن هذه الناحية الا ان غيره من المصنفين لم يتعرض لوصفها .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 235

الفصل الرابع عشر الجبال «تابع»

اللر

الصغرى- بروجرد- خرماباذ- شابرخواست- سيروان و الصيمرة- اصفهان و كورها- فيروزان و فارفان و نهر زنده رود- اردستان- قاشان- قم و كلبيكان و نهر قم- آوه و ساوه- نهر كاوماها.

فى جنوب همذان، لورستان (لرستان) أى بلاد اللر، و اللر جيل من الاكراد. و انهار هذه البلاد الجبلية تقسمها الى قسمين: اللر الكبرى فى الجنوب و اللر الصغرى فى الشمال، و يفصل بين اللر الصغرى و اللر الكبرى نهر كارون الاعلى. و قد آثرنا بسط القول فى مدن اللر الكبرى فى فصلنا عن خوزستان، و ان عدّ بعض المؤلفين كورة اللر الكبرى جزءا من عراق العجم أيضا.

و كانت أهم مدن اللر الصغرى، حسبما جاءت فى المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة): بروجرد و خرّماباد و شابور خواست. و قد وصف ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) بروجرد فقال هى مدينة حسنة طولها أكثر من عرضها و طولها نحو نصف فرسخ. و فواكه الكرج منها، و بها زعفران كثير. و استحدث حمويه فيها منبرا. و كان حمويه وزير آل ابى دلف و قد مرّ ذكرهم. و حين

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 236

كتب المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) كان فيها جامعان: عتيق و محدث.

اما المدينة فكان الخراب قد استولى عليها فى ايامه حسب قوله. و أشار اليها علي اليزدى غير مرة فى سياق وصفه حروب تيمور، الا انه سماها و روجرد حيثما ذكرها و قال ان القلعة المسماة أرميان قد جددت بأمر تيمور .

و خرّماباذ و قد كانت منذ ايام تيمور اجل موضع فى اللر الصغرى بعد بروجرد، لم يذكرها أحد من بلدانيى العرب فى القرون الوسطى بهذا الاسم.

و لعل خرّماباذ هى مدينة شابرخواست

على رأي بعضهم، فقد كثر ذكرها قبل ذلك. على ان ما يثبت خطل هذا الرأى ذكر المستوفى لهما كلا على انفراد، هذا الى كونه أشار الى موضع شابور خواست. و كانت خرماباذ حين كتب المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) مدينة حسنة و ان دبّ الخراب فى بعضها. و كان يكثر فيها النخيل. و قال ان هذه المدينة هى الموضع الوحيد الذى ينمو فيه النخيل فى بلاد الجبال ما خلا الصيمرة. على ان هذا القول لا يمكن الاخذ به على علاته.

أما شابور خواست و قد كتبها البلدانيون العرب بصورة سابور خواست ققد اشتهرت بتمورها أيضا منذ أيام ابن حوقل. و فى المئة الرابعة (العاشرة) خضعت سابور خواست و بروجرد و نهاوند لحسنويه الزعيم الكردى الذى أقام دولته فى الدينور (أنظر الصفحة 224 أعلاه). و فى دزبز، قلعة سابور خواست و هى تضاهى سرماج مناعة، خبأ بدر بن حسنويه أمواله التى وقعت فى سنة 414 (1023) بأيدى البويهيين. و فى المئة الخامسة (الحادية عشرة) ورد ذكر سابور خواست غير مرة فى أخبار السلاجقة. و فى سنة 499 (1106) استولى عليها الاتابك منكربرس كما استولى على نهاوند و ليشتر (اليشتر). و حين كتب المستوفى تاريخ گزيدة فى النصف الاول من المئة الثامنة (الرابعة عشرة) كان فى اللر الصغرى فى أيامه مدن آهلة هى: بروجرد و خرماباذ و شابور خواست (على ما كتبها بالفارسية) و ذكر ان هذه الاخيرة و ان كانت فى ما مضى مدينة عظيمة آهلة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 237

فيها اخلاط من الشعوب و عاصمة المملكة، فان شأنها قد تضاءل و تحولت الى مدينة اقليم ليس الا. و قال ان موضعها

مما يلى بروجرد فى الجنوب. «فالطريق من نهاوند الى اصفهان يتشعب يمينا الى شابور خواست» و يسارا (أى الى الشرق) يبقى الطريق الاصلى على اتجاهه الى كرج ابى دلف. و هذا يتفق و ما أورده ابن حوقل و المقدسى، فقد قال الاول ان من نهاوند الى لاشتر عشرة فراسخ (جنوبا) و من لاشتر الى الشابر خاست اثنا عشر فرسخا. و من الشابر خاست الى اللور (الكبرى) ثلاثون فرسخا- أى الى المفاوز التى فى شمال دزفل، على ما سيأتى بيانه فى الفصل السادس عشر. و زاد المقدسى على ذلك ان من سابور خواست الى كرج ابى دلف أربع مراحل على مثل ما كان من سابور خواست الى اللر .

و فى غرب اللر الصغرى على حد العراق الغربى: كورتا ماسبذان و مهرجان قذق. و اهم مدنهما: السيروان و الصيمرة. و ما زالت ترى اطلال هاتين المدينتين. و ماسبذان اسم يطلق الآن على البقعة التى فى جنوب سهل ماي دشت.

و كانت سيروان (أو السيروان) على ما فى ابن حوقل «مدينة صغيرة غير ان الغالب على بنائها الجص و الحجر كمدينة الموصل فى أبنيتها. و فيها الثمر الكثير و الجوز و الدستنبويه و ما يكون فى بلاد الصرود و الجروم» . و كان فيها أيضا النخيل على ما قلنا. و أشار القزوينى الى ما فى كورة ماسبذان من الكباريت و الزاجات و البوارق (جمع البورق) و الاملاح. و على نحو خمسين ميلا من شرقها:

الصيمرة و هى كالسيروان و بقيت زمنا مدينة آهلة بعد زوال المدينة الاخيرة و كانت اصلح موضعا منها. و اشتهرت كورة مهرجان قذق، و هى التى تحيط بالصيمرة،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص:

238

بكثرة خيراتها فى المئة الرابعة (العاشرة). و أشار المقدسى الى انها كبيرة عامرة.

و وصف ياقوت الصيمرة فقال «بها نخل و زيتون و جوز و ثلج». و فى الطريق بين الصيمرة و الطرحان و هى ضيعة مجاورة لها «قنطرة عجيبة بديعة تكون ضعف قنطرة خانقين» و هى بين حلوان و خانقين. و حين كتب المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) كانت الصيمرة مدينة حسنة و ان أخذ الخراب يدب فيها. و كانت نواحيها مشهورة بنخيلها .

و فى الطرف الجنوبى الشرقى من اقليم الجبال، ليس ببعيد عن شفير المفازة الكبرى، مدينة اصفهان (و كتب العرب هذا الاسم «اصبهان» و الفرس «اسباهان») و كانت منذ اقدم الازمنة موضعا جليل القدر لعظم خيرات اراضيها و وفرة مياهها الآتية من زاينده رود . و تقوم اليوم اصفهان و ارباضها على ضفاف هذا النهر اما فى القرون الوسطى فكانت احياؤها الآهلة على ضفة زاينده رود الشمالية أى اليسرى فقط. و قد كان فى هذا الموضع مدينتان متقاربتان هما:

فى الشرق جى و يقال لها أيضا شهرستانه يحف بها سور ذو مئة برج، و على ميلين من جنوبها: اليهودية و هى ضعف جى. و قد نسبت هذه المدينة على ما اجمعت عليه الروايات الى اليهود الذين اسكنهم نبوخذ نصر فيها.

و وصف ابن رسته فى ختام المئة الثالثة (التاسعة) مدينة جى فقال طولها نصف فرسخ وسعتها نحو 2000 جريب (أى نحو 600 أكر). و لها أربعة أبواب: الاول باب خور و يقال له أيضا باب زرين روذ و هو الاسم القديم للنهر.

و الثانى باب اسفيج و الثالث باب طيرة و الرابع باب اليهودية. و ذكر ابن رسته عدد أبراج السور بين باب و باب و

أورد المسافات بينها بالذراع. و بمدينة جى بناء عتيق يقال له الساروق على مثال الحصون. و هذا الاسم يشبه اسم قلعة همذان على ما قد بينّا. و قال ابن رسته: «لا يعرف بانيه لقدمه فقد بنى قبل الطوفان».

و وصف ابن حوقل و المقدسى فى المئة التالية جى و اليهودية فقالا: فى كل واحدة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 239

منهما منبر و اليهودية وحدها تضارع همذان سعة بل هى أكبر مدينة فى اقليم الجبال. و قد تستثنى الرى من ذلك. و كانت اصفهان مركزا تجاريا فى اقليم الجبال «يرتفع منها العتابى و سائر ثياب القطن و يجود. تجلب منها الى سائر النواحى. و بها زعفران و فواكه و هى أخصب مدن الجبال و اوسعها عرصة و أكثرها ماء و تجارة». و على ما فى المقدسى «يقال ان بختنصر لما جلى بنى اسرائيل من الارض المقدسة لم يروا بلدا تشاكله ارضهم غيرها فسكنوها». و قال ان للمدينة اثنى عشر دربا. و بناؤهم طين و أسواقها بعض مغطاة و بعض مكشوفة. و الجامع فى الاسواق حسن على اساطين مدورة و له منارة فى قبلته طول سبعين ذراعا.

و كانت مدينة جى المجاورة لليهودية على ميلين من شرقيها. و يقال لها المدينة على ما فى المقدسى و هى ترادف لفظة شهرستانة. و كان على النهر أسفل قلعتها القديمة جسر سفن فى المئة الرابعة (العاشرة).

و فى سنة 444 (1052) زار الرحالة الفارسى ناصر خسرو اصفهان و قال انها أكبر مدينة رآها فى جميع البلاد الناطقة بالفارسية. و كان فيها مئتا صراف و خمسون رباطا و يقال ان طول سورها ثلاثة فراسخ و نصف و له شرفات و مراق

يصعد بها الى أعلاه. و كان مسجدها الجامع بناء فخما. و سوق الصرافين مما تحسن رؤيته. و لكل سوق من أسواقها الكثيرة باب يغلق عليها. و حين كتب ياقوت فى مطلع المئة السابعة (الثالثة عشرة) كان الخراب قد دب فى اليهودية و جى و بقيت ثانيتهما أكثر سكانا. و تكلم أيضا على جامع جى الذى بناه الخليفة الراشد باللّه ابو جعفر المنصور الذى خلعه عمه محمد المقتفى فى سنة 530 (1136) ثم انه قتل فى حرب بينهما و دفن فى ظاهر باب الصحن الا ان اليهودية استعادت شيئا من منزلتها السابقة بعد الفتح المغولى. و حين كتب أبو الفداء فى سنة 721 (1321) كانت اليهودية عامرة بينها و بين شهرستان ميل من شرقيها تقوم على قسم من موضع جى القديمة.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 240

و سرد معاصره المستوفى حديثا طويلا عن اصفهان و كورها ذاكرا اسماء كثير من مواضعها التى ما زالت موجودة. و يثبت وصفه لها ان يهودية القرون الوسطى هى مدينة اصفهان التى وصفها شاردان Chardin فى ختام القرن السابع عشر حين اضحت عاصمة بلاد فارس فى عهد الشاه عباس. و ما زالت معالم مجدها التالد ظاهرة للعيان اليوم. و على ما فى المستوفى كان طول أسوار المدينة 21000 خطوة. و يرقى زمنها الى المئة الرابعة (العاشرة) اذ بناها عضد الدولة البويهى.

و كان فى بقعة اصفهان قبلا اربعة قرى انتسبت اليها محال المدينة و هى كران (و ذكر شاردان ان باب كران كان فى جبهتها الشرقية) و كوشك و جوبارة (و كانت هى المحلة الشرقية حين كتب شاردان. و كان باب جوبارة فى الشمال الشرقى) و دردشت (و الباب الذى

بهذا الاسم فى الشمال. و محلة دردشت فى الشمال الغربى). و على ما ذكر المستوفى ان أكثر المحلات سكانا فى أيام السلاجقة كانت المحلة التى يقال لها جلبارة (و هى محلة كلبار عند شاردان و كانت حول ميدان كهنه الحالى «أى الميدان القديم») حيث كانت مدرسة السلطان محمد السلجوقى و قبره. و فيها قطعة حجر تزن عشرة آلاف منّ (و لعل ذلك يعادل ما يقرب من 32 طنا) و هى صنم (بد) عظيم حمله السلطان من الهند و نصبه أمام باب المدرسة .

و لما استولى تيمور على اصفهان فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة) ورد اسم القلعة التى فتحها بصورة قلعة طبرك (و هى تعنى الرابية بالفارسية). و قد وصف شاردان اطلال هذه القلعة و هى ما زالت شاخصة بانها فى ظاهر باب دردشت و الى ذلك فقد علمنا ان ملكشاه السلجوقى أقام قلعة حصينة أخرى- شاه دز «القلعة الملكية»- فوق قمة جبل عند اصفهان فى سنة 500 (1107). و اورد القزوينى حكاية طويلة تدور على الاحوال التى لابست تأسيسها. و فى مطلع المئة العاشرة (السادسة عشرة) خضعت فارس للشاه اسماعيل الصفوى و فى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 241

ختامها نقل الشاه عباس الكبير قاعدة ملكه من اردبيل الى اصفهان. و نقل ايضا جميع الارمن من جلفا، و هى على نهر ارس، و اسكنهم فى حي جديد بالمدينة انشأه على ضفة نهر زاينده رود الجنوبية أى اليمنى. و اضاف الشاه عباس أيضا الى اصفهان احياء و ارباضا جديدة فى شمال النهر. و قد وصف ذلك كله شاردان وصفا وافيا فقد عاش فى اصفهان سنين كثيرة فى خلال النصف الاخير من القرن السابع عشر

للميلاد .

و النواحى الثمان حول اصفهان، و قد عني المستوفى بذكر اسمائها و اسماء قراها، ما زالت موجودة. و وردت هذه الاسماء نفسها فى اليعقوبى و فى غيره من مصنفى المئتين الثالثة و الرابعة (التاسعة و العاشرة). و كان اربع من هذه النواحى فى شمال النهر. اما الاربع الاخرى ففى يمينه فى الجنوب. فاذا ابتدأنا من الضفة الشمالية رأينا ناحية المدينة، و كان يقال لها جى، و هو اسم المدينة العتيقة التى فى شرقيها. و كانت ناحية مربين فى غرب اصفهان و فيها بيت نار قديم بناه الملك الاسطورى طهمورث الملقب ب «ديوبند» أى «مكتّف الشياطين». و الى الشمال الغربى على شى ء يسير من أبواب المدينة ناحية برخوار. و كانت جز (كز الحديثة) أوسع قراها. و الى الشمال الشرقى ناحية قهاب و هى رابعة النواحى التى فى شمال النهر. و فى جنوب زاينده رود، و الى جنوب شرقى مدينة شهرستانه القديمة، ناحية برآن. و يليها فى منحدر النهر ناحية رودشت.

و قصبتها فارفآن و كانت مدينة واسعة فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) و لكنها الآن قرية قرب سبخة گاوخاني الكبيرة. و كانت ناحية كرارج فى جنوب برآن. و الى غربها فى أعلى الضفة اليمنى لنهر زاينده رود، ناحية خان لنجان الكبيرة و هى آخر النواحى الاربع التى فى جنوب النهر. و كانت أهم مدينة فيها فيروزان. و لم

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 242

تبق معالم ما لبقايا هذه المدينة على ما يظهر مع انها كانت مدينة كبيرة ذات جانبين فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) و بين يديها نهر زاينده رود. قال ابن بطوطة، و قد مرّ بها، انها تبعد ستة فراسخ من اصفهان. و فى المئة

الرابعة (العاشرة) كانت ناحية خان لنجان مشهورة بفواكهها الوافرة و بخصوبة ارضها. و يكتب اسمها غالبا خالنجان أو خالنجان كما عرفت باسم خان الابرار. و اسم خان لنجان اذا أريد به المدينة فانها تنطبق و لا ريب على فيروزان المارة الذكر و هى التى تذكر كتب المسالك انها أول مرحلة باتجاه الجنوب فى الطريق الغربى من اصفهان الى شيراز. و فى المئة الخامسة (الحادية عشرة) مرّ ناصر خسرو بخان لنجان فى طريقه الى اصفهان و رأى على باب المدينة كتابة فيها اسم طغرل بك السلجوقى .

و نهر اصفهان يعرف اليوم بنهر زندرود و سماه مصنفونا على اختلافهم باسم زاينده رود أو زرنروذ. و يطلق اسم زرين رود اليوم على أحد فروع هذا النهر. و كان المجرى الاصلى يسمى فى أعاليه جوي سرد (النهر البارد) و مخرجه فى زرده كوه (الجبل الاصفر) و ما زال هذا الجبل يعرف بهذا الاسم لأن صخوره من الحجر الكلسى الاصفر، و هو على ثلاثين فرسخا غرب اصفهان و لا يبعد كثيرا من منابع نهر دجيل أو كارون فى خوزستان. و فى تلك الانحاء أيضا، على ما فى المستوفى، جبل اشكهران و هو الذى يعيّن حد اللر الكبرى.

و فى أسفل مدينة فيروزان فى خان لنجان يستقبل نهر زنده رود رافدا يضارع المجرى الاصلى سعة ينحدر من جوار كلپيكان (جرباذقان) و بعد ان يمر باصفهان و يسقى نواحيها الثمان ينحرف زنده رود شيئا يسيرا الى شرق رودشت و يغور أخيرا فى كاوخانى على شفير المفازة الكبرى. و يقال، على ما ذكر ابن خرداذبه فى المئة الثالثة (التاسعة)، ان هذا النهر «يغور فى رمل فى آخرها ثم يخرج بكرمان

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص،

ص: 243

على ستين فرسخا من الموضع الذى غار فيه ثم يصب فى البحر». و لكن المستوفى لا يؤيد هذا القول بطبيعة الحال لأن بين اصفهان و كرمان جبالا عالية و ان روى هو الزعم القائل ان كسر القصب التى ترمى فى سبخة كاوخانى تخرج فى كرمان و عقب ذلك «و لكن هذه الحكاية لا تصدق» .

و كانت نائين، و هى فى شمال كاوخانى عند حافة المفازة الكبرى و كذلك المدن التى فى جنوب شرقيها باتجاه يزد، تعد من أعمال اقليم فارس فى القرون الوسطى على ما سنبينه فى الفصل الثامن عشر. الا ان اردستان و هى على بضعة أميال شمال غربى نائين كانت من أعمال اقليم الجبال. و قد وصف الاصطخرى اردستان فى المئة الرابعة (العاشرة) بانها مدينة حصينة عليها سور ذو خمسة أبواب.

و هى ميل فى مثله، و المسجد الجامع فى وسط المدينة. و كان يعمل فيها ثياب الحرير و تحمل الى الآفاق. و فى زوارة و هى فى شمال شرقى اردستان أبنية من بناء الملك انوشروان العادل. و ذكر المقدسى ان اردستان «أرض على بياض الدقيق و منه اشتق اسمها» فبالفارسية، ارد: الدقيق. فمعنى اردستان موضع كالدقيق.

و الاطلال التى أشار اليها ياقوت باسم أزوارة، قال ان «بناءها آزاج، و فى وسط حصن منها بيت نار» يقال ان انوشروان ولد فيه. غير ان المستوفى و قد كتب الاسم بصورة زوارة نسب كل هذه الاطلال بما فيها بيت النار الى الملك بهمن بن اسفنديار. و قال ان المدينة التى تقوم فى حافة المفازة كان حولها 30 قرية و ذكر أنها من بناء دستان أخى البطل رستم على ما يقال.

و على شفير المفازة بين اردستان و

قاشان كرگس كوه «جبل النسر». وصفه المقدسى بانه أعلى جبال مفازة فارس و امنعها و يليه سياه كوه «الجبل الاسود» و هو دونه فى الكبر غير انه منيع. و هذان الجبلان عاليان و عرا المسلك الى ذراهما. و جبل سياه كوه «جبل أسود قبيح المنظر و المخبر» و كلا الجبلين، على ما قال الاصطخرى، مأوى للصوص يعتصمون به. و فى هذا الجبل ماء يسمى آب بنده «اذا صرت عنده كنت كأنك فى حظيرة و الجبل محيط بك». و فى نحو

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 244

نصف الطريق فى المفازة بين كرگس كوه و سياه كوه، رباط حصين يقال له دير الجص من جص و آجر، عليه أبواب حديد. و هذا الرباط على ما ذكر الاصطخرى يسكنه بذرقة السلطان و فيه حياض الماء يجتمع فيها ماء المطر.

و قال المقدسى انه رآه شعثا و على باب الرباط بقال مقيم. و وصف المستوفى كرگس كوه بانه جبل منقطع عن الجبال و محيطه نحو عشرة فراسخ . و كانت النسور تعشش فى صخور ذراه. و تكثر فيه الوعول التى تحتمل العطش اياما طويلة. و الى غرب اردستان مدينة نطنز أو نطنزة و لم يذكرها احد من بلدانيي العرب قبل ياقوت . و روى المستوفى ان قلعتها كانت تسمى و شاق نسبة الى و ال كان على نطنز. و قد عرفت هذه القلعة قديما باسم كسرت. و فى جوار نطنز أيضا قرية كبيرة يقال لها طرق، هى «شبه بلدة» على قول ياقوت.

و لأهلها على ما ذكر القزوينى «يد باسطة فى الآلات المستظرفة من العاج و الآبنوس يحمل منها الى سائر البلاد» .

و قد وصف الاصطخرى مدينة قاشان بانها

«مدينة صغيرة، بناؤها و بناء قم الغالب عليه الطين». و كتب بلدانيو العرب القدماء اسمها بصورة قاشان لا كاشان. و اشتهرت قاشان فى ديار الشرق بقرميدها الذى يقال له القاشى (و القاشانى) و اصبحت هذه التسمية تطلق على القرميد الازرق و الاخضر المتخذ فى تزويق المساجد حتى يومنا هذا. و على ما فى المقدسى كان بقاشان «عقارب عجيبة» و قد أشار ياقوت الى «ما يجلب منها من الغضائر القاشانى» و قال ان «أهلها كلهم شيعة امامية». و ذهب المستوفى الى ان اول من بنى قاشان زبيدة زوجة هرون الرشيد، و نوه بقصر فين و هو بقرب قاشان و قال فيه حياض و كهاريز

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 245

تستمد الماء من نهر يأتى من قهرود. و كان نهر قاشان يجف صيفا قبل ان يصل ظاهر المدينة، اما فى الربيع فغالبا ما يطغى فيضانه على المدينة. و بعد ان يجتازها كان يفنى فى المفازة المجاورة لها.

و مدينة قم، و هى الى شمال قاشان، مشهورة الآن عند الشيعة بمشهدها، و هو مشهد فاطمة أخت علي الرضا الامام السادس، و قد عاش فى أيام هرون الرشيد. و المعروف انها توفيت مسمومة فى طريقها الى اخيها فى خراسان. وصف ابن حوقل مدينة قم فى المئة الرابعة (العاشرة) فقال ان جميع أهلها شيعة، و كانت حينذاك مدينة عليها سور، خصبة و بها بساتين و أشجار فستق و بندق.

و كان اسم قم القديم على ما فى ياقوت: كمندان «فاسقط العرب بعض حروفها فسميت بتعريبهم قما». و قال أيضا «داخل المدينة حصن قديم للعجم» ما زال يرى. «و لها واد يجرى فيه الماء بين المدينتين (أى بين الحصن القديم

و المدينة الاسلامية) عليه قناطر معقودة بحجارة». و ذكر المستوفى ان دائر أسوار قم كان عشرة آلاف خطوة، و قد اشتهرت قم اشتهار آوه بكثرة مخابئ الثلج التى تحفر فى الارض. و يكثر فيها السرو و تعصر الخمر من عنبها الاحمر الفاخر.

و حين كتب المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) كان الخراب قد دبّ فى معظم مدينة قم. و مما يحسن ذكره انه لا المستوفى و لا غيره من المصنفين القدماء لمح الى قبر فاطمة و ان كانت المدينة معروفة بانها مركز للشيعة .

و مخرج نهر قم فى ناحية كلبيكان قرب جبل خانسار على ما جاء هذا الاسم فى المستوفى. و هذا الجبل يرتفع بين نهر قم و الرافد الايسر لنهر اصفهان المار الذكر. و جرباذقان هو الاسم العربى لكلبيكان. و صورة الاسم القديمة كانت كربائيكان و قد فسره المستوفى ب «موضع الورود» و كتب اسمه بصورة كلبادكان. و نوه بخصب ناحية كلبيكان، و ذكر ان من أعمالها خمسين قرية.

و أشار المقدسى الى جرباذقان فقال هى فى نصف الطريق بين كرج ابى دلف

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 246

و اصفهان و ان قرية خانسار، و قد عرفت الناحية باسمها، كانت مجاورة لها على ما فى ياقوت. و كانت مدينة دليجان اسفل منها على نهر قم. و ذكرها ياقوت بصورة دليجان أو دليكان. و قد كانت فى ما مضى عامرة الا انها آلت الى الخراب حين كتب المستوفى. و بعد ان يجتاز نهر قم مدينة قم، يلتقى بالنهر الكبير الآتى من همذان و هو نهر كاوماها أو كاوماسا. و يستقبل فى يمينه على بعد قليل فوق قم نهر آوه و فى يساره النهر

المار بساوه و هذه الانهار يتشعب كلها الى جداول كثيرة توصل فيما بينها سواق ثم تفنى أخيرا فى المفازة الكبرى شمال شرقى قم.

و مدينة آوه (و تسمى آوه ساوه تمييزا لها عن آوه القريبة من همذان.

أنظر ص 231) على شى ء يسير غرب قم. و ينبع نهر آوه فى تفرش و هى، على وصف المستوفى لها، ولاية لا يكون الوصول الى أى طرف منها الا بدروب.

و هى وافرة الخيرات كثيرة الضياع. و قد ذكرها المقدسى باسم آوه الرى. اما ياقوت فقال انها قرية أو بليدة. و كتب اسمها بصورة آبه و قال ان اهلها شيعة.

و فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) وصف المستوفى آوه و قال عليها سور محيطه الف خطوة و فيها مخابئ محفورة لاختزان الثلج لان الحاجة تمس الى الثلج فى اشتداد القيظ. و خبزها ردئ. و ذكر ان بين آوه و قم جبل منقطع يقال له كوه نمك (جبل الملح) لان تربته يخالطها الملح. و بلوغ قمة هذا الجبل ممتنع لان ارضه هشة و لا يستقيم الثلج على سفوحه. و ملحه لا يستعمله الناس لشدة مرارته. ودور هذا الجبل ثلاثة فراسخ و هو شاهق جدا فيرى من عشرة فراسخ .

و مدينة ساوه فى منتصف المسافة بين همذان و الرى على طريق القوافل التى تقطع بلاد فارس (أى طريق خراسان). و كانت ذات شأن فى المئة الرابعة (العاشرة). وصفها ابن حوقل بانها «كثيرة الجمال و أكثر الحجاج يحجون على جمالهم لانهم مع قنيتهم الجمال جمّالون». و قال المقدسى ان المدينة «عليها حصن و بها حمامات ظريفة و الجامع بعيد عن السوق و هى على الجادة». و ذكر

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص:

247

ياقوت ان بقرب ساوه «مدينة يقال لها آوه. فساوه سنية شافعية و آوه أهلها شيعة امامية. و لا يزال يقع بينهما عصبية». و قاست ساوه الكثير على يد المغول فى سنة 617 (1220) فقد خربوا المدينة «و قتلوا كل من فيها». و قال ياقوت:

«كان بها دار كتب لم يكن فى الدنيا أعظم منها، بلغنى انهم أحرقوها». و أشار القزوينى الى دار الكتب هذه فقال: «و فى وسط الجامع خزانة الكتب فيها كل كتاب معتبر كان فى زمانه ... مع الاسطرلابات و الكرات» المتخذة لتعلم الفلك.

«و بها مارستانات و مدارس و رباطات. و الطاق الذى على باب الجامع، و هو طاق عال جدا، مثل طاق كسرى» فى المدائن.

و فى الروايات الاسلامية ان ساوه كانت «فى قديم الزمان على ساحل بحيرة غاضت عند مولد النبى». فقد غاض ماؤها فى باطن الارض ابتهاجا و فرحا بالبشرى السعيدة على ما فى المستوفى. و ذكر ان اسوار ساوه احدثت فى ايامه بالآجر و كان ذرع محيطها 6200 ذراع و على اربعة فراسخ من غرب ساوه مشهد النبي شمويل. و حين كتب المستوفى كان جل اهلها من الشيعة. و ذكر اسماء كثير من القرى فى نواحيها التى يكثر فيها القطن و القمح و الرمان.

و كان نهر ساوه يسمى مزدقان نسبة الى مدينة بهذا الاسم كانت على ضفافه.

و مخرج هذا النهر فى سامان و هى قرية كبيرة على حدود كورة خّرقان من أعمال همذان (أنظر ص 231) و سامان فى بقعة ذات خيرات فيها القمح و العنب. و من سامان يأتى النهر الى مزدقان (و تكتب أيضا مصدقان) و هى بلدة محيطها 3000 خطوة على ما جاء فى المستوفى، و هواؤها بارد

و هى فى ارض جبلية. و قال ياقوت «كان يخدم الصوفية برباط بمزدقان». و كانت المدينة مرحلة على طريق القوافل الذى يقطع بلاد فارس. و أنبأنا المستوفى ان نهر مزدقان بعد ان يجتاز ساوه يتشعب فيغور قسم من مائه تحت الارض فى وهدة عظيمة بينما تنصب بقية مائه فى كاوماها.

اما النهر الطويل المسمى كاوماها (و جاء الاسم فى بعض المخطوطات بصورة كاوماسا) و هو الذى عني المستوفى بوصفه فيعرف الآن بعض مجراه

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 248

باسم قراصو (الماء الاسود). و منابعه على ما مرّ بيانه فى مفازة همذان حيث تنحدر جداول متشعبة من اسداباد و جبل الوند و كورة فريوار فيجرى أولا الى ناحية الشمال ثم ينعطف انعطافا حادا الى الشرق فيستقبل من الجنوب رافدا عظيما هو النهر الذى ينبع بالقرب من كرج ابى دلف و يستقبل مما يلى ساوه و آوه رافدين آخرين قد مرّ ذكرهما. و أنشئ فى هذا النهر سد عظيم يختزن الماء للسقى فى موسم الصيهود. و يختلط مجرى كاوماها بنهر قم الآتى من كلبيكان. و ذكر المستوفى ان مياه هذين النهرين الفائضة بعد ان تجتاز موضعا يقال له هفتاد بولان أى «القناطر الثمانين» يفنى ما يتبقى منها فى المفازة الكبرى. و قال المستوفى ان مثل نهر كاوماها فى ناحيته مثل نهر زنده رود فى اصفهان. فقد كان كلاهما مصدر الخير و البركة لهاتين المدينتين. و مما تحسن الاشارة اليه ان أحدا من البلدانيين العرب القدماء لم يذكر هذا النهر .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 249

الفصل الخامس عشر الجبال «تتمة»

الرى- ورامين و طهران- قزوين و قلعة الموت- زنجان- السلطانية- شيز او ستوريق- خونج- ناحيتا الطالقان و

طارم- قلعة شميران- تجارات اقليم الجبال و غلاته- مسالك اقليم الجبال و اذربيجان و اقاليم الحدود الشمالية الغربية.

فى الطرف الشمالى الشرقى من اقليم الجبال، مدينة الري. و كتبها بلدانيو العرب مقترنة دائما بال التعريف. و هى مدينة ريجس Rhages عند اليونان.

و قد كانت الري فى المئة الرابعة (العاشرة) على ما يظهر أكبر القصبات الاربع لاقليم الجبال. قال ابن حوقل «ليس بعد بغداد فى المشرق مدينة أعمر من الري الا ان نيسابور أكبر منها عرصة وافسح رقعة، و مقدارها فرسخ و نصف فى مثله». و كانت الرى فى أيام الخلافة العباسية يقال لها المحمدية، و انما سميت بهذا الاسم لان محمدا، و هو المهدى الخليفة العباسى، نزلها فى خلافة ابيه المنصور و بنى أكثر مدينة الرى. و بها ولد ابنه هرون الرشيد. و صارت مدينة المحمدية هذه أكبر دار للضرب فى هذا الاقليم. و قد وجد اسمها هذا على كثير من النقود العباسية.

«و بناء الرى من طين و يستعمل فيها الآجر و الجص». و على ما فى ابن

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 250

حوقل كان للرى حصن حسن مشهور له خمسة أبواب: باب باطاق (فى الجنوب الغربى) و يخرج منه طريق بغداد. و باب بليسان (فى الشمال الغربى) و يفضى الى قزوين. و باب كوهك (فى الشمال الشرقى) و يفضى الى طبرستان. و باب هشام (فى الشرق) و يخرج منه طريق خراسان. و باب سين (فى الجنوب) و يفضى الى قم. و كانت أسواق المدينة عند هذه الابواب و خارجها. و أعظمها تجارة ربض ساربانان و روذه. و بها معظم التجارات و الخانات، و هو شارع عريض مشتبك الابنية و العقارات و المساكن. و

فى المدينة على قول ابن حوقل: «نهران للشرب، يسمى أحدهما سور قنى و يجرى على روذه، و الآخر الجيلانى يجرى على ساربانان». و ذكر ياقوت أيضا نهر موسى الآتى من جبل الديلم، فقد يكون هذا النهر هو الجيلانى أو نهر كيلان المار الذكر. و أشار المقدسى الى بنائين جليلين فى الرى أحدهما دار البطيخ و هو اسم يطلق عادة على سوق الفاكهة، و الثانى دار الكتب بأسفل الروذه فى خان، و لم تكن كثيرة الكتب على قول المقدسى.

و فى المئة الرابعة (العاشرة) قال ابن حوقل و المقدسى ان الرى قد خرب أكثرها و تحولت تجارتها الى ارباض المدينة القديمة. و كان يطلّ على المسجد الجامع الذى بناه الخليفة المهدى و فرغ من عمارته فى سنة 158 (775)، على ما روى ياقوت، الحصن و هو على قلة جبل صعب المرتقى «فاذا صعدت الى تلك القلعة اطلعت على سطوح الرى كلها» على وصف ابن رسته. اما ما رواه ياقوت عن الرى فغير واضح كثيرا الا انه اقتبس فى شطر مما روى وصفا خططيا قديما للمدينة جاء فيه ان المدينة الداخلة فيها المسجد الجامع و دار الامارة و حولها خندق. و أهل الرى يدعونها «المدينة». و المدينة الخارجة كان غالبها يعرف بالمحمدية و قد كانت فى أول أمرها ربضا محصنا. و كان على قلة جبل يطل على المدينة التحتانية (الداخلة) و على ما نقله ياقوت كان هذا الحصن يعرف بالزبيدية (و قد ورد اسمه فى بعض المخطوطات بصورة الزيبندي) . و قد كان المهدى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 251

نزله أيام مقامه بالرى. ثم جعل بعد ذلك سجنا ثم خرب و عمر فى سنة 287

(891). و كان فى الرى قلعة أخرى يقال لها قلعة الفرّخان و عرفت أيضا بالجوسق. و فى المئة الرابعة (العاشرة) كره فخر الدولة البويهى القصر القديم القائم فوق قلة الجبل فابتنى له أبنية مشرفة على البساتين سماها فخرآباذ .

و أشهر رساتيق الرى فى الازمنة الاولى و أكثرها خصوبة: رستاق روذه (أو الروذه) و فيه قرية كبيرة بهذا الاسم فى ما يلى ربض المدينة. و ورامين و قد أخذت مكان الرى بعدئذ و صارت اولى مدن ذلك القسم من اقليم الجبال. و بشاويه و ما زالت قائمة تعرف باسم فشاويه. و أخيرا قوسين و ديزه و القصران الخارج و الداخل. و ديزه اسم قريتين كبيرتين أو مدينتين على مسيرة يوم من الرى و هما ديزه القصرين و ديزه ورامين. و كل هذه الرساتيق و غيرها مما ذكره ابن حوقل كانت اشبه بمدن صغيرة «يزيد ما فى احدها من أهلها على عشرة آلاف رجل».

و فى سنة 617 (1220) استولت جحافل المغول على الرى و نهبتها و احرقتها و لم تقم لها قائمة منذ نزول هذه الكارثة بها. و حين مرّ بها ياقوت فى ذلك الزمان قال «رأيت حيطان خرابها قائما و قد خربت دورها. و كثير منها مبني بالآجر المنمق المحكم الملمع بالزرقة مدهون كما تدهن الغضائر». و لم ينج من أذى المغول غير ربض الشافعية و هو أصغر أحياء المدينة. اما احياء الحنفية و الشيعة فقد خربت و لم يبق لها أثر .

و قد حاول غازان خان المغولى تعمير الرى و انقاذها من الخراب المستحوذ عليها فأمر باعادة بناء المدينة و السكنى فيها. و لكنه خاب فى ذلك لان سكانها كانوا قد انتقلوا عنها الى مدينتي

ورامين و طهران المجاورتين لها لاسيما الى الاولى اذ كانت أطيب هواء من الرى القديمة. واضحت فى مطلع المئة الثامنة (الرابعة عشرة) أكثر مدن هذه الناحية ازدهارا. و خرائب ورامين على شى ء يسير من

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 252

جنوب الرى. و الى شمالها، على ما ذكر المستوفى، جبل طبرك- و هو على ما يظن غير الجبل الذى بنى عليه (الخليفة) المهدى قلعته المارة الذكر-. و كان فيه معدن الفضة و يأتى منه ربح كثير. و قلعة طبرك هذه، على ما فى تاريخ ظهير الدين، قد بناها منوجهر الزيارى فى مطلع المئة الخامسة (الحادية عشرة). و روى ياقوت ان طغرل الثانى آخر سلاطين سلاجقة العراق خربها فى سنة 588 (1192). و تحدث طويلا عن حصار هذا الحصن المنيع المشهور و قال ان جبيل طبرك على يمين القاصد خراسان و عن يساره جبل الرى الاعظم (و يظن انه موضع القلعة التى بناها المهدى). و هو متصل بخراب الرى. و وصف المستوفى ضريح امام زاده عبد العظيم بانه على مقربة من الرى و ما زال هذا المشهد من المزارات المكرمة فى طهران اليوم. و فيه ضريح الحسين بن علي الرضا الامام الثامن.

و من الولايات المشهورة قرب الرى: ولاية شهريار. و ذكر المستوفى عرضا قلعة بهذا الاسم تقوم فى شمالى المدينة. و قد اصبحت هذه القلعة بعد ذلك ذات شأن لان شهريار أو رى شهريار هو الاسم الذى أطلقه علي اليزدى على الرى حين وصف حروب تيمور. اما ورامين فكانت، على ما بيّنا، أول المراكز الآهلة الا ان الخراب قد نال من هذه المدينة فى مطلع المئة التاسعة (الخامسة عشرة) و بعد زمن قام فى

موضعها مدينة طهران التى لم تكن فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) غير قرية من أكبر قرى الرى. و فى طهران القديمة (و تلفظ تهران أيضا) كان لاهلها تحت الارض بيوت «كنافقاء اليربوع» على ما فى القزوينى «و فيها اثنتا عشرة محلة كل محلة تحارب الاخرى». و وصف المستوفى طهران فى القرن التالى فقال هى مدينة وسطة. و لكن فى ختام المئة الثانية عشرة (الثامنة عشرة) اتخذها اقا محمد شاه مؤسس الدولة القاجارية عاصمة لبلاد فارس .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 253

و الانهار التى تسقى سهل الرى و ورامين و طهران تنساب من هذا السهل الى حدود المفازة الكبرى فتفنى فيها. و كان من أهم هذه الانهار: نهر موسى، و قد مر ذكره، و عليه قرى كثيرة. و تكلم المستوفى أيضا على نهر كرج و كانت عليه قنطرة ذات طاق واحد يقال لها پل خاتون (قنطرة الخاتون) و يقال انها انما سميت بذلك نسبة الى السيدة زبيدة زوجة هرون الرشيد. و ما زالت بقايا هذه القنطرة ترى قرب طهران. و ذكر القزوينى ان أهل الرى من الشيعة يكرهون نهر سورين و يتطيرون منه لان جثة القتيل يحيى حفيد علي زين العابدين الامام الرابع غسلت فيه فلا يقربونه . على ان المستوفى ذكر ان أهم انهار الرى نهر جايجرود و مخرجه فى جبل جايج تحت دماوند و يتشعب الى اربعين نهرا عند وصوله سهل الرى.

و عند الحد الغربى لهذا السهل ناحية ساوج بلاغ- و معناها بالتركية «العيون الباردة»- و هى على ما وصفها المستوفى بقعة كانت ذات شأن فى أيام السلاجقة. و قد بلغ خراجها فى أيام المغول اثنى عشر الف دينار. و

كان من أهم قراها العديدة سنقراباد (و ما زالت قائمة) و هى مرحلة جليلة فى المسالك التى وصفها المستوفى. و كان يسقى ناحية ساوج بلاغ كرمرود و مخرجه فى الجبال شرق قزوين و هو يسقى نواحى الرى و شهريار و تلتقى به هناك انهار كثيرة تتحدر من الجبال فى الشمال قبل ان تفنى مياهه الباقية من السقى فى المفازة الكبرى .

و قزوين على نحو مئة ميل شمال غربى طهران و هى فى أسفل الجبال العظيمة. و قد كانت منذ أقدم الازمنة موضعا جليلا تحرس الدروب المخترقة اقليم طبرستان و تؤدى الى شطئان بحر قزوين. و كانت البقاع الجليلة فى الشمال

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 254

الغربى تؤلف منذ القدم قسما من بلاد الديلم (و قد مرّ وصفها فى الفصل الثانى عشر) و كانت وقتا ما مستقلة استقلالا داخليا فلم تخضع لحكم العباسيين. و كانت قزوين فى هذا العصر أهم ثغر يقف بوجه اولئك الكفار الاشداء. و كانت مشحونة بقوة كبيرة من مقاتلة المسلمين. و فى أيام بنى أمية كان محمد بن الحجاج- و الحجاج عامل بنى أمية المشهور على العراق- قد بعثه أبوه على رأس جيش لمحاربة الكفار فى جبال الديلم. «فنزل محمد قزوين و بنى بها مسجدا» وصفه ياقوت بأنه «المسجد الذى على باب دار بنى جنيد و يسمى مسجد الثور، فلم يزل قائما حتى بنى الرشيد المسجد الجامع». و وصف ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) قزوين فقال «مدينة عليها حصن و داخلها مدينة صغيرة عليها حصن».

و فى المدينة الداخلة مسجدان. و أراضيها خصبة و يكون مقدارها ميلا فى مثله.

و أهلها أشداء مقاتلة فكان خلفاء بنى العباس يرسلون من هذه

المدينة حملاتهم لمعاقبة أهل الطالقان و الديلم.

و لقزوين على ما ذكر اليعقوبى و اديان، يقال لاحدهما الوادى الكبير و للآخر وادى سيرم. و كان بالقرب منها آثار لبيوت النار. و نوه المقدسى بكثرة كرومها.

و كان اسم احدى المدينتين: مدينة موسى و الاخرى مدينة مبارك و يقال لها المباركية أيضا. و انما سميت الاولى بذلك لان الخليفة موسى الهادى (الاخ الاكبر لهرون الرشيد) قد ابتناها فنسبت اليه. و كان بناؤه لها فى خلافة أبيه المهدى. و لما نزل هرون الرشيد بعد ذلك (و قد خلف الهادى) قزوين فى طريقه الى خراسان أنشأ الجامع الجديد و بنى أسوار المدينة. و كان مبارك التركى من موالى المأمون أو المعتصم قد بنى قلعة المباركية فى مبارك أباد و يقال لها أيضا مدينة مبارك.

و ظلت قزوين فى القرون الوسطى مدينة زاهرة غير ان المغول فى مطلع المئة السابعة (الثالثة عشرة) خربوها. و بعد ذلك بمئة سنة أفاض المستوفى و كان من أهل قزوين فى الحديث عن قزوين. اقتبس بعضه مما يتناقله الناس فيها. فروى انه كان فى موضع قزوين الحديثة مدينة فارسية قديمة بناها الملك شابور يقال لها شاد شابور «فرح سابور». و قرب خرائبها كانت المدينتان الاسلاميتان مدينة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 255

موسى و مبارك اباد (و كان مبارك على قول المستوفى من موالى الخليفة الهادى).

ثم ان هرون الرشيد حوّط هذه المدن الثلاث بسور حصين و لم يكمل الا فى سنة 254 (868) اذ أكمله القائد التركى موسى بن بغا فى عهد الخليفة المعتز.

ثم ان صدر الدين وزير السلطان السلجوقى ارسلان الثانى جدد بناءه بالآجر فى سنة 572 (1176) و استطرد المستوفى فقال كان من

أعمال قزوين ثلاثمئة قرية أجملها فارسجين و سكزاباد و ورد اسماهما فى سياق وصفه للمسالك. و ذكر أيضا اسماء جملة أنهار كانت تسقى ناحية قزوين و هى: خرود، و كذلك بوه رود و كردان رود، و كانا يأتيان من الطالقان. و تركان رود و يأتى من ناحية خرّقان (أنظر ص 231). و على ما جاء فى القزوينى، كانت الانهار التى تسقى بساتين المدينة: وادى درج فى الشرق و وادى أترك فى الغرب. و سرد هذا المؤلف أيضا اسماء جملة مدن و قرى كانت فى سهل قزوين و فى البقاع الجبلية المطلة عليها .

و كانت دستوا (أو دستبى) فى أيام بنى أمية دار ضرب للنقود. و يطلق هذا الاسم على كورة كبيرة أجلّ قراها يزد اباد. و كانت دستوا فى أيام الامويين مقسومة بين الرى و همذان. و الذى انتهى الينا ان طريق الرى الذاهب من الرى الى اقليم اذربيجان رأسا كان يخترقها عادلا عن قزوين. و لم يبق لاسم دستوا أثر فى الخارطة، الا ان موضعها ينبغى ان يكون جنوب قزوين، و قد صارت تعد فى أيام بنى العباس من أعمالها.

و الى شمال غربى قزوين، على قنن الجبال الفاصلة بين هذه الكورة ورود بار التى على نهر شاهرود فى طبرستان، قلاع الاسماعيلية المشهورة (الحشيشية

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 256

- الحشاشين) و كانت خمسين قلعة عدّا على ما فى المستوفى منها الموت و كانت كرسى ملكهم، و ميمون دز أمنع حصونهم. و يقال ان معنى ألموت «عش العقاب» أو «ما وجده العقاب» بلسان أهل طبرستان. و قيل ان أول من اتخذ له قلعة فى هذه البقاع بعض ملوك الديلم فقد ارسل عقابا

للصيد فتبعه فرآه وقع على هذا الموضع فوجده موضعا حصينا. و كان القزوينى، و هو و لا مراء ممن يجيد معرفة الموضع، قد وصف القلعة بقوله انها «على قلة جبل و حولها و هاد لا يمكن نصب المنجنيق عليها و لا النشاب يبلغها». و قلعة ألموت على ستة فراسخ من قزوين و قد بنى آخر حصونها الحسن الداعى العلوى الملقب بالداعى الى الحق فى سنة 246 (860) و فى سنة 483 (1090) أو 446 (1054) على ما فى القزوينى- صارت ألموت فى حوزة حسن الصباح الملقب بشيخ الجبل و لبثت مئة واحدى و سبعين سنة أمنع حصون الاسماعيلية. ثم استولى هولاكو خان المغولى عليها و أمر بتجريدها من آلاتها الحربية فى سنة 654 (1256). و بعد سقوطها سرعان ما انهارت مقاومة قلاع الحشيشية الواحدة تلو الاخرى فوقعت بيده كلها فجعلها قاعا صفصفا. و قد زار كثير من الرحالة ما يظن انه موضعها. و ما زالت آثار كثير من قلاع الاسماعيلية الاخرى على ما يقال ظاهرة فى الجبال شمال قزوين .

و أبهر و زنجان، و هما مدينتان يقترن ذكرهما معا فى الغالب، على الطريق غرب قزوين، و قد اشتهرتا منذ قديم الزمان. ذكر ابن حوقل فى المئة الرابعة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 257

(العاشرة) ان ابهر مأهولة بالأكراد كثيرة المياه و الاشجار و يكثر فيها القمح و لها حصن منيع شيد على دكة. و أشار القزوينى الى ان المدينة كلها مشتملة على طواحين تدور على الماء . و بها نوع من الكمثرى مدّور بحجم النارنج يقال له العباسى لذيذ جدا ما فى البلاد شى ء مثله. و قال ياقوت: العجم يسمونها أوهر. و ذكر

المستوفى ان الاتابك بهاء الدين حيدر قد جدد بناء القلعة فى أيام السلاجقة فعرفت بالحيدرية. و كان محيط أسوار المدينة 5500 خطوة. و نهر أبهر بعد ان يسقى نواحيها يجرى نحو مدينة قزوين ثم يفنى فى المفازة. و مدينة زنجان على نحو خمسين ميلا الى شمال غربى أبهر على نهر زنجان و هو يجرى غرب سفيدرود.

و قال ابن حوقل ان زنجان أكبر من أبهر و انها على طريق اذربيجان. و ذكر ياقوت ان العجم يقولون زنكان. و روى المستوفى ان مؤسسها هو الملك اردشير بابكان و كان اسمها أولا شاهين. و قد خربت زنجان فى خلال الفتح المغولى.

و طول أسوارها التى بقيت الى زمنه عشرة الآف خطوة، و كانت ناحيتها كثيرة الخيرات. بلغ خراجها عشرين ألف دينار. و قال المستوفى ان اللغة السائدة فيها فى مطلع المئة الثامنة (الرابعة عشرة) كانت ما تزال لغة بهلوية صرفة، يستشفّ من خلالها بلا ريب انها لهجة محلية فارسية .

و فى نحو نصف الطريق بين ابهر و زنجان، وسط السهل العظيم الذى يؤلف منقسم الماء بين الانهار الفائضة غرب سفيدرود و شرق المفازة الكبرى، أطلال السلطانية، المدينة المغولية التى أنشأها ارغون خان و اتمها السلطان ألجايتو فى سنة 704 (1305) و جعلها قاعدة الدولة الايلخانية. قال ابو الفداء ان اسمها المغولى كان قنغرلان. و ذكر المستوفى ان من أعمالها تسع مدن. و محيط أسوارها 30000 خطوة. و فى وسط حصنها قبر ألجايتو و عليه نقوش منحوتة فى الحجر.

و ما زالت أطلال هذا القبر المقبب (أو المسجد) قائمة و لكن لا أثر للمدينة اليوم.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 258

على ان المستوفى قال ان السلطانية كانت تشتمل

فى أيامه على مبان أفخم مما فى أية مدينة فارسية أخرى ما خلا تبريز. و فى طريق أبهر على خمسة فراسخ شرق السلطانية قرية قهود «و يسميها المغول صاين قلعة» على ما ذكر المستوفى. و ما زال هذا الموضع موجودا باسمه الاخير صاين. و يقال له أيضا باتوخان، و باتوخان حفيد جنكيز خان. و قلعة سرجهان المنيعة فوق قلة الجبل فى نصف الطريق بين صاين قلعة و السلطانية. و كانت تبعد عن الاخيرة خمسة فراسخ. و تتوج قمة جبل و تشرف على السهول الواسعة الممتدة من هناك شرقا الى ابهر و قزوين.

و وصف ياقوت سرجهان و كانت من كورة طارم بأنها من احصن القلاع و أحكمها و قد رآها. و حين كتب المستوفى كان الخراب قد استولى عليها بسبب الفتح المغولى فنقل سلاحها و حاميتها الى صاين قلعة.

و الى غرب السلطانية: سهرورد و سجاس، و هما بليدتان متقاربتان بقيتا حتى زمن المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) على شى ء من حسن الحال، أما اليوم فقد آلتا الى الخراب. و كتب ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) ان سهرورد قد غلب عليها الاكراد و هى كشهرزور فى مساحتها و رقعتها. و هى حصينة فى جنوب زنجان فى طريق همذان. أما سجاس أو سجاس فانها قرب سهرورد. و وصف المستوفى هاتين البلدتين بانهما خربتا فى خلال الفتح المغولى فلم تكونا فى أيامه غير قريتين كبيرتين آهلتين. و كانت الكورتان القريبتان منها يقال لهما جرود و أنجرود (و تعرفان اليوم باسم أيجرود و انكوران) و كانت سجاس على خمسة فراسخ غرب السلطانية.

يحفّ بها نيف و مئة قرية يسكنها المغول. و كان فى الجبل المجاور لها قبر ارغون خان

فجعل «كروغا» (و هو المعبد الطاهر) على عادة المغول، و ابتنت ابنته الجاي خاتون خانقاها للدراويش هناك .

و فى الحد الغربى لاقليم الجبال قرب منبع من منابع سفيدرود، الآثار المشهورة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 259

المسماة اليوم «تخت سليمان» و فيها بركة صغيرة ينبجس الماء منها و لا يشحّ مهما حمل منه. و هذه الآثار قد عدّها بعضهم من بقايا مدينة شيز التى أشار اليها البلدانيون العرب القدماء. و ذكرها المستوفى أيضا باسم ستوريق. و وصف ابن خرداذبه فى المئة الثالثة (التاسعة) بيت النار فى الشيز فقال هو عظيم القدر عند المجوس و يقال له اذرجشنس، كان اذا ملك منهم الملك زاره من المدائن (طيسفون) ماشيا فيستريح فى شهرزور و هى نصف الطريق (و قد مرّ ذكرها فى ص 225) ثم يتابع سيره الى شيز. فقد ذكرت الاخبار ان فى شيز ولد زرادشت. و قال ياقوت ان اسمها الفارسى كان جيس و تسمى أيضا كزن، و شيز تصحيف عربى لهذا الاسم. و اقتبس ياقوت حديثا مستفيضا عن ابن مهلهل الذى كتب فى سنة 331 (943) يصف شيز و كان قد زارها باحثا عن معادن الذهب التى فى بطن جبالها على ما يقال فقال ان «هذه المدينة يحيط بها سور و بها بحير فى وسطها لا يدرك قراره و استدارته نحو جريب (ثلث اكر)، و يخرج منه سبعة أنهار. و متى بلّ بمائه تراب صار فى الوقت حجرا صلدا». و وصف ابن مهلهل ايضا بيت نار عظيم الشأن فى شيز «منه تذكى نيران المجوس من المشرق الى المغرب و انهم كانوا يوقدون فيه منذ سبعمئة سنة و لا ينقطع الوقود عنه ساعة من

الزمان». و وصف المستوفى مدينة شيز فقال انها اولى مدن ولاية انجرود سماها المغول ستوريق.

و وصف قصرا عظيما فيها بناه الملك كيخسرو على ما يقال، كان فى صحنه بركة أو بحيرة صغيرة لا يدرك قرارها و لا يقل ماؤها و ان كان هناك نهر يأخذ منها على الدوام، فاذا قطع الماء عن هذا النهر لا يفيض ماؤها. و ذكر المستوفى ان اباقاخان المغولى ابتنى له فيها قصرا اذ كانت تحيط بها مروج نضرة .

و فى الطرف الشمالى الغربى من اقليم الجبال على الطريق من زنجان الى اردبيل مدينة خونج التجارية الجليلة. جاء فى ابن حوقل ان هذه المدينة كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) مشهورة بالخيل الجياد و الاغنام و البقر. و اورد

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 260

ياقوت، و قد زار المدينة، اسمها بصورة خونا و لكنه قال انها تسمى فى أيامه كاغد كنان أى «صناع الكاغد». «و أهلها يكرهون تسميتها بخونا لقرينة قبيحة تقرن بهذا الاسم» فى معناه الفارسى. و المستوفى و قد ذكر فى مسالكه ان كاغد كنان على ستة فراسخ جنوب سفيدرود و أربعة عشر فرسخا شمال زنجان فى الطريق الى اردبيل قال انها قد تخربت فى اثناء الفتح المغولى و انها حين صنف كتابه صارت كالقرية. و كان يسقى اراضيها فرع من فروع سفيدرود. و كان الكاغد الفاخر يصنع فيها فى أيامه. و أطلق عليها المغول الذين سكنوها اسم «المغولية»، و لم يتسن حتى الآن على ما يظهر تعيين موقع خونج الحقيقى.

و بمحاذاة السفح الجنوبى للجبال التى تفصل اقليم الجبال عن بلاد الديلم و طبرستان فى الشمال الكور الثلاث: بشكل درّة و الطالقان و طارم. و كثيرا ما

كان يستعمل الاسمان الاخيران بدون تدقيق احدهما فى موضع الآخر. و كانت كل كورة من هذه الكور تنقسم الى قسمين: أعلى و أسفل. فالاعلى ما كان فى الجبال فهو بذلك يعد تابعا لاقليم الديلم. و كانت بشكل درّة، على ما فى المستوفى، الى غرب قزوين و جنوب الطالقان و فيها اربعون قرية كان ريعها قبلا وقفا على جامع قزوين، و قد زالت من الخارطة. و الطالقان و هى بين سهل السلطانية و سلسلة الجبال الشمالية، و قد اختفى اسمها من الخارطة، كثيرا ما ذكرها بلدانيو العرب القدماء. فقد أشار المقدسى الى انها «كبيرة عامرة نبيلة ليس فى الكورة مثلها. و قد كان يجب ان تكون حضرة السلطان (أى سلطان الديلم) و عندي انهم كرهوا ذلك لتطرفها». و أشار القزوينى الى ما فى الطالقان من زيتون و رمان. و سرد ياقوت أسماء عدد من قراها. و أورد المستوفى ثبتا طويلا باسماء هذه القرى. على ان أغلبها اليوم لا يمكن رؤيته فى الخارطة الحديثة. و كان من رأيه ان معظم الطالقان يعود الى كيلان دون غيرها.

و الى شمال زنجان بامتداد أسفل المرتفعات الجبلية أيضا، كورة طارم.

عرفها البلدانيون العرب بالطارمين، مثنى الطارم، و يريدون بذلك طارم السفلى و طارم العليا. و طارم العليا تدخل كلها فى بلاد الديلم، و نهر طارم على ما ذكرنا من فروع سفيدرود اليمنى و كانت فروعه الكثيرة تسقى هذه الكورة الخصبة. قال

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 261

ياقوت و قد كتب الاسم بصورة تارم أو ترم انه ليس فيها مدينة مشهورة. غير ان هذه البلاد اشتهرت فى التاريخ بأسرة و هسوذان. و كان ركن الدولة البويهى قد خلع آخر امرائها.

و ذكر المستوفى ان فيروزاباد كانت قصبة طارم السفلى.

و اندر (أو ايدى) أهم مدينة فى طارم العليا. و يقال لحصنها قلعة تاج. و سرد اسماء خمسة من أعمالها فى كل عمل منها قرى كثيرة.

و ذكر المستوفى فى طارم السفلى قلعة شميران العظيمة و موضعها غير معروف و هى سميران بحسب تهجئة ياقوت لها و قد زار خرائبها. و نقل ياقوت حديثا مستفيضا عن ابن مهلهل الذى رأى سميران فى نحو سنة 331 (943) و كانت يومذاك من أمنع قلاع ملوك الديالمة فقال ان فيها «الفين و ثمانمئة و نيفا و خمسين دارا كبارا و صغارا». و كان فخر الدولة البويهى قد ملك هذه القلعة فى سنة 379 (989) و خلع آخر أمراء أسرة و هسوذان، و كان طفلا قد تزوج هذا الزعيم البويهى أمّه. و فى نحو هذا الزمن وصف المقدسى هذه القلعة و قد سمّاها باسم سميروم بانها من أعمال سلاروند و هى قلعة عليها «سباع ذهب و شمس و قمر» و بيوتهم لبن. و فى أواسط القرن التالى كان الرحالة الفارسى ناصر خسرو قد زار شميران فى طريقه الى مكة سنة 438 (1046) و قال انها قصبة ولاية طارم فى بلاد الديلم و هى على ثلاثة فراسخ غرب ملتقى شاهرود بسفيدرود فى طريق سراو باذربيجان. و فى حافة المدينة قلعة عالية مشيدة على صخر صلد محاطة بثلاثة أسوار يقيم بها الف رجل و يحمل الماء الى القلعة بقناة. و كان ياقوت قد زار سميران فى أوائل المئة السابعة (الثالثة عشرة) فوجدها مخربة، خربها شيخ الحشيشية صاحب ألموت. «و بها آثار حسنة تدل على انها كانت من أمهات القلاع». و هى على نهر كبير

يأتى من جبال طارم. و يظهر ان موضعها لم يعينه أحد من الرحالين المحدثين. و ذكر ياقوت أيضا قلعة أخرى فى هذه الكورة يقال لها قلاط كانت فى جبال تارم من جبال الديلم و هى بين قزوين و خلخال على قلة جبل و لها ربض فى السهل فيه سوق و تحتها نهر عليه قنطرة حجر كثيرة العقود و ذكر ياقوت ان هذه القلعة كانت من قلاع شيخ الحشيشية صاحب

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 262

ألموت و هى مثل سميران لا يعرف موضعها .

و حدثنا المقدسى بما قلّ و دل عن تجارات و غلات جملة مدن فى اقليم الجبال، فقال: يحمل من الرى أصناف من النسيج منها صنف يقال له المنّيرات. و القطن و يغزل فيها و يصبغ بالنيل. و كانت برود الرى المقلمة مشهورة. و تصنع فيها المسالّ و الامشاط و القصاع. و كانت الامشاط و القصاع على ما ذكر القزوينى تعمل من خشب صلب مخروط يعرف بالخلنج و كان يؤتى به من غابات طبرستان.

و كانت الرى مشهورة أيضا ببطيخها و خوخها و يجلب منها طين يغسل به الرأس، فى غاية النعومة.

و من قزوين: تحمل الاكسية و جوارب الادم للاسفار و القسى و النعناع.

و من قم: الكراسى و اللجم و الركب و بز و زعفران كثير. و من قاشان: يحمل القماقم (يابس البسر) و الطلخون (نبات). و تشتهر اصفهان بحللها و نمكسودها و أقفالها. و من همذان و نواحيها تحمل الاجبان و الزعفران و جلود الثعالب و السمّور و بالقرب منها معدن القصدير. و كان يصنع فى المدينة البز و الخفاف. و أخيرا يحمل من الدينور جبن مشهور .

و أهم ما كان

يخترق اقليم الجبال من طرق: طريق القوافل الكبير المعروف بطريق خراسان، و هو الذى مرّ وصفه فى الفصل التمهيدى. يبدأ هذا الطريق من بغداد و يصل الى ما وراء النهر و أقاصى الشرق. فكان يدخل اقليم الجبال عند حلوان و يقطعه من أوله الى آخره، فيمر بقرميسين (أو كرمانشاه) أولا، و منها الى همذان ثم الى ساوه ثم يتجه شمالا الى الرى ثم يشرّق من اقليم الجبال الى قومس و منها الى خراسان. و اكمل وصف قديم انتهى الينا لطريق خراسان، وصف ابن رسته فى ختام المئة الثالثة (مطلع العاشرة)، على ما بينّا. فقد وصفه

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 263

مرحلة مرحلة ذاكرا الانهار و القناطر التى يعبرها مبينا نزوله و صعوده و التفافه و دورانه، مسميا ما يمر به من قرى و مدن. و انتهى الينا الى ذلك اربعة اوصاف قديمة اخرى لهذا الطريق آخرها وصف المقدسى و فيه أورد المسافات بالمراحل.

و بعد الفتح المغولى و قيام الدولة الايلخانية فى فارس اضحت السلطانية عاصمة هذه الدولة و من ثمة صارت مركزا لهذه الشبكة من الطرق. و عليه فان المستوفى فى وصفه المسالك بدلا من ان يبدأ من بغداد و يشرّق منها وصف الطرق مبتدئا بها من السلطانية باتجاهها الى بغداد. فاتبع بذلك اتجاها معاكسا للاول. على ان المراحل من حلوان الى همذان (و هى معكوسة بالنسبة الى الطريق القديم) شى ء واحد فى الواقع فى كلا الوصفين. و لكن الطريق بدلا من ان يذهب من همذان الى الرى بطريق ساوه، جعله المغول يتجه شمالا الى السلطانية مخترقا ناحيتي دركزين و خرّقان فلا يمر بمدينة كبيرة، و ليس ما ذكره المستوفى من مراحل

هذا الطريق الا اسماء قرى لا يعرف شى ء عن جميعها .

و من قرب كرمانشاه، عند جبل سن سميرة (أنظر الصفحة 223) كان الطريق الذاهب الى مراغة فى اذربيجان و الى الشمال يأخذ من طريق خراسان فيتجه أولا الى الدينور ثم الى سيسر (لعلها تطابق سحنة الحالية. أنظر ص 233) فالى حدود اقليم الجبال. و هذا الطريق الذى نصف الآن تتمته المارة باذربيجان، قد وصفه قدامة و ابن خرداذبه، و يرى وصف اجزائه الاولى فى ابن حوقل. فمن كرمانشاه (قرميسين) و من كنكوار و من همذان تتفرع طرق من يمينه تذهب نحو الجنوب الشرقى الى نهاوند و منها و من همذان كان الطريق يذهب الى كرج ابى دلف مارا ببروجرد و من كرج ابى دلف الى اصفهان. و أورد المستوفى مراحل الطريق من كنكوار الى نهاوند. ثم يتفرع الطريق عندها باتجاه اصفهان بينما ذكر المقدسى ان الطريق من كرج يتجه الى الرى مارا بآوه ورامين .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 264

و الطريق الحالى من أصفهان الى طهران (مارا بالرى) يأخذ فى الصعود فيمر بقاشان و قم. اما طريق القوافل فى أوائل العصور الوسطى فكان اتجاهه الى الشرق أكثر و الى حافة المفازة أقرب. و كان يتفرع من يساره نحو الغرب فروع تذهب الى قاشان و قم. على أن المقدسى فى ختام المئة الرابعة (العاشرة) قال ان هذا الطريق كان يذهب رأسا الى قاشان و قم، أى على ما هو عليه اليوم. و الذى فى المستوفى ان هذا الطريق بعد أن يجتاز بهاتين المدينتين ينعطف يسرة فيمر بآوه فساوه ثم الى السلطانية. و عند مرحلة سومغان يلتقى به الطريق الماد من هذه العاصمة

الجديدة الى الرى، على ما سنصفه فى الفقرة التالية .

و ذكر ابن حوقل و غيره عدد مراحل الطريق فيما بين المدن التى فى غرب الرى حتى اذربيجان، و كذلك مراحل الطريق من زنجان شمالا الى اردبيل. و قد أفاض المستوفى فى بيان مراحل هذا الطريق. فبين السلطانية و الرى يمر الطريق بأبهر الى فارسجين تاركا قزوين فى شماله. و منها يبلغ مرحلة يقال لها سومغان (قراءة هذا الاسم غير ثابتة) و فيها ينقسم الطريق. فكان طريق خراسان يستقبل الرى مارا بمقام عبد العظيم و منها الى ورامين. اما الفرع الآخر و هو الايمن فيتجه جنوبا. فيذهب طريق اصفهان أولا الى سكزاباد فساوه على ما مرّ وصفه .

و من الطرق التى كانت تجتاز اذربيجان، فى اوائل عهد الخلافة على ما سبقت الاشارة اليه، الطريق الشمالى المتفرع من طريق خراسان عند همذان الذاهب الى سيسر و منها الى برزة فى اذربيجان، و هى على ستين ميلا جنوب بحيرة ارمية حيث يتشعب هناك . فالى اليمين يمر الطريق بمراغة فى شرق البحيرة الى تبريز ثم يشرّق الى اردبيل مارا بسراو. و الفرع الايسر المتفرع عند برزة يلازم غرب البحيرة فيمر بمدينة ارمية ثم الى خوى و منها يمر بنخجوان (نشوى) فيصل دبيل قاعدة ارمينية. و من تبريز كان يأخذ طريق فيمر بمرند الى خوى و منها يمر بارجيش الى خلاط و هى فى الطرف الغربى لبحيرة و ان. و لم يصف

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 265

هذا القسم الاخير من الطريق غير الاصطخرى و المقدسى .

و من اردبيل يجتاز الطريق كورة موغان فى الشمال فيبلغ ورثان. و هناك يعبر نهر ارس و منها الى برذعة

مارا بالبيلقان. و من برذعة يتجه طريق يمر بشمكور فيتجه نحو الشمال الغربى و يصل الى نهر الكر و وجهته تفليس بجورجيا.

أما فى اليمين فيأخذ طريق آخر يمرّ ببرزنج عند معبر نهر الكر و ينتهى الى شماخى قاعدة ولاية شروان و منها الى باب الابواب و يقال لها دربند. و ذكر المقدسى و غيره طريقا من اردبيل قاعدة ارمينية الى برذعة و لكن ليس من اليسير التحقق من طوله .

و فى أيام المغول، كان نظام الطرق القاطعة اذربيجان الى الحدود الشمالية الغربية على ما وصفه المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، يبدأ من السلطانية، العاصمة الجديدة، و يتفرع عند زنجان. فالفرع الايمن و هو الشمالى كان يمر بالخونج أو كاغد كنان و يعبر سفيدرود ثم يمر بمدينة خلخال قاصدا اردبيل و منها الى باجروان قاعدة موغان. و من زنجان يعبر الطريق سفيدرود على قنطرة حجر (يقال لها قنطرة سبيد روذ) و بعض هذا الطريق ذكره أيضا الاصطخرى و ابن حوقل مع ذكر طريق من الميانج. و بمتابعة وصف المستوفى للطريق من باجروان نرى انه أشار أولا الى الطريق الفرعى فى الشرق الى محمود أباد. ثم ذكر مراحل الجادة الكبرى الذاهبة من باجروان الى تفليس مارة ببرذعة و شمكور.

و ان عدنا الى موضع تفرع الطريق فى زنجان، رأينا ان الفرع الايسر، و قد وصفه المستوفى، يذهب الى الميانج فى اذربيجان و منها الى تبريز مارا بأوجان متابعا الخط الذى وصفه بلدانيو العرب القدماء (باتجاه معاكس). و ذكر المستوفى أيضا الطريق من تبريز الى ارجيش على بحيرة و ان، و منها يعدل عن الطريق الايسر المحاذى لشاطئ البحيرة الى خلاط. و ذكر المسافات فى الطريق المتجه نحو

الشمال الغربى الى ملاسجرد. ثم يمر بارزن الروم (ارضروم) مجتازا ارزنجان الى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 266

سيواس قاعدة اقليم الروم السلجوقى. و أخيرا ذكر المستوفى الطريق من تبريز باتجاه الشمال الشرقى الى باجروان و هو يمر باهر و يجتاز دربين من دروب الجبل. و روى المستوفى ان الوزير علي شاه بنى حديثا على هذا الطريق جملة ربط .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 267

الفصل السادس عشر خوزستان

نهر دجيل أى كارون- خوزستان و الاهواز- تستر او شوستر- الشاذروان العظيم- نهر المسرقان- عسكر مكرم- جنديسابور- دزفول- السوس و نهر كرخه- بصنا و متوث- قرقوب و دور الراسبى- الحويزة و نهر تيرى- الدورق و كورة سرق- حصن مهدى- فيض دجيل- رامهرمز و كورة الزط- بلاد اللر الكبرى- ايذج او مال أمير- سوسن- لردكان- تجارات خوزستان و غلاته- مسالكه.

يتألف اقليم خوزستان من الارض الرسوبية التى كوّنها نهر كارون و روافده الكثيرة. و قد عرف العرب نهر كارون باسم دجيل الاهواز . و انما سموه بدجيل (تصغير دجلة) الاهواز لانه يمر بمدينة الاهواز فميزوه بذلك عن دجيل دجلة فى أعلى بغداد. و معنى خوزستان «بلاد الخوز» و يكتب هذا الاسم أيضا بصورة حوز أو هوز. و جمع الهوز بالعربية الاهواز. و كانت الاهواز قاعدة الاقليم و اسمها مختصر من «سوق الاهواز». و تسمية هذا الاقليم بخوزستان اليوم قد بطلت، و صارت هذه الولاية التابعة لبلاد فارس تسمى عربستان «أى اقليم العرب» . و كذلك تغيّر اسم نهر دجيل و صار يعرف الآن بنهر

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 268

كارون و هو اسم مصحف على ما يقال من كوه رنك «الجبل الملوّن» و

هو الجبل الذى ينحدر منه هذا النهر فالاسم «كارون» على ما يظهر لم يعرفه بلدانيو القرون الوسطى من عرب و فرس.

و أعالى نهر دجيل، أى كارون، تتخلل الشعاب الجبلية فى بلاد اللر الكبرى. اما روافده فتنحدر من بلاد اللر الصغرى و جبال كردستان. و مخرج دجيل فى كوه زرد «الجبل الاصفر» (أنظر ص 242). و من الجانب الثانى لهذه الجبال ينحدر نهر زندرود الذاهب الى اصفهان. و بعد ان يشق مجرى دجيل المتعرج و كثير من روافده الصغيرة سلسلة الجبال يصل الى مدينة تستر و هى التى عدها المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) قاعدة اقليم خوزستان. و لذلك سمي هذا النهر بدجيل تستر. و يخرج من النهر عند تستر فرع يعود ثانية اليه عند عسكر مكرم و منها يمر بالاهواز حيث يلتقى هو و نهر جنديسابور أى نهر دزفول. و يأخذ نهر دزفول ماءه من بروجرد فى اللر الصغرى (أنظر ص 235).

و كانت أعاليه تعرف باسم قرعة (أو قوعة) و بعد ان يلتقى به نهر آخر يقال له كزكى يجتاز النهر مدينة دزفول فيلتقى بدجيل على ما مرّ بنا. و لدجيل رافد كبير آخر أكثر اتجاها الى الغرب هو نهر السوس و يعرف أيضا بنهر كرخه.

و مخرجه فى جبال اللر الصغرى. و كان يلتقى به نهر كولكو و نهر خرّماباد.

و بعد أن تجرى هذه الانهار المتحدة مسافة طويلة و تجاوز مدينة السوس تأتى الى أراضى الحويزة فى غرب الاهواز ثم تلتقى بدجيل. و على شى ء يسير اسفل من ملتقى هذه الروافد، يصير نهر دجيل فيضا عظيما يحمل مياه انهار خوزستان مجتمعة و يجرى شرق فيض دجلة (على ما مر وصفه فى الفصل الثانى) الى

ان يصب فى خليج فارس .

و كانت الاهواز، و هى قاعدة الاقليم، تعرف قديما باسم هرمز شهر (و جاءت فى المخطوطات بصورة هرمز أوشير و هرمز اردشير) و هو اسمها الفارسى.

و وصف المقدسى هذه المدينة بانها عانت كثيرا من اذى الزنج ابان ثورتهم فى المئة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 269

الثالثة (التاسعة) و اتخذها زعيمهم وقتا ما مقرا له. و فى المئة التالية أعاد الامير عضد الدولة البويهى بناء قسم منها. و أشار المقدسى الى ان البضائع و الاموال كانت تحمل الى الاهواز من الاطراف فكانت «خزانة البصرة».

و كانت الاهواز حين بنيت، جانبين: الشرقى و هو الكبير، و فيه الجامع و معظم الاسواق، و بينه و بين جزيرة فى نهر دجيل قنطرة. و فى الجزيرة جانب المدينة الغربى. و القنطرة من الآجر. و يقال لها قنطرة هندوان كان عضد الدولة هدمها و بناها و كان عليها مسجد يشرف على النهر. و على هذا النهر دواليب عدة يديرها الماء تسمى النواعير. و كان مجرى نهر دجيل نفسه يمر بحذاء جانب الجزيرة الأقصى و هو جانبها الغربى. و على شى ء يسير أسفل الاهواز، شاذروان عظيم قد بني من الصخر يتبحر الماء عنده. و الشاذروان يرد الماء و يفرقه ثلاثة أنهار تمتد الى ضياعهم و تسقى مزارعهم التى فى يسار النهر فوق الشاذروان.

و فى الشاذروان أبواب تفتح اذا كثر الماء لولاها لغرقت الاهواز.

و هواء الاهواز على ما فى المقدسى منتن ذميم «و فى النهار حر السموم و فى الليل بق و براغيث كالذئاب» على حد قوله. و ذكر المقدسى انك تسمع للماء المنحدر من الشاذروان صوتا يمنع من النوم أكثر السنة. و فى المدينة عقارب

و حيات و ماء حميم و تراب سبخ و يقتات أهلها خبز الرز و هو عسر الهضم .

و على نقيض سمعة الاهواز السيئة، كانت شهرة قاعدة خوزستان الثانية التى سماها العرب تستر و الفرس شوستر أو شوشتر. و كانت هذه المدينة على ستين ميلا شمال الاهواز بخط مستقيم. و هى على ضعف هذه المسافة بطريق الماء لكثرة منعرجات دجيل. و قد ذكر المقدسى ان بساتين الاترج و العنب و النخل كانت تحف بمدينة تستر. و على ما روى، ليس بالاقليم أطيب و لا أحصن و لا أجلّ من هذه المدينة. و الحر عندهم شديد، و كانت أسواقها عامرة «معدن كل حاذق فى عمل الديباج و القطن»، و ديباجها مشهور فى كل مكان. و كان الجامع وسط

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 270

الاسواق فى البزّازين، و عند الجسر أسفل المدينة موضع نزه به القصّارون.

و فى سنة 260 للميلاد وقع فاليريان Valerian قيصر الروم أسيرا بيد الملك شابور (سابور الاول) ثانى ملوك الدولة الساسانية. و فى السنوات السبع من اسره اشتغل، على ما ذكر المؤرخون الفرس، فى بناء الشاذروان العظيم الذى يقطع دجيل تحت تستر. و كان العرب يعدّون هذا الشاذروان من عجائب الابنية و ما زالت آثاره باقية حتى اليوم: فلقد رصّ قاع النهر بالحجارة و رصف كله فى غرب تستر حتى تراجع الماء فيه و ارتفع الى المدينة و انساب ماؤه فى قناة باتجاه الشرق كانت تعيد الماء الى النهر أسفل المدينة بأميال بعد ان تسقى تلك النواحى.

و ذكرت المراجع القديمة ان شاذروان تستر كان طوله نحوا من ميل. و على ما جاء فى المقدسى كان عليه جسر يعبره الطريق الضارب غربا من

تستر الى العراق.

و يعلو النهر قنطرة عتيقة ذات عقود صغيرة يربو طولها على ربع ميل و كانت فوق الشاذروان، و منها يعبر الطريق. و ليس هناك ما يدل على وجود هذه القنطرة فى أوائل القرون الوسطى. و وصف المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) مدينة شوستر فقال: لها اربعة أبواب و فيها قلعة حصينة. و سمى معاصره ابن بطوطة نهر دجيل (أى كارون) النهر الازرق. و ذكر جسرها فقال انه «كجسر بغداد و الحلة» كان على النهر فى غرب المدينة عند باب دسبول . و تبسّط فى ذكر الترب المختلفة فيها و كانت المدينة حين زارها كثيرة الخيرات .

و الشاذروان الكبير فى تستر قد بني، على ما بينّا، ليرفع ماء النهر الى المدينة و ليتسنى لمائه الدخول فى قناة تأخذ من دجيل فوق المدينة فيسقى ناحيتها الشرقية. و يقال لهذه القناة اليوم آب كركر. و كانت تعرف فى القرون الوسطى باسم المسرقان أو المشرقان. و على رواية ابن مهلهل- و هو رحالة من أهل المئة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 271

الرابعة (العاشرة) نقل عنه ياقوت- ان ماء المسرقان أبيض و ماء نهر دجيل نفسه أحمر. و كان يجتمع ثانية بنهر دجيل (و ما كان من هذا النهر اسفل شوستر يسمى اليوم الشطيط) نهر المسرقان على نحو 25 ميلا جنوب شوستر عند موضع يقرب من اطلال بندقير. و تشير هذه الاطلال الى موضع مدينة يقال لها عسكر مكرم و قد كانت فى القرون الوسطى اجل مدينة على المسرقان. و كان هذا النهر يشقها و يسقى اراضيها. و كان يكثر فيها قصب السكر، و هو أجود ما يزرع منه فى خوزستان كلها على ما

يقال.

و فى النصف الاول من المئة التاسعة (الخامسة عشرة) أشار حافظ ابرو و علي اليزدى، و قد كتبا بعد زمن تيمور، الى هذه الانهار بالأسماء الآتية:

فضلة مياه نهر دجيل نفسه المنسابة الى الشرق فوق شوستر (أى مياه المسرقان أو آب كركر) كان يقال لها حينذاك دودانكه أى السدسان «مثنى السدس» بينما كانت معظم مياه دجيل الجارية فوق الشاذروان غربى المدينة تسمى جهاردانكه أى «أربعة أسداس». اما اليوم فيتفرع من دجيل نهر يتجه صوب الجنوب الشرقى يقال له مينو يجرى فى سرب منقور فى الصخور التى تقوم فوقها قلعة شوستر.

و كان يسقى الاراضى العالية التى فى جنوب المدينة. و هذا النهر هو الذى ذكره المستوفى باسم نهر دشتاباد. و أشار اليه حافظ ابرو بقوله ان جهار دانكه كان ينشطر قرب المدينة شطرين احدهما كان يتحد ثانية اسفلها بدودانكه (أو المسرقان). و على ما يقال ان اول من حفر نهر المسرقان اردشير بابكان مؤسس الدولة الساسانية. و ذكر المستوفى مدينة المسرقان فقال انها تقوم على ضفة النهر. و جنوب هذه المدينة، على ما بيّنا، فى نحو نصف المسافة بين تستر و الاهواز، يعود نهر المسرقان فيصب فى دجيل قرب مدينة عسكر مكرم.

و كانت كورة المسرقان مشهورة بصنف فاخر من التمور و بقصب السكر الذى نوهنا به.

و اما عسكر مكرم فقد سميت بذلك لان مكرما، و هو قائد عربى كان الحجاج عامل بنى أمية المشهور على العراق قد بعثه الى خوزستان لاخماد فتنة نشبت هناك،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 272

قد عسكر قرب اطلال مدينة فارسية يقال لها رستم كواد، و صحّف العرب هذا الاسم و قالوا رستقباذ، فعرفت بعسكر مكرم. و نشأت فى موضع

المعسكر العربى مدينة جديدة بهذا الاسم. و قد زال اسم عسكر مكرم من الخارطة و لكن موضعها تشير اليه الخرائب المعروفة باسم بندقير أى (سد القير) حيث يلتقى آب كركر (المسرقان) بنهر كارون. و فى المئة الرابعة (العاشرة) كانت عسكر مكرم مدينة ذات جانبين يشقها نهر المسرقان أعمرهما الجانب الغربى، و بين الجانبين جسران من سفن. و المدينة بهية الاسواق كثيرة الخير و أسواقها و جامعها فى الجانب الغربى. و من عيوب عسكر مكرم عقارب سامة لا يسلم من لسعها أحد. و على ما فى المستوفى كان يقال للمدينة الفارسية القديمة برج شابور. و انما سميت بذلك لان الملك سابور الثانى جدد عمارتها و وسعها. و ذكر المستوفى انها كانت تسمى فى أيامه لشكر و معنى ذلك بالفارسية «العسكر» و كانت حين كتب فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) اصح مدينة فى خوزستان كلها.

و نهر المسرقان، على ما جاء فى ابن سرابيون و غيره من المصنفين الاولين فى المئة الرابعة (العاشرة)، لا يرجع الى دجيل فيصب فيه عند عسكر مكرم بل يواصل جريه و حده بموازاة نهر دجيل فينتهى آخره الى الفيض. و قد وصف ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) ركوبه نهر المسرقان وقت نزول الماء فيه من عسكر مكرم الى الاهواز و قال «سرنا فى الماء ستة فراسخ ثم خرجنا و سرنا فى وسط النهر و كان الباقى من هذا النهر (أربعة فراسخ) طريقا يابسا الى الاهواز».

و لا يمكن الآن تعقب معالم القسم الاسفل من مجرى المسرقان القديم لأن مضي الف من السنين على هذه الارض الرسوبية قد غير وجه الارض كل التغيير.

و أسفل من الاهواز كان يبدأ فى المئة الثالثة (التاسعة) القسم العريض

الاخير من دجيل المعروف بنهر السدرة و بعد ان يستقبل كثيرا من الروافد ينتهى الى حصن مهدى قرب رأس فيض كارون .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 273

و على ثمانية فراسخ شمال غربى تستر، فى الطريق الى دزفول، الاطلال التى يقال لها اليوم شاه أباد. و هى تعين موضع مدينة جند يسابور أو جنديسابور.

و قد كانت جنديسابور فى أيام الساسانيين قاعدة خوزستان. و بقيت حتى أيام الخليفة المنصور مشهورة بمدرستها الطبية العظيمة التى أسسها الطبيب النصرانى بختيشوع و من بعده ابناؤه و أحفاده و كانوا من ذوى الحظوة لدى غير واحد من خلفاء بنى العباس. و كان يكثر فى نواحيها قصب السكر و يحمل الى خراسان و أقاصى الشرق. على ان المقدسى ذكر فى المئة الرابعة (العاشرة) ان جند يسابور «قد اختلّت و غلب عليها الاكراد». «و لهم طرز كثير و مزارع الارزاز». و فى المدينة قبر يعقوب بن الليث الصفار. و كان قد اتخذ هذه المدينة قاعدة له و مات فيها سنة 265 (878). و قال المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) ان جندى شابور آهلة، فيها قصب السكر. اما اليوم فليس منها الا آثار.

و دزفول أى «قنطرة دز» أو «قنطرة القلعة»، على نهر دز جنوب جند يسابور. و انما سميت بذلك لانها عند قنطرة مشهورة يقال ان سابور الثانى بناها. و قد سماها الاصطخرى قنطرة اندامش، و ما زالت آثارها شاخصة. و كان يقال للمدينة أيضا فى المئة الرابعة (العاشرة) قصر روناش. على ان المقدسى أشار اليها أحيانا باسم مدينة القنطرة فقط. و لهذه المدينة و قنطرتها المشهورة اسماء أخرى. فابن سرابيون سماها قنطرة الروم. و اسم دز اطلقه على

نهر جند يسابور. اما ابن رسته فذكرها باسم قنطرة الروذ «أى قنطرة النهر».

و ابن خرداذبه باسم قنطرة الزاب، فان الزاب اسم نهر دز على رأيه. و وصف المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) القنطرة فقال انها 42 عقدا و طولها 320 خطوة و عرض الطريق الذى فوقها 15 خطوة. و كانت تسمى على قوله قنطرة انديمشك (أو اندامش).

و كانت مدينة دزفول على جانبي النهر و فوق جانبها الشرقى قناة منقورة فى الصخر عليها ناعور عظيم يرفع الماء الى علو خمسين ذراعا فيسقى بيوت المدينة.

و حول دزفول مراتع مشهورة يكثر فيها النرجس. و ذكر علي اليزدى هذا

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 274

النهر باسم «زال». و وصف القنطرة فى دزفول (و قد كتب الاسم بصورة دزپل على الطريقة الفارسية) بانها ذات 28 عقدا كبيرا و 27 عقدا صغيرا تتخلل العقود الكبار، فكلها 55 عقدا. و ان رجعنا الى الخارطة الحديثة وجدنا ان نهر دزپل اليوم يلتقى بكارون بازاء بندقير (عسكر مكرم). الا انه كان قديما يصب فى دجيل اسفل من ذلك بقليل. و لعل مجراه الاعلى كان أقرب الى جنديسابور مما هو عليه الآن. و كان عند ملتقاه بدجيل فى القرون الوسطى، و لعل ذلك فى شمال الاهواز، كورتان خصبتان فيهما مدن كبيرة يقال لهما مناذر الكبرى و مناذر الصغرى. و ذكر ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) ان هاتين الكورتين «عامرتان بالنخيل و الزروع» .

و الارض التى فى شمال دزفول و تستر و شرقهما كانت تعرف فى أوائل القرون الوسطى بصحراء اللر. و أهلها من قبائل اللر. و قد هاجرت منها بعد هذا العهد الى الكورتين الجبليتين: اللر الصغرى و اللر الكبرى.

و هما من اقليم الجبال على ما بيّنا فى الفصل الرابع عشر. و حين كتب ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) كان اللر قد بدأوا بهجرتهم فقد ذكر هذا المصنف ان الغالب على هذه الانحاء الاكراد. و قال ان بلد اللر «خصب عليه هواء الجبال» .

و الى جنوب غربى دزفول اطلال السوس و هى سوسة القديمة قرب نهر كرخة. و قد كانت فى القرون الوسطى مدينة آهلة و قصبة كورة يتبعها مدن كثيرة. و يكثر فيها القز و النارنج و قصب السكر. و كان فيها قلعة محكمة قديمة و بها أسواق بهية و جامع سوي على أساطين مدورة. و يروى ان قبر النبي دانيال قد بني فى عقيق نهر كرخة المار فى الجانب الابعد من مدينة السوس. و على

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 275

حافة النهر فى أقرب موضع من القبر المزعوم، مسجد حسن يشير الى مكان هذا القبر. و وصف المستوفى هذه المدينة فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) فقال انها موضع زاهر و ذكر قبر النبي دانيال فى غربيها (و الظاهر انه كان حينذاك فى ارض يابسة) و قال انهم يحرمون صيد السمك فى هذا النهر تكريما لدانيال.

و مدينة كرخا (أو كرخة) و هى قرب السوس، و بها يعرف الآن نهر كرخة المار بتلول السوس، على شى ء يسير فوق هذه الاطلال و هى فى يمين النهر أى فى جانبه الغربى. وصفها المقدسى فقال: «صغيرة عامرة طيبة، سوقها يوم الاحد، و عليها حصن، و لها البساتين» .

و ذكر البلدانيون القدماء جملة مواضع على نهر كرخة أو بالقرب منه. منها ما كان فى الغرب و منها ما كان أسفل السوس، قد كانت مدنا

جليلة فى القرون الوسطى و لكن لا أثر لها اليوم فى الخارطة الحديثة و مع ذلك فقد لمحت كتب المسالك عن مواضعها بوجه تقريبى. و كان من أهم هذه المدن: بصنّا و هى على أقل من مرحلة جنوب السوس على نهر (أو لعله رافد صغير من روافد نهر كرخة) كان يقال له دجيل بصنّا و كانت مركزا تجاريا عظيما. و فى بصنا تعمل الستور التى تحمل الى الآفاق، المكتوب عليها «عمل بصنا» و ينسجون فيها الأنماط و يغزلون الصوف «و عليها حصنان محكمان. و الجامع حسن على باب المدينة من نحو النهر و النهر منها على رمية سهم». و فى دجيل نهرها «سبعة ارحية فى السفن» على ما فى المقدسى. و قرب بصنا مدينة بيروت أو بيروذ و هى على مرحلة أيضا من السوس و لعلها الى غرب نهر كرخا. زارها ياقوت فى المئة السابعة (الثالثة عشرة). و قال المقدسى انها كبيرة بها نخل كثير يسمونها «البصرة الصغرى» لرواج تجارتها.

و متّوت أو متّوث فيها قلعة حصينة و هى من مدن هذه الانحاء على تسعة فراسخ من جنوب السوس بين الاهواز و قرقوب. و قرقوب- و بها يعمل النسيج

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 276

المطرّز المعروف بالسوسنجرد- مدينة ذات شأن فى نصف الطريق بين السوس و الطيب التى فى العراق. و كانت على مرحلة من السوس و مرحلتين من بصنا.

و فى هذه الكورة مدينة أخرى لا يعرف موضعها و لعلها فى شمال قرقوب، هى دور الراسبى. وصفها ياقوت بانها بين الطيب و جند يسابور و فى هذه الدور ولد و عاش الراسبى . و قد مات فى سنة 301 (913) و تقلد الولاية

سنين كثيرة من حد واسط الى حد شهر زور فى أيام الخليفة المقتدر. و اشتهر الراسبى بثرائه العظيم، فقد خلف مالا عظيما أورد ياقوت كشفا غريبا به .

و كان يتصل بنهر كرخة فى نحو سمت الاهواز أنهار تنحدر من الحويزة (أو الحويزة و هى تصغير حوز أو هوز على ما مر بيانه، و هم أهل هذا الاقليم).

و قد وصفها المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) فقال هى من ازهر مدن خوزستان يكثر فيها القمح و القطن و قصب السكر. و كان يسكن المدينة فى ذلك الزمن الصابئة . و كانت مدينة نهر تيرا أو نهر تيرين على نهر أو ترعة بهذا الاسم يظهر انه كان من الروافد اليمنى فى أسفل نهر كرخة بارض الحويزة. و كانت على مرحلة غرب الاهواز فى طريق واسط «و بها ثياب تشبه ثياب بغداد و تحمل اليها فتدلّس بها».

و يأتى نهر كرخة من الغرب فيصب فى دجيل تحت الاهواز و ربما فى أسفل مجراه العريض، على ما أشرنا اليه، و هو المعروف بنهر السدرة. و فى الشرق أسفل من ذلك ملتقى نهر الدورق به، و عليه مدينة باسمه و هى قصبة كورة سرّق يقال لها دورق الفرس «و هى ذات رستاق واسع و سوق كبير و خصائص

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 277

و خيرات و سوقها متشعب و اليها يقصد حجاج فارس و كرمان» فى طريقهم الى مكة.

و كانت الدورق مشهورة بستورها، و الجامع على طرف السوق. و على نهرها قرى كثيرة و بها الكبريت الاصفر قرب عيون الكبريت الحارة، يقصد حماماتها اصحاب العاهات، فمن نزل فيها يسيرا يسيرا انتفع بمائها، و هى تنبع فى جبل و

يجتمع ماؤها فى حوضين . و فى المئة الرابعة (العاشرة) كان فى الدورق أبنية ساسانية عجيبة و بها بيت نار أيضا على ما ذكر ابن مهلهل.

و فى هذه الكورة قرب الدورق مدينتان، هما ميراقيان و ميراثيان و قد وصفهما المقدسى الاولى على «نهر يصل اليه المد و الجزر، و برستاقها قرى كثيرة و أعمال نفيسة». و ميراثيان، ذات جانبين فى كل جانب جامع و لها أسواق عامرة.

و مياه الاهوار التى فى جنوبى اقليم خوزستان كانت تنصرف فى المئة الرابعة (العاشرة) الى خليج فارس فى انهار تنحدر جنوبا من الدورق و تصب فى البحر عند باسيان. و كان قرب باسيان جزيرة دورقستان و قد ذكرها ياقوت و القزوينى و قالا «يرفأ اليها مراكب البحر التى تقدم من ناحية الهند، و فى وسطها قلعة كان فى أيام الخلفاء يحمل اليها المنفيون من بغداد». و كانت السفن حتى المئة السابعة (الثالثة عشرة) تصعد فيها شمالا فتسلك انهارا و ترعا تجرى الى عسكر مكرم فى الناحية الشرقية من دجيل .

و نهر دجيل أسفل الاهواز يزداد عرضا فيصبح فيضا يصل اليه المد و الجزر و هو القسم الاسفل من نهر السدرة. و على هذا الفيض سوق بحر، و هو موضع كان حتى أيام الخليفة المقتدر فى منتصف المئة الرابعة (العاشرة) تجبى فيه مكوس باهظة. و مدينة سوق الاربعاء، بالقرب منه، و هى فى شرق دجيل على نهر يشق المدينة الى جانبين بينهما قنطرة من خشب تحتها السفن. و الجانب الشرقى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 278

من سوق الاربعاء أعمر و فيه الجامع، و مدينة جبّا بقربها، و فيها يكثر قصب السكر، و هى ذات قرى عامرة.

و فى

رأس فيض دجيل العريض حصن يقال له حصن مهدى، به جامع و رباطات. و قد بنى الحصن على ما يقال الخليفة المهدى أبو هرون الرشيد.

و حصن مهدى على بضعة أميال فوق متفرّع النهر العضدى الجارى غربا و الموصل رأس فيض دجيل بدجلة الأعمى عند بيان. و يحفّ بهذا النهر سباخ و أهوار (أنظر الفصل الثالث ص 69). اما فيض دجيل فينصب فى خليج فارس عند سليمانان. و هى مجاز خطر للمراكب التى كانت على ما يظهر تصل الى الاهواز بصورة أسلم اذا ما جازت فى الانهار و الجداول المختلفة مارة بباسيان فى صعودها الى الدورق و منها تتابع طريقها فى نهر السدرة. أما حصن مهدى، و لا يعرف موضعه الصحيح، فيقال انه كان يقوم عند ملتقى طرق كثيرة و يسيطر على أعالى فيض دجيل حيث كان يبلغ عرضه هناك نحو فرسخ. و ذلك اسفل مصاب انهار كثيرة تأتى من أرض الحويزة من الشمال الغربى و مصب نهر الدورق الآتى من الشرق. و من فوق هذا الموضع بدء نهر السدرة الصاعد الى الاهواز و الاهواز تبعد عشرين فرسخا عن حصن مهدى .

و على مسيرة ثلاثة أيام من شرق الاهواز مدينة رامهرمز و ما زالت تعرف بهذا الاسم. و انما سميت بذلك نسبة الى الملك هرمز حفيد اردشير بابكان. و فى المئة الرابعة (العاشرة) اشتهرت هذه المدينة بدود القز و بالابريسم الذى يحمل منها الى سائر الآفاق. و كان فى رامهرمز جامع بهى و أسواق عامرة بناها عضد الدولة البويهى. و روى المقدسى انه «جعل على أسواقها دروب تغلق فى كل ليلة يسكنها البزازون و العطارون و الحصارون». و كان بها على ما قال دار كتب مشهورة

يدرس فيها، أنشأها ابن سوّار كدار الكتب التى فى البصرة. و شرب أهل رامهرمز من نهر يأخذ من نهر طاب. و كان هذا النهر يجف غالبا فى أيام

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 279

الصيف. و كان الناس فيها «يحتاجون فى ليالى الصيف الى الكلل مع كثرة البق» على قول المقدسى. و ذكر المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) ان اسم رامهرمز كان يختصر حينذاك الى رامز و ظلت حتى أيامه مدينة زاهرة يكثر فى ارجائها القمح و القطن و قصب السكر.

و على ستة فراسخ من جنوب شرقى رامهرمز، فى طريق ارّجان، غير بعيد عن نهر طاب و هو نهر يعين حدود اقليم فارس: الحومة أو ديار الزطّ و يقال لهم أيضا الجات. و هم قبائل جاءت من الهند (و هم النور على ما يقال). و يسقى هذه الكورة نهر طاب. و فيها قريتان عامرتان هما الزط و الخابران. و وراءهما، قبل أرّجان بمرحلتين عند حدود فارس فى الطريق بين ارّجان و الدورق: آسك و هى بلدة صغيرة و بناحيتها على ما فى الاصطخرى بركان صغير . و آسك بلدة ذات نخيل و بها يعمل الدوشاب- و هو دبس الزبيب- الذى يحمل منها الى الآفاق.

و بالقرب من آسك آثار ساسانية هى ايوان عال بازاء قبة منيفة ينيف سمكها على مئة ذراع بناها الملك قباذ على عين غزيرة. و الى شرق آسك، على بضعة أميال من أرّجان غرب القناطر التى على نهر طاب، مدينة سنبيل التجارية فى وسط كورة باسمها. و كانت متاخمة لحدود فارس .

و ديار اللر فى شرق تستر و شمالها بامتداد نهر دجيل الاعلى (نهر كارون) و روافده الكثيرة. اما البلاد

التى فى شرق كارون الاعلى و جنوبه (و نهر كارون يؤلف هنا عدوة كبيرة و ينثنى راجعا و ذلك بين منبعه فى الجبال التى فى غرب اصفهان و موضع فى شمال تستر و منها ينحاز أخيرا نحو الجنوب فينحدر الى خليج فارس) فقد سماها المستوفى اللر الكبرى و هى تتاخم ولاية شولستان عبر الحدود

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 280

فى فارس. و كانت أولى مدن اللر الكبرى: ايذج و يقال لها أيضا مال الامير.

وصفها المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة) بانها من اجل مدن خوزستان و هى قرب الجبال. و قصر السلطان فى موضع يقال له أسد أباد و يقع بها فى الشتاء ثلج كثير يخزن و يحمل الى الاهواز و النواحى الاخرى لبيعه فيها صيفا. و مزارعهم على الامطار و فيها أجود أنواع الفستق. و قال ابن بطوطة، و قد زارها فى مطلع المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، ان الغالب على تسمية ايذج فى زمنه مال الامير.

و هى ما زالت حتى اليوم تعرف بهذا الاسم و لا يقال لها ايذج.

و كانت ايذج الى ذلك مشهورة بقنطرتها العظيمة على دجيل، و قد وصفها ياقوت فقال هى من عجائب الدنيا المذكورة. كانت هذه القنطرة و ما زالت آثارها باقية تعرف بقنطرة خرّه زاد، و انما سميت بذلك نسبة الى أم الملك اردشير.

و القنطرة مبنية على واد، و هى طاق واحد تعلو مئة و خمسين ذراعا عن الوادى «و دونها بفرسخين صور من الماء يعرف بفم البواب و كان هذا الصور خطرا».

و قد جدد هذه القنطرة فى المئة الرابعة (العاشرة) وزير ركن الدولة البويهى .

و استغرق العمل فى ذلك سنتين. و كانت حجارتها تلتحم بالرصاص و

الحديد.

و قيل انه انفق على هذا العمل مئة و خمسين الف دينار (75 الف باون) و روى ياقوت ان ايذج كثيرة الزلازل و بها معادن كثيرة و بها ضرب من القاقلى تنفع عصارته النقرس. و زاد على ذلك ان بها بيت نار عتيق كان يوقد الى أيام الرشيد.

و على ضفتي النهر، على أربعة فراسخ شمال غربى ايذج، مدينة صغيرة يقال لها سوسن و تعرف أيضا باسم عروج (أو عروح). و حول هذا الموضع بساتين يكثر فيها العنب و النارنج و الاترنج و الليمون. و قال المستوفى ان الجبال، انتى لا يفارقها الثلج صيفا، تبعد عنها نحو اربعة فراسخ. و كان يقال لعروج أو سوسن: جابلق أيضا. و يرى بعض المصنفين انها «شوشن القصر» المذكورة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 281

فى سفر دانيال . و على نحو مئة و خمسين ميلا شرق مال الامير، على حدود فارس و قرب أقصى روافد كارون فى الشرق، مدينة لرجان (و تسمى أيضا لردكان أو لركان و كلها صور مشتقة من اسم لر). و قد وصفها الاصطخرى بانها قصبة رستاق سردان (أو السردن) و هى مدينة واسعة كثيرة الاشجار أطرى المستوفى عنبها الكثير. تعد فى الغالب من أعمال اقليم فارس لانها على حدوده .

و أهم تجارات خوزستان و غلاتها السكر. فان قصب السكر كان يكثر فى كل ناحية منها. قال المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة): «كل سكر تراه ببلدان الاعاجم و العراق و اليمن فمن خوزستان يحمل». و قال يعمل بالاهواز فوط من القز حسنة تلبسها النساء. و من تستر يرتفع الديباج الحسن المشهور فى سائر الآفاق و الانماط و الثياب الحسنة. و يحمل من تستر فواكه

كثيرة و لا سيما الدستنبوى (البطيخ).

و من السوس و هى موطن قصب السكر يحمل السكر الكثير الى سائر الجهات و بها بز و خزوز. و من عسكر مكرم مقانع القز و المناديل و الثياب. و من بصنّا الستور الجيدة. و من قرقوب الانماط. و من نهر تيرى أزر كبار .

و كانت انهار خوزستان صالحة لسير السفن، و أكثر تجاراتها تنقل بين مدنها فى تلك الانهار. و مجتمع طرقها فى الاهواز، و للقادم الى الاهواز من البصرة ان يقصدها بطريق الماء فى النهر العضدى أو فى البر فيجتاز السبخة من عسكر ابى جعفر بازاء الابلّة الى حصن مهدى و منها الى الاهواز مارا بسوق الاربعاء .

و قد اورد الاصطخرى و المقدسى المسافات بين مدن خوزستان بكثير من التفصيل. فقد كان يخرج من الاهواز طريق يتجه غربا الى نهر تيرى ثم الى واسط

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 282

فى العراق. و يبدأ الطريق الشمالى من قاعدة الاقليم فيمر بعسكر مكرم الى تستر.

و يتجه غربا من جند يسابور و السوس الى الطيب. و من الطيب طريق آخر يذهب الى واسط.

و ذكر المقدسى الطريق الذى يخترق جبال اللر من جند يسابور الى گل بايكان فى اقليم الجبال و هو شمال غربى اصفهان. و كان يخرج من عسكر مكرم طريق آخر (وصفه قدامة و غيره) يتجه شرقا الى ايذج و منها يجتاز الجبال فيصل الى اصفهان .

و كان يلتقى فى رامهرمز طريقان احدهما من عسكر مكرم و الآخر من الاهواز.

و من رامهرمز يضربان شرقا و يصلان حدود فارس عند نهر طاب خلف ارّجان. و قد ذكر قدامة و غيره من المصنفين هذين الطريقين فأشاروا الى انهما قسم

من الطريق الذاهب من البصرة الى شيراز. و ذكر الاصطخرى أيضا طريقا آخر معظمه بالماء من حصن مهدى الى ارّجان يمر بباسيان على الساحل الى الدورق و منها الى آسك فارّجان. و قد ذكر المقدسى المراحل من شمال رامهرمز الى ايذج، و وصف أيضا طريقا من رامهرمز يجتاز جبال اللر الى اصفهان و طريقا آخر يجتاز صحراء اللر شمال دزفول فيمر بسابور خواست الى كرج ابى دلف، على انه لم يذكر المسافات الا بالمراحل. و من الصعب، ان لم يكن مستحيلا، تعيين مواضع هذه المراحل الآن. و قد ذكر المقدسى طريقا ثالثا فى الشمال يخترق الجبال من ارّجان فى سبعة أيام حتى يصل سميرم (فى فارس) فى جنوب اصفهان و يصاقب حدود خوزستان و فارس .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 283

الفصل السابع عشر فارس

تقسيم الاقليم الى خمس كور- كورة اردشير خره- شيراز- بحيرة ماهلوية- نهر سكان- جويم- بحيرة دشت ارزن- كوار- خبر و الصيمكان- كارزين و كورة قباذ خره- جهرم- جويم ابى احمد- ماندستان- ايراهستان- جور او فيروز اباد- اسياف فارس- جزيرة قيس- سيراف- نجيرم- توج- الغندجان- خارك و سائر جزر خليج فارس.

كان اقليم فارس، موطن الدولة الاخمينية و قاعدة حكومتها. و قد عرفه اليونان باسم برسس(Persis) ، و جروا خطأ على استعمال اسم هذا الاقليم الاوسط و أرادوا به المملكة كلها. و شاع و همهم فى استعمال هذا الاسم فى انحاء أوربة الى يومنا هذا. فالاسم Persia (بلاد فارس) عندنا- و هو مشتق من Persis اليونانية- قد صار اسما عاما يطلق على دولة الشاه بأسرها، فى حين ان الفرس أنفسهم يسمون بلادهم مملكة ايران. و ما فارس، أى Persis القديمة، الا اقليم واحد من أقاليمها

الجنوبية. و قد ورث العرب عن المملكة الساسانية تقسيم فارس على خمسة أقسام، يقال لكل قسم منها كورة.

و ظلّ هذا التقسيم- و من الملائم أن نأخذ به فى وصف الاقليم- معمولا به حتى أيام المغول. و هذه الكور الخمس، هى: (1) أردشير خرّه، و قصبتها شيراز

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 284

أولى مدنها. (2) سابور أو شاپور خرّة، و مدينتها شابور و هى أكبر مدنها.

(3) أرجان و مدينتها العظمى أرّجان. (4) اصطخر، و مدينتها اصطخر القديمة (پرسپوليس Persepolis ) قصبة فارس الساسانية. و أخيرا (5) دار ابجرد، و مدينتها بالاسم نفسه دار ابجرد.

ثم ان مما يحسن ذكره، أن اقليم فارس، كان فى أيام الخلافة يضم مدينة يزد و ناحيتها و ناحية روذان (و هى بين أنار الحديثة و بهرام أباد). و قد كانت هاتان الناحيتان جزءا من كورة اصطخر. على ان يزد، بعد الفتح المغولى، كانت من اقليم الجبال. أما اليوم، فتعدّ جزءا من كرمان. و كذلك القول فى ناحية روذان القديمة. و معنى «خرّه» بالفارسية القديمة «بهاء» . و عليه يكون أردشير خرّه و شابور خرّه اسمين لكورتين، الاولى تخلد مجد أردشير مؤسس الدولة الساسانية، و الثانية تخلد ذكر ابنه المشهور سابور أو شابور، و هو ساپور(Sapor) عند اليونان. و أخيرا قسّم البلدانيون العرب اقليم فارس على قسمين، هما:

الاراضى الحارة و الاراضى الباردة، أى الجروم و الصرود، يفصل بينهما خط يمتد شرقا و غربا. و ما زلنا حتى اليوم نجد هذا التقسيم متبعا فى الاراضى الخفيضة القريبة من الساحل، الممتدة من الهضاب التى تلى الدروب، فانها تعرف بهاتين اللفظتين: گرم سير و سرد سير، أى المنطقة الحارة و المنطقة الباردة، و هما

تسميتان جرى المستوفى على استعمالهما أيضا .

و شيراز، قصبة فارس، قد مصّرها العرب و اتخذ المسلمون موضعها وقت الفتوح فى أيام الخليفة عمر، معسكرا لهم لما أناخوا على فتح اصطخر. و لعل ما بلغته من منزلة، يرجع، على ما ذكر المقدسى، الى كونها فى وسط البلاد، اذ يقال انها على ستين فرسخا من الحدود فى كل جهة من الجهات الاربع، و على ثمانين فرسخا من كل زاوية من زوايا الاقليم الاربع. و جاء فى الاخبار ان شيراز

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 285

قد تولى عمارتها فى سنة 64 (648) محمد أخو الحجاج أو ابن عمه ، و الحجاج هو عامل بنى أمية المشهور على العراق. ثم اتسعت رقعتها و صارت مدينة كبيرة فى النصف الاخير من المئة الثالثة (التاسعة) حين اتخذها بنو الصفار قاعدة لدويلتهم نصف المستقلة. و كانت شيراز فى المئة الرابعة (العاشرة) نحوا من فرسخ فى السعة، أسواقها ضيقة يزدحم فيها الناس، و كان للمدينة حين ذاك ثمانية أبواب ، و هى: باب اصطخر، تستر، بنداستانه، غسان، سلّم، كوار، مندر، مهندر. و مياه شيراز من القناة التى تجرى من جويم و هى قرية على خمسة فراسخ من شمالها الغربى. و لشيراز بيمارستان، و فيها دار عضد الدولة البويهى.

التى أنشأ فيها خزانة كتب على ما جاء فى فارسنامه.

و على نصف فرسخ من جنوب شيراز، بنى عضد الدولة البويهى، الملقب بفنا خسرو، قصرا آخر له و خط حوله مدينة جديدة نسبت اليه، فقيل لها كرد فناخسرو. و جعل الى جنب قصره بستانا أنفق عليه الاموال العظيمة، سعته نحو من فرسخ. و نقل الى الدور التى نشأت حوله الصوافين و صناع الخز و

الديباج و غيرهم من أصحاب الحرف الذين نقلهم بنو بويه من أقاصى البلاد و أسكنوهم فى فارس. و كان يقام فى كرد فناخسرو احتفال فى كل سنة. و قد صارت هذه المدينة أيضا دارا لضرب النقود حينا من الزمن. و لكن عزّها لم يدم بعد موت مؤسسها فقد أشرفت على الخراب قبل ختام المئة الرابعة (العاشرة) و صار ربضها يعرف بسوق الأمير. و ايجار حوانيته عشرون ألف دينار (عشرة الآف پاون) فى السنة.

و أول من بنى سور شيراز و أحكمه، صمصام الدولة أو سلطان الدولة (و هما ابن و حفيد عضد الدولة المار ذكره). و كان عرض حائطه ثمانية أذرع و طوله اثنى عشر ألف ذراع. و له ما لا يقل عن أحد عشر بابا. و فى منتصف

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 286

المئة الثامنة (الرابعة عشرة) تخرب هذا السور فعمره محمود شاه انجو ، غريم آل مظفر، و أحكمه بأبراج من الآجر. و حين زار المستوفى مدينة شيراز رآها ذات سبع عشرة محلة و تسعة أبواب. و هذه الابواب هى باب اصطخر، و باب دارك (أو دراك موسى) نسب الى جبل بهذا الاسم على نحو من فرسخين من شيراز و فيه يخزنون ثلج الشتاء فى مخابئ لاستعماله أيام الصيف. ثم باب البيضاء، و باب كازرون، و باب سلم، و باب قبا (و جاء فى بعض المخطوطات بصورة فنا و قنا)، ثم باب نو (الباب الجديد)، و أخيرا باب الدولة، و باب السعادة.

و زاد المستوفى، على ايراده أسماء هذه الابواب قوله، ان شيراز مدينة فى غاية الحسن، ذات أسواق عامرة، غير انها قذرة على ما وصف. و كان ماؤها من قناة ركن

أباد المشهورة، و هى التى حفرها ركن الدولة البويهى أبو عضد الدولة المار الذكر، و من قناة بستان سعدى. و فى أيام الربيع تنحدر السيول من جبل دارك فتخترق المدينة ثم تجتمع فى بحيرة ماهلوية.

و كان فى شيراز ثلاثة مساجد جامعة، أولها الجامع العتيق و قد بناه عمر و بن الليث الصفار فى النصف الأخير من المئة الثالثة (التاسعة) و أشار المستوفى الى ان هذا الجامع لم يخل من المصلين قط. و الثانى الجامع الجديد و هو من النصف الأخير من المئة السادسة (الثانية عشرة) بناه الأتابك سعد بن زنكى السلغرى، و ثالثها مسجد سنقر فى مربعة الحلاقين و قد بناه أول أتابك من السلغريين. و ما زال بيمارستان عضد الدولة قائما. و يزور الشيعة فى شيراز مشهد محمد و أحمد ولدى الامام السابع موسى الكاظم. و ما أسلفنا من كلام على شيراز قد عزّزه ابن بطوطة، معاصر المستوفى، فقد تكلم هو أيضا على الجامع العتيق فيها و قال: بشماله باب يعرف بباب حسن. كما تكلم على مشهد أحمد و كان فيه مدرسة.

ثم انه قد أطرى الانهار الخمسة التى تشق المدينة، أحدها النهر المعروف بركن آباد، ينبعث من عين فى سفح جبل هنالك يسمى القليعة، و بقربه بستان مليح يحفّ بقبر الشاعر سعدى [الشيرازى] المتوفى سنة 691 (1292) أى قبل

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 287

زيارة ابن بطوطة لها بنصف قرن، و قد كانت لسعدى منزلة رفيعة فى قصر الاتابك أبى بكر بن الأتابك سعد باني المسجد الجديد. و كان فى البستان الذى فيه قبر سعدى، و الناس يزورونه كثيرا، حياض حسنة من المرمر لغسل الثياب، صنعها سعدى عند نهر ركن آباد.

و

فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة) نجت شيراز لحسن حظها من محاصرة تيمورلنك لها الذى تغلب على آل مظفر فى وقعة پاتيله فى الارض البسيطة فى ظاهرها، فلم تعان المدينة الا شيئا قليلا من الأذى على ما ذكر على اليزدى. لأن تيمور لنك قد عسكر فى بستان يقال له تخت قراچه فى ظاهر باب سلم و باب السعادة المفضيين الى يزد. و ذكر هذا المؤلف نفسه ان الابواب الثمانية الأخرى كانت مغلقة حين ذاك، و أشار أيضا الى كوه قلعة سرخ (أى تل القلعة الحمراء) قرب شيراز، و لا يعلم موضعها. و مما ذكره المستوفى من القلاع المشهورة بالقرب من شيراز، قلعة تيز، و تقوم على تل منفرد يبعد ثلاثة فراسخ عن جنوب شرقى المدينة، و قد كان فيها عين ماء فى قمة التل، و أخرى فى السهل أسفلها. و أما ما يليها فمفازة معطشة، مقدارها مسيرة يوم .

و شيراز لا تقوم على نهر كبير، غير أن أنهارها تنحدر شرقا، على ما بيّنا، و تصب فى بحيرة تغمر وهدة فى السهل على بضعة فراسخ من المدينة. و قد سمى الاصطخرى هذه البحيرة بالجنكان. و جاء اسمها فى أبى الفداء و ابن بطوطة بصورة الجمكان. و وردت فى فارسنامه و فى المستوفى باسم ماهلوية و يقال لها اليوم بحيرة ماهلو، و ماؤها ملح. و يرتفع من أطرافها الملح و يحمل الى شيراز، و صيد السمك فيها كثير، و طول البحيرة اثنا عشر فرسخا، و على شطآنها الجنوبية قرى ناحية الكهرجان، و فى جنوبها الشرقى مدينة خورستان و يقال لها

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 288

أيضا سروستان و يكثر فيها النخيل و القمح و

هى خصبة يجتمع فيها ما يكون فى بلاد الصرود و الجروم. و كانت كوبنجان، على ما فى فارسنامه و المستوفى، بلدة صغيرة بالقرب من سروستان .

و أطول أنهار فارس، نهر سكّان، مخرجه على ثلاثين ميلا من شمال غربى شيراز، و يجرى منحرفا باتجاه الجنوب الشرقى مسافة تزيد على مئة و خمسين ميلا، ثم ينعطف انعطافا كبيرا فيتجه نحو الغرب الى مسافة مئة و خمسين ميلا أخرى، و تكثر التعاريج فى مجراه الأخير، ثم انه بعد ان يستقبل مياه نهر فيروز اباد من الشمال، يقع فى البحر على شى ء يسير جنوب نجيرم . و ذكر الاصطخرى ان اسم «سكان» مشتق من اسم قرية سكّ، و هى فى غرب المنعطف الكبير لنهر سكان بالقرب منه أما غيره من المصنفين، فقد أورد اسمه بالصور المختلفة الآتية: ستّجان، ثكّان، سيكان. و أورده المستوفى بصورة زكان أو ژكان. و قال صاحب فارسنامه و من جاء بعده من المصنفين، أن مخرج هذا النهر فى ناحية يقال لها ماصرم. أما الاصطخرى فقال انه يخرج من رستاق الرويحان و هو السهل الذى فى جنوب جويم و خلّار، و هاتان قريتان كبيرتا الشأن، الاولى على خمسة فراسخ و الاخرى على تسعة فراسخ من شيراز فى الطريق الذاهب الى النوبنجان فى شمال دشت أرزن. و يخرج من قرب جويم، على ما بيّنا، أحد أنهار شيراز. و كانت خلّار، على ما فى المستوفى، تشتهر بحجر الأرحاء و ان كان أهلها لا أرحاء لهم. و كانوا يحملون حبوبهم الى أماكن أخرى لطحنها. و كان يحمل منها أيضا عسل كثير. و كان دشت أرزن (أى سهل اللوز المرّ) معروفا بمراتعه الممرعة (مر غزار). و كان طول بحيرة دشت

أرزن نحوا من عشرة فراسخ فى موسم الامطار، و ماؤها عذب. و ربما تجفّ فى الصيف حتى لا يبقى فيها من الماء

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 289

الا القليل و يصاد فيها سمك كثير على ما ذكر الاصطخرى و زاد المستوفى على ذلك ان الأسود كانت تكثر فى غابة قريبة منها .

و على عشرة فراسخ من جنوب شيراز يمرّ نهر سكّان بمدينة كوار أو كوار و هى قرب ضفته اليسرى. و قد أنشئ فى هذا النهر، على ما جاء فى المستوفى، سد من شاطئ الى شاطئ لكى يرتفع الماء به فيدخل انهار السقى. و كانت المراعى القريبة من كوار مشهورة. و يكثر فيها الكرز البرى و اللوز و كذلك الرمان الكبير و فى ما يلى كوار، فى يسار نهر سكان أيضا، مدينة حبر، و هى مشهورة بقبر سعيد أخى الحسن البصرى الفقيه. و ذكر المستوفى ان «خبر» كانت أكبر من كوار، و أن بالقرب منها القلعة المشهورة المسماة تير خدا (سهم اللّه)، و انما سميت بذلك لامتناعها و اعتصامها، فقد كانت تقوم على قمة جبل، فلا تبلغها سهام الاعداء.

و أسفل من خبر يتجه نهر سكان جنوبا فينساب فى مجرى متمعج مخترقا ناحية الصيمكان. و كانت مدينة الصيمكان قرب ضفته اليسرى عند ملتقى رافد كبير به ينحدر من دار أبجرد فى الشرق .

و كانت الصيمكان، على ما جاء فى المستوفى، مدينة حسنة، تقوم على النهر و عليه هناك جسر. و مما يلفت النظر ان فى أعلى هذا الجسر، تنمو أشجار بلاد الصرود (أى أشجار المنطقة الباردة) فقط كالچنار (الدلب) و الجوز و فى أسفله يكثر النارنج و الليمون و غيرهما من فواكه بلاد

الجروم. و ما يعصر فيها من خمور فى غاية القوة فلا تشرب الا بعد مزجها بما يعادل ضعفيها أو ثلاثة أضعافها من الماء. و هيرك لا تبعد عنها كثيرا، و هى قرية كبيرة من أعمال الصيمكان. و كان بالقرب من يمين نهر سكان، فى جنوب ناحية الصيمكان، المدن الثلاث: كارزين، و قير، و أبرز. و كانت كورتها تعرف بقباذ خرّة (أى بهاء قباذ) تخليدا لذكرى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 290

أحد الملوك الساسانيين. و ذكر الاصطخرى ان كارزين نحو الثلث من اصطخر (پرسبوليس) و لها قلعة منيعة يرفع الماء اليها من نهر سكان، و كانت ضاربة فى الفضاء حتى لترى منها قلاع كثيرة بعيدة عنها .

و مدينة جهرم (أو جهرم)، و قد كانت تحسب أحيانا من أعمال كورة دار أبجرد، فى جنوب الصيمكان و شرق كارزين، و حولها بسيط من الارض خصب، و اشتهرت بقلعتها العظيمة التى تبعد عن المدينة خمسة فراسخ، يقال لها قلعة خورشه. و كان نظام الملك وزير السلاجقة العظيم، قد أحكم بناءها و زاد فى تحصينها. و أول من بناها خورشة، و كان عامل بنى أمية على جهرم . و الى جنوب شرقى جهرم مدينة جويم أبى أحمد، (و قد عرفت بذلك تمييزا لها عن جويم التى فى أعلى نهر سكان، أنظر الصفحة 289)، وصفها المقدسى بانها على نهر صغير، حولها النخيل و لها جامع حسن، و بين الجامع و السوق زقاق طويل، و تعرف الناحية التى فى جنوبها الغربى بايراهستان. و بالقرب من المدينة قلعة منيعة يقال لها سميران (أو شميران) وصفها المستوفى بقوله انها «عش اللصوص و قطاع الطرق» و تكثر حولها المراعى، و أحسنها ما

كان بين جويم وضفة نهر سكان تكثر فى نواحيها الخبارى الآسنة و تكثر الأسود فى غاباتها.

و مدينة الكاريان، و تشرف عليها قلعة حصينة، على مرحلة غرب جويم، «و بها بيت نار معظم عند المجوس تحمل ناره الى بيوت النار فى الآفاق». و قلعتها على رأس جبل، حصينة لا تقتحم و فى غرب الكاريان، فى منعطف نهر سكان الى الغرب، مدينة لاغر و هى موضع كان له حين كتب المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) بعض الشأن. فقد كان مرحلة فى طريق القوافل الذاهبة من شيراز الى جزيرة قيس. و جاء ذكر لاغر أيضا عند الكلام على كهرجان (أو مكرجان) و هذا الموضع لا أثر له فى الخارطة. و ما بين لاغر و الساحل، و بمحاذاة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 291

الجانب الايمن من نهر سكان الى شماله، مفازة ماندستان و هى فى وسط المسافة بين نجيرم و بوشكانات. و ليس فى هذه المفازة قرى أو وديان الا فى ما ندر حين هطول الامطار الغزيرة، على ما ذكر المستوفى، فيمكن ان ينمو فى هذه المفازة القطن و القمح، فيغلّ فى نهاية الشتاء الواحد ألفا . بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد ؛ النص ؛ ص291

ماندستان، و هو ما كانت تعرف به هذه المفازة فى القرون الوسطى- و معناه «بلاد ماند»- تحتفظ و لا ريب باسم نهر ماند، و هذا الاسم، على ما قد بينّا، يطلق اليوم على أسفل نهر سكّان. و يستقبل هذا النهر من الشمال فى نحو من نصف المسافة بين لاغر و البحر، رافدا كبيرا يقال له نهر فيروز اباد. و مدينة فيروز اباد كان يقال لها قديما جور. و

كانت فى أيام الساسانيين مدينة كورة اردشير خرّه «بدلا من شيراز المحدثة». و حكى الاصطخرى «يقال ان مكانها كان ماء واقفا كالبحيرة ... فاحتال الملك اردشير فى ازالة ماء ذلك المكان بما فتح من مجاريه، فبنى بذلك المكان جور ... و فى وسط المدينة بناء مثل الدكة يسمى الطربال - كان ما زال فيها فى المئة الرابعة (العاشرة) و ما بعدها-. و يعرف بلسان الفرس بايوان. و هو بناء بناه أردشير» على الدكة. و كانت جور فى هذا الزمن «قريبة فى السعة من اصطخر ... و عليها سور عامر و خندق، و لها أربعة أبواب: باب مما يلى المشرق يسمى باب مهر. و مما يلى المغرب باب بهرام. و مما يلى الشمال باب هرمز. و مما يلى الجنوب باب أردشير».

و اسم جور، و يلفظ بالفارسية گور، يوافق اسم القبر. فكان اذا خرج اليها عضد الدولة (البويهى) قيل قد ذهب الملك الى القبر. فكره ذلك، فسماها فيروز أباذ و معناه أتم دولته . و تكلم المقدسى، و قد حكى قصتها، على رحبتها الواسعة، و على بساتين فيروز اباد الحسنة. «و هى مدينة نزهة جدا، يسير الرجل

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 292

منها من كل باب نحوا من فرسخ فى بساتين و قصور». و ماؤها من جبل قريب.

يخرج من قدر نحاس فيه ثقبة ضيقة، ماء حاد جدا. و كان على نحو من أربعة فراسخ من المدينة قلعة حصينة يقال لها قلعة سهادة «أو شهارة» على قول البلدانيين الفرس. و قد سمى الاصطخرى نهر فيروز آباد بنهر تيرزه. اما فارسنامة و المستوفى، فقد سمياه بنهر برازة (أو براره) و هو يخرج من ناحية الخنيفغان .

و يقال ان الاسكندر الكبير قد غير مجرى النهر الاصلى حين كان ضاربا الحصار على جور، فأغرق ما حولها من ضياع و كوّن البحيرة التى احتال فى ازالة مياهها من بعده برازة الحكيم فى عهد الملك أردشير، ثم انه مدّ الماء من النهر الى المدينة، فى قناة أنشأها، فنسب النهر اليه فقيل له نهر برازة. و ذكر القزوينى ان فى فيروز أباد بيت نار مشهورا، و أشار الى البئر العجيبة على باب المدينة التى يخرج منها ماء حاد جدا و لا يحتاج الى استقائه. و نوّه بالورد الجوري و هو ورد أحمر من أجود أنواع الورد و له شهرة فى الآفاق. و فى شمالها، على ما بيّنا، ناحية خنيفغان أو خنيفقان و يلفظها الفرس خنافگان. و كان بين الجبال قرية كبيرة بهذا الاسم يخرج منها طريق صخرى وعر ينحدر الى فيروز اباد .

و كان يقال للساحل البحرى فى كورة اردشير خرّة، السيف (أى الشاطئ) و كان لها ثلاثة أسياف على خليج فارس كلها فى گرمسير أى المنطقة الحارة و هى: سيف عمارة فى شرق جزيرة قيس، و سيف زهير على الساحل جنوب ايراهستان و حول سيراف. و أخيرا سيف المظفر الى شمال نجيرم. و كانت عمارة و زهير و المظفّر ثلاث قبائل عربية عبرت الى السواحل الشمالية من الطرف الآخر من خليج فارس و أقامت فى هذه الديار من فارس. و كان فى سيف عمارة فى المئة الرابعة (العاشرة) قلعة على البحر لا يقدر أحد أن يرتقى اليها، يقال لها قلعة الديكدان (أو الديكباية) و تعرف أيضا بحصن ابن عمارة و سيفها يتسع لعشرين مركبا. «و لا يرتقى الى القلعة الا فى شى ء من المحامل».

و على مسافة قصيرة من

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 293

غربها، جزيرة قيس، و يكتبها الفرس بصورة كيش. و صارت فى المئة السادسة (الثانية عشرة) مرفأ تجارة خليج فارس بعد خراب سيراف التى سنأتى على وصفها قريبا. و فى جزيرة قيس أنشئت مدينة عليها سور مكين. و شربهم من صهاريج كثيرة، و فى قربها مغاص على اللؤلؤ، و هى مرفأ مراكب بلاد الهند و العرب، و يكثر فى الجزيرة النخيل. و وصف القزوينى حرّها فى الصيف فقال انها «أشبه شى ء ببيت حمام حار شديدة السخونة». و مع ذلك فقد كانت قيس مدينة آهلة عامرة. و كانت الجزيرة على أربعة فراسخ من الساحل. و فى الساحل مرفأ هزو، و اليها كان ينحدر فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) طريق قوافل من شيراز مارا بلاغر. و كانت هزو حين رآها ياقوت قد خربت، الا انها كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) قلعة حصينة لبنى بويه جعلوها محبسا لمن سخطوا عليه.

و كان بالقرب من المدينة قرية يقال لها ساوية (و جاء اسمها فى المخطوطات بصور مختلفة: تابه، تانه. أما القراءة الصحيحة لها فغير معروفة) .

و الى الغرب من سيف عمارة، بامتداد ساحل البحر، سيف زهير و كانت مدينته: كران فى الداخل و مرفاه المشهوران سيراف و نابند. و هذه الناحية كانت تمتد حتى نجيرم مما يلى فم نهر سكان. و مما يلى هذه الناحية نحو الداخل، ناحية ايراهستان. و فى ناحية كران، على ما فى الاصطخرى، «طين أخضر كالسلق، يؤكل، ليس فى ما علمته فى بلد مثله». و عدّ المستوفى كران من أعمال

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 294

ايراهستان و قال ان فى أطرافها

لا ينمو غير النخيل. و فى جنوبها كانت ناحية و مدينة ميمند، غير بعيدة عن مرفأ نابند. و نابند عند رأس الخور المعروف بخور أو خليج نابند. و يكثر فى ميمند، على ما ذكر المستوفى، العنب و فاكهة المنطقة الحارة (گرمسير) و قد اشتهرت بالمهرة من الصنّاع .

و على الساحل فى أعلى نابند و الى شمالها الغربى، مرفأ سيراف. و كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) الفرضة العظمى فى خليج فارس قبل اشتهار أمر جزيرة قيس. و ذكر الاصطخرى أن سيراف تقارب شيراز فى الكبر و الفخامة، «و بناؤهم بالساج و خشب يحمل من بلاد الزنج (زنزبار أو زنجبار اليوم)، و أبنيتهم طبقات، و هى على شفير البحر». و قال أيضا ان «أهلها يبالغون فى نفقات الأبنية حتى ان الرجل من التجار لينفق على داره زيادة عن ثلاثين ألف دينار» (15 ألف پاون). ثم قال «و أهلها أيسر أهل فارس، و منهم من يجوز ماله ستين ألف ألف درهم (مليونا پاون) ما اكتسبه الا من تجارة البحر».

«و ليس حواليها بساتين و أشجار، و انما فواكههم و أطيب مياههم من جبل مشرف عليهم يسمى جم». و فى هذا الجبل قلعة عظيمة يقال لها سميران. و تكلم المقدسى على سيراف و قال انها أفضل تجارة من البصرة. و ان دورها أحسن ما رأى. و حكى انه «جاءت زلزلة سنة 366 أو 367 (977) فقلقلتها و حركتها سبعة أيام حتى هرب الناس الى البحر و تهدم أكثر تلك الدور و تفطرت».

و بذهاب دولة بنى بويه، أخذت سيراف بالزوال. و روى صاحب فارسنامه ان آخر ما أصابها من خراب أوقعه بها ركن الدولة خمارتكين أمير جزيرة قيس، فقد اتخذ من

هذه الجزيرة مرفأ للتجارة، و لكنه بقى يبنى سفنه الحربية فى سيراف. و حين زارها ياقوت فى مطلع المئة السابعة (الثالثة عشرة)، لم يبق فيها قائما غير جامعها المليح على سوارى ساج، و قد رآها، و بها آثار عمارة فى طرف الساحل. و لم يكن للمراكب فيها حينذاك ميناء، فاذا قدمت اليها استأمنت فى موضع يقال له نابند. و ذكر ياقوت ان أهلها يسمونها فى زمنه شيلاو.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 295

و نجيرم، ميناء قليل الشأن، الى غرب سيراف، و هو مما يلى فم نهر سكان، و كان فى أول سيف المظفر، و هذا السيف كان يمتد حينذاك حتى جنّابة فى كورة أرّجان. و كان بنجيرم حين كتب المقدسى جامعان و أسواق حسنة «و برك تملأ من المطر». و كانت ناحية الدستقان أيضا فى جملة سيف المظفر، و كانت أجل مدنها فى المئة الرابعة (العاشرة) صفّارة و الظاهر ان هذه الناحية كانت بالقرب من جنّابة، غير انه لا يعرف الموضع الحقيقى لمدينة صفّارة .

و بالقرب من حدّ كورة أرّجان، يصب نهر شابور فى البحر. و على مسافة قليلة من فمه، و لعل ذلك فوق التقاء نهر جرّه به، و سنأتى على ذكره فيما بعد، كانت تقوم مدينة توّج أو توّز، المركز التجارى المهم. و قد كانت توّج فى المئة الرابعة (العاشرة) تقارب أرّجان فى الكبر على ما ذكر الاصطخرى، و هى «مدينة شديدة الحر، فى وهدة، و هى كثيرة النخيل» و توّج مدينة ذات تجارة، يعمل فيها ثياب كتان تنسب اليها، ألوانها حسنة، و لها طرز مذهبة. و كان نهر شابور المار على مقربة من المدينة يسمى فى الغالب نهر توّج

و قد اسكن عضد الدولة البويهى فيها عربا جاء بهم من الشام و آلت توّج الى الخراب فى مطلع المئة السادسة (الثانية عشرة). اما موضعها فلم يعين حتى الآن. و لكن يقال ان المدينة كانت عند نهر شابور أو بقربه فى وهدة من الأرض على 12 فرسخا من جنابة على الساحل و اربعة فراسخ من الدرب المنحدر من دريز. و كانت توّج من المواضع المشهورة أيام الفتح الاسلامى و يرقى زمن جامعها الى ذلك العهد.

على انها كانت خرابا يبابا حين كتب المستوفى.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 296

و كانت مدينة الغندجان المشهورة، فى دشت بارين، بالقرب من توّج.

و قد وصف فارسنامة موضع الغندجان، و لم يبق لها أثر اليوم على ما يظهر، بانها على أربعة فراسخ من جرّه و 12 فرسخا من توّج. و تكلم أيضا على نهر جرّه و قال انه يشق قسما من الغندجان. و كانت هذه المدينة فى المئة الرابعة (العاشرة) تقارب، على ما يقال، اصطخر (پرسپوليس) أو جنابة فى الكبر. و يرتفع منها البسط و الستور. و كانت تعد من بلاد الجروم. و وصف المقدسى نهرا فى جبال الغندجان فقال: «و بها نهر بين جبلين يخرج منه دخان لا يمكن أحدا ان يقربه، و ان اجتاز به طائر سقط فيه فاحترق». و كان فيها أيضا عيون حارة معدنية يبرأ من يغتسل بمائها. و أكثر أهل الغندجان على ما جاء فى المستوفى، من صنّاع النعال و الخفاف و من الحاكة. و فى أيامه صار اسم الغندجان يطلقه الناس على ناحية دشت بارين. و بالقرب منها قلعة حصينة يقال لها قلعة رمزوان (و جاءت بصورة دمدران و غير ذلك) و

فيها صهاريج كبيرة أنشئت لخزن المياه. و ناحية بوشكانات فى نصف الطريق بين الغندجان و مفازة ماندستان (أنظر الصفحة 291) الى شمال نجيرم. و كانت هذه المفازة، على ما ذكر المستوفى، خالية من المدن، الا ان التمور أهم غلاتها. لان بوشكانات من بلاد الجروم فى الخليج .

و جزيرة خارك، البعيدة عن فم نهر شابور، كانت من ضمن كورة اردشير خرّه. و كانت ميناء للسفن اذا خرجت من البصرة تريد جزيرة قيس و الهند.

و قد زار ياقوت هذه الجزيرة و قال: «يقابلها فى البر جنابه و مهروبان، تنظر

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 297

هذه من هذه للجيد النظر». و كانت كلتاهما على ساحل كورة أرّجان. و هذه الجزيرة خصبة وافرة الخيرات تكثر فيها الفاكهة و يجود فيها النخيل و فى بحرها من أحسن مغاص اللؤلؤ. و قد ذكرت مراجعنا جزرا كثيرة فى خليج فارس غير هذه، وعدّته من كورة أردشير خرّه. غير ان أعظمها شأنا فى التجارة، جزيرتا خارك و قيس. اما الجزر الاخرى فليس من اليسير التحقق لها. و كانت أوال أهم جزيرة فى جزر البحرين عند الساحل العربى. و قد جاء ذكرها فى أخبار الفتوحات الاسلامية الأولى. و أول من ذكر بوشهر (بوشير اليوم) ياقوت، و يقابلها فى الداخل ريشهر أو راشهر توّج على ما ذكر البلاذرى. و الجزيرة التى يقال لها لاوان (اللان، ولان، أو لار)، هى اليوم بالاستناد الى المسافات التى أوردها البلدانيون، جزيرة الشيخ شعيب فى غرب جزيرة قيس. و جزيرة أبرون هى و لا شك هندرابى الحالية، و هذه مع چين (أوخين) بالقرب من جزيرة قيس.

و الجزيرة الكبرى عند مضايق الخليج التى يقال لها اليوم كشم، و

تسمى أيضا الجزيرة الطويلة. ربما كانت الجزيرة التى أشارت اليها مراجعنا المؤلفة فى العصور الوسطى، بالاسماء المختلفة الآتية- لعل منشأ ذلك اختلاف النسخ-:

جزيرة بني (أو ابن) كوان، و جزيرة أبركافان، و جزيرة أبركمان. و ذكر ياقوت انها تسمى أيضا لافت. و كانت جزيرة خاسك، أو جاسك، احدى الجزر القريبة منها، و قد لا تكون غير اسم آخر لجزيرة كشم (الجزيرة الطويلة). و كان «لأهلها جلادة و خبرة فى حرب البحر». و على ما ذكر القزوينى كانوا يسطون على السفن و يسلبون ما فيها، و فى هذه الجزر مغاوص اللؤلؤ، الا ان معظم هذه الجزر غير مأهول الا فى مواسم الغوص. و مما يلى جزيرة كشم، فى شرقيها، جزيرة هرمز. و بما ان هذه الجزيرة كانت من اقليم كرمان، فسنتكلم عليها فى الفصل الذى عقدناه عن هذا الاقليم .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 298

الفصل الثامن عشر فارس «تابع»

كورة شابور خرة- مدينة سابور و كهفها- نهر رتين- النوبنجان- القلعة البيضاء و شعب بوان- زموم الأكراد- كازرون و بحيرة كازرون- نهر اخشين و نهر جرشيق- جره و قنطرة سبوك- كورة أرجان و مدينة أرجان- نهر طاب- بهبهان- نهر شيرين- كنبذ ملغان- مهروبان- سينيز و جنابة- نهر الشاذكان.

كانت كورة سابور خرّه أى «بهاء سابور» (سابور هو التسمية العربية للاسم الفارسى شابور، على ما قد بينّا)، أصغر الكور الخمس فى اقليم فارس.

و لا تتعدى حدودها حوض نهر شابور الاعلى و روافده.

و كانت قصبة هذه الكورة فى الزمن القديم، مدينة شاپور. و أصل اسمها كان بشابور . و أكثر ما كانت تعرف بشهرستان، أى «موضع المدينة» أو القصبة و العاصمة. قال ابن حوقل: «أما سابور فمدينة هى فى السعة نحو

اصطخر الا انها أعمر و أجمع و أيسر أهلا». غير ان المقدسى تكلم عليها فى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 299

النصف الاخير من المئة الرابعة (العاشرة) بقوله انها «اليوم قد اختلت و خرب أطرافها ... و خفّ البلد و قلّ أهلها و أذهبت كازرون دولتها». و مع ذلك فقد كانت سابور وافرة الخيرات فيها قصب السكر و الزيتون و العنب و الفواكه و الازهار.

و يكثر فيها التين و الياسمين و الخرنوب. و تسمى دنبلا، و فى سورها أربعة أبواب:

باب هرمز، و باب مهر، و باب بهرام، و باب شهر (أى باب المدينة). و لها جامع فى ظاهر البلد، و مسجد آخر يسمى مسجد الخضر، أى مسجد الياس.

و قال صاحب فارس نامه فى مطلع المئة السادسة (الثانية عشرة) ان شاپور فى أيامه قد استولى عليها الخراب. و حين كتب المستوفى بعد ذلك بقرنين، كان اسم شاپور أو بشابور، قد انتقل الى كورة كازرون المجاورة لها.

و الظاهر ان المستوفى، عرف نهر شابور باسم شهريار رود، و قال ان المدينة كانت تسمى دين دار، نسبة الى مؤسسها الأول الملك طهمورث الاسطورى «مكتّف الشيطان». ثم خرّبها الاسكندر الكبير، و أعاد الملك شابور بناءها فعرفت باسم بناشابور، على ما قال المستوفى. ثم صارت نشابور أو بشابور. و كانت فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) وافرة الحبوب، يكثر فيها النيلوفر و البنفسج و الياسمين و النرجس، و ينسج فيها الحرير. و الى ذلك فقد أشار المستوفى الى تمثال هائل معروف للملك سابور كان فى كهف قرب أطلالها، و وصفه بقوله انه «تمثال أسود لرجل يفوق الحجم الطبيعى، منتصب فى هيكل قال بعضهم انه طلّسم، و زعم آخرون انه كان

انسانا مسخه اللّه حجرا.

و كان ملوك تلك البلاد يزورونه، و يكرّمونه بمسح تمثاله بالزيت». و قد سبق للمقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة) ان نوّه بهذا الكهف و قال انه «على فرسخ من النوبندجان». و وصف «صورة سابور على باب كهف عليه تاج. خلفه ماء واقف لا مدّ له و لا منفذ، و ثم ريح تخرج شديدة، و تحته ثلاثة أوراق خضر. طول مشط رجله ثلاثة عشر شبرا، و من رأسه الى قدميه أحد عشر ذراعا» .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 300

و كان البلدانيون العرب يسمون أعالى نهر شابور بنهر رتين، و مخرجه فى ناحية خمايجان أو خمايگان العليا. و كان أكبر قراها ديه علي على ما ذكر المستوفى. و كانت خمايجان السفلى تعد من أعمال كورة اصطخر (پرسپوليس، و سيأتى وصفها فى الفصل القادم) و هى حول البيضاء على رافد لنهر كرّ.

و كان فى هاتين الناحيتين، خمايجان العليا و السفلى، ثمار البلاد الباردة كالجوز و الرمان و يحمل منها العسل الجيد. و أكثر أهلها من المكارين و أصحاب البغال، و فى غرب خمايجان ناحية أنبوران و مدينتها النوبندجان و يقال لها أيضا النوبندگان أو النوبنجان، و كانت هذه المدينة، حين كتب الاصطخرى، أكبر من كازرون.

و هواؤها حار و يكثر فيها النخيل. و تكلم المقدسى على أسواقها الحسنة العامرة، و بساتينها ذات العيون الكثيرة، و جامعها. و آلت النوبنجان فى أيام السلاجقة الى الخراب، و لكن الأتابك الأمير جاولى المشهور ، قد جدد بناءها فى المئة الخامسة (الحادية عشرة).

و على فرسخين من النوبنجان، يبدأ الشعب المشهور الذى يعده المسلمون احدى جنات الدنيا الاربع و هو شعب بوّان. و تقع مياهه فى نهر

كرّ فى كورة اصطخر. و طول هذا الشعب ثلاثة فراسخ و نصف، و عرضه فرسخ و نصف.

و كان لا نظير له فى الخصب و الرخاء، و علة ذلك، على ما فى المستوفى، طبيعة الجبال التى تكتنف جانبيه، فانها تختزن ثلوج الشتاء فاذا ذابت صيفا أمدت الوادى بالمياه. و على فرسخين من شمال شرقى النوبنجان التحصينات الجبلية المعروفة بقلعة سفيد أى القلعة البيضاء، و اسفيد دز- أى قلعة اسفنديار، و هى على ضهر جبل دوره عدة أميال و حافته حادة قائمة الانحدار. و لعل المقدسى قد أشار اليه باسم قصر أبى طالب الذى يقال له «عيان» على ما ذكر. و قال صاحب فارس نامه ان قلعة سفيد قد جدد بناءها أبو نصر و هو من أهل تيرمردان، فى أوائل عهد

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 301

السلاجقة، ثم صارت فى أيدى عاملهم فى مطلع المئة السادسة (الثانية عشرة).

و لا يرتقى الى قمة الجبل البالغ محيطها عشرين فرسخا، الا بدرب واحد و كان يحمى أسفل هذا الدرب حصن يقال له دزك نشناك، و كانت هذه القمة منبسطة السطح، فيها عيون كثيرة و بساتين وافرة الفواكه. و محاصرة تيمور لقلعة سفيد فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة) قد أكسبتها شهرة تاريخية. فانه فى مسيره من بهبهان الى شيراز استولى عليها عنوة بعد تضييق الخناق عليها و مقاتلتها يومين كاملين و ذلك فى ربيع سنة 795 (1393) .

و على مرحلة من شرق النوبنجان فى الطريق الذاهب الى شيراز، تقع تيرمردان. و هى بليدة حولها ست قرى، أجلها كرجن أو جركن و هى على خمسة فراسخ من النوبنجان. و كان رستاقها وافر الماء خصب عامر، يحمل منه عسل

كثير. و مدينة انبوران من هذه الكورة و هى فى غرب النوبنجان فى الطريق الى أرّجان. و تجاورها أيضا ناحية باشت قوطا و قصبتها باشت و ما زالت قائمة.

و يشق هذه الاراضى نهران هما درخيد و الخوبذان. و على ضفاف نهر خوراواذان، و يقال له أيضا الخوبذان، مدينة تعرف باسمه على اربعة فراسخ من النوبنجان. و كانت مدينة الخوبذان فى المئة الرابعة (العاشرة) مدينة آهلة، لها جامع و أسواقها عامرة. و على أربعة أو ستة فراسخ غرب هذا النهر، و على مرحلتين من النوبنجان، كانت المدينة الصغيرة درخيد، على نهر درخيد و مخرج هذا النهر فى بحيرة صغيرة، و يرى بعضهم انه يصب فيها. و قد جاء فى الأخبار ان نهر درخيد واسع عريض فلا يعبر. و نهر الخوبذان رافد من روافد نهر شيرين، و سيأتى وصف هذا النهر فى الكلام على كورة أرّجان. و كان على نهر الخوبذان أو نهر درخيد قنطرة عظيمة بناها رجل يسمى أبا طالب النوبنجانى باني قلعة عيان و قد مرّ ذكرها فى الفقرة السابقة. و لم يتفق الاصطخرى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 302

و المقدسى على أى النهرين كانت تقوم هذه القنطرة الشهيرة. و قد زاد المصنفون المحدثون هذا الموضوع التباسا و ارتباكا، حين أعطوا أسماء مختلفة لهذين النهرين، فصار من الصعب علينا الآن ان لم يكن مستحيلا، معرفة أى من هذين النهرين هو الذى تعيّنه خوارطنا. و قد وصف المقدسى هذه القنطرة فقال «و جسر أبى طالب عمل فى هذا العصر، يعجز عن مثله كل بناء بالشام و أفور» . فكان بناؤها فى النصف الاخير من المئة الرابعة (العاشرة)، و الظاهر ان ياقوت الحموى أشار

فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) الى انها ما زالت باقية. و قد ذكر علي اليزدى كثيرا من هذه المواضع فى وصفه مسير تيمور لنك من بهبهان الى شيراز .

و فى هذا القسم الجبلى من فارس، و قد عرف بعدئذ بجبل جيلويه، قبائل الأكراد الخمس و يقال لها زمّ الأكراد، و كانت فيها فى المئة الرابعة (العاشرة) مراعيهم و منازلهم. و تكلم المقدسى على قلعة لهم فى الجبل قرب منازلهم، «لها رستاق و نهر و هى وسط الجبال ذات بساتين و نخيل و فواكه و خيرات» .

و مدينة كازرون، أضحت منذ النصف الأخير من المئة الرابعة (العاشرة) حين خربت سابور، أجل مدن كورة سابور. و وصفها ابن حوقل بقوله انها فى أيامه أصغر من النوبندجان، حسنة البناء و بيوتهم من جص و حجارة. و أشار اليها المقدسى بعده بزمن قليل، فقال هى «دمياط الأعاجم» و كانت واسعة التجارة، تعمل فيها ثياب الكتان «و قد بنى عضد الدولة [البويهى] دارا جمع

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 303

فيها السماسرة، دخلها على السلطان كل يوم عشرة الآف درهم» (أى أربعمائة پاون). و وصف المقدسى دور المدينة فقال انها كانت كلها قصورا لها بساتين «و الجامع على تل يصعد اليه». و ذكر المستوفى ان كازرون كانت تتألف فى الاصل من ثلاث قرى متجاورة، هى: نورد و دربست و راهشان، أنشئت على قني بهذه الاسماء و ظل شرب أهلها من هذه القني التى صارت من ضمن أحياء المدينة.

و تمور كازرون فاخرة لا سيما المعروف منها بجيلان. و كان يحمل منها ثياب قطن تسمى الكرباس. و يقال لمراعيها المشهورة مرغزار نرگس أى مراعى النرجس.

و كان ما حولها يعرف ببلاد

شول على ما ذكر ابن بطوطة و قد مرّ بها سنة 730 (1330). و هى اليوم تعرف بشولستان. و كان فى السهل، على شئ يسير من شرق المدينة، بحيرة كازرون و كان يقال لها فى المئة الرابعة (العاشرة) بحيرة موز أو مورك (و قراءة الاسم غير مضبوطة) طولها نحو من عشرة فراسخ «و ماؤها مالح و فيها صيد كثير». و الدربان المشهوران فى الطريق الذى فوق البحيرة الصاعدان الى شيراز، و المعروفان اليوم عند المسافرين باسم كتال پير زن (درب المرأة العجوز) و كتال دختر (درب البنت) قد سمى المستوفى أولهما هوشنگ و هو على ثلاثة فراسخ من كازرون، و الثانى مالان و هو فوقه و كلاهما شديد الانحدار .

و الطرق المنحدرة الى الساحل البحرى من كازرون تمرّ بدريز الى كمارج ثم تمرّ بخشت على نهر سابور الى توّج و قد مرّ وصفها فى الفصل السابق (ص 295). و كانت دريز مدينة صغيرة. و كان بها فى المئة الرابعة (العاشرة) «صنّاع كتّان كثير». و خشت تليها و لها قلعة حصينة على ما جاء فى المقدسى، و لها رستاق واسع. و ورد ذكر خشت و كمارج فى فارس نامه سوية. و وصف

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 304

المستوفى أهل هذين الموضعين برداءة الخلق و قال انهم لصوص دهاة.

و على شئ يسير أسفل من خشت، يستقبل نهر سابور فى يساره مياه نهر جرّه، و هو الذى عرفه البلدانيون العرب بنهر جرشيق. و هذا النهر قبل التقائه بنهر سابور ببضعة أميال، يقع فى يساره نهر صغير سمّوه نهر اخشين.

و يخرج نهر اخشين من خلال جبال ناحية داذين. و ماء هذا النهر، على ما فى الاصطخرى،

عذب «يشرب و يسقى الاراضى. و اذا غسل به ثياب خرجت خضرا». و اما نهر جرشيق فانه يخرج من جبال فى جنوب جرّه فى رستاق ماصرم (و على ما فى المستوفى، كانت ماصرم ناحية تمتد من هذا النهر شمالا حتى أعالى نهر سكان). و قبل أن يبلغ مدينة جرّه «يجرى تحت قنطرة حجارة عادية [أى عتيقة] تعرف بقنطرة سبوك». ثم يسقى هذا النهر رستاق داذين. و أخيرا بعد أن يستقبل نهر اخشين يقع فى نهر سابور على شئ يسير فوق توّج. و ذكر فارس نامه و المستوفى ان البلاد التى عند أعالى نهر جرّه قرب مدينة جرّه، تؤلف قسما من رستاق الغندجان و هذا الخبر يقودنا الى معرفة موضع دشت بارين، و قد مرّ بنا القول فى صفحة سابقة انه من أعمال كورة أردشير خرّه. و وصف المقدسى مدينة جرّه فقال انها «على رأس جبل، كثيرة النخيل». و قال ياقوت ان العامة تقول لها فى أيامه «گرّة». و قد أيده فى ذلك صاحب فارس نامه و المستوفى. و قد أشارا أيضا الى قمحها و نخيلها و الى شدة خصب رستاقها .

أما كورة أرّجان فهى أبعد كور فارس الخمس غربا. و قصبتها مدينة أرّجان فى أقصى حدها الغربى على نهر طاب. و نهر طاب يؤلف فى هذا الجانب الحدّ الفاصل بين اقليمي فارس و خوزستان. و أطلال أرّجان على بضعة أميال من شمال مدينة بهبهان الحالية التى انتقل اليها أهلها و صارت أهم مدن هذه الكورة منذ ختام المئة السادسة (الثانية عشرة).

و كانت أرّجان فى المئة الرابعة (العاشرة) «مدينة كبيرة كثيرة الخير بها نخيل كثير و زيتون». و كان عليها ستة أبواب تغلق كل ليلة، و

هى: باب

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 305

الاهواز، و باب ريشهر، و باب شيراز، ثم باب الرصافة، و باب الميدان، و أخيرا باب الكيّالين. و بها جامع حسن و أسواق عامرة. و فى المدينة يعمل الصابون.

و كان قرب أرّجان قنطرتان مشهورتان من حجر على نهر طاب تعبرهما الطرق الذاهبة الى خوزستان، و ما زالت بقاياهما شاخصة، و يقال ان احداهما تنسب الى الديلمى طبيب الحجاج، عامل بنى أمية على العراق. قال الاصطخرى فى وصفها «هى طاق واحد سعة الطاق على الارض ما بين العمودين نحو ثمانين خطوة و ارتفاعه مقدار ما يجوز فيه راكب الجمل بيده علم من أكبر ما يكون».

و كانت هذه القنطرة، و تعرف بقنطرة ثكان، على رمية سهم من مدينة أرّجان فى الطريق الى سنبيل. أما القنطرة الثانية فكان طولها أكثر من 3000 ذراع، و هى من بناء الساسانيين. و تعرف بالقنطرة الكسروية، و كانت فى الطريق الذاهب الى قرية دهلزان. و فى جبل قرب أرّجان كهف قال القزوينى فى وصفه «ينبع منه الموميا الجيد»، و له خواص طبية و فى أرّجان أيضا بئر لا قرار لها يقال لها بئر صاهك «يفور الدهر كلّه منها ماء» يسقى تلك القرية حتى فى أجف أيام الصيف.

و فى مطلع المئة الثامنة (الرابعة عشرة) ذكر المستوفى، ان أرّجان كان يسميها العامة أرخان أو أرغان. و أشار علي اليزدى فى نهاية هذه المئة الى نهر طاب باسم آب أرغون. و على ما جاء فى المستوفى، قاست أرّجان كثيرا من الاهوال حين استولى عليها فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) الاسماعيلية (و هم الحشيشية أصحاب شيخ الجبل). و لم يقيّظ لها ان تستعيد ازدهارها الاول.

و قد

كان للاسماعيلية قلاع فى قمم الجبل المجاور لها اسم احداها قلعة طيغور و الاخرى دزكلات. و كثيرا ما كان رجال هذه القلاع ينزلون الى المدينة فينهبون ما فيها و ما فى رستاقها. ثم ان أرّجان فى النصف الاخير من المئة الثامنة (الرابعة عشرة) استحوذ عليها الخراب و قام مقامها بعد وقت قصير مدينة بهبهان و هى على نحو من ستة أميال أسفل منها على نهر طاب. و لم يذكر أحد من البلدانيين العرب اسم بهبهان. و أول من ذكرها علي اليزدى فى وصفه مسير تيمور من الاهواز الى شيراز فى ربيع سنة 795 (1393). و صارت بهبهان منذ هذا

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 306

التاريخ أجل مدينة فى هذه الناحية التى كانت تعرف قبلا بكورة أرّجان .

و النهر الذى سماه البلدانيون العرب نهر طاب، يقال له اليوم جراحية و جراحى أو نهر كردستان. أما الاسم «طاب» فانه اليوم انتقل اعتباطا الى أنهار خيراباد و هى روافد نهر هنديان أو نهر زهرة الذى يصب فى خليج فارس عند هنديان و هو غير نهر طاب. فقد كان مخرج طاب فى القرون الوسطى، ان أخذنا بما ذكره الاصطخرى و المقدسى، فى جبال جنوب غربى اصفهان بقرب البرج مقابل سميرم فى كورة اصطخر. ثم ينحدر الى ناحية يقال لها السردن فى خوزستان. و كان يلتقى بيسار طاب نهر مسين، و قرية مسين تقع بالقرب من اجتماعه به، ثم يجرى النهران المتحدان الى أرّجان. و أسفل هذه المدينة يسقى طاب رستاق ريشهر ثم يتجه جنوبا و يقع فى البحر غرب مهروبان. و ينبع نهر مسين المار الذكر فى جبال قرب سميرم أيضا و يمر بموضع يقال له

سيسخت قبل التقائه بطاب على ما ذكر صاحب فارس نامه و المستوفى. و يقال ان طوله اربعون فرسخا و عرضه من السعة ما لا يسهل معها عبوره. و كان بالقرب من أعالى نهر طاب، بلاد شاپور أو بلاسابور. و قصبتها تسمى جومة و هى على الحدّ بين فارس و خوزستان. و كان رستاق بلاسابور شديد الخصب، غير ان الزراعة فيه أيام المستوفى قد انعدمت. و كان بامتداد مجرى طاب، على ما فى فارس نامه، كورة قباذ خرّه. غير ان جميع المصنفات القديمة تطلق هذا الاسم على الكورة التى حول كارزين على ما جاء وصفه فى الصفحة 289 .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 307

و فى أسفل أرّجان، يدور نهر طاب، على ما قد بينّا، حول رستاق ريشهر (فلا يلتبس اسم هذا الرستاق بريشهر بوشير المار الذكر فى صفحة 297) و ما عدا ريشهر، فقد كان هنا فى نصف الطريق بين ارجان و مهروبان، مدينة يقال لها دريان (و كذلك ديرجان أو درجان) و قد كان بها فى المئة الرابعة (العاشرة) أسواق عامرة و رستاقها خصب كثير الخيرات. و دام شأن ريشهر فى أيام السلاجقة. و تكلم صاحب فارس نامه على قلعتها و قال ان السفن كانت تصنع فيها. و ذكر المستوفى ان الفرس عرفوا الموضع باسم بربيان و قال ان اسمها الأول كان ريصهر. و فيها تعمل ثياب الكتان، و لأهلها تجارة واسعة مع موانئ الخليج.

و الحر فيها صيفا شديد مؤذ فيصعد أهلها الى دز كلات و هى على فرسخ منها، و قد مرّ بنا انها كانت قبلا من قلاع الاسماعيلية. و بالقرب من ريشهر بلدة هنديجان و هى مدينة و رستاق على

نهر أرّجان الاسفل و حكى المقدسى ان هنديجان، أو هندوان، كانت سوقا عظيمة للسمك و لها جامع حسن. و فى رستاق هنديجان بقايا بيوت نار و أرحاء من الزمن القديم. و بها الى ذلك، على ما يقال، «دفائن كما فى أرض مصر» و تكلم القزوينى على بئر «يعلو منها دخان لا يتهيأ لاحد أن يقربها، و اذا طار طائر فوقها سقط محترقا». و أخيرا، حبس، و هى مدينة فى هذه الكورة فى الطريق الى شيراز، كان فيها مأصر أيام بنى سلجوق .

و كانت الجلّادگان، و تلفظ أيضا الجلّادجان، ناحية قريبة منها بين أسافل نهرى طاب و شيرين. و يخرج نهر شيرين- الماء الحلو- فى جبل يسمى جبل دينار فى ناحية بازرنج أو بازرنك. و يشق ناحية فرزك و هى على أربعة فراسخ

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 308

من جنوب شرقى أرّجان. و ذكر علي اليزدى ان تيمورلنك، فى مسيره من بهبهان الى شيراز، عبر نهر شيرين بعد مغادرته بهبهان بيوم، ثم وصل بعد أربعة أيام الى نهر خاودان (و قد مرّ ذكره فى الصفحة 301 باسم: الخوبذان).

ثم سار منه الى النوبنجان. و قد مرّ بنا ان الخوبذان رافد لنهر شيرين، و هذا الاخير يطابق، على ما يظهر، النهر المعروف اليوم فى أعاليه باسم نهر خيراباد (مع روافده الكثيرة) و فى أسفله باسم نهر زهرة و هو ما تسميه الخوارط الحديثة بنهر طاب أو هنديان. و كان على أحد روافد نهر شيرين، گنبذ ملّغان، و هى موضع ذو شأن فى الطريق من النوبنجان الى أرّجان، و يقال لها اليوم دو گنبدان «أى القبّتان» و ترى فيها خرائب واسعة. و كان بجوارها جبل دينار

و ناحية بازرنك على ما مرّ بيانه. و كذلك صرام، حيث يقسو الجو فى الشتاء. و لا يفارق الثلج قمم الجبل المجاور لها حتى فى الصيف. على ان مدينة گنبذملّغان كانت من بلاد الجروم و مشهورة بنخيلها. و يلفظ اسمها أيضا بصورة گنبد ملّجان أو ملقان. و تكلم المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة) على القرية هنا و قال هى خربة. و ذكر صاحب فارس نامه فى مطلع المئة السادسة (الثانية عشرة) هذه المدينة الصغيرة و قال: كان يحميها قلعة يخزن فيها ما يكفى من المؤونة لحاميتها مدة ثلاث أو أربع سنوات. و كانت تكلّل رؤوس الجبال المجاورة قلاع أخرى مثلها، نذكر منها بوجه خاص قلعة خنگ. و قال المستوفى ان الناحية القريبة منها كانت تعرف باسم پول بولو (و جاءت فى بعض المخطوطات بصورة: پول لولو) و قد كانت ناحية عظيمة الخصب معروفة بمشمشها الجيد.

و قال ان قلعة گنبذ ملّغان كانت من المنعة و القوة بحيث يتمكن رجل واحد فيها من ان يصدّ جيشا .

و غير بعيد من فم نهر شيرين- و هو نهر طاب الحديث أو زهرة، على ما

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 309

قد بيّنا- ميناء مهروبان، على حدّ فارس الغربى. و كانت أول فرضة تصلها السفن الذاهبة الى الهند بعد خروجها من البصرة و فيض دجلة، و مهروبان تعدّ فرضة أرجان. و كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) مدينة آهلة لها جامع حسن و أسواق عامرة. قال المستوفى ان الفرس يسمونها ماهي رويان أو مهرويان.

و يعمل فيها الكتان و يحمل منها التمر، غير ان الملاحة و سير السفن أهم مورد لاهلها. و فى سنة 443 (1052) بلغ ناصر خسرو مهروبان

و وصفها فقال:

هى مدينة على ساحل البحر فى جانبه الشرقى، أسواقها عامرة، مسطور على مسجدها الجامع اسم يعقوب بن الليث الصفار. و يحفظ أهلها الماء فى حياض و بنى بها ثلاثة ربط ينزل فيها من قصد أرّجان من المسافرين. و تجارتها عظيمة. و يلى مهروبان شرقا على ساحل الخليج من أسفلها، سينيز أو شينيز، و بقاياها عند سيف يقال له اليوم بندر ديلم. و قد وصف الاصطخرى فى المئة الرابعة (العاشرة) هذه البلدة فقال انها أكبر من مهروبان. و هى على خور صغير، فتكون المدينة على نصف فرسخ من البحر. و هى «شديدة الحر، و بها نخيل و ما يكون فى الجروم من الفواكه». و قال المقدسى لها جامع، و دار الامارة.

و أسواقها عامرة جيدة. و ذكر ياقوت ان القرامطة فى سنة 321 (933) أغاروا على سينيز فقتلوا أهلها و خرّبوها و لم يبق الا اليسير. أما فارس نامه فى المئة السادسة (الثانية عشرة) و المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) فقالا انها ما زالت مدينة عامرة مزدهرة يزرع فيها الكتان و ينسج. و كان يحمى هذه الفرضة قلعة (حصار). و كان زيت المسارج يحمل من رستاقها الى الآفاق .

و فى جنوب سينيز كانت جنّابة (أو جنّابا)، و ما زالت خرائبها ترى.

و هى بالقرب من فم النهر الذى سماه البلدانيون العرب الشاذكان. و جنّابة على ما فى الاصطخرى، شديدة الحر، و خور جنابة «مكان مخوف لا تكاد تسلم منه سفينة عند هيجان البحر». و هى أكبر من مهروبان و لها أسواق عامرة و فيها ولد أبو طاهر القرمطى. و الفرس يعرفونها باسم گنفه أو آب گنده لمائها القذر.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص،

ص: 310

و من أعمالها أربع قرى على سيف البحر مجاورة لها. أما نهر الشاذكان فانه يخرج من ناحية بازرنك و يسقى سهل الدستقان، ثم يقع فى البحر. و غير واضح أى نهر يطابقه فى الخارطة الحديثة. على انه و لا شك أحد النهرين الصغيرين اللذين يقعان فى خليج فارس قرب جنابة. و يحسن بنا ان نذكر ان هذه الناحية خالية من أنهار كبيرة، و ان قال المستوفى ان نهر الشاذكان «نهر كبير لا يهون عبوره، طوله تسعة فراسخ» لانه كان يتصوره نهرا على شئ من الكبر .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 311

الفصل التاسع عشر فارس «تابع»

كورة اصطخر و مدينة اصطخر أى برسبوليس- نهر الكر و بلوار- بحيرة البختكان و ما حولها من مدن- سهل مرودشت- البيضاء و مايين- كوشك زرد- سرمق و يزدخواست- الطرق الثلاث من شيراز الى اصفهان- أبرقوه- يزد: ناحيتها و مدنها- ناحية الروذان و مدنها- شهر بابك و هراة.

تشمل كورة اصطخر جميع القسم الشمالى من اقليم فارس. و كانت هذه الكورة فى القرون الوسطى، على ما قد بيّنا، تشتمل على يزد و المدن و الرساتيق القريبة منها مما يكون فى حد المفازة الكبرى. و مدينة هذه الكورة كانت اصطخر على ما قد سمى به العرب المدينة الساسانية التى كانت تعرف عند اليونان باسم پرسپوليس.

و تقوم مدينة اصطخر على نهر پلوار، على بضعة أميال فوق اقترانه بنهر الكرّ، و على مسافة يسيرة غرب بقايا القصور الاخمينية العظيمة. و فى أيام الفتح الاسلامى كانت اصطخر من أجل مدن فارس الساسانية، ان لم تكن أجلها، و كان أخذها صلحا بمعاهدة. وصفها ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) فقال:

«سعتها مقدار ميل. و كان فى قديم

الايام على اصطخر، سور قد تهدم»،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 312

«و قنطرة خراسان خارج من المدينة، على بابها»، و لا يعرف لم سميت هذه القنطرة بذلك. و هى قنطرة فخمة حسنة، وراءها أبنية و مساكن تكتنفها البساتين، و فيها كثير من الرز و الرمان. و لم يزد البلدانيون العرب الآخرون شيئا على ما قاله ابن حوقل، كما ان المصنفين المسلمين لم يذكروا شيئا مفيدا عن القبور و الابنية الاخمينية المشهورة التى ينسبونها عادة الى جمشيد و الملك سليمان. و قال المستوفى ان حراب اصطخر (و يصعب أن يعثر اليوم على معالم المدينة الاسلامية) سببه الفتن الهوجاء التى نشبت فيها، فاضطر أخيرا صمصام الدولة ابن عضد الدولة البويهى الى أن يرسل اليها جيشا بقيادة الامير قطلمش، فى النصف الأخير من المئة الرابعة (العاشرة)، فكان مصيرها الدمار و الخراب. و تضاءلت اصطخر منذ ذلك الحين و أمست قرية لا يسكنها أكثر من مئة انسان على ما ذكر صاحب فارس نامه فى مطلع المئة السادسة (الثانية عشرة).

و تكلل الجبال التى فى شمال غربى المدينة، ثلاث قلاع، هى: قلعة اصطخريار (صديق اصطخر)، و قلعة شكسته (القلعة المنكسرة)، و قلعة شنكوان. و كان يطلق عليها جملة سى كنبذان (أى القباب الثلاث) و كان يرفع الماء الى أولى هذه القلاع من غور عميق فى الجبل، أنشئ فيه سد. و عمل عضد الدولة البويهى فى هذه القلعة حياضا عظيمة ترتفع على عشرين سارية، يكفى ماؤها ألف رجل اذا ما ضرب الحصار عليها مدة سنة. و كان قرب هذه القلاع فوق الجبل، ميدان لتدريب الجند، أمر بعمله و انشائه عضد الدولة أيضا .

و نهر پلوار- و سماه البلدانيون العرب

فرواب، و كتبه الفرس بصورة پرواب- يخرج فى شمال أوجان أو ازجان عند قرية فرواب فى الجوبرقان.

فيجرى أولا الى الشرق، ثم يدور الى الجنوب الغربى فوق بازار كدPasargadae عند قبر كورش. و قد سمى المسلمون هذا القبر بمشهد أم سليمان (مشهد مادر سليمان). ثم يخترق النهر غور اصطخر فيمر بهذه المدينة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 313

و يدخل سهل مرودشت حيث يسقط فى نهر الكر على مسافة قليلة فوق السد العظيم المسمى بند أمير. و مخرج نهر الكرّ فى ناحية كروان على شئ يسير جنوب أوجان، فهو لا يبعد عن مخرج نهر پلوار، لكنه يتجه فى أوله اتجاها معاكسا له. و يجرى نهر الكر نحو الشمال الغربى، و يدور دورة عظيمة، جاريا تحت قنطرة شهريار و هى فى الطريق الصيفى من شيراز الى اصفهان فى ناحية الأرد.

ثم يتجه الكر جنوبا فيمر قرب قريتى كورد و كلّار، ثم يميل الى الجنوب الشرقى فيستقبل رافدا من شعب بوان (أنظر صفحة 300) و يشق ناحيتى رامجرد و كام فيروز. ثم يخترق سهل مرودشت حيث يستقبل فى يساره نهر پلوار و يسقى ناحيتى كربال العليا و كربال السفلى. ثم يمر قرب القرية الكبيرة المسماة خرّمة و يقع فى بحيرة البختكان بين ناحية جفور فى الجنوب و ناحية كاسكان فى يساره.

و قال صاحب فارس نامه و غيره من المصنفين الفرس، ان نهر الكر، يعرف فى أعلاه باسم رود عاصى، لأنه و ان سكر ماؤه بسكر (بند)، الا ان ماءه عصى عن سقى الارض فلم ينتفع به. و أول هذه السدود التى على الكر، يعرف ببند مجرّد. و قد كان هذا السد من الزمن القديم، فلما انهار أعاد

بناءه الاتابك فخر الدولة چاولى، فى مطلع المئة السادسة (الثانية عشرة) و سماه فخرستان نسبة اليه. و كان يعرف بذلك فى زمن حافظ أبرو أيضا. و سكر نهر الكر أسفل اقتران نهر پلوار به، ببند أمير المشهور أو البند العضدى، و يعرف قسم من هذا السكر أيضا باسم سكر فناخسرو خرّه. و هذه الاسماء كلها منسوبة الى عضد الدولة البويهى الذى أنشأ السكر ليسقى ناحية كربال العليا. و قد كان هذا البند من عجائب فارس على ما ذكر المقدسى، و هو من أهل ذلك الزمن. قال: «قد سكر عضد الدولة النهر بحائط عظيم جعل أساسه بالرصاص، فتبحر الماء حوله و ارتفع فجعل عليه من الجانبين عشرة دواليب و تحت كل دولاب رحا و جرّ الماء فى قنى فأسقى ثلاثمئة قرية، و بنى ثم مدينة» قرب البند و كان يقال للسكر الاسفل على الكرّ، بند قصّار، و قد أنشئ ليرفع الماء و يسقى ناحية كربال السفلى.

و كان هذا السد منذ قديم الزمن، و لكنه انهار فى مطلع المئة السادسة (الثانية

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 314

عشرة)، فأصلحه الاتابك چاولى المار الذكر الذى رم أيضا بند أمير .

و بحيرة البختكان التى يقع فيها نهر الكر، و ان كان حولها اليوم مفاوز، الا انها كانت فى العصور الوسطى محاطة بقرى و مدن ذات رساتيق خصبة. و مياه هذه البحيرة تؤلف بحيرتين متصلتين: الجنوبية منهما كانت تعرف فى العصور الوسطى ببحيرة البختكان، و الشمالية تسمى بحيرة الباسفوية أو جوبانان. و ماء هذه البحيرة ملح، و صيدها كثير، و عامة سمك شيراز منها، و فى أطرافها آجام كثيرة و منها قصب و بردى. و ناحية جفوز فى

الطرف الغربى من البحيرة، و فيها مدينة خرمه (و ما زالت الآن قرية ذات شأن) و هى على 14 فرسخا من شيراز فى طريق كرمان المحاذى لشاطئ بحيرة البختكان الجنوبى. و ذكر المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة) ان خرمة لها رستاق واسع و بها قلعة فوق رأس جبل، و كانت قلعة حصينة محكمة البناء، على ما قال المستوفى و قد كتب فى العهد المغولى.

و أشار فارس نامه الى حياضها .

و كان الطرف الجنوبى الشرقى من بحيرة البختكان، فى كورة دار أبجرد، و عليه خيره و نيريز، و سنتكلم عليهما فى الفصل القادم. و بالقرب من طرفها الشرقى، حيث اليوم مفازة معطشة، كانت تقوم فى المئة الرابعة (العاشرة) المدينتان الجليلتان: صاهك أو صاهك، الكبرى و الصغرى. و كتب الفرس هذا الاسم بصورة چاهك (و معناه حفرة صغيرة أو بئر). و يجتمع عند صاهك الكبرى طريقان- أولهما يمتد فى الجانب الشمالى من بحيرة البختكان آتيا من اصطخر، و الثانى يمتد بمحاذاة شاطئها الجنوبى آتيا من شيراز-، و يخرج منها طريق واحد نحو كرمان. و وصف المقدسى صاهك الكبرى فقال انها مدينة صغيرة و لأهلها «حذق فى كتابة المصاحف». و بالقرب منها، على ما فى المستوفى، معدن الحديد. و تكلم فارس نامه على ما يعمل فيها من السيوف الصقيلة.

و فى الطريق من صاهك الكبرى الى اصطخر، و على الساحل الشمالى من شطر

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 315

بحيرة البختكان المعروف ببحيرة الباسفوية أو جوبانان، مدينتان كانتا على شأن كبير فى القرون الوسطى، و لا أثر لهما فى الخارطة الآن. اقصاهما شرقا على ستة أو ثمانية فراسخ من صاهك الكبرى، هى مدينة البدبحان، و تعرف بقرية

الآس.

و سماها المستوفى بالفارسية «ديه مورد». و يكثر فى رستاقها القمح و الآس، فعرفت المدينة به. و فى غرب قرية الآس، على ستة أو سبعة فراسخ فوقها فى طريق اصطخر، قرية عبد الرحمن و يقال لها أيضا أباده، و هى مدينة فى ناحية برم. و فى هذه المدينة بيوت و قصور حسنة. و حكى القزوينى ان آبارها: «عمقها قامات كثيرة، جافة القعر عامة السنة. حتى اذا كان الوقت المعلوم عندهم فى السنة، نبع ماء يرتفع على وجه الارض. و يجرى و ينتفع به فى سقى الزروع ثم يغور». و كان لأبادة فى أيام السلاجقة قلعة حصينة فيها آلات الحرب و بها حياض عظيمة للماء .

أما سهل مرودشت الرحب، فتخترقه أسافل نهر الكر بعد أن يسنقبل مياه پلوار. و تشرف على هذا السهل من الشمال اصطخر و قلاعها الثلاث، و كان السهل ينقسم بين عدة نواح. فبالقرب من الطرف الغربى لبحيرة البختكان، ناحيتا كربال السفلى و كربال العليا، و أعلى من ذلك، على نهر الكر، ناحيتا حفرك و قالى. و على ضفاف نهر پلوار مراعى ناحية قالى. و كانت فى ناحية حفرك (و جاء اسمها بصورة: حبرك فى مخطوطات أقدم) القلعة العظيمة خوار، قرب قرية تعرف بهذا الاسم. و قد ذكر الاصطخرى هذا الموضع، كما ذكره فارس نامه غير مرة و قال انه فى نصف الطريق بين السكر العضدى على الكر و أباده على بحيرة البختكان، فهو على عشرة فراسخ من كل منهما. و قد أشار ياقوت الى خوار أيضا مرتين، و لكنه لم يعرف موضعها على ما يظهر. و ماؤها من الآبار، و كانت قلعتها محكمة حصينة، أما سهل مرودشت فقد كان مشهورا بكثرة قمحه،

و سقيه من السكور التى على الكر. و ذكر فارس نامه انه اشتق اسمه من قرية

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 316

مرو التى كانت بالأصل حيا من أحياء مدينة اصطخر حيث قامت بعدئذ بستان جمشيد أسفل من الاطلال الاخمينية .

و فوق مرودشت تقع ناحية كام فيروز، و معظمها على يمين نهر الكر، و كانت قصبتها و هى كذلك اليوم، مدينة البيضاء. و اسم البيضاء عربى النجار. و هذا الاسم من الاسماء العربية النادرة التى اتخذها الفرس (الا انهم لفظوا الاسم بيزا) و ظلوا على الأخذ به الى وقتنا هذا، و انما سميت هذه المدينة البيضاء «لان لها قلعة بيضاء تبص من بعد». و زاد ابن حوقل على قوله هذا ان «اسمها بالفارسية نساتك» و معناه على ما ذكر ياقوت دار اسفيد أى القصر الابيض، «و كانت هذه المدينة معسكرا للمسلمين يقصدونها فى فتح اصطخر». و كانت البيضاء نحوا من اصطخر كبرا على ما كانت عليه هذه الاخيرة فى المئة الرابعة (العاشرة). و أشار اليها المقدسى فقال «البيضاء ظريفة طيبة، بها جامع حسن و مشهد يقصد». و حولها مراع مشهورة، و كانت المدينة، و هى فى وسط حقول القمح الخضر، تبرز ببياضها اللامع. و فى ناحية كام فيروز عدة قرى، سرد الاصطخرى أسماءها، و فى أيامه كان فى غابات البلوط بالقرب منها، أسود مفترسة تخشاها قطعان الماشية التى ترعى فى مراعيها.

و كان الى شمال كام فيروز و شرقها، ناحية رامجرد، و قصبتها مدينة مايين.

و فى نصف الطريق بينها و بين شيراز، مدينة يقال لها هزار، أو أزار سابور، و تسمى أيضا نيسابور. و كثيرا ما تردد ذكرها فى المئة الرابعة (العاشرة).

قال المقدسى فيها:

«صغيرة لها رستاق واسع، شربهم من قني». و هى أول مرحلة يريد فى الطريق الذاهب من شيراز الى مايين، و فى الطريق الصيفى أى الجبلى من شيراز الى اصفهان. و كانت مايين قصبة رامجرد، وصفها المقدسى بقوله:

«عامرة كثيرة الفواكه». و قال المستوفى ان دخلها فى أيام الدولة المغولية 52500 دينار ايلخانى (نحو 17500 باون). و كان فى هذه المدينة مشهد

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 317

مشهور للشيخ گل أندام. و عند حافة الدرب، فى الطريق الذاهب شمالا، مشهد اسماعيل ابن الامام السابع موسى الكاظم. و كانت ناحية رامجرد كثيرة الغلات وافرة الخيرات لوفرة أنهار السقى فيها الآخذة من فوق السكر الذى على الكر عند بند مجرد. و هو الذى كان الاتابك چاولى قد أصلحه و عمّره، على ما بيّنا، و فى رامجرد أيضا قلعة يقال لها سعيد آباد، «و هى على جبل شاهق يرتقى اليها فرسخا. و كانت فى الشرك [أى فى زمن قبل الاسلام] تعرف بقلعة اسفيد باذ (أى الموضع الأبيض)». و بها امتنع غير مرة رؤساء الفتن على جيوش بنى أمية التى جردوها عليهم لتأديبهم. ثم استولى عليها فى ختام المئة الثالثة (التاسعة) يعقوب بن الليث الصفار، و أعاد بناءها و أحكم حصونها «و جعلها محبسا لمن سخط عليه». و لعل فى قراءة اسفيد باذ و هما، فانه يكتب أحيانا بصورة اسفنديار، و هذا يطابق، على ما يظهر، اسم اسفيدان فى فارس نامه و المستوفى، و قد كانت بقربه قرية قمستان و كهف فى الجبل المجاور لها .

و على مقربة من يسار نهر الكر، غير بعيد عن مايين، تقوم مدينة و قلعة أبرج (و غالبا ما تكتب خطأ بصورة ايرج).

و قد ذكرها الاصطخرى فى ضمن هذه الكورة. و ما زال موضعها ظاهرا فى الخارطة. و فى فارس نامه و المستوفى ان أبرج قرية كبيرة، فى أسفل جبل قامت بعض بيوتها على منحدره.

اما قلعتها دز أبرج، فبعضها ما أحكم تحصينه بالبناء و بعضها ما حصّنته جروف و أسنان قمة الجبل الذى تقوم عليه، فكانت منيعة لا تقتحم. و كان لها بساتين، و مياهها زاخرة وافرة. و ذكر المستوفى مدينة أوجان أو أزجان، و هى على مرحلة شمال مايين، الا انه لم يفدنا بأخبار عنها. و لعل أوجان توافق الموضع الذى سماه قدامة حوسكان (أو حوسجان) حيث طبع الاسم خطأ بصورة خوسكان

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 318

كما انه صحّف أيضا فى طبعة المقدسى فجاء فيها بصورة حرسكان .

و أعدل الطرق الذاهبة من شيراز الى أصفهان، هو الطريق المتجه نحو مايين و منها الى كوشك زرد مارا بديه گردو و يزدخواست الى قومشه على حدّ اقليم فارس. و من مايين يصعد الطريق فى الدرب الى الشمال فيعبر نهر الكر عند قنطرة شهريار، و بالقرب منها كانت مسلحة صلاح الدين فى سهل يقال له دشت رون أو دشت روم. و يليها شمالا، على ما فى المستوفى، درب الأم و بنت (گريوه مادر، و دختر). ثم كوشك زرد (الجوسق الأصغر) و لعله يوافق قصر أعين عند الاصطخرى و المقدسى. و كانت سهول دشت روان الكبرى و الصغرى مشهورة بمراعيها. و أرضها الزراعية وافرة الخصب، و تؤتى أربع غلات فى السنة، و يسقيها نهر الكر و روافده. و أول ذكر لكوشك زرد جاء فى فارس نامه، حيث ورد فى الغالب بصورة كوشك زرد أى الجوسق الذهبى. و

الى الشمال أيضا، بين كوشك زرد و ديه گردو، تمتد أرض أوفر خصبا و أعم مرتعا تعرف بناحية ارد أو أورد، و أهم مدينتين فيها، على ما فى الاصطخرى، بجه و تيمرستان (و جاءت فى فارس نامه بصورة طيمرجان). و أشار المستوفى الى ديه گردو.

و جاء فى فارس نامه بصورة ديه گوز (بدل جوز) و هما يدلان على اسم قرية معناه قرية الجوز. و لم يذكر البلدانيون العرب القدماء هذا الاسم (و هو فارسى بحسب الصور التى أوردناها له أعلاه)، و لكن يتبين من موضعه فى المسالك، ان ديه گردو الحالية تقابل اصطخران عند قدامة و الاصطخرى.

و تقوم على حدود سهل دشت أرد الشرقية اقليد و سرمق و قرية أباده، ثم شورستان و قرية سروستان فى منتصف الطريق بين ديه گردو و يزدخواست.

و كان لاقليد قلعة حسنة، على ما جاء فى فارس نامه. و كانت مثل سرمق،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 319

مشهورة بحقول القمح. و قد كتب المقدسى اسم سرمق بصورة جرمق. و قال فيها حسنة البناء «أخصب هذه المدن و أكثرها أشجارا». و يكثر فيها الأجاص الاصفر، فيجفف و يحمل منها الى سائر البلدان. و قرية أبادة، مرحلة فى طريق البريد الحالى من شيراز الى اصفهان، و أول من ذكرها فارس نامه، ثم المستوفى. و كذلك يقال عن شورستان و هى على نهر ملح يجرى شرقا الى المفازة.

أما قرية سروستان فقد قال فيها المقدسى، فى المئة الرابعة (العاشرة): «الجامع وسط البلد، و قنيهم ظاهرة» تحمل ماءها من الجبال المجاورة. أما يزد خواست، المدينة التى فى شمال سروستان، فأول من ذكرها فارس نامه، و لكن لا ريب فى انها هى التى نحت المقدسى اسمها فجعله أزكاس. و أورد المستوفى

يزد خواست مع ديه گردو و لكنه لم يصفها. و غالبا ما يكتب اسمها بصورة يزدخاس .

أما قومشه، و قد سماها المقدسى قومسه، فانها على ما بيّنا، فى حد اقليم فارس الشمالى. و كانت فى الغالب تعد من أعمال اصفهان. و قد أشار المستوفى الى قلعة قولنجان المبنية بالطين التى كانت تحميها، و ذكر انه كان لهذه القلعة رساتيق خصبة. و الى غرب يزدخواست، تقوم مدينة سميرم قرب منابع نهر طاب.

و يشقها الطريق الغربى من شيراز الى اصفهان. قال المقدسى فيها «بها جامع حسن محدث ناء عن الاسواق، كثيرة الجوز و الفواكه. و ثم قلعة مذكورة، فيها عين ماء». و ذكر ياقوت ان اسم هذه القلعة كان و هان زاد. و الطريق الغربى الآتى من شيراز الى اصفهان، يشقّ مدينة البيضاء فى سهل مرودشت، ثم يتابع سيره الى مهرجاناواذ (أو مهرجاناباد). و قد وصفها المقدسى بقوله: «لها رستاق واسع، شربهم من أنهار». و الظاهر انها كانت على ضفاف الكرّ، أو على أحد روافده الغربية. و بين هذه المدينة و سميرم، لم يكن من المدن المهمة غير كورد و كلّار (على نهر الكر، حسبما بيّنا)، و هما مدينتان متجاورتان على ما قال المقدسى و المستوفى، تشتهران بكثرة القمح و ثمار بلاد الصرود. و أشار

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 320

الاصطخرى الى حسن بنائها و قصورها. و الظاهر انه لا أثر اليوم لهذين الموضعين .

و أقصر الطرق الثلاثة من شيراز الى اصفهان، هو الطريق الذى وصفناه آنفا، المارّ بمايين و سهل دشت رون، و هو الذى سماه فارس نامه بالطريق الشتوى. اما الطريق الصيفى، فقد كان أطول الطرق الثلاثة و أقصاها شرقا.

و كان يمرّ باصطخر مخترقا

كمين و محاذيا قبر كورش الى ديه بيد، حيث يتفرع من يمينه طريق الى يزد. و يواصل طريق اصفهان سيره الى الغرب، مارا بسرمق و قرية اباده الى يزد خواست و قومشه. و كمين و هى غير بعيدة عن ضفة نهر پلوار الشرقية، كانت، على ما ذكر المستوفى، مدينة كبيرة الشأن فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) تقوم فى رستاق خصب كثير القمح. و لها مراع واسعة بامتداد النهر. و فى أعلى ذلك، عند منحنى نهر پلوار، بازاركدPasargadae و قبر كورش، و قال المسلمون انه قبر أم سليمان على ما سبق بيانه، و هذا الضريح الملكى المربع الجوانب، المبني بالحجر، ما زال يرى هناك، و يقال ان طلسما يحرسه. و كل من حاول السكنى داخل جدرانه باغته العمى على ما جاء فى فارس نامه. و كان يقال لما حوله من مراع، مرغزار كالان. أما ديه بيد «قرية الصفصاف» فانها المرحلة التالية فى شماله، حيث يتشعب الطريق. و هى التى ذكرها المقدسى و غيره من البلدانيين العرب باسم قرية البيذ. و الى شمالها أيضا، فى نحو من نصف الطريق بين اصطخر و يزد، تقوم مدينة أبرقوه.

و أبرقوه، أو أبرقويه،- و تختصر أحيانا الى برقوه- قد قال فيها ابن حوقل، انها مدينة محصنة «تكون نحو الثلث من اصطخر»، و لها أسواق عامرة. و ذكر المقدسى ان لها جامعا جيدا. و قال المستوفى، ان أهلها من الصنّاع

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 321

و تغلّ رساتيقها كثيرا من القمح و القطن، و زاد على ما تقدم ان لجوّها مزية خاصة هى ان اليهودى لا يبقى فيها حيا اذا جاوز مكثه فيها أربعين يوما؛ و من ثم لا تجد

فى أبرقوه يهوديا. و وصف المستوفى قبرا فى المدينة نفسها لولي مشهور يسمى طاووس الحرمين (مكة و المدينة). و من الامور الشائعة عن هذا القبر، انه لشدة تواضع صاحبه، يأبى القبر ان يرتفع فوقه سقف و مع ان كثيرين أقاموا سقفا فوق القبر مرارا الا انه تهدم بقدرة خارقة على ما ذكر المستوفى، حتى لا يكون من عظام الوليّ ما يتعبد الناس له. و كان بالقرب من أبرقوه قرية مراغة (أو فراغة) و فيها أشجار السرو العظيمة المشهورة فى سائر البلدان بأنها أكبر و أحسن حتى مما فى بلخ أو كشمر فى قهستان .

أما يزد، فقد كانت تعرف فى قديم الزمان باسم كثه. و قد انتقل هذا الاسم حين غلب اسم يزد على المدينة الى ناحيتها، فقيل لها حومة يزد أو جومة يزد.

و وصف ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) مدينة يزد بقوله «الغالب على أبنيتها آزاج الطين، و بها مدينة محصنة بحصن، و للحصن بابان من حديد، و يسمى أحدها باب ايزد و الآخر باب المسجد لقربه من الجامع، و جامعها فى الربض» و لها نهر يخرج من ناحية الجبل الذى عليه القلعة، و رستاقها يشتمل على رخص، و هى على طرف المفازة، و ثمارها كثيرة تحمل الى أصبهان. و بالقرب منها «معدن الآنك» . و تكلم القزوينى و غيره على حريرها بقوله: «بها صنّاع الحرير السندس فى غاية الحسن و الصفاقة، يحمل منها الى سائر البلاد». و زاد المستوفى على ذلك ان بنيان المدينة من اللبن، و هو يدوم هنا دوام الآجر فى سائر البلاد، اذ يندر أن يهطل المطر فيها، غير ان مياهها وافرة، من القني الآتية

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس

عواد، النص، ص: 322

من الجبل. و فى كل بيت حوض للماء.

و على مرحلة من شمال يزد، أنجيرة «قرية التين». ثم فى المرحلة الثانية خزانة (و قد طبعت و هما: خرانة) و هى قرية كبيرة. «بها زرع و ضرع و بساتين و كروم». و عليها قلعة فوق جبل قريب منها. و فى المرحلة الثالثة، على حدّ المفازة، ساغند. و ساغند، على ما ذكر ابن حوقل، «قرية فيها نحو اربعمئة انسان، و عليها حصن. لها عين ماء جار يزرع عليها، و عليها قني و بساتين عامرة». أما المدن الثلاث: ميبد و عقدة و نايين، فانها فى شمال غربى يزد، تلي احداها الاخرى على حدّ المفازة. و هى تعد فى الغالب من أعمال يزد، و ان ألحق بعض المصنفين مدينة نايين باصفهان. و كان على نايين قلعة، و محيط أسوارها 4000 خطوة، على ما ذكر المستوفى. على ان مراجعنا لم تصف هذه المواضع، بل اقتصرت على ذكر اسمائها .

و على نحو من 75 ميلا جنوب يزد، فى نصف الطريق بين هذه المدينة و شهر بابك، مدينة أنار. و تبعد عنها بهرام أباد ستين ميلا باتجاه الجنوب الشرقى. و كلتا هاتين المدينتين معدودة اليوم من أعمال اقليم كرمان. غير ان هذه الناحية جميعها كانت فى القرون الوسطى تؤلف قسما من اقليم فارس، و كان يقال لها الروذان. و المدن الثلاث المهمة فى هذه الناحية هى: أبان (اليوم: أنار) و أذكان و أناس (بالقرب من بهرام اباد) .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 323

أما أناس قصبة الناحية فهى على ما ذكر الاصطخرى نحو من أبرقوه فى الكبر.

و تكلم المقدسى على جامعها، فقال: «بها جامع لطيف حسن يصعد

اليه بدرج».

و قال ان بها حمامات و بساتين حسنة «و ليس بها ربض، و قد أحاطت بها الرمال».

و حصن أناس منيع بثمانية أبواب، سرد المقدسى اسماءها، فانه زار هذا الموضع.

و «هى معدن القصارين و الحاكة». و يقال ان ناحية الروذان كانت نيفا و ستين فرسخا مربعا و كانت فى أول أمرها، كما هى اليوم، من أعمال كرمان. الا انها فى المئة الرابعة (العاشرة) أضيفت الى فارس. و قد دام هذا التنظيم على ما فى فارس نامه الى أيام ألب أرسلان السلجوقى الذى بعد أن تمّ له الاستيلاء على هذه الديار فى منتصف المئة الخامسة (الحادية عشرة)، أعاد الحاق الروذان نهائيا بكرمان .

و بين الروذان و شهر بابك، المدينة الصغيرة ديه اشتران، و هى بالعربية قرية الجمال. و ذكر المقدسى: «لها جامع به منارة طويلة، و النهر تحت البلد، و حولها بساتين حسنة». أما شهر بابك فمعناها مدينة بابك أو پاپك، و هو أبو أردشير أول ملوك الساسانيين. و كانت تعد فى اقليم كرمان. و ما زال هذا الموضع قائما، و ذكره الاصطخرى و المقدسى و غيرهما، الا انهم لم يأتوا بوصف له.

و قد عدها المستوفى من كرمان، و قال يكثر فيها القمح و القطن و التمر. و على مرحلتين من غرب شهر بابك، فى الطريق الى اصطخر، المدينة الصغيرة هراة التى جمع صاحب فارس نامه بينها و بين صاهك (و قد مرّ ذكرها فى صفحة 314). قال الاصطخرى فيها ان هراة كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) أكبر من أبرقوه. و يحمل منها، على ما فى المقدسى، سائر الفواكه لا سيما التفاح و الزيتون. و لها أسواق عامرة، و فيها جامع حوله طرق. و لها نهر

كبير يتخلل بساتينها. و لمدينة هراة باب واحد. و ذكر المقدسى ان «فرعا» مدينة صغيرة بقرب هراة. و ذكر القزوينى، و قد كتب فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) ان فى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 324

هراة تكثر أشجار الغبيراء، و قال: «قالوا ان نساءها يغتلمن اذا أزهرت أشجار الغبيراء». و الى جنوب شرقى صاهك، على حد كورة دار أبجرد، مدينة قطره، و هى ما زالت على شئ من المكانة. و فيها، على ما ذكر فارس نامه و المستوفى (و قد كتب اسمها بصورة گدرو)، معدن الحديد الجيد .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 325

الفصل العشرون فارس «تتمة»

كورة دار أبجرد أو كورة شبانكاره- مدينة دار ابجرد- دركان و ايك- نيريز و اصطهبانات- فسا و رونيز و خسو- لار و فرج- طارم- سورو- تجارات فارس و صناعاتها.

مسالك اقليم فارس.

كانت كورة دار أبجرد، أبعد كور فارس الخمس الى الشرق. و هى تكاد تطابق ولاية شبانكاره التى سلخت من فارس أيام السيادة المغولية و تألف منها حكومة قائمة بنفسها. و قد كانت شبانكاره، على ما ذكر صاحب فارس نامه، (و هو على كل حال لم يطلق هذا الاسم على كورة دار أبجرد)، قبيلة انحدرت من فضلويه و هى أسرة ديلمية الاصل، كان أبناؤها على مذهب الاسماعيلية من فرق الشيعة. و فى أيام السلاجقة، تغلبت قبيلة شبانكاره و الاكراد على الاتابك جاولى. و بعد انهيار الدولة السلجوقية، استولت قبيلة شبانكاره على القسم الشرقى من اقليم فارس، فنسب اليهم. و قد ذكر ماركوپولو ولاية شبانكاره تحت اسم سنكاره(Soncara) فقال انها سابعة الممالك الثمان حسب تقسيمه لبلاد فارس و مهما يكن من أمر، فقد بطل هذا الاسم أيضا.

و هى تعرف اليوم باسم دار أبجرد .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 326

و قد كانت قصبة هذه الكورة أيام الخلافة، مدينة دار أبجرد، أو دار أبگرد. وصفها الاصطخرى بقوله «عليها سور عامر، و عليها خندق، و لها أربعة أبواب، و فى وسط المدينة جبل حجارة». و قال المقدسى «و المدينة دورها فرسخ مكسر، ذات بساتين و نخيل، حسنة الاسواق، و لهم آبار وقنى» و كان بالقرب من دار أبجرد قبة المومياء المشهورة و على هذه القبة باب حديد يفتح مرة فى السنة و يدخله عامل السلطان فيجمع ما نزّ فى تلك السنة من المومياء، ثم يجعل فى صندوق و يختم عليه و يبعث به الى شيراز ليستعمله الملوك . و فى مطلع المئة السادسة (الثانية عشرة) حلّ الخراب فى أكثر مدينة دار أبجرد، على ما فى فارس نامه. و ان بقى فى وسطها حصن منيع. و كانت حولها مراع مشهورة تعرف بمر غزار دار ابجرد. و بناحية دار أبجرد جبال من الملح بسبعة ألوان يؤخذ منها الملح . و ذكر المستوفى انه كان قريبا من دار ابجرد درب منيع حصين عليه قلعة عظيمة يقال لها تنك زينه .

و حين حكم الشبانكاره دار ابجرد، نقلوا قصبة الولاية الى داركان (أو زركان) و فى شمالها كانت تقوم قلعة ايگ (أو أويگ). أما البلدانيون العرب فانهم ذكروا هذين الموضعين فى المئة الرابعة (العاشرة) و سموها الداركان أو الداراكان وايج. و قال الاصطخرى كان فى كل منهما منبر. أما المستوفى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 327

فقد كتب الاسم بصورة زركان و سمى القلعة بقلعة أويگ، و قال ان هذه الناحية كانت وافرة

الخصب، يكثر فيها القطن و القمح و التمر و غير ذلك من الفواكه.

و ذكر أيضا أن قبيلة خسويه كانت أول من أحكم تحصين قلعة أويك فى أيام السلاجقة. و زاد ياقوت عليه، ان فواكهها كانت تجلب منها الى جزيرة كيش (أى قيس).

و الى شمال شرقى ايج، مدينة و ناحية نيريز (أو نيريز)، و هى فى الطرف الشرقى من بحيرة البختكان، و قد سرى اسم المدينة حينا على البحيرة. و قال المقدسى ان «نيريز كبيرة، الجامع الى جانب السوق» و ما زالت ترى أطلال هذا الجامع عليه مكتوب سنة 340 (951). و عند ساحل البحيرة مدينة خير (و جاءت أيضا بصورة خيار و الخيره)، و قد ورد ذكرها من المئة الرابعة (العاشرة) فما بعدها بأنها مرحلة فى الطريق المحاذى لجانب بحيرة البختكان الجنوبى، الذاهب من شيراز الى كرمان. و أطلق المستوفى و فارس نامه على الناحية التى حول خيره اسم ميشكانات، و كانت مشهورة بالكشمش، و كان على كل من نيريز و خيره قلعة حصينة .

و فى نصف الطريق بين خيره و ايگ، مدينة اصطهبانات، و قد كتب البلدانيون العرب هذا الاسم أيضا بصورة الاصطهبانان و أحيانا الاصبهانات، فاختصره الفرس الى اصطهبان. وصف المستوفى هذه المدينة بأن الاشجار تلتف عليها، و بجوارها قلعة حصينة خرّبها الاتابك چاولى، ثم أمر بعد ذلك بتجديدها.

و فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) استولت قبيلة خسويه على القلعة.

اما مدينة فسا، و يلفظها الفرس پسا، فقد كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) ثانية المدن فى كورة دار أبجرد و تقارب شيراز فى الكبر. كانت حسنة البناء، و أكثر الخشب فى أبنيتهم السرو، صحيحة الهواء، أسواقها عامرة عليها حصن و خندق، و لها ربض واسع

يمتد خارج أبواب المدينة و فيها الرطب و الجوز و الأترج

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 328

و غير ذلك. و قال المقدسى: «الجامع فيها من آجر، له صحنان، على عمل جامع مدينة السلام». و قال صاحب فارس نامه ان فسا تقارب اصفهان فى الكبر.

خرّبتها قبيلة شبانكاره ثم أعاد بناءها الاتابك چاولى. و زاد المستوفى على ذلك، ان المدينة كانت تسمى قديما ساسان، و كانت مبنية بهيئة مثلث. مياهها وافرة تحمل اليها بقنى و ليس فيها آبار. و كانت شق ميسكاهان و شق رودبال (رودبار) من أعمالها. و بالقرب منها قلعة خوادان المنيعة، فيها حياض عظيمة للماء .

و مدينة كرم، على بضعة أميال شمال فسا فى الطريق الى سروستان، على ما وصفت به فى كتب المسالك. و كانت ناحيتها و ناحية رونيز (أو روبنز) من أعمال فسا، على ما جاء فى فارس نامه. و تؤلف الاخيرة قسما من ناحية خسو التى ذكر المقدسى انها على مرحلة جنوب غربى دار ابجرد فى الطريق الى جويم أبى أحمد (أنظر الصفحة 290 أعلاه). و قد أورد البلدانيون الاقدمون هذا الاسم بصورة رونيج (أو روبنج). و لعل هذه المدينة تطابق خسو (أو كسو) الحالية. و قال المستوفى فى كرم و رونيز انهما مدينتان هواؤهما حار كثيرتا الماء.

و على ما ذكر المقدسى، كانت ناحية خسو (أو خشو) توغل نحو الشرق لأنها كانت تشتمل، الى رونيج، على مدن رستاق الرستاق و فرج و طارم. و عد المستوفى خسو من أعمال دار أبجرد .

و الى الجنوب من رونيز، المدينة الصغيرة يزد خواست، و قد ذكر المقدسى و ياقوت أنها من كورة دار ابجرد. و الى جنوب هذه المدينة، مدينة لار.

و

لم يذكر أحد من البلدانيين العرب القدماء لار، كما لم ترد فى فارس

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 329

نامه، الذى يرقى الى مطلع المئة السادسة (الثانية عشرة). و أول من تكلم على لار من المصنفين، المستوفى فى النصف الأول من المئة الثامنة (الرابعة عشرة) قال ان لار اسم ولاية على البحر، أغلب أهلها من التجار الذين يجوبون البحر كثيرا. و كان ينمو فيها القمح و القطن و التمر. و قد زار ابن بطوطة معاصره مدينة لار فى نحو سنة 730 (1330) و وصفها بقوله: «مدينة كبيرة كثيرة العيون و المياه المطردة و البساتين، و لها أسواق حسان». و صارت لار فى أيام شاه شجاع المظفرى فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة) ثم فى أيام الامراء التيموريين، مدينة لضرب النقود، و هذا يدلنا على انها كانت حينذاك موضعا على شئ غير قليل من الكبر و الشأن.

أما فرك، و هى على ثلاث مراحل من جنوب شرقى دار ابجرد، فانها ما زالت من المدن الكبيرة. ذكر المقدسى، و قد كتبها بصورة فرج، ان بجانبها مدينة برك. و يظهر ان هذين الاسمين لم يأتيا الا من اختلاف قراءة اسميهما الفارسيين الاولين. و مدينة برك «فى هودة على فرسخين من الجبل، و الجامع على جانب السوق، حسن نظيف». أما جارتها فرج فقد كان لها قلعة على تل، و كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) مدينة غير كبيرة «الا ان بها جامعا و حماما»، و الماء فيهما كثير.

و من الطبيعى ان يقع اللبس فى اسمى هاتين المدينتين فيطلق اسم احداهما على الاخرى. و كتب فارس نامه هذا الاسم بصورة پرك و قال انه كان للمدينة قلعة مكينة لا تقتحم

مبنية بحجارة غاية فى الكبر. و زاد المستوفى على ذلك انه كان يكثر فى برك (على ما كتب الاسم) القمح و التمر. أما رستاق الرستاق، فقد وصفها المقدسى بقوله «صغيرة ليس لسوقها ذاك الكبر، الا ان رستاقها أربعة فراسخ فى مثله» و هى على مرحلة شمال غربى فرج فى الطريق الى دار ابجرد .

و مدينة تارم، و تلفظ أيضا طارم، على اسم ناحية فى اقليم الجبال (أنظر الصفحة 260 أعلاه)، على مرحلتين شرق فرگ فى الطريق الى ساحل البحر.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 330

أشار المقدسى اليها فقال: «تارم: جامعهم ناء عن السوق، و شربهم من شعبة نهر يدخل عليهم، لهم بساتين و نخيل، و بها عسل كثير». و على ما فى فارس نامه، كانت تارم تقارب فرج فى الكبر لها قلعة قوية فيها حياض للماء كثيرة. و كان طريق القوافل يخرج من طارم آخذا صوب الجنوب الى الساحل حيث ميناء سورو أو شهرو مقابل جزيرة هرمز. و قد سمى المستوفى هذا الميناء بتوسر، الا ان قراءته غير مضبوطة. و تكلم البلدانيون العرب على سورو، فقالوا انها قرية «بها صيادون، و ليس بها منبر». و شرب أهلها من آبار حفرت فى جبل قريب منها . و زاد المقدسى على ذلك ان سورو «قد بدت تعمر لان حمولات عمان اليها» و قال هى مدينة «بحرية صغيرة على رأس حد كرمان» .

أما تجارات و صناعات اقليم فارس فقد عنى بوصفها فى المئة الرابعة (العاشرة) الاصطخرى و المقدسى. ففى هذا الزمن كانت مدينة سيراف أجل فرضة فى فارس على ساحل الخليج، على ما قد بيّنا. فاليها كانت تقع أمتعة البحر و ما يجلب من الهند

من الاشياء النادرة و الثمينة التى كان يقال لها بالعربية بربهار. و سرد الاصطخرى ما يرد الى سيراف، بقوله: «يقع اليها من أمتعة البحر من العود و العنبر و الكافور و الجواهر و الخيزران و العاج و الآبنوس و الفلفل و الصندل و سائر الطيب و الادوية و التوابل» التى تحمل من الهند. و يرتفع من سيراف الفوط و أزر الكتان، و كانت سوقا كبيرة للؤلؤ.

و قد ذاع صيت فارس فى كل زمان بما يعمل فيها من العطور و ماء الورد بشتى صنوفه، و لا سيما المعمول من الورد الاحمر و هو يكثر فى رساتيق جور أو فيروزآباد. و كان ماء الورد، على ما ذكر ابن حوقل، يحمل الى سائر البلدان لا سيما الى الهند و الصين و خراسان و المغرب و الشام و مصر. و يرتفع من جور أيضا، الى ماء الورد، ماء الطلع و ماء القيصوم و ماء الزعفران و ماء السوسن و ماء الخلاف. و يعمل بسابور، على ما جاء فى المقدسى، عشرة أدهان: «دهن بنفسج

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 331

و نينوفر و نرجس و كارده و سوسن و زنبق و مرسين و مرزنجوس و بادرنك و نارنج» و تحمل هذه الادهان الى سائر آفاق المشرق.

و كانت لبسط فارس و ثيابها الموشاة شهرة بعيدة فى كل العصور. و فى الشرق حيث كانت الثياب تدل على منزلة الشخص و علو مقامه، كان للسلطان فى كل بلد من فارس طراز يوشى فيه اسمه و طغراؤه. و كانت أشهر هذه الطرز ترتفع من توّج، و كان يرتفع كذلك من فسا أنواع من الثياب بها طراز الوشى مذهبا، منه ما كان أزرق

كلون الطاووس و أخضر، يعمل ذلك كله للسلطان.

أما تجارات فارس الاخرى، فيحسن أن نصنفها بحسب المدن التى تعمل فيها. فمن شيراز يرتفع «الاكسية البرّ كانات و المنيرّات و الأبراد الجياد، و يعمل بها خز و ديباج و قصب و حلل». و يرتفع من جهرم «البسط و النخاخ و الستور و المصليات» هذا الى الادهان التى ترتفع منها على ما ذكرنا. و يرتفع من سابور الادهان من كل جنس و قصب السكر و الاترج و الجوز و الزيت و الفواكه و الصفصاف. و يرتفع من كازرون و دريز ثياب كتان و ثياب القصب على عمل الدبيقى المصرى، و المناديل المخملة. و من الغندجان، قصبة دشت بارين، البسط و الستور و المقاعد، و بها طراز للسلطان. و يرتفع من أرّجان الدوشاب يعمل من الزبيب و يقال له أيضا الدبس. و يرتفع منها أيضا «الصابون و الفوط و ثياب الكندكية».

و كان يحمل الى أرّجان ما يقال له البربهار. و يحمل من فرضة مهربان «الاسماك و التمور و القرب الجياد» و من سينيز «ثياب تشاكل القصب». و يرتفع منها أيضا الكتان و كذلك من جنّابة.

و يرتفع من اصطخر الازر . و من الروذان ثياب جياد و الشمشكات (نوع من الخفاف) و القرب. و يحمل منها التوابل. و من يزد و أبرقوه ثياب القطن.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 332

و يرتفع من دار أبجرد «كل شئ نفيس من الثياب المرتفعة و الوسط و الدون و ما يشاكل الطبرستانى و البسط الجيدة و الحصر». و يحمل منها دهن الرازقى و الطيوب و البزر الكثير. و يحمل من أرّجان و دار أبجرد المومياء على ما قد بيّنا.

و قال الاصطخرى

«و بدار ابجرد سمك بالخندق الذى يحيط بالبلد، لا شوك فيه و لا عظم و لا فقار، و هو من ألذ السموك». و يرتفع من فرج «الثياب و البسط و الستور و الدبس الجيد و البزر و الكتان». و من طارم «الدوشاب و القرب و الدلاء الحسان». و يرتفع من فسا ثياب الشعر و القز و البسط و الزلالى و الفوط و المناديل و الستور المذهبة المعلمة و بزر الهان و العصفر و الفروش و الخركاهات .

و أخيرا، بفارس، على ما ذكر ابن حوقل، الفضة فى نائين و الحديد و الزئبق فى جبال اصطخر، و كذلك فى نواح مختلفة من فارس معدن الآنك و الصفر و الكبريت و النفط. و ليس بها ذهب . و بفارس أصباغ من مختلف الانواع، فكثر فيها الصبّاغون و عملهم صبغ الثياب .

أما الطرق فى فارس، فقد أسهبت فى وصفها جملة كبيرة من المراجع العربية و الفارسية، و ذكرت مسافات هذه المسالك بالفراسخ بوجه عام. على ان ما يؤسف عليه، ان اليعقوبى، و هو من أجل مراجعنا فى المسالك، يفتقر كل الافتقار الى ما يتعلق بفارس منها. و لم يوفر لنا ابن رسته كثيرا فى هذا الباب. و أول الواصفين لهذه المسالك، ابن خرداذبه و قدامة فى المئة الثالثة (التاسعة)، ثم الاصطخرى و المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة). و فى مطلع المئة السادسة عني مؤلف فارس نامه الفارسى بذكر مسالك فارس عناية فائقة، فلم يترك منها شاردة و لا واردة. فلهذا الكتاب قيمة جليلة الشأن فى جغرافية اقليم فارس خلال تلك الحقبة، ما أحوجنا الى مثلها لسائر بلاد ايران. و قد دوّن المستوفى، فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) و هو مؤلف

فارسى أيضا، ما أحدثه الفتح المغولى من

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 333

التبدلات. ثمّ فى ختام هذه المئة، أسهب علي اليزدى فى وصف زحف تيمور من الاهواز الى شيراز، و هى تقع على طريق من أهم الطرق.

تتشعب طرق هذا الاقليم كلها من شيراز. و من الاوفق ان نبدأ بالطرق الذاهبة الى ساحل البحر. فان سيراف و جزيرة قيس ثم جزيرة هرمز، و قد أضحت كل واحدة منها بالتعاقب أهم فرضة على خليج فارس، كانت الطرق تؤدى اليها، على نحو ما هى عليه اليوم طرق القوافل و البريد المنحدرة الى بوشير التى بلغت اليوم شأو هرمز فى القديم. فأبعد هذه الطرق شرقا، الذاهبة الى الساحل، كان الطريق المؤدى الى الفرضة المقابلة لجزيرة هرمز. و منها يحاذى الساحل، فينتهى الى مدينة هرمز. و سنأتى فى الفصل الثانى و العشرين على وصف هذين الموضعين. فاذا بارح الطريق شيراز، مرّ بسروستان و فسا الى دار ابجرد و فرج و طارم. فاذا دار الى الجنوب فانه كان يصل قديما الى مدينة سور و أو شهرو أو على ما سماها به المستوفى توسر. و نشأ فى أيام الصفويين، غير بعيد منها، بندر عباس، و هى ما زالت قائمة، على ما سيأتى بيانه، و قد انتهت الينا صفة هذا الطريق فى خمسة من مراجعنا .

و ثانى هذه الطرق، الطريق الآخذ من شيراز جنوبا، و كان ينتهى فى الأزمنة الاولى بسيراف. و لكن بعد خراب هذه الفرضة سلكت القوافل طريقا يتفرع منه فى منتصفه فيتجه الى الجنوب الشرقى نحو الساحل. و كان هذا الطريق الجديد، ينتهى الى الفرضة المقابلة لجزيرة قيس، و هو الطريق الذى وصفه المستوفى. و ذكر المقدسى

أيضا طريقا مهما آخر يخرج من دار أبجرد على طريق هرمز، يتجه نحو الجنوب الغربى الى سيراف، و كان يقاطع الطريق من شيراز الى جزيرة قيس الذى وصفه المستوفى بعد هذا الزمن. و كل هذه الطرق البادئة من شيراز كانت تمر بكوار الى جور أو فيروز اباد و كان فيها يتفرع الطريق القديم ذات اليمين منحدرا الى سيراف. و الطريق الذى جاء ذكره فى فارس نامه، ينعطف فى فيروزاباد الى اليسار فيمر بكارزين الى لاغر، و منها

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 334

يأتى الى كران و ينتهى بسيراف. أما طريق المستوفى، فانه اذا بارح فيروزاباد، اتجه شرقا بضعة فراسخ، ثم انحدر مثل طريق فارس نامه الى لاغر، و فيها يتفرع نحو الجنوب الشرقى و نحو اليسار فيمرّ بفارياب ثم بالمفازة الى هزو و هى الفرضة المقابلة لجزيرة قيس. و لا يرى وصف هذا الطريق من لاغر الى هزو الا فى المستوفى يا للأسف. و قراءة ما جاء فى المخطوطات عن أسماء مراحله لا يركن اليها فى الغالب. و الظاهر أيضا انه لم يسلك هذا الطريق أحد من السياح المحدثين ليتسنى لنا تصويب قراءة هذه الاسماء، فبقيت خوارطنا خالية من ذكرها. و يمر الطريق من دار ابجرد، على ما وصفه المقدسى، بجويم أبى أحمد الى فارياب أو باراب، و هى مرحلة فى طريق المستوفى، ثم الى كران فى طريق فارس نامه و منها ينتهى بسيراف .

و الطريق الغربى الذاهب الى الساحل، كان يسلك فى قسمه الاعلى، الطريق الحالى من شيراز الى بوشير، فكان يمرّ بكازرون و دريز الى توّج، المدينة التجارية الجليلة فى المئة الرابعة (العاشرة)، و منها الى فرضة جنّابة. و جاء

فى فارس نامه وصف طريق آخر ذى شأن مغاير لهذا الطريق، و هو المار بأرض ماصرم الى جرّه و منها الى توج مارا بالغندجان، و عند الغندجان كان يتفرع منه فرع ينحدر جنوبا الى فرضة نجيرم، و هى على مسافة قليلة من غرب سيراف. و لم يشر غير المستوفى الى الطريق الذاهب الى الغرب من شيراز حتى كازرون. و كانت توّج فى أيامه قد خربت. و أول فرضة على خليج فارس حينذاك كانت جزيرة قيس .

و أوفى طرق فارس وصفا، الطريق الذاهب من شيراز باتجاه الشمال الغربى الى أرّجان و خوزستان. فقد انتهى الينا عن هذا الطريق ما لا يقل عن الثمانية أوصاف. و ان اختلفت فى ذكر بعض المراحل. و آخر وصف منها، لعلي اليزدى، فقد وصف مسير تيمور فى سنة 795 (1393) من الاهواز الى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 335

شيراز مارا ببهبهان، حين هاجم فى طريقه قلعة سفيد. فجاء وصفه هذا الطريق منتهيا بشيراز بخلاف من سبقه. و كان الطريق من شيراز الى خوزستان، على ما جاء وصفه فى كتب المسالك، يتجه نحو الشمال الغربى مارا بجويم الى النوبنجان، و منها مارا بكنبذ ملغان الى أرّجان، ثم يقطع نهر طاب على قنطرته العظيمة فينتهى الى بستانك على حد فارس. و قد ذكر المقدسى و البلدانيون الاولون المسافات من أرّجان الى فرضة مهربان، و منها نحو الجنوب الشرقى بمحاذاة الساحل الى فرضة سينيز، ثم الى جنّابة .

و كان فى القرون الوسطى، ثلاثة طرق منفصل بعضها عن بعض، من شيراز الى اصفهان. و أبعد هذه الطرق غربا، الطريق الآخذ يمينا من طريق أرّجان عند جويم. و قد كان هذا الطريق يذهب

الى البيضاء فى سهل مرودشت، ثم يمر بكورد و كلّار الى سميرم و اصفهان. و قد وصف هذا الطريق ابن خرداذبه و المقدسى. أما الطريق الاوسط، فهو الطريق الصيفى المار بالبلاد الجبلية. و قد كان يذهب من شيراز الى مائين، و منها يمرّ بكوشك زرد و ديه گردو، و يخترق يزدخواست الى أصفهان. و قد وصف هذا الطريق، بشئ من الاختلاف فى أسماء المراحل، البلدانيون العرب الاولون، و كذلك المصنفون الفرس المتأخرون أما أبعد هذه الطرق الثلاثة شرقا، فهو الطريق الشتوى أو طريق القوافل الذى يقطع السهول. و كان يخرج من شيراز ميمما ناحية الشمال الشرقى الى اصطخر، و منها الى ديه بيد. و فى هذا الموضع كان يخرج من يمينه طريق يمرّ بأبرقوه الى يزد. أما الطريق الى أصفهان، فكان ينعطف الى اليسار. فيمرّ بسرمق و قرية اباده، ثم يلتقى بالطريق الصيفى فى يزد خواست، الى قومشه و ينتهى بأصفهان. و قد وصف هذا الطريق الشتوى، و هو طريق البريد الحالى من شيراز الى اصفهان، المقدسى و فارس نامه. و سردت جميع المصادر تقريبا أسماء ما فيه من مراحل الى يزد .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 336

و الطرق من شيراز الى شهر بابك و منها الى السيرجان احدى قصبات كرمان، كانت تسلك مسلكين. الاول: فى شمال بحيرة البختكان. و الثانى بمحاذاة ساحل البحيرة الجنوبى. فالطريق الشمالى كان يخرج أولا من شيراز الى اصطخر (پرسپوليس) و من اصطخر الى شهر بابك طريقان: الاول كان يمر بقرية هراة، و الآخر بمدينة اباده الى صاهك حيث يلتقى بالطريق المحاذى لساحل البحيرة الجنوبى. أما هذا الطريق الجنوبى، فقد كان اذا بارح شيراز، يتجه الى

ناحية الشرق فى الجانب الشمالى لبحيرة ماهلو الى خرّمة. ثم يصل خيرة من جنوب بحيرة البختكان. و قد ذكر فارس نامه مسافات طريق فرعى من خيرة الى نيريز و قطره. أما الطريق الكبير فكان يذهب من خيرة الى صاهك الكبرى حيث يلتقى بالطريق الآتى من اصطخر بمحاذاة ساحل البحر الشمالى، على ما قد بيّنا. و من صاهك الكبرى، كان يقطع طريقا صحراويا باتجاه الشمال الشرقى الى شهر بابك. و قد ذكرت المراجع العربية و الفارسية وصفا كاملا لهذه المسالك التى فى شمال بحيرة البختكان و فى جنوبها. غير ان أسماء بعض المراحل التى تتوسطها لا يركن الى صحة قراءتها، نعني بذلك أسماء القرى التى لم يبق لها أثر اليوم، اذ ان جميع هذه البقاع قد أجدبت و أمحلت و خلت من سكانها منذ نهاية القرون الوسطى .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 337

الفصل الحادي و العشرون كرمان

كور كرمان الخمس- قصبتا الاقليم- القصبة الأولى: السيرجان.

موضعها و تاريخها- القصبة الثانية: بردسير، و هى مدينة كرمان اليوم- ماهان و وليها- خبيص- زرند و كوه بنان و هى كوبنان Cobinan لدى ماركو بولو.

اقليم كرمان، على ما ذكر الاصطخرى، أكثره من بلاد الجروم، و نحو من ربعه فقط جبلى يؤتى غلات بلاد الصرود. فان معظم الاقليم فى المفازة العظمى.

«و فى أضعاف مدنه مفاوز كثيرة، و ليس اتصال عماراتها مثل اتصال عمارات فارس».

و قال ياقوت «قد كانت [أى بلاد كرمان] فى أيام السلجوقية من أعمر البلدان و أطيبها». ثم حين كتب فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) كانت «قد تشعثت بقاعها و استوحشت معاملها و خربت أكثر بلادها». و أخيرا استولى عليها الخراب و تمكن منها الدمار من جراء غزو تيمور لها فى

ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة).

و جعل المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة) اقليم كرمان خمس كور، كل كورة باسم قصبتها، و هى: (1) بردسير، و لها ناحية خبيص فى شمالها. ثم (2) السيرجان، على حد فارس. ثم (3) بمّ. و (4) نرماسير و هى على شفير المفازة شرقا. و أخيرا (5) جيرفت و هى تتاخم ساحل بحر هرمز. و كان الحد فى الشمال

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 338

و الشرق: المفازة الكبرى. و فى الجنوب الغربى: البحر. و لها فى غرب كرمان «فى حد الشيرجان، دخلة فى حد فارس، مثل الكم» حسب وصف الاصطخرى لها. و كانت شهر بابك، على ما روته بعض الاخبار القديمة، تعد من اقليم كرمان .

و قصبة الاقليم الحالية، مدينة كرمان. و هذا الاقليم و قصبته يعرفان باسم واحد على ما هو جار فى بلاد الشرق غالبا. و مع ذلك، فقد كان لاقليم كرمان فى القرون الوسطى قصبتان، هما: السيرجان و بردسير. و توافق المدينة الاخيرة مدينة كرمان الحالية القائمة قرب الناحية التى ما زالت تعرف بناحية بردسير.

أما السيرجان قصبة كرمان الاسلامية القديمة، فانها كانت أجل مدينة فى أيام بنى ساسان. و كتب البلدانيون العرب اسمها بصورة السيرجان و الشيرجان (معرّفة بأل). و مع انه لم يبق اليوم مدينة بهذا الاسم، الا ان ناحية السيرجان ما زالت تؤلف القسم الغربى من ولاية كرمان و أجل مدنها سعيد آباد. و ما الخرائب التى اكتشفت حديثا فى قلعة سنگ الجاثمة على سن جبل، على خمسة فراسخ شرق سعيد اباد فى طريق بافت. إلا موضع السيرجان القصبة القديمة على ما يبين. اذ يستدل بحالها أنها أطلال مدينة عظيمة. و تدل مسافات المسالك

فى القرون الوسطى، على ان موضع هذه الخرائب هو حيث كانت مدينة السيرجان.

و مع ان ناحية السيرجان الحالية لا تؤلف الا جزءا فقط من الكورة القديمة، فانها قد احتفظت بالاسم القديم. ظلت السيرجان بعد الفتح العربى، قصبة الاقليم الاسلامى حتى أواسط المئة الرابعة (العاشرة)، حين صارت ايران الجنوبية كلها تحت سلطان بنى بويه. فانهم عينّوا على كرمان عاملا اسمه ابن الياس. فنقل هذا العامل، لسبب غير معروف، مقامه الى بردسير (مدينة كرمان الحالية) ثم

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 339

بانتقال دواوين الحكومة من السيرجان اليها، سقطت منزلة السيرجان و قلّ شأنها. و مع ذلك، فقد ظلت السيرجان حين كتب الاصطخرى «أكبر مدينة بكرمان، و أبنيتها آزاج لقلة الخشب بها» على ما ذكر. اما المقدسى فقد قال ان السيرجان كانت فى أيام بنى بويه «أبهى و أوسع من شيراز، و لها سوقان: عتيق و جديد. و الاموال كثيرة جمة. و بها خصائص و صناعة، و شوارع فرجة، و دور حسنة، بها بساتين. و لها ثمانية دروب» (و قد سرد المقدسى أسماءها، و لكن قراءة بعضها فى المخطوطات لا يركن اليها). و بنى عضد الدولة البويهى على باب حكيم، دارا حسنة و كان مسجدها الجامع بين السوق العتيق و السوق الجديد، أقام منارته عضد الدولة. و مياه البلد من قناتين شقهما عمرو و طاهر ابنا ليث الصفار فى المئة الثالثة (التاسعة).

أما ياقوت، و قد كتب فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) فقد قال ان السيرجان فى أيامه ثانية مدن كرمان «و هى خمسة و أربعون منبرا كبارا و صغارا» و قد نص على ان مدينة السيرجان، «كانت تسمى القصرين» و لم يوضح لم سميت بذلك.

و

ورد فى تاريخ ابن الاثير و ميرخواند اسم السيرجان غير مرة فى الكلام على بنى بويه و السلاجقة. و قال المستوفى فيها بعد الفتح المغولى، ان لها قلعة حصينة، و ارضها خصبة، كثيرة القطن و القمح. ثم انتقلت السيرجان الى أيدى الامراء المظفريين الذين قامت دولتهم فى شيراز و حكموا فارس، و فى مطلع المئة الثامنة (الرابعة عشرة) قهروا دولة قراختاى، فدانت لهم كرمان كلها. و فى سنة 789 (1387) زحف تيمور الى فارس و حشد قواته ازاء شيراز فانقاد له الامراء المظفريون طائعين. ثم انه لما غادر فارس لفتح العراق، جعل منهم فيها حكاما تابعين له.

فلما خلا لهم الجو و تمكنوا من الامر، تمرّدوا و خلعوا طاعته، فما كان من تيمور الا أن أعاد الكرة على فارس فى سنة 795 (1393) و تغلب على القوات المظفرية بعد وقعة حامية، و ولى ابنه الامير عمر شيخ على فارس و كرمان.

على ان كثيرا من النواحى، لا سيما نواحى كرمان، أبت ان تستكين لتيمور و ثبت گودرز و الي السيرجان على الحكم فيها باسم آل مظفر. و اضطر الامير عمر

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 340

شيخ أخيرا الى ان يوجه جيشا لمحاصرة هذا الحصن المنيع. و كانت قلعة السيرجان قد جددت حصونها منذ عهد قريب، على ما ذكر علي اليزدى، فكانت مكينة الجوانب يرتد عنها من هاجمها، فمضت سنة على حصارها و هى ثابتة لا تزعزعها الشدائد. فما كان من عمر شيخ الا ان قصد السيرجان بنفسه ليحسم أمرها.

على انه، و هو يتأهب لذلك، استدعاه أبوه. و لكن المنية ادركته حين كان يجتاز كردستان للّحاق بتيمور فى معسكره الذى ضربه أمام آمد فى الجزيرة.

و كان ذلك فى سنة 796 (1394). و ظلت السيرجان مقاومة سنتين فاستسلم مقاتلتها بعد ذلك لما لحقهم من جوع لا من غلبة القوة عليهم. و أخيرا لما اضطر گودرز الى التسليم. أمر تيمور بقتله هو و من بقى من رجاله القلائل، غدرا ليكونوا عبرة لمن اعتبر فى هذا الاقليم. و ترك السيرجان قاعا صفصفا. و قد تكلم حافظ أبرو على السيرجان، مع انه كتب فى عهد من جاء بعد تيمور، قال انها المدينة الثانية في كرمان (تلى بردسير) لها قلعة حصينة تتوج صخرة عالية. ثم خفى اسم السيرجان بعد هذا الزمن من التاريخ و لم يعرف موضعها الصحيح الا حديثا فى أطلال قلعة سنك على ما قد بيّنا .

بينا آنفا، ان قصبة الاقليم الحالية مدينة كرمان. و هذه المدينة، و ان لم

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 341

تكن القصبة الاسلامية الاولى، الا انها كانت على ما يظهر مدينة جليلة منذ أيام الساسانيين. أما أصلها، فقد قال فيه حمزة الاصفهانى، و هو من مؤرخى المئة الرابعة (العاشرة)، انها من بناء الملك اردشير مؤسس الدولة الساسانية، فسماها بيه أردشير و معناها الموضع الطيب لاردشير. فحرف العرب هذا الاسم حين تلفظهم به و قالوا بهرسير (أو بهدسير) و بردسير (أو بردشير). أما الفرس فانهم على ما ذكر المقدسى «يسمونها بلسانهم گواشير» من ويه ارتخشير و هو اللفظ الأعرق زمنا لاسم بيه أردشير. و زاد ياقوت على ذلك أنه فى أيامه كانت تسمى جواسير و جواشير و يقال گواشير. و هذه الصور كلها تقابل الاسم العربى بردسير و تستعمل بدلا منه دون تقيّد .

و مدينة بردسير هذه، التى أصبحت قصبة اقليم كرمان الجديدة فى عهد

بنى بويه، لا ريب فى انها تطابق كل المطابقة مدينة كرمان الحالية، يثبت ذلك:

ما ذكرته كتب المسالك عن موضعها، و وصف البلدانيين العرب لكثير من الأبنية فى بردسير، و العوارض الطبيعية فيها، و كل ذلك ما زال موجودا يرى فى مدينة كرمان. كما دعمت التواريخ العربية و الفارسية، على ما سيأتى بنا، هذه المطابقة و عززتها. فمدينة بردسير صارت تعرف بعد المئة الرابعة (العاشرة) باسم گواشير، و جرى على ألسنة الناس عدّهم اياها قصبة كرمان. و بمرور الزمن حلّ محل هذه الاسماء اسم «مدينة كرمان» أو «كرمان» فقط اختصارا. فخلع الاقليم اسمه- على ما هو الحال غالبا- على القصبة.

و المقدسى، و قد أطال فى كلامه على بردسير، قال فى بردسير حين اتخذها ولاة بنى بويه قصبة الاقليم الجديدة، انها: قصبة ليست بالكبيرة لكنها حصينة.

على جانبها قلعة كبيرة عالية فيها بساتين، و قد حفر فيها بئر عظيمة عجيبة، و هذه القلعة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 342

من بناء أبي علي بن الياس، كان يصعد اليها ابن الياس على الدواب الجبلية المعتادة لصعودها، و ينام فيها كل ليلة. و على الباب حصن ثان و خندق ذو قناطر. و فى وسط البلد قلعة ثالثة و الجامع قربها و هو لطيف و يحدق بالبلد. و للمدينة أربعة أبواب الثلاثة الاولى منها سميت باسماء المدن التى تؤدى اليها الطرق الخارجة منها، و هى: باب ماهان و باب خبيص و باب زرند. و الرابع باب مبارك. و لعله سمى بذلك نسبة الى رجل اسمه مبارك. و زاد المقدسى على ذلك ان فى المدينة بساتين كثيرة و أكثر شربهم من آبار، و القني تسقى بساتينهم المحيطة بها .

و منذ

أن نقل ابن الياس، فى أيام عضد الدولة، دواوين الاقليم الى بردسير، دامت هذه المدينة قصبة لكرمان، على ما بيّنا، و ارتبط مصيرها بمصير الاقليم كله. فقد كان كل من حكم بلاد فارس ألحقها به على جارى العادة. و فى النصف الاول من المئة الخامسة (الحادية عشرة)، سقط بنو بويه بقيام السلاجقة فكانوا سادة اقليم كرمان من سنة 433 الى 583 (1041 الى 1187). و السيرجان و ان كانت فى أيامهم من أجل مدنهم، الا ان بردسير ظلت دارا للملك. و فى تاريخ السلاجقة لابن ابراهيم جاء اسم القصبة احيانا بصورة بردسير و أحيانا بصورة گواشير، بينما أشار ميرخواند فى فصول كتاب روضة الصفا التى تتناول هذا العصر، الى القصبة السلجوقية باسم «مدينة كرمان» أو «كرمان» بوجه الاختصار. و لم يرد قط اسم «بردسير» عنده. و عليه فاسما بردسير و كرمان، كانا يستعملان دون تقيد للاشارة الى موضع واحد دون غيره، فابن الاثير مثلا ذكر فى أخبار سنة 494 (1101) اخراج ايرانشاه السلجوقى «عن مدينة بردسير التى هى مدينة كرمان» .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 343

و فى سنة 583 (1187) اكتسحت قبائل الغز التركمانية، اقليم كرمان، و نهبت بردسير و خربت معظمها، و اتخذت مدينة زرند قصبة موقتة للاقليم.

و كانت قوة السلاجقة حينذاك آخذة فى الضعف و الاضمحلال. و فى سنة 619 (1222) خضعت كرمان كلها لنفوذ الدولة المعروفة بقراختاى «قراخطاى» القصيرة العمر.

و قال ميرخواند ان قتلق خان أول أمراء هذه الاسرة، استولى على «مدينة كرمان»، و يقال انه دفن فى المدرسة التى أنشأها فى حيّ يقال له ترك أباد فى ظاهر مدينة كرمان. و من الجهة الثانية ذكر المستوفى فى

تاريخ گزيدة، و ابن ابراهيم فى تاريخ السلاجقة، ان قتلق خان استولى فى سنة 619 (1222) على «مدينة بردسير» (أو گواشير على ما فى گزيدة). فأضحى بذلك أميرا على مملكة كرمان كلها. و أخيرا، فمعاصره ياقوت، ذكر بردسير اسما لقصبة كرمان فى هذا الزمن (أى فى المئة الثالثة عشرة للميلاد) .

أما الفتح المغولى لايران، فلم يؤثر فى كرمان تأثيرا محسوسا. و فى أوائل المئة الثامنة (الرابعة عشرة) تزوجت ابنة آخر أمير من أمراء قراختاى أمير فارس المظفرى الذى تولى الحكم فى اقليم كرمان تحت ظل المغول. و المستوفى، فى كلامه على القصبة گواشير، أى بردشير، وصف جامعها القديم، و قال ان زمنه يرقى الى ختام المئة الاولى للهجرة، فى عهد الخليفة الاموى عمر الثانى المتوفى سنة 720 للميلاد. و وصف أيضا البستان الذى أنشأه ابن الياس عامل بنى بويه، و كان يعرف بباغ سيرجانى أى «بستان الآتى من السيرجان». و كان هذا البستان حين كتب ذلك فى سنة 730 (1330) زاهرا زاهيا. و زاد المستوفى على ذلك، ان ابن الياس بنى أيضا القلعة التى فوق الجبل و هى التى وصفها المقدسى على ما بيّنا. و كان فى المدينة جامع يسمى جامع تبريزى، بناه توران شاه السلجوقى،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 344

و المزار المشهور المنشأ على قبر الولى شاه شجاع الكرمانى. و ذكر حافظ أبرو، و قد نشأ بعيد سلفه، ان ترخان خاتون ابنة قتلق خان القراختائى، ابتنت فى سنة 666 (1268) جامعا فخما كبيرا فى كرمان الى غيره من الجوامع و المدارس، و سنشير الى احداها عما قريب. و هذا المؤلف نفسه، و قد كتب سنة 820 (1417)، أشار الى المدينة

دون تفريق بين تسميتها بردسير (أو گواشير) و كرمان .

و هذه الاوصاف التى انتهت الينا عن بردسير من مختلف مراجعنا، من المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة) حتى حافظ أبرو فى أوائل المئة التاسعة (الخامسة عشرة)، قد أشارت اشارة واضحة الى كثير من الابنية التى ما زالت قائمة، و بعضها مشعث خرب فى مدينة كرمان الحالية. و ذكر المقدسى، على ما بيّنا، القلاع الثلاث التى اشتهرت بها المدينة. و ردّد ابن ابراهيم غير مرة فى تاريخ السلاجقة الاشارة الى القلعة التى فوق الجبل (قلعة كوه) و القلعة العتيقة و القلعة الجديدة- و هى توافق، على ما يتضح، المواضع الثلاثة التى وصفها المقدسى-. أما فى كرمان الحديثة فاننا نجد أولا قلعة عتيقة تتوّج جبلا قريبا منها من الشرق يقال لها اليوم قلعة دختر أى «قلعة البنت» و هى تنسب الى الملك أردشير على ما يزعمون، و نجد ثانيا فى جنوب المدينة الشرقى، جبلا آخر، محكم التحصين فى الزمن القديم بأسوار و أبراج، و قد تداعت الآن، تعرف بقلعة أردشير.

فينبغى ان تكون هى القلعة التى فى ظاهر باب المدينة. و أخيرا نجد القلعة العتيقة فى وسط البلد و كانت و لا شك حيث قصر الوالى الآن .

أما جامع توران شاه، و هو الذى ذكره المستوفى، فما زال قائما يعرف بمسجد ملك. و فى كرمان أيضا بناء آخر، يصل مدينة كرمان بالزمن الذى كانت تسمى فيه بردسير، و هو القبة الخضراء (أو الزرقاء) العظيمة، المسماة قبة سبز، و قد كانت حتى وقت قريب تقوم فوق قبر ترخان خاتون ابنة قتلق خان أمير

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 345

قراختاى، على ما مرّ آنفا. و جاء فى التاريخ

عن هذه الاميرة، انها بعد وفاة أبيها، خلعت أخاها عن العرش و اصبحت مدى خمس و عشرين سنة الحاكم الحقيقى لكرمان، تحكم باسم زوجها- ابن عم قتلق خان- و باسم ابنيها اللذين سمحت لهما بتولى العرش اسميا الواحد تلو الآخر. و روى ميرخواند انها توفيت فى سنة 681 (1282) و دفنت تحت قبة مدرسة شهر، أى مدرسة المدينة.

و فى القبة الخضراء القائمة فوق قبرها، كتابة على الجدران تنوه بأسماء البنائين و بسنة 640 (1242) و هى سنة الانتهاء من عمارتها أى فى أيام الحكم الاسمي لابن قتلق خان الذى خلعته اخته ترخان خاتون فيما بعد .

و لم يذكر البلدانيون العرب عن غيرها من المدن فى ناحية بردسير الا لمحات خفيفة. فلم تقم فيها مجاميع من القرى، على ما كان الامر عليه فى فارس، و كان فى أضعاف مدن كرمان مفاوز. فعلى عشرين ميلا من جنوب غربى كرمان مدينة بغين. ويليها، على نحو المسافة نفسها ماشيز. و هاتان المدينتان فى الطريق من كرمان الى السيرجان. و ليس فى هذه البقعة اليوم غير هاتين المدينتين. و قد ردّد ابن ابراهيم ذكرهما فى تاريخ السلاجقة فى أخبار النصف الاخير من المئة الرابعة (العاشرة). و مما يدعو الى العجب، ان بغين و ماشيز لم يذكرهما لا البلدانيون العرب الاولون و لا المستوفى، بل و لا المصادر الفارسية التى وصفت حروب تيمور على ما يظهر. و على مرحلتين قصيرتين من جنوب شرقى مدينة كرمان، مدينة ماهان، و هى مشهورة اليوم بمزار نعمة اللّه الولى الصوفى و نسترادامس(Nostradamus) ايران الذى ما زالت تنبؤاته تروى فى تلك

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 346

الانحاء الاسلامية من آسية. و قد توفى

سنة 834 (1431) و له من العمر نيف و مئة سنة. و يقال انه كان من أصحاب الشاعر حافظ (الشيرازى). و فى المئة الرابعة (العاشرة) وصف المقدسى ماهان بقوله «مدينة العرب، الجامع وسط البلد، و فى وسطها قلعة بباب واحد يحيط بها خندق. و تسير منها مرحلة الى القصبة فى أشجار مشتبكة و مياه جارية، شربهم من نهر».

اما غبيرا، و كوغون، و بينهما فرسخ، و لم يبق لهما اليوم أثر على ما يظهر، فقد كانتا جنوب ماهان على مرحلة غرب رايين (و هى ما زالت قائمة). وصف المقدسى غبيرا فى المئة الرابعة (العاشرة) بقوله «صغيرة لها قرى .... فى وسطها قلعة، و قد بنى ابن الياس (الوالى البويهى) خارج البلد سوقا». و لمدينة غبيرا و كوغون جامع حسن، و شرب أهلهما من نهر وقنى. و على نحو من خمسين ميلا شرق كرمان، فى شفير المفازة العظمى، خبيص، و كانت على ثلاث مراحل من ماهان. و كان مستوى المفازة خفيضا، اذ ان المفازة هنا أكثر اطمئنانا بكثير من هضبة ايران الوسطى التى تقوم عليها مدينة كرمان. فكانت خبيص، على ما أشار اليه الاصطخرى، من جروم كرمان، و بها نخل كثير. و زاد المقدسى على ذلك «عليها حصن بأربعة أبواب عامرة، معدن الابريسم، كثيرة التوت، شربهم من نهر، جيدة التمور» .

و على مرحلتين من شمال غربى كرمان، مدينة زرند. و كان فى نصف الطريق بين المدينتين فى القرون الوسطى، مدينة جنزروذ، لم يبق لها أثر على ما يظهر. و قد وصف المقدسى جنزروذ بقوله «الجامع فى الاسواق، كثيرة الفواكه، و لهم نهر» يسمى نهر جنز. أما زرند فما زالت قائمة، قال المقدسى «قد بنى ابن الياس على

حافتها قلعة» و كانت زرند فى المئة الرابعة (العاشرة) كبيرة،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 347

«عليها حصن بستة أبواب، و الجامع فى الميدان عند السوق». و كان يرتفع منها نسيج يقال له البطانة، و كانت البطانة الزرندية تحمل الى فارس و العراق فى المئة الرابعة (العاشرة) لشهرتها هناك.

و على خمسين ميلا شمال زرند، مدينة راور، على شفير المفازة الكبرى.

و الى الغرب من راور: كوبنان، و قد زارها ماركوپولو. وصف المقدسى هاتين المدينتين و قال ان راور فى المئة الرابعة (العاشرة) كانت «أكبر من كوه بيان (كوبنان) لها حصن على رأس الحد». و قال فى كوبنان أو كوه بيان «صغيرة، لها بابان، و ربض فيه حمامات و خانات. و الجامع على الباب، قد التفت بها البساتين، و الجبل منها قريب». و بالقرب منها مدينة بهاباد، و قد كتبه المقدسى بصورة بهاوذ، و ذكره مع مدينة قواق و قال هما عامرتان، بينهما ثلاثة فراسخ و هما من المنطقة الباردة، كلها بساتين. و ما زالت بهاباد قائمة. اما قواق فليس لها أثر فى الخارطة. و ذكر ياقوت فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) ان «فيها و فى قرية أخرى يقال لها بهاباذ، يعمل التوتيا الذى يحمل الى أقطار الدنيا» و أشار المستوفى فى المئة التالية للسابعة الى كوه بنان التى سماها معاصره ماركوپولو بمدينة «كوبنان Cobinan » و قد وصف هذا الرحالة البندقى، التوتيا التى تصنع فيها بقوله «شئ فى غاية الصلاح للعيون». و قد كانت التوتيا فى المئة الرابعة (العاشرة) من أهم تجارات اقليم كرمان. و قال المقدسى «التوتياء المرازبى، و انما سمى مرازبيا لانهم يتخذون شبه أصابع من الخزف كبارا، ثم يصبونه عليه فيلتزق به

فيبقى كالمرازيب. و رأيتهم يجمعونه من الجبال و قد بنوا أكوارا عجيبة طويلة يصفونه كما يصفى الحديد» .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 348

و على نحو من خمسين ميلا غرب كوه بنان، على شفير المفازة فى نصف الطريق بين هذه المدينة و يزد، تقوم بلدة بافق فى وقتنا هذا. و فى اقليم كرمان مدينتان اسمهما متشابه كثيرا و هو بافق المارة الذكر، و بافت أو بافد. و هذه الاخيرة على ثمانين ميلا جنوب مدينة كرمان و تبعد مئتى ميل عن بافق الشمالية.

و هذا التشابه بين الاسمين قد ازداد لبسا بكون بافق (الشمالية) غالبا ما تلفظ اليوم بافد. و من ثمة، فانها تتفق اسما مع المدينة التى فى جنوب ماشيز، اذ ان من الشائع فى اللغة الفارسية قلب القاف دالا أو تاء. و ذكر ياقوت بلدة باسم بافد قال فيها «بلدة بكرمان، على طريق شيراز، من البلاد الحارة». و ذكر ابن ابراهيم فى تاريخ السلاجقة، اسمى المدينتين بافد و بافق، و لكن لم يورد ابن ابراهيم و لا ياقوت، وصفا يفي بتعيين مواضعهما .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 349

الفصل الثاني و العشرون كرمان «تتمة»

كورة السيرجان- كورتا بم و نرماسير- ريكان- جيرفت و قمادين: كمادى Camadi لدى ماركوبولو- دلفريد- جبال البارز و القفص- روذكان و المنوجان- هرمز العتيقة و الجديدة و كمبرون- تجارات اقليم كرمان- مسالكها.

تقوم كورة السيرجان- و كانت مدينة السيرجان أجل مدن هذا الاقليم، و قد كانت قصبة اقليم كرمان القديمة التى مرّ وصفنا لها فى الفصل السابق- فى غرب ناحية بردسير على حد فارس. و قد ذكر المقدسى جملة مدن فى هذه الكورة لم يعد لها أثر اليوم يا للأسف فى الخارطة،

مع ان مواضعها بالنسبة الى موضع مدينة السيرجان معروفة.

فعلى أربعة فراسخ غرب السيرجان، عند حد اقليم فارس: مدينة بيمند، قيل فيها فى المئة الرابعة (العاشرة) «عليها حصن منيع و أبواب حديد». و كانت موضعا جليلا أيضا لكونه ملتقى ثلاث طرق- هى الطريق الآتى من شهر بابك (فى الشمال) و الآتى من الروذان (فى الشمال الشرقى) و الآتى من صاهك (فى الغرب)- و منها الى السيرجان حيث تلتقى جميعا. وصف المقدسى بيمند بأن «الجامع وسط السوق، شربهم من قني». ثم انه على مرحلة يوم من شرق السيرجان، فى طريق رايين، موضع يقال له الشامات مدينة «كثيرة البساتين

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 350

و الكروم، فواكهها تحمل الى النواحى، و الجامع وسط البلد». و يقال لهذه البلدة أيضا قوهستان. و على مرحلة واحدة أيضا شرق الشامات، بهار. و على مرحلة أخرى: خنّاب. و فى الموضعين الاخيرين نخل كثير. ويلى خناب، غبيرا و قد مرّ وصفها فى كورة بردسير. و على مسيرة يومين من جنوب شرقى السيرجان، فى طريق جيرفت، تقوم مدينة باسم يكتب اما واجب أو ناجت (و للاسم قراءات أخرى). و قال المقدسى فى واجب انها «عامرة كثيرة البساتين لهم منازه، شربهم من قنى، الجامع فى الاسواق» .

أما كورة بم (و يكتبها البلدانيون العرب بتشديد الميم)، فهى حول المدينة التى بهذا الاسم، فى الجنوب الشرقى من ماهان، على شفير المفازة العظمى، و عند الحد الشرقى لكرمان. وصف ابن حوقل مدينة بم فى المئة الرابعة (العاشرة). بأنها أكبر و أصح هواء من جيرفت، بها نخيل، و لها قلعة منيعة مشهورة. «و بمدينة بم ثلاثة مساجد يجمعون فيها الجمعات، فمنها مسجد للخوارج، و مسجد جامع

فى البزازين، و مسجد جامع فى القلعة». «و يعمل ببم، ثياب من قطنهم فاخرة حسنة، تحمل الى أباعد الديار، و يحمل من بم أيضا العمائم و المناديل و الطيالسة». و ذكر المقدسى: «عليها حصن بأربعة أبواب:

باب نرماسير، باب كوسكان، باب أسبيكان، باب كورجين. فيها بعض الاسواق و بقية الاسواق خارج. و فى وسط البلد نهر يجرى على حافة البلد و يدخل القلعة. و من أسواقها سوق جسر جرجان. و من حماماتهم المذكورة، حمام زقاق البيذ. و جبل كود منها على فرسخ، بقربها قرية عظيمة، أكثر ما يعمل من الثياب بها» و أشار المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) الى قلعة بم المنيعة و تكلم على هوائها و قال انه حار .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 351

أما رايين، فهى الى جنوب ماهان، على نحو من سبعين ميلا شمال غربى بم.

وصفها المقدسى بقوله: «صغيرة، الجامع وسط الاسواق، كثيرة البساتين».

و فى ثلث الطريق من رايين الى بم، تقوم اوارك و مهر كرد (أو مهرجرد) و هما ملتصقتان. أما الاولى فما زالت، و هى تلفظ اليوم: أبارك. و كانت تقوم بين الاثنتين فى المئة الرابعة (العاشرة) قلعة، بناها ابن الياس عامل بنى بويه. و شرب أهلهما من نهر، و بناؤهم طين. و تقوم بين أبارك و بم مدينة دهرزين و كتبها المقدسى بصورة دارزين، و غيره بصورة دارچين و ديروزين «بها جامع حسن، و لهم منازه و بساتين و مزارع، و شربهم من نهر» .

اما كورة نرماسير (و بالفارسية نرماشير)، فانها جنوب شرقى بم، على شفير المفازة. و تقوم قصبتها مدينة نرماسير فى نصف الطريق بين بم و الفهرج، و ما زالت الفهرج قائمة. و

كانت نرماسير فى المئة الرابعة (العاشرة)، مدينة جليلة الشأن، نوه المقدسى بقصورها الحسنة الانيقة و كثرة أهلها. و بها تجار من خراسان، لهم تجارة مع عمان «و عليها طريق حاج سجستان، و منها ينقل البهربهار». و كانت نرماسير فى المئة الرابعة (العاشرة) أصغر من السيرجان «عليها حصن بأربعة أبواب: باب بم، باب صور كون، باب المصلى، باب كوشك.

و الجامع وسط الاسواق، يصعد اليه بعشر درجات من الآجر، به منارة ليس لها فى الاقليم من نظير. و ثم قلعة يقال لها كوش وران (و لم يفسر هذا الاسم)، و على باب بم ثلاثة حصون يعرفن بالاخوات. يحدق بالبلد البساتين و النخيل».

و لا أثر اليوم فى الخارطة لمدينة نرماسير. و لكن الاطلال المعروف موضعها باسم جكك اباد «أى مدينة العصفور» القائمة على يمين النهر البطئ الذى يدور فى سهل نرماسير، ينبغى أن تكون هى بقايا مدينة القرون الوسطى العظيمة. و هذا الموضع اليوم فى قفر بلقع و ان كان المستوفى حتى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) قد أشار الى نرماسير بانها بلدة آهلة.

و على عشرين ميلا من جنوب الفهرج، مدينة ريكان (و تكتب أيضا ريقان

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 352

أو ريغان). ذكر المقدسى ان لها حصنا «و الجامع على بابها، كثيرة النخيل و البساتين». و أشار المستوفى اليها، فقال هى بلد فى غاية الحر، يكثر فيها النخيل و القمح. و بين ريغان و بم، مدينة كرك، و قد جمع المقدسى بينها و بين جارتها باهر (و لا يلتبس هذا الاسم باسم بهار فى السيرجان أنظر ص 349). و قد كانت هاتان المدينتان فى المئة الرابعة (العاشرة) «عامرتين لهما بساتين و نخيل». و كانت مدينة نسا

من كورة نرماسير أيضا، و لكن موضعها غير معروف كان (لها بساتين، فى سهلة، و الجامع فى الاسواق، شربهم من نهر» .

و قد كان جميع النصف الجنوبى من اقليم كرمان حتى ساحل البحر، تحتويه كورة جيرفت (أو جيرفت). و كانت جيرفت فى القرون الوسطى مدينة جليلة الشأن، يتخللها نهر، لم يسم البلدانيون العرب غيره فى هذا الاقليم. و تعرف خرائب جيرفت اليوم (و قد بقى هذا الاسم اليوم على ناحية جيرفت فقط) بشهر دقيانوس (أى مدينة الملك(Decius الذى يضرب المثل بطغيانه فى الشرق و فى أيامه دخل أهل الكهف السبعة كهفهم على ما فى القرآن (السورة 18 الآية 8؛ و أنظر صفحة 188 أعلاه) و قد أضحت قصة أهل الكهف من الاقاصيص الشعبية.

و يمر بالقرب من هذه الخرائب، نهر يقال له خليل رود (أو حليل رود) و هو الذى سماه البلدانيون العرب و الفرس ب «ديورود» (أى نهر ابليس) لشدة جريه. و هو أحد روافد بم پور، و يصب شرق الهامون أى المناقع.

و فى المئة الرابعة (العاشرة)، وصف ابن حوقل جيرفت فقال «مدينة طولها نحو من ميلين، و هى متجر خراسان و سجستان، و يجتمع فيها ما يكون فى الصرود و الجروم». «و ترتفع من نواحى جيرفت النيل الكثير و الكمون و لهم فانيد و دوشاب» . و بقرب جيرفت ناحية تعرف بالميزان (و فى الاصطخرى:

الميجان) عامرة بالبساتين و القرى، يكثر فيها الرطب و الجوز و الاترج. و الثلوج

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 353

تحمل اليها من الجبال القريبة. و ماؤها من نهر يعرف ب «ديوروذ «له وجبة، و جرى سريع يجرى على الصخور، و فيه ماء بالتقدير يدير خمسين رحى».

و من

شعب درفارد القريب من جيرفت ميرتها و فيه، على ما جاء فى المقدسى، البطيخ الحلو و النرجس الذى يعمل منه الطيب المشهور. و على المدينة حصن بأربعة أبواب، هى: باب شاپور (سابور)، باب بم، باب السيرجان، باب المصلى.

«و الجامع على طرف عند باب بم من آجر و جص، بعيد عن الاسواق». و زاد المقدسى على ذلك قوله «هى أكبر من اصطخر، بناؤهم طين، أساسه حجر».

و قال ياقوت، ان ولاية جيرفت خصبة كثيرة الخيرات يقال لها جردوس.

و أشار المستوفى الى الغابات المكتظة بالسباع، التى كانت تحيط بالمدينة قبلا.

أما فى أيامه، فقد نشأت فى موضعها بساتين النخيل. و كثيرا ما أشار ابن ابراهيم فى تاريخ السلاجقة الى قمادين فى المئة السادسة (الثانية عشرة) بقوله انه موضع عند باب جيرفت، و فيه يختزن تجار بلاد الروم و الهند سلعهم و حيث يجتمع المسافرون بحرا و برا. و ذكر فى مكان آخر ان السلع الفاخرة النفيسة الآتية من الصين و بلاد ماوراءالنهر و خطاى و من هندستان و خراسان و من الزنجبار و الحبشة و مصر و من الروم و أرمينية و العراق و الجزيرة و اذربيجان، كان كلها يباع فى أسواق قمادين. و قمادين الفارسية هى الموضع الذى ذكره ماركوپولو باسم Camadi أو مدينة كمادى. و قد كانت قبلا موضعا عظيما جليلا. و لكن حين زارها ماركوپولو كانت حقيرة من جراء ما لحقها من غارات التتر المتعاقبة. و هذا يفسر لنا سبب اختفاء جيرفت و قمادين من التاريخ بعد ختام المئة السابعة (الثالثة عشرة) و خلو الخارطة من اسميهما. و كان حول جيرفت ناحية الروذبار التى ذكرها البلدانيون العرب و جاءت عند ماركوپولو باسم Reobarles ريوبارلس .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب

بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 354

و على مرحلة من شمال شرقى جيرفت و فى نصف الطريق الى دارچين، بلدة هرمز الملك (و قد سميت بذلك تمييزا لها عن فرضة هرمز) و كان يقال لها أيضا قرية الجوز. و هى على ما جاء فى الادريسى- و لكن غير واضح من أين استقى روايته- مدينة قديمة أسسها الملك هرمز الساسانى فى المئة الثالثة للميلاد، و كانت قصبة اقليم كرمان. و ظلت على ذلك حتى خرابها، فنقلت دواوين الدولة الى السيرجان، فظلت هذه المدينة قصبة الاقليم فى الدور الساسانى الاخير. و قد أشار المقدسى و غيره من البلدانيين الاولين الى موضع هرمز الملك، غير انهم لم يذكروا شيئا عنها. و زاد الادريسى ان هرمز هذه كانت فى أيامه (أو على أكثر احتمال فى أيام المؤلف المجهول الذى استقى منه روايته) مدينة أنيقة لطيفة على صغرها. أهلها أخلاط، يكثر فيها الماء و أسواقها عامرة حسنة. و كانت تبعد، على قوله، مرحلة من بم .

و على مرحلة يوم شمال خرائب جيرفت، دلفريد، و قد سماها المقدسى درفانى، و ابن حوقل درفارد. و هى فى شعب خصب تجتمع فيه فواكه الصرود و الجروم على ما بيّنا، و منه ميرة جيرفت. و على مرحلة أخرى من شمال غربى دلفريد، جبل المعادن حيث الفضة. و تكثر بوجه خاص فى واد فى جبل الفضة .

و الى شرق جيرفت، جبل البارز، و كان فى المئة الرابعة (العاشرة) تكسوه غابات كثيفة. و اليه التجأ المجوس المطاردون فى أيام الفتح الاسلامى الاول تخلصا من الجيش الذى جرده عليهم خلفاء بنى أمية، و لم يخضع هذه البلاد للاسلام الا بنو الصفار. و اشتهرت بعد ذلك بمعادن حديد. و

أقرب منها الى ساحل البحر، فى جنوب شرقى جيرفت، بلاد جبل القفص. كان بها فى المئة الرابعة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 355

(العاشرة) قبائل جبلية، و فى شرقيها البلوص (أو البلوج) و كانوا يتنقلون عند تخومها الشرقية أمام الحدود السفلى للمفازة الكبرى. و سيأتى الكلام على أجيال القفص من اللصوص عند وصفنا المفازة الكبرى. و كان يقال لقسم من هذه البلاد البعيدة: الخواش، نسبة الى قبائل يعرفون بالاخواش. و هم أصحاب ابل و مراع و كانوا فى شعب شديد الحر يكثر فيه قصب السكر و يحمل الى سجستان و خراسان. و هذه الرقعة الجبلية هى التى تفصل بين الطرف الجنوبى للمفازة الكبرى و مكران. و قد كانت هذه المرتفعات سبعة أجبل، و لكل جبل رئيس منهم، و قد حمل عليهم عضد الدولة البويهى فى المئة الرابعة (العاشرة) لاخضاعهم. و هم «رجّالة لا دواب لهم». «و هم صنف من الاكراد كانوا أصحاب نعم و بيوت شعر مثل البادية»، لا مدن لهم. و فى الاقسام السفلى من بلادهم نخل كثير .

و على خمسين ميلا جنوب غربى جيرفت، مدينة گلاشكرد، و قد كتبها المقدسى بصورة و لا شجرد و قال فيها: «عليها حصن و لها قهندز يسمونه كوشه، شربهم من قنى ذات بساتين». و مغون «كثيرة البساتين و النارنج، و هى من معادن النيل، شربهم من قنى» و هى على مرحلة شمال و لا شجرد نحو جيرفت، و لعل خرائبها هى ما يعرف اليوم باسم فرياب أو پرياب . و على خمسين ميلا من جنوب و لا شجرد المدينة الجليلة منوقان، و يقال لها اليوم منوجان.

قال فيها المقدسى «هى بصرة كرمان» اشارة الى مكانتها التجارية.

و هى جانبان، بينهما واد يابس يقال له كلان و يعرف أحد جانبيها باسم كونين و الآخر زامان، بينهما قلعة [ما زالت قائمة] و جامع يسمى جامع سيان. و على مرحلة منها، فى رملة قريبة من البحر، مدينة درهقان، و لا أثر لها اليوم على ما يبدو. و كان الجامع وسط البلد، و لها بساتين فيها نيل، و شربهم من قنى.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 356

و بين و لا شجرد و منوجان نهر كثير الروافد يقال له الآن رودخانه دزدى، ذكره الاصطخرى باسم نهر الزنكان، و ياقوت باسم نهر راغان. و أشار المقدسى الى مدينة روذكان و قال انها عامرة، بها بساتين و نخيل و نارنج كثير، و لعلها كانت على هذا النهر. و الى شمال شرقى منوقان، فى طريق ريگان، و هى على ثلاث مراحل من ميناء هرمز، مدينتا باس و جكين، متجاورتان، لكل منهما جامع و سوق. و نهر سليمان أو جوي سليمان، مدينة عامرة كثيرة الاهل على مرحلة غرب ريگان، و قد ذكرها المقدسى فى كورة جيرفت. «و فيها نهر يتخلل البلد، و الجامع و قهندز وسطها». و أخيرا ذكر المقدسى فى القسم الشمالى من ناحية جبل القفص مدينة قوهستان، و يقال لها قوهستان أبى غانم تمييزا لها عن غيرها و هى «وسطة حارة كثيرة النخيل، و الجامع وسطها و بها قهندز» .

أما هرمز القديمة، أى هرمز التى فى البر، فهى تبعد نحو بريدين أو مرحلة نصف يوم من ساحل البحر. على خليج من بحر فارس يسمى الجير على ما فى الاصطخرى «يدخل فيه السفن من البحر». و ما زالت خرائب المدينة ترى فى موضع يقال له اليوم

مناب و اسمها الدارج مناو. و كانت هرمز القديمة فى المئة الرابعة (العاشرة) مجمع تجارة كرمان و سجستان و فى الأزمنة الاخيرة، لما بنيت هرمز الجديدة فى الجزيرة، حلت محل قيس مثلما حلت قيس محل سيراف قبلا، و أصبحت أجل فرضة تجارية فى خليج فارس. و تكلم الاصطخرى على هرمز (القديمة) و قال «بها مسجد جامع، و مساكن التجار فى رستاقها، متفرقين فى القرى نحو فرسخين، و البلد كثير النخل، و الغالب على زرعهم الذرة، و يزرع فيها النيل و الكمون و قصب السكر». و أطرى المقدسى أسواق هرمز فقال «سوقهم جاد، و شربهم من قنى، و بناؤهم من طين». و العرصة على ساحل البحر، تبعد عن هرمز مرحلة نصف يوم، و يظن انها كانت عند مدخل خليج هرمز.

و قد ذكر ابن خرداذبه فى أواسط المئة الثالثة (التاسعة)، الجزيرة القريبة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 357

منها باسم ارموز (و كتبها المستوفى: أرموص) و لا ريب فى انها هى الجزيرة التى تعرف بجزيرة جرون. ففى مطلع المئة الثامنة (الرابعة عشرة)- و ذكر أحد مراجعنا السنة 715 (1315)- هجر ملك هرمز المدينة التى على ساحل البحر، لاتصال غزوات اللصوص لها، و بنى هرمز الجديدة فى الجزيرة المارة الذكر المعروفة باسم جرون (أو زرون) و هى تبعد فرسخا عن الساحل. و فى هذا الزمن، زار ابن بطوطة هرمز الجديدة. و قد وصفها معاصره المستوفى و أطرى كثرة نخيلها و قصب سكرها. و حكى ابن بطوطة ان هرمز القديمة كانت تسمى فى أيامه موغ أستان، و أطلق على المدينة الجديدة اسم الجزيرة المعروفة بجزيرة جرون، و هى مدينة حسنة لها أسواق حافلة، و بها جامع، و

هى متجر سلع الهند و السند.

و فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، جرد تيمور حملة على المدن الساحلية القريبة من هرمز القديمة، فاستولى على سبع قلاع هناك أحرقها كلها و فرّ مقاتلتها الى جزيرة جرون. أما هذه القلاع السبع، فان علي اليزدى سرد أسماءها، و هى: قلعة الميناء فى هرمز القديمة، و تنگ زندان، و كشكك، و حصار شامل، و قلعة منوجان (و قد مرّ ذكر المدينة)، و ترزك، و تازيان. و فى سنة 920 (1514) استولى البرتغاليون على هرمز، و اسمها الشائع أرمز، بقيادة ألبوكرك(Albuquerque) و عرفت الميناء الساحلية التى نزلوا فيها باسم گمبرون Gombroon) . و هو الموضع الذى اطلق عليه الشاه عباس بعد قرن اسم بندرعباس. و هو فرضة كرمان الحالية. و لعلها تقوم فى موضع سورو أو شهرو المارة الذكر فى الفصل المعقود لفارس. و يقال ان الاسم گمبرون هو الذى حرّف الى كمرك (من اليونانية(Koumerki و من هذا الاسم شاعت كلمة الكمرك فى أنحاء الشرق. و أشارت جهان نما التركية الى ان گمرو ميناء هرمز.

و منها الى مدينة لار (فى فارس) مسيرة أربعة أو خمسة أيام .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 358

و تجارات كرمان تقصر كثيرا عن تجارة فارس، و لم ينته الينا من البلدانيين العرب شى ء كثير عن تجارة هذا الاقليم. ذكر المقدسى ان فى كرمان تمورا و ذرة و هى طعامهم. و تحمل من كرمان التمور الى خراسان، و النيل الى فارس، و غلات ناحية و لا شجرد الى هرمز، و منها تحمل فى السفن الى أقاصى البلدان .

و ما ذكره بلدانيو المئة الثالثة و المئة الرابعة (التاسعة و العاشرة) عن مسالك اقليم كرمان، أقل كثيرا

مما وصفوا به مسالك اقليم فارس. و هم الى ذلك أوردوا المسالك بالمراحل فقط، و هو مقياس غير دقيق. و يفتقر وصفهم لمعظم الطرق الى ذكر مراحلها الواحدة تلو الاخرى بالفراسخ.

فالطرق الآتية من فارس الى كرمان، تجتمع فى بيمند، و هى على ما بيّنا، على أربعة فراسخ من غرب السيرجان. فمن الشمال الشرقى ينحدر طريق من أناس و ناحية روذان الى بيمند (و قد ذكره الاصطخرى و المقدسى). و من صاهك الكبرى الى بيمند (و السيرجان) طريقان جاء وصفهما بالفراسخ، الاول يمرّ بشهر بابك (و لم يذكره غير ابن خرداذبه) و الآخر يقطع المفازة الى بيمند رأسا.

و كان يبلغ اليها بطريقين: الاول (ذكره ابن خرداذبه) يمرّ بقرية الملح، و الا حر يمر برباط پشت خم (ذكره قدامة و الاصطخرى). و الى ذلك، ذكر المقدسى الطريق من نيريز (بالمراحل) الى بيمند و السيرجان. و قد وصف هو و الاصطخرى، الطريق من الجنوب الغربى الذاهب رأسا من رستاق الرستاق الى السيرجان و مسيرته نيف و أربعة أيام .

و كان من السيرجان الى بردسير (مدينة كرمان) مسيرة يومين. و ذكر المستوفى انها عشرون فرسخا. و لم ينته الينا اسماء ما بينهما من محطات. مع انه كان بالقرب من هذا الطريق: ماشيز و بغين على ما قد بيّنا. ذكرهما ابن ابراهيم،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 359

و قد كتب فى المئة الحادية عشرة (السابعة عشرة)، غير مرة، و قال انهما كانتا قائمتين فى المئة الرابعة (العاشرة). و من بردسير (كرمان) الى زرند مرحلتان.

و كانت جنزروذ تتوسطهما. و من السيرجان الى ماهان مسيرة ثلاثة أيام. و منها الى خبيص ثلاثة أيام أخرى. و لكن لا يعرف ما

بينهما من محطات .

و كان طريق القوافل العظيم، من السيرجان فشرقا الى مكران، يمر بجملة مدن لم يبق لها أثر. فقد كان يأتى الى رايين، و منها فى طريق يمر بدرزين و بم و نرماسير الى الفهرج على شفير المفازة. و قد ذكر ابن خرداذبه و قدامة المراحل فى هذا الطريق بالفراسخ، هذا الى ما انتهى الينا فى مرجعين آخرين عن المحطات التى فى مرحلة كل يوم .

اما الطريق من السيرجان، نحو الجنوب الشرقى الى جيرفت، فمع ان ابن خرداذبه قد وصفه بالفراسخ، و الاصطخرى بالمراحل، لا يمكنا ان نعين من المواضع التى جاء ذكرها فيه غير درفارد، فلربما لا يمكن العثور عليها فى الخارطة ما خلا مدينة بافت الجنوبية. كما ان القراءات المختلفة لهذه الاسماء فى المخطوطات لا يصح الركون اليها فى أى حال، و من جيرفت ينعطف الطريق جنوبا فيمر بولاشجرد و منوقان ثم ينتهى بالساحل عند هرمز (القديمة). و على ما جاء فى الاصطخرى، كان يتفرع منه عند و لا شجرد طريق يضرب غربا الى حد اقليم فارس، يمرّ بسلسلة من المدن و القرى قد اختفت اليوم كلها، بل لا يمكن، يا للأسف، تعيين منتهى هذا الطريق فى حد اقليم فارس .

و الطريق من هرمز القديمة الى ريگان و نرماسير، قد ذكره المقدسى بالمراحل. و كان يمرّ بمدينتى باس و جكين. أما الطريق نحو الجنوب من رايين الى جيرفت، فقد ذكر الاصطخرى المسافات فيه ما بين دارجين و هرمز الملك بالمراحل .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 360

الفصل الثالث و العشرون المفازة الكبرى و مكران

اشارة

امتداد المفازة الكبرى و خواصها- الواحات الثلاث: الجرمق و نابند و سنيج- اهم مسالك المفازة- اقليم مكران- فنزبور و ميناء التيز-

مدن أخرى- السند و الهند- ميناء الديبل- المنصورة و الملتان- نهر مهران(Indus) - كورة طوران و قصدار- كورة البدهة و قندابيل.

تمتد المفازة الكبرى فى ايران فتقطع هضبة ايران العالية، من الشمال الغربى الى الجنوب الشرقى، فتفصل الاقاليم الخصبة فى هذه البقاع الى مجموعتين. فان هذه المفازة تبدأ من جنوب جبال ألبرز التى يشرف شماليها على بحر قزوين، و تمدّ الى جبال مكران المجدبة، الاقليم المتاخم لبحر فارس. و يقدر طول المفازة بنحو من 800 ميل، و لكن عرضها يختلف باختلاف بقاعها، لان شكل هذه الرقعة الفسيحة من الفيافى القاحلة أشبه شى ء بزجاجة الساعة الرملية الضيقة العنق، لا يتجاوز عنقها الضيق مئة ميل و هو يفصل بين كرمان و سيستان، بينما يتسع عرضها كثيرا فى الشمال و الجنوب حتى ليتجاوز فى بعض المواضع مئتى ميل .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 361

و قد عرف البلدانيون العرب فى القرون الوسطى هذه الصحراء بالمفازة، و عنوا كثيرا بتعيين حدودها. فمن غربيها و جنوبها الغربى يحدها اقليم الجبال و كورة يزد (و كانت تعد بالاصل جزءا من اقليم فارس) و كرمان، و فى جنوبها تتداخل فى أضعاف جبال ساحل مكران. و من شرقيها و شمالها الشرقى خراسان و الاقاليم التابعة لها و المجاورة: و هى قومس فى شمال المفازة، ثم زاوية من اقليم خراسان نفسه، ثم قوهستان، و فى أسفل ذلك سجستان و هى عند القسم الضيق من المفازة مقابل كرمان. و سجستان اليوم مفازة بلوجستان، و كانت فى العصور الوسطى تعد جزءا من مكران.

و ما كتبه ابن حوقل و المقدسى عن المفازة انما كان عن خبرة و مشاهدة، اذ أن كليهما اجتاز قفارها غير مرة.

أوجز ابن حوقل وصفها فقال: «ليست فى حيز اقليم بعينه، و هى من أكثر المفاوز لصوصا و فسادا» قد جعلوا منها ملجأ يعتصمون به و يأوون اليه. و ليس فيها قرية و لا مدينة سوى فى ثلاثة مواضع. أما المقدسى فقد تبسط فى الكلام عليها. و نحن نلخص شيئا مما ذكره قال: مثل المفازة كمثل البحر، كيفما شئت فسر اذا عرفت السمت و سلكت حيث تلمح الحياض و القباب المعمولة فيها فوق حياض المياه التى كان يعنى بانشائها فى المئة الرابعة (العاشرة) بامتداد أهم طرقها بين مرحلة كل يوم و أخرى. و قد أمضى المقدسى فى هذه المفازة سبعين يوما، مخترقا اياها من اقصاها الى أقصاها. و تكلم كلام خبير على ما فيها من دروب و معارج فى جبال فيها و كلها مخيف، سباخها و سرودها و جرومها، و قال ان فيها رمالا قليلة و نخيلا و زروعا فى أضعاف كثير من وديانها الصغيرة.

و كانت المفازة فى ذلك الزمن مخيفة، لان عصابات من البلوص (و هم

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 362

البلوج) كانوا يعتصمون فى جبال القفص عند تخوم كرمان، و هم «قوم لا خلاق لهم، وجوه وحشة و قلوب قاسية، و بأس و جلادة، لا يبقون على أحد حتى يقتلوا من ظفروا به بالأحجار كما تقتل الحيّات، تراهم يمسكون رأس الرجل على بلاطة و يضربونه بالحجارة حتى ينصدع» و سألهم المقدسى عن سبب ذلك، فقالوا له لئلا تفسد سيوفنا. و فى أيام المقدسى أبادهم عضد الدولة البويهى، و حمل منهم أمة رهائن الى فارس. فسلم الطريق من شرّهم، اذ كان مع القوافل بذرقة من قبل السلطان. و كان هؤلاء البلوص، على

ما ذكر المقدسى، «رجّالة، و ربما ركبوا الجمّازات» . و هم و ان كانوا يدّعون الاسلام، الا انهم «أشدّ على المسلمين من الروم و الترك: اذا أسروا الرجل أمروه بالعدو معهم نحو عشرين فرسخا حافى القدم جائع الكبد. زادهم شى ء مثل الجوز يتخذ من النبق. و هم أصبر خلق اللّه على الجوع و العطش».

و بعد المقدسى بنحو من نصف قرن، أى فى سنة 444 (1052)، قطع ناصر خسرو الجزء الشمالى من المفازة فى عودته من حجه الى مكة. و لم يطلق ناصر خسرو على المفازة الكبرى اسما خاصا بها، بل أشار اليها فقط بلفظ بيأبان، أى «أرض لا ماء فيها». على انه ذكر أهم صفتين خطرتين فيها: الرمال المتحركة (ريك روان) و السباخ (شورستان) التى قد يبلغ طولها ستة فراسخ. غادر ناصر خسرو نايين فى اقليم الجبال الى الواحات الوسطى فى الجرمق، و منها الى طبس فى قوهستان، سالكا الطريق الذى سنصفه الآن. على ان وصفه هذا الطريق غامض لم يزد الا القليل على ما نعرفه عنه. فقد تكلم على گيلكى أمير طبس و قال انه نشر الأمن و السلام فى المفازة، وهابه لصوص القفص الذين سماهم كوفج، و زال خطرهم. و ذكر ان بين كل فرسخين من الطريق الذى سلكه، قبابا فوق حياض الماء، شيدت حتى لا يضلّ المسافرون الطريق و لكى يأووا اليها فى الحر و القر. و ذكر انه لو لا العناية بهذه الحياض لما استطاع أحد اجتياز المفازة و هم فى خوف من اللصوص. و قد عزّز قول ناصر خسرو هذا، ما جاء

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 363

فى وصف كتابي المسالك لابن حوقل و المقدسى عن طرق

القوافل العديدة فى هذه القفار الممتدة الى كثير من الجهات، ففى جميعها، حياض للماء بين مرحلة و مرحلة .

و على مدى الخط الاوسط لهذه المفازة الكبرى، ثلاث واحات تبعد احداها عن الاخرى بعدا كبيرا. و اليها طبعا تتوجه طرق المفازة المختلفة التى تقطعها من الغرب الى الشرق. كانت هذه الواحات تعرف فى القرون الوسطى بالجرمق و نابند (و ما زالت تسمى بذلك) و سنيج. و لم يكن فى المفازة، على ما ذكر المقدسى، من مدن غير هذه الاخيرة.

و تتوسط القسم الأعلى الواسع من المفازة، عند منتصف الطريق بين اصفهان و طبس فى قوهستان، واحة يقال لها اليوم جندك أو بيابانك و هى التى كان يعرفها العرب فى القرون الوسطى بالجرمق، و كانت تكتب بالفارسية بصورة گرمه.

و هى ثلاث قرى: الجرمق (أو گرمه) و بيادق (أو پياده بالفارسية) و أرابه.

و أطلق ابن حوقل على هذه القرى اسم سهده و تفسيرها ثلاث قرى. و ذكر ناصر خسرو انه كان فى هذا الموضع فى المئة الخامسة (الحادية عشرة) من عشر الى اثنتى عشرة قرية. و كان فى پياده أيضا حصن صغير فيه بذرقة الامير گيلكى لحماية مسالك المفازة. و كان فى هذه الواحة نخيل و زروع و مواش كثيرة. و قال ابن حوقل كانت هذه القرى الثلاث فى رأى العين قريبة بعضها من بعضها. و كان فيها فى المئة الرابعة (العاشرة) نحو ألف رجل. و لم يزد من جاء بعده من المصنفين شيئا على ما ذكر. و كل من كتب عنها حتى زمن المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) يطابق قول ابن حوقل، و كلهم ناقل عنه.

أما نابند، الواحة الثانية، فما زالت تعرف بهذا الاسم. و هى فى

الطرف الشمالى من جزء المفازة الضيق بين راور فى كرمان و خور فى قوهستان. قال ابن حوقل فى نابند انها «رباط فيه مقدار عشرين مسكنا و فيه ماء يجرى، عليه رحى صغيرة، و لهم نخل، و لهم زرع على ماء عين. و قبل نابند بفرسخين عين ماء

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 364

و عندها نخيلات و قباب، و ليس بها أحد، و هى ملجأ لّلصوص».

أما الواحة الثالثة فالى الجنوب أيضا، فى أضيق قسم من المفازة و هى مرحلة فى نصف الطريق بين نرماسير فى كرمان و زرنج قصبة سجستان. و فى هذا الموضع واد صغير فيه عيون، يسميه الفرس اليوم بنصرت أباد، و لكن ما زال البلوج يعرفونه باسم اسپى أو اسفى و هذا الاسم يطابق قراءة الاسم «اسبيذ» لهذه الواحة فى المقدسى الذى سماها أيضا سنيج أو سنيگ، وعدّها من مدن سجستان. أما ابن حوقل فقد جعلها من أعمال كرمان. و لم يكن فى المفازة، على ما بينا، مدينة غيرها بحسب قول البلدانيين العرب. و قال فيها المقدسى:

«عامرة آهلة، بها مزارع كثيرة وقنى، غير انها كانت فى حدود المفازة» .

و تبسط بلدانيو المئة الرابعة (العاشرة) فى صفة طرق المفازة. فمن غربيها كان يخرج، من اصفهان و من نايين، طريقان يجتمعان فى الجرمق: أولهما (و قد وصفه المقدسى) ثمانى مراحل. و من نايين الى الجرمق خمس مراحل.

و بين كل بضعة فراسخ منه حياض للماء و قباب.

و المقدسى مرجعنا فى وصف الطريق من الجرمق المتجه شمالا الى الدامغان فى قومس رأسا و طوله تسعون فرسخا. خمسون فرسخا الى موضع يقال له ونده، ثم أربعون فرسخا الى الدامغان. و من الجرمق يشرّق، و بعد

مسيرة أربعة أيام يبلغ موضعا يقال له. نوخانى أو نوجاى. و بين كل ثلاثة أو أربعة فراسخ منه قباب للماء. و يتفرع الطريق فى نوجاى الى فرعين: يتجه أحدهما نحو الشمال الشرقى الى ترشيز، و الآخر نحو الجنوب الشرقى الى طبس. و كلا الموضعين فى اقليم قوهستان. و المسافة من نوجاى الى ترشيز أربع مراحل. تتوسطها بن أفريدون (و تعرف اليوم باسم ده نابند و لا يلتبس هذا الموضع بواحة نابند، و قد مرّ ذكرها الآن). و ذكر المقدسى أيضا طريقا يقطع المفازة من الجرمق الى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 365

بن أفريدون هذه فى سبعة أيام، فى كل مرحلة منه حوض. و من نوجاى يتجه الطريق نحو الجنوب الشرقى فيبلغ طبس بعد مسيرة ثلاث مراحل. و ذكر ابن خرداذبه المسافات بين طبس و ترشيز عن طريق بن بالفراسخ. أما فى غير هذا الطريق، فان طرق المفازة قد وردت بذكر مرحلة اليوم فقط .

و الطريق من يزد الى طبس رأسا، كان يمرّ بأنجيرة و خزانة فيبلغ ساغند و هى فى شفير المفازة. و قد مرّ ذكر هذه المواضع فى اقليم فارس (أنظر ص 322). من ساغند الى طبس ذكر ابن خرداذبه المراحل الست التى فيه بالفراسخ. و قد نقل ابن حوقل و المقدسى وصفه لهذا الطريق، و لكنهما ذكراه بالايام و اتبعا طريقا يخالفه بعض الشى ء. و كان على مرحلتين من ساغند حصن يقال له رباط آب شتران (أى رباط نهر الجمل). و كان الماء يأتى من قناة و يصب الى بركة. و قد وصف المقدسى هذا الرباط بقوله «ما رأيت أحسن منه، من الحجارة و الجص، عليه أبواب حديد، و فيه

قوم يحفظونه». بناه ناصر الدولة ابن سيمجور و هو من قادة بنى بويه المشهورين. و كان والي هذه الجهات فى أواسط المئة الرابعة (العاشرة).

و بعد هذا الحصن بثلاث مراحل، تنتهى المفازة. و عندها يجانب الطريق طبس، على ما ذكر ابن حوقل (معيدا قول الاصطخرى)، و يسير سيرا متصلا من المحطة التى فى جنوب هذه المدينة بمرحلة، الى المحطة التى فى شمالها بمرحلة فى الطريق الذاهب الى بن .

و الطريق الآخر الذى يقطع المفازة، يبدأ من قرية بيرة فى ناحية يقال لها شور، أى الماء المالح، و كانت عند حدّ كرمان قرب كوه بنان. و الطريق من هذا الموضع الى كري تسع أو ثمان مراحل- فى كل مرحلة منها حوض ماء- و كري قرية عند حد المفازة فى قوهستان، تقوم على بضعة أميال من جنوب شرقى طبس. و ذكر الاصطخرى عن هذا الطريق، و قد كان يعرف بطريق شور، ان

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 366

على نحو فرسخين من شماله «حجارة فى صور الفواكه (لا ريب فى انها من المتحجرات) من اللوز و التفاح و نحوه، و فيها صور تقارب الناس و الأشجار و غير ذلك». و ذكر المقدسى انه الى الطريق المار الذكر، طريق آخر يتجه رأسا من كوه بنان الى كري طوله ستون فرسخا، و عند كل ثانى مرحلة حياض للماء.

و راور ، و قد جاء ذكرها فى الفصل الحادى و العشرين، على بضعة فراسخ من شرق كوه بنان فى حد كرمان. و كان يتجه من هذا الموضع طريق فيه خمس مراحل الى نابند و هى الواحة المارة الذكر، و منها طريق فيه ثلاث مراحل الى خور فى قوهستان. و كان

بين كل ثلاثة أو أربعة فراسخ من هذا الطريق، حياض الماء المألوفة. أما مدينة خبيص، و هى على ثلاث مراحل من ماهان، فى حد كرمان، فقد كانت، على ما ذكرنا ضمن حدود المفازة تقريبا (راجع ص 346). و كان يخرج منها طريق ينتهى الى خوست (خوسف الحالية) فى قوهستان، و يقطع فى عشر مراحل. و كان حد قوهستان يقع على مرحلتين قبل بلوغ خوست عند قرية كوكور و هى فى منتهى المفازة. و هذا الطريق، عند مكان يقال له قبر الخارجى، «حصى صغار بعضه فى لون الكافور بياضا، و بعضه أخضر فى لون الزجاج». و فى موضع آخر يبعد عن الطريق نحو اربعة فراسخ «حجارة صغار سود» مظهرها يسترعى النظر .

و الطريق الاخير من نرماسير فى كرمان الى زرنج قصبة سيستان، يقطع الجزء الضيق من المفازة مارا بواحة سنيج أو اسپى، و قد مرّ وصفها. و كانت المرحلة الاولى فى هذا الطريق الى فهرج و هى فى حد المفازة، و بعد أربع مراحل ينتهى الى سنيج. و قد ذكر ابن خرداذبه المسافة بين مرحلة و مرحلة من هذا الطريق بالفراسخ. أما الاصطخرى فقد ذكره بالايام. و ذكر أيضا طريقا ثانيا ينتهى الى سنيج سماه الطريق الجديد. الا انه أطول مسافة. و من سنيج الى زرنج سبعة أو ثمانية أيام. و كان هذا الطريق يجتاز حد سيستان فى گاونيشك،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 367

و هى لا تبعد عن كندر الموضع الذى ما زال يرى فى الخارطة. و كان بين گاونيشك و كندر، على ثلاث أو أربع مراحل جنوب زرنج، رباط بناه عمرو الصفار فى المئة الثالثة (التاسعة) كان يعرف، على ما ذكر

الاصطخرى، بقنطرة كرمان، فقد قال «ليس هناك قنطرة و لكن تسمى كذلك». و لهذا الموضع شأن خاص، اذ ان بحيرة زره كانت تمتد جنوبا فى العصور الوسطى حتى هذا الموضع، على ما سنبينه فى الفصل القادم .

اقليم مكران

ليست جبال ساحل مكران القاحلة فى مظهرها الطبيعى العام، الا امتدادا للمفازة الكبرى. و مع ان بلاد مكران كانت فى القرون الوسطى أوفر خصبا و أكثر أهلا عما هى عليه اليوم، على ما يظهر، فان هذا الاقليم لم يكن قط غنيا أو ذا شأن سياسى. و أهم ما فى مكران قصب السكر و صنف من السكر الابيض عرفه العرب بالفانيذ (من پانيد الفارسية) و كان يحمل منه الى البلدان المجاورة .

و سرد البلدانيون الأوائل أسماء كثير من المدن فى مكران، و لكنهم لم يتبسطوا فى وصفها. كان أجل مركز تجارى فيه، فرضة التيز على ساحل خليج فارس. و كانت قصبة الاقليم فنّزبور أو بنجبور و هى فى داخل البلاد فى موضع يعرف اليوم باسم پنج گور. و كان لبنجبور فى المئة الرابعة (العاشرة) على ما ذكر المقدسى، حصن من طين حوله خندق، و هى بين النخيل، لها بابان، باب التيز فى الجنوب الغربى يفضى الى الطريق الذاهب الى فرضة الخليج- و باب طوران- فى الشمال الشرقى كان يفضى الى الطريق الذاهب الى ناحية طوران،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 368

و كانت قصبتها قصدار (أو قزادار)، و شربهم من نهر و الجامع وسط الاسواق.

و على رأى المقدسى، ان أهل الاقليم «قوم غتم، ليس معهم من الاسلام الا اسم، لسانهم بلوصيّ» .

و بقايا فرضة التيز العظيمة، تقوم فى رأس ما كان فى العصور الوسطى ميناء حسنا تدخله

السفن الصغيرة. قال المقدسى فى التيز: «كثيرة النخيل، بها رباطات فاضلة و جامع حسن، و هم قوم متوسطون، غير انها فرضة مشهورة». و فى المئة السادسة (الثانية عشرة) استحوذت هذه الفرضة على تجارة هرمز التى آلت الى الخراب و صارت أطلالا .

أما مدن مكران الاخرى، فالبلدانيون العرب، لم يذكروا غير أسمائها دون أى وصف لها. فاسما المدينتين المشهورتين بمپور و فهرج المجاورة لها، جاءا فى المقدسى بصورة بربور (بدلا من بنبور) و فهل فهرة. و ذكر ياقوت الاسم الاخير بصورة بهره . أما مدينة قصرقند، فى شمال التيز، فما زالت موضعا ذا شأن. و كجّ، و هى على مسافة قليلة فى شرق قصرقند، جاء اسمها بصورة كيج و كيز، و ورد أيضا اسم جالك و دزك. أما خواش، أو خواص، و يحتمل انها كوشت الحالية، فانها الى شرق خواش فى ناحية السرهد (و قد مرّ ذكرها فى صفحة 355). و كانت راسك فى العصور الوسطى مدينة ذات شأن لخصب ناحيتها المعروفة بالخروج. على انه لا يمكننا من وصف المسالك مطابقتها بالبلدة الحالية التى بهذا الاسم. و كانت أرمابيل و قمبلى، مدينتين جليلتين على الساحل

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 369

أو بالقرب منه فى نحو نصف الطريق بين التيز و الديبل عند فم نهر مهران (الاندس). و قال الاصطخرى فى هاتين المدينتين «مدينتان كبيرتان، و بينهما مقدار منزلتين. و بين أرمابيل و البحر مقدار نصف فرسخ». و كان أهلهما من أغنياء التجار، أكثر تجاراتهم مع الهند .

و كتابنا هذا لم نرم فيه الى البحث عن الهند فى العصور الوسطى. بل ان البلدانيين العرب أنفسهم لم يعنوا بوصف هذه البلاد وصفا كاملا شاملا. فهم

لم يعرفوا من الموانئ الهندية، فيما يلى الطرف الشرقى لخليج فارس، أكثر من معرفتهم فرضة الديبل. فقد كانت حينذاك ميناء حسنا عند أكبر فم لنهر الاندس(Indus) ، و الديبل فى اقليم السند، و كانت قصبته المنصورة، و اسمها بالهندية برهمناباذ، و كانت مدينة عظيمة على فرع من فروع نهر الاندس الاسفل.

و كان العرب يسمون نهر اندس نهر مهران. و ذكروا كثيرا من المدن التى على ضفافه، أهمها المتان و هى المدينة العظيمة التى فى أعلى رافد من روافد السند و هو السندروذ، و كان فيها بيت صنم (بذ) مشهور. و الاصطخرى الذى شبه نهر مهران بالنيل فى الكبر و النفع، قال ان فيه تماسيح مثل تماسيح نيل مصر، و قال «ان مخرجه من ظهر جبل (فى الشمال يخرج منه بعض أنهار جيحون).

و عرف العرب أهل اقليم السند بالزطّ، و اسمهم بالفارسية جت. و المقول اليوم انهم أسلاف النور أو الغجر» .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 370

و قد وصف البلدانيون العرب، كورتين عند حدود مكران الشمالية الشرقية مصاقبتين لحد الهند، هما طوران و قصبتها قصدار، و البدهة الى الشمال منها و قصبتها قندابيل. و جاء اسم قصدار بصورة القزدار أيضا، فقد ورد ذكرها بهذه الصورة فى فتوحات السلطان محمود الغزنوي الاولى. قال فيها ابن حوقل انها على واد، و فى وسط الوادى حصن. «و هى ناحية خصبة، و بها أعناب و فواكه الصرود و رمان حسن». و زاد المقدسى عليه انها «ذات جانبين، بينهما واد يابس بلا جسور، فى أحدهما دار السلطان فيه قلعة، و يسمى الجانب الاخر بودين و فيه دور التجار و المطارح، و اليها يقصد نفر خراسان». و زاد

المقدسى على ذلك ان بنيانها من طين و شربها من قنى، «الا أن ماءها ردئ» قليل. بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد ؛ النص ؛ ص370

ا طوران، و هو اسم ناحية قصدار، فغالبا ما كانت تضم اليها ما فى شمالها من أرض الناحية المعروفة بال «بدهة» و قصبتها قندابيل. و المتحقق انها قندوه الحالية و هى فى جنوب سيبى و شرق كلات. قال ابن حوقل فى قندابيل «مدينة كبيرة، و ليس بها نخيل، و هى فى برية مفردة بذاتها». و من أعمالها مدينة كيزكانان أو كيكان. و يمكن القول استنادا الى وصف موضعها فى المسالك انها كلات الحديثة. و هاتان المدينتان كثيرا ما تعدان من أعمال طوران.

و جاء ذكر أسماء غيرهما أيضا بما لا يمكن التحقق منها الآن لضآلة أخبارها و لشدة اختلاف المخطوطات فى تهجئتها . و الى شمال هاتين الناحيتين:

بالس أو و الشتان و مدينتا سيبى و مستنج. الا ان البلدانيين القدماء عدّوها من أعمال سجستان. و عليه سنشير اليها فى الفصل القادم.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 371

أما طرق مكران، فانها استمرار لطرق المفازة الكبرى التى سبق وصفها و هى تنتهى فى بلاد الهند. على ان مما يؤسف عليه، ان هذه الطرق قد ذكرت بايجاز و لم يتعد وصفها، على ما هو مألوف، ذكر الايام التى بين بلدة و أخرى، و لا يوثق بما قيل عن المسافات التى بينها. و مع ذلك، فان ابن خرداذبه قد أفاض فى القول فى أحد هذه الطرق فذكره بالفراسخ و وصفه مرحلة مرحلة و ان كان يستحيل علينا اليوم تعيين خطه الحقيقى فى المفازة. يبدأ هذا الطريق من الفهرج عند شفير المفازة

فى شرق بم و نرماسير فى كرمان. و ذكر ابن خرداذبه مراحله الاربع عشرة الى فنّزبور قصبة مكران، و منها يتجه شرقا الى قصدار، أشار فيه الى أسماء ثلاث محطات. و ذكر المقدسى طريقا موازيا له تقريبا، واصفا اياه بالاتجاه المعاكس و هو من قصدار الى جي أو نهر سليمان، و هى على عشرين فرسخا شرق بم، الا ان هذا الطريق يكون مسيره شمال فنزبور و يمر بجالك و خواص .

و من فرضة التيز الى كيز خمس مراحل، ثم مرحلتان الى فنزبور و كان ينتهى الى هذه المدينة طريق آخر من قصر قند و لكنه لا يأتيها رأسا. و من كيز و من قصر قند الى أرمابيل ست مراحل على ما انتهى الينا، ثم مرحلتان الى قمبلى و منها أربع مراحل الى الديبل فى فم الاندس .

و المعروف انه كان من فنزبور الى الديبل أربع عشرة مرحلة. و جاءت المسافات من قصدار الى قندابيل و الى كيزكانان (كلات) بأرقام تقريبية، و كذلك من هذين الموضعين الى سيبى و مستنج فى و الشتان. و تختتم كتب المسالك وصفها بسرد موجز لعدد الايام التى يتطلبها الوصول الى الملتان و المنصورة، المدينتين اللتين على نهر مهران من قصدار و من قندابيل و من حدود و الشتان مما يلى سيبى .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 372

الفصل الرابع و العشرون سجستان

سجستان أى نيمروز و زابلستان- زرنج و هى القاعدة- بحيرة زره- نهر هيلمند و الانهار الآخذة منه- العاصمة العتيقة للاقليم و هى رام شهرستان- نه- فره و نهر فره- نهر خاش و رستاق نيشك- قرنين و مدن أخرى- روذ بار و بست- رساتيق زمينداور- رخج و بالس أى و

الشتان- قندهار- غزنة و كابل- معدن الفضة- المسالك فى سجستان.

سيستان- و سمتها المراجع العربية القديمة سجستان، من الاسم الفارسى سگستان(Sagistan) - هى البلاد السهلية حول بحيرة زره و فى شرقها، و يدخل فيها دلتا نهر هيلمند و غيره من الانهار التى تصب فى هذا البحر الداخل [أى بحيرة زره]، و كانت مرتفعات رستاق قندهار، و هى بامتداد أعالى هيلمند، تعرف بزابلستان. و سيستان يقال لها بالفارسية نيمروز أيضا، و معناه نصف يوم أو الارض الجنوبية. و يقال ان هذا الاقليم انما سمى بذلك، لوقوعه فى جنوب خراسان. و قال الاصطخرى، ان سجستان «خصبة كثيرة الطعام و التمور و الاعناب ... و يرتفع منها غلة عظيمة من الحلتيت ، حتى انه قد غلب على

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 373

طعامهم و يجعلونه فى عامة أطعمتهم» .

و لا يغرب عن البال، ان بحيرة زره كانت فى القرون الوسطى أوسع رقعة مما صارت اليه فى أيامنا. و كان يقع فى البحيرة غير نهر هيلمند، و هو نهر عظيم ذو روافد كثيرة، ثلاثة أنهار أخرى كبيرة، هى نهر خواش و نهر فره و النهر الآتى من أنحاء أسفزاز (و هى سبزوار هراة) و يقال له اليوم هارود.

و فى الاساطير الفارسية، ان سيستان و زابلستان اشتهرتا بكونهما موطن زال أبى البطل القومى «رستم» الذى ما زال يتحدث الناس بأعماله و مآثره . و فى صدر أيام الدولة العباسية، اشتهرت سيستان أيضا، بأن فيها نشأ أمراء بنى الصفار الذين حكموا فى النصف الثانى من المئة الثالثة (التاسعة) معظم بلاد ايران الجنوبية و الشرقية، و قد كانوا أمراء مستقلين.

و كانت قاعدة الاقليم فى العصور الوسطى، مدينة زرنج العظيمة، و

قد خرّبها تيمور و ما زالت أطلالها تنتشر فى رقعة واسعة من الارض. على ان اسم زرنج قد خفي اليوم، بل ان استعماله بطل منذ أواخر العصور الوسطى، و لم يكن البلدانيون العرب المتأخرون يعرفونها الا بمدينة سجستان. و يقابلها بالفارسية شهر سيستان. و كان ذلك اسمها حين خرّبها تيمور أخيرا و لم يبق منها حجرا على حجر . و كانت زرنج فى أيام الملوك الساسانيين مدينة عظيمة،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 374

و جاء ذكرها غير مرة فى أخبار الفتوحات الاسلامية الاولى، سنة 20 (641).

و كانت تقوم بالقرب من نهر سناروذ و هو من الانهار الكبيرة الآخذة من هيلمند نحو الغرب، و تصل مياهه فى أيام الفيضان الى بحيرة زره.

و ذكر اليعقوبى فى المئة الثالثة (التاسعة) ان محيط زرنج اربعة فراسخ.

و انتهى الينا من ابن حوقل فى المئة التالية لها، وصف مفصل لهذه المدينة، قال:

«هى مدينة عليها حصن، و لها خمسة أبواب. و لها ربض واسع، و عليه سور و حصن دائر بالربض، و خندق على الربض حصين، و فيه ماء، و ماؤه ينبع من مكانه و يقع فيه فضل من المياه الجارية اليها. و للربض ثلاثة عشر بابا». و الابواب الخمسة للمدينة الداخلة كلها حديد. اثنان متجاوران يفضيان الى الجنوب الشرقى يخرج منهما الى فارس، يعرفان ببابى فارس، و يسمى أحدهما الباب الجديد و الآخر الباب العتيق و باب يفضى الى الشمال، يخرج منه الى خراسان، هو باب كركويه نسبة الى مدينة كركويه القريبة منها. و كان باب نيشك فى الطريق الشرقى يخرج منه الى بست. و يعرف الباب الخامس بباب الطعام، و هو أعمر أبوابها، يفضى الى الطريق الذاهب

جنوبا الذى يخترق الاسواق و البساتين فى ظاهر زرنج.

و المسجد الجامع كان فى الربض قرب البابين اللذين فى الجنوب الغربى على طريق فارس. و الحبس عند الجامع. و هناك أيضا دار الامارة. و بين باب نيشك و باب كركويه فى الشمال الشرقى من المدينة، أبنية عظيمة تسمى أرك أى قلعة، و فيها كانت الخزانة. بناها عمرو بن الليث الصفّار، ثانى أمراء الدولة الصفارية. و كان أخوه الامير يعقوب، مؤسس هذه الدولة، قد بنى له قصرا صار دار الامارة الجديدة و هى فى هذا الجزء من المدينة الداخلة بين البابين اللذين فى الجنوب الغربى و باب الطعام. و بالقرب منها قصر عمرو أيضا. و كانت هذه الابنية، كسائر أبنية المدينة، «من طين، آزاج معقودة، لان الخشب بها يتسوس و لا

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 375

بثبت» لرطوبة جوها و انتشار الارضة فيها. و فى المدينة الداخلة و ربضها، كثير من الفنادق. و فى الربض دور الامارة. و أسواق المدينة الداخلة حوالى المسجد الجامع. و أسواق الربض أسواق عامرة أيضا، منها سوق يسمى سوق عمرو، بناه ثانى الامراء الصفاريين. «و غلة هذا السوق فى كل يوم نحو ألف درهم (40 باونا) و وقفه على المسجد الجامع و البيمارستان و المسجد الحرام».

و السوق فى الربض متصل غير منقطع نحو نصف فرسخ، ممتد من باب فارس فى السور الداخل، الى باب فارس فى سور الربض. و كانت المياه وافرة فى انحاء زرنج، تجرى اليها فى أنهار صغيرة وقنى متصلة تأخذ من نهر سناروذ و تدخل الى المدينة الداخلة من ثلاثة مواضع: من الباب العتيق، و من الباب الجديد، و من باب الطعام. «و مقدار هذه الانهار،

اذا اجتمعت، ما يدير الرحى. و عند المسجد الجامع حوضان عظيمان يدخلهما الماء الجارى و يخرج و يتفرق فى بيوت أهل البلد». و بيوت الربض تجرى اليها المياه فى قنى أيضا و لا غنى عن هذه المياه لشدة حر المدينة. و فى كل بيت سرداب يعيش فيه الناس فى فصل القيظ لاشتداد الحرارة فى زرنج. و أرض المدينة سبخة و رمال، بها نخيل «و تشتد رياحهم و تدوم، و تنقل رمالهم من مكان الى مكان. و لولا انهم يحتالون فيها بسياسات، لطمّت القرى و المدن بها، و ذلك ان جميع البلد رمل». و لدوام رياحهم «نصبوا عليها أرحية لطحن قموحهم، يديرونها بالريح». و هو أمر اختصت به هذه البلاد. و كانت «الرمال المتحركة» مبعث خطر و ضرر دائم لأهل المدينة.

و لابن حوقل حديث طويل بلغه فى سنة 360 (970)، ذكر فيه كيف ان الرياح قبل ذلك بسنة «أكبت بالرمل على الجامع».

هذا ما كان من حال زرنج فى المئة الرابعة (العاشرة). و قد ردّد المقدسى هذا الوصف أيضا. فأشار الى غنى أهلها و الى انهم ذوو عقل و علم، و نوه بقلعتها الحصينة و بمنارتيها المشهورتين فى مسجدها الجامع. بنى احداهما يعقوب بن الليث الصفار . و بقيت هذه المدينة على ازدهارها قرونا كثيرة حتى انها

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 376

على ما يبدو قد نجت من التدمير فى خلال الغزو المغولى سنة 619 (1222)، حين بعث جنكيزخان بجموعه لتخريب سيستان. و بقيت زمنا بعد هذا التاريخ يحكمها وال مغولى. و فى النصف الاول من المئة الثامنة (الرابعة عشرة) تكلم المستوفى على زرنج (و يلفظ الفرس اسمها زرنگ) و قال انها مدينة على

غاية من الازدهار، و كان يحمى زرنج من الرمال المتحركة التى تأتيها من المفازة المجاورة لها، «بند» عظيم يقال ان أول من بناه الملك گرشاسف فى قديم الزمان.

و جدده بعد ذلك الملك بهمن بن أسفنديار. و أطرى المستوفى بساتين زرنج التى تكثر فيها الفواكه الطيبة. و كان يسقى هذه البساتين سياه رود (النهر الاسود) و هو يأخذ من أحد فروع هيلمند. على انه فى أواخر هذا القرن أى سنة 785 (1383)، ظهر تيمور بجحافله أمام المدينة، و كانت تعرف حين ذاك، على ما بيّنا، بشهر سيستان (أى مدينة سيستان) و ما عتمت أن لاقت مصيرها المحتوم.

ذلك ان تيمور لنك استولى على قلعتها و قوضّها، و هى القلعة المعروفة ب «حصار زره» و لعلها كانت تقوم فى شمال زرنج بالقرب من حافة البحيرة. أما سيستان العاصمة نفسها، فقد سدت أبوابها بوجهه و امتنعت عن التسليم، فحاصرها حصارا لم يطل أمده، فقد استولى عليها عنوة و أعمل السيف فى رقاب أهلها، و دك أسوارها و خرب دورها. و منذ ذلك الحين تحولت زرنج الى خرائب لا اسم لها .

و بحيرة زره، أو زرّه، كانت فى القرون الوسطى على ما بيّنا، أوسع بكثير مما هى عليه اليوم. الا ان هذه البحيرة، كانت فى كل الازمان «يتسع الماء فيها و ينقص على قدر زيادة الماء [فى الانهار] و نقصانه» . و قال ابن حوقل فى وصفها فى المئة الرابعة (العاشرة): «طولها نحو ثلاثين فرسخا (مئة ميل) من ناحية كوين (أو كرين) على طريق قوهستان الى قنطرة كرمان على

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 377

طريق فارس» عند حد سجستان فى المرحلة الثالثة فى الطريق من زرنج الى

نرماسير (أنظر ص 366 أعلاه). و عرض هذه البحيرة مقدار مرحلة (أى مسيرة يوم و هو نحو ثلاثين ميلا) و هى عذبة الماء، وافرة القصب، و يرتفع منها سمك كثير. و «حواليها كلها قرى سوى الوجه الذى يلى المفازة» و فى هذه القرى كان هذا السمك يجفف و يحمل الى سائر البلاد.

و أكبر الانهار التى تحمل الماء الى بحيرة زره، هو نهر هيلمند العظيم الذى أجاد ياقوت فى وصفه «انه ينصب اليه مياه ألف نهر». و قد ضبط اسمه بصورة هندمند. أما هيدمند فلعله من خطأ النساخ. و كذلك هيرمند (أو هيرميد) و بهذا الاسم الاخير ذكر المستوفى النهر، كما سماه أيضا آب زره، أى نهر زره.

و ما هيلمند الا الصيغة الحديثة الأكثر شيوعا. و مخرج هذا النهر الكبير فى الجبال بين غزنة و باميان، و تؤلف هذه الجبال اليوم قسما من أفغانستان، و قد كانت فى القرون الوسطى تعرف بناحية (أو مملكة) الغور. و يجرى هيلمند نحو الجنوب الغربى فينحدر فى الوادى العريض المعروف بزمينداور الى مدينة بست حيث يلتقى بضفته اليسرى نهر قندهار الذى يسقى بلاد رخّج. و كانت بست أولى مدن سجستان التى يبلغها النهر. و من هذه المدينة ينعطف هيلمند انعطافه العظيم نصف الدائرى، باتجاهه جنوبا فغربا فشمالا حتى يبلغ زرنج و منها يدور نحو الغرب ثانية ثم يقع فى بحيرة زره.

و تقوم فى نهر هيلمند، على بعد مرحلة، أى مسافة نحو ثلاثين ميلا من زرنج، سدود أنشئت لتقسيم مياهه على أنهار الرى. و فى هذا الموضع تفرغ أعظم كمية من مائه فى أنهار خمسة كبيرة تجرى نحو زرنج و البحيرة. فأول هذه الانهار المنشقة عنه: نهر الطعام و هو أبعدها

جنوبا. و كان يسقى الرساتيق خارج باب الطعام من أبواب زرنج و قد مرّ ذكره. و من هذه الرساتيق ما ينتهى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 378

الى حد نيشك ويليه نهر يقال له نهر باشتروذ. ثم نهر ثالث هو نهر سناروذ، كان يأخذ من هيلمند على فرسخ من زرنج، و هو النهر الذى يحمل الماء الى قاعدة الاقليم. و لهذا فقد أشار ابن حوقل الى ان فى موسم الفيضان كانت تجرى فيه السفن من بست الى زرنج. أما النهر الرابع، فكان يسقى مقدار ثلاثين قرية و يقال له نهر شعبة. و النهر الخامس كان نهر ميلى. و كانت فضلة ماء نهر هيلمند بعد ذلك تجرى فى نهر يسمى نهر كزك، «و قد سكر هناك سكر يمنع الماء ان يجرى الى بحيرة زره حتى يجئ المدّ، فاذا جاءت أيام المدّ زال السكر و وقع فضل هذا النهر الى بحيرة زره» .

و يؤخذ من أقوال البلدانيين العرب الأولين، أن زرنج لم تكن قاعدة سجستان فى أيام ملوك العجم القدماء، بل كانت مدينة اسمها رام شهرستان و يقال لها أيضا أبر شهريار. و هذه المدينة كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) قد دفنتها رمال المفازة، و أبنيتها و بعض بيوتها بقيت قائمة الى ذلك الزمن. و يقال ان موضع هذه العاصمة القديمة كان على ثلاث مراحل من زرنج، عن يسار الذاهب من زرنج الى كرمان «اذا جزت، (مدينة) دارك بحذاء (مدينة) راسك» و هما موضعان مجهولان. و يقال ان الفرع الكبير المنشق من هيلمند «كان يجرى عليها فى الايام الخالية فيسقى رساتيقها. ثم انقلع السكر فى هذا النهر و انبثق الماء منه و مال الى نهر

آخر فانقطع عنها» و من ثم تحول ما كان يكتنف المدينة العتيقة من رساتيق الى مفازة، فهجرها الناس و بنوا زرنج.

و على مسافة يسيرة غرب بحيرة زره، على حد قوهستان، عند شفير المفازة العظمى، مدينة نه أو نيه، و قد ذكرها البلدانيون العرب الاولون بكونها من أعمال سيستان. قال فيها المقدسى «عليها حصن، بناؤهم طين، و شربهم أكثره من قنى» يجرى اليها الماء من الجبال. و أشار الى نه أيضا ياقوت و المستوفى. و لم يزد الاخير شيئا الا قوله: بناها الملك أردشير بابكان. و ما يشاهد اليوم من بقايا

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 379

الحصون و الخرائب الهائلة لا يدل الا على انها كانت فى القرون الوسطى موضعا جليل الشأن .

أما ما يقع من أنهار فى بحيرة زره من الشمال، و هى الانهار المنحدرة من أسفزار (سبزوار هراة) و يقال لها اليوم هارود، فلم يذكرها البلدانيون العرب على ما يبدو، الا انهم أشاروا الى نهر فره. و مخرجه فى جبال ناحية الغور.

و وادى فره هذا، بعد ان يجتاز الجبال، يدخل اقليم سجستان و يصل الى مدينة فره. و قد وصفها ابن حوقل بقوله هى أرض سهلة و مدينة كبيرة، أبنيتها طين و لها رستاق يشتمل على نحو من ستين قرية، و بها نخيل و فواكه و زروع. و زاد المقدسى على ذلك قوله «فره: ذات جانبين، جانب للخوارج و جانب لأهل الجماعة». و على مرحلة من جنوب المدينة، قنطرة على نهر فره يقال لها قنطرة فره (و بالفارسية پل فره). و عندها يعبر الطريق الآتى الى زرنج من ضفة النهر اليمنى الى اليسرى. و كانت هذه القنطرة، و عندها مدينة أيضا،

على أربع مراحل فوق جوين. و كان فى نحو نصف الطريق بين المدينتين (على ما ذكر ابن رسته) موضع يقال له كهن. و قرب كهن، على بعد فرسخ من غربها، كثيب رمل كبير، ذو خاصية اسماع الاصوات. فان القيت على رمل هذا التل الماء أو أى شى ء حتى الصغير «سمعت منه صوتا شديدا و دويا هائلا مسمعا». و ذكر البيرونى أيضا هذا الجبل العجيب، و قد كتب فى المئة الخامسة (الحادية عشرة). و مثل هذه الخاصيات التى فى الرمال المتنقلة تلاحظ اليوم فى كثبان المفازة بين سجستان و قوهستان. و المدينة المزدوجة الحديثة لاش- جوين، و هى فى يومنا موضع جليل الشأن قد ذكرها المقدسى باسم كوين (عوضا عن گوين)، و قال فيها «كوين، عليها حصن منيع كبير، و ليس بها منبر من أجل انهم خوارج».

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 380

أما غير المقدسى من بلدانيى القرون الوسطى، فلم يذكروا هذا الموضع الا بكونه مرحلة فى الطريق. و لم يذكروا الاسم «لاش».

و فى نحو نصف المسافة بين جوين و زرنج، يعبر الطريق أكبر فروع هيلمند على قنطرة. و على بضعة فراسخ جنوبها، المدينة الجليلة كركويه كانت هذه المدينة على مرحلة شمال زرنج، و باسمها على ما بيّنا، سميّ باب زرنج الشمالى. و كان أهل كركويه من الخوارج على ما ذكر ياقوت. و فى كركويه بيت نار معظّم عند المجوس. و أسهب القزوينى، و قد كتب فى ختام المئة السابعة (الثالثة عشرة) فى صفة هذه البناية. قال «بها قبتان عظيمتان، زعموا انهما من عهد رستم الشديد. و على رأس القبتين قرنان قد جعل ميل كل واحد منهما الى الآخر تشبيها بقرنى الثور، بقاؤهما

من عهد رستم الى زماننا ...

و تحت القبتين بيت نار للمجوس ... و نار هذا البيت لا تطفأ أبدا، و لها خدم يتناوبون فى اشعال النار، يقعد الموسوم بالخدمة على بعد من النار عشرين ذراعا، و يغطى فمه و أنفاسه و يأخذ بكلبتين من فضة عودا من الطرفاء نحو الشبر يقلبه فى النار. و كلما همّ النار بالخبو يلقى خشبة خشبة. و هذا البيت من أعظم بيوت النار عند المجوس». و على شى ء يسير من كركويه، على ثلاثة فراسخ من زرنج، كانت مدينة كرنك. و قال ياقوت ان بعضهم يسميها كرون و هى ما زالت الى يومنا تعرف بهذا الاسم. و زاد ياقوت على ذلك انها «بليدة نزهة كثيرة الخيرات، و أهلها كلهم خوارج، حاكة» .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 381

أ ما نهر خاش، أو خواش، أو خواش ، فانه يقع فى بحيرة زره بين نهر فره و هيلمند. و قد سماه ابن حوقل نهر نيشك. و نيشك اسم الناحية العامرة فى شرق زرنج، و بها سمى، على ما ذكرنا، الباب الشرقى فى العاصمة زرنج. و مخرج هذا النهر فى جبال الغور أيضا. و مدينة خواش راكبة عليه، و هى على نحو مرحلة من زرنج. و ذكر ابن حوقل ان مدينة خواش أكبر مدن هذه الناحية، بها نخيل و أشجار. و حين كتب ياقوت، صار اسمها يلفظ بصورة خاش، على ما هو اليوم. و أجل مدينة فى هذه الناحية، و ان كانت

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 382

أصغر من خواش، مدينة قرنين أو القرنين. و هى موطن آل الصفار يعقوب و عمرو ابني الليث الصفار المشهور. و كانت

قرنين فى المفازة فى شمال غربى خواش، على مرحلة منها فى الطريق الذاهب الى فره. و فيها، على ما ذكر ابن خرداذبه، «أثر مربط فرس رستم». و تكلم المقدسى على قرنين فقال: هى صغيرة و عليها حصن و لها نهر و بها جامع و لها ربض. و أشار المستوفى اليها أيضا و قال: يكثر فى رساتيقها الخصبة القمح و الفواكه.

و فى نصف الطريق بين قرنين و فره، مدينة جزه الصغيرة و هى نحو قرنين سعة. ذكر ابن حوقل انها تشتمل «على قرى و رساتيق، و هى خصبة، و ماؤهم من قنى لهم، و أبنيتهم أيضا من طين». و ذكر ياقوت ان أهلها فى أيامه كانوا يقولون لها كزه. و يقال للناحية التى تحف بنهر خواش: نيشك، و كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) كثيرة السكان، على ما بيّنا. و حرورى، «قرية عامرة سلطانية» و هى ما زالت قائمة على ضفة النهر أسفل خواش حيث يعبر الطريق الآتى من بست نهر خواش على قنطرة آجر. و كانت قرية سروزن المرحلة التالية لها فى طريق زرنج. و بين هاتين القريتين زانبوق، و هى قرية عليها حصن منيع قال المقدسى انها نحو جوين سعة.

و على مسيرة يوم شمال زرنج، مدينة الطاق الجليلة، و لم تعين كتب المسالك موضعها الصحيح. قال المقدسى: «الطاق صغيرة كثيرة الاعناب واسعة الرستاق». و ذكر ابو الفداء فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، نقلا عن ابن سعيد، و قد سماها حصن الطاق: «هو على جبل مرتفع عند التواء النهر» (أى نهر هيلمند)، و عنده ينعطف النهر غربا بعد أن تتفرع منه الانهار الجارية الى زرنج فيقع فى بحيرة زره. و قد جاء ذكر هذا الحصن مع

قلعة زره (أو حصار زره) فى جملة المدن التى استولى عليها تيمورلنك قبيل هجومه على زرنج. و فى أخبار الفتوح الاسلامية الاولى، جاء ذكر قلعة أخرى فى هذه الانحاء، هى زالق، قيل انها على خمسة فراسخ من كركويه و من زرنج. و لا يعرف عنها شى ء غير ذلك. و لم يرد لها ذكر فيما بعد .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 383

أما بست، فانها على نحو خط عرض زرنج. و الطريق من زرنج يأخذ شرقا مارا بحرورى، على ما بيّنا، و يقطع المفازة. اما مجرى هيلمند، فانه يضاعف المسافة اذ يلتوى التواء نصف دائرى باتجاه الجنوب، و فى منتصف امتداد مجراه تقوم مدينة رودبار. و قد ذكر البلاذرى هذا الموضع على ما يظهر فى أيام الفتوحات الاسلامية الاولى، فتكلم على مدينة يقال لها الروذبار فى سجستان، فى طريق قندهار و بالقرب من الروذبار هذه، كانت كش (أو كس).

و يبدو انها هى الموضع المعروف اليوم باسم كاج أو كهيج. و لم يذكر البلدانيون العرب الروذبار الا عرضا، و لعلها تطابق روذبار التى وصفها الاصطخرى و قال انها من أعمال فيروز قند قرب بست. «و أكثر غلاتها الملح، و لهم مع ذلك زروع و فواكه و مياه جارية». و فى هذه الانحاء موضع آخر هو الزالقان، و تكتب أيضا الصالقان أو الجهالكان. وصفها ابن حوقل بكونها من بست على مرحلة واحدة، و لكنه لم يذكر فى أى اتجاه هى منها. و لم يرد هذا الاسم فى كتب المسالك. و كانت مدينة «أكثر أهلها حاكة، و بها فواكه و نخيل و زروع، و ماؤهم أنهار جارية» و كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) نحوا من القرنين

فى الكبر.

و بست (أو بست) على نهر هيلمند، عند ملتقى النهر الآتى من ناحية قندهار معه. و قد كانت دائما موضعا جليلا. قال الاصطخرى «على باب بست، جسر من السفن كما يكون على أنهار العراق» و عليه يعبر الطريق الآتى من زرنج. و كانت بست فى المئة الرابعة (العاشرة) ثانية المدن الجليلة فى سجستان. «و زيّ أهلها زي أهل العراق، و بها متاجر الى بلد الهند، و بها نخيل و أعناب، و هى خصبة جدا». و كانت بست تعد أجل مدن البلاد الجبلية فى شرق سجستان التى تشتمل على الناحيتين الكبيرتين: زمين داور و رخج. قال المقدسى ان حول بست و قلعتها أرباضا كبيرة على فرسخ فوق ملتقى نهر خردروى (نهر أرگنداب الحالى) بهيرمند (هيلمند). و لها جامع حسن

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 384

و أسواق عامرة. «و على نصف فرسخ من نحو غزنين (غزنة)، مدينة صغيرة تسمى العسكر، ينزلها السلطان» و قال ياقوت فى المئة السابعة (الثالثة عشرة)، ان الخراب فى بست ظاهر، و نوّه بانها «من البلاد الحارة المزاج، و هى كثيرة الانهار و البساتين». و فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة) أوقع تيمور بها و بما جاورها، الدمار حين زحفه اليها من زرنج، و خرّب فى طريقه أحد السكور العظيمة فى هيلمند المسمى بند رستم، و كان هذا السكر يسكر المياه التى تسقي الرساتيق فى غرب سيستان .

و ما زال الوادى العريض الذى يجرى فيه نهر هيلمند منحدرا من جبال هندوكش الى بست، يعرف باسم زمين داور، و هو الاسم الذى أطلقه البلدانيون العرب على ناحيته. و هذه هى التسمية الفارسية، و يقابلها بالعربية أرض الداور أو بلد الداور.

و معنى هاتين التسميتين واحد، هو أرض الأبواب أى دروب الجبال. و كانت هذه البلاد فى القرون الوسطى خصبة عامرة كثيرة السكان، بها أربع مدن جليلة، هى درتل و درغش و بغنين و شروان. و لها قرى و رساتيق عديدة. و أكبر مدن هذه الناحية درتل أو تل، على ما كتب الاصطخرى اسمها. و الظاهر انه يطابق المدينة التى وصفها المقدسى باسم الداور و قال «الداور: كبيرة طيبة و هى ثغر جليل عليها حراس مرتبون» اذ كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) على حد جبال الغور و هى عند ضفة نهر هيلمند على ثلاث مراحل فوق بست. و ورد فى أخبار الفتوحات الاسلامية الاولى، ان بالقرب منها جبل الزور حيث الصنم العظيم المسمى زور أو زون. و قد غنمه العرب. و كان هذا الصنم كله من ذهب و عيناه مرصعتان بياقوت.

و مدينة درغش، على هيلمند فى الضفة التى عليها درتل، و هى أعلى منها بمرحلة. أما بغنين، فكانت على مرحلة من غرب درتل فى البلاد التى تسكنها القبائل التركية المعروفة بالبشلنك. و تقيم بينهم قبيلة الخلج. و قد هاجرت

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 385

قبائل الخلج هذه بعد ذلك نحو الغرب، الا ان ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة)، وصفهم بقوله انهم من بلد الداور «على خلق الاتراك و زيّهم و لباسهم». و فى زمين داور مدينة خامسة هى خواش (و اسمها كاسم الموضع الذى على نهر خواش، و قد مرّ ذكره). قال الاصطخرى انها بلد لا سور عليه، و بها قلعة. و مما يؤسف عليه ان موضعها لم تذكره المراجع، غير ان بعضهم عدّها من أعمال كابل.

و بين بست و درتل، على

مرحلة جنوب المدينة الاخيرة، سروان أو شروان و لم تكن على نهر هيلمند على ما يظهر، قال فيها ابن حوقل: مدينة صغيرة نحو القرنين، الا انها أعمر و أكثر أهلا، و بها فواكه واسعة تحمل، و نخيل و كروم تجلب منها و تنقل من رساتيقها و من فيروز قند. و هذه الاخيرة جنوب ناحية شروان. و على مرحلة من شرق بست .

و رستاق رخّج، يتألف مما حول قندهار من بلاد، و هو فى شرق بست بامتداد ضفاف النهرين المعروفين اليوم ب «ترنك» و «أرگنداب». و كانت قاعدة رخج فى العصور الوسطى: بنجواى. و هى الصيغة العربية ل «پنج واى» (أى الانهار الخمسة). و ما زال هذا الاسم يطلق على الناحية غرب قندهار قرب التقاء نهرى ترنك و ارگنداب. و قد كانت بلاد رخج على غاية الرفاهة و الخصب و السعة فى القرون الوسطى. «و عامتها صواف يرتفع لبيت المال منها مال عظيم جسيم». و من الصعب تعيين موضع پنجواى، فقد كانت على طريق بست على اربع مراحل منها، و عندها كانت تتشعب الطريق: طريق يتجه شمالا فيصل غزنة فى اثنتى عشرة مرحلة. و طريق آخر الى الشرق يبلغ سيبى فى ست مراحل. و لعلها لم تكن بعيدة عن قندهار. غير ان المسافة بين المدينتين لم تذكرها المراجع. و على مرحلة من غرب پنجواى، قلعة كوهك (أى الجبيل).

و حول القلعة المدينة. و كانت پنجواى نفسها منيعة، و بها جامع حسن. و شرب

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 386

أهلها من نهر.

و على مرحلة من هذا الموضع فى طريق سيبى، مدينة بكراواذ (عوضا عن بكر اباد، و قد أشار اليها الاصطخرى و ابن حوقل باسم

تكى ناباذ، و لعل ذلك من و هم النساخ). و هى «مدينة كبيرة، الجامع فى السوق». و كانت على نهر يلتقى بنهر قندهار.

أما مدينة قندهار (أو القندهار) فقد ذكرت غير مرة فى أخبار الفتوح الاسلامية الاولى، فى جملة المواضع القريبة من حدود الهند. و أشار البلاذرى الى ان المسلمين و صلوها من سجستان بعد أن اجتازوا المفازة، ثم اتوا المدينة فى السفن من ناحية النهر ففتحوها و كسروا البد العظيم، و قد كان و لا شك تمثالا لبوذا. و بعد الفتوحات، لم يرد اسم قندهار الا عرضا فى المقدسى و ابن رسته و اليعقوبى، و ذكروها انها فى الهند أو على حدود الهند. و لم يوصلنا أحد من أصحاب المسالك الى قندهار يا للأسف. و لا ذكر لهذا الاسم فى الاصطخرى و ابن حوقل فى سياق كلامهما على هذا الاقليم. و ربما تكون پنجواى قد حلت محلها فى صدر القرون الوسطى. اذ ان ياقوت الحموى، لم يأتنا بوصف لها، و برز اسمها ثانية فى التاريخ عند الكلام على تخريب المغول لها فى النصف الاول من المئة السابعة (الثالثة عشرة) ثم تدمير تيمور لها فى ختام المئة التى تليها .

و كانت ناحية سيبى، تعرف لدى البلدانيين العرب باسم بالس، و يقال لها أيضا بالش أو و الشتان. و قاعدتها، على ما فى الاصطخرى: سيبى، و كتبت أيضا سيوي أو سيوى. و لكن الوالى كان يقيم عادة فى القصر، (أى القلعة).

و القصر بلدة صغيرة على فرسخ من أسفنجاى أو سفنجاوى، و هى ثانية مدن هذه الناحية، و لم يعين موضعها الصحيح و لكنها كانت على مرحلتين شمال سيبى فى طريق پنجواى رخج. أما مدينة مستنك أو مستنج

فقد ذكرها أيضا الاصطخرى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 387

و المقدسى و قال الاخير ان فى هذه الناحية الفين و مئتى قرية. و لكن لم ينته الينا وصف لأى موضع من هذه المواضع .

و غزنة أو غزنين، اشتهرت فى التاريخ فى ختام المئة الرابعة (مطلع المئة الحادية عشرة) اذ كانت عاصمة السلطان محمود الغزنوى العظيم و قد ساد فى وقت واحد على الهند فى الشرق و بغداد فى الغرب. و لكنه لم ينته الينا يا للأسف وصف واف لغزنة حين جدّد محمود بناءها و زيّنها بما غنمه من غزواته فى الهند. و قد وصف الاصطخرى هذه المدينة قبل هذا الزمن بجيل، فقال انها كالباميان، و لا بساتين لها. و لها نهر «و ليس فى هذه المدن التى فى نواحى بلخ أكثر مالا و تجارة من غزنة، فانها فرضة الهند». و سرد المقدسى أسماء كثير من رساتيقها و قراها و مدنها و معظمها لا يعرف موضعه اليوم. و كتب اسمها بصورة غزنين، بصيغة المثنى، و لكنه لم يشر الى ما يقصده بغزنين و ان استعمل اسم غزنين فى الأزمنة أكثر من غزنة. و زاد المقدسى على ذلك ان البلاد التى ما بين غزنة و كابل كانت تعرف بكابلستان.

جدد السلطان محمود بناء غزنة فى نحو سنة 415 (1024) حين رجوعه الى بلاده محملا بالغنائم من الهند. و بلغت المدينة أوج ازدهارها فى أيامه و استمرت على ذلك نحو نيف و قرن. و قد لقب السلطان علاء الدين الغورى هذه المدينة بجهان سوز، (أى مفسدة العالم)، انتقاما لموت أخيه على يد بهرام شاه الغزنوى، و استولى على غزنة عنوة سنة 544 (1149) ثم أمر بنهب

المدينة و حرقها، فلم يقم لها قائمة بعد هذه الكارثة. و لكن الظاهر ان قبر محمود العظيم فى الجامع قد نجا من هذا الدمار أو قد جدد بناؤه، فقد رآه ابن بطوطة حين كان فى هذا الموضع فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة). و قال ان غزنة فى أيامه معظمها خراب و لم يبق منها الا يسير. و كانت قبل ذلك مدينة كبيرة. و تكلم عليها معاصره المستوفى فقال انها بلدة صغيرة، البرد فيها شديد جدا لعظم ارتفاع موضعها.

و لم يزودنا بوصف ذى وزن لها .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 388

و كان البلدانيون العرب، على ما قد رأينا، يسمون الاقليم الجبلى فى أعالى نهر هيلمند و نهر قندهار، بزابلستان. و هو اسم مبهم الاستعمال، و لكنه فى الغالب يعين البلاد التى حول غزنة. و من جهة ثانية، كانت كابلستان اقليم كابل، و هى أبعد شمالا من غزنة، على حدود الباميان. و هذا هو التقسيم الموجود فى أخبار فتوحات تيمور. و قد وصف اليعقوبى فى المئة الثالثة (التاسعة) مدينة كابل بقوله: «التجار يدخلون اليها و يحملون منها الاهليلج الكابلى الكبار» .

و قال أيضا: «مدينة كابل العظمى، يقال لها جروس». اما الاصطخرى فى المئة التالية، فقد قال ان اسمها طابان. و لكن الظاهر ان اسمها الشائع كان كابل، و أكثر ما كان يطلق، على ناحيتها.

و كان فى كابل قهندز- أى قلعة- مشهور. و على المدينة سور منيع، و لا يؤدى اليها الا طريق واحد، و كانت فرضة لتجارة الهند. «يباع بها من النيل فى كل حول، ما يعمل بقصبتها على ما يذكره تجارهم بألفى ألف دينار و زائد».

و فيها تجارات الهند و الصين الثمينة.

و للمسلمين فى كابل ربض، و مثله لليهود و الوثنيين. و فيها أسواق عامرة كثيرة السلع. و ذكر المقدسى أيضا ان فى قلعتها بئرا عجيبة و ان كابل فى نظره «بلد الهليلج الرفيع». و عدّ كابلستان فى آخر اقليم سجستان. و قال القزوينى فى المئة السابعة (الثالثة عشرة): «يجلب منها

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 389

(أى من كابل) النوق البخاتى، و هى أحسن أنواع الابل» فى أنحاء آسية الوسطى. و ذكر ابن بطوطة مدينة كابل و قد زارها فى المئة التالية، فقال:

«كانت فيما سلف مدينة عظيمة، و بها الآن قرية يسكنها طائفة من الاعاجم يقال لهم الافغان».

و نهر كابل، رافد من روافد نهر الاندس (نهر مهران)، و يتكون من التقاء جدولين ينحدران من جبال هندوكش و هى الجبال التى فى شمال كابل .

و عند منبعه الشرقى جبل الفضة، و قد سماه العرب بنجهير (من بنج- هير أى خمسة جبال، فى لغة تلك البلاد). و منه كان يستخرج مقدار كبير من هذا المعدن الثمين. و صارت بنجهير دارا للضرب فى أيام بنى الصفار فى المئة الثالثة (التاسعة). و كان على دراهمها اسم الخليفة العباسى و لا شك. وصف ابن حوقل مدينة بنجهير بقوله «مدينة على جبل، و تشتمل على نحو عشرة آلاف رجل، و يغلب على أهلها الغبث و اللغب و الفساد». و جارباية، تجاورها على نهر بنجهير أيضا، أى نهر كابل، و كان هذا النهر حين ذاك ينحدر منها الى سهول الهند مارا بفروان و هى مدينة كبيرة لها جامع. و ذكر المقدسى أيضا مدينة شيان، و قال انها من رستاق اسكيمشت «و بها عين عجيبة، و على حافتها مسجد قتيبة بن

مسلم» و هو القائد المشهور فى الفتوح الاسلامية الأولى. و أسهب ياقوت فى حديثه عن جبل الفضة و عن المعدّنين من أهله، و فيهم شرّ، قال:

ان الجبل كان كالغربال من كثرة الحفر. و كان الرجال يتبعون عروق الفضة فى أعماق الارض، مستعينين بالمصابيح، و هم يتسابقون و يتنافسون فى البلوغ اليها. «و الرجل منهم يصبح غنيا و يمسى فقيرا، أو يصبح فقيرا و يمسى غنيا».

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 390

و يتفق أن ينفق الرجل منهم على الحفر ثلاثمئة ألف درهم (12 ألف پاون) .

و قد خرب جنكيزخان هذا الموضع. و حين زارها ابن بطوطة فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) و تكلم على نهر پنجهير العظيم الأزرق، لم يشاهد هناك من مناجم الفضة الا بقايا الحفر القديمة.

أما تجارات سجستان، فقليلة. و ما ذكره المقدسى منها: «التمور و الزنابيل و الحبال من الليف و الحصر» .

اما المسالك فى سجستان، فكلها تجتمع فى زرنج، فاليها ينتهى طريق المفازة من نرماسير مارا بسنيج و قد جاء وصفه فى الفصل السابق. و من زرنج يتجه طريق نحو الشمال قاصدا هراة مارا بكركويه و منها يعبر جسرا على نهر هيلمند الى جوين و هى على نهر فره. و من جوين يصل طريق الى فره يصعد مع النهر و يعبر النهر على قنطرة فره (و قد ذكرها فى الصفحة 379). و ما وراءها مدينة فره نفسها. و على ثلاث مراحل شمال فره مدينة أسفزار (أو سبزوار هراة) أولى مدن خراسان. و لم تنته الينا يا للأسف مسافات هذا الطريق بالفراسخ، بل وصلنا ما فيه من مراحل الايام. و أوثق مراجعنا فيها: الاصطخرى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد،

النص، ص: 391

و ابن حوقل . و الى ذلك، فيشك فى تهجئة أسماء كثير من المحطات.

و من زرنج يتجه الطريق شرقا الى حرورى على نهر خواش، و منها يقطع المفازة بخط مستقيم فيبلغ مدينة بست فى خمس مراحل. و عند بست تنقسم الطرق: طريق يذهب الى بلاد زمين داور فى أعالى هيلمند، و طريق الى پنجواى رخج فى انحاء قندهار. و عند پنجواى تنقسم الطرق ثانية: طريق يأخذ الى الشمال الشرقى الى غزنة، و طريق ثان الى سيبى مارا ببلدة يقال لها أسفنجاى.

و مما يلاحظ، ان المسافات فى هذه الطرق قد جاءت أيضا بالمراحل فقط. و ان كثيرا من أسماء المراحل يشك جدا فى قراءته .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 392

الفصل الخامس و العشرون قوهستان

اقليم قوهستان، هو تونوكاين(Tunocain) لدى ماركوبولو- قاين و تون- ترشيز و رستاق بشت: سروة زرادشت العظيمة- زاوة- بوزجان و اقليم زم- رستاق باخرز و مالن- خواف- زير كوه- دشت بياض- كناباد و بجستان- طبس التمر- خوست أو خوسف برجند و مومناباد- طبس مسينان، و دره.

عدّ البلدانيون العرب اقليم قوهستان، من أعمال خراسان كسجستان.

و قوهستان معناه بلاد الجبل. و انما سمى هذا الاقليم بذلك، لطبيعة أرضه.

فالجبال فيه تضادد السهول فى اقليم سجستان، الذى فى شرق قوهستان على دلتا هيلمند. و أشار ابن حوقل الى ان أكثر مدن قوهستان صرودية و ان النخيل لا ينمو الا فى طبس گيلكى عند حافة المفازة الكبرى. و كان «يسكنها فى المئة الرابعة (العاشرة) الأكراد و أصحاب السوائم من الابل و الغنم». و لا ريب فى ان هذا الاقليم يطابق «مملكة تونوكاين» التى ذكرها ماركوپولو. و قد ركّب اسمها من اسمي مدينتيها الكبيرتين: «تون» و «قاين»،

و يريد به البلاد كلها .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 393

و أجلّ مدن قوهستان: قاين. قال فيها ابن حوقل: «لها قهندز، و عليه خندق، و مسجد جامع و دار الامارة فى القهندز. و ماؤهم من القنى، و بساتينهم قليلة، و قراها متفرقة، و هى ناحية من الصرود». و لقاين ثلاثة أبواب، و هى فرضة خراسان. و ذكر ابن حوقل «فى حد قاين منها، على مسيرة يومين مما يلى نيسابور، الطين النجاحى الذى يحمل الى الآفاق للأكل» و زار ناصر خسرو مدينة قاين سنة 444 (1052) و وصف المدينة الداخلة و قال هى قلعة حصينة، و بها مسجد جامع به مقصورة عليها عقد عظيم لم أر أكبر منه فى خراسان.

و على جميع بيوت المدينة قباب. و أهم ما نوه به المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) موقع قاين المركزى بين المدن. فهى حسب قوله على عشرين فرسخا من كل مدينة جليلة من مدن قوهستان. و كانت مدينة حسنة، و شرب أهلها فى البيوت من قنى، و لها سراديب تتخذ فى أيام القيظ. و تبكر أثمارها فى النضج و تجنى محاصيلها قبل غيرها. و يكثر فيها القمح و الفواكه و لا سيما الزعفران.

و تجود المواشى فى مراعيها لكثرة عشبها. و زاد المستوفى على ذلك ان أهلها شديد و السمرة.

أما مدينة تون، فهى على نيف و خمسين ميلا من غربى قاين الى شمالها قليلا.

قال المقدسى فيها، انها عامرة آهلة، أصغر من قاين، عليها حصن و لها جامع حسن، و أكثر أهلها حاكة. و أطرى ناصر خسرو سجادها، و كان بها اربعمئة نول لعمل السجاد حينذاك و لما رآها كان الخراب غالبا عليها، أما حصنها

فكان ما زال باقيا. و فى أرباضها الشرقية بساتين كثيرة حسنة، وافرة الفستق. و قال المستوفى، ان تون أول ما بنيت، بنيت على غرار مدينة صينية، و لكنه لم يوضح أمر ذلك. و تكلم على قلعتها العظيمة و خندقها الجاف العميق. و كان يحف بالقلعة شوارع و أسواق المدينة الخارجة. و رساتيقها وافرة الخيرات لأن أهلها، على ما ذكر، يحذقون بناء السدود (البند) فيجمعون عندها مياه الأمطار و يحبسونها، و كانوا ينتجون من أراضيهم البطيخ و هو مشهور بحلاوة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 394

طعمه. و يكثر عندهم القمح و الفواكه. و تغلّ كثيرا من الحرير لأن هواء تون معتدل، و قنيّها عديدة .

و فى شمال غربى قوهستان، رستاق بشت أو پوشت، أو بشت العرب.

و أجل مدنه: ترشيز و كندر . و قد ذكر البلدانيون العرب اسمها القديم بصورة طريثيث و طرثيث ثم كتبت ترشيش و ترشيس. و عرفت أحيانا بحومة نيساپور.

و قال ابن حوقل ان ترشيز كثيرة الأهل و الخير. و كان فى رستاق بشت سبع مدن أخرى حوقل ان ترشيز كثيرة الأهل و الخير. و كان فى رستاق بشت سبع مدن أخرى فيها مساجد جامعة. و وصف المقدسى جامع ترشيز بقوله «بها جامع ليس بعد جامع دمشق أغنى منه، و عند بابه حوض للماء مدّور» و بها أسواق عامرة فكانت خزانة خراسان، و منها تحمل التجارات الى فارس و اصفهان و منهما اليها.

و كانت مدينة كندر القريبة منها، فى نحو ترشيز خيرات و غنى، و فى رستاقها 226 قرية كبيرة.

و ذكر ابن الاثير انه فى سنة 520 (1126)، حاصر وزير السلطان سنجر السلجوقى مدينة ترشيز و نهبها، و هى التى

أصبحت بعدئذ من مدن الاسماعيلية أى الحشيشية. فان «شيخ الجبل» استولى على أكثر الاماكن الحصينة فى جوارها و بنى كثيرا من القلاع لارهاب هذه الانحاء من قوهستان. و قد جعل ياقوت قدوم الاسماعيلية الى هذه المواضع فى سنة 530 (1136) و روى ان رئيس هذه الناحية، استمد الاتراك لنصرته، لردّ الملاحدة، و هم الاسماعيلية، فرأى ثقل و طأة الاتراك و قلة غنائهم، و لم تكن همتهم صادقة فى دفع العدو، و انما كان قصدهم تحصيل ما يحصلونه مما ألحق الدمار بترشيز. و فى منتصف المئة السابعة (الثالثة عشرة)، تمكن هولاكو خان المغولى من القضاء على قوة الاسماعيلية

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 395

و استولت جيوشه فيما يقال على سبعين قلعة من قلاعهم فى اقليم قوهستان. ثم سرعان ما استعادت ترشيز مكانتها حتى ان المستوفى بعد ذلك بقرن، قال انها من أجل مدن قوهستان و ان كان بعضها ما زال خرابا. و ذكر القلاع الاربع المشهورة القريبة منها و هى قلعة بردارود، و قلعة ميكال (أو هيكال)، و مجاهد اباد، و آتشگاه (بيت النار)- و قد كانت كلها و لا ريب من قلاع الاسماعيلية. و نوّه بوفرة قمح ترشيز، و قال انه كان يحمل الى الانحاء الشمالية حول نيسابور.

و فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، كانت ترشيز من القلاع المنيعة التى لا تقتحم لعلو أسوارها، و لكنها ما عتمت ان انهارت أمام تيمور و لم يبق من ترشيز قائما بعد نهبها غير أنقاض. و كان ذلك فى سنة 783 (1381).

و منذ ذلك الحين، اختفى اسم ترشيز من الخارطة .

و ذكر المستوفى، انه ما زالت فى قرية كشمر قرب ترشيز، شجرة السرو المشهورة التى

غرسها زرادشت تخليدا لاعتناق الملك كشتاسب المجوسية.

و قد نمت هذه الشجرة نموا عظيما، حتى أضحت شجرة لم ير مثلها فى عظمها.

و هى، على ما جاء فى الشاهنامه، قد نشأت من غصن أتى به زرادشت من الجنة. و قد كان لهذه السروة من المقدرة شى ء عظيم حتى انها حالت دون وصول ضرر الزلازل الى كشمر. و ذكر القزوينى ان الخليفة المتوكل، أمر بقطع هذه السروة العظيمة فى سنة 247 (861) و حملها قطعا على الجمال عبر فارس لاستعمالها فى بناء قصره الجديد فى سامراء، فقطعت و لم تنفع شفاعة الشافعين و تضرّعهم. و لما وصلت السروة الى ضفاف دجلة كان المتوكل قد لقى حتفه غيلة على يد ابنه .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 396

و الى شرق رستاق ترشيز، رستاق زاوة. و كان رستاق زاوة، أو بعضه، يعرف أيضا باسم رخ و قصبتها بيشك أو مدينة زاوة. و كان اسم رخ حين كتب ياقوت، يلفظ رخ عادة. و فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) اشتهرت زاوة: بكونها مقام الولى المعروف بحيدر كان يلبس اللبّاد و فى الصيف يدخل النار و فى الشتاء يدخل فى وسط الثلج. و اليه تنتسب طائفة الحيدرية من الفقراء (الدراويش).

و كان هذا الشيخ باقيا الى مجئ التتر سنة 617 (1220). ثم عرف باسم الشيخ قطب الدين. و لما زار ابن بطوطة زاوة فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، وصف مريدى الشيخ فقال «يجعلون حلق الحديد فى أيديهم و أعناقهم و آذانهم» و يجعلونها فى أعضاء أخرى من أجسامهم فكان ذلك اظهارا لتقواهم و زهدهم.

و وصف المستوفى زاوة بانها مدينة حسنة تقوم فى ناحية كثيرة الخيرات و من أعمالها خمسون قرية، و

لها قلعة حصينة من اللبن، و سقيها وافر يكثر فيها القمح و القطن و الاعناب و الفواكه و كذلك الحرير. و تكلم أيضا على تربة الشيخ الذى كان مكرما فى زمنه. و زاوة اليوم، هو الاسم الشائع للناحية، أما المدينة فتعرف عادة بتربة الحيدرى. و ما زالت هذه التربة تزار .

و الى شرق رستاق زاوة، فى شمال شرقى قوهستان، قرب نهر هراة: ناحية زام، أو جام و كانت قصبتها فى المئة الرابعة (العاشرة) بوزجان. و كانت مدينة كبيرة، من أعمالها: مئة و ثمانون قرية. و كان الفرس يلفظون بوزجان بصورة بوزكان، و فى الازمنة الحديثة كتبوه پوچكان. و وصفها المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، و قد سماها جام، فقال تقوم فى ناحية عظيمة الخيرات وافرة المياه و الحرير بها كثير لكثرة شجر التوت. و اشتهرت المدينة بكثرة مزاراتها،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 397

فقد دفن فيها كثير من الرجال الصالحين. و ذكر ابن بطوطة أشهرهم و هو الولى الزاهد شهاب الدين أحمد الجامى، و أولاده و أحفاده «و لهم بها نعمة و ثروة». و كان هذا الولى مشهورا حتى ان تيمور، فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة) زار قبره بنفسه. و تعرف المدينة اليوم، و ما زالت موضعا زاهرا، بشيخ جام، و هى اليوم عامرة .

أما ناحية باخرز، أو گواخرز، ففى جنوب جام الى غرب نهر هراة، و عندها يتجه مجراه نحو الشمال. و كانت قصبة باخرز مدينة مالن. و يظهر من المسافات الواردة فى كتب المسالك ان موضعها يطابق مدينة شهر ناو (المدينة الحديثة) الحالية. و كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) مدينة عامرة «و يرتفع منها الحبوب و الزبيب و

ثياب كثيرة». و فسر ياقوت اسم باخرز فقال «اصلها باد هرزه لانها مهب الرياح، و هى باللغة البهلوية، تشتمل على مئة و ثمان و ستين قرية» منها جوذقان. أما المستوفى فقد ذكر اسم قصبتها بصورة مالان.

و أفاض فى ذكر خيراتها و لا سيما بطيخها الطويل و قد كان مشهورا فى انحاء خراسان .

و الى جنوب غربى باخرز، ناحية خواف (و هى خواب قديما) و تكتنف قصبتها المسماة باسمها. و اشتهرت خواف فى المئة الرابعة (العاشرة) بكثرة ما فيها من الزبيب و الرمان. و كانت سلومك، ثم كتبت سلام، أكبر مدن هذه الناحية فى الازمنة الاولى، و من مدنها المهمة أيضا سنجان (أو سنكان) و خرجرد. و قد ذكر ابن حوقل هذه المدينة بصورة خركرد، و كذلك مدينة فركرد (و قد كتبها ياقوت فرجرد أو فلجرد) على مرحلة من شرقها. أما كوسوي أو كوسويه، فكانت أقرب الى نهر هراة شمال فركرد. و كانت كوسويه أكبر هذه المدن الثلاث، و نحو ثلث مدينة بوشنج المجاورة لها فى خراسان، و سنأتى على

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 398

وصفها. و يعدّ كثير من المراجع هذه المدن الثلاث من أعمال اقليم خراسان. و بناء أهل كوسوى من طين. و مع صغر المدينتين الآخريين، فان فيهما بساتين حسنة و مياه كثيرة. و ذكر ياقوت أيضا مدينتى سراوند و لاز، و قال انهما فى زمنه من المدن المهمة فى ناحية خواف، و لا يعرف موضعاهما. و أطرى المستوفى الاعناب و البطيخ و الرمان و التين فى خواف، و قال ان الحرير يكثر فى ناحيتها. و ذكر أن سلام و سنجان و زوزن (أو زوزن) أهم مدنها فى المئة الثامنة

(الرابعة عشرة). و كانت زوزن لما كتب المقدسى، «عامرة كثيرة الحاكة و صنّاع اللبود». و كانت نقطة مهمة فى نظام الطرق، فهى تتصل بقاين و سلام (سلومك) و فرجرد. و سمى ياقوت زوزن «البصرة الصغرى» لكثرة تجارتها، و أشار الى ان فيها بيت نار للمجوس، و من أعمالها مئة و أربع و عشرون قرية .

و ذكر المستوفى، و قد كتب فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، جملة مواضع فى أواسط قوهستان ما زالت ترى فى الخارطة الا ان البلدانيين العرب الاولين لم يذكروها. فقد أشار الى ناحية زير كوه (أى أسفل الجبل) و قال انها كثيرة الخيرات يكثر فيها القمح و القطن و الحرير و يحمل الى سائر البلاد. و ما زالت البلاد الجبلية جنوب زوزن و شرق قاين تعرف بهذا الاسم. و ذكر المستوفى المدن الثلاث المهمة فيها، و هى: شارخس، و إسفد، و إستند و ما زالت الى يومنا. و فى شمال غربى قاين، ناحية كتب اسمها بصورة دشت بياض و معناه السهل الابيض، و ينطق بها الفرس اليوم دشت پياز، و كانت قصبتها مدينة فارس، و قد أطرى المستوفى جوزها و لوزها و قال انها كانت ييلاق، أى مصايف لأهل تون و جناباد.

و تعرف المدينة الاخيرة اليوم باسم گناباد، و هى مدينة كبيرة فى شمال شرقى تون، سماها ابن حوقل ينابذ، و المقدسى جناود، و فيها غير ذلك من

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 399

القراءات. كان بناؤها فى المئة الرابعة (العاشرة) من طين، و من أعمالها سبعون قرية، و ماؤها من القنى. و قال ياقوت انها تسمى گنابذ عوضا عن جنابذ. و قال المستوفى: لها قلعتان كل قلعة على جبل

فى طرف من المدينة، يقال لاحداهما قلعة خواشر و للاخرى قلعة درجان، و كان يرى منهما القرى المجاورة و ما وراءها من المفازة. و نوّه بان الرمل لم يغز بساتين گناباد على نحو ما حدث فى بعض انحاء قوهستان. و ماؤها من قنى، طول تلك القنى فى الغالب أربعة فراسخ، ماؤها من عيون فى سفح الجبل و ذكران مياهها عند رأس العين تجتمع فى آبار يبلغ عمقها أحيانا سبعمئة ذراع. و كان يرتفع منها حرير كبير و قمح و يحمل الى المدن الاخرى. و على ثلاثين ميلا شمال غربى گناباد، و مثلها من شمال تون، المدينة الصغيرة بجستان، و يبدو ان ياقوت الحموى أول من ذكرها و قال انها قرية فى زمنه. و ذكر المستوفى انها تشبه تون، و لم يزد على ذلك .

و قد كانت و ما زالت فى قوهستان، مدينتان يقال لهما «طبس»، و لذلك كثيرا ما ذكرهما البلدانيون العرب بصيغة المثنى، فقالوا طبسين. و الى ذلك، فقد كان أحيانا يطلق خطأ الاسم طبسين (المثنى) على هذه المدينة أو تلك و يراد واحدة منهما، على ان البلدانيين العرب، كان يميزون بين المدينتين، فسموا الواحدة طبس التمر، و الاخرى طبس العنّاب.

و كانت طبس التمر، على شفير المفازة العظمى، و ينتهى اليها كثير مما كان يجتاز المفازة من طرق. و لذلك سماها البلاذرى باب خراسان. و كانت هذه المدينة فى المئة الرابعة (العاشرة)، على ما ذكر ابن حوقل، أصغر من قاين، و عليها حصن، و نخيلها كثير «و هى ناحية جرومية» لانها على حافة المفازة.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 400

و ماؤها من القنى، كثير. و تكلم المقدسى على جامعها اللطيف و

قال «شربهم من حياض تجرى اليها قنى ظاهرة، و رأيت بها حمامات طيبة، و لم أر بقوهستان نهرا جاريا و لا موضعا ذا مشاجر الا طبس، فانى سرت نحو مرحلة كلها قرى و نخيل و قنى».

و قال ناصر خسرو، و قد مرّ بطبس سنة 444 (1052) انها مدينة حسنة عامرة لا سور عليها، و تحفّ بها البساتين و النخيل. و كان يقبض على زمامها بيد من حديد أبو الحسن گيلكى بن محمد- و هو من گيلان- مما أشاع الامن و السلام فى أنحائها، فعرفت بطبس گيلكى نسبة الى هذا الامير المشهور، و كان على ما ذكر ناصر خسرو معروفا بحزمه و عدله. و فى النصف الثانى من المئة الخامسة (الحادية عشرة)، انتقلت طبس الى ايدى الاسماعيلية. و فى سنة 494 (1102 ه) حاصرها الجيش الذى بعثه السلطان سنجر السلجوقى لمقاتلة الحشيشية و خرّب بعض أبنيتها. و سمى ياقوت و المستوفى طبس التمر هذه بطبس گيلكى. و ذكرها المستوفى فى موضعين، و ذلك فى كلامه على المفازة العظمى و فى وصفه قوهستان. و يرتفع من طبس، ما سوى التمور، الليمون و النارنج أكثر من سائر مدن خراسان. و ماؤها كثير من عين، و هو يكفى لادارة رحيين. و كان على طبس حصن منيع، و حولها كثير من القرى .

و على حافة المفازة شمال طبس، فى نصف طريق ترشيز، قرية بن.

و كانت، على ما ذكر ابن حوقل، عامرة و فيها نحو من خمسمئة رجل. و الظاهر ان هذا الموضع يطابق أفريدون، المرحلة التى ذكرها ابن خرداذبه. و يبدو ان ابن حوقل ذكر فى مسالكه قرية أخرى و قال انها «بن» أخرى. و يؤخذ مما أورده من مسافات

ان هاتين المرحلتين ان لم تكونا موضعا واحدا، فهما قريتان متجاورتان باسم واحد. و بن اليوم، تمثلها ده نابند (فلا تلتبس بالمدينة التى فى المفازة ذات الاسم نفسه، و قد مرّ وصفها فى الصفحة 363).

و كانت قرية مهمة، لان عندها يدخل قوهستان أحد طرق المفازة الآتى من

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 401

جرمق .

و على نحو من ثلاثة فراسخ جنوب شرقى طبس، على حافة المفازة، حيث يدخل المفازة طريق شور الآتى من كوه بنان، كانت كري أو كرين. قال البلاذرى انها احدى قلعتى طبس. و هذا قد يسوغ تسمية طبس التمر وحدها بطبسين.

و قد وصف ابن حوقل كرى بأن عندها تتجمع طرق كثيرة، «و هى قرية فيها نحو ألف رجل و لها رستاق كبير». و ذكرها المقدسى باسم كرين و قال انها أصغر من طبس. و من أعمالها قرية الرقة.- و قد كانت على 12 فرسخا من طبس و 20 من تون-. و كانت الرقة حين زارها ناصر خسرو فى سنة 444 (1052) قد صارت مدينة حسنة لها مسجد جامع و حولها بساتين و مياهها وافرة.

و على نحو ثلاث مراحل جنوب شرقى طبس مدينتا خور و خوست، و كانتا مرحلتين ينتهى اليهما الطريقان اللذان يقطعان المفازة من راور و خبيص فى كرمان (أنظر الصفحة 366). و كانت خور، على ما ذكر ابن حوقل، أصغر من طبس، و لها جامع و ماؤها شحيح و لها بساتين قليلة و لم يكن لها حصن على قول المقدسى.

أما خوست، فهى و ان لم يكن فيها مسجد جامع فى المئة الرابعة (العاشرة)، الا انها كانت موضعا ذا شأن. فهى حصينة و لها قلعة، و أبنيتها من طين و

لها بساتين قليلة «و شربهم من القنى، و بمائهم ضيق». و قال المقدسى «هى أكبر و أقل أهلا من تون، قليلة الاشجار». و وراءها، تقوم جبال قوهستان الجرد.

و كتب ياقوت اسمها خطأ بصورة جوسف و هو و هم من الناسخ فى كتابة خوسف، أو خوسب، الحديثة لاسمها. و أول من ذكره المستوفى. و ياقوت، و ان اعترف بانه لم يتحقق ضبط الاسم و قال «و وجدتها فى بعض الكتب هذا، و بعضهم يسميها جوزف، بالزاء»، الا انه ذكرها فى مادة أخرى باسمها الصحيح خوست، حين نقل عن المقدسى. و قد أشرنا الآن، ان المستوفى أول من ذكر اسمها بتهجئته الحديثة، و وصف خوسف بانها بلدة صغيرة و لها قرى «يسقيها نهر، فيكثر فيها

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 402

القمح .

و على نحو من عشرين ميلا شرق خوسف، مدينة برجند، و قد صارت اليوم قصبة قوهستان عوضا عن قاين. و لم يذكر برجند قبل ياقوت، على ما يظهر أحد من البلدانيين العرب. قال ياقوت فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) انها من أحسن قرى الاقليم. و أشار المستوفى اليها فى المئة التالية لها، فقال انها قصبة اقليم جليلة، تحفّ بها الرساتيق و القرى العامرة، و كان يكثر فيها الاعناب و الفواكه الاخرى و الزعفران. و لا يجود فيها القمح. و على مسيرة يوم شرقى برجند، الناحية الجبلية التى ما زالت تعرف بمومناباد- أى بلد المؤمن- قال فيها المستوفى:

عليها حصن منيع و كانت قبلا من قلاع الحشيشية. و لها قرى عامرة كثيرة، أشار المستوفى بوجه خاص الى شاخن و كانت على نهر يقال له فشارود، و هى ما زالت قائمة على مسيرة ثلاثة أيام من

جنوب شرقى قاين .

و على نحو خمسين ميلا من شرق برجند، مدينة طبس الثانية التى عرفها البلدانيون العرب بطبس العنّاب، و سماها الفرس طبس مسينان. و قد وصف ابن حوقل هذه المدينة فى المئة الرابعة (العاشرة) و قال هى «أكبر من ينابذ (گناباد فى شمال غربى قاين)، و لها حصن خراب و لا قهندز لها، و أبنيتها من طين».

و ذكر المقدسى انها كثيرة العنّاب. و قال القزوينى فى المئة السابعة (الثالثة عشرة):

على قلة جبل، بقرب طبس، قرية ايراوة، و لها قلعة حصينة، كثيرة البساتين و الاشجار و المياه. و أشار المستوفى الى أن مياه طبس مسينان تكفى المدينة أيام الجدب سبعين يوما. أما رساتيقها فلا يكفيها ماؤها أكثر من سبعة أيام. و روى انه كانت فيها بئر، فى قاعها مادة سامة، كل من شرب منها صدفة مقدارا ضئيلا، حتى و ان كان بقدر حبة الدخن مات لساعة، و لهذا كان الناس يحكمون سد

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 403

فوهتها. و كان فيها بئر أخرى تبتلع فى الشتاء كل ما اجتمع فيها من ماء. و فى الصيف تسقى رساتيق المدينة كلها دون ان ينضب ماؤها. و فيها بئر ثالثة كل من حدق بباطنها رأى صورة سمكة. و ما زالت هذه المدينة الى اليوم تعرف بطبس مسينان، و هى مدينة جليلة يقال لها أيضا سنى خانه (أى بيت أو منزل السنّة) لان أكثر أهلها اليوم من الافغان السنّة. و على نحو ستين ميلا جنوب طبس العنّاب، قرية دره، و فيها قلعة قديمة تقوم على جبل قريب منها. و الظاهر ان البلدانيين العرب لم يذكروا دره، و أول من نوّه بها المستوفى فقد ذكر ان

قلعة دره من الامكنة المنيعة، فيها عين ماء قد انبطت فى داخل القلعة. و يكثر فيها شجر العنّاب و القمح، و أقل من ذلك الاعناب و الفواكه الأخرى.

أما تجارات قوهستان، فقليلة. أوجز المقدسى ذكرها بقوله: «يرتفع من قوهستان ثياب تشابه النيسابورية، بيض، و بسط و مصليات حسنة» .

أما ما يعرف من المسالك فى قوهستان، فالافضل ان نتكلم عليها فى فصل آت لاتصالها بطرق خراسان. و قد ذكر المقدسى و غيره المسافات بين مدن قوهستان بالمراحل. و لكنه لم يذكر ما بينها من فراسخ. و يظهر ان الطرق المستقيمة فى هذا الاقليم الجبلى قليلة.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 404

الفصل السادس و العشرون قومس و طبرستان و جرجان

اشارة

اقليم قومس- الدامغان- بسطام- بيار- سمنان و خوار- طريق خراسان المار بقومس- اقليم طبرستان أو مازندران- آمل- سارية- جبل دماوند و رساتيق فادوسبان و قارن و روبنج- فيروز كوه و غيرها من القلاع- ناتل و سالوس و ناحية رويان- حصن الطاق و ناحية رستمدار- ممطير و طميسة- كبود جامه و خليج نيم مردان- اقليم كركان أو جرجان- نهر جرجان و نهر اترك- مدينة جرجان و أستراباد- ميناء أبسكون- ناحية دهستان و آخر- مسالك طبرستان و جرجان.

يمتد اقليم قومس الصغير فى محاذاة جبل ألبرز الذى سيأتى وصفه أدناه و تحده من الشمال هذه المرتفعات، و تؤلف أراضيه رقعة ضيقة بين حافة هذه الجبال و بين المفازة الكبرى فى جنوبه. و يقطع طريق خراسان هذا الاقليم من أقصاه الى أقصاه، آتيا من الرى، فى اقليم الجبال، الى نيسابور فى خراسان.

و تقوم أهم مدن اقليم قومس، على امتداد هذا الطريق. و قد بطل اليوم استعمال اسم قومس، و صار معظم الاقليم ضمن حدود خراسان الحديثة. أما

طرفه فى أقصى الغرب، فقد صار ناحية من نواحى الرى أى طهران الحديثة .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 405

و كانت قاعدة الاقليم: دامغان، و كتبها العرب الدامغان. و كثيرا ما أشاروا اليها، على عادتهم، باسم قومس (أى مدينة قومس)، فاقتبست العاصمة اسم اقليمها. و الدامغان، على ما ذكر ابن حوقل، «قليلة الماء، و هى متوسطة العمارة، و يرتفع منها أكسية معروفة تحمل الى الامصار، و هى فاشية فى جميع الارض».

و قال المقدسى ان الدامغان قد خربت أطرافها فى المئة الرابعة (العاشرة) و لكن كان «عليها حصن بثلاثة أبواب: باب الرى و باب خراسان» و لم يذكر اسم الباب الثالث. و قال لهم سوقان: أعلى و أسفل «و الجامع فى الازقة بهيّ نظيف و لهم حياض مثل مرو». و ذكرت جميع المراجع المتأخرة، كثرة رياحها، و قال ياقوت و غيره ان الرياح تهب عليها من واد مجاور لها. فكانت أشجار الدامغان لا تنقطع عن الاهتزاز. و فى المدينة، بناء عظيم من زمن الاكاسرة، يقسم المياه الجارية الى الدامغان على مئة و عشرين نهرا للسقى . و تكثر فى بساتينها الكمثرى الفاخرة. و قال المستوفى ان محيط أسوار دامغان عشرة آلاف خطوة. و قال ياقوت ان على مسيرة يوم من الدامغان (ثلاثة فراسخ، على ما ذكر المستوفى)، فى وسط الجبل، قلعة گرد كوه، و الواقف بالدامغان يراها، و هى من قلاع الحشيشية المشهورة. و قال المستوفى ان هذه القلعة كان يقال لها دزگنبدان (أى القلعة المقبّبة)، و يعرف رستاقها الخصب، بمنصور اباد. و أشار المستوفى أيضا الى معدن الذهب فى جبل كوه زر (جبل الذهب) قرب الدامغان، و لكنه لم يعين موطن الذهب

.

و المدينة الثانية فى الكبر بقومس: بسطام (أو بسطام) و تلفظ اليوم

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 406

بسطام. قال ابن حوقل ان رستاقها أخصب رساتيق الاقليم. و تكثر الفواكه فى بساتينها. و أشار المقدسى الى جامعها فقال «ظريفة، الجامع كأنه حصن، فى وسط الاسواق». و يظهر ان ناصر خسرو، و قد زارها فى سنة 438 (1046)، عدّها قصبة الاقليم، اذ سماها مدينة قومس. و أشار الى قبر مشهور فيها للصوفى العظيم الشيخ ابى يزيد المعروف ببايزيد البسطامى و قد توفى و دفن فيها سنة 260 (874). و ما زال قبره مكرما فى يومنا. و أطرى ياقوت تفاح بسطام اطراء عارف به. و قال «و على تل بازائها، قصر مفرط السعة، عليه سور، و يقال انه من بناء سابور ذى الاكتاف (سابور الثانى)». و أشار ياقوت أيضا الى أسواق المدينة و كثرة نعمها. و ذكر ابن بطوطة عنها، و قد زارها فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، مثل ذلك و أشار الى القبة التى فوق قبر الشيخ الصوفى .

و على أربعة فراسخ من بسطام، فى الطريق الذاهب الى استراباد: مدينة خرقان، و قد كانت موضعا ذا شأن فى المئتين السابعة و الثامنة (الثالثة عشرة و الرابعة عشرة). قال المستوفى انها كالقرية، هواؤها طيب، و ماؤها كثير، و فيها قبر الولى ابى الحسن الخرقانى المشهور. و على نحو من خمسين ميلا جنوب شرقى بسطام، عند شفير المفازة الكبرى، المدينة الصغيرة بيار، و يقال لها اليوم بيار جمند. وصفها المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة) فقال انها مدينة صغيرة ليس بها مسجد جامع، و فيها حصن، و أسواق عامرة، و مزارعها خصبة. و تكثر فى بساتينها الكروم

و الثمار. «و هى معدن الابل و الأسمان و الأغنام». و فى حصنها الداخل مسجد، و على المدينة حصن له ثلاثة أبواب حديد، و فيه باب

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 407

واحد الى الحصن الداخل .

و قال المستوفى ان هواءها طيب معتدل، و فيها قمح جيد. و فى أقل من نصف الطريق بين الدامغان و الرى، مدينة سمنان أو سمنان، على طريق خراسان. قال المقدسى بها جامع لطيف فى السوق، و حياض للماء عظيمة. و قال المستوفى ان فستق سمنان مشهور، و تكثر فيها صنوف الفواكه. و ذكر أيضا أهوان، و قال انها مدينة صغيرة بين سمنان و الدامغان، فيها قبور للصالحين، و يكثر فيها القمح و الفواكه .

و خوار، أبعد مدن قومس غربا، على طريق خراسان، و أهم مدينة فى شرق الرى، و قد كتبها العرب: الخوار. قال ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) ان مدينة خوار «مدينة لطيفة صغيرة، نحو ربع ميل، و هى عامرة ... و فيها ماء جار يخرج من ناحية دنباوند (جبل دماوند)»، و زاد على ذلك قوله «و خوار، أشدّ تلك النواحى (أى قومس) بردا ... و لها ضياع و رساتيق». و قال القزوينى فى خوار «بها قطن كثير، يحمل منها الى سائر البلاد». و ذكر المستوفى انها مشهورة بالقمح و الشلتوك، و هو الرز الشلب.

و سميت هذه المدينة خوار الري، تمييزا لها عن خوار التى فى فارس (أنظر ص 315)، و بهذه التسمية جاءت فى أخبار حروب تيمور. و ذكر المستوفى، ان خوار هذه كان يقال لها أيضا بالفارسية محلة باغ، أى محلة البستان.

و ذكر المقدسى تجارات قومس، فقال: «لهم المناديل البيض من القطن المعلمة،

صغار و كبار، و سواذج و محشّاة، ربما يبلغ المنديل منها ألفى درهم

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 408

(نحو ثمانين باونا). و لهم أيضا أكسية (من الصوف) و طيالسة (للرأس)» .

و اقليم قومس، كان يخترق طوله كله طريق خراسان العظيم، على ما بيّنا.

و قد أجمعت على ذلك كتب المسالك من ابن خرداذبه الى المستوفى. فاذا غادر هذا الطريق مدينة الرى، وصل خوار فى ثلاث مراحل. يليها بمرحلة، قصر أو قرية الملح، و يقال لها بالفارسية ده نمك على ما فى المستوفى، و هو اسمها اليوم.

و المرحلة التالية، على ما فى كتب المسالك كلها، كانت رأس الكلب، و لا يرى هذا الاسم الآن فى الخارطة، و لكن موضعه حيث قلعة لاسگرد العجيبة (و لا أثر لهذا الاسم فيما كتبه بلدانيون القرون الوسطى). و هذه القلعة اليوم تتوّج جرفا جبليا يشرف على المفازة. و تليها، بعد مرحلة طويلة: سمنان. و الى شرقها، على مرحلة طويلة أيضا: الدامغان (و هى التى ذكرتها كتب المسالك القديمة باسم قومس). و على مرحلة مما يلى الدامغان، كانت الحدّادة و قد جاءت فى المستوفى باسم مهمان دوست (أى الضيف الصديق). و منها الى بسطام مسيرة يوم. أما اذا سلك الطريق الأسفل، فالمرحلة عند محطة البريد التى على فرسخين من المدينة، و قد كانت و ما زالت تعرف بقرية بذش، و منها تدخل اقليم خراسان فتسلك طريق البريد الى نيسابور. و جاء فى المقدسى، ان الطريق من بسطام الى بيار يقطع فى ثلاثة أيام. و من بيار كان يقطع المفازة مسافة 25 فرسخا و يرجع غربا الى الدامغان .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 409

طبرستان أى مازندران

كانت منطقة

الجبال العالية- و يتألف معظمها مما يعرف اليوم بجبال ألبرز الممتدة فى حذاء الساحل الجنوبى لبحر قزوين، مما فى شرق قومس و شمالها- تعرف لدى البلدانيين العرب الاولين بطبرستان. و «طبر» فى لغة تلك البلاد معناها «الجبل». فطبرستان، تعنى «بلاد الجبل».

و فى المئة السابعة (الثالثة عشرة)، أى فى نحو من زمن الفتوحات المغولية، بطل استعمال اسم طبرستان، على ما يظهر، و حلّ محله مازندران. و منذ ذلك الحين أصبح مازندران الاسم الشائع لهذا الاقليم. و ربما شمل اسم مازندران أيضا اقليم جرجان المجاور له. و نوّه ياقوت، و هو أول من ذكر اسم مازندران، بانه لا يدرى متى أخذ بهذه التسمية. و مع انه لم يعثر عليه فى الكتب السالفة، فانه كان شائع الاستعمال فى جميع أنحاء البلاد. و قد كان الاسمان: طبرستان و مازندران فى تلك الايام مترادفين فى واقع الامر. و لكن بينما كان الاسم الاول يطلق على الجبال العالية بوجه خاص، و يشمل بصورة ثانوية الرقعة الضيقة من الارض الخفيضة المحاذية للبحر، الممتدة من دلتا سفيد رود الى جنوب شرقى بحر قزوين، ظهر اسم مازندران أول مرة دالا فى بادئ أمره على هذه الاراضى الخفيضة فقط. ثم شمل المنطقة الجبلية أيضا. و لا يستعمل اليوم اسم طبرستان.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 410

و فى صدر أيام الخلافة، لم يكن لهذا الاقليم من الوجهة السياسية الا بعض الشأن. فقد كان فى الواقع، آخر جزء من أجزاء الدولة الساسانية قبل بالاسلام دينا. و ظل ملوكه من أهل البلاد- و يعرفون باصفهبذ أو اصبهبذ طبرستان نيفا و قرنا من الزمان بعد فتح العرب بقية بلاد فارس مستقلين فى بلادهم الجبلية، يضربون نقودهم

و عليها الرموز الفهلوية حتى منتصف المئة الثانية (الثامنة).

كما ظل الدين المجوسى يهيمن على غابات الجبال العظيمة و غياضها. و كانت غلات هذا الاقليم فى المئة الرابعة (العاشرة)، على ما ذكر المقدسى: الثوم و الرز و القنب و طير الماء و الاسماك. فان هذا الاقليم غزير الامطار، بخلاف بقية بلاد ايران.

و بعد ذلك الزمن، ذكر القزوينى ان أهلها «يتعانون تربية دود القز، فيرتفع منها الابريسم الكثير، و يحمل الى سائر البلاد». و تعمل فيها أكسية الصوف و السجاد و الميازر و المناديل الرفيعة و الثياب. «و بها الخشب الخلنج، يتخذ منه الظروف و الآلات و الاطباق و القصاع». «و أكثر أبنيتها الخشب و القصب» على ما ذكر ابن حوقل. و قال أيضا هو اقليم كثير الامطار، و ربما اتصل المطر فى الصيف و الشتاء، فجعلوا سطوح بيوتهم مسنمة بالقراميد» .

و كانت قصبة طبرستان فى العصر العباسى الأخير: آمل. و ان أقام الطاهريون، فى المئة الثالثة (التاسعة) فى مدينة سارية. و كانت آمل، على ما ذكر ابن حوقل، أكبر من قزوين و ليس فى نواحيها أعمر منها. و قال المقدسى بها بيمارستان و جامعان، العتيق فى طرف الاسواق، بين الاشجار. و الآخر بقربه، قرب سور المدينة. و فى كل جامع رواق عظيم. و تجارات آمل كثيرة، يكثر فيها الرز، و لها نهر كبير يشق المدينة و يسقى المزارع. و لم يزد ياقوت على وصف المقدسى شيئا. الا ان المستوفى أشار الى حرها و وخامة هوائها، و قال تكثر فيها التمور و الاعناب و الجوز و النارنج و الاترنج و الليمون، و لطيوبها و عطورها شهرة واسعة فى سائر البلاد. و كانت فرضة آمل تقوم حيث يقع

نهرها فى بحر قزوين، و هى بلدة صغيرة يقال لها عين الهم، و قد كتب ياقوت اسمها

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 411

بصورة أهلم و قال انها ليست بالكبيرة. و قد خرّب تيمور مدينة آمل فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة) و أمر بنقض قلاع ماهانه سر الثلاث، و كانت هذه القلاع على أربعة فراسخ من المدينة بازاء ساحل البحر.

و كانت قصبة طبرستان الثانية، و هى القديمة، مدينة سارية، و يقال لها اليوم سارى، فى شرق آمل. قال المقدسى ان سارية عامرة فيها ثياب فاخرة و أسواق، و هى حصينة، حولها خندق، و لها جامع فيه نارنجة، و فى قنطرة الجسر تينة ظاهرة و جسورها مشهورة. و لم ينته الينا الا شى ء قليل عن سارية فى أواخر أيامها، فقد عانت كثيرا من الأذى فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) خلال الفتح المغولي. و كانت حين كتب المستوفى خرابا يبابا. غير ان رساتيقها كانت كثيرة الاعناب و القمح، و بها الحرير لكثرة ما يربى فيها من دود القز .

و يهيمن جبل دماوند العظيم على أنحاء طبرستان كلها، و ترى قممه التى لا يفارقها الثلج من سهول بلاد ايران التى تبعد مئة ميل أو أكثر عن جنوب طهران. بل قال المستوفى انها ترى من مسافة مئة فرسخ، و أشار الى أن قممه لا تفارقها الثلوج. و جبل دنباوند على ما كتب اسمه البلدانيون القدماء، تعدّه الاساطير الفارسية موطن سيمرغ، الطير الخرافى الذى ربّى زال أبا رستم و حاماه. و حكى المستوفى كثيرا من القصص الخيالية عن هذا البطل القومى.

و قال ابن حوقل، ان هذا الجبل العظيم يرى من قرب ساوه «و هو فى وسط جبال

يعلو فوقها كالقبة، و لم أسمع ان أحدا ارتقاه الى أعلاه». و زاد على ذلك «و يرتفع من قلته دخان دائم، الدهر كله». «و يتحدث فى خرافات الفرس، ان السحرة من جميع أقطار الارض، تأوى اليه و ان الضحاك (زهاك، طاغية بلاد ايران القديم) حيّ فى هذا الجبل».

و سميت باسم دماوند، بلدة صغيرة تقوم على قلله الجنوبية، قال المستوفى انها تعرف بپشيان أيضا؛ كما سميت به الناحية الخصبة العريضة الشقة الممتدة حول سفوحه. و كان فى هذه الناحية، فى المئة الرابعة (العاشرة) مدينة ويمه

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 412

و تجاورها شلنبه. و قد وصفهما ابن حوقل، بقوله: «لهما زروع و مياه و بساتين و أعناب كثيرة». و قال ياقوت، و قد رأى ويمه (أو ويمه)، قد استولى عليها الخراب و ذكر ان قلعة (فيروز كوه ترى منها. و قد زار ياقوت هذه القلعة أيضا. و ذكر المستوفى ان ماءها من ينابيع النهر الذى ينساب الى السهل و يشق خوار الرى فى قومس. و كانت فيروز كوه، من قلاع مازندران التى ذكرت فى جملة ما حاصره تيمور من قلاع و استولى عليه. و فى سفوح دماوند، قلعة أخرى، لا تقل شأنا عن الاولى، هى قلعة أستوناوند، أو أستناباد. قال القزوينى «عمرت منذ ثلاثة الآف سنة، لم يعرف انها أخذت قهرا»، الى ان ورد التتر سنة 613 (1216) فاستولوا عليها عنوة. و ذكر ياقوت ان هذه القلعة يقال لها جرهد أيضا. و تبعد عشرة فراسخ عن الرى. و قال كانت حصنا للاصبهبد، الملك المجوسى القديم لتلك البلاد، و قد حاصره يحيى البرمكى حتى غلبه و أخذ بناته الى بغداد، احداهن، و اسمها البحرية،

تزوجها الخليفة المنصور و صارت أم المهدى أبى هرون الرشيد . ثم ان فخر الدولة البويهى قد جدد بناء هذه القلعة سنة 350 (961) ثم استولى عليها الحشيشية .

و ذكر بلدانيو العصور الوسطى، أسماء كثيرة من القلاع و المدن فى طبرستان، لم يعد لها ذكر فى الخارطة. و هى اما ان الخراب لحقها من الغزو المغولى فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) أو ان تيمور لنك دمرّها، فقد اكتسح مازندران غير مرة فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة). و الى ذلك، فان أسماء معظم هذه المدن و القلاع الضائعة، لم تذكرها كتب المسالك، فحال كل

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 413

ذلك دون تعيين مواضعها فى الخارطة، و لو بصورة تقريبية. و فى المئة الرابعة (العاشرة) وصف ابن حوقل ثلاث نواح جبلية بقوله: «فيها أشجار عالية، و الغياض و المياه، و هى خصبة جدا»، كانت فى جنوب سارية، بينها و بين هذه النواحى مرحلة، و تمتد غربا الى حدود الديلم فى اقليم گيلان. و أولى تلك النواحى: جبل فاذوسبان و هو جبل بادوسبان (الصيغة الفارسية للاسم). و بادوسبان اسم الاسرة الحاكمة شبه المستقلة التى ساد رؤساؤها هذه النواحى نحوا من ثمانمئة سنة، أى من أيام الفتح الاسلامى حتى زمن الغزو المغولى، و كانت القرى تنتشر فى هذه الناحية الجبلية، و أكبرها، قرية يقال لها قرية منصور. ويليها أرم خاست، أو أرم خاسته، و هى قريتان: عليا و سفلى، و تبعد هذه القرية نحو ارم خاست، أو ارم خاسته، و هى قريتان: عليا و سفلى، و تبعد هذه القرية نحوا من مرحلة عن سارية، و لم يكن فى هذه الجبال مدينة كبيرة ذات مسجد جامع.

و كان يجاور

فاذوسبان، الناحية الجبلية المسماة جبل قارن، و هى مستقر آل قارن. و يقال انهم من الفرثيين. و مهما يكن من أمر، فقد جاءت اسماء آل قارن فى أخبار الساسانيين و فى الزمن الاسلامى، و كانوا ما زالوا رؤساء تلك الناحية، و كان أمنع معاقل آل قارن التى توارثوها منذ أيام أكاسرة الساسانيين:

فرّم (فريم) و أعمر مدنهم، مدينة سهمار (أو شهمار). و فيها المسجد الجامع و لا ثانى له فى سائر تلك الانحاء. و لم تذكر كتب المسالك، يا للأسف، موضع فريم، بوجه التحقيق. ذكرها ياقوت، و كذلك المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، فقال انها عند حد قومس. و كانت الناحية الجبلية الثالثة، جبل الروبنج، و هى شمال الرى، و من ثمة، فهى أقرب من غيرها الى حدود الديلم. و لم ينته الينا اسم مدينة أو قرية فى هذه الناحية، الا انها على ما يقال كانت فى غاية الخصب و ماؤها كثير، و فى جبالها الاشجار و الغابات .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 414

و على مسيرة يوم، أى خمسة فراسخ، من غرب آمل، فى السهلة التى قرب البحر، مدينة ناتل أو ناتلة. و على مثل تلك المسافة من غرب ناتل، مدينة سالوس أو شالوس، قال المقدسى «بها قلعة من حجارة، الجامع على جانب».

و جاء اسمها أيضا بصورة سالوش. و بالقرب منها مدينتان أخريان هما الكبيرة و كچّه. و ورد اسم شالوس فى أخبار حروب تيمور بصورة جالوس. و الظاهر ان تيمور لنك قد خرب فى خلال حروبه جميع هذه البلاد و كذلك البلاد الجبلية التى فى جنوبها، أى رويان و رستمدار .

و مدينة كلار، و قد ظنها ياقوت انها مدينة كچه

المذكورة أعلاه، كانت على مرحلة من شالوس، و لكن فى الجبال. و من كلار الى حدود الديلم مرحلة.

و فى هذه الاسماء شى ء من اللبس. و لكن يظهر ان كلار و كچه و رويان مدن متجاورة ان لم تكن تشير الى مدينة واحدة بذاتها. و كانت رويان، الى ذلك، اسم رستاق كبير من رساتيق البلاد الجبلية عند الحد الغربى لطبرستان. و ذكر ابو الفداء ان مدينة رويان، كان يقال لها شارستان أيضا، و انها كانت تتوّج قمة درب جبلى يبعد 16 فرسخا عن مدينة قزوين. و ذكر ياقوت ان رويان قصبة الناحية الجبلية فى طبرستان، مثلما كانت آمل قصبة السهول الخفيضة فيه. كان بها أبنية حسنة و بساتين كثيرة الثمار. و كان بالقرب من رويان (أو كلار) مدينة سعيد اباد الصغيرة.

أما حصن الطاق العظيم عند حدود الديلم، و هو آخر معقل لجأ اليه اصبهبد طبرستان بعد ان غلبته جيوش الخليفة المنصور، فينبغى ان يكون فى ناحية

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 415

رويان هذه، و قد أسهب ياقوت و القزوينى فى وصف هذا الموضع ناقلين عمن سبقهما من المصنفين. كان الطاق حصنا منيعا، «و كان فى قديم الزمان خزانة ملوك الفرس، و هو نقب فى موضع عال فى جبل صعب المسلك. و هذا النقب شبيه بالباب الصغير، فاذا دخل فيه الانسان مشى فيه نحوا من ميل فى ظلمة شديدة. ثم يخرج الى موضع واسع شبيه بالمدينة قد احاطت به الجبال من جميع الجوانب، و فى هذه الرحبة مغارات و كهوف، و فى وسطها عين غزيرة الماء ينبع من صخرة و يغور ماؤها فى صخرة أخرى» على مقربة من الاولى. و أفاض ياقوت بعد هذا

الكلام فى ذكر عجائب هذا الموضع.

و عند منابع شاهرود- و هو الفرع الشرقى لسفيد رود (أنظر ص 204 أعلاه)- ناحية رستمدار. قال المستوفى ان فيها نحوا من ثلاثمئة قرية. و هذه الناحية التى كانت تسقيها أنهار كثيرة تأخذ من شاهرود، كانت بين مدينة قزوين و آمل، و فى شرق ناحية رويان. و كان على ما بيّنا فى الفصل الخامس عشر (فى الصفحة 255) أعظم قلاع الاسماعيلية أى الحشيشية. و ربما كان فى ناحية رستمدار هذه، قلعة كلام، و قد وصفها ياقوت بقوله انها «قلعة قديمة فى جبال طبرستان، ملكها الملاحدة، فأنفذ السلطان محمد بن ملكشاه (السلجوقى) من حاصرها و ملكها و خرّبها» .

و على فرسخين من شرق آمل، فى طريق الساحل، مدينة ميله. و على ثلاثة فراسخ مما يليها: برجى، و هى على مرحلة من سارية. و كانت مدينة ممطير، أو مامطير، على مرحلة من كل من آمل و سارية، على ستة فراسخ من البحر، و هى تطابق بارفروش الحديثة. قال ياقوت: «بها مسجد و منبر، و لها رساتيق و قرى و عمارات كثيرة». و بالقرب من سارية، و ربما الى شرقها، كانت نامية (أو نامشة) و لها رستاق حسن، و هى على عشرين فرسخا من سارية.

و مهروان، على عشرة فراسخ من سارية، بها مدينة ذات منبر و حامية من

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 416

ألف رجل. و لا يعرف، وآ أسفا، الموضع الصحيح لهاتين المدينتين. و فى آخر الحدود الشرقية لطبرستان، على ثلاث مراحل من سارية، فى طريق استراباد على مرحلة من الاخيرة: مدينة طميس، أو طميسة. و تقوم على درب عظيم ممدود من الجبل الى جوف البحر، وسط المناقع. قال

ياقوت ان كسرى أنوشروان (العادل) بناه ليكون دربا يسلكه من يخرج من طبرستان .

و فى جنوب شرقى بحر قزوين، خليج اشراده، على ما يسمى اليوم، و عنده لسان رملي طويل يمتد شرقا حتى يكاد يصل ساحل جرجان. و قد وصف المستوفى هذا الخليج و جزيرته، أو شبه جزيرته، باسم نيم مردان، فيها موضع آهل فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) و كان فرضة تقصدها السفن من سائر أنحاء بحر قزوين. و كانت الفرضة تبعد ثلاثة فراسخ عن استراباد. و يقال للمدينة التى وراءها: و هى ذات تجارات رائجة. و بجوارها ناحية يكثر فيها الحرير و القمح و الكروم، يقال لها كبود جامه، و قد كانت بلادا كثيرة الغنى و الخير، الا ان الخراب استولى عليها فى حروب تيمور، فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة). و مدينة روعد، أو روغد، و قد جاء ذكرها فى خبر مرور تيمور بها فى زحفه على مازندران، ربما كانت فى ناحية كبود جامه.

قال المستوفى كانت مدينة وسطة محيطها 4000 خطوة، تقوم فى وسط رساتيق خصبة يكثر فيها القمح و القطن و صنوف الفواكه.

أما تجارات طبرستان، فالى ما نوّهنا به فى الصفحة 410، ذكر المقدسى الاكسية الحسنة و الطيالسة و ثياب الخيش المحمولة الى الآفاق. و كان يرتفع منها أيضا خشب الخلنج، و قد مرّ ذكره، و كان يقطع قطعا و يحمل منها فتصنع منه فى الرى القصاع و الاطباق و الاوانى. و الخلنج خشب متنوع الالوان طيب

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 417

الرائحة تصنع منه أحيانا خرز السبحات. و أحسن أنواعه ما ينمو فى جبال طبرستان .

جرجان

يمتد اقليم جرجان، أو گرگان، على ما ينطق به الفرس، فى

جنوب شرقى بحر قزوين. و يضم فى الاغلب السهول العريضة و الأودية التى يسقيها نهرا جرجان و أترك. و قد كان هذا الاقليم فى الأزمنة الاولى، قائما بنفسه، و ان كان مضافا الى خراسان. و لكن ما أحدثه الفتح المغولى من تغيير أدى الى الحاقه سياسيا بمازندران. و هذا الاقليم، كغيره من نواحى جنوبى بحر قزوين، قد أغارت عليه جحافل المغول و خربته فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) ثم دمرته حروب تيمور فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة).

و جرجان، على ما ذكر المقدسى، وافر الانهار، و فى سهوله و جباله النخل، و يكثر فيها النارنج و الاعناب. و أهم نهر فى هذا الاقليم كان يعرف باسمه، أى نهر جرجان. و هو النهر الذى قال المقدسى، فى المئة الرابعة (العاشرة)، انه يعرف ب «طيفوري». كما انه لم يذكر نهر أترك. و فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، جاء اسم النهر فى المستوفى بصورة آب جرجان، و قال ان نهر جرجان ينبع فى وادى شهر ناو (المدينة الجديدة) و منها يشق سهل سلطان درين فيصل الى مدينة جرجان فاذا جاوزها وقع فى بحر قزوين قرب جزيرة ابسكون فى خليج نيم مردان. و مجرى هذا النهر برمته كان عميقا لا يكاد يعبر.

و كثيرا ما غرق فيه من حاول عبوره من المسافرين. و كانت مياهه فى موسم الفيضان تجرى فى أنهار للسقى، و ان كانت تذهب هدرا فى الغالب.

أما نهر أترك، فهو أطول من جرجان، و مخرجه فى سهول خراسان بين

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 418

نسا و خبوشان قرب منابع نهر المشهد. و يجرى نهر المشهد نحو الجنوب الشرقى فى اتجاه معاكس للاول. و نهر أترك

عميق الغور و معظمه صعب العبور، كنهر جرجان، على ما ذكر المستوفى. و بعد ان يجرى محاذيا حدود دهستان فى الجانب الشمالى من اقليم جرجان، يقع فى بحر قزوين. و طول مجراه نحو من 120 فرسخا. و يقال ان اسم أترك ان هو الا صيغة جمع ترك. فنهر أترك انما سمي بذلك لان الأتراك كانوا يعيشون فى زمن ما على ضفافه. و لم نعثر على اسم لهذا النهر فى كتب البلدانيين العرب الاولين. و المستوفى، فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، من أقدم من سماه بنهر أترك، و هى التسمية التى ما زال يعرف بها .

أما قصبة جرجان، فهى مدينة بالاسم نفسه، و يقال لها اليوم «من گرگان».

وصفها ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) بقوله انها مدينة حسنة «بناؤها من طين، و هى أيبس من آمل تربة» و المطر فى جرجان أقل منه فى طبرستان.

و جرجان جانبان، بينهما يجرى نهر جرجان، «عليه قنطرة معقودة بين الجانبين». فجرجان الجانب الشرقى، و بكر أباذ الجانب الغربى. و الجانبان، على وصف ابن حوقل و قد رآهما، فى نحو مدينة الرى كبرا. و تكثر فى بساتينها الفواكه، و يعمل بها الابريسم. و سمى المقدسى الجانب الشرقى من جرجان: شهرستان. و قال انها حسنة المساجد و الاسواق، و فى بساتينها رمان و زيتون و بطيخ و باذنجان و نارنج و ليمون و أعناب، و هى جيدة فاخرة رخيصة.

و فيها أنهار عليها جسور و طيقان، و بها ميدان بازاء دار الامير. و لها تسعة أبواب.

و حر جرجان شديد، و ذبابها كثير، و حشراتها مؤذية، لا سيما براغيثها فانها ضارية تعرف بگرگان، أى الذئاب. و كانت بكر أباذ، حسب تهجئة المقدسى لها «شبه

مدينة عامرة بها مساجد» و تبتعد أبنيتها مسافة كبيرة عن النهر و تمتد قليلا بمحاذاة ضفته الغربية.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 419

و لما كتب القزوينى فى المئة السابعة (الثالثة عشرة)، كانت جرجان مشهورة لدى العلويين، لان فيها مشهدا يقال له گور سرخ (أى القبر الاحمر) و يقال انه لبعض أولاد علي الذى سماه المستوفى محمد بن جعفر الصادق الامام السادس. و ذكر المستوفى، ان حفيد ملكشاه السلجوقى قد جدّد بناء المدينة، و كان محيط أسوارها سبعة الآف خطوة. و لما كتب فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، كان الخراب قد دبّ فيها، و لم تقم لها قائمة بعد اكتساح المغول لها.

و أطرى فواكهها الفاخرة و قد ذكر، عدا الفواكه المنوّه بها قبلا: شجر العنّاب و هو ينبت من نفسه و تثمر اشجاره، و عمرها لا يزيد على السنتين أو الثلاث، مرتين فى السنة. و كان أهل جرجان فى أيامه من الشيعة و لكنهم غير كثيرين.

و فى سنة 975 (1393) كان تيمور، الذى خرّب مازندران و البلاد المجاورة لها، قد وقف فى جرجان و ابتنى له على ضفاف نهرها قصره العظيم شاسمن.

و قد نوّه حافظ أبرو بذكره .

و ثانية مدن اقليم جرجان: استراباد، قرب حدود مازندران، وصفها المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة) بقوله انها مدينة أطيب هواء و أصح ماء من جرجان كلها. و يكثر فيها القز. و قد خرب حصنها فى أيامه لان البويهيين خربوا كل هذه البلاد فى أثناء قتالهم بنى زيار. و زاد المقدسى على ذلك انه كان لها مسجد جامع بنى فى أيام الفتوحات الاسلامية الاولى، و ما زال قائما فى السوق قرب باب المدينة. و كل ما أورده

ياقوت و المستوفى عنها ان هو الا تأييد لما مرّ ذكره، و أطريا هواء استراباد و وفرة طعامها، و لم يزيدا على ذلك شيئا. و كانت فرضة جرجان و استراباد على بحر قزوين، مدينة ابسكون، و تبعد عن كل منهما مسيرة يوم. و الظاهر ان موضعها قد غمره البحر فى غضون المئة السابعة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 420

(الثالثة عشرة) بعد الغزو المغولى. و قد جاء فى الاصطخرى و ابن حوقل، فى المئة الرابعة (العاشرة)، ان أبسكون سوق كبير لتجارة الحرير و كانت فى ذلك الزمن ثغرا تصدّ الاتراك و الغزّ، و هى فرضة تجارة بحر قزوين التى تحمل الى كيلان. و كان عليها حصن منيع من الآجر، و مسجدها الجامع فى السوق. و قال المقدسى «هى فرضة جرجان». و زاد ياقوت على ذلك ان بحر قزوين كان يسمى غالبا بحر أبسكون. و اشتهرت أبسكون فى التاريخ بكونها آخر مدينة التجأ اليها محمد، آخر من حكم من شاهات خوارزم، و قد فرّ أمام جحافل المغول و مات فيها ذليلا فى سنة 617 (1220) .

و على مسيرة ستة أيام (أو خمسين فرسخا) من شمال أبسكون، و على أربع مراحل من مدينة جرجان، موضع يعرف بدهستان فى ناحية بالاسم نفسه.

و كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) ثغرا فى حد الترك. قال ابن حوقل: دهستان بالقرب من بحر قزوين. و لم يكن فيها غير القرى و بعض البساتين، و أهلها مبعثرون فيها. و بالقرب منها، خليج ضحل فى بحر قزوين كانت السفن ترسو فيه، و يصيد أهل الساحل سمكا كثيرا منه. و أهم تلك القرى: آخر، و قد أشار المقدسى الى انها مدينة، حولها أربع و

عشرون قرية و هذه القرى «من أجل أعمال جرجان». و فى آخر: «منارة ترى من البعد فى وسط القرى».

و الى شرق آخر، مدينة الرباط و هى «على فم المفازة» حيث يدخل هذه الناحية الطريق الذاهب الى خوارزم. قال المقدسى: «قد خرّب السلطان حصنه، و كان بثلاثة أبواب، و هو عامر ظريف. و أسواق بهية و منازل لطيفة و مساجد حسنة. و المسجد العتيق فيه سواري خشب» و كان النصف الاسفل منه، فى أيام المقدسى، تحت الأرض. و للمدينة جامع آخر، فيه منارة جميلة . و ذكر

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 421

ياقوت هذه المواضع مع مواضع أخرى فى ناحية دهستان، هى: خرتير و فرغول و هبراثان، و لم يصفها. و ذكر المستوفى، و قد وصف الطريق من جرجان الى خوارزم، مخترقا دهستان، ان هذه الناحية، كانت الحد بين المسلمين و الكفرة من الترك و الكرد. و هواؤها حار، و لها نهر يسقيها، و لكن فواكهها قليلة .

و على أربع مراحل من دهستان، عند حد المفازة، حيث يبدأ الطريق باجتيازها الى خوارزم، تقوم مدينة فراوة. ذكر الاصطخرى انها ثغر فى بادية الغزّ. و كان «يقيم بها المرابطون» فى المئة الرابعة (العاشرة). و كان بها رباط يحمى البلاد التى وراءها لئلا ينتابها الاتراك «و ليست لهم بساتين و لا زروع الا مباقل، و أهلها دون ألف رجل». و قد كتب المقدسى اسمها بصورة أفراوة.

و قال ياقوت انها كانت رباطا بناه عبد اللّه الطاهرى فى خلافة المأمون. أما موضعها، فأكبر الظن ان فراوة تطابق قزل أروات الحديثة، و هذا الاسم تحريف قزل رباط (أى الرباط الاحمر). و لم يذكر ياقوت غير أسماء بعض المواضع الاخرى

فى اقليم جرجان و قد كانت قرى من أعمال مدينة جرجان أو استراباد. و لم ينته الينا شى ء عنها و لم تحدد مواضعها. و يغلب ان تكون قراءة الاسم غير مضبوطة .

و ذكر المقدسى مما اشتهرت من تجارات جرجان، صنفا من «المقانع القزّية» كان يحمل فى أيامه الى اليمن فى جنوبى بلاد العرب. و كان بها ديباج دون.

و كان يكثر فى جرجان الاعناب و التين و الزيتون .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 422

و ليست المسالك فى طبرستان و جرجان كثيرة. لان الجبال فى الاقليم الاول تكاد لا تخترقها الطرق. و ذكر الاصطخرى (و منه اقتبس ابن حوقل) و المقدسى، الطريق الآخذ شمالا من الرى الى آمل، قاطعا الجبال، مارا بآسك و بلور (پلور). و يصعب اليوم بل يستحيل تعيين كثير من مراحله. و الطريق الذاهب غربا من آمل فى محاذاة الساحل، ذكر فيه ابن حوقل و الاصطخرى المراحل الى ناتل و سالوس فالى حد كيلان (الديلم)، و كذلك ذكرا مراحل الطريق الذاهب شرقا من آمل الى استراباد و مدينة جرجان. و الطريق من مدينة جرجان الذاهب شمالا الى دهستان، ذكر المقدسى مراحله، و كذلك ذكر المستوفى المراحل فى كلامه على الطريق من بسطام فى قومس الى عاصمة خوارزم. و جاء فى المقدسى أيضا وصف الطريق من بسطام الى مدينة جرجان قاطعا الدرب الجبلى مارا بجهينة، و هى، على ما ذكر ابن حوقل «واد لقرية حسنة». و أخيرا وصف المقدسى الطريق من جرجان الذاهب شرقا الى خراسان و هو يقطع فى خمسة أيام الى اسفرايين فى سهل جوين فيجتاز أجغ و يقال لها اليوم أشك. و سنأتى على وصف هذه الناحية فى

الفصل القادم .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 423

الفصل السابع و العشرون خراسان

أرباع خراسان الأربعة- ربع نيسابور- مدينة نيسابور و شاذياخ- كورة نيسابور- طوس و المشهد- بيهق و سبزوار- جوين و جاجرم و اسفرايين- استوا و كوجان- رادكان و نسا و ابيورد- كلات- خابران و سرخس.

خراسان فى الفارسية القديمة، معناها «البلاد الشرقية». و كان هذا الاسم فى أوائل القرون الوسطى، يطلق بوجه عام، على جميع الاقاليم الاسلامية فى شرق المفازة الكبرى حتى حد جبال الهند. فخراسان فى مدلولها الواسع هذا، كانت تضم كل بلاد ماوراء النهر التى فى الشمال الشرقى، ما خلا سجستان و معها قوهستان فى الجنوب. و كانت حدودها الخارجية، صحراء الصين و الپامير من ناحية آسية الوسطى، و جبال هندكوش من ناحية الهند. الا ان حدودها هذه صارت بعد ذلك، أكثر حصرا و أدق تعيينا. حتى ليمكن القول ان خراسان، و قد كان أحد أقاليم بلاد ايران فى القرون الوسطى، لم يكن يمتد الى أبعد من نهر جيحون فى الشمال الشرقى، و لكنه ظل يشتمل على جميع المرتفعات فى ما وراء هراة، التى هى اليوم القسم الشمالى الغربى من أفغانستان. و الى ذلك، فان البلاد فى أعالى نهر جيحون، من ناحية الپامير، كانت على ما عرفها العرب

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 424

فى القرون الوسطى، تعد ناحية من نواحى خراسان البعيدة. و كان اقليم خراسان فى أيام العرب، أى فى القرون الوسطى، ينقسم الى أربعة أرباع، نسب كل ربع الى احدى المدن الاربع الكبرى التى كانت فى أوقات مختلفة، عواصم للاقليم بصورة منفردة أو مجتمعة و هذه المدن هى: نيسابور، و مرو، و هراة، و بلخ.

و بعد الفتح الاسلامى

الاول، كانت عاصمتا خراسان فى مرو و فى بلخ. الا ان الامراء الطاهريين، نقلوا دار الامارة الى ناحية الغرب فجعلوا نيسابور فى أيامهم عاصمة الاقليم، و هى أيضا أكبر مدينة فى أقصى الارباع غربا .

و فى الفارسية الحديثة يلفظ اسمها: نيشاپور. و هى فى العربية: نيسابور.

و هو مشتق من نيوشاه بور فى الفارسية القديمة، و معناه: « (شى ء أو عمل أو موضع) سابور الطيب». و انما سميت المدينة بذلك، نسبة الى الملك سابور الثانى الساسانى الذى جدّد بناءها فى المئة الرابعة للميلاد، اذ ان مؤسس نيسابور كان سابور الاول بن أردشير بابكان. و قد سرد البلدانيون العرب فى المئة الثالثة (التاسعة) ثبتا طويلا بأسماء أكبر المدن فى كورة نيسابور التى كانت تضم معظم اقليم قوهستان، و قد مرّ وصفه. و أهم ما قد يفيدنا به هذا الثبت، التهجئة القديمة لبعض الاسماء، و كثير من هذه المواضع لا يمكن تعيينه اليوم .

و فى صدر العهد الاسلامى، كان يقال أيضا لنيسابور: أبرشهر، و معناه:

مدينة الغيم فى الفارسية. و بهذه التسمية ظهرت فى الدراهم القديمة التى ضربها فيها الخلفاء الامويون و العباسيون. و سماها المقدسى و غيره باسم ايرانشهر- أى مدينة ايران- أيضا. و لكن هذا الاسم ربما لم يكن غير اسم رسمى و لقب شرف

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 425

لها. كانت نيسابور فى المئة الرابعة (العاشرة) مدينة عامرة جليلة مفترشة البناء، نحو فرسخ فى مثله، و لها مدينة و قهندز و ربض. و مسجدها الجامع فى الربض، و هو من بناء عمرو الصفار، مقابل ميدان يعرف بالمعسكر. و بقربه دار الامارة، و تفضى الى ميدان آخر يقال له ميدان الحسينيين و الحبس لا يبعد

كثيرا عن دار الامارة، و بين بناء و بناء من هذه الأبنية الثلاثة نحو من ربع فرسخ.

و للقهندز بابان. و للمدينة أربعة أبواب. أحدها يعرف بباب القنطرة، و الثانى بباب سكة معقل، و الثالث بباب القهندز (أى باب القلعة) و الرابع بباب قنطرة تكين. و أرباضها فى خارج قهندزها و مدينتها، و تحفّ بهما. و أسواقها فى أرباضها، و لها أبواب كثيرة. منها باب يعرف بباب القباب. و يخرج منه الى الغرب. و يقابله باب جنك (أى باب الحرب) أمام ناحية بشتفروش .

و باب فى الجنوب يعرف بباب أحوص أباذ و هنالك أسماء أبواب أخرى. و أعظم أسواقها: سوقان أحدهما يعرف بالمربعة الكبيرة، و الاخر بالمربعة الصغيرة. و كان سوق المربعة الكبيرة، قرب المسجد الجامع، و قد تقدم ذكره. و سوق المربعة الصغيرة على بعد قليل من السوق الآخر، فى الارباض الغربية قرب ميدان الحسينيين و دار الامارة. و هى أسواق طويلة مكتظة بالدكاكين، تمتد من مربعة الى المربعة الاخرى، و تقطعها متعامدة معها أسواق أخرى، بقرب المربعة الكبيرة و هى تمتد جنوبا الى مقابر الحسينيين، و تنتهى شمالا برأس القنطرة على النهر.

و فى هذه الاسواق، خانات و فنادق يسكنها التجار، و فيها التجارات كل صنف منها على حدة. و للأساكفة و البزّازين و الخرّازين و غيرهم من أصحاب الحرف خاناتهم. و لكل دار فى المدينة قناة تأخذ ماءها من نهر يقال له وادى سغاور، ينحدر الى نيسابور من قرية بشتنقان المجاورة لها. و على هذا الوادى و القنى قوّام و حفظة، و عمق بعض القنى تحت الارض ربما بلغ مئة درجة.

و هذه القنى، اذا ما جاوزت المدينة ظهرت على وجه الارض فتسقي المزارع و

البساتين.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 426

و ليس فى كل خراسان، على ما ذكر ابن حوقل، مدينة «أصح هواء و أفسح فضاء و أشد عمارة من نيسابور». و تجارها أهل ثراء، و تؤمّها السابلة و القوافل فى كل يوم. «و يرتفع منها من أصناف ثياب القطن و الابريسم، ما ينقل الى سائر البلدان». و أيد المقدسى ما سبق ذكره، و زاد عليه اشياء أخرى قال: فى نيسابور اثنتان و أربعون محلة، منها ما يكون مثل نصف شيراز.

و دروبها المؤدية الى الابواب زهاء الخمسين. و مسجدها الجامع أربع رحبات، بناه عمرو الصفار، على ما قد بيّنا، و يقوم سقفه على أساطين الآجر، يدور على صحنه ثلاثة أروقة. و أهم بناء فيه قد زوّقت حيطانه بالقرميد المذهب.

و للجامع أحد عشر بابا بها أعمدة رخام. و حيطانه و سقفه مجمّلة مزوّقة.

و نهر نيسابور، على ما سبق ذكره، يأتى من قرية بشتنقان، كان يدير سبعين رحى. و منه تحمل قني كثيرة تجرى تحت الارض، و يجرى النهر فيها مسافة فرسخ. و كان فى داخل المدينة و فى دورها آبار كثيرة عذبة الماء .

و قال ياقوت، ان فى أيامه، أى فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) كانوا يلفظون اسم هذه المدينة: نشاوور. و أبان عن ان نيسابور بالرغم مما أصابها من الخراب فى زلزال سنة 540 (1145)، فقد أعقب ذلك نهب عشائر الغز لها سنة 548 (1153)، و لم ير ياقوت فى خراسان مدينة أحسن منها، و اشتهرت بساتينها بالريباس و غيره من الفواكه. و بعد فتك الغزّ بها و أسرهم السلطان سنجر السلجوقى و تخريبهم المدينة انتقل الناس الى محلة منها يقال لها شاذياخ، عمّرها و سوّرها

المؤيد عاملها من قبل الملك الأسير سنجر. و محلة شاذياخ، و يقال لها الشاذياخ، كانت قديما بستانا لعبد اللّه بن طاهر فى أوائل المئة الثالثة (التاسعة) حين نزل نيسابور و اتخذها دارا للامارة. و قامت حول قصره، حيث نزل جنده، و صارت أكبر أرباض نيسابور، ثم أضحت بعد غزو

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 427

الغزّ عاصمة. و نزل ياقوت، حين مقامه وقتا قصيرا بنيسابور سنة 613 (1216)، فى الشاذياخ، و قد وصفها. و بعد ذلك بزمن يسير، أى فى سنة 618 (1221) استولى المغول عليها بقيادة جنكيز خان و نهبوها، على ما انتهى خبره الى ياقوت.

و قد كان حينذاك استأمن فى الموصل. و قال ياقوت ان المغول «لم يتركوا بها جدارا قائما».

على ان نيسابور، صلح أمرها بعد غزو المغول، فان ابن بطوطة حين زارها فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، وجدها مدينة عامرة. و قال ان مسجدها بديع ويليه أربع مدارس، و يقال لها دمشق الصغيرة لكثرة فواكهها و بساتينها. و تسقيها أربعة أنهار تنحدر اليها من الجبال المجاورة. و زاد ابن بطوطة على ذلك انه يصنع بنيسابور «ثياب الحرير من النخ و الكمخاء» و يحمل الى أسواقها كثير من التجارات. أما المستوفى، معاصره، فقد روى حديثا طويلا عن مدينة نيشابور و كورتها. قال ان مدينة نيشاپور القديمة أسست فى أيام الاكاسرة على تخطيط كرقعة الشطرنج، فى كل ضلع ثمانية مربعات على ما يقال. ثم اتسعت رقعتها و عظمت ثروتها فى أيام بنى الصفار و صارت أجل مدن خراسان، حتى حلت سنة 605 (1208) فخرّبتها الزلازل. و قد كان بعد هذا التاريخ، على قول المستوفى، انتقال السكنى منها لاول مرة الى الشاذياخ. و

كان حول هذه البلدة، سور دوره 6700 خطوة. على ان نيشاپور، قد جدّد بناؤها فى الوقت نفسه، و لكن الزلازل خربتها ثانية فى سنة 679 (1280)، فابتنيت مدينة نيشاپور الثالثة فى موضع آخر، و هذه هى المدينة التى وصفها المستوفى. و كان دور أسوارها حينذاك 15000 خطوة، و هى تقوم عند حافة الجبل مقابلة للجنوب. و كانت مياهها كثيرة، لان نهر نيشاپور، و هو ينبع فى الجبال على فرسخين أو أزيد فى شرقها، وافر الماء يدير أربعين رحى قبل وصوله الى المدينة. و قال أيضا ان لأكثر دور نيشاپور صهاريج يخزن الماء فيها لأجل موسم الجفاف.

و تقوم مدينة نيسابور الحالية، فى الجانب الشرقى من سهل نصف دائرى، تكتنفه الجبال و يواجه المفازة و هى فى جنوبه. و يسقى هذا السهل أنهار كثيرة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 428

تنحدر اليه من المرتفعات التى فى شماله و شرقه. و سرد المستوفى أسماء عدد كبير من هذه الانهار، و هى بعد أن تسقى رساتيق نيسابور، تفنى فى المفازة.

و على خمسة فراسخ من شمال المدينة، عند منابع نهر نيشابور، كانت بحيرة صغيرة فى الجبال فى أعلى المضيق يقال لها چشمة سبز، أى «العين الخضراء».

و منها كان يخرج، على ما ذكر المستوفى، نهران يجرى أحدهما الى الغرب و الآخر الى الشرق. و ينحدر النهر الشرقى الى وادى المشهد. و الظاهر ان هذه البحيرة، كانت فى جبل يقال له كوه گلشان، و فيه كانت مغارة الرياح العجيبة، التى يهب من أعماقها ريح و يندفع منها فى الوقت نفسه ماء تكفى قوته لادارة رحى.

و ذكر ان محيط بحيرة چشمه سبز نحو فرسخ، و حكيت عنها عجائب كثيرة، و قيل

انها لا قرار لها، و ان رمي سهم من جانب، لا يقطعها الى الجانب الآخر.

و اشتهرت فى سهل نيسابور، أربعة رساتيق بوفرة خصبها، و ذكر المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة) هذه النواحى، و هى: الشامات (أى شامات الحسن)، و ريوند، و ما زالت قائمة فى غرب نيشابور، و ما زل، و بشتفروش. و كان رستاق ما زل فى الشمال و أكبر قراه بشتقان (أو بشتنقان) و هى على فرسخ من نيسابور و فيها أنشأ عمرو الصفار بستانا له مشهورا. و يرتفع منها ريباس فائق. و يعرف رستاق بشتفروش اليوم باسم پشت فروش، يمتد مسيرة يوم الى الشرق من باب جنك فى نيسابور، على ما ذكر المقدسى، و كانت بساتين قراه المئة و الست و العشرين، على ما ذكر ياقوت، ذات غلة كبيرة من المشمش الذى يحمل الى سائر الانحاء. و كان رستاق الشامات، يسميه الفرس على ما ذكر المقدسى تك آب، أى «اليه يجرى الماء» و هذا الرستاق فى غاية الخصب. أما ريوند، فمدينة صغيرة فى رستاق على اسمها و هى على مرحلة غرب نيسابور. و كان للمدينة فى المئة الرابعة (العاشرة) جامع بالآجر، و يشقها نهر، و هى كثيرة الاعناب، و بها سفرجل جيد لا نظير له.

و من أكبر انهار كورة نيسابور، على قول المستوفى، شورة رود

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 429

«النهر الملح». و كانت تلتقى فيه مياه النهر الآتى من دزباد، و بعد ان يسقى رساتيق كثيرة، يفنى فى المفازة. و قد ذكر المستوفى أيضا انهارا أخرى، غير ان كثيرا من أسمائها مغلوط التهجئة و يصعب اليوم معرفتها، على ان بعضها لا صعوبة فى معرفته. من ذلك نهر بشتقان،

و مخرجه من جهة چشمه سبز، على ما قد بيّنا. و نهر بشتفروش، و كلاهما يفيض فى الربيع، على قول المستوفى، و يلتقى مع شوره رود. ثم هنالك نهر يقال له عطشاباد «أى نهر العطش» و هذا النهر، و ان كان ماؤه فى الربيع كافيا لادارة عشرين رحى فى مدى عشرين فرسخا من مجراه، فانه فى الفصول الاخرى لا يبقى فيه من الماء ما يروى عطش انسان، و من ذلك جاء اسمه المشؤوم .

و الى جنوب شرقى نيسابور، ينقسم طريق خراسان العظيم، عند مرحلة عرفها العرب باسم قصر الريح، و الفرس باسم دزباد أو ده باد. و قد مرّ بنا آنفا ذكر نهرها بين الانهار التى تصب فى نهر شورة. و منها كان طريق مرو يتجه شرقا، و طريق هراة يدور الى الجنوب الشرقى. و عند هذه الاخيرة، و على مرحلتين من ده باد، كانت قرية فرهادان، و هى التى سماها ياقوت فرهاذ جرد.

و أطلق المقدسى على ناحيتها التى كانت تعد من أعمال نيسابور، اسم أسفند، و كتب ابن رسته اسمها بصورة أشبند، و كتبه ياقوت: أشفند، و زاد على ذلك ان بها ثلاثا و ثمانين قرية. و الظاهر، ان اسم الناحية القديم قد ضاع اليوم، و لكن القرية التى يقال لها فراجرد (عوضا عن فرهاذ جرد القديم) ما زالت يؤشر عنها فى الخوارط فى الموضع الذى ذكرته كتب المسالك .

و مدينة المشهد- أو مشهد الامام- فى الجهة الشرقية من نيسابور، و تفصلها عنها سلسلة الجبال التى فيها مخارج أكثر أنهار سهل نيسابور. و هى اليوم

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 430

قاعدة القسم الايرانى من خراسان. و على بضعة أميال من شمال

المشهد، أطلال طوس المدينة القديمة . و كانت طوس فى المئة الرابعة (العاشرة) المدينة الثانية فى ربع نيسابور من أرباع خراسان. و تتألف من المدينتين التوأمين الطابران و نوقان. و على مرحلتى بريد عنها: البستان العظيم فى قرية سناباذ، حيث قبر الخليفة هرون الرشيد و قد توفى فيها سنة 193 (809) و قبر الامام الثامن علي الرضا و قد مات من سم دسه له المأمون سنة 202 (817)، و كان يقال لقرية سناباذ هذه: برذعة أيضا، و تسمى كذلك المثقّب . و يظن ان هذه التسمية جاءت من الكوى التى فى الضريح أو من سبب و همى آخر.

و كانت نوقان فى المئة الثالثة (التاسعة)، على ما ذكر اليعقوبى، أكبر نصفى طوس، الا ان الطابران قد جاوزتها كبرا فى المئة التالية لها، و بقيت المدينة الكبرى حتى أيام ياقوت، حين أخربت جحافل المغول طوس. و كانت نوقان مشهورة بصنع البرام التى تحمل منها الى سائر البلدان، و يستخرج من جبالها معدن الذهب و الفضة و النحاس و الحديد. و بالقرب من طوس أيضا: الفيروزج، و حجر يقال له الخماهن و الدهنج، و كانت هذه المعادن تجلب الى أسواق نوقان للبيع.

و هذا القسم من طوس ماؤه قليل. و كان الحصن المجاور للطابران بناء فخما عظيما يرى من بعيد، على قول المقدسى. و أسواق هذا النصف من المدينة عامرة و جامعها حسن البناء بديع التزويق. و كان على القبرين فى سناباذ، فى المئة الرابعة (العاشرة)، حصن حصين منيع، و فيه قوم معتكفون، على ما ذكر ابن حوقل.

و قال المقدسى: ان الامير عميد الدولة فائقا، بنى على قبر الامام علي الرضا، مسجدا

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص،

ص: 431

«ما بخراسان أحسن منه» و بني قبر هرون الرشيد بجانب ضريح الامام. و قامت فى أرض البستان الكبيرة دور كثيرة و سوق.

و لم يزد ياقوت فى وصفه مدينة طوس شيئا على ما مرّ ذكره، غير انه ذكر ان من أشهر القبور فى الطابران: قبر الفقيه السني العظيم الامام الغزالى المتوفى سنة 505 (1111) و قد عاش فى بغداد بضع سنين مدرسا فى المدرسة النظامية. و كان اسم طوس حين كتب ياقوت فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) يدل فى الغالب على ناحيتها، و كان بها أكثر من ألف قرية. على ان هذه البلاد، و بضمنها مدينتا طوس و القبران فى سناباذ (المشهد)، قد خربتها و نهبتها جحافل المغول فى سنة 617 (1220). و الظاهر ان طوس لم تقم لها قائمة بعد نهب المغول لها، و لكن القبرين المجاورين لها، نالا عناية الاثرياء من الشيعة فاستعادا بهاءهما السابق، فكان المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) من أوائل من أشار الى قرية سناباذ مسميا اياها «المشهد»، و هو الاسم الذى عرفت به منذ ذلك الحين.

و قال القزوينى فى قبرى الخليفة و الامام «أن الرشيد فى القبر الذى يعرفه الناس للرضا، و الرضا فى القبر الذى يعرفه الناس للرشيد، و ذلك من تدبير المأمون (و هو ابن هرون الرشيد الذى دس السم لعلي الرضا). و القبران متقاربان فى قبة واحدة. و أهل تلك القرية شيعة، بالغوا فى تزيين القبر الذى اعتقدوا انه للرضا و هو للرشيد». و لما كتب المستوفى، صارت المشهد مدينة عظيمة حولها قبور عديدة مع قباب مشهورة كثيرة منها قبر الغزالى و قد مرّ ذكره الآن و هو فى شرق قبة الضريحين، و هناك أيضا

قبر الفردوسى الشاعر المشهور.

و حول المدينة أرض سهلة خصبة يقال لها مرغزارتكان، طولها اثنا عشر فرسخا و عرضها خمسة. يكثر فيها العنب و التين. و أهل ناحية طوس، على ما ذكر المستوفى، من أحسن الناس أخلاقا و ألطفهم مع الغرباء.

و انتهى الينا من ابن بطوطة، و قد زار مشهد الامام الرضا بعد ذلك ببضع

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 432

سنين، وصف حسن للضريح، قال: مدينة كبيرة ضخمة عامرة الاسواق و حولها جبال، و على المشهد قبة عظيمة، و تجاوره مدرسة. و هذه الابنية قد زوقت جدرانها بالقاشانى «و على قبر الامام، دكّانة خشب، ملبّسة بصفائح الفضة، و عليه قناديل فضة معلقة. و عتبة باب القبة فضة. و على بابها ستر حرير مذهب، و هى مبسوطة بأنواع البسط». و ازاء هذا القبر، قبر الخليفة «و عليه دكانة خشب، يضعون عليها الشمعدانات» و اذا دخل الشيعى للزيارة ركل قبر هرون الرشيد برجله و سلم على قبر الامام الرضا. و قد تنبه الى فخامة ضريح الامام و جلاله، السفير الاسبانى كلافيجوClavijo الذى زار بلاط تيمور فى سنة 808 (1405) فقد مرّ فى طريقه بالمشهد. و مما يذكر ان النصارى فى تلك الايام كان يسوغ لهم دخول المشهد، فلم يكن الشيعة الفرس على ما هم عليه اليوم من تعصب فى هذا الامر .

و على مسيرة أربعة أيام من غرب نيشابور فى رستاق بيهق، مدينتا سبزوار و خسروجرد، و بينهما فرسخ. و سبزوار أكبرهما، و كانت تسمى هى نفسها فى العصور الوسطى بيهق. و رستاق بيهق يمتد الى آخر حدود ريوند، و قطره خمسة و عشرون فرسخا من كل جهة. و به، على ما قال ياقوت 321

قرية، و زاد على ذلك ان أصل بيهق بالفارسية بيهه أى بهاين و معناه الأجود.

و أشار ياقوت أيضا الى أن سابزوار أصح تسمية للمدينة، و ان قالت العامة سبزوار. و قد كانت خسروجرد فى الاصل قصبة الرستاق، و لكن سبزوار قد حجبتها فى أيامه و صارت فى مكانها. و قال المستوفى ان أسواق هذه المدينة كانت

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 433

ذات سقوف من الخشب تقوم على طيقان متينة البناء. و تكثر فى هذا الرستاق الاعناب و الفواكه الاخرى. و كان جلّ أهله من الشيعة فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) .

و قد كان يصل بين بسطام (فى اقليم قومس) و نيسابور: طريقان، أقصرهما طريق البريد، و كان فى محاذاة شفير المفازة و يشق سبزوار. و أطولهما طريق القوافل و هو فى الشمال، و يدور فى هضبة جوين التى يفصلها عن المفازة الكبرى سلسلة من الجبال. و كان رستاق جوين هذا، و هو ما قد سماه المقدسى گويان، رستاقا واسعا كثير الخير، و اسم مدينته: أزاذوار أو أزادوار. و كان رستاق اسفرايين فى شماليه. و فى الطرف الغربى على حد قومس كان رستاق أرغيان، حول جاجرم. و كان من أعمال أزاذوار نحو من مئتى قرية، على قول ياقوت. و أزاذوار، على وصفه، كانت مدينة عامرة بها مساجد حسنة، و بظاهرها عند الباب خان كبير للتجار. و أسواقها زاخرة بالتجارات. و كانت بساتين قراها متصلة حتى الوادى. و سقيها من قنى تأخذ ماءها من عيون فى الجبال الجنوبية. و فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) انتقلت قصبة رستاق جوين، على ما ذكر المستوفى، الى فريومد، و هى على بضعة أميال جنوب ازاد وار. و كانت

خداشة، و هى على مرحلة شرق أزاد وار فى طريق القوافل، موضعا ذا شأن حيث قتل فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة) حاجى برلاس عم تيمور، حسبما ذكر علي اليزدى فى تاريخه .

أما مدينة جاجرم، و يقال لها أيضا أرغيان، و هو اسم ناحيتها بوجه خاص، فان المقدسى قال فيها جامع حسن و كانت محصنة و من أعمالها سبعون قرية.

و وصف ياقوت مدن سملقان أو سمنقان الثلاث و قال انها شرق جاجرم، و هى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 434

راونير (أو راونسر) و بان و هما فى رستاق أرغيان أو جاجرم، و لم يعين موضعيهما. و ذكر أيضا: سبنج أو اسفنج، و هى ما زالت قائمة فى جنوب غربى جاجرم على طريق بسطام. و قد سمى المستوفى هذا الموضع رباط سونج.

و وصف المستوفى جاجرم بانها مدينة لا بالكبيرة و لا بالصغيرة و لا يمكن لأى جيش أن يهاجمها. لكونها وسط برية تحيط بها مسيرة يوم من كل جهة يكسوها عشب سام يفتك بالماشية. و لكن قد كان عند قاعدة قلعتها، شجرتان من الچنار من مضغ شيئا من لحائها فى صباح الاربعاء شفى من وجع الاسنان. و زاد المستوفى على ذلك ان هذا اللحاء كان يحمل الى سائر البلدان. و كان رستاقها كثير الخير، فيه الفواكه و القمح. و نهر جاجرم، و كان يجرى نحو الجنوب و ينتهى بالمفازة، قد سماه المستوفى جغان رود، و مخرجه من ثلاثة ينابيع كل منها يدير رحى.

و بعد ان يجتمع ماؤها، يجرى مسافة اثنى عشر فرسخا أو أكثر. و هذا الماء كان يستعمل أكثرة للسقى .

و سهل أسفرايين العظيم، قد قال المقدسى فيه ان به مزارع الارزاز

الكثيرة و الاعناب. و مدينته على اسمه، عامرة ذات أسواق حسنة. و ذكر ياقوت ان مدينة اسفرايين كان يقال لها قديما مهرجان، و قد كان هذا الاسم حين كتب فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) ما زال اسما لقرية قرب المدينة الخربة. و من أعمالها احدى و خمسون قرية. و اسم اسفرايين على ما قال ياقوت، أصله «من اسبرايين، و أسبر بالفارسية هو الترس، وايين هو العادة. فكأنهم عرفوا قديما بحمل التراس، فسميت مدينتهم بذلك». و روى المستوفى انه كان فى جامع اسفرايين وعاء عظيم من النحاس لم ير أعظم منه، فان محيط حافته الخارجة كان اثنتى عشرة ذراعا. و كان فى شمال المدينة قلعة زر، أى قلعة الذهب.

و ماء البلدة من نهر يمر من أسفل التل الذى عليه القلعة. و كانت تكثر فى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 435

رستاقها أشجار الجوز. و هواؤها رطب و يكثر فيها الاعناب و القمح .

و فى المستنقعات التى يخرج منها نهر أترك فيجرى الى الغرب، ثم ينعطف باتجاه معاكس لمجراه الاول، أى الى الشرق، و يخرج أيضا نهر المشهد: تقوم مدينة كوچان. و كان يقال لها فى العصور الوسطى خبوشان أو خوجان. و قد سمى البلدانيون العرب رستاقها أستوا و أطروا خصوبة أرضه، و يقال ان معنى اسمها «الارض المشرفة» . و كان يلى أستوا من الشرق، رستاق نسا. قال ياقوت ان اسم قصبته كان يلفظ فى أيامه خوشان و يشتمل على ثلاث و تسعين قرية.

و جاء اسمها فى جهان نما بصورة خوچان. و ذكر المستوفى انه و ان كان اسم استوا ما زال يشار به الى الرستاق فى السجلات المالية، فانه لم يكن شائعا فى أيامه.

و

أطرى خصوبة أرضه و زاد على ذلك ان هولاكو خان المغولى قد أعاد بناء خبوشان فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) ثم وسّع حفيدة أرغون، من ايلخانيى فارس، هذه المدينة كثيرا. و فى نحو من نصف الطريق بين خبوشان و طوس، مدينة راذگان، ذكرها ابن حوقل و وصفها ياقوت بقوله: بليدة، يقال ان منها نظام الملك وزير ملكشاه السلجوقى .

و رستاق نسا أو نسا المشهور، هو الوادى العريض المعروف اليوم ب «درّه گز» أى وادى المن و قد وصف ابن حوقل مدينة نسا بانها فى الكبر نحو سرخس، و مياهها جارية، مخرجها فى الجبال المجاورة. و امتدح المقدسى جامعها الظريف و سوقها العامرة و قال «أقل دار، الا و بها بستان و ماء جار».

و بها قرى كبار تنتشر حولها فى الوادى. أما ياقوت فقد قال فى نسا «هى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 436

مدينة و بئة جدا يكثر بها خروج العرق المدينى حتى ان فى الصيف قلّ من ينجو منه من أهلها»، و ذكر القزوينى، ان نسا كان يقال لها شهر فيروز، لان فيروز الملك الفارسى القديم قد بناها على ما يقال .

و الى شرق نسا، فى ما وراء الجبل، و على حافة مفازة مرو: كانت أبيورد و يلفظ هذا الاسم أحيانا باورد. قال المقدسى «ابيورد أعجب الىّ من نسا و أحر سوقا و أرخى و أخصب، و الجامع بالسوق». و أطرى المستوفى فواكهها. و قال ان الرباط فى كوفن تابع لأبيورد، و هو فى قرية على ستة فراسخ منها. بنى هذا الرباط عبد اللّه بن طاهر فى المئة الثالثة (التاسعة)، و كان له اربعة أبواب، و فى وسطه جامع. و كان يقال

لرستاق أبيورد: خابران، أو خاوران.

و قصبته مهنه أو ميهنه. و ذكر ياقوت مواضع أخرى مهمة فى هذا الرستاق، منها أزجاه و باذن و خرو الجبل و شوكان، الا ان ميهنه كانت خرابا حين كتب. و فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) تكلم المستوفى على بساتين رستاق خاوران الكثيرة الحسنة- و جاء فيه الاسم بصورة خوردان أيضا- و قال ان فى قصبتها كان يعيش الشاعر أنوري، من أهل المئة السادسة (الثانية عشرة) مادح السلطان سنجر السلجوقى .

و فى الجبال، فى نحو من نصف الطريق بين أبيورد و مهنه، تقوم القلعة الطبيعية الهائلة المعروفة اليوم ب «كلات نادر»، نسبة الى نادر شاه ملك بلاد

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 437

فارس المشهور فى المئة الثامنة عشرة للميلاد الذى أخفى كنوزه فيها. و الظاهر ان هذا المعقل الحصين لم تذكره كتب المسالك و لم ينوه به البلدانيون العرب فى المئتين الثالثة و الرابعة (التاسعة و العاشرة) و لم يتنبّه اليه ياقوت و أقدم ذكر انتهى الينا عن كلات، جاء به العتبى فى كتابه تاريخ محمود الغزنوى. فقد ذكر عرضا، ان أميرا من الامراء ذهب من نيشابور الى كلات، و تكتب بالعربية بصورة قلعة. و قد أوجز المستوفى و أفاد فى صفة هذا الموضع و قال ان أهم مدنه يقال لها جرم و مرينان، و ان كلات بها ماء وافر و أرضها زراعية و فى نواحيها كثير من القرى. و أول اشتهارها فى التاريخ جاء من حصار تيمور لقلعتها فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة) و بعد ان سقطت بيده، أمر باعادة بناء حصونها و تمكين بنائها .

و تقوم مدينة سرخس فى أقصر طريق من طوس الى مرو

الكبرى، على ضفة نهر المشهد اليمنى أى الشرقية، و يقال له اليوم تجند. و الظاهر، ان هذا النهر لم يذكره بلدانيو القرون الوسطى. و مخرجه، على ما قد مرّ بيانه، فى المناقع القريبة من كوچان. و هو يجرى أولا نحو الجنوب الشرقى مارا بالمشهد.

فاذا ما جاوزها مسافة تقرب من مئة ميل، استقبل من الجنوب رافدا كبيرا هو نهر هراة. ثم يتجه نحو الشمال فيجرى الى سرخس. و على مسافة قليلة من شمال ذلك، عند خط طول ابيورد، تتوزع مياهه ثم تفنى فى رمال المفازة عند موضع يقال له الأجمة حيث تكثر أشجار الطرفاء. و لم ينوّه الاصطخرى و ابن حوقل بنهر تجند هذا الا بقولهما انه نهر «من فضل مياه هراة».

و قال ابن رسته، و قد كان رأيه فى هذا النهر رأى من ذكرنا، اذا صار نهر هراة (أى القسم الاسفل من تجند) على فرسخين من سرخس، انشعب منه نهر

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 438

الى هذه المدينة، و انشعبت أيضا انهار كثيرة تسقى رستاق سرخس، أهمها نهر يعرف ب «خشكروذ» (أى النهر الجاف) و عليه قنطرة حجارة عظيمة.

و لكن فى أكثر أيام السنة، لا يدوم الماء فى النهر، حتى عند سرخس.

و كانت سرخس فى المئة الرابعة (العاشرة)، مدينة عظيمة نحو من نصف مرو، صحيحة التربة و الهواء، و تكثر فى مراعيها الجمال و الاغنام، و لو ان ما يزرع من أراضيها محدود المساحة لقلة مائها. و قال المقدسى ان فيها جامعا و أسواقا حسنة و لها بساتين كثيرة فى أرباضها. و قال القزوينى ان سرخس مدينة كبيرة آهلة «و لاهلها يد باسطة فى عمل العصائب و المقانع المنقوشة بالذهب، منها تحمل

الى سائر الآفاق». و فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، وصف المستوفى أسوار سرخس و قال ان دورها خمسة آلاف خطوة، و عليها قلعة حصينة، و شربهم من نهر يأتى من طوس و هراة (و لم يذكر اسم تجند). و هو نهر حسن، ماؤه يساعد على الهضم، و كان يسقى مزارع سرخس التى يكثر فيها البطيخ و العنب .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 439

الفصل الثامن و العشرون خراسان «تابع»

ربع مرو- نهر مرغاب- مرو الكبرى و قراها- آمل وزم على جيحون- مرو الروذ او مرو الصغرى و قصر احنف.

يمتد ثانى أرباع خراسان، و هو ربع مرو، على نهر مرغاب أى نهر مرو.

و ينحدر هذا النهر من جبال الغور فى شمال شرقى هراة، ثم يمرّ بمرو الصغرى و يدور منها شمالا الى مرو الكبرى، حيث تتشعب منه جملة أنهار، ثم يفنى ماؤه فى رمال مفازة الغز، و هى فى نحو من خط طول سباخ نهر تجند أى نهر هراة، و لكنها تبعد نحوا من ميلا عن شرق هذا النهر.

و ما خلا المدن المختلفة المنتشرة على نهر مرغاب، فان ربع مرو، يشتمل أيضا على المواضع القائمة على طريق خراسان العظيم، مما يلى مرو الى الشمال الشرقى من نهر جيحون عند آمل، حيث معبر الطريق الى بخارا.

و اسم مرغاب، أو مرغاب، أصله على ما ذكر ابن حوقل، مرو آب (أى ماء مرو) الا ان الاصطخرى قال ان مرغاب اسم موضع ينبع فيه هذا النهر.

و سمى المقدسى نهر مرغاب نهر المروين، و قال هو «يمد الى مرو العليا (أى الصغرى) ثم يعطف الى السفلى (أى مرو الكبرى)» فاذا صار من مرو الكبرى على نحو من مرحلة سدّ قاعه من الجانبين بالحطب

فانحبس بذلك الماء و امتنع

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 440

مجراه عن أن يتحول. و كان على هذا السد فى المئة الرابعة (العاشرة) أمير لحمايته تحت يده عشرة آلاف رجل، و عليه حراس يحفظونه لئلا ينبثق «و لا ترى أحسن و لا أتقن من قسمته». و قد أقيم لوح على السد لقياس علو الماء وقت الفيضان. «و ربما علا الماء فبلغ طوله فى اللوح ستين شعيرة، و يستبشر الناس بذلك، و اذا كانت ست شعيرات، كانت سنة قحط».

و على فرسخ من جنوب مدينة مرو الكبرى، أقيم فى النهر سد شبه حوض عظيم مستدير، منه تخرج أربعة أنهار الى محلات و ارباض المدينة المختلفة. و قد أقيم فى الحوض أبواب و مقاسم تضبط علو الماء فى الحوض. و يبتهج الناس حين يصل الفيضان حدا عاليا، فتفتح السدود المختلفة و يوزع الماء على الانهار «قدر الحاجة». و أسماء هذه الأنهار الأربعة، المادة الى المدينة، على ولاء، هى:

نهر هرمز فرّه و يجرى غربا. و فى شرقه نهر الماجان، ثم نهر الزرق أو الرزيق، و آخرها نهر أسعدى. و يبدو ان عمود نهر مرغاب هو نهر الماجان أحد هذه الانهار الاربعة. و هو بعد أن يشق البلد و يتخلل أرباضها، و عليه هناك جسور، يخرج الى المفازة فيوالى جريه حتى تضيع مياهه فى السبخة. و ذكر ياقوت فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) ان نهر مرغاب كان يعرف فى أيامه بنهر رزيق (و لعله يطابق النهر المذكور أعلاه) و قال ان هذا الاسم كثيرا ما أخطأوا فيه فقالوا: زريق. و هناك صورة ثالثة سماه بها كتاب جهان نما و هى زربق. و جاءت هذه الاسماء فى المستوفى أيضا،

و قد ذكر ان مرغاب هى التسمية الشائعة فى أيامه.

و ما زال هذا النهر الكبير معروفا بهذا الاسم حتى اليوم .

و كانت مرو الكبرى تعرف فى العصور الوسطى بمرو الشاهجان تمييزا لها عن مرو الروذ و هى مرو الصغرى. و لعل الشاهجان ليس الا الصيغة العربية ل «شاهگان» الفارسية القديمة، و معناها «السلطانى» أو «يخص السلطان».

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 441

اما ياقوت الحموى و غيره فقالوا ان الشاهجان معناه «نفس السلطان». و مرو، على ما وصفها الاصطخرى و ابن حوقل و المقدسى، تتألف من قلعة داخلة (قهندز)، و القهندز مرتفع «و مقداره مقدار مدينة» حوله المدينة الداخلة، و لها أربعة أبواب، ويليها أرباض واسعة تمتد على ضفاف الانهار الكبيرة.

و الابواب الاربعة للمدينة الداخلة: باب المدينة (فى الجنوب الغربى)، و اليه ينتهى طريق سرخس. و باب سنجان (فى الجنوب الشرقى)، و يفضى الى ربض بنى ماهان و نهر أسعدى. و باب درمسكان (فى الشمال الشرقى)، و منه يخرج الى ماوراءالنهر. و الباب الرابع يعرف بباب بالين (فى الشمال الغربى).

و كان فى مرو فى المئة الرابعة (العاشرة) ثلاثة مساجد جامعة: أولها مسجد القلعة، و يقال له مسجد بنى ماهان. ثم المسجد العتيق، و كان على باب المدينة المفضى الى سرخس. و المسجد الثالث هو المسجد الجديد فى ربض ماجان فى خارج باب ماجان، جنب الاسواق الكبرى فى مرو.

و نهر رزيق يدخل المدينة من باب يقال له باب المدينة ثم يدخل المسجد العتيق، فتتفرق مياهه فى حياض لشرب أهل المحلة. و يجرى نهر ماجان فى غربه و هو يسقى ربض ماجان الكبير، و كان حول الميدان، و فى الميدان المسجد الجديد و دار الامارة

و الحبس، و هى من بناء أبى مسلم (الخراسانى) أكبر دعاة العباسيين، و كان له الفضل الأول فى نيلهم الخلافة، على ما فى التاريخ. و فى دار الامارة، قبة من الآجر سعتها خمسة و خمسون ذراعا على ما ذكر الاصطخرى، و عندها «صبغ أول سواد و لبسته المسوّدة» و اتخذ السواد شعارا للدولة الجديدة.

و فى غرب نهر ماجان، على ما بيّنا، نهر هرمز فرّه، و كان فى نهاية أرباض مرو. و على ضفافه أبنية و بيوت كثيرة و عليه بنايات حسين الطاهرى، و كان قد نقل كثيرا من الاسواق الى هذا الربع. و تكلم ياقوت بعد ذلك بزمن على ربض ماجان الغربى العظيم و ذكر دربين من دروبه هما الدرب المعروف ب «برارجان» (عوضا عن برادرجان) أى «نفس الاخ» فى ماجان الاعلى. و درب تخاران به. ثم

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 442

يصل نهر هرمز فره الى بلدة بهذا الاسم قرب سباخ نهر مرغاب، فيها جامع. و كان على فرسخ من هرمز فره بلدة باشان، فيها أيضا مسجد جامع. و فى هذا الجانب من مرو بلدة خرق (أو خره) و بلدة السوسنقان ، و بينهما فرسخ. و كان فى كل واحدة منهما مسجد جامع.

و على مرحلة من غرب مرو، مدينة يقال لها سنج (و كتبها المقدسى:

سنك). و فيها مسجد جامع حسن على نهر و بها بساتين كثيرة. ويليها على مرحلتين من جنوب غربى مرو، فى الطريق الى سرخس، مدينة الدمدانقان.

و كانت مدينة صغيرة محصنة لها باب واحد و حمامات فى ظاهر سورها. و رأى ياقوت خرائبها فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) فان الاتراك الغزية خربوها فى سنة 553 (1158). و عندها تنتهى

مزارع مرو فى الجنوب الغربى. أما كشميهن، و هى على مرحلة من مرو فى طريق بخارا آخر حد الزراعة من الشمال الشرقى. و كانت كشميهن أو كشماهن مشهورة، على ما ذكر اليعقوبى، بالزبيب الكشماهنى. و فيها مسجد جامع حسن و أسواق عامرة و يسقيها نهر عظيم و فيها كثير من الخانات و الحمامات. و تكثر فى بساتينها الفاكهة.

و فى ظاهر باب درمسكان من أبواب مرو، و كان يفضى الى بلدة كشميهن، قصر المأمون و فيه عاش أيام مقامه بمرو، حتى أفضت اليه الخلافة بعد أخيه الامين، فانتقل الى بغداد. و كان باب مرو الجنوبى الشرقى، و هو باب سنجان، يفضى الى نهر أسعدى، و عليه كانت دور بنى ماهان (أو ميرماهان) و قصر مرزبان مرو و هو حامى السباخ الفارسى. و من هذا الباب، كان الطريق يذهب الى نهر مرغاب بالقرينين الى مرو الروذ. و على ستة فراسخ من المدينة فى اتجاهه هذا، كانت مدينة جيرنج (و هى كيرنك فى المقدسى) على ضفة النهر. و على فرسخ مما يليها زرق. و بجنبها الطاحونة التى اختفى فيها يزدجرد الثالث آخر ملوك الساسانيين و قتله الطحان طمعا بكنوزه. و كان فى قرية زرق هذه، على

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 443

ما ذكر ابن حوقل، مقسم ماء نهر مرغاب، فتخرج منه أنهار تسقى البساتين حول مرو . و كانت هذه البساتين مشهورة بجودة بطيخها. و فى مفازتها يكون الاشترغاز الذى يحمل الى نواح أخرى من خراسان. و يرتفع من مرو:

الابريسم و القز الكثير و الثياب المروية المشهورة .

و فى النصف الثانى من المئة الرابعة (العاشرة)، زار المقدسى مدينة مرو، فرأى ثلث ربضها مهدما، و قهندزها

ليس بأحسن حالا. على ان فى المئة التالية اتسعت المدينة و عظم شأنها فى أيام السلاجقة. و فيها دفن السلطان سنجر آخر السلاجقة العظام سنة 552 (1157) و ما زالت بقايا قبره فيها حتى اليوم.

و وصف ياقوت، و قد كان فى مرو سنة 616 (1219) قبر السلطان سنجر، قائلا «قبره بها، فى قبة عظيمة زرقاء تظهر من مسيرة يوم، لها شباك الى الجامع.

بلغنى ان بعض خدمه بناها له بعد موته». و فى قرية أندرابة، على فرسخين من مرو، و هى من أملاك السلطان سنجر كانت ترى بقايا قصره فى المئة السابعة (الثالثة عشرة). و كانت أسواره باقية الا ان سائره قد استولى عليه الخراب و كذلك كان حال القرية المجاورة له، على ما ذكر ياقوت.

و قال ياقوت ان بمرو فى أيامه كان «جامعان للحنفية و الشافعية، يجمعهما

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 444

السور». و أقام ياقوت فى مرو ثلاثة أعوام يجمع مادة لكتابه «معجم البلدان» لان مرو كانت قبل ورود التتر اليها مشهورة بخزائن كتبها فنوه بذلك قائلا لو لا ما عرا من ورود التتر الى تلك البلاد و خرابها، لما فارقتها الى الممات» و ذكر من بين خزائنها، خزانتين فى الجامع، «احداهما يقال لها العزيزية، و كان فيها اثنا عشر الف مجلد أو ما يقاربها. و الاخرى يقال لها الكمالية، و بها خزانة شرف الملك فى مدرسته. و خزانة نظام الملك (الحسن ابن اسحق) فى مدرسته، و خزانتان للسمعانيين، و خزانة أخرى فى المدرسة العميدية»، و فيها أيضا خزانة المدرسة الخاتونية و خزانة لمجد الملك، و بها خزانة الضميرية فى خانقاه أى زاوية الدراويش و ليس فيها الا 200 مجلد، و

لكن كل مجلد قيمته على ما ذكر ياقوت مائتا دينار ذهبا، لان كل كتبها فريد لا يقدر بثمن .

و بورود التتر الى مرو فى سنة 617 (1220)، هرب ياقوت الى الموصل فى اقليم الجزيرة، أما ما فى خزائن مرو من نفائس الكتب فقد أضحت طعمة للنيران عقب نهب المغول لهذه المدينة العظيمة. و بقى من جراء ذلك تسعة ملايين جثة بين أنقاضها لم تدفن . و قال ابن الاثير «ثم انهم أحرقوا تربة السلطان سنجر». و أحرقوا أيضا الجوامع و الخزائن و غيرها. و زاد حافظ أبرو على ذلك، ان التتر كسروا السدود و خربوا المسنّيات و مقاسم الماء فى نهر مرغاب التى كثرت فى أيام السلاجقة. فان السلاجقة قد عنوا بمياه هذا النهر عناية فائقة و رتبوا أمر توزيعها على هذه الواحة التى تحولت الآن سبخة مقفرة و حين اجتاز ابن بطوطة بمرو فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) رآها فاذا هى جميعا خربة عظيمة.

و تكلم معاصره المستوفى على ماضى مرو الزاهر و مجدها الغابر فى المئة الثانية (الثامنة) حين كان يتولاها أبو مسلم الذى مكن العباسيين من الوصول الى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 445

الخلافة، و حين كان يقيم بها المأمون قبل شخوصه الى بغداد. ثم نقل بنو الصفار عاصمة خراسان الى نيسابور، الا ان السلاجقة جعلوا مرو أولى المدن مرة أخرى.

و بنى السلطان ملكشاه سورا عظيما حول المدينة دوره 12300 خطوة، و كانت غلات واحة مرو مفرطة المحصول. فقد روى المستوفى ان قمحها كان يعطى الواحد فى السنة الاولى مئة ضعف و ما تخلف من حب يعطى الواحد فى السنة الثانية ثلاثين. و يعطى الواحد فى السنة الثالثة عشرة حتى

و ان لم تزرع، على ان هواءها كان وخما و بيئا. و كان «الرشتة» فيها أى «العرق المدينى» من الآفات الخبيثة التى تعترى أهلها. و كانت الرمال المتحركة من المفاوز المجاورة لها قد طمرت فى أيامه كثيرا من رساتيقها الخصبة، و لكن بطيخها الجيد بقى يزرع فيها و يجفف و يحمل الى سائر البلدان و كذلك كان فيها عنب و كمثرى.

و قال المستوفى فى سياق وصفه مرو، ان الخراب ما زال مستوليا على أكثرها، و ان استعادت فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة) شيئا من بهائها الاول. فان تيمور لنك كان كثيرا ما ينزل عندها حين يخفت دوى الحرب. بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد ؛ النص ؛ ص445

كان غالبا ما يقيم فى موضع سماه علي اليزدى ماخان، و لعله تصحيف النساخ لاسم ماجان، و هو على ما بيّنا، كان يطلق قديما على الربض الغربى العظيم فى مرو.

و ذكر ياقوت موضعا سماه أيضا ماخان و قال انه قرية قرب المدينة.

و استعادت مرو عظمتها الاولى فى أيام شاه رخ، حفيد تيمور. فقد جدد قسما كبيرا من المدينة فى سنة 812 (1409)، حتى ان حافظ أبرو، حين كتب فى سنة 821 (1418)، قال انها قد عادت ثانية الى ما كانت عليه من عمران و ازدهار .

و مدينة آمل كانت فى يسار نهر جيحون، على نحو من 120 ميلا شمال شرقى مرو، حيث يعبره طريق خراسان الذاهب الى بخارا و ماوراء النهر. و على نحو من مئة ميل من شرق آمل فى أعلى هذه الضفة نفسها، كانت مدينة زمّ و هى عند معبر النهر أيضا. أما آمل، و قد كانت تعرف فى العصور الوسطى بأمويه، ثم عرفت بچهار

جوى (أى الاربعة أنهار، و ما زال موضعها يعرف

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 446

بهذا الاسم). فقد وصفها ابن حوقل بأنها مدينة صغيرة طيبة عظيمة الشأن، لان بها مجمع طرق خراسان الى ماوراءالنهر. و فى طريق مرو الماد نحو الجنوب الغربى، آبار فى كل مرحلة. و ما سوى ذلك، فقد كانت المفازة تحيط بها من كل جانب حتى ضفة النهر. و امتدح المقدسى أسواق آمل العامرة. و قال ان جامعها على نشزة، و هى على فرسخ من نهر جيحون، كثيرة الضياع، و فيها أعناب نفيسة. و كان بازاء آمل، على ضفة النهر اليمنى فى رستاق بخارا، مدينة فربر.

و لكى يميز بين آمل هذه و مدينة آمل الاخرى التى كانت قاعدة طبرستان، (أنظر صفحة 410 أعلاه) فقد ذكرتها المراجع، على ما جاء فى ياقوت، باسم آمل زم (نسبة الى مدينة زم، و هى فى أعلاها على نهر جيحون) و آمل جيحون، و آمل الشط، و آمل المفازة. على ان آمل، فى زمنه كان يقال لها أمو و أمويه، و بهذه التسمية وردت فى أخبار حروب المغول و أخبار حروب تيمور. و كانت تعرف أيضا بقلعة أمويه. و فى المئة الحادية عشرة (السابعة عشرة) أطلق أبو الغازى عليها اسم أمويه حين وصف زحف جنكيزخان. و لكنه حين تكلم على حوادث زمنه، ذكر اسم چهار جوى و هو يقصد هذا الموضع على نهر جيحون، و انما أراد بهما موضعا واحدا. أما مدينة زم، و قد بيّنا انها على جانب خراسان من النهر، فهى كرخي الحديثة. و فى العصور الوسطى، كان بازائها من جانب بخارا، مدينة أخسيسك. و تكلم ابن حوقل على زم و قال انها

نحو من آمل فى الكبر. و لا يمكن الوصول اليها من آمل، الا من جانب خراسان، فى الطريق الصاعد بمحاذاة جيحون بعد مسيرة أربع مراحل. فالطريق من زم الى مرو كان يخترق المفازة المجدبة. و من زم، يصل باتجاه الشرق الى بلخ و بعد عبوره نهر جيحون يبلغ ترمذ. و قد أشار المقدسى الى زم أيضا بايجاز فقال ان الجامع وسط الاسواق. و هذا يدل على انه كان لمدينة زم، فى المئة الرابعة (العاشرة)، بعض الشأن .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 447

و لنعد الى الكلام ثانية على نهر مرغاب. فعلى نحو من 160 ميلا فوق مرو العظمى، تقوم مرو العليا أو الصغرى، فى موضع من النهر حيث ينعطف شمالا بعد خروجه من جبال الغور فيقطع البرية الى مرو الكبرى. و مرو الصغرى أى مرو العليا على ما سماها المقدسى و غيره، هى الموضع المعروف لدى الفرس باسم بالا مرغاب أى «مرغاب الاعلى». و هى اليوم خراب و قد ظلت على خرابها منذ غزو تيمور لها. الا ان مرو الروذ، أى مرو الشط، على ما كانت تسمى به فى المئة الرابعة (العاشرة)، كانت حينذاك أكبر مدينة فى هذا الرستاق العامر الآهل. و هنالك ما عداها، أربع مدن أخرى بها منابر. و من مرو الروذ الى نهر مرغاب، غلوة. و لها عليه بساتين و كروم، و تبعد ثلاثة فراسخ عن الجبال التى فى غربها، و فرسخين عن الجبال التى فى شرقها. و جامعها فى السوق، و هو على ما ذكر المقدسى، على سوارى خشب. و زاد قدامة على ذلك ان على فرسخ من «مرو الاعلى» (حسب تسميته لها) موضعا يقال له قصر عمرو،

فى الجبل على فم الشعب. و ذكر ياقوت ان اسم مرو الروذ فى أيامه كان يلفظه الناس مرّوذ. و الظاهر انها لم يصبها من التدمير ما أصاب مرو الكبرى على أيدى المغول. و مهما يكن من أمر فان المستوفى، فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، قال انها موضع، عامر، عليه سور دوره خمسة آلاف خطوة، بناه السلطان ملكشاه السلجوقى. و كانت رساتيقها فى غاية الخصب، يكثر فيها العنب و البطيخ.

و المعيشة فيها رخيصة .

و على مسيرة يوم من مرو الروذ، على الضفة نفسها من ناحية مرو الكبرى، كان القصر المعروف بقصر أحنف، نسبة الى أحنف بن قيس القائد العربى فى أيام الخليفة عثمان، و قد أخضع هذه البلاد للاسلام فى سنة 31 (652).

و كانت بلدة قصر أحنف كبيرة على ما ذكر ابن حوقل، لها بساتين و كروم حسنة.

و هى طيبة الهواء و التربة. و قال المقدسى ان جامعها فى السوق. و تؤشر موضع

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 448

قصر أحنف اليوم قرية مروچك أى مرو كوجك (مرو الصغرى) على ما يسميها الفرس. و كان فى العصور الوسطى، على أربعة فراسخ فوق مرو الروذ، بلدة دزه، و يشقها نهر مرغاب الى نصفين، بينهما قنطرة. و لها جامع حسن. و زاد ياقوت على ذلك انها كانت تسمى فى الاصل سنوان .

و قرى پنج ديه (أى الخمس قرى)، أسفل من مروچك، على نهر مرغاب. و قد زارها ناصر خسرو. فى سنة 437 (1045) فى طريقه الى مكة.

و رآها ياقوت فى سنة 616 (1219) و ذكر انها مدينة حسنة. و جاء ذكر هذا الموضع أيضا فى زمن تيمور فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة) فقد قال علي

اليزدى انها تعرف باسم پندى (و لكن قراءتها غير مضبوطة على ما يظهر، و قد جاءت فى بعض المخطوطات بصورة يندى). و فى أوائل العصور الوسطى، كانت البلاد من مرو الصغرى الى مرو الكبرى، على جانبى مرغاب، مزروعة تنبثّ فيها القرى و المدن، و كانت القرينين، و قد نوهنا بها، على أربعة فراسخ فوق مرو الكبرى و فرسخين أسفل من مرو الروذ. و فى نصف الطريق بين القرينين و المدينة الاخيرة: لوكر أو لوكرا، و كانت على ما ذكر المقدسى عامرة، فى كبر قصر أحنف. و فوق مرو الروذ فى أعلى مرغاب فى جبال غرجستان، نواح و رساتيق عامرة كثيرة ستكون موضوع بحثنا فى الفصل القادم فى كلامنا على الغور فى ربع هراة .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 449

الفصل التاسع و العشرون خراسان «تابع»

ربع هراة- نهر هراة أو هرى رود- مدينة هراة- مالن و المدن التى فى أعلى نهر هرى رود- بوشنج- كورة أسفزار- كورة بادغيس و مدنها- كنج رستاق- رساتيق غرجستان و الغور- الباميان.

يقع ربع هراة برمته، فى البلاد المعروفة اليوم بأفغانستان. و يسقى معظمه نهر هراة أو هرى رود. و مخرج هذا النهر فى جبال الغور. و يجرى فى أوله مسافة نحو الغرب. و لسقى وادى هراة شقت منه أنهار كثيرة، بعضها فى أعلى مدينة هراة و بعضها فى أسفلها. و قد سمى المقدسى سبعة من هذه الانهار بوجه خاص و قال انها تسقى ما حول القصبة من رساتيق خصبة.

و يجرى نهر هراة فى أوله من الشرق الى الغرب و يمر بمدينة هراة على سبعة أميال من بابها الجنوبى بالقرب من مدينة مالن. و عليه هناك جسر قال المقدسى فيه «ليس بجميع خراسان

أعجب عملا منه. بناه رجل مجوسى و كتب عليه اسمه- و يقال ان سلطانا أراد ان يكتب عليه اسمه- منهم من قال أسلم، و منهم من قال طرح نفسه فى النهر». و ذكر المستوفى أسماء تسعة من أنهار السقى الكبيرة التى كانت تأخذ من هرى رود من جوار هراة. و فى ما يلى هراة، كان هرى رود يمر بمدينة فوشنج قرب ضفته الجنوبية، ثم يعطف شمالا فيجرى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 450

الى سرخس، و قبل ان يصلها، يستقبل مياه نهر المشهد، على ما بينا فى الفصل السابق. ثم فى ما يلى ذلك تفنى مياهه فى المفازة شمال سرخس. و قال حافظ ابرو ان نهر هراة يعرف أيضا باسم خجاچران (و تهجئة هذا الاسم تتعدد بتغير نقاط الاعجام، أما التهجئة الصحيحة فغير معروفة). و هو يؤكد ان مخرجه كان فى عين لا تبعد كثيرا عن موضع مخرج نهر هيلمند .

و فى المئة الرابعة (العاشرة) كانت هراة، على ما وصفها به ابن حوقل و المقدسى، مدينة جليلة عليها حصن و سور له أربعة أبواب: باب سراى مما يلى الشمال فى الطريق الى بلخ. و الباب الثانى الى الغرب يفضى الى نيسابور، و هو باب زياد. و باب فيروز اباد، و قد سماه المقدسى باب فيروز، كان فى الجنوب، يخرج منه الى سجستان. و كان فى الشرق باب خشك، و يؤدى الى جبال الغور. و كانت أبوابها هذه خشبا الا باب سراى فقد كان حديدا، على قول ابن حوقل. و كان لحصن هراة (و يقال له القهندز) أربعة أبواب أيضا «بحذاء كل باب من أبواب المدينة باب لهذا الحصن و يسمى باسم ذلك الباب».

و المدينة مقدار نصف فرسخ فى مثله. و دار الامارة بمكان يعرف بخراسان أباذ فى ظاهر البلد بينهما ميل، على طريق فوشنج الذاهب غربا. و عند كل باب من أبواب المدينة الاربعة، سوق و فى ظاهر الباب ربض واسع. و كان المسجد الجامع فى وسط أسواق المدينة. «و ليس بخراسان و سجستان مسجد أعمر بالناس من مسجد هراة».

«و السجن على ظهر قبلة مسجد الجامع» أى فى غربه.

و فى شمال هراة: الجبال، و هى من المدينة على فرسخين. و الاراضى هنا بادية لا تسقى. و يرتفق الناس من هذه الجبال «بالحجارة للأرحية و الفرش.

و على رأس هذا الجبل بيت نار (قديم) يسمى سرشك» كان يقصده المجوس فى المئة الرابعة (العاشرة). و فى نصف المسافة بين بيت النار و المدينة بيعة للنصارى. و الى جنوب هراة، فى طريق مالن، قنطرة على هرى رود. و بينها

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 451

و بين المدينة بساتين كثيرة و رساتيق عامرة تسقيها أنهار عديدة. و قراها متصلة مقدار مرحلة على طريق سجستان.

و استمرت هراة على ازدهارها و عمرانها حتى اجتياح المغول لها. و حين كان ياقوت فيها سنة 614 (1217) أى قبل أن تنكب بهذه الكارثة بأربع سنوات، وصفها بقوله «لم أر (بخراسان) مدينة أجل و لا أعظم و لا أفخم و لا أحسن و لا أكثر أهلا منها، فيها بساتين كثيرة و مياه غزيرة». و أيد معاصره القزوينى كلامه هذا و أشار الى أرحيتها التى «تديرها الريح بنفسها كما يديرها الماء» و هو منظر لم يألفه القزوينى. على ان هراة قد انتعشت بعد ما أصابها من كوارث على يد التتر، فان المستوفى فى المئة التالية لها،

أيد قول ابن بطوطة فى انها كانت أكبر المدن العامرة فى خراسان، بعد نيسابور. و دور أسوارها حينذاك تسعة آلاف خطوة، و لها 18 قرية يسقيها نهر (نهريچه) يأخذ من هرى رود.

و كان يجود فيها صنف من الاعناب يقال له «الفخرى» و كذلك التين. و كان أهل هراة فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) من السنّة. و قد كان أقصى ما بلغته هراة من ازدهار، على قول المستوفى، فى المئة السادسة (الثانية عشرة) أيام حكم الدولة الغورية فيها. فقد كان فيها حينذاك 12000 دكان، و 6000 حمام، و 659 مدرسة، و عدد سكانها 444000.

و كان فى شمال هراة، حين كتب المستوفى، حصن مكين يقال له شميران، بنى فى موضع بيت النار المسمى سرشك و قد ذكره ابن حوقل، و هو على رأس جبل يبعد فرسخين عن المدينة. و عرف هذا الحصن أيضا بقلعة امكلچه. و فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، بعد ان تملك تيمور هراة، نقض أسوارها و أرسل معظم الحذّاق من صناعها الى مدينته الجديدة شهر سبز فى ماوراء النهر تكثيرا لسكانها. و جاء فى كتاب جهان نما بالتركية، انه كان لهراة فى زمن كتابته، أى سنة 1010 (1600) خمسة أبواب: باب يقال له دروازه ملك فى الشمال، و باب عراق فى الغرب، و باب فيروز أباد فى الجنوب،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 452

و باب خش فى الشرق، و باب كپچاق فى الشمال الشرقى، و الاخير أحدثها.

و ذكر جهان نما أيضا البلوكات العشر أى الرساتيق التى حول هراة، و لكنه لم يذكر موضع كل بلوك من الآخر .

و على فرسخين، أى مسيرة نصف يوم، من جنوب هراة، مدينة مالن أو مالن، و

يخمّن انها فى ما يلى القنطرة العظيمة التى كانت على هرى رود و بها عرفت القنطرة. و حول المدينة رستاق على اسمها مداه مسيرة يوم. و كان يقال لمالن هذه السفلقات و مالن هراة، تمييزا لها عن مدينة بالاسم نفسه فى رستاق باخرز بقوهستان (و قد مرّ ذكرها فى الفصل الخامس و العشرين، ص 397).

كانت مالن بلدة صغيرة مشتبكة البساتين كثيرة الكروم. زارها ياقوت و كتب اسمها مالين و لكنه قال ان الناس فى أيامه يسمونها مالان. و فى رستاقها خمس و عشرون قرية خص بالذكر منها أربعا: مرغاب و باشينان و زنسان و عبسقان.

و على مرحلة من شمال هراة، بلدة كروخ أو كاروخ. قال ابن حوقل انها كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) أكبر مدن كورة هراة بعد قصبتها. و يرتفع من كروخ المشمش و الزبيب و يحمل الى سائر البلدان «و مسجدها الجامع بمحلة منها تعرف بسبيدان، و بناؤها من طين، و هى فى شعب بين جبال مقدار عشرين فرسخا و جميعها مشتبكة البساتين و المياه و الاشجار و الغياض و القرى العامرة».

و يصب أكبر أنهارها فى هرى رود، و يظهر انه هو النهر الذى سماه ياقوت نهر كراغ.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 453

و الى شرق هراة، فى وادى هرى رود العريض، تقوم مدن تلى احداها الاخرى ذكرها بلدانيو المئة الرابعة (العاشرة)، و هى بشان على يوم من هراة، م خيسار فأستربيان فماراباذ فأوفه. تبعد الواحدة عن الاخرى شرقا مسيرة يوم.

ثم على يومين مما يلى أوفه، مدينة خشت و كانت تعد من ناحية الغور. و من بين هذه المدن التى ذكرناها كانت أوفه نحو كروخ فى الكبر و تليها فى

الشأن.

أما المدن الاربع الاخرى، فقد تشابهت فى الوصف، فلكلها مياه و بساتين و زروع. و كلها أصغر من مالن و كانت استربيان لا كروم فيها، و هى فى جبال.

و ماراباذ «يرفع منها أرز كثير يجلب الى النواحى» .

و على مسيرة يوم من غرب هراة مدينة بوشنج أو فوشنج الجليلة. و الظاهر انها حيث تقوم غريان الحالية على شى ء يسير من ضفة هرى رود اليسرى فى جنوبها. و قد وصف ابن حوقل بوشنج بانها كانت فى المئة الرابعة (العاشرة)، نحوا من نصف هراة، «و هى و هراة فى مستواة و من بوشنج الى الجبل نحو فرسخين». و بناؤها حسن تحف بها الاشجار. و بها من أشجار العرعر ما ليس فى غيرها و يحمل خشبه الى سائر النواحى. و لبوشنج سور و خندق و ثلاثة أبواب. باب يسمى باب علي يفضى الى نيسابور، و باب هراة الى الشرق، و باب قوهستان الى الجنوب الغربى. و كان ياقوت، قد رآها و هو مار فى طريقه، فى واد كثير الشجر، و سماها بوشنج و فوشنج و ذكر ان «العجم يقولون بوشنك بالكاف». و وصف المستوفى مدينة فوشنج، فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) و قال انها مشهورة بالبطيخ و الاعناب، و بها من الاعناب مئة و خمسة أصناف. و مما خصت به، الأرحية التى تديرها الريح. و أصلها يعزى الى فرعون مصر من أيام موسى، فقد بلغ هذه المدينة فى احدى حملاته نحو الشرق. و فى سنة 783 (1381) غزا تيمور مدينة فوشنج و نهبها، و قد استولى عليها بالرغم من علو أسوارها و عمق ماء خندقها، على ما نوّه به علي اليزدى. و بعد ذلك اختفى اسم فوشنج من

التاريخ لغير ما سبب واضح ثم قامت بعد زمن مدينة غريان،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 454

المدينة العامرة اليوم، على خرائب المدينة التى نهبها تيمور و خرّبها. و مما تحسن الاشارة اليه، ان المدن الثلاث: فرجرد و خرجرد و كوسوى، و قد سبق وصفها بين مدن اقليم قوهستان (أنظر ص 397- 398)، غالبا ما عدت من أعمال فوشنج .

و كورة أسفزار، فى جنوب هراة فى طريق زرنج. كان فيها فى المئة الرابعة (العاشرة) أربع مدن مهمة، ما خلا القصبة أسفزار، و هى ادرسكر و كوران و كوشك و كواشان. و أسفزار اليوم أكبر المدن، و يقال لها فى وقتنا سبزوار (و تسمى أيضا سبزوار هراة، تمييزا لها عن سبزوار التى فى غرب نيسابور. أنظر ص 432). الا ان أكبر مدن هذه الكورة قديما كانت كواشان.

و مقدار الكورة مسيرة ثلاثة أيام من الشمال الى الجنوب، و عرضها مرحلة يوم. قال الاصطخرى كان عندها شعب يسمى كاشكان، و فيه قرى عامرة. و نهرها و منابعه بالقرب من اسفزار (سبزوار) هو النهر المعروف اليوم بهارود سيستان و يقع فى رأس بحيرة زره غرب جوين. و مدن أسفزار هذه تحيط بها كلها الاراضى الخصبة و البساتين. و ذكرت كتب المسالك اسما ثانيا لاسفزار، هو خاشتان (أو جاشان فان قراءته غير محققة) و لا يستبعد ان تكون خواشان صورة أخرى لهذا الاسم. فتكون هذه المدينة فى الواقع اذا، مطابقة لاسفزار (سبزوار). و مدينة أدرسكر أو أردسكر، على ما تلفظ به أيضا، ما زالت قائمة فى شرق أسفزار، و يكتب اسمها اليوم بصورة أدرسكن. و ذكر ياقوت ان اسفزار من أعمال سجستان، و تكلم عليها المستوفى بانها مدينة

ليست بالكبيرة و لا بالصغيرة، لها قرى كثيرة و بساتين وافرة الاعناب و الرمان. و كان جل أهلها فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) من السنة على المذهب الشافعى. و مما يؤسف عليه ان كتب المسالك لم تبين مواضع المدن الاخرى فى هذه الكورة، بالنسبة الى بعضها .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 455

و الطريق من هراة الضارب شمالا الى مرو الروذ، يجتاز كورة باذغيس العظيمة، و كانت تمتد بين نهر هراة من الغرب (فى شمال فوشنج) و مياه نهر مرغاب الاعلى من الشرق و هى الآتية من جبال غرجستان. و كان يسقى باذغيس نفسها كثير من روافد نهر مرغاب اليسرى. و كان القسم الشرقى من باذغيس، و هو يبدأ على نحو من 13 فرسخا من شمال هراة، يعرف بكنج رستاق، و له ثلاث مدن كبيرة هى: ببن، و كيف، و بغشور. و قد عينت كتب المسالك مواضعها على وجه التقريب أما فى بقية باذغيس، فقد ذكر المقدسى تسع مدن كبيرة و لكن مما يؤسف عليه انه لا يمكن تعيين موضع واحدة من هذه المدن، لان كتب المسالك لم تذكرها. و هذه البلاد اليوم، غامرة لا سكان فيها، فقد خربتها الغزوات المغولية فى المئة السابعة (الثالثة عشرة). و تشهد الخرائب الكثيرة المنتشرة فى تلك البقعة على ما كانت عليه هذه البلاد قبلا من وفرة فى المياه و ازدهار فى العمران. الا ان اسماءها الحديثة هى غير تلك التى ذكرها بلدانيو القرون الوسطى.

أما أطلال مدينة بغشور، و هى من مدن كنج رستاق الكبيرة، فالظاهر انها هى المعروفة بقلعة مور. وصف ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) مدينة بغشور بقوله انها من أحسن مدن خراسان

و أكثرها ثروة، و هى نحو بوشنج.

و كان سلطان هذه الناحية يقيم فى ببن أو ببنة و هى أكبر هذه المدن، بل أكبر من بوشنج. أما «كيف» فكانت نحوا من نصف بغشور. و هذه المدن حسنة، بناؤها من طين. و حولها البساتين و الزروع، و فيها مياه كثيرة جارية و آبار. و قد رأى ياقوت هذه البلاد فى سنة 616 (1219)، و أيد ما كانت عليه بغشور السابقة و المدن المجاورة لها من ثروة، و لكنه قال «الخراب فيها ظاهر» مع ان ذلك كان قبل الغزو المغولى. و زار ياقوت ببنة و سماها: بون و بون. و زار أيضا بلدة أخرى يقال لها الباميان، أو بامنج، و هى على شى ء يسير من ببنة. و قال انها «ذات خير و رخص يكثر فيها شجر الفستق» .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 456

أما القسم الجنوبى من كورة باذغيس، فان ما يقال عن سابق عمران كنج رستاق و ازدهارها، يقال عن هذا القسم أيضا. الا ان مدنه قد زالت اليوم جميعا من الخارطة، و يصعب تعيين مواضع أسمائها التى عرفت فى القرون الوسطى أو مطابقتها مع أسماء الخرائب الحالية. و قد اتفقت الاخبار على ان قصبة هذا القسم كانت دهستان، و موضعها قد يتفق هو و مرقد خواجه دهستان الحالى فى شمال شرقى هراة. و ذكر المقدسى أسماء سبع مدن أخرى، هى: كوغاناباذ و كوفا و بشت و جاذاوا و كابرون و كالوون و جبل الفضة. و لا يمكن معرفة مواضعها الا بوجه تقريبى. كانت دهستان فى المئة الرابعة (العاشرة) ثانى المدن الكبرى فى باذغيس، مثل نصف بوشنج، و هى على جبل، و بناء أهلها

طين و لهم أسراب تحت الأرض لأيام الحرّ، و بساتينها قليلة و مزارعها مباخس. و كان سلطان الناحية يقيم فى كوغاناباذ، و هى أصغر من دهستان. و مدينة جبل الفضة كانت على ما يدل عليه اسمها، عند جبل فيه معدن الفضة فى الطريق الماد رأسا من هراة الى سرخس. و الظاهر انها فى شمال كوغاناباذ. و يكثر فى ناحيتها الحطب. و كانت كوفا أكبر من جبل الفضة، فى برية، لها بساتين حسنة. و لكن المقدسى لم ينوه بشى ء عن المدن الاربع الاخرى، الا قوله ان هذه المدن كانت تقوم قرب الطريق الذاهب شمالا من هراة الى سرخس.

و ذكر ياقوت، و قد قال ان دهستان «ناحية بباذغيس»، ان «أصلها بالفارسية باذ- خيز، معناه قيام الريح أو هبوب الريح لكثرة الرياح فيها».

أما كلام المستوفى على باذغيس فيصعب فهمه لان أسماء الامكنة كثيرة التصحيف فى المخطوطات. قال ان دهستان كانت القصبة و أشار الى جبل معدن الفضة بالتسمية الفارسية كوه نقرة «جبل الفضة». و فيها موضع ثالث ذو شأن هو كوه غناباد (عوضا عن كوغاناباذ)، و فيها كان يقيم الامير. و جاء ذكر مدينة رابعة يقال لها بزرگترين. و لكن قراءة الاسم غير معتمد عليها. و ذكر المستوفى أيضا مدينة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 457

باسم كاريز (أو كاريزه) أى «الكهريز» و قال انها كانت مقام حكيم برقعى- «الحكيم المبرقع»- المعروف لدى الناس بصانع القمر بنخشب، و هو نبي خراسان المبرقع الذى ثار فى المئة الثانية (الثامنة) على الخليفة المهدى و اقتضى لقمع ثورته جهد كبير .

و قد انتهت الينا أسماء مواضع أخرى أيضا ذكرها المقدسى و البلدانيون العرب الاولون (و يعتور اسماءها كثير من

التصحيف فى متون كتبهم) دون ان يذكروا شيئا عنها. و فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، كانت باذغيس على قول المستوفى، مشهورة بغابات الفستق. و فى موسم جمعه كان يخرج كثير من الناس فيحملون منه ما قدروا على حمله، و كان يحمل الى سائر البلدان المجاورة. و كانت أشجار الفستق من الكثرة فيها حتى ان المستوفى قال ان كثيرا من الناس يعتاشون السنة كلها على ما يربحون مما جمعوه فى موسم جنيه. و ما أعجب مرأى أشجاره.

و فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة) استولى الخراب على باذغيس نهائيا على ما يظهر بمرور جيوش تيمور بها فى اثناء زحفها الماحق من هراة الى مرو الروذ .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 458

و الى شرق باذغيس عند منابع نهر مرغاب، البلاد الجبلية المعروفة لدى بلدانيى العرب الاولين ب «غرج الشار». و يلقب ملك هذه الجبال ب «الشار».

و الغرج على ما ذكر المقدسى، هى الجبال فى لغتهم، فتفسير غرج الشار جبال الملك. و صاروا يسمون هذه البلاد فى أواخر العصور الوسطى: غرجستان.

و بهذا الاسم جاءت فى أخبار الحروب المغولية. ثم ان ياقوت الحموى أشار الى ان غرجستان تكتب غالبا: غرشستان أو غرستان و كثيرا ما كان يلتبس اسمها بغورستان أى بلد الغور الذى فى شرقها و هى مدار بحثنا الآن. و الشار، أى ملك غرجستان، كان يعرف لدى العرب بملك الغرجة. و فى المئة الرابعة (العاشرة) كان فى هذه الناحية الواسعة، عشرة جوامع فى مختلف بلدانها.

و أكبر مدينتين فى غرجستان، هما: أبشين و شورمين، و لا يعرف موضعاهما الصحيحان. كانت أبشين (أفشين أو بشين) على غلوة من الضفة الشرقية لأعلى نهر مرغاب، و على أربع مراحل

فوق مرو الروذ، حولها بساتين حسنة، و يرتفع منها أرز كثير يحمل الى بلخ. و كان لها حصن مكين و مسجد جامع. و شورمين (او سورمين) فى الجبال على اربع مراحل جنوب ابشين، و على مثل ذلك من كروخ، فى شمال شرقى هراة. «و يرتفع منها زبيب كثير يحمل الى النواحى».

و ليس مقام ملك هذه الناحية، و هو الشار، بهما بل بقرية كبيرة فى جبل، تعرف ب «بليكان» (أو بلكيان). و ذكر ياقوت اسم مدينتين أخريين فى غرجستان، هما سنجة و بيوار. و غاية ما ذكره عنهما انهما فى الجبال، نقلا عن رجل من هذه البلاد. و لم يشر الى موضعيهما .

و البقعة الجبلية العظيمة التى فى شرق غرجستان و جنوبها، كانت تعرف بالغور أو غورستان، تمتد من هراة الى الباميان و تخوم كابل و غزنة. و هى جنوب

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 459

نهر هراة. و أشار بلدانيو العصور الوسطى الى انها البلاد التى فيها مخارج كثير من الانهار الكبيرة، أى منابع نهر هرى رود، و هيلمند، و نهر خواش، و نهر فره (و يقع فى بحيرة زره)، و كان يخرج من حدود غرجستان نهر مرغاب. أما صفة هذه البلاد الجبلية الواسعة فلم ينته الينا شى ء عنها يا للأسف. فلا يعرف مواضع مدنها و قلاعها المذكورة فى تاريخها. و فى المئة الرابعة (العاشرة) كانت الغور دار كفر على ما ذكر ابن حوقل، و ان كان بها مسلمون. و فيها شعاب عامرة ذات عيون و بساتين و أنهار. و قد اشتهرت بمعادن الفضة و الذهب، و أكثرها عند الباميان و پنجهير (أنظر ص 389- 390). و أغزر هذه المعادن، فى موضع يقال

له خرخيز. و بعد سقوط دولة محمود الغزنوى، استقل رؤساء الغور و قد كانوا قبلا من أعوانه. و أنشأوا لهم عاصمة فى فيروز كوه، و هى قلعة عظيمة فى الجبال لا يعرف موضعها.

و قد استقل الغوريون فى حكمهم منذ منتصف المئة السادسة (الثانية عشرة) حتى سنة 612 (1215) حين غلبهم خوارزمشاه. و بعد بضع سنين، زالت دولتهم لما غزاهم المغول. الا ان الغوريين قبل ذلك، تمكنوا فى سنة 588 (1192) من فتح معظم شمالى الهند و بسط سلطانهم على جميع البلدان من دهلى الى هراة.

و بعد أن قضى المغول على دولتهم قضاء مبرما، استمر مماليكهم على حكم دهلى فى سلسلة طويلة من السلاطين، حتى سنة 962 (1554).

و بلغت الغور، أو غورستان، أوج عزها و أعظم ثرائها، ما بين سنة 543 و 612 (1148 و 1215) فى أيام السلاطين الغوريين من سلالة سام. و قد تكلم ياقوت على عاصمتهم العظيمة فى فيروزكوه أو بيروزكوه (أى جبل الفيروز) و لكنه لم يفصل القول فيها. و لمح المستوفى أيضا الى هذه القلعة، و ذكر، ان من مدنها الكبيرة أيضا: هنگران، غير انه يشك فى هذه القراءة. و فى سنة 619 (1222) اكتسح جنكيز خان هذه البلاد جميعا، و استولى على فيروز كوه عنوة و أنزل فيها الخراب و الدمار. و جاء ذكر قلعتين أخريين أتعبتا الجيش المغولى، و هما: كليون و فيوار، و بينهما عشرة فراسخ. و لكن لا يعرف موضع

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 460

كلتيهما. و يقال ان جنكيزخان قد خربهما تخريبا تاما. و ذكر القزوينى فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) مدينة أخرى من مدن الغور الكبيرة، و هى خوست، و لعلها تطابق

مدينة خشت و قد مرّ ذكرها فى صفحة 453، بانها قرب منابع هرى رود. و لم يذكر من مواضع الغور فى أيام تيمور، على ما يبدو، غير قلعة خستار، و هذه أيضا لا يعرف شى ء عن موضعها .

أما مدينة الباميان، فقد كانت قصبة كورة عظيمة على اسمها. و تؤلف القسم الشرقى من الغور. و يستدل ببقاياها السحيقة فى القدم انها كانت مركزا بوذيا عظيما قبل الاسلام بزمن طويل. و قد وصف الاصطخرى الباميان فى المئة الرابعة (العاشرة) فقال «تكون نحوا من نصف بلخ، و هى على جبل و ليس لها سور» و ناحيتها فى غاية الخصب يسقيها نهر كبير. و أشار المقدسى الى مدينة اللحوم و قراءة اسمها مشكوك فيه، و قد أشاد بذكر هذه المدينة و قال «هى احدى فرض خراسان و خزائن السند. البرد فيها شديد و الثلوج كثيرة. و من اختلف اليها أفاد انها جيدة لا براغيث و لا عقارب بها». و فى المدينة جامع و أسواق عامرة فى أرباضها. و لها أربعة أبواب تفضى الى خارج المدينة. و فى المئة الرابعة (العاشرة) كان فى ناحية الباميان مدن كبيرة كثيرة و لكن مواضعها قد ضاعت علينا اليوم. و من أكبر مدنها، ثلاث، هى: بسغورفند و سكيوند و لخراب.

و فى أوائل المئة السابعة (الثالثة عشرة) أفاض ياقوت فى وصف أصنام البد العظيمة التى كانت حينذاك فى الباميان. قال: «و بها بيت ذاهب فى الهواء يأساطين مرفوعة منقوش فيه كل طين خلقه اللّه تعالى على وجه الارض. و فيه صنمان عظيمان نقرا فى الجبل من أسفله الى أعلاه، يسمى أحدهما سرخبد، و الآخر

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 461

خنكبد (أى بوذا

الاحمر و بوذا الاشهب) و قيل ليس لهما فى الدنيا نظير».

و تكلم القزوينى على «بيت ذهب» فى الباميان كما تكلم على الصنمين العظيمين للبد. و ذكر أيضا ان بها معادن زئبق و عين كبريت. و خراب الباميان و مدن كورتها كلها حتى پنجهيير، على ما قد بيّنا، انما كان من غضب جنكيز خان و سخطه لمقتل حفيده العزيز موتوكن بن جغتاى فى حصاره الباميان، فأمر جنكيز جيشه بتخريب أسوار المدينة و بيوتها و دكها الى الارض. و منع الناس من العودة الى بنائها أو العيش فيها. و غيّر اسم الباميان الى موبلق و معناه بلغته التركية:

المدينة الملعونة. و أصبحت الباميان منذ ذلك الحين قفرا بلقعا .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 462

الفصل الثلاثون خراسان «تتمة»

ربع بلخ فى اقليم خراسان- مدينة بلخ و النوبهار- ناحية الجوزجان- الطالقان و الجرزوان- ميمنة أو اليهودية- الفارياب، شبرقان، انبار، و أندخود- ناحية طخارستان- خلم، سمنجان و اندرابة- و رواليز و الطايقان- تجارات خراسان و غلاته- المسالك فى خراسان و قوهستان.

بلخ،- «أم البلاد»- قد سمي بها رابع أرباع خراسان و ما كان من هذا الربع خارج حد قصبته، انقسم الى قسمين: الغربى منهما فى الجوزجان، و الشرقى فى طخارستان، ناحيتيه العظيمتين.

و فى المئة الثالثة (التاسعة) تكلم اليعقوبى على بلخ، و قال انها مدينة خراسان العظمى، و كان عليها فى متقدم الايام ثلاثة أسوار و ثلاثة عشر بابا . و زاد المقدسى عليه: «يقال ان اسمها فى كتب الاعاجم بلخ البهية». و فى ظاهر المدينة ربض النوبهار. و كانت مساحة المدينة ثلاثة أميال فى مثلها. و لبلخ، على ما ذكر اليعقوبى نيف و أربعون منبرا . و أشار الاصطخرى الى ان

مدينة بلخ «فى مستو و بينها و بين أقرب الجبال اليها نحو أربعة فراسخ، و يسمى جبل كو».

و قال ان بناءها من الطين و كذلك سور المدينة. و يحف بالسور خندق عميق.

و كان المسجد الجامع فى المدينة فى وسطها، و أسواقها حوالى المسجد الجامع،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 463

و لها نهر يسمى دهاس و معناه (بالفارسية) على قول ابن حوقل «عشر أرحية».

و هو بعد ان يديرها يمر على باب النوبهار و يسقى رساتيقها الى سياه جرد فى طريق ترمذ. و يحف ببلخ البساتين و فيها النارنج و النيلوفر و قصب السكر و الاعناب، و تحمل منها الى سائر الجهات. و أسواقها عامرة كثيرة التجار.

و للمدينة سبعة أبواب، هى: باب النوبهار، و باب رحبة، و باب الحديد، و باب الهندوان (أى باب الهندوس) و باب اليهود، و باب شست بند (أى باب الستين سدّا) و باب يحيى. و وصف المقدسى حسن موقعها و بهاءها و يسارها و كثرة أنهارها و رخص أسعارها و وفرة غلاتها وسعة طرقها. و ذكر سورها و مسجد جامعها و اشراق قصورها. و بقيت بلخ على ما كانت عليه من بهائها هذا و حسنها، حتى منتصف المئة السادسة (الثانية عشرة) حين استحوذ عليها الخراب أول مرة باستيلاء الغزّ الاتراك عليها فى سنة 550 (1155). الا انهم بعد أن تخلّوا عنها عاد اليها أهلها و جدّدوا بناء مدينتهم فى موضع آخر مجاور لموضعها الاول، و ما عتمت بلخ ان استعادت بعض سابق عزّها، فوصفها ياقوت فى أوائل المئة السابعة (الثالثة عشرة)، و هى فى حالها هذا، قبيل خرابها الثانى على يد المغول.

أما ربض بلخ الكبير، المسمى النوبهار، و قد كان

فيه أيام الساسانيين على ما ذكر المسعودى، بيت نار من أكبر بيوت المجوس، فقد جاءنا عن ياقوت وصف طويل له، نقله عن عمر بن الأزرق الكرمانى. و للقزوينى وصف مشابه له.

كان السادن الاكبر لبيت النار هذا، يسمى برمك، و هو جد البرامكة. و كانت هذه الاسرة فى أيام الساسانيين تتوارث رئاسة الدين الزردشتى فى هذه المدينة.

و جاء عن النوبهار انهم اتخذوا بيت النار فيها «مضاهاة لبيت اللّه الحرام» فى مكة.

فزينوا جدرانه بالجواهر النفيسة و علقوا عليها ستائر الديباج و الحرير و كانوا يكلّلونه بالريحان لا سيما فى وقت الربيع. فمعنى نوبهار أول الربيع و بواكيره.

و فيه يكون الحج الى هذا البيت. و كان على البناء قبة عظيمة يسمونها الأستن، «و ارتفاعها فوق مئة ذراع بأروقة مستديرة حولها، و كان حول البيت ثلاثمئة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 464

و ستون مقصورة يسكنها خدّامه و قوّامه و سدنته. و كان على كل واحد من سكان تلك المقاصير خدمة يوم لا يعود الى الخدمة حولا كاملا». و كانت الأعلام تنصب على أعلى قبته. و يقال ان الريح ربما حملت الحرير من العلم الذى فوق القبة مسافة لا تصدق. و كان فى هذا البيت كثير من الأصنام؛ بينها الصنم الاكبر، يحج الناس اليه من كابل و من الهند و الصين، فيسجدون له ثم يقبّلون يد برمك السادن الاكبر. و كان ما حول النوبهار من الارضين سبعة فراسخ فى مثلها وقفا على هذا البيت تغلّ مالا عظيما. و لما افتتح الأحنف بن قيس بلاد خراسان فى أيام عثمان بن عفان، نقض بيت النوبهار العظيم و أدخل أهلها فى الاسلام .

و فى سنة 617 (1220) دمّر المغول مدينة

بلخ. و ذكر ابن بطوطة ان جنكيز خان «هدم من مسجدها نحو الثلث بسبب كنز ذكر له انه تحت سارية من سواريه». و لما زار ابن بطوطة هذه الناحية فى النصف الاول من المئة الثامنة (الرابعة عشرة) كانت بلخ «خاوية على عروشها غير عامرة، و مساجدها و مدارسها باقية الرسوم». يزورها أهل التقى و الورع. و كثيرا ما تردد ذكر بلخ فى أخبار حروب تيمور، فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة) و هذا يدل على انها استعادت حينذاك شيئا من سالف مجدها. و كان تيمور قد جدّد القلعة التى فى ظاهر أسوارها المعروفة بقلعة الهندوان أى قلعة الهندوس، و أتخذت مقاما لعامله عليها. ثم انه جدد بناء قسم كبير من المدينة القديمة.

أما اليوم، فان بلخ تعد من أجل مدن أفغانستان الحديثة. و فيها المزار العظيم المشهور المعروف ب «مزار شريف» حيث دفن على ما يقال، الخليفة علي

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 465

- و يسمى شاه مردان «أى ملك الرجال»-. و على قول خواندامير، ان هذا القبر الوهمى لعلي الشهيد قد اكتشف فى سنة 885 (1480) يوم كان ميرزا بيقرا حفيد تيمور واليا على بلخ. ففى السنة المذكورة أطلع ميرزا بيقرا على كتاب تاريخ كتب فى أيام السلطان سنجر السلجوقى، جاء فيه ان عليا مدفون فى قرية خواجا خيران و هى تبعد ثلاثة فراسخ عن بلخ. و بناء على ذلك، ذهب الوالى الى تلك القرية، ليتحرى الامر فاكتشف لوحا فيه ما نصه بالعربية: «هذا قبر أسد اللّه و وليّه علي أخى (عوضا عن ابن عم) رسول اللّه». فأقيم على هذا القبر مزار عظيم، و صار منذ ذلك الحين مكرما عظيم التكريم لدى

أهل آسية الوسطى، و هو ما زال من المواضع الشريفة التى تزار .

و كانت الجوزجان (الجوزجان أو جزجانان) الناحية الغربية من ربع بلخ، و بها يمرّ الطريق من مرو الروذ الى مدينة بلخ. و كانت فى العصور الوسطى من أعمر النواحى و أكثرها أهلا، فيها مدن كثيرة لم يبق منها اليوم غير ثلاث تعرف بأسمائها القديمة. أما مواضع المدن الاخرى فقد ذكرها بلدانيو العرب، و من الممكن تعيينها بالاستناد الى كتب المسالك. و مع ان اسماءها قد تبدلت، غير ان الخرائب ما زالت تعين مواضعها القديمة. و كانت هذه الناحية عظيمة الخصب كثيرة التجارات، و أكثر ما كان يرتفع منها الجلود المدبوغة التى تحمل الى سائر خراسان .

و على ثلاث مراحل من مرو الروذ من جهة بلخ، مدينة الطالقان. و لم يبق لهذا الاسم ذكر فى الخارطة. غير ان المرتفعات و بقايا الآجر بالقرب من چاچكتو، قد تعين موضعها. و كانت الطالقان فى المئة الثالثة (التاسعة) مدينة جليلة الشأن.

قال اليعقوبى «بها تعمل اللبود الطالقانية». و هى بين جبلين عظيمين، بها مسجد جامع واسع. و فى المئة التالية لها، قال الاصطخرى «الطالقان مدينة نحو من

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 466

مرو الروذ فى الكبر. و هى أصحّ هواء و بناؤها من طين». و كان بالقرب منها قرية جندوية و فيها على ما قال ياقوت وقعت فى المئة الثانية (الثامنة) «أول وقعة بين أصحاب أبى مسلم الخراسانى (داعى العباسيين) و بين أصحاب بنى أمية، و هى وقعة مشهورة لها ذكر». و بعد مضى زمن يسير على ما كتبه ياقوت، استولى جنكيز خان على الطالقان فى سنة 617 (1220) بعد أن حاصرها سبعة أشهر، و

قتل جميع أهلها و سوّى قلعتها بالارض.

و كانت الجرزوان بين الجبال- و هى أشبه شى ء بمكة، لانها بين جبلين- و فيها كان أمير الجوزجان يقضى أيام الحر. و اسم المدينة بهذه الصورة، انما هو بحسب تسمية العرب لها. أما الفرس فيقولون كرزوان. و كانت تكتب أيضا جرزبان أو كرزبان. و هى بين الطالقان و مرو الروذ فى ما كان من نحو تخوم الغور. قال ياقوت «هى مدينة آهلة، و أهلها كلهم مياسير». و لا يرى اليوم فى الخارطة موضع بهذا الاسم. الا ان الخرائب المعروفة بقلعة و الى، تشير فى أكثر الاحتمال اليها .

أما مدينة ميمنة، و هى على مرحلتين مما يلى الطالقان فى طريق بلخ، فما زالت مدينة عامرة. و كان يقال لها فى العصور الوسطى اليهودان أو اليهودية.

و كانت تعد فى الغالب قصبة الجوزجان. قال ابن حوقل ان لمسجدها الجامع منارتين. ذكر ياقوت، و قد أورد أسمها بصورة يهودان الكبرى أيضا، ان اليهود لما أخرجوا من البيت المقدس فى أيام بختنصر كانوا أول من نزل موضعها.

ثم بدل اسمها الى ميمنة «أى المدينة الميمونة أو الموفقة» تيمنا بذلك، لأن اسم اليهودية يأباه المسلمون. و ما زالت تعرف باسم ميمنة الى هذا اليوم. و الظاهر

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 467

ان المستوفى ذكر ميمنة أيضا فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) فقال هى بلدة وسطة من البلاد الحارة، ينمو فيها القمح و الفواكه و التمور، و ماؤها من نهر قريب منها.

و لعل هناك بعض الالتباس بين ميمنة الجوزجان هذه و ميمند، عوضا عن ميوند فى زابلستان، فى نصف الطريق بين كرشك و قندهار. و ظهر مثل هذا الالتباس فى صفحات معجم ياقوت و

قد كتب عن ميمند غزنة قال هى «بين باميان و الغور» و يريد بذلك على ما يبدو ميمنة أى اليهودية. و على مرحلة من اليهودية أى ميمنة، كانت مدينة كندرم، و تكتب أيضا كنددرم. و هى على ما ذكر اليعقوبى «يسكنها ملك الجوزجان». و قال الاصطخرى «كنددرم فى الجبل، و هى مدينة كثيرة الكروم و الجوز و لها مياه كثيرة» .

و من أجلّ مدن الجوزجان فى العصور الوسطى: الفارياب. و لم يبق لاسمها ذكر فى الخارطة. الا انه يؤخذ من وصف كتب المسالك لموضعها، ان خرائبها قد تطابق ما يعرف اليوم ب «خيراباد» حيث توجد قلعة قديمة تحيط بها تلول من الآجر. كانت الفارياب، على ما ذكر ابن حوقل، فى المئة الرابعة (العاشرة)، مدينة أصغر من الطالقان، الا انها أكثر بساتين و مياها، و أصح هواء منها، «جامعة للصنائع و التجارة، و ليس لمسجد جامعها منارة». أما ياقوت، و قد كتب اسمها فيرياب، فانه ذكر موضعها بالنسبة الى الطالقان و شبورقان، و لم يزد شيئا على ذلك. و فى سنة 617 (1220) أى بعد مقامه فيها بشى ء يسير، خرّب المغول مدينة الفارياب عن آخرها. و لم يذكرها المستوفى الا لمما. و كان بين اليهودية و الفارياب، على قول ابن حوقل، مدينة مرسان . و كانت «تقارب اليهودية فى الكبر» فى المئة الرابعة (العاشرة). و لعلها تطابق قرية نريان التى ذكرها ياقوت فى ما يشبه هذا الموضع. و فى هذه البلاد الجبلية كانت بلدة سان الصغيرة، قال فيها ابن حوقل لها بساتين كثيرة مثمرة بها الأعناب و الجوز،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 468

و مياهها وافرة .

و شبرقان، و جاء اسمها بصورة أشبورقان،

أو أشبرقان، و كذلك شبورقان أو سبورغان، ما زالت قائمة، صارت فى المئة الثالثة (التاسعة) مرة قاعدة الملك فى ناحية الجوزجان، ثم انتقلت منها الى اليهودية (ميمنة) و كانت حينذاك تقاربها كبرا. و بساتينها و مزارعها فى غاية الخصب، كثيرة الفواكه، تحمل منها الى سائر الانحاء. و قال ياقوت، و قد كتبها بصورة شبرقان و شفرقان و شبورقان، انها كانت فى سنة 617 (1220) فى أيام الغزو المغولى «عامرة آهلة يقصدها التجار و يبيعون فيها الامتعة الكثيرة». و تكلم عليها المستوفى بعده بقرن بما يشبه ذلك، جامعا بين شبورقان و فارياب، و قال ان القمح فيهما كثير رخيص.

و على يوم جنوب شبورقان، فى نحو من المسافة نفسها شرق اليهودية، مدينة أنبار، و كتبت أيضا أنبير. قال فيها ابن حوقل: هى أكبر من مرو الروذ و بها مقام سلطان تلك الناحية فى الشتاء. و لم يبق مدينة باسمها اليوم، غير انه يؤخذ من موضعها ان أنبار قد تطابق سرپول فى أعلى نهر شبورقان، و هذه ما زالت ذات شأن. و كانت الكروم تحف بأنبار، و بناؤها من طين. و تعد فى الغالب أكبر مدن الجوزجان، و لعلها هى البلدة التى زارها ناصر خسرو فى طريقه الى شبورغان و جعلها قصبة الجوزجانان، و تكلم على مسجدها الجامع العظيم، و أشار الى ادمان أهلها شرب الخمر. و فى البرية، شمال غربى شبورقان، مدينة أندخوى، و قد كتب البلدانيون الاولون اسمها بصور مختلفة: أندخذ، أدخود، أنخد، و قال ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة) انها «مدينة صغيرة فى مفازة لها سبع قرى و بيوت للأكراد من أرباب الأغنام، و لهم ابل». و ذكرها ياقوت دون أن يزيد شيئا على

ما تقدم. و كثيرا ما ورد اسمها أيضا فى أخبار حروب

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 469

تيمور .

و ناحية طخارستان العظيمة، فى شرق بلخ، ممتدة بحذاء الضفة الجنوبية لنهر جيحون حتى حدود بدخشان. و تحدها من الجنوب الجبال التى فى شمال الباميان و پنجهير. و كانت تنقسم الى قسمين: طخارستان العليا و هى فى شرق بلخ فى محاذاة نهر جيحون، و طخارستان السفلى و هى فى جنوبها الشرقى على حدود بدخشان. و قد ذكر بلدانيو القرون الوسطى عددا من مدن طخارستان، و لكنهم لم يأتوا بشى ء كثير عنها، و لهذا اذا استثنينا المدن التى ذكرتها كتب المسالك، و ما زالت قائمة، تعذر علينا معرفة مواضع معظم المدن الاخرى.

و على يومين من شرق بلخ، مدينة خلم. وصفها المقدسى بقوله «صغيرة، الا ان قراها و رستاقها و مزارعها كثيرة، و هواءها صحيح». و على يومين أيضا من خلم، سمنجان و رؤب و هما متصاقبتان. و لعل مدينة هيبك الحالية تمثل كلتيهما و هى جنوب مدينة خلم القائمة فى أعالى نهر خلم. قال المقدسى: «سمنجان أكبر من خلم، بها منبر واحد و بها ثمار». و قال ياقوت فيها انها بين شعاب، و قد نزلها عرب من بنى تميم. و ذكر المستوفى سمنجان بقوله: انها مدينة كبيرة و كانت خرابا فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) و لكن القمح يزرع فيها بكثرة و كذلك القطن و العنب. و ذكرها علي اليزدى بصورة سمنكان فى سياق وصفه لزحف تيمور من خلم الى حدود الهند.

و فيما يلى سمنجان، فى جنوبها الشرقى كانت بغلان: العليا و السفلى و الاخيرة كانت القصبة، على ما ذكر المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة) و

بها جامع. و يظهر ان بغلان، أو بقلان، بحسب تهجئة علي اليزدى لاسمها، كانت تتاخم طريق اندرابة و هى اندراب، و قد وصفها المقدسى بقوله «لها أودية مشجرة و بها أسواق حارة». و كانت هذه الاودية فى سفوح جبل پنجهير الشمالية، و فيها معدن الفضة على ما ذكر ابن حوقل، و قال أيضا ان نهر أندراب

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 470

و نهر كاسان، ينحدران من هذه الناحية. و لم يزد ياقوت شيئا على ما مرّ ذكره، و قد كتب اسمها بصورة أندراب أو أندرابة .

و نهر خلم، لا يصب فى جيحون. بل تفنى مياهه فى المناقع على بضعة أميال شمال خرائب المدينة القديمة. و فى عدوة جيحون القريبة من خلم، كان رباط حصين منيع فى المئة الرابعة (العاشرة) يقال له رباط ميلة، حيث يعبر الطريق الآتى من بلخ، النهر العظيم الى ماوراءالنهر و بلاد الختّل فى ثلاث مراحل.

و على مرحلتين من شرق خلم، كانت و رواليز أو و رواليج، و قد وصفها ابن حوقل و غيره بانها كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) مدينة كبيرة، و ليس هناك اليوم مدينة قائمة بهذا الاسم، الا ان موضعها، بناء على وصف كتب المسالك، ينبغى ان يكون قريبا جدا من موضع قندز. و لم يضف ياقوت الى ذلك شيئا الا انه و هم، على ما يظهر، فى كتابة اسمها فجعله و زوالين، كما ان قندز لم يذكرها ياقوت و لا غيره من البلدانيين الاولين، و لا ريب ان اسمها مختصر من قهندز اللفظة الفارسية الدارجة للقلعة. و على ذلك فان قندز قد تكون القلعة القديمة لورواليز .

و على يومين من شرق و رواليز، مدينة الطايقان

أو طالقان طخارستان و هى ما زالت قائمة (و ينبغى ان لا يلتبس اسمها مع طالقان الجوزجان و قد مرّ وصفها فى صفحة 466) كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) من أعمر مدن هذه الناحية و أكثرها سكانا. و ذكرها المقدسى بصورة الطالقان، و ان كانت الطايقان الصيغة المفضلة لاسمها. و قال «لها سوق كبير» و كانت «فى مستواة، و بينها و بين الجبل غلوة» و كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) نحوا من ثلث بلخ. يسقيها نهر يأخذ من جيحون يقال له ختلّاب (و قد كتب أحيانا خيلاب) و نهر و تراب (أو تراب، فانه يشك فى قراءة هذين الاسمين). و الظاهر ان هذا النهر كان من فروع

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 471

نهر ختلاب و يلتقى به فوق قندز. و كانت هذه البقعة فى غاية الخصب و النزهة يكثر فيها، على ما ذكر المستوفى، القمح و الفواكه. و كان جل سكانها فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) من الحاكة. و كان لها حينذاك قلعة منيعة، حولها رساتيق كثيرة الزرع، يكثر فيها العنب و التين و الخوخ و الفستق. و قد ذكر علي اليزدى الطايقان غير مرة فى حديثه عن حروب تيمور. و على سبعة أيام من شرقها، على ما ذكر البلدانيون الاولون: بذخشان، و سننّوه بها فى الفصل القادم .

و أشهر تجارات خراسان، على ما نوه ابن حوقل، ما يرتفع من نيسابور و مرو من ثياب القطن و الابريسم. و تكثر فيها الابل و الغنم و هى رخيصة، «و أنفس الرقيق ما يقع من بلاد الترك»- فقد بيع الرقيق، غلاما كان أو جارية، على قوله، بخمسة آلاف دينار (نحو 2500 پاون)- و الاطعمة

فيها وافرة و سرد المقدسى غير ذلك من التجارات فذكر ان نيسابور كانت مجمع الصناعات. فمنها «ترتفع الثياب البيض و العمائم الشهجانية الحفية و الراختج و التاختج و المقانع و بين الثوبين و الملاحم بالقزّ و المصمت و العتابى و السعيدى و الظرائفى و الحلل و ثياب الشعر و القز». و يرتفع من نيسابور أيضا الحديد و غير ذلك كالابر و السكاكين.

و بساتين نيسابور مشهورة بالتين و الكمأة و الراوند. و من جبال رستاق ريوند فى نيسابور يرتفع معدن الفيروزج.

و يرتفع من نسا و أبيورد: القز و ثيابه و ما تنسجه النساء فى رساتيقهما.

و يرتفع منهما أيضا فراء الثعالب. و فى نسا نوع من البزاة، و فيها سمسم كثير.

و يرتفع من طوس البرام الفائقة و الحصر و الحبوب و التكك الحسنة و الابراد الجيدة. و من هراة البز الكثير و الديباج. و يرتفع منها «الزبيب و دوشابه و ناطفه و البولاذ و الفستق». و يرتفع أيضا من هراة الحديد. و من غرج الشار البلاد الجبلية: اللبود و البسط الحسان و الحقائب و السروج و الذهب و الخيل الجيدة و البغال و تحمل منها الى سائر الانحاء.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 472

و يرتفع من مرو القز و الابريسم و القطن و منها تعمل المقانع و أنواع الثياب.

و يرتفع من رساتيقها الشيرج و التوابل و العطور و المن. و تصنع فيها أوانى النحاس. «و ليس فى الدنيا مثل خبز مرو و لا نظير له فى أقاليم الاعاجم».

و يرتفع من بلخ السمسم و الارز و اللوز و الجوز و الزبيب و صابونها مشهور.

و يعمل العسل فيها من العنب و التين و لب الرمان، و

يحمل منها الدوشاب و السمن. و فى أطرافها معادن الرصاص و الزاج و الكبريت و الزرنيخ و طيوب بلخ مشهورة و كذلك الكركم و الادهان. و يحمل منها الجلود المدبوغة و الحلل.

و يرتفع من ترمذ فى ماوراءالنهر الصابون و الحلتيث. و يحمل من و رواليج الى بذخشان، على ما ذكر المقدسى، من أنواع الفواكه الجوز و اللوز و الفستق و الكمثرى و كذلك كثير من الارز و السمسم. و يحمل منها أيضا الجبن و السمن و القرون و الفراء و لا سيما جلود الثعالب .

أما المسالك التى كانت تخترق خراسان و قوهستان فهى: طريق خراسان العظيم، و كان يدخل خراسان مما يلى بسطام (فى قومس. أنظر ص 405- 406) و كان من هذا الموضع الى نيسابور طريقان: الشمالى و هو طريق القوافل من بسطام الى جاجرم ثم منها مارا بأزادوار مخترقا برية جوين الى نيسابور، و هو الطريق الذى وصفه المستوفى، و وصف بعضه الاصطخرى و ابن حوقل. و الطريق الجنوبى، و هو أقصرهما، هو طريق البريد الى نيسابور. و كان يبدأ من بذش، و قد مرّ ذكرها (ص 408)، و كانت على فرسخين من بسطام. و هذا الطريق يتاخم الجبال، و المفازة على يمينه، و يصل الى اسداباد ثم يجتاز بهمن اباد أو مزينان، و عندها يتفرع منه طريق نحو الشمال الى ازادوار. و يتابع طريق البريد سيره شرقا فيجتاز سبزوار حتى يصل نيسابور و هذا هو الطريق الذى وصفه ابن خرداذبه و جميع كتب المسالك القديمة. و كان من اسداباد الى الجنوب الشرقى، على ما ذكر المقدسى، طريق يقطع هذا الطرف من المفازة العظمى، طوله ثلاثون فرسخا الى ترشيز فى قوهستان. أما الطريق

من نيسابور الى ترشيز، فقد

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 473

ذكره ابن خرداذبه و المقدسى، كما ذكر المقدسى مراحل الطريق من نيسابور شمالا الى نسا .

و على مرحلة مما يلى نيسابور، عند قصر الريح، أى دزباد، ينشطر طريق خراسان شطرين. الايمن و هو الجنوبى الشرقى، ينزل الى هراة و سنأتى على وصفه فى الفقرة الآتية. و من قصر الريح ينعطف الطريق الى اليسار فالى الشمال الشرقى الى المشهد و طوس. و منها عن طريق مزدران الى سرخس عند معبر نهر تجند. و من سرخس يقطع المفازة الى مرو الكبرى و منها يخترق المفازة ثانية حتى يصل ضفة جيحون عند آمل (أى چهار جوى). ثم انه اذا غادر خراسان، وقع منتهاه فى بخارا. و قد جاء وصف هذا القسم من طريق خراسان من نيسابور الى آمل عند معبر جيحون فى جميع كتب المسالك تقريبا مع اختلاف طفيف. و ما زال أكثر مراحله قائما الى اليوم معروفا بأسمائه القديمة .

مرّ بنا القول ان طريق خراسان ينشطر من يمينه طريق على مرحلة مما يلى نيسابور، و منها يبلغ هراة. و كان ينشطر من يمينه أيضا طريقان عند سرخس و مرو، يذهب كلاهما الى مرو الروذ، و كان ينتهى الى هذه المدينة أيضا طريق من هراة ضارب الى الشمال. و من مرو الروذ، كان طريق خراسان الكبير يتجه الى الشمال الشرقى نحو بلخ، فاذا تجاوزها عبر نهر جيحون الى ترمذ. فاذا أخذنا أولا طريق هراة من موضع انشطاره عند قصر الريح، نجد انه يصل الى بوزجان فى أربع مراحل، و فى مثل هذه المسافة الى بوشنج. ثم الى هراة فى مرحلة يوم. و قد وصف هذا

الطريق ابن رسته و بلدانيو المئة الرابعة (العاشرة) و كذلك المستوفى. و يخرج من بوزجان و من بوشنج طريقان نحو الجنوب الغربى و الغرب، يجتمعان فى قاين. و قد أورد الاصطخرى و غيره

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 474

المسافات بين مدن قوهستان المختلفة. و تجتمع فى قاين أيضا الطريق الآتية من طبس و خور على حدود المفازة الكبرى .

و من هراة ينزل الطريق جنوبا الى زرنج مارا باسفزار قاطعا حد سجستان بين تلك المدينة وفره (أنظر ص 379 أعلاه)، و قد جاء وصف هذا الطريق فى ابن رسته و البلدانيين الثلاثة من أهل المئة الرابعة (العاشرة). و الطريق من هراة شرقا يصّعد فى وادى هرى رود الى حد الغور، و قد ذكر هؤلاء البلدانيون أنفسهم أسماء ما فيه من مدن، بين المدينة و المدينة يوم. و ذكر بلدانيو المئة الرابعة (العاشرة) أيضا، مسافات الطريق من هراة فكروخ الى شرمين و ابشين فى غرجستان بالايام. ثم ينحدر الطريق الى نهر مرغاب فيصل الى مرو الروذ. و جاء ذكر الطرق الى مرو الروذ أو قصر الأحنف (مروچك) التى تجتاز باذغيس مارة ببغشور، قصبتها) فى الاصطخرى و ابن حوقل و المقدسى، و كذلك فى المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) .

و كان يجتمع فى مرو الروذ طريقان: من سرخس و من مرو الكبرى يقطع أولهما المفازة بين النهرين الكبيرين. و الثانى يصعد مع نهر مرغاب مارا بالاراضى الخصبة و بما على ضفافه من مدن. اما طريق المفازة الذى يمرّ بجملة رباطات، فلم يذكره غير المقدسى، و قد نقل عنه المستوفى و جهان نما الكتاب التركى.

و ذكر ابن خرداذبه و قدامة الطريق من مرو الكبرى الى نهر

مرغاب و كذلك المقدسى و لكن وصفه كان لغير هذا الطريق .

و من مرو الروذ الى بلخ، ذكر ابن خرداذبه و كتب المسالك القديمة طريقا يخترق ناحية الجوزجان و يمر بالطالقان، و منها الى بلخ مارا اما بفارياب و شبورقان، و اما باليهودية (ميمنة) و أنبار. و ذكره الاصطخرى و المقدسى مع

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 475

بيان المسافات بالمراحل. و ذكر المستوفى طريقا من مرو الروذ الى بلخ بشى ء من الاختلاف، كان يمر فى غرب كل من الطالقان، و تبعد عن يمين الطريق ستة فراسخ، و الفارياب و تبعد فرسخين عن يمينه أيضا، فيصل الى شبورقان، ثم يعبر قنطرة جموخيان الى بلخ. و قد نقل جهان نما هذا الوصف للطريق. و من بلخ كان الطريق يصل الى نهر جيحون عند موضع منه بازاء ترمذ فى مرحلتين مارا بسياه جرد .

و من شرق بلخ، يضرب الطريق الى حدود بذخشان مارا بخلم و الطايقان.

و يتفرع منه طريق من خلم يتجه نحو الجنوب الشرقى الى اندرابة و معادن پنجهير شمال كابل. و قد أجمل الاصطخرى و المقدسى أيضا ذكر طرق من بلخ محتازة الجبال الى الباميان، ثم منها نحو الجنوب الى قصدار مارة بغزنة. و يتفرع من غزنة طريق نحو الشرق الى حدود الهند. الا انه يشك فى مراحل هذه الطرق، لان الامكنة المسماة بها غير معروفة .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 476

الفصل الحادي و الثلاثون ماوراءالنهر (نهر جيحون)

بلاد ماوراءالنهر اجمالا- اسما جيحون(Oxus) و سيحون(Jaxartes) - روافد نهر جيحون العليا- بذخشان و وخان- الختل و الوخش- القباذيان و الصغانيان و مدنهما- قنطرة الحجارة- ترمذ- الأبواب الحديد- كالف و اخسيسك و فربر- بحر آرال أى بحيرة خوارزم-

انجماد ماء جيحون شتاء.

كان نهر جيحون القديم يعدّ الحدّ الفاصل بين الاقوام الناطقة بالفارسية و التركية، أى ايران و توران. فما كان فى شماله، أى ورائه، من أقاليم، قد سماها العرب ماوراءالنهر (و هو نهر جيحون) و كذلك سموها الهيطل. و قد كان الهياطلة فى المئة الخامسة للميلاد أعدى أعداء الدولة الساسانية. و هم الافثلاطيون(Ephthalites) لدى المؤلفين البزنطيين، و يعرفون بالهون البيض.

على ان مصنفى القرون الوسطى من العرب، كانوا لا يتقيدون فى استعمال اسم الهيطل فقد أطلقوه اعتباطا على جميع الشعوب و البلاد التورانية فى ماوراء جيحون و على ذلك جرى المقدسى فى استعماله اياه.

و قد يكون من الملائم تقسيم هذه البلاد بين خمسة أقاليم. أجلها شأنا كان الصغد، و هو صغديانا(Sogdiana) القديمة مع قصبتيه بخارا و سمرقند.

و فى غرب الصغد: خوارزم، و هو الاقليم المعروف اليوم ب «خيوة».

و يشتمل على دلتا نهر جيحون. و فى الجنوب الشرقى: الصغانيان و معه الختّل و غيرهما

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 477

من الكور الكبيرة التى فى أعالى نهر جيحون. و اليه أيضا تعود بذخشان، و ان وقعت فى ضفته اليسرى أى الجنوبية، فان المنعطف الكبير للنهر فيما وراء طخارستان يكاد يطوقها. ثم اقليما نهر سيحون، و هما فرغانة فى أعلى النهر و اقليم الشاش (و هو اليوم تاشكند أو طشقند) مع النواحى التى فى الشمال الغربى الممتدة حتى مصب سيحون فى مناقع بحر آرال.

و أطلق العرب فى القرون الوسطى على نهر أوكسس Oxus و نهر جكزرتس Jaxartes اسمى: جيحون و سيحون على ولاء. و هما كدجلة و الفرات يعدان من أنهار الجنة حسب ما يروى. و يعتور الغموض أصل هذين الاسمين، انما يبدو ان العرب قد

اقتبسوهما من اليهود. فجيحون و سيحون ليسا الا صورتين مصحفتين لاسمى النهرين المذكورين فى سفر التكوين (2: 11 و 13): جيحون (گيحون(Gihon و فيشون (پيسون(Pison .

و فى أواخر العصور الوسطى، فى نحو من زمن الغارة المغولية، كاد يبطل استعمال اسمى جيحون و سيحون. فعرف نهر اكسس فى الغالب ب «أمويه» أو «أمودريا» أما جكزرتس فعرف ب «سير دريا»، على ما سنبينه فى فصل قادم. و أصل لفظة أمويه أو أمو غير واضح كل الوضوح فحافظ أبرو فسره بانه ليس الا اسم مدينة و كورة على ضفة جيحون من جانب خراسان كتبت فى الاصل بصورة آمل (و هى چهار جوى. أنظر ص 445- 446 أعلاه). و لعل أمر ذلك بالعكس، فيكون التفسير الصحيح ان مدينة آمل ربما سميت أمويه أو أمو نسبة الى اسم محلى (فارسى) للنهر العظيم، شاع استعماله و حل محل اسم

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 478

جيحون (العربى) الأبعد زمنا. على انه يلاحظ ان العرب قد سموا الانهار بأسماء ما عليها من مدن كبيرة. و من ثمة فان اكسس أى أمودريا هو نهر أمو، و كان يعرف فى الغالب أيضا بنهر بلخ، و ان قامت هذه المدينة على بضعة أميال من ضفته الجنوبية. أما اسم اكسس، و به عرف اليونان هذا النهر العظيم فقد حافظ عليه وخش- آب، أى نهر الوخش و هو من روافده العليا. الا ان العرب، لم يطلقوا أبدا على ما يظهر اسم الوخش على عمود النهر نفسه.

و منابع نهر جيحون، على ما ذكره ابن رسته و غيره من البلدانيين الاولين، و ما قالوه صحيح، من بحيرة فى التبت الصغرى و فى الفامر (پامير(Pamir و ذكر الاصطخرى،

و قد نقل عنه من جاء بعده من المصنفين، أسماء أربعة أنهار من روافد نهر جيحون العليا الكثيرة. و ليس من اليسير التحقق منها و لكنه قد تسنّى تعيين الاسماء الآتية منها: فعمود نهر جيحون الاعلى كان نهر جرياب، و هو اليوم نهر پنج، و كان يصل الى بذخشان من الشرق. و يخرج من بلاد يقال لها وخّان. و كان يقال لنهر جرياب أيضا نهر وخّاب و كان عمود جيحون هذا ينحدر من الهضاب الشرقية و يدور دورة كبيرة حول بذخشان و يضرب نحو الشمال، ثم يتجه غربا فجنوبا قبل أن يبلغ أطراف خلم. و ينصب فى يمين مجراه هذا الذى يؤلف ثلاثة أرباع الدائرة، كثير من الروافد الكبيرة أولها نهر أنديجاراغ، و قرب ملتقاه بجيحون مدينة باسمه. و الظاهر انه هو نفسه نهر برتنك اليوم. ثم يلتقى معه نهر فارغر (و كتب أيضا بصورة فرغار، فرغان، فرغي) و هو ينحدر من بلاد الختل و يطابق نهر ونج اليوم. و فى أسفله يستقبل نهر أخشوا (أخش) و هو يقابل عمود نهر جيحون، و عليه مدينة هلبك قصبة بلاد الختل.

و من منابعه: نهر بلبان أو بربان. و هذه الانهار المتحدة تعرف اليوم باسمها التركى آق صو، أى النهر الابيض. فهذه روافد نهر جيحون العليا الاربعة على ما جاءت فى الاصطخرى. و قد قال ان هذه المياه تجتمع كلها فيه فوق معبر النهر فى آرهن.

و فوق هذا المعبر أيضا، و لكن فى يسار النهر، يصب فى جيحون نهر

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 479

بذخشان، المعروف اليوم ب «گكچه» و يقال له نهر الضرغام. و تحت معبر آرهن، يستقبل نهر جيحون رافده الايمن الكبير وخشاب و

هو نهر الوخش، و منه اشتق اليونان، على ما قلنا، تسميتهم له ب «اكسس»(Oxus) ، و هذا النهر يفصل بلاد الختل و بلاد الوخش اللتين فى شرقه عن ناحيتي القباذيان و الصغانيان اللتين فى غربه. و نهر وخشاب، هو النهر المعروف اليوم بسرخاب أى النهر الاحمر. و فى الموضع الذى يتجه فيه نهر جيحون الى الغرب، بعد انعطافه حول بدخشان من ثلاثة جوانب، يستقبل فى يساره، أى فى ضفته الجنوبية، نهرى الطايقان و قندز الآتيين من طخارستان. و هذان النهران هما اللذان سماهما ابن رسته بنهر ختلاب و نهر وتراب على الولاء، على ما قد بيّنا فى الفصل السابق (ص 470) و يلتقى نهرا القباذيان و الصغانيان- و الاخير، و هو يمرّ بترمذ، قد سماه ابن رسته بنهر زامل- بجيحون فى ضفته الشمالية أى اليمنى.

و مخرجهما فى جبال البتّم. و تفصل هذه الجبال فى الشمال مياه جيحون عن مياه زرفشان التى فى الصغد. فهذه هى آخر روافد النهر العظيم، لان نهر جيحون لا يستقبل غيرها من الانهار اذا ما جاوز غرب بلخ. فيجرى فى المفازة باتجاه غربى و شمالى غربى حتى دلتاه فى جنوب بحر آرال .

و بلاد بذخشان فى شرق طخارستان، يحدق بها من ثلاثة جوانب المنعطف العظيم فى نهر جيحون الاعلى، على ما مرّ بنا. و قد وصف الاصطخرى هذه البلاد بقوله: «لها رستاق كبير عامر جدا خصب و بها كروم و أنهار» و قصبتها باسمها، الا ان نهر بدخشان (أى گكچه) كان معروفا عند العرب بنهر الضرغام على ما قد بيّنا. أما موضع مدينة بذخشان، فلم تفصح عنه كتب المسالك التى انتهت الينا. الا انه نظرا الى مناعة أكثر هذه البلاد، فمن

المحتمل على ما يبدو، انها كانت فى الوادى حيث تقوم اليوم مدينة فيض أباد (فيزاباد)، قصبة البلاد الحالية.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 480

و كانت بذخشان تشتهر منذ القديم بأحجارها الكريمة، لا سيما «معدن البلخش المقاوم للياقوت و بها معدن اللازورد» . و قال المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة) انه كان فيها عند معادن الجوهر حصن لزبيدة زوجة هرون الرشيد و نسب اليها. و فيها غير الياقوت و البلخش و اللازورد: البلور و حجر البازهر.

و بها أيضا «الاسبست» و قد سماه العرب حجر الفتيلة و هو لا تحرقه النار.

قال المقدسى «و ينسج منه الخوان، فاذا اتسخت و أرادوا غسلها طرحوها فى التنور فتعود نظيفة». و هكذا كانوا يصنعون بحجارة الفتيلة اذا اتسخت فانهم يطرحونها فى النار المتأججة ساعة فتعود الى ما كانت عليه، و زاد المقدسى على ذلك انه كان بها «حجر يجعل فى البيت المظلم فيضئ أدنى شى ء». و لعل هذا الحجر ضرب من الحجر الفسفورى المضئ (نوع من حجر الفلور).

و قد أعاد القزوينى نقل أكثر هذا القول، و ذكر ان فى بذخشان، غير هذه الاحجار الكريمة، حجر البجاذى «و هو حجر كالياقوت». و قال ان حجر الفتيلة كان يحسبه العامة فى أيامه «ريش الطائر لا تحرقه النار» . و كان معدن البلخش يكثر بالقرب من مدينة يمكان فى جوار معدن الفضة. و ذكر أبو الفداء مدينة جرم و هو الاسم الذى أطلقه علي اليزدى على نهر بذخشان.

و لما غزا تيمور بذخشان فى النصف الثانى من المئة الثامنة (الرابعة عشرة) كانت قصبتها كشم، و فيها مقام ملك بذخشان. و من أكبر مدنها كلاوقان، الا انه لم ينته الينا وصف لهما. و

لا تعرف مواضعهما.

و فى شرق بذخشان فى أعالى جيحون، مدينة وخان. قال ابن حوقل انها فى الطريق الى التبّت (الصغرى). و يرتفع منها المسك. و كانت من دور الكفر تتاخم بلادا يقال لها السقينة و كرّان (أو كرّام). و يلى هذه البلاد من جهة كشمير ناحية بلحور «بها موضع فى كل سنة ثلاثة أشهر يدوم فيه الثلج و المطر بحيث لا يرى فيها قرص الشمس». و كانت معادن الفضة فى وخان مشهورة فى المئة الرابعة (العاشرة)، و فى أودية أنهارها معدن الذهب. و كانت قوافل

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 481

الرقيق من أواسط آسية تجتاز هذه البلاد الى خراسان و منها الى أسواق المدن الاسلامية فى الغرب .

و كان أكبر روافد جيحون، نهر وخشاب، على ما مر بيانه. يصب فى يمينه آتيا من الشمال. و كانت البقاع الجبلية العظيمة الواقعة فى الزاوية التى يؤلفها نهر وخشاب مع جيحون، تعرف بالختل. و كان هذا الاسم يطلق دون تقيد على جميع بلاد الكفر مما يلى شرق خراسان و شمالها . و كانت الختل تشتمل على بلاد الوخش فى قسمها الشمالى حيث مخرج نهر وخشاب و هى على ما ذكر الاصطخرى فى غاية الخصب، و بها الخيول و دواب الحمل، و بها جملة مدن كبيرة على ضفاف أنهارها الكثيرة. و يكثر فيها القمح و الفواكه.

و كانت قصبة الختل فى المئة الرابعة (العاشرة)، مدينة هلبك. و بها يقيم السلطان (و لعلها كانت بالقرب من موضع خلاب الحالية). الا ان مدينة منك و هلاورد، كانتا أكبر من هلبك. و من مدنها الكبيرة أيضا انديجاراغ (أو انداجاراغ) و فرغان (أو فارغر) و هما على نهرين باسميهما. و فيها

كذلك مدينة تمليات و لاوكند، و هذه الاخيرة كانت على نهر وخشاب أسفل من قنطرة الحجارة (بالقرب من كرگان تپه الحديثة). وصف المقدسى هلبك فقال:

«هى قصبة الختل، الجامع وسط البلد، شربهم من نهر» يسمى نهر أخشوا.

و كانت مدينة انديجاراغ قريبة من ضفة جيحون حيث يصب رافد باسمها فيه.

و ربما كانت فى موضع قلعة ومر الحالية. أما منك فهى أكبر مدينة فى هذه البلاد، و هى فى شمال هلبك و شرق تمليات. و كانت هلاورد على نهر وخشاب. قال المقدسى: «هى أجل من هلبك، كبيرة». و كانت تمليات بين منك و قنطرة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 482

الحجارة على وخشاب و لعلها فى موضع بلجوان الحالية. و قد ذكر على اليزدى بلجوان فى سياق حديثه عن حروب تيمور .

و قنطرة الحجارة المشهورة التى على نهر وخشاب، ما زالت قائمة. ذكرها ابن رسته و الاصطخرى و كثيرون من المصنفين المحدثين بانها تقوم على وخشاب حيث يعبره الطريق من تمليات الى مدينة و اشجرد فى قباذيان. و الى الشمال بلاد الكميذ، بحسب تسمية ابن رسته لها، ويليها أيضا بلاد الراشت عند منابع وخشاب. و كانت قنطرة الحجارة هذه على ما ذكر الاصطخرى، حيث يضيق مجرى النهر فى جبل هناك. و قال «لا يعلم ماء فى كثرته يضيق مثل ضيقه فى هذا الموضع». و مثل ذلك ما قاله القزوينى و غيره من المصنفين. و أشار على اليزدى الى القنطرة أيضا، و سماها باسمها الفارسى پول سنگين، و باسمها التركى تاش كوپرك. و قد وصف الرحالون المحدثون هذا الموضع غير مرة .

و الى غرب نهر الوخش، ناحية يحدها من جنوبها نهر جيحون، سماها العرب الصغانيان، و كتب

اسمها بالفارسية چغانيان. و كان القسم الشرقى من هذه الناحية يعرف بالقباذيان نسبة الى مدينة بهذا الاسم كانت على أول نهر يلتقى بجيحون غرب وخشاب. وصف ابن حوقل قباذيان، أو قواذيان، بقوله «هى أصغر من الترمذ بكثير، و تسمى فز. و يرتفع منها الفوّه و يحمل منها

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 483

الى بلد الهند». و نهر القباذيان الذى تقوم عليه المدينة فى غاية الطول. و كان فى هذه الناحية، على ما ذكر المقدسى، كثير من المدن الجبلية، منها أوزج، و لعلها أيوج الحالية. و هى على ضفة جيحون الشمالية فوق الترمذ و تحت رباط ميله الذى فى الضفة اليسرى. و ذكر ياقوت ان هذه الناحية مشهورة بفواكهها.

و فى أعالى نهر القباذيان و غرب قنطرة الحجارة، و اشجرد، و هى على ما ذكر الاصطخرى «نحو الترمذ فى الكبر». و على شى ء يسير من جنوبها، قلعة شومان أو الشومان العظيمة. و كان يكثر فى هذه الناحية حول شومان: الزعفران و منها يحمل الى سائر الآفاق. و أشار المقدسى الى شومان فقال «شومان من الامهات، عامرة طيبة». و زاد ياقوت على ذلك قوله فى أهلها «قوة و امتناع عن السلطان». و كانت فى أيامه من الثغور الاسلامية أمام الترك. و كثيرا ما أشار على اليزدى اليها فى وصفه لحروب تيمور، باسم حصار شادمان و غالبا ما اختصره بلفظة حصار أو حصارك فقط. و تعرف اليوم بحصار أيضا .

و مدينة الصغانيان، هى مدينة سرآسيا الحديثة على ما يحتمل، فى أعالى نهر الصغانيان، و يقال له أيضا نهر زامل. كانت الصغانيان فى المئة الرابعة (العاشرة)، على ما ذكر الاصطخرى، «مدينة أكبر من ترمذ الا ان الترمذ

أكثر أهلا و مالا.

و للصغانيان قلعة» و كانت تقوم على جانبى النهر. أما المقدسى فقال: الصغانيان تكون مثل الرملة فى فلسطين و جامعها وسط السوق، «و هى من معادن أجناس الطيور و موضع الصيد». و من أعمالها 6000 قرية ، و بها خبز رخيص.

و كانت مدينة باسند الصغيرة «رحبة كثيرة البساتين»، تبعد مرحلتين عن مدينة الصغانيان تقوم فى الجبال المشرفة على النهر. و على نهر زامل أسفل منها فى نحو من نصف الطريق بين الصغانيان و ترمذ، كانت دارزنجي. و فيها، على ما ذكر ابن حوقل، رباط جليل «و عامة أهلها صوافون يعملون الاكسية، و الجامع وسط الاسواق». و فى جنوبها أيضا، بالقرب من نهر زامل، مدينة صرمنجى أو

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 484

صرمنجان. و كان بها فى المئة الرابعة (العاشرة) رباط جليل أيضا «لأبى الحسن بن حسن ماه (و هو أميرها)، يصدق فيه بدينار (10 شلنات) خبزا فى كل يوم».

على ان أجل مدن ناحية الصغانيان، مدينة ترمذ (أو الترمذ) فى شمال مضيق نهر جيحون و هو آت من بلخ بالقرب من ملتقى نهر زامل به. و كان لترمذ فى المئة الرابعة (العاشرة) قلعة فيها دار الامارة، و الربض حول المدينة التى كان عليها سور داخل، و على الربض سور ثان، و مسجدها الجامع من اللبن فى أسواق المدينة. و كانت أسواقها بالآجر و معظم سككها مفروش بالآجر. كانت ترمذ فرضة التجارات المحمولة من الشمال الى خراسان. و للمدينة ثلاثة أبواب، كانت على قول المقدسى حصينة منيعة. و فى سنة 617 (1220) غزتها جحافل المغول و هى فى طريقها جنوبا الى خراسان. و قامت بعد هذه الغزوة مدينة جديدة فى نحو

من القديمة كبرا على ما ذكر ابن بطوطة، و قد زارها فى المئة التالية لها فقال بنيت هذه الحديثة على ميلين من القديمة المهجورة. و قد أحاطت بها البساتين الكثيرة و بها العنب و السفرجل كثير متناهى الطيب.

و فى يمين نهر جيحون، على شى ء يسير اسفل الترمذ، كانت نويده. و فيها يعبر النهر من أراد سمرقند من بلخ. و فى نويده مسجد جامع فى وسط البلد، و كانت آخر ما على نهر جيحون من مدن الصغانيان. و على مرحلة شمال غربى ترمذ، فى طريق كش و نخشب فى الصغد، مدينة هاشم جرد، و قد كان لهذه المدينة بعض الشأن فى المئة الرابعة (العاشرة). و على مرحلتين من شمالها كان الطريق يجتاز باب الحديد المشهور.

و هذا المضيق الذى فى الجبال، قد وصفه الرحالة الصينى هوين تسانك(Hwen Thsang) و كان قد زار الهند فى سنة 629 للميلاد بصفته حاجا بوذيا . و تكلم البلدانيون العرب على مدينة فى هذا الموضع، قد سماها اليعقوبى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 485

بمدينة باب الحديد. و ذكر أيضا انه يقال لها بالفارسية دراهنين. و نوّه كل من الاصطخرى و ابن حوقل و المقدسى، باسم باب الحديد فى مسالكهم، و لكنهم لم يذكروا شيئا عنها. و اشتهرت باب الحديد باسمها الفارسى دربند آهنين منذ أيام تيمور. و ذكرها على اليزدى أيضا بتسميتها التركية قهلغة على انه لم يأتنا بوصف لهذا الموضع. و قد قطع هذا المضيق كلافيجو(Clavijo) السفير الاسبانى الى بلاط تيمور فى شهر آب سنة 1405 للميلاد، قال: ان هذا المضيق يبدو كأنه قدّته يد الانسان. و تسمق الجبال على جانبيه الى علو شاهق و الدرب فيه ممهد

عميق جدا. و فى وسط الدرب قرية يرتفع الجبل وراءها الى علو عظيم. و يقال لهذا الدرب أبواب الحديد. و لا ترى فى كل هذه الجبال دربا آخر غيره، فهو يحمى بلاد سمرقند من ناحية الهند. و تدر أبواب الحديد هذه دخلا لتيمور لان كل التجار القادمين من الهند يمرّون بهذا الدرب .

و فى أسفل ناحية الصغانيان، يشق جيحون طريقه فى المفازة فلا يستقبل نهرا مهما فى كلا جانبيه. ثم يصل دلتاه فى جنوب بحر آرال حيث اقليم خوارزم الذى سنأتى على وصفه فى الفصل القادم. و على امتداد المفازة تقوم عدة مدن على يمين النهر و يساره- عامتها ذات جانبين- فى المواضع التى تعبر النهر العظيم الطرق الآتية من خراسان الى بلاد الترك. و قد مرّ بنا فى الفصل السابق وصف أكثر ما فى جانب خراسان من مدن. فمدينة كالف أو كيلف فى ضفته الشمالية (و هى ما زالت قائمة) قد كانت فى العصور الوسطى تقابل ربضا لها فى جانب خراسان يقوم حول رباط يقال له رباط ذى الكفل. و كانت كالف فى ذلك الزمن على جانبى جيحون «على عمل بغداد و واسط» على قول المقدسى. و كان فى جانبها الشمالى رباط نسب الى الاسكندر الكبير فسمى برباط ذى القرنين.

و قال ياقوت كان لكالف قلعة حسنة على ثمانية عشر فرسخا من بلخ فى الطريق الذاهب منها الى نخشب فى الصغد. و تكلم المستوفى على جبل عظيم

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 486

بالقرب من كالف دوره ثمانية فراسخ كله من تراب أسود و فى أعلاه ماء و مرعى حسن. و زاد على ذلك ان كالف فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) كانت مدينة

كبيرة فى غاية المناعة.

و كان أسفل هذه المدينة، بازاء زمّ، و قد مرّ وصفها (أنظر ص 446) مدينة أخسيسك كان يخرج منها طريق الى نخشب. وصفها ابن حوقل بقوله مدينة صغيرة أهلها يعبرون الى زمّ للصلاة فى جامعها فلم يكن فى مدينتهم جامع . و كانت المفازة تحف بأرضها من كل جانب، و لكنها كانت خصبة «و الغالب على أطرافها السوائم من الابل و الغنم». و فى أسفل هذه المدينة، بالقرب من ضفة جيحون اليمنى، مدينة فربر بازاء آمل أى آمويه. و هى فى طريق بخارا، حولها رستاق خصب، و قرى آهلة كثيرة. قال المقدسى ان فربر تبعد نحو فرسخ من ضفة جيحون الشمالية «لها قهندز عامر و بها رباطات حسنة و الجامع على باب المدينة من نحو بخارا و المصلى خارج الباب. و ثمّ رباط (لنصر بن أحمد) فيه ضيافة لأبناء السبيل». و كانت فربر موصوفة بأعنابها. و يقال لهذه المدينة أيضا قرية علي أو رباط طاهر بن علي .

و بعد أن يمر جيحون بن يدى فربر و أمويه، يبقى جاريا فى وسط المفازة مسافة مئة و اربعين ميلا حتى الطاهرية، و عندها تبدأ أراضى الدلتا المزروعة. و من هذه المدينة يجرى النهر العظيم فى طريقه الى بحر آرال و فى نحو من ثلاثمئة ميل من مجراه كانت تمد منه كثير من أنهار الرى فتسقى الاقليم الخصب فى العصور الوسطى بخوارزم. و منذ الفتح العربى الأول غيّر نهر جيحون مجراه فى أراضى الدلتا هذه مرارا، و كان انبثاق سدوده فى أيام الغزو المغولى فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) سببا فى تحول مجراه الاسفل، على ما سنصفه فيما بعد.

على انه ما زال فى وسعنا، بالاستناد

الى وصف البلدانيين العرب الاولين، ان نرسم خارطة تقريبية لخوارزم فى المئة الرابعة (العاشرة). و واضح ان نهر جيحون فى تلك الايام كان يجرى فى مجرى واحد صالح للسفن حتى مناقع

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 487

الساحل الجنوبى لآرال و هو البحر الذى سماه العرب ببحيرة خوارزم.

و بحر آرال قد كان ضحلا يغطيه القصب، و لم يكن يصلح لسير السفن على ما يظهر. و كان يستقبل من شماله الشرقى مياه نهر سيحون. و لكن السفن الآتية من جيحون لم تكن تدخل شقيقه النهر الثانى. و كانت البلاد المتاخمة لساحل آرال الشرقى، بين فمى جيحون و سيحون، فى المئة الرابعة (العاشرة) و ما بعدها تعرف بمفازة التركمان الغز. و هذا الاسم يطلق فى الغالب على مفازة مرو فى شرقى بلاد ايران. و قد كان البلدانيون العرب الاولون يعدّون انجماد مياه نهرى جيحون و سيحون فى الشتاء من العجائب، فقد كانت القوافل الموقرة تعبرهما ماشية فوق السطح المنجمد. و هما يبقيان على هذه الحال من شهرين الى خمسة أشهر فى الشتاء. و قد يبلغ ثخن الجليد خمسة أشبار أو أكثر. و لقد ذكر القزوينى ان أهل خوارزم «كانوا يحفرون فيه آبارا بالمعاول حتى يخرقوه الى الماء ثم يسقون منها كما يسقون من البئر لشربهم و يحملونه فى الجرار». و اشار الاصطخرى الى جبل يقال له جبل جغراغز على ساحل بحر آرال، كان الماء أسفل منه يبقى جامدا طوال أشهر السنة.

و كان بحر آرال، و لا سيما قسمه الجنوبى قرب سيف «الخليجان» حيث يصب جيحون، مشهورا بمصائد السمك، الا انه لم تقم عند حافة البحر قرية بل و لا بيت. و قد بيّنا انه كانت

تمد من نهر جيحون، فى مجراه الاسفل الذى يخترق الدلتا، أنهار للرى كبيرة و صغيرة من يمينه و يساره، كان كثير منها صالحا لسير السفن و كانت مياهها أخيرا تسقى أراضى الدلتا. و كان أكثر المدن الكبرى فى خوارزم الكبرى على هذه الانهار، لا على جيحون للخطر الناجم من دوام تغير مجراه. و قد كان نهر جيحون صالحا لسير السفن فى جميع مجراه الاسفل. قال ابن بطوطة: «و يسافر فى أيام الصيف بالمراكب الى ترمذ، و يجلبون منه القمح و الشعير، و هى مسيرة عشر للمنحدر» الى أسواق خوارزم لتباع فيها.

و كان انجماد جيحون فى الشتاء يجعل الملاحة فيه خطرة أو مستحيلة. فقد حكى ياقوت انه فى شوال من سنة 616 (كانون الاول 1219) حين ذهابه من مرو

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 488

الى الجرجانية و كان بعض طريقه نهر جيحون بالسفن، أشرف هو و من معه على الهلاك «من ألم البرد و جمود نهر جيحون على السفينة» و لم ينزلوا الى البر الا بعد عناء و كانت الثلوج أيضا تغطى البر و قد أضلّ ياقوت دابته التى كان يركبها و لم ينج الا بنفسه .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 489

الفصل الثاني و الثلاثون خوارزم

اقليم خوارزم- قصبتاه: كاث و الجرجانية- أركنج القديمة و الجديدة- خيوه و هزار اسب- أنهار خوارزم و المدن التى على يمين جيحون و يساره- المجرى الاسفل لجيحون الى قزوين- تجارات خوارزم و غلاته.

كان لاقليم خوارزم فى صدر العصور الوسطى، قصبتان: أولاهما فى الجانب الغربى، أى الفارسى من نهر جيحون، تسمى الجرجانية، أو أرگنج.

و الاخرى فى الجانب الشرقى، أى التركى من النهر. و يقال لها كاث. و قد

كانت فى المئة الرابعة (العاشرة)، فى منزلة تفوق صاحبتها.

و مدينة كاث، ما زالت قائمة. الا ان مدينة العصور الوسطى العظيمة ربما كانت تقوم على بضعة أميال من جنوب شرقى البلدة الحديثة. و فى أوائل المئة الرابعة (العاشرة) خرّب بعضها طغيان نهر جيحون، فقد كان عرض هذا النهر عندها نحوا من فرسخين. و كانت المدينة تبعد قليلا عن يمين النهر، تقوم على نهر يقال له جردور يشق البلد. و كان السوق، و طوله نحو من ميل، على جانبى هذا النهر. و كان لكاث فى تلك الأزمان الاولى، قهندز (أى قلعة) فخرّبها النهر و أتى عليها. و كان الجامع و الحبس على ظهر القهندز و كذلك قصر لسلطانهم الملقب بخوارزم شاه. و قد أتى فيضان النهر على

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 490

هذه الاجزاء جميعها، فلم يبق منها رسما و لا طللا حين كتب ابن حوقل. فابتنى الناس مدينة جديدة الى الشرق من الاولى على مسافة من جيحون تقيها عواقب طغيانه.

و كان الفرس يسمون المدينة الجديدة، على قول المقدسى، شهرستان- أى القصبة-. و كانت فى ما قال «نحو نيسابور» فى خراسان. «لها جامع فى وسط الاسواق على أساطين حجارة سود الى قامة، ثم فوقها سوارى الخشب.

و دار الامارة، وسط البلد. و لهم قهندز قد خرّبه النهر» فلم يجدّدوه. و للبلد أنهار كثيرة تشق شوارعها. و على ما ذكر المقدسى، كانت البلدة أوسخ من أردبيل (فى أذربيجان) لان أهلها، «عامة تغوّطهم فى الشوارع ... و هم يدوسونها بأرجلهم الى الجماعات (أى الى الجامع)». الا ان أهلها مع ذلك كانوا مياسير و أسواقها حافلة بالخيرات و التجارات، و بناؤوها حذّاق، فكانت كاث من أفخم المدن مظهرا.

على انها ما عتمت فى ختام المئة الرابعة (العاشرة) أن بدأ نجمها بالأفول و مكانتها بالخفوت و فقدت مركزها كأهم قصبة فى خوارزم، و لعل مردّ ذلك ما كان ينتابها بين آن و آخر من طغيان جيحون عليها، فكان يخرب منها أحياء مختلفة كل مرة، حتى آل أمرها الى بلدة ليس لها شأن كبير.

فاذا انتهينا الى مطلع المئة السابعة (الثالثة عشرة)، وجدنا ان مدينة كاث لم تعان كثيرا من مصائب الفتح المغولى على ما يبدو. و حين مرّ بها ابن بطوطة فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) فى طريقه من أركنج الى بخارا، و قد كتب اسمها ألگات قال انها «بلدة صغيرة حسنة». فيها بركة ماء كانت وقت زيارته لها «قد جمدت من البرد، فكان الصبيان يلعبون فوقها و يزلقون عليها». و فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة) كاد تيمور أن يقضى على كاث، و لكنه بعد ذلك أمر بتجديد أسوارها، فذكرها علي اليزدى غير مرة بقوله انها مدينة ذات شأن فى أيامه .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 491

أما قصبة خوارزم الثانية التى أصبحت بعد سقوط كاث أولى مدن الاقليم، فكانت گرگانج و قد سماها العرب الجرجانية، ثم عرفت بعد هذا الزمن بارگنج، تروى أخبار الفتوح الاسلامية، ان العرب فى سنة 93 (712)، لما غزوا خوارزم بقيادة قتيبة، كان يقال لقصبة الاقليم التى استولوا عليها: الفيل. ثم صار اسمها المنصورة. و يقال ان هذه المدينة كانت تقوم على الجانب الأبعد من نهر جيحون فى موضع يقابل الجرجانية المحدثة. غير ان فيضان جيحان ما عتم ان طغى على المنصورة و خرّبها فأخذت الجرجانية مكانها .

و الجرجانية فى المئة الرابعة (العاشرة)- و ان كانت

حينذاك مدينة الاقليم الثانية ليس الا، لكن كاث كانت ما زالت قصبته متجر البلاد و فيها مجتمع القوافل الآتية من بلاد الغز. و منها تخرج الى بلاد خراسان. و الجرجانية على غلوة من غرب نهر كبير تجرى فيه السفن، يأخذ من جيحون، و يجرى محاذيا له.

و قد احتالوا فى رد خطر الماء باقامة السدود من الخشب و الحطب. قال المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة) ان للبلد أربعة أبواب «و هى كل يوم فى زيادة.

و على باب الحجاج قصر بناه المأمون، عليه باب ليس بجميع خراسان أعجب منه.

و قد بنى ابنه علي آخر قدّامه، على بابه سهلة تشاكل سهلة بخارا، فيها تباع الاغنام». و بانحطاط كاث أصبحت الجرجانية أولى مدن اقليم خوارزم، و من ثم قصبته الوحيدة. و فى الأزمنة الاخيرة، كانت تعرف بوجه عام بمدينة خوارزم.

و فى سنة 616 (1219) زار ياقوت الجرجانية، أو كركانج على ما سماها به، قبيل ان يكتسحها المغول بقيادة جنكيزخان، فقال فيها «لا أعلم انى رأيت أعظم منها مدينة و لا أكثر أموالا و أحسن أحوالا» فاستحال ذلك كله بتخريب التتر اياها فى سنة 617 (1220). و قد حدثت فى سدود النهر العظيم فتوق عظيمة و تحولت مياه جيحون الى مجرى جديد، على ما سنبينه فيما بعد، و غمرت المياه المدينة كلها. و لما سارت عنها جحافل المغول قال ياقوت فيها «لم يبق فى ما بلغنى، الا معالمها، و قتلوا جميع من كان بها». على ان قصبة خوارزم ما عتمت ان نهضت

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 492

من كبوتها بعد بضع سنين، فابتنى الناس بلدا قريبا منها، و كان ذلك فى سنة 628 (1231) على ما جاء

فى تاريخ ابن الاثير المعاصر لتلك الايام، قال: «و عمروا مدينة تقارب مدينة خوارزم، عظيمة». و كان قبل الغزو المغولى لهذه الارجاء، على ما ذكر ياقوت و غيره، مدينة تعرف بكركانج الصغرى. و سماها الفرس كركانچك على نحو من ثلاثة فراسخ من القصبة كركانج الكبرى. و من المحتمل، على ما يظهر، ان خوارزم الجديدة، قد اختير لها موضع كركانج الصغيرة.

و سرعان ما صارت خوارزم الجديدة قصبة الاقليم. وصفها المستوفى و ابن بطوطة فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة). و ذكر القزوينى، و هو ممن كتب فى النصف الاخير من المئة السابقة، ان أهل كركانج (الجديدة)، «أهل الصناعات الدقيقة كالحداد و النجار و غيرهما. فانهم يبالغون فى التدقيق فى صناعاتهم، و السكاكون يعملون الآلات من العاج و الآبنوس، لا يعمل فى غير خوارزم الا بقرية يقال لها طرق من أعمال أصفهان. و نساؤها يعملن بالابرة صناعات مليحة كالخياطة و التطريز و الاعمال الدقيقة». و قال القزوينى أيضا: «و من عجائبها زراعة البطيخ الذى لا يوجد مثله فى شى ء من البلاد حلاوة و طيبا». و قد أيد هذا الامر أيضا ابن بطوطة.

و قال المستوفى، و قد سمى هذه المدينة باسمها الشائع أركنج، و كذلك خوارزم الجديدة، انها على عشرة فراسخ (و لعله و هم فى ذلك، و يريد عشرة أميال) من اركنج العتيقة. و رأى ابن بطوطة، معاصره، خوارزم (على ما سمى البلدة) مدينة من أعظم المدن و أجملها، لها الاسواق المليحة و الشوارع الفسيحة «و هى ترتج بسكانها لكثرتهم و تموج بهم موج البحر». و لها سوق يقال له الشور، و هو بناء عظيم بالقرب منه الجامع و المدرسة. و فيها مارستان كان له حين زيارة ابن

بطوطة «طبيب شامى يعرف بالصهيونى، نسبة الى صهيون من بلاد الشام». و ما كادت المئة الثامنة (الرابعة عشرة) تأذن بالختام، الا و اجتاح تيمور مدينة خوارزم هذه و تركها قاعا صفصفا بعد حصار دام ثلاثة أشهر. الا ان تيمورلنك أمر بتجديد بنائها فكمل ذلك فى سنة 790 (1388). و كان أبو

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 493

الغازى أمير خوارزم، و سنأتى قريبا على ما قاله فى مجرى جيحون الاسفل، يعقد مجلسه فى مطلع المئة الحادية عشرة (السابعة عشرة) فى هذه البلدة، و هى التى يسميها أركنج. قال فيها انها بلد حسن كثير البساتين. الا انه بعد هذا الزمن تربعت مدينة خيوه فى مكانها ثم صارت قصبة الاقليم الجديدة. أما خرائب اركنج هذه، أى المدينة التى ابتنيت بعد الغزو المغولى، فهى المعروفة اليوم باركنج العتيقة (كهنه اركنج) .

أما خيوه- و هى التى أخذت فى عهد الرؤساء الازبك بعد زمن تيمور تحجب بالتدريج مدينة اركنج و صارت قصبة خوارزم و شمل اسمها مع الايام الاقليم كله- فقد ذكرها غير مرة بلدانيو المئة الرابعة (العاشرة) بأنها بلدة صغيرة.

كانت تهجئة اسمها القديمة خيوق، و كان هذا الاسم هو الشائع حتى زمن ياقوت. قال فيها المقدسى «خيوه، على فم المفازة، رحبة، على شعبة من النهر (تأخذ من يسار جيحون)، بها جامع عامر» فكانت فى المئة الرابعة (العاشرة) موضعا ذا شأن. و تكلم ياقوت، و قد قال ان اسمها يلفظ أيضا خيوق، على حصنها و قال ان أهلها فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) شافعية «دون جميع بلاد خوارزم فانهم حنفية».

و فى هذا الزمن اشتهرت خيوه بانها بلد الشيخ نجم الدين الكبرى، و كان قد أبلى بلا عظيما فى

الدفاع عن أركنج بازاء المغول حتى قتلوه [سنة 618 ه] فصارت تربته موضعا يزوره الناس للتبرك و هى بالقرب من اركنج على ما ذكر ابن بطوطة فى القرن الذى تلا استشهاده. و ذكر على اليزدى مدينة خيوه و وصف مغامرة وقعت لتيمور فيها أيام شبابه. و قد أمر بعد زمن بتجديد أسوار خيوق

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 494

(على ما كانت تسمى حينذاك). و فى المئة الحادية عشرة (السابعة عشرة) ذكر أبو الغازى هذه المدينة مرارا، و قد عاش فيها أحيانا كما عاش أيضا فى كات (أو كاث) عند عدم مقامه فى اركنج. و استمرت خيوه بالتعاظم منذ أيامه حتى اليوم، فأصبحت الآن قصبة الاقليم المعروف باسمها .

أما هزار اسب (و معناها بالفارسية «الف فرس» ) فهى فى سمت خيوه، الا انها أقرب منها الى ضفة جيحون اليسرى. و هى موضع ذو شأن قد حافظ على اسمه دون ما تغيير منذ الفتح الاسلامى حتى هذا اليوم. ذكر المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة) انها فى نحو من خيوه كبرا، لها أبواب خشب و خندق. و تكلم ياقوت عليها و قد كان فيها سنة 616 (1219) قائلا هى قلعة حصينة و مدينة جيدة، فيها أسواق كثيرة و بزازون و أهل ثروة، و كان الماء محيطا بها كالجزيرة «و ليس اليها الا طريق واحد على ممر قد صنع» يقبل اليها من نواحى اركنج قاطعا السهلة الممتدة من ضفاف جيحون.

و فى نحو من نصف الطريق بين الطاهرية- حيث تبدأ أراضى الدلتا الزراعية- و هزار اسپ، يخترق نهر جيحون مضيقا جبليا يقال له اليوم ديوه بويون (أى رقبة الجمل) و هو فى جروف جبلية عالية يضيق النهر

عندها «حتى يعود عرض الماء الى نحو من الثلث». و قد سمى الاصطخرى هذا الموضع أبو قشه أو بوقشه، و زاد على ذلك قوله «هو موضع يخاف على السفن منه من شدة جريه و الهور الذى عند مخرجه». اما المستوفى، و قد سمى هذا الموضع تنگ دهان شير (مضيق فم الاسد)، فقال ان جرفى المضيق المتقابلين لا يبتعدان عن بعضهما أكثر من مئة «گز» (أى: ذراع). و على جانبه الايسر رباط. و فى أسفل هذا الموضع يجرى جيحون، حسب قوله، تحت الارض مسافة فرسخين فلا يرى منه شى ء.

و بين الطاهرية و هزار اسپ ثلاث مدن على ضفة جيحون اليسرى، كانت على

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 495

بعض الشأن فى العصور الوسطى: فعلى الجادة، أسفل الطاهرية بمرحلة، جكربند، تحفّ بانهارها الاشجار و البساتين. و فيها، على ما ذكر المقدسى، جامع حسن فى وسط سوقها. و على مرحلة أخرى شمالها قرب مضيق نهر جيحون، مدينة درغان. قال فيها المقدسى انها تقارب الجرجانية كبرا «لها جامع حسن ليس بالناحية مثله، فيه جواهر رفيعة و تزاويق حسنة» و المدينة تمتد فرسخين على الشط، حولها الكروم نحو من خمسمئة. و كانت درغان أول مدينة عظيمة فى خوارزم تقوم على الطريق الآتى من مرو. و ذكر ياقوت، و قد كان فيها سنة 616 (1219)، «هى مدينة على جرف عال و ذلك الجرف على سن جبل ... و بينها و بين جيحون مزارع و بساتين لأهلها، و بينها و بين نهر جيحون نحو ميلين. بناحية البر منها رمال». و بين درغان و هزار اسپ تقوم سدور على ضفة النهر و هى حصينة و بها جامع وسط البلد، و حولها

أرباض .

و أول الانهار العظيمة فى خوارزم كان يأخذ من ضفة جيحون اليمنى أى الشرقية فى موضع بازاء درغان و كان يقال له گاوخواره و تفسيره «أكل البقر» و كان يحمل السفن و عمقه نحو من قامتين و عرضه خمس، و يجرى شمالا فيسقى كثيرا من المزارع حتى كاث. و مما يلى مخرجه بخمسة فراسخ، كان يحمل منه نهر صغير يسمى نهر كريه «يعمر به بعض الرساتيق». و ذكر المقدسى أربع مدن قليلة الشأن تقوم على الجانب الشرقى هذا من جيحون بين الواحدة و الاخرى نحو من مرحلة يوم فى الرساتيق جنوب كاث. و كانت أبعدها. عن كاث: مدينة نوكفاغ و كانت فى وسط الانهار، و هى مدينة حسنة قرب شفير المفازة. و أقرب منها الى كاث كانت ارذخيوه و لعلها تطابق الموضع الذى سماه ياقوت حصن خيوه و قال انه يبعد خمسة عشر فرسخا عن خيوه الجانب الغربى.

و كانت أرذخيوه «على فم البرية عليها حصن بباب واحد تحت جبل». و كانت و ايخان حصنا أيضا حولها خندق «و على الابواب عرّادات». و هى على مرحلة أيضا نحو الشمال. ثم تليها غردمان و كانت على مرحلة من كاث «عليها حصن

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 496

و لها بابان و خندق ملآن من الماء سعته رمية سهم».

و كان يأخذ أيضا من غرب جيحون، أى يساره، جملة أنهار، أولها نهر يمر بهزار اسپ و يسقى رساتيقها. و هو نهر تجرى فيه السفن و ان كان نحوا من نصف سعة كاوخواره. و كان يعود مرتدا فى انعطاف دائرى لو تابع اتجاهه لوصل مدينة آمل. و على فرسخين من شمال هزار اسپ، يأخذ من جيحون نهر

كردران خواش و يمر بمدينة باسمه، و كانت فى نصف الطريق بين هزار اسپ و خيوه و هو أكبر من نهر هزار اسپ. و مدينة كردرانخاس (على ما سماها المقدسى) حولها خندق و لها أبواب خشب. و من شمال ذلك كان يحمل منه أيضا نهر خيوه، و هو نهر أكبر من سابقه تجرى فيه السفن الآتية من جيحون الى هذه المدينة. و يحمل منه أيضا نهر رابع من موضع يبعد عن شمال نهر خيوه، و هو نهر مدرا، و هو ضعف نهر كاوخواره الآخذ من ضفته الشرقية، و كان يسقى مدينة مدرا و ما جاورها.

و كاث، قصبة الاقليم الشرقية، على ما بيّنا، بعيدة عن جيحون، على نهر يقال له جردور كان يأخذ من جيحون على شى ء يسير من جنوب المدينة.

و على فرسخين شمال كاث كان يأخذ من ضفة جيحون اليسرى، أى الضفة الغربية، نهر و ذاك الكبير (و جاء اسمه أيضا و داك أو ودان) و كان يحمل السفن الى نحو الجرجانية قصبة خوارزم الغربية. و مخرج نهر وداك على نحو من ميل شمال مخرج نهر مدرا. و كان يأخذ من يسار جيحون فى شماله أيضا، نهر آخر يسمى نهر بوّه (أو بوه و بويه) و يجتمع ماؤه و ماء وداك فى الشمال الغربى على غلوة من قرية تعرف بأندرستان على نحو من مرحلة يوم من جنوب الجرجانية. و كان وداك أكبر من بوّه و تجرى فيهما السفن الى الجرجانية «ثم يكون هناك سكر يمنع السفن» من مواصلة سيرها شمالا. و كانت على ضفافه سدود عظيمة قد انشئت لتقى المدينة من طغيان مياهه، على ما بيّنا .

و كان الطريق الذاهب شمالا من خيوه الى الجرجانية

فى العصور الوسطى، يتخلل

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 497

كثيرا من المدن الكبيرة التى لم يبق منها أثر اليوم. فعلى مرحلة من خيوه كانت أرثخشميثن أو راخشميثن و هى التى ذكر ياقوت، و قد أقام فيها سنة 616 (1219)، انها مدينة كبيرة ذات أسواق عامرة و نعمة وافرة «و هى فى قدر نصيبين (من أعمال الجزيرة) الا انها أعمر و آهل منها». و الظاهر ان المغول قد خربوها فى غزوهم لها. و الى شمال هذه المدينة: روزوند كانت على ما ذكر المقدسى «متوسطة فى الرقعة، محصنة بخندق ...، و شربهم من عين لهم ...، و الجامع على طرف السوق». فاذا جاوزنا قرية أندرستان، بلغنا مدينة نوزوار و هى عند ملتقى نهر و داك بنهر بوه على مرحلة جنوب الجرجانية. قال المقدسى «نوزوار صغيرة، عليها حصن و خندق ...، لها بابان (حديد) و جسر يرفع كل ليلة. و الجامع فى الاسواق ...، و على باب المدينة الغربى حمام ليس بالاقليم مثله» و لعلها هى المدينة التى سماها ياقوت نوزكاث، و معناه على قوله «كاث الجديدة» أو «الحائط الجديد». و قد أزال المغول هذه المدينة عن آخرها بعد أن غادرها ياقوت بمدة قصيرة.

و زمخشر، بين نوزوار و الجرجانية، و قد كان فى هذه المدينة فى المئة الرابعة (العاشرة) جسور عند أبوابها ترفع «و عليها حصن و خندق و محبس و أبواب محددة و الجامع ظريف». و فى المئة السابعة (الثالثة عشرة) قال ياقوت فيها انها قرية جامعة اشتهرت لأن الزمخشرى صاحب التفسير المعروف قد ولد فيها سنة 467 (1075) و مات سنة 538 (1144). و قد زار ابن بطوطة قبره فيها فى المئة الثامنة

(الرابعة عشرة) و ذكر ان زمخشر على مسافة أربعة أميال من أرگنج الجديدة. و الى شمال أرگنج كانت تربة نجم الدين الكبرى، و قد مرّ ذكرها. و يلى هذه البلدة أيضا، و على خمسة فراسخ من الجرجانية، عند شفير المفازة، تحت الجروف العالية فى الجانب الغربى لنهر جيحون، مدينة جيث أو گيث و قد ذكرها البلدانيون الاولون غير مرة. و هى كبيرة واسعة الرساتيق لا تبعد كثيرا عن ضفة النهر اليسرى بازاء مذمينية و هى على أربعة فراسخ من يمين النهر. و يبدو ان جيث كانت فى الموضع الذى قامت فيه مدينة محدثة يقال لها وزير (أو شهر وزير). و ربما قد حلت محلها بعد فترة من الاضطراب الذى انتابها فى اثناء الفتوحات المغولية و حروب تيمور. و كثيرا ما ذكر أبو

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 498

الغازى مدينة وزير، كما ذكرها جهان نما. و الى ذلك فمن المحتمل ان شهر وزير هذه هى المدينة التى زارها انطونى جنكنسن(Anthony Jenkinson) و وصفها باسم محرف بعض التحريف و هو سليزور(Sellizure) أو شيزور(Shaysure) حين كان يجوب بلاد خوارزم فى المئة العاشرة (السادسة عشرة) .

و فى ضفة جيحون اليمنى، على نحو من أربعة فراسخ شمال كاث، كان يأخذ أول الانهار الاربعة المادة شمالا، و بعد أن يجرى مسافة قليلة، يلتقى به الانهار الثلاثة الصغيرة الاخرى، فتؤلف مياهها المجتمعة نهر كردر و يقال أن هذا النهر، و قد كان بكبر نهر وداك وبوه، فى الجانب الغربى، كان من سواعد نهر جيحون فى الاصل يجرى نحو الشمال الشرقى الى بحر آرال. و كان يقال للرستاق الذى فيما بين مجرى نهر جيحون نفسه و نهر كردر رستاق مزداخگان (أو

مزداخقان) و كانت تسقيه أنهار صغيرة كثيرة تأخذ من يمين جيحون. و يقال انه كان فى هذا الرستاق اثنا عشر ألف قرية، و قصبته كردر. و قد وصف المقدسى هذه البلدة بقوله انها بلدة كبيرة حصينة جدا، حولها قرى كثيرة و برارى واسعة ترعى فيها الماشية. و على مرحلة يومين منها، عند حد خوارزم الشمالى الشرقى، قرية كبيرة يقال لها قرية براتكين (أو فراتگين) و بالقرب منها مقالع الحجارة التى تحمل الى أنحاء خوارزم للبناء.

و قد كان فى براتكين فى المئة الرابعة (العاشرة) أسواق عامرة و جامع حسن.

و فى غرب هذه المدينة كانت مذمينية، و تبعد أربعة فراسخ من يمين جيحون بازاء جيث. و من هذه المدينة حتى ساحل بحر آرال، لا يرى بناء و لا قرية و لا أرض مزروعة، الا مناقع يكثر فيها القصب تقع عند فم نهر جيحون العظيم .

و فى المئة الرابعة قبل الميلاد، فى زمن فتوحات الاسكندر الكبير فى آسية الغربية، كان جيحون، على ما وصف به آنذاك، يصب فى بحر قزوين، و لم

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 499

يكن البلدانيون اليونان يعرفون شيئا عن بحر آرال على ما يظهر. أما متى جرى تبدل مجراه من بحر قزوين الى بحر آرال فغير معروف. و مع ان نهر جيحون اليوم مثل سيحون يصب فى بحر آرال، فان عقيقه القديم الذى كان يتجه الى بحر قزوين ما زالت معالمه موجودة و تعينها خوارطنا الحديثة. و قد ارتاده جماعة فى أيامنا. كان مجرى جيحون فى صدر العصور الوسطى، على ما وصفه البلدانيون العرب فى المئة الرابعة (العاشرة) هو مجراه الحالى فى جملته.

الا ان عقيقه القديم الماد الى بحر قزوين قد

ذكره المقدسى، فقال: فى القديم كان العمود ينتهى الى مدينة خلف نسا فى خراسان يقال لها بلخان (أو أبو الخان).

ثم انه بعد المقدسى بقرنين و نصف عاد جيحون ثانية الى مجراه الاقدم على ما يظهر.

و هذا ما أفادنا به المصنفون الفرس المعاصرون لذلك الزمن. و من ثمة، فالحقيقة التى لا يشك فيها هى ان نهر جيحون- فيما عدا فضلة من مائه تحملها بضعة انهار صغيرة الى بحر آرال- كان منذ أوائل المئة السابعة (الثالثة عشرة) حتى نحو من ختام المئة العاشرة (السادسة عشرة)، يصل الى بحر قزوين، جاريا فى عقيقه القديم الذى كان أيام الاسكندر الكبير. و ان كان هذا المجرى اليوم بل منذ نهاية المئة العاشرة (السادسة عشرة) قد تعطل ثانية و صار جافا فى الغالب.

و جاء فى تاريخ ابن الاثير، على ما قد بينا، ان جحافل المغول بثقت السدود فى سنة 617 (1220) للاستيلاء على أرگنج بعد ان حاصرتها خمسة أشهر فغمرت مياه جيحون و فروعه هذه المدينة و منذ ذلك الحين أخذت مياهها تجرى من شرق هذه المدينة فى غير مجاريها الاولى. لقد عمت المياه سطح البلاد كلها و بعد مضى زمن أخذت المياه الفائضة تنصرف باتجاه الجنوب الغربى مالئة عقيق جيحون القديم و جارية فى خطه المنخفض الى بحر قزوين عند منقشلاغ. و كان ياقوت، و هو ممن عاصر تلك الاحداث، قد تكلم على هذه المدينة قائلا انها قلعة حصينة تقوم على ساحل بحر طبرستان (أى قزوين) «الذى يصب فيه جيحون» حسب قوله.

و هذا الدليل المستخلص من اشارات عابرة قد عززه و أيده المستوفى فى المئة الثامنة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 500

(الرابعة عشرة). فانه فى سياق وصفه

مجرى جيحون، ذكر انه و ان كان جزء قليل من مياهه ما زالت تحملها الى بحر آرال أنهار تأخذ من يمينه، فان عموده بعد أن يمرّ بأركنج القديمة ينحدر مارا بعقبة عالية يقال لها حلم يسمع هدير انصباب الماء عندها من مسافة فرسخين، و من هذا الموضع يجرى مسيرة ستة أيام حتى يصب فى قزوين (بحر الخزر) عند خلخال و فيها يصاد السمك.

و موضع عقبة حلم التى يطلق عليها الترك، على قول المستوفى، اسم كرلاوه (أو كرلادى) قد ذكرها المستوفى فى مسالكه، لان بلدة حلم الجديدة تقوم فى نحو من نصف الطريق بين أركنج القديمة التى خرّبها المغول قبل قرن من زمنه و أركنج الحديثة التى ابتنيت فى مكانها. و الى ذلك، فان المستوفى فى كلامه على بحر قزوين و وصفه للميناء الذى فى جزيرة أبسكون (أنظر الصفحة 419- 420)، قال ان هذه الجزيرة قد اختفت فى أيامه فى البحر لأن جيحون الذى كان يصب قبلا فى البحيرة الشرقية (أى آرال) مما يلى بلاد ياجوج و ماجوج، قد غيّر مجراه منذ الفتح المغولى فصار يصب اليوم فى بحر الخزر (أى قزوين).

و بما ان هذا البحر الاخير لا منفذ له، فان سطح الماء فيه قد ارتفع و غمر الارض اليابسة (أى جزيرة أبسكون).

و ما ذكرناه أعلاه قد أيدته الاخبار التى كتبها عن جيحون فى سنة 820 (1417) حافظ ابرو، فقد كان من رجال حكومة شاه رخ ابن تيمور و خلفه و هو و لا شك كان حسن الوقوف على جغرافية هذه البلاد بما اطلع عليه بنفسه. فقد كتب فى السنة المذكورة فى كلامه على موضعين متباينين، ان جيحون الذى كان قديما يصب فى بحيرة خوارزم (أى

آرال) قد اتخذ له مجرى جديدا، فصار الآن ينحدر مارا بكرلاوو، و تسمى أيضا أقرنچه، الى بحر الخزر (أى قزوين).

و زاد على ذلك ان بحر آرال فى أيامه كاد أن يختفى. ثم ان روى كنزاليز دى كلافيجو(Ruy Gonzalez de Clavijo) السفير الاسبانى الذى زار هذه البلاد سنة 808 (1405) أى قبل ان كتب حافظ أبرو أخباره ببضع سنين، قد عزز ذلك بما بيّنه عن ان جيحون «يصب فى بحر باكو» و هذا لا يعنى الا

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 501

قزوين. على ان مما ينبغى الاشارة اليه، ان كلافيجو لم يكن فى ما كتبه فى هذا الشأن الا راويا ما نقل اليه.

اما سبب عودة جيحون الى ان يصب فى بحر آرال ثانية فغير معروف. و لكن هذا التحول العظيم لا بدّ ان حدث قبل ختام المئة العاشرة (السادسة عشرة)، لان أبا الغازى، و هو من أهل أرگنج، قد أشار الى ذلك و كأن الامر قد كان حقيقة راهنة فى سنة 948 (1576) أى قبل مولد أبى الغازى نفسه بنحو من ثلاثين سنة. فقد ذكر ان جيحون فى التاريخ المذكور قد اتخذ له مجرى جديدا، و بعد ان ينعطف أسفل من خست مناره سى (أى برج خست)، يتجه رأسا الى بحر آرال و بهذا التحوّل قد جعل الاراضى التى بين أرگنج و بحر قزوين صحراء ماحلة. و فى موضع آخر من كتابه، فى سياق كلامه على الأزمنة الاولى، ذكر فى جملة حوادث سنة 928 الى 937 (1522- 1531) ان الطريق من أرگنج الى أبو الخان على قزوين كان كله حقولا مزروعة و كروما تحفّ بما كان حينذاك مجرى جيحون الاسفل. على ان الظاهر، ان

أبا الغازى، يعيّن حصول التغير فى مجرى النهر فى زمن متأخر كثيرا. ذلك ان أنطونى جنكنسن حين طوافه فى روسيا الى خيوه فى سنة 966 (1558) تكلم على نهر جيحون فقال انه يصب «لا فى بحر قزوين، على ما كان حاله فى الأزمنة السالفة». فانه حين رآه كان هذا النهر العظيم قد اتخذ مجراه رأسا الى بحر آرال «بحيرة كثي(Kithay) أى الخطا» .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 502

و أهم تجارات خوارزم، الطعام و الحبوب و الفواكه. و هى بلاد خصبة.

و يرتفع منها قطن كثير، و من أغنامها الصوف. و ترعى فى مناقعها قرب آرال قطعان الماشية. و كان يحمل منها اصناف كثيرة من الجبن و اللبن. و فى أسواق الجرجانية أشهر أنواع الفراء و أغلاها. و تجلب اليها من بلاد البلغار على الفولجا.

و ذكر المقدسى و غيره اصنافا كثيرة منها. و مما اشتملت عليه: فراء الدلق (أو الدله) و السمّور و الثعالب و نوعين من القندس. و كذلك فراء السنجاب و قاقوم (قاقم، قاقون) و الفنك و ابن عرس، و تعمل منها الحلل الطويلة و القصيرة.

و يحمل منها جلود الارانب و المعزى المدبوغة. و كذلك جلود الحمر الوحشية.

و من غلات خوارزم و صناعاتها: الشمع و لحاء شجر و الحور الابيض المسمى التوز و هو يتخذ غلافا للدروع، و غراء السمك و أسنان السمك و العنبر و الخلنج و العسل و البندق و السيوف و الدروع و القسيّ. و عرفت خوارزم أيضا بالبزاة.

و يرتفع منها أيضا عنب و عنّاب و سمسم كثير. و يعمل فيها البسط و ثياب اللحف و الديباج المنسوج من القطن و الحرير. و تحمل منها الأزر و المقانع

من القطن و الحرير و غيرها من الثياب الملونة. و الحدادون يعملون الاقفال. و تنحت فيها السفن من جذوع الاشجار و تتخذ للملاحة فى الانهار الصغيرة الكثيرة. على ان أهم تجارات خوارزم فى المئة الرابعة (العاشرة) كانت جلب الرقيق، فقد كانوا يشترون أو يسرقون أولاد و بنات الأتراك من بدو تلك البرارى، و بعد أن يعلموهم و يؤدبوهم بالآداب الاسلامية، يجلبون منها الى سائر بلاد الاسلام فكانوا يتولون، على ما يروى التاريخ، أجل مناصب الدولة و وظائفها .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 503

الفصل الثالث و الثلاثون الصغد

بخارا و المدن الخمس داخل أسوارها- بيكند- سمرقند- جبل البتم و نهر زرفشان أى نهر السغد- كرمينية- دبوسية و ربنجن- كش و نسف و المدن المجاورة لهما- غلات الصغد و تجاراته- مسالك ماوراء جيحون حتى سمرقند.

يمكن القول ان اقليم الصغد، و هو صغدياناSogdiana القديمة، كان يشمل الاراضى الخصبة فى ما بين نهرى جيحون و سيحون، التى كانت تسقيها مياه نهرين، هما زرفشان أى نهر السغد، و عليه كانت تقوم سمرقند و بخارا، و النهر المنساب حيال مدينتى كش و نسف. و كان هذان النهران ينتهيان الى مناقع أو بحيرات ضحلة فى المفازة الغربية من جهة خوارزم. مع ذلك، فانه لمن الأوجه أن يعد الصغد اسما للرساتيق المحيطة بسمرقند. فان بخارا و كش و نسف كانت كل واحدة منها تعد كورة بذاتها.

و كان الصغد، يحسب احدى جنان الدنيا الاربع، و قد بلغ أوج ازدهاره فى النصف الاخير من المئة الثالثة (التاسعة) فى أيام الامراء السامانيين. و مع ذلك فقد ظل هذا الاقليم فى المئة التالية لها، فى خصب و يسار لا نظير لهما. و كانت أجل مدنه: سمرقند و

بخارا، و يمكن القول ان الأولى كانت مركزه السياسى،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 504

بينما كانت بخارا عاصمته الدينية. الا ان كلا من المدينتين كانتا فى مرتبة واحدة و تعدان قصبتى الصغد .

و كان يقال لبخارا أيضا: نومجكث . كان عليها فى المئة الرابعة (العاشرة) سور سعته «نحو فرسخ فى مثله». و هى مدينة فى مستواة من الارض، على مسافة قصيرة من جنوب عمود نهر السغد. و لا جبال بالقرب منها، و حولها كثير من المدن و القصور و البساتين و المحال، يجمعها حائط سعته اثنا عشر فرسخا فى مثلها، و يزيد دوره على مئة ميل. و يشق ما يضمه هذا السور العظيم نهر السغد و الانهار الكثيرة الآخذة منه.

اما مدينة بخارا نفسها، فلها فى خارج السور الى شماله الغربى، قهندز متصل بها، «و هو فى مقدار مدينة صغيرة. و فيه مساكن الولاة و الحبس و الخزانة». و فى خارج المدينة و حولها، أرباض واسعة تمتد حتى عمود النهر و تحفّ بضفته الجنوبية. و من أجلها الارباض التى فى شرقها، و هى: درب النوبهار و درب سمرقند و درب الراميثنة و غيرها من الدروب التى لا مجال لذكرها لكثرتها، و لا يمكن اليوم تعيين مواضعها الصحيحة. و لسور المدينة سبعة أبواب:

باب المدينة، و باب نور (أو نوز)، و باب حفره، و باب الحديد، و باب القهندز، و باب مهر، و باب بنى أسد و آخرها باب يعرف ببنى سعد . أما مواضع هذه الابواب فغير معروفة، الا ان باب قهندز ينبغى ان يكون فى الشمال الغربى و هو المفضى الى الريگستان، السهلة العظيمة أى رحبة بخارا و قد اشتهرت فى كل زمان.

و

بابا القلعة هما: باب الريگستان أى باب السهل، و باب الجامع و هذا

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 505

الاخير كان يفضى الى المسجد الجامع القائم فى الريگستان على باب القهندز المار الذكر. و كان يشق الارباض عشرة دروب، ينتهى كل درب ببابه، و قد عنى كل من الاصطخرى و المقدسى بسرد أسمائها. و الى ذلك فقد كان للمدينة أبواب أخرى عديدة تقوم فى سككها و شوارعها تفصل بين الاحياء المختلفة. و كثير من هذه الابواب حديد. و كان المسجد الجامع بالقرب من القلعة. و للمدينة أيضا مساجد صغيرة متعددة و أسواق و حمامات و رحاب لا تحصى. و فى ختام المئة الرابعة (العاشرة) كانت دار الامارة فى ظاهر القلعة فى رحبة كبيرة يقال لها الريگستان.

و قد أسهب ابن حوقل فى ذكر أنهار المدينة الآخذة من يسار نهر السغد، التى تسقى بخارا و بساتينها و رساتيقها، ثم تفنى أخيرا فى المفازة التى فى الجنوب الغربى قرب بيكند فى طريق آمل، فلا يصل نهر منها الى جيحون. و كان المجرى الاسفل للنهر فى هذا الموضع يقال له سامخاس أو خواش .

و ترى خرائب بخارا القديمة التى كانت فيما قبل الاسلام، على بضعة أميال من شمال غربى المدينة الاسلامية قرب ضفة النهر. و يقال لهذه الخرائب ريامينن، قال فيها المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة): «هى بخارا القديمة، كبيرة خربة الاطراف». و كان فى داخل السور الكبير (أى حائط بخارا) الذى يجمع سهلة بخارا خمس مدن زاهرة، منها: خجدة أو خجادة و هى على فرسخ غرب الدرب المنحدر من بخارا الى بيكند، على ثلاثة فراسخ من القصبة. وصفها المقدسى بقوله «كبيرة، عليها حصن فيه الجامع، حسنة

ظريفة». و تليها بلدة مغكان، و كانت على خمسة فراسخ من بخارا و ثلاثة من الدرب لصق الجانب الغربى من السور الكبير. و كان لمغكان «حصن و ربض حسن و جامع ظريف به ماء جار، كثيرة القرى».

و كانت تمجكث أو تمشكث (و غالبا ما كتبت و هما بصورة بمجكث و بومجكث) مدينة صغيرة فى شمال غربى بخارا على أربعة فراسخ منها و نصف فرسخ عن الدرب الذى الى يسار الطريق الذاهب الى طواويس. و الطواويس

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 506

(و تكتب معرّفة فى الغالب) أعظم المدن الخمس التى فى داخل السور الكبير.

و كانت مدينة جليلة «لها سوق، و مجمع عظيم ينتابه الناس من أقطار أرض خراسان فى وقت معلوم من السنة. و يرتفع منها من ثياب القطن ما يحمل منه لكثرته الى العراق. و فيها قهندز، و المدينة عليها حصار، و مسجد جامعها فى المدينة». و آخر المدن الخمس الداخلة، كانت زندنة، و ما زالت قائمة الى يومنا، قيل انها تبعد عن شمال بخارا أربعة فراسخ. «لها حصن به الجامع و ربضها عامر». و زاد ياقوت على ذلك ان اليها تنسب الثياب الزندنجى و هى ثياب مشهورة فى الآفاق.

و على فرسخين من خارج السور الكبير و خمسة من بخارا، فى الطريق المنحدر الى جيحون عند فربر، مدينة بيكند و ما زالت قائمة. كان على بيكند فى المئة الرابعة (العاشرة) «حصن بباب واحد و جامع فى محرابه جواهر» و لها ربض فيه سوق و لم يكن لها قرى، انما فيها عدد كبير من الربط قيل انه يبلغ الألف.

ويلى المدينة مفازة رملية الى حد جيحون.

و حافظت بخارا على مكانتها الرفيعة فى أوائل العصور

الوسطى، و لكن فى سنة 616 (1219) ادركها الغزو المغولى فنهبت المدينة و دمرت عن آخرها. و لم تنهض مما أحاق بها من دمار و خراب مدى قرن و يزيد. و فى اوائل المئة الثامنة (الرابعة عشرة) حين زار ابن بطوطة الموضع، نزل فى ربض يقال له فتح أباد. و كان معظم الجوامع و المدارس و الاسواق، على الحال المشعثة التى كانت عليها حين غادرها جنكيز خان. و فى الواقع ان بخارا لم تستعد شيئا من ازدهارها السابق الا فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة) فى عهد تيمور فقد اتخذ سمرقند عاصمة له و استعادت بخارا أختها شيئا من سابق بهائها .

أما سمرقند، فكانت فى أعلى النهر، على نحو من 150 ميلا من شرق بخارا، تقوم على مسافة قصيرة من ضفة نهر السغد الجنوبية على نشز من الارض. و على

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 507

المدينة سور حوله خندق عميق و لها قلعة مرتفعة عن الارض، و فى أسفلها قرب النهر أرباض كبيرة، تحف بها البساتين و الاشجار، «و قلّ دار تخلو من بساتين و لا دار الا و فيها ماء جار الا القليل». و تكثر فيها أشجار السرو. و فى القلعة دار الامارة و الحبس، و لكن حين كتب ابن حوقل كان الخراب قد استحوذ على أكثر هذه القلعة. و قد كان عليها «باب حديد من داخله باب آخر حديد» على ما ذكر ياقوت. أما المدينة نفسها فلها أربعة أبواب، هى: باب الصين فى جهة المشرق، «ينزل عنه بدرج كثيرة العدد، مطل على نفس وادى السغد». و باب بخارا فى جهة الشمال، و باب النوبهار فى جهة المغرب، و هو على

النشز أيضا.

و الباب الكبير و يعرف أيضا بباب كش فى جهة الجنوب.

و مساحة المدينة، على ما ذكر ياقوت، 2500 جريب (أى 750 اكرا)، فيها الاسواق و الحمامات. و لهذه المدينة مساكن كثيرة «و ماء جار يدخل اليها فى نهر من رصاص، و هو نهر قد بنيت له مسناة عالية من حجارة يجرى عليها الماء من الصفارين حتى يدخل من باب كش، و وجه هذا النهر رصاص كله».

و سوق سمرقند الكبير يعرف برأس الطاق كان سوقا رحبا و فى أسفل القلعة المسجد الجامع و دار الامارة. و دورها قد بنى كلها بالخشب و الطين. و كانت المدينة مكتظة بالسكان.

و أرباض سمرقند تمتد بامتداد ضفة النهر، فى بسيط من الارض، و عليها سور نصف دائرى طوله فرسخان، يحيط بها من ناحية البر، و النهر من ناحية الشمال، احاطة القوس بالوتر، فيتم بذلك خط دفاعها. و للربض ثمانية أبواب تفضى منها دروب مختلفة، هذه أسماؤها: أولا باب شداود، ثم باب أشبسك، ثم باب سوخشين، و باب أفشينه، ويليه باب كوهك (أى باب الجبل) و يفضى الى النشز حيث المدينة و القلعة. و يليه باب ورسنين، فباب ريودد. و أخيرا باب فرخشيذ. و مجمع أسواق الربض رأس الطاق فى المدينة «و البلد كله: طرقه

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 508

و سككه و أسواقه، الا القليل، مفروش بالحجارة». و كانت أسواق ربضها مجمع التجارات، زاخرة بالسلع الواردة اليها من جميع الانحاء، فقد كانت سمرقند فرضة تجارية عظيمة لبلاد ماوراءالنهر. و من جملة ما اشتهرت به الكاغد السمرقندى، فهو يحمل منها الى سائر بلاد الشرق، و كانت صناعته قد دخلت اليها من الصين. و هواء سمرقند رطب، و

لكل دار فى المدينة و ربضها بستان «حتى انك اذا صعدت أعلى القلعة لم تبد المدينة للنظر لاستتارها بالبساتين و الاشجار». و فى جنوبها جبل صغير يقال له كوهك يمتد طرفه الى مرحلة يوم عن المدينة.

و يرجع سبب الخراب الوقتى الذى حلّ بسمرقند الى المغول، على ما أوقعوه فى سائر أنحاء ماوراءالنهر. فقد خرّبوا معظم البلد فى سنة 616 (1219) حتى ان ابن بطوطة لما زارها فى المئة التالية لذلك الزمن، قال فيها «لا سور لها و لا أبواب عليها»، و أكثر دورها خراب و القليل منها آهل. و قد سمى نهرها (أو لعله أراد نهرا كان يأخذ من نهر السغد) نهر القصّارين «عليه النواعير».

و مع ذلك فقد استعادت سمرقند مجدها السابق بعد ذلك بقليل، و ذلك فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة) حين اتخذها تيمور عاصمة له فجدّد البلد و شيّد المساجد و أقام الربط، و قد شاهد ذلك كله السفير الاسبانى كلافيجوClavijo فى سنة 808 (1405) و ما زال بعض ذلك قائما الى يومنا. و ذكر على اليزدى ان مسجدها الجامع قد أنشأه تيمور عند عودته من فتح الهند فكان مردّ بهائه و جماله الى ما وضعه فيه من غنائم تلك الحملة. و وصف كلافيجو سمرقند فى هذا الزمن بقوله انها يحيط بها سور طين و ان كبر البلد فى نحو مدينة اشبيلية، موطنه .

أما رساتيق سمرقند فكان جلها فى شرقها و جنوبها، و بعضها فى شمال نهر السغد، و كلها خصبة وافرة الخيرات. فعلى تسعة فراسخ من شرق سمرقند

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 509

و مثل ذلك من جنوب النهر، مدينة بنجيكث، (ما زالت قائمة حتى اليوم باسم پنجكند)

حولها رستاق كثير الثمار خصب، مشجّر باللوز و الجوز. و تمتد حقول القمح على الانهار. و بين هذه المدينة و سمرقند، القرية الكبيرة و رغسر و رستاقها خصب تسقيه أنهار تأخذ من نهر السغد. و فى الناحية الجنوبية من القصبة كان رستاق ما يمرغ فيه قرية ريودد على فرسخ من سمرقند، و يجاوره رستاق سنجرفغن. «و ليس فى جميع الرساتيق أكثر قرى و أشجارا و خيرات منه (أى مايمرغ)». و الى جنوبه، الرستاق الجبلى المعروف بجبال الساودار و هو أصح رساتيق الاقليم هواء. و فى هذا الرستاق، على ما ذكر ابن حوقل، «عمر للنصارى- ربما كانوا من النساطرة- يعرف بوزكرد». و كان يزار كثيرا، و دخله عظيم. و كانت الاودية التى فى هذه الجبال، فى غاية الخصب، و على أنهارها تنبث القرى، و خيراتها وافرة. و رستاق الدرغم «أزكى الرساتيق و أكثرهن مراعى و مياها. و يفضل من أعنابه ما يحمل الى غيرها من الرساتيق».

و على حده كان رستاق أوفر أو أبغر، و هو «رستاق، عامته مباخس، كثير القرى، أهله أصحاب مواش»، قطره نحو من فرسخين و هذا الرستاق هو آخر الرساتيق فى جنوب سمرقند و النهر.

و فى شمال ضفة نهر السغد، فى تخوم أشروسنة، رستاق بوزماجن أو بوزماجز، و مدينته باركث أو أباركث، و هى على أربعة فراسخ أو مرحلة يوم من سمرقند الى شمالها الشرقى. و على أربعة فراسخ أخرى شمالا، كشفغن و هى قرية ذات شأن عرفت فى الازمنة الاخيرة برأس القنطرة. ويليها رستاق برنمذ، أو فورنمذ، و هو يتاخم أشروسنة، ويليه رستاق ياركث و هو أعلى الرساتيق الشمالية. و تكثر فى هذين الرستاقين المراعى.

و على سبعة فراسخ من شمال سمرقند، مدينة

اشتيخن، لها قهندز و ربض و أنهار تأخذ من نهر السغد، و هى مشهورة بكثرة زروعها. و نعتها الاصطخرى بقلب السغد لخصبها. و على سبعة فراسخ أخرى شمالا كانت الكشانية أو كشانى «و هى أعمر مدن السغد» و أهلها من ذوى اليسار و الثراء. و الى شمالها أيضا،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 510

رستاق كبوذنجكث، و هو على ما ذكر ياقوت يبعد فرسخين عن سمرقند، و مدينته يقال لها لنجوغكث. و على ظهر هذا الرستاق، رستاق و ذار و أرضه جبلية و مدينته على اسمه، و فيها يعمل الثياب الوذارية القطنية. و أخيرا رستاق المرزبان «و هو المرزبان بن تركسفى» من دهاقين الصغد، أى نبلائه. و يتصل هذا الرستاق برستاق و ذار .

أما نهر السغد، أو زرفشان (ناشر الذهب) على ما يسمى به اليوم، فان منابعه فى جبال يقال لها البتّم، و هو يفصل بين أنهار اقليم الصغد من جهة و أنهار الصغانيان و وخشاب من جهة أخرى و قد مر ذكرهما فى الفصل الثانى و الثلاثين، و هما من روافد يمين نهر جيحون. و سفوح جبل البتم و ان كانت عالية شديدة الانحدار، فان القرى كانت تنبث فوقها، و فيها، معادن الذهب و الفضة و كذلك يستخرج منها الحديد و الزئبق و النحاس و الآنك و النفط و القير، و يحمل من هذا الرستاق الزفت و الفيروزج «و حجارة تحرق عوضا عن الفحم» و النوشاذر.

و النوشاذر يجمع من غار يرتفع فيه بخار، ذكر الاصطخرى ان فى الجبل «مثل الغار، يبنى عليه بيت، و يستوثق من أبوابه و كواه، فيرتفع من الغار بخار يشبه بالنهار الدخان و بالليل النار، فاذا تلبد هذا

البخار، قلع منه و هو النوشاذر.

و لا يتهيأ لاحد أن يدخله من شدة حره الا ان يلبس لبودا و يدخل بها كالمختلس.

و هذا البخار يتنّقل من مكان الى مكان فيحفر عليه حتى يظهر، فاذا انقطع من مكان حفر عليه من مكان آخر فظهر منه» .

و مبدأ نهر السغد فى موضع يقال له جن أو جي، و هو «مثل بحيرة حواليها قرى، و تعرف الناحية ببرغر» أو ورغر، فينصب النهر من البحيرة بين جبال حتى ينتهى الى بنجيكث ثم ينتهى الى مكان يعرف بورغسر «و تفسيره رأس السكر» فى لغتهم. لان عنده تتشعب من النهر أنهار تسقى سمرقند و رساتيقها التى فى شمال نهر السغد. و من الانهار الآتية الى سمرقند اثنان يحملان السفن، و قد

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 511

سرد ابن حوقل أسماء هذه الانهار المختلفة و الرساتيق التى تسقيها و ما فيها من قرى.

و كان على النهر فى سمرقند قنطرة حجارة يقال لها قنطرة جرد، كانت مياه الفيضان أحيانا تغمرها كلها. و يأخذ من النهر أسفل سمرقند أنهار أخرى تسقى الرساتيق التى حول الدبوسية و كرمينية. و سنصفهما الآن. ثم يصل نهر السغد الى قرب بخارا، فيسمى النهر فى هذا الموضع بنهر بخارا، و كان يأخذ منه فى ظاهر سور بخارا الكبير أنهار تسقى المدينة و ما يليها من أرضين. و قد سرد ابن حوقل أسماء هذه الانهار أيضا و ما عليها من قرى و بعض هذه الانهار يؤلف شبكة للسقى تعود مياهها الى عمود النهر، بينما كان غيرها يفنى بعد السقى، و هو ما كان فى الجنوب الغربى. و المعروف ان الانهار الكبيرة التى كانت تصل مدينة بخارا يصلح

كلها لسير السفن .

و كان بين بخارا و سمرقند فى ضفة السغد الجنوبية ثلاث مدن كبيرة فى المئة الرابعة (العاشرة)، هى كرمينية (و ما زالت قائمة) و الدبوسية و ربنجن. أما كرمينية فهى على مرحلة بريد شرق الطواويس فى ظاهر السور الكبير، و هى أكبر من الطواويس و أعمر و أكثر عددا، و لها قرى كثيرة، و أراضيها خصبة و انهارها وافرة تأخذ ماءها من نهر السغد. و قد ذكر ياقوت كثرة أشجارها.

و على مرحلة بريد من شرقها، مدينة الدبوسية و هى كذلك على نهر يأخذ من ضفة السغد الجنوبية و لكنها لا قرى كبيرة فيها و لا أعمال لها.

و بلدة خديمنكن، كانت تبعد فرسخا عن كرمينية و غلوة عن شمال الطريق العام. و على ضفة السغد الشمالية، على فرسخ فوق خديمنكن، بلدة مذيامشكث. و كانت أسفل منها بفرسخ قرية خرغانكث و هى على ضفة النهر الشمالية بازاء كرمينية و لا تبعد عنها غير فرسخ. و هذه القرى الثلاث، كانت من الكبر فى المئة الرابعة (العاشرة) بحيث ان لكل منها مسجدا جامعا. و ذكر ياقوت ان خديمنكن «تختص بأصحاب الحديث». اما اربنجن، أو ربنجن،

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 512

فعلى مرحلة بريد من شرق الدبوسية و أكبر منها. و الى شرقها أيضا، فى نصف الطريق بين ربنجن و سمرقند، على سبعة فراسخ من هذه القصبة، كانت زرمان.

هذا، و قد سرد المقدسى أسماء عدد كبير من المدن الصغيرة الاخرى حول بخارا، و وصفها. و لكن مما يؤسف عليه انه لم يذكر المسافات بينها ليتسنى تأشير مواضعها .

و فى الناحية الجنوبية من نهر السغد، يجرى نهر مواز له، و ينتهى مثله فى مناقع بيد

أنه أقصر منه، يقال له اليوم كشكه دريا، و عليه تقوم شهر سبز و قرشى. كانت شهر سبز (أى المدينة الخضراء) فى العصور الوسطى، تعرف باسم كشّ. قال فيها ابن حوقل: «مدينة لها قهندز و حصن و ربض. و مدينة أخرى متصلة بالربض» لعلها هى المعروفة اليوم بكتاب. و كان يقال لها قديما المصلى، فيها الخانات و دار الامارة. و فى ربضها الاسواق. «و الحبس و المسجد الجامع فى المدينة الداخلة، و مقدارها نحو ثلث فرسخ فى مثله (أى ربع ميل مربع)، و بناؤها من طين و خشب، و هى مدينة خصبة جدا، جرومية، تدرك فيها الفواكه أسرع مما تدرك بسائر ماوراءالنهر، و تأتى بواكيرها الى بخارا». و لمدينة كش الداخلة أربعة أبواب هى: باب الحديد، و باب عبيد اللّه، و باب القصابين، و الرابع باب المدينة الداخلة. و للمدينة الخارجة بابان، أحدهما باب بركنان «و بركنان قرية ينسب اليها الباب»، و باب المدينة الخارجة .

و النهر المعروف اليوم بنهر كشكه كان يقال له فى المئة الرابعة (العاشرة) نهر القصارين «و يخرج من جبل سيام و يجرى فى جنوبى المدينة» أى مدينة كش. و يجرى فى شمالها نهر أسرود. و فى ما يلى طريق سمرقند، على فرسخ، كان يقطع هذا الطريق نهر يقال له جاى رود، و الى جنوبه، على فرسخ من كش فى طريق بلخ، نهر خشك رود (أى النهر الجاف). و فى ما يلى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 513

هذا النهر، على ثمانية فراسخ منه، نهر خزار رود. و هذه الانهار، بعد أن تسقى رساتيق كش، تجتمع فضلاتها فتصير نهرا واحدا يمر بمدينة نسف.

و كان «طول عمل كش نحو أربعة

أيام فى مثلها». و هو معروف بوفرة خصبه.

و فى الجبال المجاورة لكشّ: الملح «و بها يسقط المن المسمى الترنجبين و العقاقير الكثيرة» و كانت تحمل الى كثير من آفاق خراسان. و اشتهرت كش فى الازمنة الاخيرة بان فيها ولد تيمور الذى جدد فى أواخر المئة الثامنة (الرابعة عشرة) المدينة و بنى فيها القصر الابيض- آق سراى- و كان يؤثر الاقامة فيه. و فى هذا الزمن عرفت كش باسم شهر سبز (المدينة الخضراء) و ما زالت تعرف به حتى اليوم .

و على مئة ميل و نيف فى منحدر النهر أسفل كش من ناحيتها الغربية، المدينة المعروفة اليوم باسم قرشي و كان يسميها عرب القرون الوسطى نسف و الفرس نخشب. كان لنسف فى المئة الرابعة (العاشرة) قهندز، و ربض عامر فى ظاهر المدينة، له سور و أربعة أبواب هى: باب النجارية و باب سمرقند و باب كش و باب غوبذين. و تقوم نسف على النهر الذى يتألف، على ما بيّنا، من مجتمع فضلات أنهار عديدة تأتى من رساتيق كش. و على ضفته: دار الامارة، عند الموضع المعروف برأس القنطرة. و حبسها عند دار الامارة، و المسجد الجامع قرب باب غوبذين. «و أسواقها فى الربض مجتمعة ما بين دار الامارة و مسجد الجامع و المصلى بناحية باب النجارية داخل الباب». و قد أطرى المقدسى كثرة أعناب نخشب الجيدة و تكلم على أسواقها الحسنة. و كانت مزارعها خصبة و بساتينها كثيرة. الا انها «ليست لها قرى كثيرة و لا نواح» مثلما كان لكش.

و عرفت نسف أو نخشب فى التاريخ بأنها موطن المقنع- نبيّ خراسان- الذى نهض فى النصف الاخير من المئة الثانية (الثامنة) و صنع العجائب. فقد كان يصعد

من بئر فى نخشب ليلة بعد ليلة القمر أو ما هو مثل القمر، فكان الناس يتعجبون من ذلك. و كان الفرس يلقبون المقنع ب «ماه سازنده» أى صانع

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 514

القمر. و تروى الاخبار التاريخية ان فتنة اتباع المقنع قد عانى منها كثيرا قادة جيش الخليفة المهدى مدى سنين. أما مدينة نخشب، فقد ابتنى فيها كپك خان بعد الغزو المغولى فى المئة السابعة (الثالثة عشرة)، قصرا له فى موضع على فرسخين من المدينة القديمة، و «القصر» فى اللغة المغولية يسمى «قرشى» فسرى هذا الاسم على الربض الذى قام حوله و حل محل نسف القديمة أى نخشب. نزل ابن بطوطة هنا فى أوائل المئة الثامنة (الرابعة عشرة)، و وصف قرشى بانها بلدة صغيرة تحفّ بها البساتين. و فى ختام هذا القرن، كان تيمور كثيرا ما يشتى فى قرشى، ثم بنى قربها حصارا أى قلعة .

و كان قرب نسف، فى المئة الرابعة (العاشرة) و ما بعدها، مدينتان لكل منهما جامع، صغراهما بزده أو بزدوه. لها قلعة قوية و هى على ستة فراسخ غرب نسف فى طريق بخارا. و الاخرى، و هى الكبيرة كسبه، كانت على أربعة فراسخ من نسف فى طريق بخارا. و لها أسواق عامرة على ما ذكر ياقوت. و كان الى ذلك، بين نسف و كش، على مرحلة بريد غرب المدينة الاخيرة، المدينة أو القرية الكبيرة المسماة نوقد قريش. و على مرحلة أخرى جنوب شرقى نسف، فى الطريق الى باب الحديد (أنظر صفحة 485)، كانت سونج، و هى قرية كبيرة. و فى جوارها على فرسخ منها: اسكيفغن، و يسقى هاتين القريتين نهر خزار و قد سبق ذكره .

اما حاصلات اقليم

الصغد و صناعاته، فعديدة. فكان يرتفع من بخارا بطيخ فائق يحمل الى الآفاق، و يرتفع منها أيضا البسط و المصليات و الثياب الرخوة و ثياب الفرش التى كانت تفرش فى حجرات الضيوف، و كانت تنسج فى محابسها حزم الخيل، و تدبغ فيها جلود الضأن، و يرتفع منها الشحم و دهن الرأس و تحمل الى الآفاق. و أكثر ما اشتهرت به سمرقند: الكاغد. يعمل فيها ثياب

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 515

حمر و ديباج و قز. و كان الصفارون يصنعون القدور العظيمة من النحاس، و غيرهم يعملون الركب و السيور و أحزمة السرج و كذلك أصناف القماقم و القنانى.

و يحمل من رساتيقها البندق و الجوز. و كان يرتفع من كرمينية بين بخارا و سمرقند: المناديل. و من الدبوسية: ثياب و ديباج. و من ربنجن: اللبود الحمر و مصليات و طاسات و الجلود و حبال القنب و الكبريت و يرتفع منها أيضا أزر النساء .

و لقد بيّنا فى الفصل الثلاثين (ص 473)، ان طريق خراسان كان يقطع جيحون مما يلى أموية الى فربر، و منها يتابع الى بيكند فيدخل باب السور الكبير الى بخارا. و من هذه القصبة يصعد الطريق فى محاذاة ضفة نهر السغد اليسرى الى سمرقند مارا بمدن هذه الناحية الكبيرة. و قد وصف هذا الجزء من الطريق جميع المصنفين القدماء باختلاف طفيف فيما بينهم. غير ان ابن حوقل و المقدسى ذكرا أيضا المسافات بين المدن الخارجة فى رساتيق بخارا و سمرقند .

و الطريق الذى يخترق خراسان الى بلخ (أنظر صفحة 474) يعبر جيحون الى ترمذ، و عندها يتشعب الى طرق مختلفة: ففى الشمال طريق يتخلل الصغانيان و قباذيان الى واشجرد. و

منها يعبر قنطرة الحجارة فيصل الى ناحيتى الوخش و الختل. و فى الشمال الغربى، يصعد طريق آخر من ترمذ الى باب الحديد.

و فى ما يلى كندك بمرحلة، يتشعب: فالى الشمال يذهب الطريق الايمن الى كش و منها يبلغ سمرقند و الى الشمال الغربى ينتهى الطريق الايسر الى نخشب.

و هناك ينعطف فرع منه يتجه شرقا فيعود الى كش. أما الطريق الكبير نفسه، فانه يقطع المفازة الى بخارا. و قد وصف هذه الطريق، مع ذكر المسافات القصيرة فى الغالب، الاصطخرى و بعضها المقدسى .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 516

و كانت دلتا جيحون فى اقليم خوارزم، يصلها من آمل فى جانب خراسان طريق يصعد فى محاذاة ضفته اليسرى الى الطاهرية حيث يبدأ حد الزراعة و منها يتابع الى هزار اسب. و هنا طريق يذهب يسارا مارا بخيوه الى الجرجانية (اركنج). و طريق آخر ينعطف الى كاث و المدن التى على يمين جيحون. و قد وصف الاصطخرى و المقدسى هذه الطرق. و كذلك الطريق الذى يقطع المفازة نحو الجنوب الشرقى من كاث الى بخارا رأسا. و الى ذلك، فقد ذكر المستوفى فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) طريقين يأتيان من الجنوب و يجتمعان فى اركنج، فيذهب أحدهما شمالا من فراوة (هى الآن قزل اروات. أنظر صفحة 421) الى اركنج قاطعا المفازة. و الآخر يذهب من مرو و يقطع المفازة أيضا و يجتاز فى مواضع كثيرة الرمال المتحركة حتى يصل الى الطاهرية على جيحون. و قد ذكر هذا الطريق الاخير أيضا جهان نما. و من هزار اسب يكاد هذا الطريق يتابع الطريق نفسه، الذى وصفه البلدانيون العرب المنتهى بقصبة خوارزم فى الجرجانية .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس

عواد، النص، ص: 517

الفصل الرابع و الثلاثون اقاليم نهر سيحون

اقليم اشروسنة- بونجكث و هى قصبته- زامين و المدن الاخرى- اقليم فرغانة- نهر جكسارتس Jaxartes أى سيحون- اخسيكث و انديجان- أوش و اوزكند و المدن الاخرى- اقليم الشاش أى بنكث- بناكث أى شاه رخية و المدن الاخرى- ناحية ايلاق و مدينة تونكث. و معادن الفضة فى خشت- ناحية اسبيجاب- مدينة اسبيجاب أى سيرام- جمكند و فاراب أى أترار- يسى و صبران- جند و ينغكنت- طراز و ميركى و مدن الترك النائية- حاصلات أقاليم سيحون- المسالك التى فى شمال سمرقند.

اقليم أشروسنة- و كتب أيضا: أسروشنة و سروشنة و ستروشنة- يقع فى شرق سمرقند، بين الرساتيق الممتدة فى محاذاة يمين نهر السغد و الرساتيق التى فى يسار نهر سيحون، و لا يدخل هذان النهران ضمن اقليم أشروسنة. و أرض الاقليم سهول و جبال، و لا تتخللها أنهار كبيرة. أما حده الشرقى على ما ذكر البلدانيون العرب، فكان پامير (الفامر).

و كانت قصبته مدينة أشروسنة، و يقال لها أيضا بونجكث و بنجكث

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 518

و بنوجكث، و موضعها يطابق مدينة أراتپه الحالية. كانت بونجكث فى المئة الرابعة (العاشرة) «مدينة يحزر رجالها نحو عشرة آلاف رجل، و بناؤها طين و خشب، و لها مدينة داخلة منها، عليها سور بذاتها، و سور على ربضها، و لها سور آخر من وراء ذلك. و للمدينة الداخلة بابان: أحدهما يدعى باب الاعلى، و الآخر باب المدينة. و داخل المدينة القهندز و السجن و مسجد الجامع و الاسواق. و يجرى بالمدينة الداخلة نهر كبير عليه رحى». و يشتمل سورها المحيط بالربض، أى المدينة الخارجة، على الدور و البساتين، و يبلغ دوره نحوا من ثلاثة فراسخ. و

كان لهذا السور أربعة أبواب، هى: باب زامين، و باب مرسمندة، و باب نوجكث، و باب كهلباذ. و كان لهذه المدينة ستة أنهار صغيرة تسقى اراضيها سرد ابن حوقل اسماءها. و جميع هذه الانهار «من منبع واحد و عين واحدة، و يكون مقدار ما يدير عشر أرحية، و من المدينة الى منبع الماء أقل من نصف فرسخ». و كانت المدينة مشهورة بكثرة النزه و البساتين.

و زامين، و هى ما زالت قائمة، الى الشرق من بونجكث. و هى على طريق خراسان الآتى من بخارا و سمرقند، حيث يتشعب أخيرا الى طريقين: احدهما يذهب شمالا الى الشاش (تاشكند) و الآخر نحو الشمال الشرقى الى فرغانة و ما وراءها. كانت زامين فى المئة الرابعة (العاشرة) تقارب القصبة بونجكث فى الكبر، و هى مدينة قديمة جدا كانت تعرف باسم سوسنده أو سرسنده، لها مسجد جامع و أسواق حسنة، تحف بها البساتين و المزارع، و ليس عليها سور. و للمدينة نهر عليه جسور صغار. و مدينة ساباط، ما زالت قائمة أيضا و هى بين زامين و بونجكث فى طريق فرغانة. قال فيها المقدسى «عامرة، و بها عين ماؤها جار، يحدق بها بساتين» .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 519

أما مدن اسروشنة الاخرى، فقد انتهت الينا اسماؤها، و لكن دون ما وصف، و مواضع أغلبها غير معروفة. فما زال منها قائما، أو ما يمكن تعيين مواضعه من وصف المسالك، هو ما يأتى: ديزك، و يقال لها أيضا چيزك فى شمال غرب زامين. و الى جنوبها، فى الطريق من سمرقند، مدينة خرقانة. و خاوس، أو خاوص، فى الطريق الذاهب شمالا من زامين الى الشاش. و كركث على حدود فرغانة

فى نصف الطريق بين ساباط و خجندة. و لا يمكن تعيين موضعى المدينتين الصغيرتين مينك و مرسمندة تعيينا صحيحا لان كتب المسالك لم تذكر و لا واحدة منهما. و لكن ينبغى ان تكون مرسمندة مجاورة للقصبة ان استدللنا بباب مرسمندة فى بونجكث على ذلك. كانت مرسمندة فى الجبال، شديدة البرد، لها ماء جار، قليلة البساتين لارتفاع سطحها. ذكرها المقدسى فقال «بها أسواق عامرة، الجامع على ناحية من السوق»، و هى مدينة جليلة. و الظاهر ان مدينة مينك كانت فى جوارها. و اشتهرت بانها الموضع الذى قاتل فيه قتيبة [بن مسلم] و هو القائد العربى فى الفتح الاسلامى الاول لما وراء نهر سيحون. «و هناك حصن يعرف بالافشين الاكبر و هو صاحب المعتصم، و كان قد اتخذه لنزهته». و فى ناحية مينك و مرسمندة «تتخذ آلات الحديد التى تعم خراسان و يجهز الى العراق، و ذلك لان الحديد بفرغانة لين ممكن لما يراد قنيته فى أى صنعة قصد منه» .

كان نهر جكسارتس العظيم يسميه العرب، على ما قد بيّنا (ص 477)، سيحون. على ان اسمه الاكثر شيوعا كان نهر الشاش (و الشاش القديمة هى تاشكند). و انما سمى بذلك لوقوع المدينة المهمة التى بهذا الاسم فى القرب من ضفافه.

و ذكر المستوفى انه فى المئة الثامنة (الرابعة عشرة) كان المغول القاطنون فى هذه الارجاء يعرفونه باسم گل زريان. و منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا، أطلق عليه الترك اسم سير دريا أو سيرصو (نهر سير). و قد ذكره ابو الغازى بهذا الاسم.

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 520

و ذكر ابن حوقل ان نهر سيحون، يخرج من بلد الترك، و هو «يعظم من أنهار تجتمع

اليه» تأتى من الجبال و يدخل وادى فرغانة العظيم من طرفه الشرقى فى حدود اوزكند. و يمتد اقليم فرغانة نحوا من مئتى ميل و نيف الى شمال و جنوب مجراه الاعلى . فاذا ما جرى نهر سيحون شرقا استقبل روافد عديدة و هو يتخلل فرغانة، هى: نهر خرشان و نهرا اورست و قبا و كذلك نهر جدغل و لعله هو نهر نرين الحالى، و أنهارا أخرى غيرها. فاذا جاوز أسوار اخسيكث القصبة وصل سيحون الى خجندة و عندها يبارح نهائيا اقليم فرغانة. ثم ينعطف شمالا فيستقبل فى يمينه نهرين يقال لهما نهر ايلاق و نهر ترك، و يمرّ بغرب رستاق ايلاق و الشاش. و فى ما يلى ذلك، ينتهى سيحون الى رساتيق اسبيجاب ثم اذا اجتاز مفاوز الغز و الترك، توزعت مياهه على أنهار عديدة حتى يقع فى بحر آرال فى القسم الشمالى الشرقى منه. و قد ذكر البلدانيون العرب ان نهر سيحون صالح لسير السفن كنهر جيحون و ان سيحون يجمد شتاء مدة أطول من جيحون فكانت القوافل تعبره. و كان يعد «نحو ثلثى جيحون» .

أما اقليم فرغانة الذى كان الى وقت قريب يعرف بخانية خوقند، و قد أعادت اليه الحكومة الروسية رسميا اسمه القديم، فكانت قصبته فى أوائل العصور الوسطى مدينة أخسيكث، و سماها ابن خرداذبه و غيره مدينة فرغانة. و هى تقوم على ضفة نهر سيحون الشمالية. و خرائب هذه المدينة شاخصة. و فى المئة العاشرة (السادسة عشرة) لما كان بابر حاكما على فرغانة، كانت مدينة الاقليم الثانية، تعرف باسمها المختصر «اخسى». و انديجان كانت هى القصبة حينذاك.

قال ابن حوقل فى مدينة اخسيكث، انها مدينة واسعة لها قهندز و فيها الجامع و

دار الامارة و الحبس و لها ربض واسع. و المدينة الداخلة ميل فى مثله، فيها مياه جارية و حياض كثيرة. و فيها و فى ربضها أسواق، و على ربضها سور.

و للمدينة الداخلة خمسة أبواب، هى: باب كاسان، و باب الجامع، و باب

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 521

رهانة، و باب لم يضبط اسمه، و يمكن أن يقرأ بختر. و أخيرا باب المردقشة.

و كان يحف بالمدينة البساتين الملتفة مقدار فرسخين مما يلى أبواب ربضها.

و اذا عبرت جيحون وجدت فى جانبه الجنوبى المروج و المراعى الكثيرة. و الظاهر ان اخسيكث قد استولى عليها الخراب كما استولى على مدن كثيرة فى اقليم فرغانة اثناء حروب محمد خوارزمشاه فى مطلع المئة السابعة (الثالثة عشرة). و ما لم تنله هذه الحروب بسوء قد دمرته غزوات المغول، فانتقلت بعدها قصبة الاقليم الى انديجان. و فى زمن تيمور، ذكر على اليزدى اسمها بصورة اخسيكنت أو أخسيكت، فاختصر هذا الاسم على ما بيّنا الى أخسى فى أيام بابر .

أما انديگان (انديجان الحالية)، فقد اتخذها، على ما ذكر المستوفى، كيدوخان حفيد اغتاى بن جنكيز قصبة لفرغانة فى النصف الاخير من المئة السابعة (الثالثة عشرة). و قد جاء الاسم اندگان أو اندكان بين اسماء المدن التى سردها ابن حوقل فى المئة الرابعة (العاشرة)، و كذلك ذكره ياقوت، و لكن دون أن تجد وصفا لهذه المدينة فى مرجع ما، و ان أشار اليها علي اليزدى غير مرة فى كلامه على حروب تيمور. و يستبان من وصف المسالك ان مدينة قبا كانت فى المئة الرابعة (العاشرة)، على ما يظهر، موضعا ذا شأن، ينبغى ان يكون قريبا من انديجان. و قبا، على ما فى الاصطخرى،

تقارب اخسيكث فى الكبر «و هى من أنزه تلك المدن». و لها قلعة مكينة فيها الجامع فى وسط ميدانها، و لها ربض فيه دار الامارة و الحبس. و كان على الربض سور محيط به. و فيها أسواق

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 522

كثيرة عامرة .

و فى نصف الطريق بين اخسيكث و قبا: مدينة اشتيقان، لها جامع فى الاسواق. و الى شرق قبا مدينة أوش، و قد كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) موضعا عظيم الشأن. و فى قلعة اوش دار الامارة و الحبس، حسب المعتاد. و حول المدينة ربض و على الربض سور، «و هى ملاصقة للجبل». و لها ثلاثة أبواب، هى: باب الجبل، و باب الماء و باب مغكذة. و كان جامعها فى رحبة واسعة وسط الاسواق. و المدينة كثيرة الانهار التى تسقى أراضيها. و بالقرب منها جبل عليه «مرقب الاحراس على الترك». و كان فى ما يلى أوش، مدينة اوزكند، و هى آخر مدن فرغانة شرقا. «و هى نحو ثلثى أوش، و لها قهندز و بساتين و مياه جارية». و لها ربض و الاسواق فيه «و هى متجر على باب الاتراك».

و «على بابها نهر ... يحيط بربضها حائط له أربعة أبواب» و جامعها فى الاسواق.

و ما هو فى جنوب نهر سيحون من اقليم فرغانة، يقال له كورة نسيا أو نسائية. و هى اثنتان: عليا و سفلى بالنظر الى اختلاف مستوى سطحيهما. فالعليا فى الجبل.

و كان فى نسائية السفلى مدينة مرغينان (مرغيلان الحديثة) و قد كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) «صغيرة و جامعها ناء عن الاسواق». و فى الغرب منها رشتان و كانت فى ذلك الزمن كبيرة و لها جامع حسن. أما

خوقند التى صارت فى الازمنة الحديثة قصبة فرغانة و نسبت اليها خانيّتها، فلم يرد ذكرها الا عرضا بين مدن نسائية العليا باسم خواكند أو خواقند.

أما خجندة، فانها أول مدن فرغانة من الغرب، اذا جئت من سمرقند تقوم على ضفة سيحون اليسرى. و على فرسخ من جنوبها: كند و هى ربضها.

و خجندة مدينة «طولها أكثر من عرضها» و لها قلعة قوية فيها السجن، و جامعها فى المدينة. و دار الامارة فى الميدان بالربض. قال فيها ابن حوقل «هى مدينة نزهة». و أهلها لهم سفن يسافرون فيها فى سيحون. و كان ربض كند الخارج

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 523

يقال له كند باذام (أى كند اللوز) على ما ذكر القزوينى لان بها لوزا كثيرا «و هو لوز عجيب ينقشر اذا فرك باليد» .

أما مدن شمالى فرغانة، أى ما كان منها فى يمين سيحون، فلا يعرف من أمرها فى الازمنة الاولى الا الشى ء القليل. فقد ذكر المقدسى مدينة و انكث فقال: لها جامع و أسواق حسنة. و يتبين من وصف المسالك، ان و انكث كانت على سبعة فراسخ من غرب اخسيكث و على فرسخ من ضفة سيحون، لا تبعد كثيرا عن حد ايلاق. و الى شمال و انكث، فى وسط الجبال، كانت خير لم أو خيلام، و هى مدينة فى رستاق ميان روذان (أى ما بين الانهار) لها جامع حسن فى وسط الاسواق. و الى شمال هذه أيضا كانت شكت أو سكت، و هى على قول المقدسى «كثيرة الجوز حتى ربما وجدت ألف جوزة بدرهم، و الجامع فى السوق».

اما مدينة قاسان فما زالت قائمة. وصفها البلدانيون الاولون بانها تقوم فى ناحية مسماة باسمها، و زاد

ياقوت على ذلك ان لها قلعة حصينة، و على بابها نهر يلتقى هو و سيحون عند اخسيكث. و أبعد منها شمالا، ناحية جدغل و كانت مدينتها أردلانكث. و الى شرق هذه، ناحية كروان، و اسم مدينتها نجم. و نوه المقدسى أيضا بجملة مدن أخرى و لكن مما يؤسف عليه انه لا يعلم شى ء عن مواضعها .

و الى غرب فرغانة ناحية الشاش. و هى على ما بيّنا، على ضفة نهر سيحون اليمنى أى الشمالية الشرقية. و الخرائب المعروفة اليوم بتاشكند القديمة هى موضع المدينة التى سماها العرب الشاش، و الفرس چاچ. كانت فى العصور الوسطى أعظم المدن العربية فى ما وراء سيحون. و كان يقال لمدينة الشاش أيضا بنكث و ذلك على غرار كثير من أسماء المدن فى بلاد ماوراءالنهر، فان لها تسميتين ايرانية و تورانية.

و كان على مدينة الشاش فى المئة الرابعة (العاشرة) أسوار كثيرة، فقد كان

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 524

لها مدينة داخلة، لها قهندز أى قلعة تلاصقها. عليهما سور، و فى خارج المدينة الداخلة، الربض الداخل، و على هذا الربض سور. ويليه أيضا الربض الخارج و فيه بساتين و حقول كثيرة، حوله سور ثالث. و أخيرا السور الكبير على غرار ما كان لبخارا، يحمى الناحية كلها فيكون حول الشاش من ناحية الشمال بهيئة نصف دائرة يصل ما بين ضفة نهر الترك فى الشرق و سيحون فى الغرب.

فاذا عدنا الى المدينة الداخلة و القلعة، وجدنا ان فى القلعة دار الامارة و الحبس، و لها بابان أحدهما يفضى الى المدينة الداخلة و الآخر الى الربض.

و كان المسجد الجامع على سور القلعة. و المدينة الداخلة فرسخ فى مثله، و فيها بعض الاسواق،

و لها ثلاثة أبواب: باب أبى العباس، و باب كش، و لا شك انه كان يفضى الى الجنوب حيث يصل الطريق الآتى من سمرقند. و أخيرا باب الجنيد. و كان لسور الربض الداخل عشرة أبواب (ذكر المقدسى ثمانية فقط).

و للربض الخارج سبعة أبواب سرد ابن حوقل اسماءها. و كان فى الربض الداخل أسواق مدينة الشاش. و يشق البلد أنهار وقنى كثيرة تسقى البساتين و الاشجار التى فى داخل الاسوار.

أما السور الكبير، فانه فى أقرب نقطة منه الى البلد، كان يبعد فرسخا واحدا عن باب الربض الخارج. و هذا السور يبدأ فى الشرق من جبل على نهر الترك يقال له جبل سابلغ. كان يكتنف السهل الواسع المعروف بالقلاص. و قد بنى هذا السور عبد اللّه بن حميد لحماية الشاش من غارات الترك فى الشمال.

و كان هناك على فرسنخ مما يليه، خندق عميق يمتد من الجبل على نهر الترك الى حافة سيحون فى الغرب. و كان الطريق من شمال الشاش الى اسبيجاب يخترق هذا السور عند باب الحديد.

و فى أوائل المئة السابعة (الثالثة عشرة)، لحق الدمار بعض الشاش فى غضون فتوحات محمد خوارزمشاه، ثم كان للغزو المغولى الذى أعقبها ما أضاف الى بؤس أهلها بؤسا على نحو ما حل بغيرها من البلدان. و الظاهر، ان المدينة سرعان ما صلح حالها مما ألم بها من بلايا، فأصبحت موضعا ذا شأن فى المئة الثامنة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 525

(الرابعة عشرة) حين وقف عندها تيمور بعساكره. و على اليزدى الذى ذكرها غير مرة فى وصفه حروب تيمور، تطرق الى ذكرها بأسماء مختلفة مثل الشاش و الچاچ و تاشكنت، و يظهر ان الاسم الاخير قد حرفه السكان

الناطقون بالتركية من الشاش الى تاش. و تاشكنت معناه مدينة الحجر. و باسمها هذا قد اصبحت اليوم عاصمة تركستان الروسية .

و نهر الترك المعروف اليوم بنهر چرچك المار بجنوب شرقى الشاش، يخرج، على ما ذكر ابن حوقل، من جبال جدغل فى شمال نهر نرين و من بلد الترك الخرلخية الذى يقال له بسكام. و فى جنوبى هذا النهر كان يجرى نهر آخر بحذائه يسمى نهر ايلاق، و يعرف اليوم بنهر انگرن. و أسفل من التقائه بنهر سيحون مباشرة، تقوم مدينة بناكث، ثانى مدن ناحية الشاش. و يقال لبناكث أيضا بناكت، و يسميها الفرس فناكنت. و لم يكن لهذه البلدة فى المئة الرابعة (العاشرة) حصن. و الجامع فى سوقها. و كانت تقوم على ضفة سيحون اليمنى حيث كان طريق خراسان الآتى من سمرقند يعبر النهر الى الشاش. و قد بقيت موضعا كبير الشأن حتى المئة السابعة (الثالثة عشرة) لما خرّبها جنكيزخان. و بعد مضى قرن و نيف، أى فى سنة 818 (1415)، جدد شاه رخ حفيد تيمور مدينة فناكنت، فنسبت اليه و عرفت ب «شاه رخيّة»، و بهذا الاسم ذكرها علي اليزدى غير مرة.

و كان الطريق من بناكث شمالا الى الشاش، يخترق مدينة جينانچكث، و هى على ضفة نهر الترك الجنوبية أى اليسرى على فرسخين فوق ملتقاه هو و سيحون.

كانت هذه المدينة فى المئة الرابعة (العاشرة) كبيرة ليس عليها حصن، بنيانهم خشب و لبن. و كان فى الجانب الاخر من نهر سيحون الى غربه، على مرحلة من جينا نجكث فى طريق جيزك، بلدة وينكرد. قال فيها ابن حوقل «و ينكرد قرية للنصارى» (من النساطرة) و فى الجانب الآخر من نهر الترك على شى ء قليل من غربه،

فى الزاوية التى أسفل من التقائه هو و سيحون، مدينة أشتوركث أو

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 526

شتركث (أى مدينة الجمل). و كان عليها حصن. و ينبغى ان يكون المغول قد خربوا هذه البلدة، اذ نجد فى النصف الاخير من المئة الثامنة (الرابعة عشرة) قد نشأ فى مكانها بلدة چيناس (و ما زالت قائمة) و قد ذكرها علي اليزدى كثيرا بهذا الاسم. و ذكر ابن حوقل و المقدسى أكثر من عشرين مدينة أخرى فى ناحية الشاش، و لكنهما لم يصفاها. و لهذا لا تعرف مواضع هذه الامكنة اليوم. و ان كان من الواضح ان هذه الناحية، و كذلك ناحية ايلاق فى جنوبها و اسبيجاب فى شمالها، كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) مكتظة بالسكان وافرة القرى التى تقارب المدن كبرا .

اما ناحية ايلاق، فكانت فى جنوب نهر ايلاق و شمال المنعطف الكبير لنهر سيحون أسفل خجندة، و قصبتها تونكث. كانت هذه الناحية متصلة بالشاش، و تشتمل على ما يقرب من عشرين مدينة مهمة ذكرها ابن حوقل و غيره. و مواضع هذه المدن ما زالت غير معينة حتى انه لا يمكن، و يا للأسف، معرفة موضع تونكث قصبتها. و كانت تونكث، على ما ذكر ابن حوقل، تقوم على نهر ايلاق، على نحو من ثمانية فراسخ من الشاش و هى نحو نصف الشاش . كان لها قهندز و مدينة داخلة حولها ربض يحيط به سور. و فى القهندز دار الامارة و الحبس و المسجد الجامع، و الاخيران عند باب القهندز. و أسواقها داخل المدينة و فى الربض. و فيهما ماء جار. و كانت البلاد من الشاش الى ايلاق متصلة العمارة مختلطة العمل. و قد سرد

ابن حوقل اسماء هذه المدن. و لكن مما يؤسف عليه قد ضاعت علينا جميع مواضعها. و من أهم المدن التى انتهى الينا أمرها، مدينة خاشت الآهلة (و يكتب اسمها أيضا بصورة خاش و خاس أو خاص) قرب معادن الفضة فى جبال ايلاق على حد فرغانة. و فى المئة الرابعة (العاشرة)، على ما ذكر ابن حوقل، «بايلاق دار ضرب للعين و الورق». و تحفّ بالمدينة قرى

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 527

عديدة .

و فى شمال الشاش من يمين سيحون فشرقا ناحية أو اقليم إسبيجاب أو أسبيجاب، و قصبته باسمه. ذكر المقدسى فى المئة الرابعة (العاشرة)، نحوا من خمسين مدينة مشهورة فى هذا الاقليم لا يمكننا الآن ان نعين غير عدد قليل منها.

فمدينة اسبيجاب تتفق هى و موضع سيرام التى على نحو من ثمانية أميال شرق چمكنت على نهر اريس أو بدم، و هو رافدمن روافد سيحون اليمنى .

كانت على ما ذكر ابن حوقل «نحو الثلث من بنكث» أى الشاش «تشتمل على مدينة و قهندز و ربض. و على المدينة الداخلة سور، و على الربض. أيضا سور يحيط به مقداره فرسخ. و هى فى مستواة و بينها و بين أقرب الجبال اليها نحو ثلاثة فراسخ». و فى خارجها مياه و بساتين. و كان للمدينة أربعة أبواب، على كل باب رباط. و فى المدينة و ربضها أسواق. و فى المدينة الداخلة دار الامارة و الحبس و الجامع. و أشار المقدسى الى سوق الكرابيس (أى سوق القطّانين).

و غلة دكاكين السوق فى كل شهر سبعة آلاف درهم (نحو من 300 پاون) «يجرى على الضعفاء الخبز و الادام». و الظاهر ان مدينة اسبيجاب قد تغير اسمها بعد الغزو

المغولى الى سيرام، و بهذا الاسم ذكرها على اليزدى كثيرا فى أخبار فتوحات تيمور.

و كذلك فان علي اليزدى كثيرا ما ذكر چمكنت و كتبت چميكنت، و يبدو انها توافق المدينة التى كتبها المقدسى بصورة جموكت و قال فيها «كبيرة عليها حصن، و الجامع فيه، و الاسواق بالربض» .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 528

و على ضفة سيحون الشرقية، أسفل انصباب نهر جمكنت فيه مباشرة، المدينة التى عند معبر سيحون، المعروفة قديما بباراب أو فاراب و فى الازمنة الحديثة باسم أترار، و فيها لقى تيمور حتفه فى سنة 807 (1405) و هو على أهبة السير لفتح الصين. و كان الاسم فاراب أو باراب يطلق على الناحية و المدينة.

و قد حسبت فاراب أحيانا قصبة ناحية اسبيجاب. و كان يقال أيضا لارباض المدينة فى المئة الرابعة (العاشرة) كدر. قال المقدسى فى باراب «هى كبيرة، تخرج نحو سبعين ألف رجل، عليها حصن فيه الجامع، و أسواق و قهندز». و كان لكدر أيضا جامعها و كانت هى المدينة الجديدة. و على ما فى القزوينى، ان فاراب فى أرض سبخة ذات غياض. و ينسب اليها أبو نصر الفارابى المتوفى سنة 339 (950) و هو أشهر فلاسفة المسلمين قبل ابن سينا. على ان ابن حوقل قد نسب مولد الفارابى الى وسيج لا الى فاراب . و وسيج بلدة صغيرة محصنة على فرسخين من فاراب، و فى سوقها المسجد الجامع. ثم بعد هذا الزمن، عرفت فاراب باسم أترار أو أطرار و قد نهبها المغول فى أوائل المئة السابعة (الثالثة عشرة) و لكنها سرعان ما جدد بناؤها، ففى سراى المدينة توفى تيمور على ما بيّنا .

و فى نحو من نصف الطريق

بين سيرام و أطرار، مدينة ارسبانيكث أو سبانيكث. قال فيها المقدسى «نبيلة، نظيفة، محصنة. الجامع بها، و العمارات فى الربض». و كان يقال لرستاقها كنجيدة. و على مرحلة يوم شمال أطرار، على ضفة سيحون اليمنى، مدينة شاوغر. قال فيها المقدسى «كبيرة، واسعة الرستاق، عليها حصن، و الجامع على طرف السوق، و هى من الجادة بمعزل».

و لم يرد اسم شاوغر لدى البلدانيين المحدثين، و لكن يبدو من موضعها انها تتوافق بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد ؛ النص ؛ ص528

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 529

هى و يسّي، الموضع الذى غالبا ما ذكره علي اليزدى، و ما زالت قائمة الى هذا اليوم باسم حضرة تركستان، و هو الولى الحامى لبلاد القرغيز المدفون فيها.

و على ما ذكر علي اليزدى، انه هو الشيخ احمد اليسّي من أحفاد محمد بن الحنفية ابن الخليفة علي، و قد توفى هذا الشيخ هنا فى أوائل المئة السادسة (الثانية عشرة). و ابتنى تيمور فى ختام المئة الثامنة (الرابعة عشرة) الجامع على قبره، و ما زالت بقاياه العظيمة شاخصة. و يزوره الناس من سائر الجهات.

و على مرحلة يوم من شمال يسّي أو شاوغر، كانت سوران أو صبران.

و هى ما زالت قائمة الى هذا اليوم، و كانت فى المئة الرابعة (العاشرة) ثغرا أمام الغز، و «يجتمع بها الغزية للصلح و الهدنة و التجارات اذا كان صلح». قال فيها المقدسى «كبيرة، عليها حصون سبعة بعضها خلف بعض، و الربض فيها، و الجامع فى المدينة الداخلة». و كثيرا ما ذكر علي اليزدى صبران حين كلامه على حروب تيمور. و وصف ياقوت قلعتها العالية المشرفة على حد البلد .

و من جملة المواضع الاخرى على

سيحون، التى أكثر من ذكرها علي اليزدى و لم يشر اليها البلدانيون العرب الاولون: سغناق. قال فيها انها قصبة قبچاق و هى على 24 فرسخا من شمال اترار. و أبعد منها شمالا كانت جند، و قد ذكرها البلدانيون الاولون و ياقوت، و قالوا فيها انها من مدن الاسلام الكبرى فى تركستان فى ما وراء سيحون. و فى أوائل المئة السابعة (الثالثة عشرة)، دمّرها المغول. و كان آرال كثيرا ما يسمى ببحر جند، و عنده على نحو من مرحلتين من فم سيحون، قصبة الغز التى سماها العرب: القرية الجديدة (أو الحديثة) و عرفت فى الازمنة الاخيرة باسم ينغكنت، أو ينگى شهر، أى المدينة الجديدة بالتركية .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 530

و على نحو من ثمانين ميلا من شمال شرقى سيرام (أى اسبيجاب) خرائب طراز بالقرب من المدينة الحالية أوليه- اتا. و كانت طراز أو الطراز، مدينة ذات شأن فى المئة الرابعة (العاشرة). قال فيها ابن حوقل «و الطراز متجر للمسلمين من الاتراك. الخرلخية». و زاد المقدسى على ذلك انها «مدينة جليلة حصينة كثيرة البساتين مشتبكة العمارة، لها خندق و أربعة أبواب، و لها ربض عامر، على باب المدينة نهر كبير. و الجامع فى الاسواق». و على ما فى القزوينى ان أهل طراز «فى غاية حسن الصورة، ليس فى تلك النواحى أحسن منهم صورة رجالهم و نساؤهم الى حد يضرب بحسن صورتهم المثل. و هى مدينة طيبة التربة لطيفة الهواء». و من مدن بلاد الترك أيضا، على نحو من مئة ميل من شرق طراز، مدينة بركى أو ميركى (و هى مركه) الحديثة. قال فيها المقدسى: «متوسطة الرقعة، محصنة، و لها قهندز و كان

الجامع فى القديم كنيسة (للنصارى النساطرة)، و قد بنى الامير عميد الدولة فائق (من البويهيين) خارج الحصن رباطا» فى المئة الرابعة (العاشرة). و ذكر المقدسى أيضا كولان، و هى على مرحلة واحدة غرب ميركى باتجاه طراز. و كانت قرية كبيرة محصنة و لها جامع، تعد موضعا ذا شأن كبير .

و فى الختام، يحسن بنا ان نلاحظ، ان ابا الفداء ذكر جملة قصبات للترك يصعب اليوم تعيين مواضعها الصحيحة. منها بلاساغن و كانت قصبة خانات تركستان فى غضون المئتين الرابعة و الخامسة (العاشرة و الحادية عشرة).

و ذكرها أيضا ابن الاثير فى تاريخه، و لا يعرف موضعها الصحيح. و لمح ابو الفداء الى انها كانت قرب كاشغار و لكن فى ما وراء سيحون. و قد عثر على خرائب أمالغ التى اتخذها المغول عاصمة لهم فى عهد جغتاى بن جنكيزخان بالقرب من موضع كلچه القديمة على نهر ايله، و قد أشار الى موضعها علي اليزدى الذى ذكر أيضا نهر إرتش و تلاس. و لكن لم ينته الينا شى ء عن جميع هذه المدن. و كلها مثل كاشغار و ختن و ياركند و غيرها من المدن التى على حدود الصين، لم تذكرها

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 531

مراجعنا الا لمما و دون ان تنطوى على فائدة جغرافية ذات بال .

ليس فى اقاليم سيحون صناعات متنوعة كبيرة، و كان جلب الرقيق أهم عمل لمن يقصدها من التجار. ذكر المقدسى انه كان يرتفع من ديزك (جيسك) فى اشروسنة اللبود الجياد و الاقبية. و يرتفع من فرغانة الذهب و الفضة و الفيروزج و الزئبق و الحديد و النحاس و كذلك النوشادر و النفط و الزفت. و اشتهرت فرغانة بحجر الارحاء

و الفحم الحجرى للوقود. و كان يرتفع من بساتينها و يحمل الى الآفاق: الاعناب و التفاح و الجوز. و من الرياحين: الورد و البنفسج. و يرتفع من الشاش ثياب بيض رقيقة، و سيوف و غيرها من السلاح، و آلات النحاس و الحديد كالابر و المقاريض و القدور. و يرتفع منها أيضا «سروج الكيمخت (جلود الحمر الوحشية) الرفيعة و الجعاب و القسي الجيدة و جلود تجلب من الترك و تدبغ و المصليات و الاخبية». و يرتفع من رستاقها الرز و الكتان و القطن.

و يرتفع من طراز فى بلاد الترك جلود المعز و اشتهرت فى كل وقت بالخيل و البغال التركستانية .

أما مسالك هذه الاقاليم، فان طريق خراسان كان يواصل اتجاهه شمالا من سمرقند فيعبر نهر السغد، و منه يصل الى زامين فى اشروسنة حيث يتشعب، فكان الطريق الايسر يذهب الى الشاش و سيحون الاسفل. و الايمن الى أعالى سيحون و فرغانة. و كان الطريق من زامين الى الشاش رأسا، يعبر سيحون عند بناكث. و هناك طريق آخر من سمرقند يمرّ بديزك و يقطع المفازة الى و ينكرد، فاذا تجاوزها كان يعبر سيحون الى شتوركث فيلتقى عندها هو و الطريق من بناكث الى الشاش. و كان يشرق من الشاش طريق الى تونكث قصبة اقليم ايلاق.

و طريق آخر يتجه شمالا الى اسبيجاب، و عندها يتشعب. فكان يذهب من اسبيجاب غربا طريق الى فاراب (أترار) لعبور سيحون، و منها نحو الشمال أيضا بحذاء ضفته اليمنى الى صبران. و الى اليمين من اسبيجاب شرقا كان يذهب طريق آخر الى طراز، و منها الى بركى أو ميركى آخر مدينة اسلامية فى بلاد الترك فى المئة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد،

النص، ص: 532

الرابعة (العاشرة). و من هذه المدينة أورد ابن خرداذبه و قدامة المراحل التى فى المفازة الى نوشنجان العليا على حدود الصين، و ربما كان هذا الموضع يتفق هو و ختن .

و كان الطريق الى فرغانة الذى ينشطر من طريق خراسان عند زامين على ما بيّنا، يمر بساباط (حيث ينعطف الطريق الى بونجكث قصبة اشروسنة) الى خجندة على سيحون. و منها يبقى محاذيا ضفة النهر الجنوبية صاعدا معها حتى يصل الى اخسيكث قصبة فرغانة عند معبر نهر سيحون. و قد أورد الاصطخرى و ابن حوقل المسافات من اخسيكث الى المدن المختلفة التى فى شمال أعالى سيحون، كما ذكر ابن خرداذبه و قدامة الطريق من قصبة فرغانة فشرقها مارا بأوش الى اوزكند.

و الى ذلك فقد لمّح المقدسى الى الطريق من اوزكند الى داخل بلاد الترك ثم الى حدود الصين. و يصعب تتبع ما ذكره بهذا الصدد، و لكنه، كابن خرداذبه و قدامة، جعل المرحلة الاخيرة فيه نوشجان أو برسخان العليا، التى يحزر انها ختن .

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 534

فهارس الكتاب

اشارة

1- الفهرست البلدانى و يشتمل على أسماء الأقاليم و المدن و القرى و الجبال و الأنهار و الوديان و المفاوز و البحار و البحيرات و غير ذلك

2- فهرست الاشخاص و الاقوام 3- الفهرست العمرانى و يشتمل على مصطلحات الحضارة و العمران، و على الألفاظ الدخيلة و المعربة

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 535

1- الفهرست البلداني

أ آب أرغون 305

آب بنده 243

آب جرجان 417

آب زره 377

آب شتران 365

آب كركر 270 272

آب كنده 309

آبه (أنظر: آوه)

آتشكاه 395

آخر 420

آرال (بحر) 22 38 477 487 499 502

آرهن 478

آسك 279 422

آسية الصغرى 29 160

آشب 122

آقسرا 182

آقسراى 513

آقشهر (بحيرة) 185

آقشهر (مدينة) 184

آق شهر قره حصار 180

آقصرا (انظر: آقسرا)

آق صو 155 478

آلوسه 89 158

آمد 25 114 126 140- 142

آمل (زم) 410 414 445 446 477

آنى 172 217

آهر 202 203

آوه الرى 246

آوه ساوه 246

آوه (آبه) همذان 231

آيدين 176 187 188

أباده 315 318 319

أبارك 351

أباركث 509

أبان 322

أبخاز (ابخازية) 213 216

أبخاس 216

أبدوس 168

أبرج 317 318

أبرز 289

أبرشهر 210 424

أبر شهريار 378

أبرقوه (ابرقويه) 320 331

أبركافان (جزيرة) 297

أبركمان (جزيرة) 297

أبروق 152

أبرومسمانه 167

أبرون (جزيرة) 297

أبريق 151

أبسخور 150

أبسكون 417 419 420 500

أبسوس 188

أبشين 458

أبغر 509

ابلستين (أنظر: البستان)

الأبلة 34 37 43 65 68

أبهر 256 257

أبو جسرا 83

أبو الخان 499

أبو قشة 494

أبيورد 436 471

أترار 528

أترك (نهر) 255 417 418

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 536

أتروباتين 193

أجغ 422

الاحيدب (جبل) 154

أخسى 520 521

أخسيسك 446 486

اخسيكث 22 520 521

اخشين (نهر) 304

اخشو (اخش) 478 481

اخلاط 217 218

الاخوات (حصون) 351

أدخود 468

أدرسكر 454

أدرسكن 454

أدسا 134

اذربيجان 18 193

اذرجشنس 259

اذرمه 131

اذكان 322

اذنة 162 163

ارابه 363

اراتية 517

اراكلية (أنظر: هرقلة)

اراراط (جبل) 217

اران 211

اربخا (ارافا) 121

اربل (اربيل) 121 122

اربنجن 511

ارتش (نهر) 530

ارثخشميثن 497

ارجاست (جبل) 178 183

ارجان 284 304 307 331

332

ارجيش (بحيرة) 217

ارجيش (مدينة) 38 180 217 218

أرد 318

اردبيل 194 202- 203

اردحش (اروخش) 229

اردشير بابكان (استان) 108

اردشير خره 283 284 291

اردستان 243

اردسكر 454

اردلانكث 523

اردوباد 202

اردون 38 408

ارذخيوة 495

ارز روم 149

ارزن 144

ارزن الروم 144 149

ارزنجان (ارزنكان) 150

ارس 200- 202 209 213 216

ارسبانيكث 528

ارضروم 149 150

ارغيان 433

اركنج 22 489 491

492 493

اركنداب (نهر) 383 385

ارمابيل 368 369

ارم خاست (خاسته) 413

ارمناك 180

ارموز (ارموص) 357

ارميان 236

ارو (قلعة) 308

ارمينية 211 216

ارمية (بحيرة) 38 194

ارمية (مدينة) 194 200

اريس (نهر) 527

اريفان (اريوان) 216

ازاذ وار 433

ازار سابور 316

ازجان 317

ازجاه 436

ازكاس 319

ازمدين 230

ازميد 190

ازمير 188

ازنكميد 190

ازنيق 190

ازواره 243

اسارلك 187

اسبارطة 185

اسبانبر 52

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 537

اسبى (اسفى) 364

اسبيجاب 22 520 527

اسبيذ 364

استانبول 170

استان العالى 108

استانوس 184

استراباد 419

استربيان 453

استناباد 412

استند 398

استوا 435

استوناوند 412

اسد اباد 231 280

اسرود 512

اسروشنة 517

اسعرت (أنظر: سعرت)

اسفد 398

اسفرايين 433 434 435

اسفزار (مدينة) 454

اسفزار (نهر) 373

اسفنج 434

اسفنجاى 386

اسفند (اشفند) 429

اسفنديار 176 317

اسفيدان 317

اسفيدباذ (قلعة) 317

اسفيد دز 302

اسفيذان 232

اسكاف بنى الجنيد 84 107

اسكى حصار 186

اسكى شهر 153

اسكيفغن 514

اسكيمشت 389

اسكى موصل 129

اشبند 429

اشبورقان 468

اشتوركث 525

اشتيخن 509

اشتيقان 522

اشرادة 416

اشروسنة 517

اشك 422

اشكنوان 318

اشكهران 242

اشنه 199- 200

اصبهان (انظر: اصفهان)

اصبهبدان 209

اصطخر 284 289 311 312 331

اصطخران 318

اصطخريار (قلعة) 312

اصطهبانات (اصطهبان) 327

اصطهبانان 327

اصفهان 194 221 238 239 241 262

اصفهبد 209

اطرابزنده (انظر: طرابزون)

اطرار 528

الاعظمية 51

أعلم 230 231

افراوه 421

افريدون 400

افسس (افسوس) 168 188

افشين 458

افغانستان 21 22 377 423 449 464

افيون قره حصار 185

الاقرع (جبل) 165

اقرنجه 500

اقليد 318

اقور 114 193

اكبتانا 229 259

اكريدور 174 184

ألاطاق 218

ألانى 228

ألبرز 21 38 216 404 409

ألموت 256 261

النجق (قلعة) 201

ألوبرلو 174 184

ألوند 38 231

اليشتر 288 229

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 538

أمات 122

اماسية (اماصية) 174 179

أمالغ 530

امكلجة 451

أمو (نهر) 477 478

امودريا 477

أمويه

(أمو) 445 446

امويه (نهر جيحون) 477

أنار 284 322 323

اناس 322 323

الانبار 17 41 91 108

أنبار (خراسان) 468

انبوران 300 301

انبير 468

انجرود 258 259

انجيره 322

انخد 468

اندامش (قنطرة) 273

اندخذ (اندخوى) 468

أندر 261

اندراب 202 211

اندرابه 443 469

الاندس (نهر) 369 389

الاندلس 15

انديجاراغ (مدينة) 481

انديجاراغ (نهر) 478

انديجان (انديكان) 520 521

أنشا قلعه سى 167

انطاكية 52 140 168 184 186

انطالية 174 183- 184

انقرة 168 182

انكوران 258

انكورية 174

أهلم 411

الاهواز 267 268 281

أهوان 407

أوارك 351

اوال (جزيرة) 297

أوانا 72

أوجان (أجان) 198 317

أورد 318

اورفه 135

اوزج 483

اوزكند 522

أوش 522

أوفر 509

أوفه 453

اوكسس 477 478

أولية- أتا 530

اونيك 150

اوهر (انظر: ابهر)

أياسلوق 188

الايتاخية 82

ايج (انظر: ايك)

ايج ايلى 181

ابجرود 258

ايذج 280

ايران 283 476

ايرانشهر 40 424

ايراهستان 290 293

ايراوه 42

ايرج 318

ايزوريه 176

ايك (اويك) 326 327

ايلاق 520 526

ايله 530

ايلياء 134

ايوان كسرى 53

ايوج 483

ب باب الابواب 214

باب ابى العباس (الشاش) 524

باب أحوص أباذ (نيسابور) 425

باب اردشير (جور) 291

باب الارمن (آمد) 141

باب اسبيكان (بم) 350

باب اسفنج (جى) 238

باب اشبسك (سمرقند) 507

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 539

باب اصطخر (شيراز) 285 286

باب الاعلى (بونجكث) 518

باب افشينه (سمرقند) 507

باب الاكراد (برذعة) 212

باب اندور (يزد) 321

باب الاهواز (ارجان) 305

باب ايزد (يزد) 321

باب البادية (البصرة) 65

باب البادية (الكوفة) 103

باب باطاق (الرى) 250

باب بالين (مرو) 441

باب بخارا (سمرقند) 507

باب البخارية (نسف) 513

باب بختر (اخسيكث) 521

باب البردان (بغداد) 50

باب بركنان (كش) 512

باب البصرة (بغداد) 48

باب البصلية (بغداد) 50

باب بغداد (تبريز) 197

باب بغداد (الكوفة) 103

باب بليسان (الرى) 250

باب بم (جيرفت) 353

باب بم (نرماسير) 351

باب بنداستانه (شيراز) 285

باب بنى أسد (بخارا) 504

باب بنى سعد (بخارا) 504

باب بهرام (جور) 291

باب بهرام (سابور) 299

باب البيضاء (شيراز) 286

باب تستر (شيراز) 285

باب التل (آمد) 140 141

باب التيز (بنجبور) 367

باب الجامع (اخسيكث) 520

باب الجامع (بخارا) 504

باب الجبل (آمد) 140

باب الجبل

(أوش) 522

باب جنك (نيسابور) 425

باب الجنيد (الشاش) 524

باب الجهاد (طرسوس) 165

باب الحجاج (كاث) 491

باب الحديد 485

باب الحديد (بخارا) 504

باب الحديد (بلخ) 463

باب الحديد (كش) 512

باب حسن (شيراز) 286

باب حفره (بخارا) 504

باب حكيم (السيرجان) 339

باب الحلبة (بغداد) 50

باب خبيص (بردسير) 342

باب خراسان (بغداد) 23 48 113

باب خراسان (الدامغان) 405

باب خش (هراة) 452

باب خشك (هراة) 450

باب خور (جى) 238

باب دارك (شيراز) 286

باب دجلة (آمد) 141

باب درمسكان (مرو) 441 442

باب دروازه ملك (هراة) 451

باب دسبول (تستر) 270

باب الدولة (شيراز) 286

باب رحبة (بلخ) 463

باب الرصافة (ارجان) 305

باب رهانة (اخسيكث) 521

باب الروم (آمد) 140 141

باب ريشهر (ارجان) 305

باب الريكستان (بخارا) 504

باب الرى (الدامغان) 405

باب ريودد (سمرقند) 507

باب زامين (بونجكث) 518

باب زرند (بردسير) 342

باب زرين روذ (جى) 238

باب زياد (هراة) 450

باب السر (آمد) 140

باب سراى (هراة) 450

باب السعادة (شيراز) 286

باب سكة معقل (نيسابور) 425

باب السلطان (بغداد) 50

باب سلم (شيراز) 285 286

باب سمرقند (نسف) 513

باب سنجان (مرو) 441 442

باب سوخشين (سمرقند) 507

باب السيرجان (جيرفت) 353

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 540

باب سين (الرى) 250

باب شابور (سابور: جيرفت) 353

باب الشام (بغداد) 48

باب شداود (سمرقند) 507

الباب الشرقى (آمد) 141

الباب الشرقى (بغداد) 50 51

باب شست بند (بلخ) 463

باب شهر (سابور) 299

باب شيراز (ارجان) 305

باب صوركون (نرماسير) 351

باب الصين (سمرقند) 507

باب الطعام (زرنج) 374

باب الطلسم (بغداد) 50

باب طوران (بنجبور) 367

باب طيره (جى) 238

باب الظفرية (بغداد) 50 51

باب عبيد اللّه (كش) 512

باب عراق (هراة) 451

باب على (بوشنج) 453

باب غسان (شيراز) 285

باب غوبذين (نسف) 513

باب فارس (زرنج) 375

باب فروخشيذ (سمرقند) 507

باب فنا (شيراز) 286

باب فيروز اباد (هراة) 450 451

باب القباب (نيسابور) 425

باب القصابين (كش) 512

باب القنطرة (نيسابور) 425

باب قنطرة تكين (نيسابور) 425

باب القهندز (بخارا) 504

باب

القهندز (نيسابور) 425

باب قوهستان (بوشنج) 453

باب كازرون (شيراز) 286

باب كاسان (اخسيكث) 520

باب كبجاق (هراة) 452

باب كركويه (زرنج) 374

باب كش (سمرقند) 507

باب كش (الشاش) 524

باب كش (نسف) 513

باب كلواذى (بغداد) 50

باب كهلباذ (بونجكث) 518

باب كوار (شيراز) 285

باب كورجين (بم) 350

باب كوسكان (بم) 350

باب كوشك (نرماسير) 351

باب الكوفة (بغداد) 48

باب كوهك (الرى) 250

باب كوهك (سمرقند) 507

باب الكيالين (ارجان) 305

باب الماء (آمد) 140

باب الماء (أوش) 522

باب ماجان (مرو) 441

باب ماهان (بردسير) 342

باب مبارك (بردسير) 342

باب المحول (بغداد) 49

باب المدينة (بخارا) 504

باب المدينة (بونجكث) 518

باب المدينة (مرو) 441

باب المدينة الخارجة (كش) 512

باب المدينة الداخلة (كش) 512

باب المردقسة (اخسيكث) 521

باب مرسمنده (بونجكث) 518

باب المسجد (يزد) 321

باب المصلى (جيرفت) 353

باب المصلى (نرماسير) 351

باب المعظم (بغداد) 50 51

باب مغكذة (اخسيكث) 522

باب مندر (شيراز) 285

باب مهر (بخارا) 504

باب مهر (جور) 291

باب مهر (سابور) 299

باب مهندر (شيراز) 285

باب الميدان (ارجان) 305

باب نرماسير (بم) 350

باب نو (شيراز) 286

باب النوبهار (بلخ) 463

باب النوبهار (سمرقند) 507

باب نوجكث (بونجكث) 518

باب نور: نوز (بخارا) 504

باب نيشك (زرنج) 374

باب هراة (بوشنج) 453

باب هرمز (جور) 291

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 541

باب هرمز (سابور) 299

باب هشام (الرى) 250

باب الهندوان (بلخ) 463

باب ورسنين (سمرقند) 507 بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد ؛ النص ؛ ص541

باب الوسطانى (بغداد) 50 51

باب يحيى (بلخ) 463

باب اليهود (بلخ) 463

باب اليهودية (جى) 238

بابرت 150

بابل 41 97 98 108

بابغيش 119

باتوخان 258

باتى الليل 16

باجدا 136

باجروان 136 209

باجسرا 34 83

باخرز 397 452

بادرايا 88 107

بادوريا 108

باذبين 110

باذغيس 445 456

باذن 436

باران 468 528

بارفروش 415 416

باركث 509

باركيرى 218

بارما 120

باروسما 96 108

بازبدا 123

بازار كد 312 320

بازجان خسرو 107

بازرنج (بازرنك) 307 308

باس 356

الباسفوية (بحيرة) 313

الباسليون (بحيرة) 167 185

باسند 483

باسيان 277

باسين 150

باشان

442

باشت 301

باشت قوطا 301

باشطابية (الموصل) 117

باشينان 452

باصلوه 83

باعشيقا 118- 119

باعقوبا 83- 86

باعيناثا 124 130

باغ سيرجانى 343

بافت (بافد) 348

بافق 348

باقردا 123

باكسايا 88 107

باكوه (باكو، باكويه) 215

بالامرغاب 447

بالس 139

بالس (سجستان) 370 386

بالش 386

بالو 149

بالوسا 124

بالويه 149

بامنج 455

الباميان 455 460 461

البامير 423 478 517

بان 434

باهر 352

باورد 436

ببن (ببنه) 455

البت 120

البتم (جبال) 479 510

بثق شيرين 69

بجستان 399

بجنرد 435

بجه 318

بحر آرال (أنظر: آرال)

بحر أبسكون 420 502

بحر باكو 38

بحر بنطس (بنطش) 168

بحر جرجان 502

بحر الخزر 38 215

بحر الروم 159

بحر طبرستان 499

بحر طرابزنده 168

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 542

بحر فارس 38

بحر قزوين 22 215 420

499 502

بحر مازندران 502

بحر النجف 103

بحر نيطس (نيطش) 169

البحرين 297

بحيرة البختكان 19 313 314

بحيرة الجرجانية 502

بحيرة خوارزم 487 502

بحيرة الشراة 194

بحيرة كازرون 303

بحيرة موز 303

بخارا 22 476 503 504 505 506 514

بدران 71

بدليس (بتلس) 145 218

بدم 527

البدنجان 315

البدهة 370

بذخشان 471 477 479 480

بذش 408

البذندون 165 166

برآن 241

براتكين 498

براثا 50

براز الروز (بلدروز) 86

بربان 478

بربور 368

بربيان 307

بربيسما 96 108

برتنك 478

البرج 234

برج شابور 272

برجند 402

برجى 415

برجين 187

برخوار 241

البردان 50 91

بردسير 38 337 338 341- 345

بردور 184 185

برذعة (بردعة) 211 219 430

برزنج 212

برزند 210

برزه 199

برسبوليس 284 311

برسس 283

برصى 189

برطلى 118 119

برغر 510

برغلو 174 184

برغمة 189

برقعيد 130

برقوية 320

برك 329

بركنان 512

بركوار (بلكوار، بزكوار) 74

بركى 187 530

برلاسى (نهر) 213

برم 315

برنمذ 509

برهند رود 230

برواب (انظر: بلوار) بروان 207 208

بروجرد 235

بروسه 189

برياب 355

برى جاى 148

بزده (بزدوه) 514

بزركترين 456

بزنطى 166

بزهان 435

بزوغى 71

بست 377 383 384

البستان 175 178 179

بستان جمشيد 316

بستان سعدى 286

بسغورفند 460

بسكام 525

بسوى 199

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 543

بسيدية 176

بشابور 298

بشان 452

بشاويه 251

بشت 393 456

بشت خم 358

بشتفروش 425 428

بشتنقان (بشتقان) 425 426 428

بشكل دره 260

بشيان 411

بشين 458

البصرة 25 34

42 43 64- 67 294

بصرى 72

بصنا 275 281

بطمان سو 143

البطيحة (البطائح) 43 44 62

بغداد 29 34 42 48- 51

بغشور 455

بغلان 469

بغنين 384

البغيلة 56

بغين 345

بفلغونية 176

بقشهر 184

بقلان 469

بكراباد 418

بكراواذ 386

بكراوه (تل) 226

بلاد الختل 470

بلاد الروم 17 34

بلاس اباد 52

بلاسابور 306

بلاساغن 530

بلبان (نهر) 478

بل بكم 306

بلجوان 482

بلخاب 210

بل خاتون 253

بلخان 499

بل خدا آفرين 202

بل دختر 306

بل فره 379

بلخ 21 424 462 463 464 472

بلد 74

بلد روز (أنظر: براز الروز)

بلط (بلد) 129 130

البلغار 502

بلوار (نهر) 311 312

بلوجستان 20 370

بلور 422 480

البليخ 115 132 134

بليكان (بلكيان) 458

بلى كسرى 189

بم 36 377 350

بمباديتا 100

بم بور 352 368

بمجكث (بومجكث) 505

بمفيلية 176

بن 400

بن افريدون 364

بناكث (بناكت) 525

بنج انكشت (جبل) 204

بنجبور 367

بنج ديه 448

بنجكث (بنوجكث) 517

بنجكند 509

بنج كور 367

بنجهير 389 469

بنجواى 385

بنجير 389

بنجيكث 509

بند رستم 384

بند زرنج 376

البند (السكر) العضدى 313 315

بند العظيم 121

بند قصار 313

بند قير 271 272

بند ماهى 218

بند مجرد 313 317

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 544

بندر ديلم 309

بندر عباس 333 357

البندنيجين 88

بندى 448

بنكث 523

بهاباد 347

بهار 228 350

بهاوذ 347

بهبهان 304 305

بهرام اباد 284 322

بهرسير 52 54 108 341

بهركرى 218

بهرمناباد 369

بهره 368

بهستان (جبل) 222 223

بهستون (بيستون) 222 223

بهقباذ الاسفل 108

بهقباذ الاعلى 108

بهقباذ الاوسط 96 108

البوازيج (بوازيج الملك) 120

بوجكان 396

بوذ اردشير 115

بوزجان 396

بوزماجن 509

البوسفور 167 169

بوشت 393

بوشكانان 291 296

بوشنج (بوشنك) 453 454

بوشهر (بوشير) 297

بوقشة 494

بول بولو 308

بول سنكين 482

بولى 190

بون 455

بونجكث 517 518

بوه رود 255

البويار (نهر) 124

بيأبان 362

بيابانك 363 364

بيان 88 89

بياوق (بياوه) 363

بيار 406

بيار جمند 406

بيان 69

بيت المقدس 144

بيثية 177

بيرامس 477

بئر صاهك 305

بيره 365

بيروت (بيروز) 275

بيروز كوه 459

بيشاوران 380

بيش برماق 204

بيشك 396

بيشكين 203

البيضاء (بيزا) 35 316

بيعة القيامة 144

بيكث 523

بيكند 506

بيلسوار 210

البيلقان 212

بيلمان 208

بيمارستان عضد الدولة (شيراز) 286

بيمند 349

بيهق 432

بيوار

458

ت التاج (بغداد) 53

تارم (أنظر طارم)

تازيان 357

تاش كوبريك 482

تاشكند 477 518 519 523 525

تامرا 83 84

التبت 478 480

تبريز 194- 197

تجند 437

تخت بول 380

تخت سليمان 259

تخت قراجه 287

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 545

تربة الحيدرى 396

تربة نجم الدين الكبرى 493 497

ترزك 357

ترشيز 36 394 395

ترشيس 394

ترك اباد 343

تركان رود 255

تركستان 525 530

ترمذ 472 484

ترنك 385

تستر 268 269 281

تفرش 246

تفريك 151

تفليس 216

تك آب 428

تكريت 41 81

تكه 176

تكى ناباذ 386

تل (أنظر: درتل) تل ابراهيم 94

تل أعفر 130

تل التوبة 118

تل سابس 57

تل فافان 145

تل قويونجق 116

تل النبى يونس 116

تل نعمان 56

تلا (بحيرة) 195

تلاس 530

تلو 16

تمجكث (تمشكث) 505

تمليات 481

تنك دهان شير 494

تنك زندان 357

تنك زينه 326

تهران (انظر: طهران)

تواله (بحيرة) 234

توج 28 295 331

توران 476

توز 295

توسر 330

توقات 174 179

تولم 209

تون 392 393

تونكث 526

تونوكاين 392

توى 232

توين 216

تير خدا 289

تير مردان 300 301

تيره 87

التيز 367 368

تيمرستان 318

ث ثتا 369

الثرثار 115 127 128

الثرثور (نهر) 211

ثكان 288

الثمانين 123

ج جابلق 280

جاج 523

جاجرم 433 472

جاجكتو 465 466

جاذاوا 456

جار باية 389

جاسك 297

جاشان 454

جالك 368

جام 396

جامع ابى دلف (سامراء) 233

الجامع الاموى (الموصل) 117

جامع البطال (قيصرية) 178

جامع تبريزى (بردسير) 343

جامع توران شاه (بردسير) 344 345

جامع سيان (فرياب) 355

الجامع العتيق (الموصل) 115

الجامع الكبير (الموصل) 117

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 546

جامع الكوفة 101 102

جامع المصفى (الموصل) 117

الجامع النورى (الموصل) 117

الجامعين 97

جاهك 36 314

جايج 253

جايجرود 253

جاى رود 512

جبا 278

الجبال (اقليم) 220 235 249 262

جبال باب الابواب 409

جبال القاف 409

جبل (بتشديد الباء) 56 57

جبل أقردخس 149

جبل بادوسبان 413

جبل البارز 354

جبل بارما 120 128

جبل جغراغز 487

جبل الحارث 217

جبل الروبنج 413

جبل الزور 384

جبل سنجار 128

جبل فاذوسبان 413

جبل الفضة 354 389 456

جبل قارن 413

جبل كوه 462

جبل مرور (مزور) 148

جبلتا 34 120 121

جدغل

(مدينة) 523

جدغل (نهر) 520

جدة 37

جراحية (جراحى) 306

جرباذقان 245

جرجان 21 404 417 418 419

الجرجانية 489 491

جرجرايا 56

جردقوب 166

جردور 489 496

جردوس 353

الجرزوان 466

جرشيق 304

جركن 301

جرم 437 480

الجرمق 319 362 363 401

جرميان 176

جره 304

جرهد 412

جرود 258

جروز 388

جرون (جزيرة) 357

جرياب 478

جز (كز) 241

جزه 382

الجزيرة (اقليم) 17 40 41 114

جزيرة ابن عمر 123 157

جزيرة بنى (ابن) كوان 297

جزيرة الشيخ شعيب 297

الجزيرة الطويلة 297

جزيرة قيس 19

جسر ابى طالب 302

جسر بوران 84

جسر سورا 96

جسر منبج 139

جسر النهروان (مدينة) 50 83 85

جسر الوليد 163

جسر يغرا 149

جشمه سبز 428 429

الجعفرى (سامراء) 78

جغان رود 434

جغان ناوور 234

جغانيان 36 482

جغجغ (نهر) 128

جفور 313 314

جكر بند 495

جكزرتس (جكسارتس) 477

جكك اباد 351

جكين 356

الجلادجان (الجلادكان) 307

جلباره 240

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 547

جلفا 201 241

جلولاء 87

جم (جبل) 294

الجمكان 287

جمكنت (جموكت) 527

جن (جى) 510

جناباد 398

جنابه 295 309 331 529

جنبذق 199

جند 529

جندك 363 364

جندوية 466

جنديسابور 273

جنز روذ 346

جنزه 213

الجنكان 287

جهار جوى 445 446 477

جهار دانكه 271

الجهالكان 383

جهان سوز 387

جهرم 290 331

جهوق 232

جهينة (جرجان) 422

الجوامد 61

جوباره 240

جوبانان 313

جوخى 45 63

الجودى 123 217

جوذقان 397

جور 291 330

جورجيا 211 216 458

جوريث 155

الجوزات 166 بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد ؛ النص ؛ ص547

جوزجان 462 465

الجوزجانان 465

جوسف 401

الجوسق (الرى) 251

الجوسق (سامراء) 78

جولاها 201

جومه 306

جومة يزد 321

جوهسته 230

جوى سرد 242

جوى سليمان 356

جويم 285 288

جويم ابى أحمد 290 328

جوين 289 433

جى 37 238

جيث 497

جيجست 38 194

جيحان 163 164 477

جيحون 22 164 476 477 478 481 486 487 489 490 494 498 499 501 520

الجير (خليج) 356

جيرفت 20 38 337 352

جيرنج 442

جيزك 519

جيس 529

الجيل 206

جيلان 206 207

جيلانات 207

الجيلانى (نهر) 250

جيلويه (جبل) 302

جين 297

جيناس 526

جينانجكث 525

ح الحارثية 51

الحالة 63

حانى 142

الحائر (كربلاء) 106

حبرك 315

حبس 307

حبل ابراهيم 95

الحدادة 408

حداقل

41

الحدباء (الموصل) 118

الحدث (قلعة) 154 166

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 548

حدياب 122

الحديثة (دجلة) 119

الحديثة (الفرات) 89 119

حديثة النورة 89

الحراب (قرى) 167

حران 134 157

حربى 73

الحربية (بغداد) 49

حرورى 382

حسن اغا (قرية) 123

حسنة (قرية) 123

الحسنية 122 123 156 157

حصار 483

حصار زره 376

حصار شادمان 483

حصار شامل 357

حصن ابن عمارة 292

حصن الافشين 519

حصن البيالقة 152

حصن خيوه 495

حصن زياد 149

حصن سناده 167

حصن الصقالبة 166 167 171

حصن الطاق 382

حصن طرندة (درنده) 153

حصن الغبراء 167

حصن غروبلى 167

حصن كيفا 144 145

حصن المروانى 161

حصن مسلمة 136

حصن منبج 139

حصن منصور 155

حصن مهدى 272 278

حصن اليهود 167

الحضر 128 129

حضرة تركستان 529

الحظيرة 74

حفرك 315

حلبجة 226

حلم 500

الحلة 97- 98 111

حلوان 23 88 107 226 227

حمام زقاق البيذ (بم) 350

حمام عمر 100

حمرين 120 128

حميد 176

الحوانيت 61

حوربث 155

حوسكان (حوسجان) 317

الحومة 279

حومة نيسابور 394

حومة يزد 321

الحويرث (جبل) 217

الحويزة 268 276

الحويصلات 79

الحى 43

حيدر اباد 370

الحيدرية (قلعة) 257

الحيرة 100 102

حيزان 146

خ الخابران 279 436

الخابور 114 124 127

خابور دجلة 122 156

خارك (جزيرة) 296 297

خاس 526

خاسك 297

خاش 381

خاشت (خاش) 526

خاشتان 454

الخالص (كورة) 85

خالنجان (انظر: خان لنجان)

خان الابرار 242

خانسار (جبل) 245

خانسار (قرية) 246

خانقين 87

خان لنجان 241 242

الخانوقة 137

خاودان (نهر) 308

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 549

خاوران 436

خاوس (خاوص) 519

خبر 289

خبوشان 435

خبيص 337 346

الختل 476 478 481

ختلاب 470 479

ختلان (بضم اوله و سكون ثانيه) 481

ختلان (بضم اوله و تشديد ثانيه مع الفتح) 481

ختن 530 532

خجاجران 450

خجده (خجاده) 505

خجنده 522

خداشة 433

خديمنكن 511

خراسان (اقليم) 21 423 424 439 449 462

خراسان اباذ 450

خربوط 149

خرتبرت 149

خرتير 421

خرجرد 397 454

خرخيز 459

خردروى (نهر) 383

خرشد (خرشر، خرشه) 290

خرغانكث 511

خرق (خره) 442

خرقان (بسكون الراء) 406 407

خرقان (بتشديد الراء) 39 231

خرقانه 519

خرقانين 231

خركرد 397

خرماباذ 235 236

خرمه 313 314

الخروج (ناحية) 368

خرو

الجبل 436

خرود 255

خروشه 290

خزار 513

خزانة 322

خزانة شرف الملك (مرو) 444

خزانة الضميرية (مرو) 444

الخزانة العزيزية (مرو) 444

الخزانة الكمالية (مرو) 444

خزانة مجد الملك (مرو) 444

خزانة المدرسة الخاتونية (مرو) 444

خزانة نظام الملك (مرو) 444

خستار 460

خست مناره سى 501

خسرو جرد 432

خسو 328

خشت 303 453 460

خشكروذ 438 512

خشم 208

الخصوص 163

خفتيان 228 229

خلاب 481

خلار 288

خلاط 218

خلخال 205 500

خلم 469

خليج اسكندرونة 161

خليج اياس 164

خليج فارس 38

خليل رود 352

خمايجان (خمايگان) 300

خناب 350

خنافكان 292

خنجرة 191

خندق سابور 90

خنس (خنوس) 180

خنك 308

خنيفغان (خنيفقان) 292

خواجا خيران (قرية) 465

خوادان (قلعة) 328

الخوار 38 315 407 408

خوارزم (اقليم) 22 476 489 491 502

خوارزم (مدينة) 491 492

الخواش 355 368 381

خواش (نهر) 373 381

خواشان 454

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 550

خواشر 399

خواف 397

خواكند (خواقند) 522

الخوبذان 301 308

خواجان 435

خور 364 401

خور اواذان 301

خور جنابة 309

خورستان 287

خورشه (قلعة) 290

خورشيد 230

خورنابند 294

الخورنق 102

خوزستان 19 267

خوست 401

خوست (الغور) 460

الخوسر 116

خوسف (خوسب) 401

خوشان 227 435

خوقند 520 522

خولان 116

خولنجان (انظر خان لنجان)

خونا 260

خوناس (أنظر خنوس)

خونج 259

خوى 200- 201

خير (خيار، الخيرة) 327

خيراباد 308 467

خيرلم 523

خيره 314

خيروكود 369

خيسار 453

خيلام 523

خين 297

خيوق 493

خيوه 476 493 501

د داخرقان 198

داذين 304

دارا 126

دار ابجرد 284 314 325 326 332

دارجان سياه 298

دارجين 351

دارزنجى 483

دارزين 351

دار السيادة (سيواس) 180

دار السيادة (النجف) 104

دارك 378

داركان 326

الدالية 137

الدامغان 21 405 408

الداودية 71

الداور 384

دباسة 168

الدبوسية 511 515

دبيل 216

دجلة 15 16 37 41 42 44 142 477

دجلة العوراء 43 44 45 64

دجلة المفتح 69

دجيل (أعلى بغداد) 73 91

دجيل الاهواز 267 268

دجيل بصنا 275

دجيل تستر 268

الدجيلة 43

درأهنين 485

درب الابواب القليقية 166

درب برارجان 441

درب تخاران به 441

درب الحدث 154 165

درب حلوان 227

درب الراميثنة (بخارا) 504

درب السلامة 154 166

درب سمرقند (بخارا) 504

درب النوبهار (بخارا) 504

درباى 354

دربست 303

دربند 214

دربند أهنين 485

بلدان الخلافة الشرقية/

تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 551

دربند تاج خاتون 228

دربند خليفة 120

دربند زنكى 228

دربيل 228 229

درتل 384

درج (واد) 255

درجان 399

درخيد 301

دردشت 240

درغش 384

الدرغم 509

درفارد 353 354

درفانى 354

دركزين 231

درنمان 495

دره 403

درهقان 355

دره كز 435 436

دروازه اسب بازار (قونية) 181

دروازه بول احمد (قونية) 181

دروازه جاشنى كير (قونية) 181

درولية 167

درياجه شور 303

دريا شرق 502

دريا شور 195

دريا قلزم 502

دريان 307

دريز 303 331

دز أبرج 317

دزباد 429

دزبز 236

دزفول (دزبل) 268 273 274

دزك 368

دز كلات 305 307

دز كنبدان 405

دزك نشناك 301

دزمار 202

دزه 448

دستبى 255

دستجرد 86

دستقان 295

دستميسان 63 108

دستوا 255

الدسكرة 69

دسكرة الملك 86

دشت أرد 318

دشت ارزن 288

دشت بارين 296

دشت بياض (بياز) 398

دشت كوير 361

دشت لوط 361

دشتاباد (نهر) 271

دشتروم (دشترون) 318

دقوقا (داقوق، دقوق) 83 120

دلفريد 354

دليجان (دليكان) 246

دماوند 38 216 407 411

الدمدانقان 442

دمدران 296

دمشق 37

دمما 92

دنباوند 407 411

دنبلا 299

دنزلو 186

دنيسر 125 126

ده اشتران 35

ده باد 429

ده بارياب 468

ده مرد 35

ده نابند 400

ده نمك 35 408

دهاس (نهر) 463

دهرزين 351

دهستان 420 456

دهلزان 305

دهلى 459

دوالو 178 183

الدور 74 82

دور الحارث 82

دور الراسبى 276

دور عربايا 82

الدورق 276 277

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 552

دورقستان 277

دوريك 151

دوسر 133

دوشا (نهر) 124

دوقاط (أنظر: توقات)

دوكنبذان 308

دولاب 208

دولة أباد 234

دوناس 187

دوندانكه 271

دوين 216

ديار بكر 114 140

ديار ربيعة 114

ديار مضر 114 132

ديالى 83 85

الديبل 369 370

دير أبى صفرة 82

دير برصوما 153

دير الجص 244

دير العاقول 54- 55

دير العمال 61

دير قنى 55

دير مرمارى (السليح) 55

دير هزقل 56

ديرجان 307

ديزك 519 531

ديزه 251

ديزه القصرين 251

ديزه ورامين 251

الديكباية 292

الديلم (بلاد) 207

الديلمان 207

دينار (جبل) 307 308

دين دار 299

الدينور 224 226 262

ديه اشتران 323

ديه بيد 320

ديه على 300

ديه كردو 318

ديه مورد 315

ديورود 352 353

ديوه بويون 494

ذ ذات عرق 112

ذو الكلاع (القلاع) 171

ر راخشميثن 497

الراذان (الاعلى و الاسفل) 54 107

راذكان 435

رأس

العين 125

رأس القنطرة 509

رأس الكلب 36 408

راسك 368 378

راسمند 233 234

الراشت 482

الراشدية 71

راغان 356

الرافقة 132 133

رامجرد 316

رامرود 379

رامز 279

رام شهرستان 378 379

رامن 234

رامين 234

رامهرمز 278 279

الران 211

راهشان 303

راور 347 366

راونسر 434

راونير 434

رايين 351

الرب 91

الرباط (جرجان) 420

رباط ذى القرنين 485

رباط ذى الكفل 485

رباط سونج 434

رباط طاهر بن على 486

رباط ميله 470

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 553

ربض باب المحول (بغداد) 49

ربض بنى ماهان 441

ربض ماجان 441

ربنجن 511 515

الرحبة 136 157

رخ 396

رخج 377 383 385

الرس (نهر) 211 213

رستاق الرستاق 328 329

رستاق المرزبان 510

رستقباذ 272

رستمدار 414 415

رستم كواد 272

رشت 209

رشتان 522

الرصافة (بغداد) 49 51

الرصافة (الشام) 137 158

الرصافة (واسط) 61

الرقة 25 114 132 157

الرقة (طبس) 401

الرقة المحترقة 133

رمزوان (قلعة) 296

الرمش (جبل) 155

الرملة 483

الرها 134- 135

الرهوة 166

رؤب 469

روبنج (جبل) 207

رودخانة دزدى 356

رودس 160

رودشت 241

رود عاصى 313

الروذان 284 322 323 331

الروذبار 207 353 383

الروذ راور 232

روذكان 356

روذه 250 251

روز وند 497

الروضة الحيدرية 105

روعد (روغد) 416

الرومقان 54 108

رومية المدائن 52

رونيج (روبنج) 328

رونيز 328

رويان 414

الرويحان 288

روين دز 199

الرى 37 221 249 250

262

رى شهريار 252

رياميثن 505

ريشهر 306 307

ريشهر توج 297

ريصهر 307

ريغان 352

ريقان 351

ريكان 351

الريكستان 504

ريو بارلس 353

ريودد 509

ريوند 428 471

ز الزاب الاسفل (جنوب العراق) 99 108

الزاب الاسفل (شمال العراق) 119

الزاب الاعلى (جنوب العراق) 99 108 بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد ؛ النص ؛ ص553

زاب الاعلى (شمال العراق) 119

زابلستان 372 373 383

زاخو 123

زاره 180

زال (نهر) 274

زالق 382

الزالقان 383

زام 396

زامان 355

زامل (نهر) 479 483

زامين 518

زانبوق 382

زاهدان 373

زاوه 396

زاينده رود (أنظر: زندرود)

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 554

زبطرة (حصن) 153

الزبيدية 227 250

الزبير 66

زرده كوه 242

زرفشان 479 503 510

زرق 442 443

زركان (أنظر: داركان)

زرمان 512

زرنج (زرنك) 20 37 373

374 376 378

زرند

343 346

زره (بحيرة) 20 38 367 372 373 376

زريران 54 93

الزط 279

زكان 288

الزلم (جبل) 226

زم 445 446 486

زمخشر 497

زمين داور 377 383

زمين ديه 230

زنجان (زنكان) 256 257

زنجبار (زنزبار) 294

زندان 452

زندرود 238 242 268

زندنة 506

الزنكان (نهر) 356

زنكيان 202

زهره (نهر) 308

الزوابى 108

زواره 243

الزوزان 122 124

زوزن 398

زولو 201

الزوية (بغداد) 51

زيركوه 398

زيله 179

الزينبدى 250

س ساباط 52 518 532

سابزوار 432

سابلغ (جبل) 524

سابور 298 299 331

سابور خره 284 298

سابور خواست 235 236

ساربانان 250

سارس 477

ساروق (جى) 238

ساروق (همذان) 234

ساروقا 230

سارى 411

سارية 410 411 415

ساسانيان 222

ساغند 322

سالوس (سالوش) 414

سامان 247

سامخاش (نهر) 505

سامراء 50 74 76- 81

سان 467

ساوج بلاغ 253

الساودار 509

ساوه 246 247

ساوية 293

سبار (أبو حبة) 41

سبانيكث 528

سبرتا 185

سبزوار (نيسابور) 532

سبزوار هراة 454

سبلان كوه 197 202 209

سبنج 434

سبورغان 468

سبيدان (كروخ) 452

ستجان 288

ستوريق 259

سجاس 258

سجستان (الاقليم) 20 372 373

376 392

سجستان (المدينة) 373

سحنة 223 225

سدة الكوت 57

سدور 495

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 555

سد ياجوج و ماجوج 532

السدير 102

سر آسيا 483

سراهند 203

سراو 197 202

سراو رود 197

سراوند 398

سربط 144

سربل 227

سربول 468

سرجهان 258

سرخاب 479

سرخان (نهر) 197

سرخس 437 438

سرداب الغيبة (سامراء) 80

سردان (السردن) 281

سردرود 197 230

سرسنده 518

سرشك (بيت نار) 450 451

سرق 276

سركان 232

سرماج (قلعة) 224

سرمق 318

سرهد 355

سروان 385

سروج 140 158

سروزن 382

سروستان 288 318

سروشنة 517

السعدية 87

سعرت (سعرد) 145

سعيد اباد 317 338 414

سغناق 529

السفلقات 452

سفنجاوى 386

سفوة 85

سفيد (قلعة) 300

سفيد رود (سبيد رود) 203 206

سقرى 190

السقينة 480

سك 288

سكان (نهر) 288 289

سكت 523

سكردان 456

سكر فناخسرو خره 313

سكزاباد 255

سكستان 372

سكير العباس 115 127

سكيوند 460

سلاروند 261

سلام 397 398

سلفكة (أنظر: سلوقية)

السلقط 148

سلطاناباد 394

سلطان اباد جمجمال 228 234

سلطان درين 417

سلطان صو 153

السلطانية 24 257 258 263

سلماس 200

سلمان باك 53

سلوقية (الروم) 34 165 181

سلوقية (العراق) 52

سلومك 397

سليمانان 64 70 71 278

السليمانية 426

سمرقند 22 476 485 503 506

507 508

سمسون 179

سملقان (سمنقان) 433

سمنان 36 407 408

سمنجان (سمنكان) 469

سميران 290 294

سميرم (سميروم) 261 319

سميساط 139 140 149

السن 119 120

سن سميرة 223 263

سناباذ 430 431

سناروذ 374 375 378

سنبيل 279

سنج 442

سنجار 128 129 157

سنجان (سنكان) 397 398

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 556

سنجر فغن 501

سنجة 156 458

سنجيده 204 205

السند (الروم) 167

السند (نهر) 369 370

سندابرى 167

السندروذ 369 370

سنقراباد 253

سنك 338 340 342

سنكاره 325

سنوان 448

سنوب (أنظر سينوب)

سنيج (سنيك) 363 364

سنى خانة 403

سهاده (قلعة) 292

سهده 395

سهرورد 258

سهمار (شهمار) 413

سهند (جبل) 196

السواد 41 89

السودقانية 120

سور بغداد (الشرقية) 51

سور الموصل 117 118

سورا 108 111

سوران 529

سور قنى 250

سورمين 458

سورو 330 357

السوس 274 281

السوسقان (السوسنقان) 442

سوسن 280

سوسندة 518

سوق الاربعاء (مدينة) 277

سوق الاربعاء (الموصل) 116

سوق الامير 285

سوق الاهواز 267

سوق بحر 277

سوق جسر جرجان (بم) 350

سوق العطش 51

سومغان 264

سونج 514

سونسى 179

سيام (جبل) 512

سياه جرد 463

سياه رود 376

سياه كوه 202 243

سيب بنى قوما 55

سيبى 370 386

سيحان 163 164 477

سيحون 22 164 477 487 517 519 520 531

سيراف 25 293 294 295 330

سيرام 527

السيرجان 37 38 337 338 339 340 349

سير دريا 477 519

سيرصو 519

السيروان 237

سيس (سيسية) 173

سيسر 225

سيستان (أنظر سجستان)

سيف بنى الصفار 293 295

سيف الخليجان 487

سيف زهير 292 293

سيف عمارة 292

سيف المظفر 292 295

سيكان 288

سى كنبذان 312

سيماكون 289

سينيز 309 331

سينوب 175 191

سيواس 174 179 180

سيورى حصار 186

سيوى (أنظر: سيبى)

ش شابران 214

شابور 284 298 299

شابور خواست (أنظر: سابور خواست)

شاخن 402

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 557

شادشابور 254

شاذبهمن 108

شاذ سابور 107

شاذفيروز 107

شاذقباذ 107

شاذهرمز 107

الشاذروان (الاعلى و الاسفل) 84

شاذروان تستر 270

الشاذكان 309 310

شاذياخ 426 427

شارخس 398

شارستان 414

الشارع الاعظم (سامراء) 77

شاسمن 419

الشاش 477 518 519 523 524 531

شال (جبل) 205

شال (مدينة) 205

شال (نهر) 204 205

شالوس 414

الشامات

349 428

شاها (جزيرة) 195

شاه اباد 273

الشاهجان 440 441

شاه دز 240

شاه رخية 525

شاهرود 204 206 415

شاهين 257

شاوغر 528

شبانكاره 325 326 328

شبرقان (شبورقان) 468

شتركث 526

الشديدية 61

شرامين 230

شروان 211 214 385

شط الحلة 43

شط الحى 43

شط العرب 42 44 64

شط الكوفة 43

شط النيل 98

الشطرة 61

الشطيط 271

الشطيطة 72

شعب بوان 67 300 313

شعران (جبل) 226

شفاثا 90

شفت (شفتة) 206

شق رودبال (رودبار) 328

شق عثمان 68

شق مسكاهان 328

شكت 523

شكسته (قلعة) 312

شلنبه 412

شله 377 379

الشماخية (شماخى) 214

الشماسية 49 51

شمشاط 148 149

شمكور 213

شميران 261 290 451

شنكوان (قلعة) 312

الشهباء (قلعة ماردين) 126

شهرأباد 130 416

شهر اسلام 198

شهر بابك 323 338

شهربان 87

شهر بلقيس 435

شهر دقيانوس 352

شهر رستم 379

شهرزور 225 226 258

شهر سبز 451 512 513

شهر ستان (قلعة) 230

شهرستانة 238

شهرسيستان 373 376

شهرناو 234 397 417

شهرو 330 357

شهروزير 497 498

شهريار 252

شهريار رود 299

شوانكاره 326

شور 365

شورستان 318 319

شورمين 458

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 558

شوره رود 428

شوستر (شوشتر) 269

شوشن القصر 280

شوكان 436

شولستان 279 303

الشومان (قلعة) 483

شيان 389

شيخ جام 397

شيراز 25 36 283 284 285 286 331

الشيرجان 338

شيز 226 259

شيلاو 294

شينيز (انظر: سينيز)

ص صاروخان 176

صارى بولى 175

صارى جيجك (نهر) 152

صاغرى (نهر) 167

صافى (نهر) 198 199

الصافية 55

الصالقان 383

صامصون (انظر: سمسون)

صاهك 36 214 323

صاين قلعة 258

صبران 529

صحراء اللر 274

صحنة 223

صدخانية 225

صرام 308

صرصر 50 54 93

صرمنجان 484

صرمنجى 483

الصغانيان (بلدة) 36 476 482 483

الصغانيان (نهر) 479 483

الصغد 22 476 503 514

صفارة 295

الصفصاف (حصن) 166 171

صفين 133

صلوى 83

الصليخ (بغداد) 51

الصليق 61

الصنط 378

صنوب (انظر: سينوب)

صولى 83

الصيمرة 237 238

الصيمكان 289

الصين 508 528 532

ض الضرغام (نهر) 479

ضرية 111

ط طاب (نهر) 278 290 304 306 308

طابان 388

الطابران 430

طارم 260 328

طارم (نهر) 204 260

الطارمين 260

الطارمية 71

الطاق 382 414

طاق بستان 222

طاق كسرى 52 247

طالش 207

طالشان (طلشان) 207

الطالقان 260 465 470

الطاهرية 494

516

طاووق (انظر: دقوقا)

الطايقان 470

طبرستان 404 409

طبرك 240 252

طبس 362 392 399 400 401

طبس التمر 399 400 401

طبس العناب 399 402

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 559

طبس كيلكى 400

طبس مسينان 402 403

طبسين 399 401

طخارستان 462 469

طرابزون (طرابزنده) 168

الطراز 530

الطربال 291

طرثيث 394

الطرحان 238

طرسوس 162 164 169

طرق 244 492

طروج (بحيرة) 195

طروج (مدينة) 200

طرون 148

طريثيث 36 394

طريق خراسان 23 27 49 113 262 408

472 473 515

طريق القسطنطينية 166

طزر 277

طسوج (انظر: طروج)

طسوج بادوريا 49 51

طسوج سورا 96

طسوج طريق خراسان 86

طسوج الفلوجة (العليا و السفلى) 101

طسوج قطربل 49 51

طسوج كلواذى 49 51

طسوج نهر بوق 49

طسوج نهر جوبر 94

طشقند (انظر: تشكند)

طفر 83

طميس (طميسة) 416

طهران 251 252 404

طواس (حصن) 187

طوانة 168 171 183

الطواويس 505 506 511

طوخمه صو 152

طوران 367 370

طور عبدين 124

طوروس 38 160

طوس 430 431 471

الطيب 89

الطيرهان 77

طيسفون 42 52

طيفور (قلعة) 305

طيفورى (نهر) 417

طيمرجان 318

ع العاشق (سامراء) 113

عانة 138

عبادان 70

عبد الاباد 394

عبدسى 45 63

عبرتا 34 84

عبسقان 452

العتابية (بغداد) 109

العراق 16 40 59 76 96 221

عراق العجم 220 221

عراق العرب 220

عربان (عرابان) 127

عربستان 267

عرب كير 152

العرجان (نهر) 155

العرصة 356

عروج 280

العزير 63- 64

العسكر 384

عسكر ابى جعفر 68 281

عسكر المعتصم 80

عسكر مكرم 268 271 272 281

عسكر المهدى 48

العشار 68

عطشاباد 429

العظيم (نهر) 121

عقبة حلم 500

عقدة 322

العقر (البطيحة) 61

عقرقوف 92

عكبرا 72

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 560

العلايا 175 183

العلث 72

العلج 167

العلمين (الروم) 167

العليق 166

العمادية 122

عمورية 167 170 175 186

عيان 300 301

العيث 121

عين برغوث 166

عين التمر 90 108

عين الذهبانية 134

عين رقة 166

عين الزاهرية 125

عين زربى 161

عين زنيثا 155

عين كبريت (الموصل) 117

عين الملك كيخسرو 233

عين الهم 410

عين يونس 118

غ الغراف 16 43

الغبراء 167 بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد ؛ النص ؛

ص560

يرا 346

غرجستان 455 458

غرج الشار 458 471

غردمان 495

غرشستان (غرستان) 458

الغرفة 121

غرناطة 29 35

غريان 453 454

غزنة 387 388

غزنين 387

غنجرة 191

الغندجان 296 331

الغور 377 379

غورستان 458 459

غوطة دمشق 67

ف فاراب 528

فارس 19 283 298 311 325 332

فارسجين 255

فارغر (فرغار) 478 481

فارفان 241

الفاروث 61

الفارياب 467 468

فاش 158

الفامر 478 517

فتح اباد 506

فخر أباد 251

فخرستان 313

الفرات 15 37 41 42 96 147 149 477

فراتكين 458

فراجرد 429

فراشا 95

فراهان 234

فراوه 421

فربر 446 486

فرج 328 329 332

فرجرد (فركرد) 367 454

الفرخان 251

فرزك 307

فرزين 233

فرعا 323

فرغان 481

فرغانة 22 477 518 520 531

فرغول 421

فرك 329

فرم (فريم) 413

فره 379

فرهادان 429

فرهاذجرد 429

فرواب 312

فروان 389

فرياب 355

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 561

فريجية 176

فريجية ابيكتتس 177

فريوار 230

فريومد 433

فز 482

فسا (بسا) 327 331 332

فشارود 402

فشاويه (انظر: بشاويه) فلامى الغابة 167

الفلوجة 91 93 94

فم البداة 100

فم البواب 280

فم الصلح 45 57- 58

فناكنت 525

فنز بور 367

الفهرج 322 351

فهرج (مكران) 368

فهل فهره 368

فوجه 188

فور نمث 509

فوشنج 449 453

الفولجا (نهر) 502

فومن 208

الفياض 91

فيروزآباد 205 261 291 292 330

فيروزان 241 242

فيروز سابور 91 108

فيروز قند 383 385

فيروز كوه 412 459

فيرياب 467

فيسابور (فيشخابور) 122

فيض أباد (فيزأباد) 479

فيض البصرة 63 64

فيض دجيل 64 272 277

الفيل 491

فبوار 459

ق القادسية (سامراء) 71 72 103

القادسية (الكوفة) 102 103

قاسان 523

قاشان 36 244 262

قاطول ابو الجند 82

القاطول الكسروى 47 74 81

القاطول المأمونى 82

القاطول اليهودى 82

قالى 315

قاليقلا 148 149

قاين 392 393

قبا 521

قباذ خره 289 306

القباذق 171

القباذيان (مدينة) 482

القباذيان (نهر) 483

قبجاق 529

القبق (القفقاس) 216

قبلة (قلعة) 215

القبة الخضراء (واسط) 59

قبة سبز (بردسير) 344 345

قرا اغاج 288

قراباغ 213 456

قراصو 248

قراصى 176 189

قرامان (قرمان) 176 180

قردتاس 213

قرص 216

قرطبة 15

قرشى 512 513 514

قرعة (قوعة) 268

القرغيز 529

قرق كز (جسر) 153

قرقوب 275 281

قرقيسياء 25 127 136

القرم 191

قرماسين (قرميسين) 26 221

222

القرنة 42 43 46 63

القرنين 382

قره حصار 181 185

قره حصار دولة 180

قره سراى (الموصل) 117

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 562

قره صو 149

القرينبن 448

قرية الاس 35 315

قرية البيذ 320

القرية الجديدة 529

قرية الجمال 35 323

قرية الجوز 318 354

قرية عبد الرحمن 315

قرية على 486

قرية الملح 35 408

قرية منصور 413

قرية يونس 216

قزدار 368

قزل احمدلى 176

قزل أروات 421 516

قزل أوزن 203

قزل ايرماق 179

قزلرباط 87

قزوين 38 253 254 262

القسطنطينية 169 170

قصدار 368 370

قصر ابن هبيرة 96 111

القصر الابيض (المدائن) 53

قصر الاحنف 447

قصر أعين 318

قصر الجص 79

قصر روناش 273

قصر الريح 429

قصر شيرين 85 88

قصر فين 244

قصر قند 368

قصر اللصوص 36 223

القصران 339

قصطمونية (قصطمونى) 191

القطر 43

قطربل 108

قطره 324

قطية 168 186

القفص (جبل) 354 362

القفقاس 215 216 409

القلاص 524

قلاط 261

قل حصار 187

قلعة أربيل 122

قلعة اردشير 344

قلعة ايوب 35

قلعة الباز 125

قلعة بردارود 395

قلعة بهسنا 155 156

قلعة تل اعفر 130

قلعة تيز 287

قلعة جعبر 133

قلعة دختر 344

قلعة سكر 61

قلعة الديكدان 292

قلعة زر 434

قلعة كارزين 290

قلعة كاه 380

قلعة كبريت 230

قلعة كمخ 150

قلعة كوهك 385

قلعة ماكين 230

قلعة مور 455 456

قلعة ميكال (هيكال) 395

قلعة الهندوان 464

قلعة والى 466

القليعة 286

قليقية 181

قم 36 245 262

قمادين 353

قمبلى 368 369

قمستان 317

القناطر (قرية) 82

القناطير 100

قندابيل 370

قندز 470

قندهار 20 372 385 386

قندوه 370

قنطرة اسكى موصل 130

قنطرة انديمشك 273

قنطرة ثكان 305

قنطرة جرد 511

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 563

قنطرة الحجارة 481 482

قنطرة حربى 73

قنطرة خراسان 312

قنطرة خرزاد 280

قنطرة دمما 92

قنطرة الرصاص 82

قنطرة ركان (تكان) 306

قنطرة الروذ 273

قنطرة الروم 273

قنطرة الزاب 273

قنطرة سبوك 304

قنطرة سنجة 156

قنطرة شهريار 313

قنطرة القامغان 100

قنطرة كرمان (رباط) 367

قنطرة الكوفة (بلدة) 100

قنطرة الماسى 99

قنطرة وصيف 82

قنغرلان 257

قهاب 241

قهرود 245

قهلغة 485

قهود 258

قواق 347

قوج حصار 126

قوسين 251

قوشحصار 182 191

قولنجان (قلعة) 319

قومس 21

39 404

قومس بسطام 405 408

قومسه (قومشة) 319

قونية 167 172 174 181

قوهستان 20 221 392 402

القيارة 119

قير 289

قيرس 160

قيرشهر 179

قيس (جزيرة) 290 293

قيسارية (قيصرية) 168 174 178

ك كابرون 456

كابل 387 388 389

كابلستان 387 388

كاث 489 490 491 521

كاج 383

كارزين 289 290

كارون 64 235 267 268 307

الكاريان 290

كاريز (كاريزه) 457

كارية 176

كازرون 302 331

كاسكان 313

كاشان 36

كاشغار 530

كاشكان 454

الكاظمية (الكاظمين) 49 51

كاغد كنان 260

كالف 485 486

كالوون 456

كام فيروز 316

كانقرى 191

كاوبارى 209

كاوخانى 242 243

كاو خواره 495

كاوماها (كاوماسا) 231 246 247

كاونيشك 366 367

كبود جامه 416

كبوذان 194

كبوذنجكث 510

الكبيرة (مدينة) 414

كتاب (مدينة) 512

كتال بيرزن 303

كتال دختر 303

كثروا 346

كثه 321

كج 368

كجه 414

كدر 528

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 564

كدرو 324

كديو 204 205

الكر (نهر) 211 213 313

كراجى 370

كرادة مريم (بغداد) 51

كرارج 241

كراغ (نهر) 452

كران 240 293

كران (كرام، بتشديد الراء) 480

كربال 313

كربلاء 105- 106

كرج ابى دلف 233

كرجستان 216 458

كرجن 301

الكرخ (بغداد) 49 51

كرخ فيروز (سامراء) 74 79

كرخا (كرخه) 268 275

كرخى 246

كردان رود 255

كردر 498

كردر انخاس 469

كردران خواش 496

كردستان 18 221 227 228

كردفنا خسرو 285

كردكوه 256 405

كردلاخ 230

كردى بولى 190

كرزوان 466

كرك 352

كركان تبه 481

كركانج 491

كركانجك 492

كركث 519

كركر 201

كركس كوه 243 244

كركوك 121

كركويه 380

الكركى (سوق) 212

كرلادى (كرلاوه كرلاوو) 500

كرم 328

كرمان (اقليم) 19 37 337 349

كرمان (مدينة) 338 340 341 342

كرمانشاه (كرمانشاهان) 36 221 222

كرمرود 204 253

كرمليس 118 119

كرمه 363

كرميان 176

كرمينية 511 515

كرند 227

كرنك 380 كره (انظر: جرة)

كره رود 233

كروان 313 523

كروخ (كاروخ) 452

كروم 380

كرى 365 401

كرين 401

كريه (نهر) 495

كزكى 268

كزل حصار 187

كزن 259

كره 382

كسبه 514

كسبيا (كسبيانام) 52

كسفيا 52

كسكر (دولاب) 208

كسكر (واسط) 59 63 107

كش 383 503 512

الكشانية (كشانى) 509

كشتاسفى 213 215

كشفغن 509

كشكك 357

كشم 297 480

كشماهن (كشميهن) 442

كشكه دريا 512

كشمر 395

كشمير 480

كشيد 346

الكعبة 150

كفربيا 163

كفرتوثا 126

بلدان

الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 565

ككجه 479

كلات 370

كلات نادر 436 437

كلار 319 414 415

كلاشكرد 355

كلان 355

كلاوقان 480

كلبايكان (انظر: جرباذقان)

كلجه 530

كلران 456

كلناباذ 322

كلنتر 202

كلواذى 49 83

كلور 205

كليون 459

كمادى 353

كمارج 303

كمبرون 357

كمخ 151

كمرت 244

كمرو 357

كمندان 245

الكميذ 482

كمين 320

كناباد 398

كنابذ 399

الكناسة 102

كنائس الملك 167

كنبد قابوس 419

كنبذ ملغان 308

كنج رستاق 455

كنجه 213

كنجيده 528

كند 522

كندباذام 523

كندر 367 394

كندرم (كنددرم) 467

كنفه 309

كنكوار 36 223 224

الكنيسة 161 162

الكهرجان 287

كهف سابور 299

كهف الظلمات 142

كهن 379

كهنة اركنج 493

كهيج 383

كواخرز 397

كوار 289

كوانشان 454

كواشير (انظر: بردسير)

الكوانين 63

كوبنان 347

كوبنجان 288

كوتاهية 186

كوت العمارة 44 57

كوتم 208

كوثى 95 108

كوثى ربا 94

كوثى الطريق 94

كوجان 435

كوج حصار (انظر: قوشحصار)

كود (جبل) 350

كود زره 377

كوران 454

كورد 319

كور سرخ (المشهد) 419

كورشت 230

كورنداغ 421

كوسوى (كوسويه) 397

كوشت 368

كوشك 240 454

كوشك زر (زرد) 318

كوشه 355

كوش وران 351

كوغاناباذ 456

كوغون 346

كوفا 456

كوفن 436

الكوفة 34 37 42 101 103

كوك 346

كوكجه (بحيرة) 216 217

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 566

كوكميلا 122

كوكور 366

كولان 530

كولكو (نهر) 268

كونك صو 148

كونين 355

كوه بنان (كوه بيان) 347

كوه رنك 268

كوه زرد 205 268

كوه سراهند 202

كوه سيبان 218

كوه قلعة سرخ 287

كوه كلشان 428

كوه نقرة 456

كوه نمك 246

كويان 433

كوين 289 379

كيث 497

كيج 368

كيرنك 422

كيز 368

كيز كانان 370

كيسوم 156

كيش (جزيرة) 16 293

كيف 455

كيكان 370

كيلان 206

ل لاديق سوخته 182

لاذق 168 179 186

لاذقية قرمان 182 187

لار 297 328 329

لارنده 180

لاز 398

لاسكرد 408

لاش- جوين 379

لاشتر (ليشتر) 229

لاغر 290

لافت 297

اللامس (نهر) 195

اللان 213

لاهجان 208

لاوان 297

لخراب 460

اللرالصغرى 235

اللر الكبرى 235 268

لرجان (لركان) 281

لس بلا 369

لشكر 272

اللكام (جبل) 38 162

لنبسر 256

لنجوغكث 510

لورستان (لرستان) 235 بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد ؛ النص ؛ ص566

كر (لوكره) 448

لؤلؤة (لولون) 166 167 171 183

ليدية 177

ليقونية 176

ليقية 176

ليلان 199

م ما بين النهرين 15

ماوراءالنهر

476

الماحوزة 78

ماحوزى 52

ماخان 445

ماذرايا 44 57 84

ماذرستان 226

ماذى 220

ماراباذ 453

ماردين 125 126

مازل 428

مازندران 21 409

ماسبذان 237

ماست كوه 201

ماشيز 345

ماصرم 288 304

ماكسين 127

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 567

مالان (درب) 303

مال الامير (مال أمير) 280

مالن (مالان) 397

مالن هراة (مالان) 452

المأمونية (سامراء) 82

ماندستان 291 299

ماهالو (بحيرة) 38

ماهان 345 346

ماهانة سر (قلاع) 411

ماه البصرة 232

ماه الكوفة 224 225

ماهلوية (ماهلو) 286 287

ماهى رويان 309

ماياب 440

مايدشت (ماهدشت) 227

مايمرغ 509

مايين 316

المبارك 57

مبارك اباد 254

المباركية 254

متحف الاسلحة (بغداد) 50 51

متوت (متوث) 275

المتوكلية (اران) 213

المتوكلية (سامراء) 78 82

المثقب (سناباذ) 430

المثقب (المصيصة) 162

مجاهداباد 395

المحدثة 143

المحلبية 130

محمد اباد 436

المحمدية (الرى) 249

المحمدية (سامراء) 82

المحمرة 69

محمود اباد 210 265

المحول 49 62

المختارة 69

المخرم (بغداد) 49 51

المدائن 42 51- 54

المدحتية 99

مدرا 496

مدرسة السلطان محمد السلجوقى 240

مدرسة شرف الملك (مرو) 444

مدرسة نظام الملك (مرو) 444

المدرسة النظامية (بغداد) 431

مدرلو 190

المدينة 25

المدينة العتيقة (طيسفون) 52

مدينة اللبن 166

المدينة المدورة 48

مدينة موسى 254

المذار 45 63

مذمينية 497 498

مذيا مشكث 511

مرادصو 147 148

المراغة 35 194 198- 199

مراغة (قرية) 321

المربد 65

مربين 241

المربعة (الموصل) 116

مرج الاسقف 171

مرج القلعة 227

مرجهينة (مرج جهينة) 119

مردان نعيم 202

مرسان 467

مرسمندة 519

مرعش 161

مرغاب 439 444 452

مرغزار تكان 431

مرغزار كالان 320

مرغزار كيتو 233

مرغزار نركس 303

مرغينان (مرغيلان) 522

مركه 530

مرند 201

مرو (الكبرى) 21 424 439 440 443 444 471 472

مرو آب 439

مرودشت 313 315

مرو الروذ (مروجك، مرو الصغرى)

440 447 448

مروذ 447

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 568

مرو الشاهجان 440

مرينان 437

المرية 35

مزداخيكان (مزداخقان) 498

مزدقان 247

المزرفة 71

مستنج (مستنك) 370 386

المسجد الاقصى 135

المسجد الجامع (سامراء) 79

المسرقان (المشرقان) 270 271 272

مسريان 421

مسكن 73 108

المسكنين 166

المسيب 111

مسين 306

مشتكهر 119

المشهد 429 430 431 432

مشهد الحسين 105 106

مشهد عبد اللّه بن على 63 64

مشهد على 103- 105

مصدقان (انظر:

مزدقان)

المصلى (مدينة) 512

المصيصة 162 163 430

مطرنى (مدرنى) 190

المطمورة 171

المطيرة 74

المعسكر (نيسابور) 425

معسكر الملك 166

المعشوق (سامراء) 78

معلثايا 123 157

مكغان (موغان، موقان) 209 505

مغل 167

مغلة 187

مغنيسية 188

المغولية 260

مغون 355

المفتح 69

مفازة التركمان الغز 439 487

المفازة الكبرى 20 311 337 360 361 367 399

مفازة مرو 487

مقبرة قريش 49

المقلوب (نهر) 191

مكران 20 360

مكرجان 290

مكة 25

ملاجنة 167

ملاسكرد (ملازكرد، ملسجرد) 148 180

ملاير 232

الملتان 369

ملطية 152 153 174

ملقوبية (ملنقوبية) 168 182

الملون 164

الملوية (سامراء) 79- 80

ممطير (مامطير) 415

مناب (مناو) 356

مناذر 274

منارة حسان 62

منازجرد (منزكرت) انظر: ملاسكرد

منبج 139

منتشا 176

المنخرق (بحيرة) 127

مندلى 88

منصور اباد 317 405

المنصورة 369 370 491

منقشلاغ 499

منك 481

من كركان 418

منوقان (منوجان) 355 357

منى 166

مهران (نهر) 369 389

مهران رود 196 197

مهرجان 434

مهرجان قذق 237

مهرجاناباذ (مهرجاناواد) 319

مهر كرد 351

مهروان 415

مهروبان 306 309 331

مهمان دوست 408

مهنة (ميهنة) 436

موبلق 461

مورك 303

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 569

موش 148

الموصل 114 115- 118 157

موغ استان 357

مومناباد 402

ميافارقين 143- 144

ميانج (ميانة) 204

ميان روذان 69 523

مياندر 174

ميبد 322

الميجان 352

ميخاليج 189

ميراقيان (ميراثيان) 277

ميركى 530

الميزان 352

ميسان 63 108

ميسية 177

ميشكانات 327

ميشكين 203

ميلاس 187

ميل زاهدان 373

ميله 415

ميمند 294 467

ميمنة 466 467

ميمون دز 256

مينك 519

مينو 271

مينيو كركو 380

ن نابند 293 294 363

ناتل (ناتلة) 414

ناجته (انظر: واجب)

نارشارى 16

ناصر اباد 374

ناغة (قلعة) 368

نامية (نامشة) 415

ناووسة 89

نايين 243 322 332

النجف 103- 105

نجم 523

نجيرم 288 295

نخجوان (نقجوان) 201

نخشب 457 513 514

نرماسير 337 351

نريان 467

نسا 352 435 436 471

نساتك (نسايك، نشانك) 316

نسف 503 513

نسيا (نسائية) 522

نشاوور 426

نشك 346

نشوى 201

نصرت اباد 364 374

النصرية 143

نصيبين 124 157

نطنز (نطنزة) 244

نعم (فرضة عانة) 138

النعمانية 56 99

نفر 100

النفطخانة 87

نقمودية 168 190

نكيدة (نكدة) 175 183

نكيسار (نيكسار) 174 179

نمنكن 521

نموجكث 504

نمى (بخارا) 504

نه (نيه) 378 379

نهاوند 232

نهر ابريق 151

نهر الابلة 65 67 69

نهر ابن عمر

43

نهر ابى الاسد 43 63

نهر ابى الخصيب 69

نهر ابى رحى 97

نهر أرسناس 147 148

النهر الازرق 156

نهر الاسحاقى 75 78

نهر الامير 69

نهر ايلاق 520 525

نهر بان 61

نهر البداة 100

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 570

نهر بردودى 61

نهر بيان 64 69

نهر بين 83 107

نهر تيرى 276 281

نهر جعفر 61

نهر جلته ايرمق 151

نهر جوبر 108

نهر الحفار 69

نهر حلوان 85

نهر الخالص 71 83 85

نهر الخر 51

نهر خريسان 86

نهر درقيط 108

نهر دقلة 61

نهر دقوق 120

نهر الدورق 276

نهر الدير 69

نهر الذئب 142 148

نهر الرزم 146

نهر الرس 150

نهر الرضوانية 95

نهر الرمس 143

نهر الروز 86

نهر الريان 69

نهر زبيدة (الموصل) 116

نهر سابس 57 99

نهر ساتيدما 143

نهر ساسى 61

نهر السدرة 272 276 278

نهر السغد 503 504 510

نهر سنجة 156

نهر سورا 43 96 97 98

نهر السيب 61

نهر شروان 85

نهر شمشاط 149

نهر الصراة 92

نهر صراة جاماسب 99

نهر الصراة الكبيرة 98 99

نهر صرصر 50 93

نهر الصقلاوية 95

نهر الصلب 143

النهر العضدى 69 278 281

نهر العلقمى 101

نهر عيسى 48 92

نهر الغراف 61

نهر القباقب 152

نهر قراقيز 152

نهر قريش 61

نهر القصارين 508 512

نهر القندل 69

نهر الكلاب 142

نهر كوثى 16 94

نهر الكوفة 96

نهر المذار 63

نهر المرأة 69

نهر المرة (البطائح) 43

نهر المسوليات 143

نهر معقل 65 67 69

نهر الملك 93 94 108

نهر ميسان 61

نهر النرس 100

نهر النيل (العراق) 16

نهر هراة 437 449

نهر الهندية 101

نهر اليهودى 69

النهروان 47 74 81- 85 121

النوبنجان 300

النوبندنجان 299 300

النوبهار 462 463 464

نوخانى (نوجاى) 364

نورد 303

نوزكاث 497

نوزوار 497

نوقان 430

نوقد قريش 514

نوكرد 120

نوكفاغ 495

نويدة 484

نيريز 314 327

نيسابور (نيشابور) 21 424 425 426 427 471

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 571

نيشك 381

نيقية 167 172 190

النيل (مدينة) 98 99

النيليات (النيلية) 99

نيم راه 225

نيم روز 372

نيم مردان 416 417

نينوى

115 116 118

ه هارود 373 379

هارود سيستان 454

الهارونى (سامراء) 78

الهارونية 87 161

هاشم جرد 484

الهاشمية 91 97

الهامون 352

هبراثان 421

هراة 21 323 424 449 450 451 471

هرسين (قلعة) 227

هرقلة 34 166 168 275 182

الهرماس 114 115 124 127

هرمز (جزيرة) 297 358

هرمز شهر 268

هرمز الملك 354 356 357

هرون اباد 227

هزار 316

هزار اسب 494

هزو 293

هشترود 204

هفتاد بولان 248

هلاورد 481

هلبك 478 481

هلورس 142

همانية (همينيا) 55 56

همذان 36 221 229 262

همشرة 210

الهند 369 387 459 484 508

هندرابى 297

هند مند 377

هندوان 269 307

هندوكش (هندكوش) 384 389 423

هنديان 308

هنديجان 307

هنكران 459

هور بحصى 62

هور بصرياثا 62

هور بكمصى 62

هور المحمدية 62

هوشنك (درب) 303

الهول 99

هولان مولان 203

هيبك 469

هيت 90

هيرك 289

الهيطل 476 481

هيلمند (نهر) 21 372 377 383

و واجب 350

وادى الجوز 167

وادى الرزم 145

وادى الزور 143

وادى سفاور 425

وادى سيرم 254

وادى الصغد 67

وادى الطرفاء 166

الوادى الكبير (قزوين) 254

واسط 25 34 37 42 43 59- 61

واشجرد 483

والشتان 370 386

وان (بحيرة) 145 180 216 217

وان (مدينة) 38 217 218

وانكث 523

وايخان 495

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 572

وتراب (نهر) 470 479

وخاب 478

وخان 478 480

الوخش 478 479 481

وخشاب 479 481 482

وذار 510

ورامين 251 252

وراوى 203

ورثان 210

ورغر 510

ورغسر 509

ورواليز (ورواليح) 470 472

وزكرد 509

وزير 497 498

وسطام (وسطان) 218 222

وسيج 528

وشاق (قلعة) 244

ولاشجرد 355

ولبان (جبل) 196

ومر (قلعة) 481

وهان زاد 319

وبران شهر 152

ويمه 411 412

وينكرد 525

ى ياركث 509

ياركند 520

ياسين تبه 266

يرزاطية 84

يرنى 124

يزد 284 311 321 331

يزداباد 255

يزدخاس 319

يزد خواست 319 328

يزمير 188

يزنيق (يزنيك) 190

يسى 529

يكدر 195

يلاواج 184

يمكان 480

ينابذ 398 402

ينغكث 529

ينكى شهر 529

يورغان لاديق 182

اليهودان 466

اليهودية 238 239 466

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 574

2- فهرست الأشخاص و الاقوام

آل قارن 413

آل مظفر 287

اباقا خان المغولى 259

ابراهيم متفرقة 32

ابرويز 44 224

ابن ابراهيم 33

ابن الاثير

32 33 492

ابن الياس (أبو على) 338 342 343 346 351

ابن بطلان الطبيب 137

ابن بطوطة 31

ابن بيبى 33 173

ابن البيطار 388

ابن جبير 29 30

ابن الجوزى 33

ابن حوقل 28

ابن خرداذبه 26

ابن خلدون 32 33 172

ابن خلكان 33

ابن رسته 26 27

ابن سرابيون 26 27

ابن سوار 66 278 291

ابن سينا 436

ابن الطقطقى 33

ابن عبد الحق (صفى الدين) 30

ابن العبرى 33

ابن العماد الحنبلى 33

ابن الفقيه 27

ابن الفوطى 33

ابن كثير 33

ابن مهلهل (مسعر) 30 223 261 270

ابن هبيرة (يزيد بن عمر) 96

ابو الاسد 63

ابو الحسن بن حسن ماه 484

ابو دلف 233

أبو سعيد الايلخانى 231

ابو طالب القرمطى 309

ابو طالب النوبنجانى 301

ابو الطيب الشوا (خال المقدسى) 407

ابو الغازى 32 493 501

ابو الفداء 26 بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد ؛ النص ؛ ص574

و الكلام أزاد 532

أبو مسلم الخراسانى 441 444

ابو الهيجاء الحمدانى 104

أحمد أمين 66

الاحنف بن قيس 447 464

الاخواش (قبائل) 355

الادريسى (الشريف) 29 30 175

اردشير بابكان 271 284 341 378

أرغون 218 257 258 435

الازبك 493

استرابون 413

اسحق بن ابراهيم (صاحب شرطة المعتصم) 78

الاسفزارى (معين الدين) 452

الاسكندر الكبير 292 299 485 498

اسماعيل الصفوى 240

الاسماعيلية 255 256 305 325 394 395 400 415

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 575

اصحاب الكهف 152 175 187 189 352

الاصطخرى 28

أغااوغلو (محمد) 105

أغا خان 395

الافثلاطيون 476 481

الافشين 519

أفضل كرمانى 368

الافغان 389 403

الاكراد 225 226 257 302 468

ألب ارسلان السلجوقى 172 217

ألجايتو 228 257

الدرد (جون) 46

أمام زاده (عبد العظيم) 252

امدروز (المستشرق) 33

الامين (الخليفة) 55 225 442

انستاس الكرملى 109 276

انورى (الشاعر) 436

انوشروان بن قباذ 44 215 243 416

اهل الكهف (أنظر: اصحاب الكهف)

اهلورد (المستشرق) 33

اولجاى خاتون 258

اورخان العثمانى 189

ايرانشاه السلجوقى 342

ب بابر 530

باتوخان المغولى 258

البادوسبان 413 414

باربيه دى مينار (المستشرق)

29 452 464

بافه دى كورتى (المستشرق) 29

بايزيد ايلدرم العثمانى 182 185

البحرية ابنة الاصبهبذ 412

بختيشوع 273 274

بدر بن حسنويه 236

بدر الدين لؤلؤ 117

برازة الحكيم 292

البراقى 102

البرامكة 463

براون (المستشرق) 8 31

برلاس (قبيلة) 213

برلاس (عم تيمور) 433

برمك 463 464

البرمكى (خالد) 53 412

البرمكى (يحيى) 412

البساسيرى 138

البسطامى (أبو يزيد) 406

البشلنك (قبائل) 384

بشير فرنسيس 9

البطال (عبد اللّه) 169 178 185

بل (جرترود) 123

البلاذرى 32 44

بلال ابن ابى برده 111

بلال الحبشى 191

بلو (ه. و) 186 408

البلوج (البلوص) 355 361 362

بنو تميم 469

بنو زيار 419

بنو الصفار 285 354 373 382 389 427 445

بنو ماهان (ميرماهان) 442

بنيامين التطيلى 100

بهاء الدولة البويهى 104

بهرام جور 226 230

بهرام شاه 182 387

بهمن بن اسفنديار 243 276

بوذا 386

بوران 84

بورى (البروفسور) 170

بولس الشمشاطى 151

بوليبوس 52

البويهيون 207

البيالقة 151

البيرونى 379 380

بيقرا (ميرزا) 465

البيلقانى 151

بيله سوار (الامير) 210

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 576

ت تافرنيه 46 276 364

التتر 412 444 459 484 491 493 497 499 519 521 529 530

ترخان خاتون 344 345

ترنبرج (المستشرق) 33

توران شاه 343

توفيق وهبى 34 86

تيمور (تيمور لنك) 339 357 373 376 382 384 388 395 397 407 411 412 414 416 417 419 437 445 453 464 485 492 506 508 513 514 521 525 527 528 529

ث الثعالبى (أبو منصور) 80

ج الجات 279

جاماسب 99

الجامى (شهاب الدين احمد) 397

جاولى (الاتابك) 287 300 313 325 327 328

جت (أنظر: الزط)

جسنى 60

جغتاى 35

جلال الدين الرومى 175 181

جمشيد 312

جميلة الحمدانية 118

جنكنسن (انطونى) 493 498 501

جنكيزخان 376 390 427 444 446 459 461 464 466 491 506 525

جوبرت (المستشرق) 30

جولدسيهر (المستشرق) 321

جونس (فليكس) 56 85

جوينبل (المستشرق) 31

الجوينى (شمس الدين) 248

ح الحاج خليفة 32

حافظ أبرو 31 32 500

حافظ الشيرازى 346

الحجاج بن يوسف الثقفى

59 99

حداد (عزرا) 100

حسان النبطى 63

الحسن بن سهل 57

حسن الصباح (شيخ الجبل) 256 394 395

الحسن العسكرى (الامام) 80

الحسن بن عمر التغلبى 123

حسنويه 224 236

حسين الطاهرى 441

الحسين بن على (الامام) 105

الحسين بن على الرضا 252

الحشيشية (الحشاشون) 204 255- 256 261 305 394 400 402 405

412 415

حمزة الاصفهانى 32 33

حموية 235

الحوز 267

حيدر (الاتابك بهاء الدين) 257

الحيدرية (دراويش) 396

خ الخرقانى (ابو الحسن) 406

الخرلخية (قبائل) 525 530

الخزر 215

خسرو جرد بن شاهان 227

خسويه (قبيلة) 327

الخشاب (الدكتور يحيى) 30

الخطيب البغدادى 34

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 577

الخلج (قبيلة) 384 385

خمارتكين (الامير) 294

خوارزمشاه (محمد) 459 521 524

الخوارزمى 41

حواندأمير 33

خورشه (عامل بنى أمية) 290

الخوز 267

د دارا 222

الداعى العلوى 208 256

الداوديون 389

دراور (الليدى) 276

دميسون (البارون) 32

دوزى (المستشرق) 388

الديالمة 207

دى بودى 306

دى سلان (المستشرق) 31 32

دى غويه (المستشرق) 10 27 28 30 33 501 532

ديفريمرى (المستشرق) 31 256

الديلمى (طبيب الحجاج) 305

ديو بند 241

ذ الذهبى 33

ر الرازى (أحمد) 416

الراسبى (على بن أحمد) 276

الراشد باللّه 329

رايت (وليم) 30

رستم بن دستان 373 380

الرفاغى (أبو العباس أحمد) 179

ركن الدولة البويهى 261 286

رمسى (البروفسور) 160 167 175

روجر الثانى (ملك صقلية) 29

رولنسن (هنرى) 258 259 281 373 379 464 501

رينو (المستشرق) 31

ز زال (ابو الملك رستم) 373 411

زبيدة 55 480

زرادشت 200 259 380 395 396 463

الزط 279 369

الزمخشرى 497

الزنج 268

زهير (قبيلة) 292

س سابور الاول 424

سابور الثانى 90 91 272 273 406 424

الساطرون 129

السامانيون 389 503

السامر (فيصل) 66

سايكس (الميجر) 324 338 344 345 346 347 350 351 352 354 355 361 364 368 373 376 379 395 402

سبرنكر (البروفسور) 10

ستيف (الكابتن) 295 358

سخو (المستشرق) 380

سركيس (يعقوب) 44

سعدى الشيرازى 286 287

سعيد بن عبد الملك الاموى 137

السفاح 91 97

سفج لندر 373

379

سفر (فؤاد) 61

سلطان الدولة البويهى 285

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 578

السلغرى (سعد بن زنكى) 286

سلمان الفارسى 53

سلوقس نيقاطور 52

سليمان بن جابر 71

سليمان شاه الملقب أبوه 227

سليمان الصفوى 256

سليمان بن عبد الملك 169 170

سليمان قتلمش 172

السمعانى (ابو سعد) 244

سنجر السلجوقى 128 227 400 426 436 443 444

سنغوينتى (المستشرق) 31

سهراب 26

سوسه (الدكتور احمد) 81 85

سيزار فردريك 46

سيف الدولة الحمدانى 154 161 162

سيف الدولة (رئيس بنى مزيد) 97

ش الشابشى 55

شاردان (الرحالة) 240 241

شاه رخ 445 500 525

شاه شجاع الكرمانى 344

شاه شجاع المظفرى 329

شاه مردان 465

شبانكاره (قبيلة) 325

شتاين (السراوريل) 295

شترك (البروفسور) 48

الشراة 194 195

شرف (الدكتور محمد) 436

شرف الدولة البويهى 104

الشرقى (على) 62

شفر (المستشرق) 30

شلمنصر الثالث 42

شندلر (هتم) 241 317 318 368

شويلر 521 529

شيخ الجبل (انظر: حسن الصباح)

ص الصابئة 276

صاحب الزنج 66

صالح احمد العلى (الدكتور) 67

صدر الدين وزير ارسلان الثانى 257

الصديقى (محمد زبير) 452

الصفار (طاهر بن الليث) 339

الصفار (عمرو بن الليث) 286 339 367 474 382 425 426 428

الصفار (يعقوب بن الليث) 55 309 317 374 375 382

صلاح الدين الايوبى 117

صمصام الدولة البويهى 285 312

صنيع الدولة 306 454

صهيب (الصحابى) 187

الصهيونى (الطبيب) 492

ض الضحاك (زهاك) 411

ضياء الملك بن نظام الملك 201

ط الطاهريون 410 424

طاووس الحرمين (ولى) 321

الطبرى (محمد بن جرير) 32 33

طغرلبك 224 242

طغرل الثالث 252

طه باقر 16 42

طهمورث 299

الطوسى (نصير الدين) 199

ع عبادة (عبد الحميد) 276

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 579

عباس الصفوى 194 201 240 241 357

عبد اللّه بن حميد 524

عبد اللّه الطاهرى 421 426 436

عبد اللّه بن عبد الملك الاموى 162

عبد اللّه بن على بن ابى طالب 63

عبد الجبار عبد اللّه (الدكتور) 276

عبد الرزاق آل وهاب 106

عبد الرزاق سفير شاه رخ

532

عبد السلام الجيلى 66

عبد القادر احمد اليوسف 430

العتبى 383 437

عثمان بن عفان 169

العزاوى (عباس) 256

العسكرى (تحسين) 57

عضد الدولة البويهى 69 104 106 222 268 278 285 291 295 302 312 313 339 355 362

علاء الدين الغورى 387

علاء الدين كيقباذ السلجوقى 150 175 178 181 183

العلوى (السيد محمد مهدى) 430

على بن ابى طالب (الامام) 101 103 464

على الارمنى 142

على شاه الوزير 197 200 203 218 266

على الهادى (الامام) 80

على اليزدى 31 32

عماد الدولة الديلمى 122

عماد الدين زنكى 122

عمارة (قبيلة) 292

عمر شيخ 339 340

عميد الدولة فائق (الامير) 430 530

عواد (كوركيس) 55

عواد (ميخائيل) 62

غ غازان خان 104 196 200 210 218 251

الغجر 369

الغز 343 421 426 442 463 529

غنيمة (يوسف) 102

الغوريون 377 451 459

ف الفارابى (ابو نصر) 528

الفاطميون 15

فتح على شاه 234

فخر الدولة البويهى 251 261 412

فخر الدين قرا أرسلان 145

الفرثيون 413

الفردوسى (الشاعر) 223 242

فرهاد بن كودرز 210

فضلويه 325

ق قابوس 419

قارن (اسرة) 207

القائم بأمر اللّه 138

قباذ الاول 44

قتلق خان 443

قتيبة بن مسلم 491 519

قدامة بن جعفر 26

قراجا (الاتابك) 287

قراختاى 339 343

القرامطة 309

القزوينى 30 31

قطب الدين حيدر (الشيخ) 396

قطلمش 312

القفص (قبائل) 355

قلج ارسلان الاول 173 174 182

قلج ارسلان الثانى 173 174 182

القمى (الوزير محمد بن احمد) 280

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 580

ك كارا دو فو (المستشرق) 29

كانتان (المستشرق) 31

كبك خان 514

كدوسى 413

الكرج 216

الكرد (أنظر: الاكراد)

كرشاسف 376

كريسول (الاستاذ) 81

كريمر (فون) 10

كشتاسب 395

كلافيجو (السفير) 432 485 500 508

كل زريان (قبيلة) 519

الكليدار (الدكتور عبد الجواد) 106

الكليدار (محمد حسن) 106

كوتوالد (المستشرق) 33

كودرز 339 340

كولدسمد (المستشرق) 367 373 380 396

كوهكلو (عشائر) 306

كويار (ستانسلاس) 6 31

كيخسرو 259

كيدوخان 521

كيلكى (امير طبس) 362 363 400

كينر (مكدونلد) 301

ل اللان 216

لايارد (هنرى) 281

اللر 235 274

279

لسترنج 4 6 26 30 31 33

لين بول 173

م ماركوبولو 20 21 31 325 347 353 392 396

ماسنيون (المستشرق) 102

ماك كريكور 364 437

مالك بن طوق 136

المأمون 55 165 166 225 430 442 445 491

مبارك التركى 254

المبرقع (الحكيم) 457

المتوكل (الخليفة) 78 105 127 173 213 395

المجوس 354 380 398 401 450 463

محبوبة (الشيخ جعفر) 105

محمد (النبى) 14 44

محمد بن جعفر الصادق 419

محمد بن الحجاج 254

محمد بن الحنفية 178

محمد الخوارزمى 420

محمد شاه القاجارى 252

محمد بن على الملقب بالجواد 49

محمد بن ملكشاه السلجوقى 415

محمود الغزنوى 240 370 387 459

مراد الرابع 147

مرجليوث 32 33

مرزبان بن تركسفى 510

مروان بن محمد 35 115 119 163

مزيك (المستشرق) 26

المسترشد باللّه 51

المستظهر باللّه 51

المستنصر باللّه 72 73

المستوفى (حمد اللّه) 31

مسعود بن قلج ارسلان السلجوقى 154 174 239

المسعودى 28

مسكويه 32 33

مسلمة بن عبد الملك 136 169

مصطفى جواد (الدكتور) 51 68 70 72 81 104 150 237 239 431

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 581

المصعبى (تقى الدين) 102

مطر الشيبانى 74

المظفر (قبيلة) 292

المظفريون 339

معاوية (الخليفة) 160 161 169

المعتز 255

المعتصم 76 170

المعتضد 86

المعتمد 78

معقل بن يسار 67

المغول (أنظر التتر)

المقتدر 277

المقتفى 239

المقدسى (البشارى) 28 406

المقنع (الخارجى) 457 513 514

المكتفى 53

مكرم (القائد العربى) 271

ملر (كنراد) 30

ملكشاه السلجوقى 87 106 240 445 447

ملكونوف 414

ملوان (البروفسور) 6

المنتصر 78 82

المنصور (أبو جعفر) 48 53 132 152 412

منصور القيسى 155

منكوبرس 236

منوجهر الزيارى 252

المهدى (الخليفة) 48 249 278 412 457 514

موتوكن بن جغتاى 461

موسى بن بغا 255

موسى بن جعفر الكاظم 49

موسيل (المستشرق) 95 138

مؤنس المظفر 224

موهل (المستشرق) 6

ميرخواند 33

ن نادر شاه 436

ناصر خسرو 29 30 362

ناصر الدولة الحمدانى 118

ناصر الدولة بن سيمجور 365

نجم الدين الكبرى 493

نربرج (المستشرق) 32

نرسى (الملك الساسانى) 100

النساطرة 509

525 530

نسترادمس 345

نصر بن أحمد 486

نصر الاقريطشى 167

نظام الملك (الوزير) 435

نظامى (الشاعر) 223

النعمان بن المنذر 102

نعمة اللّه الولى الصوفى 345

نقفور 165

نلدكه (المستشرق) 413 424

النور (بفتح النون و الواو) 279 369

نور الدين زنكى 117 139

نيارخس 68 288

نيكلسن (المستشرق) 30 31

نيوبرى (جون) 46

ه الهادى (موسى) 254

هرسفلد (الاستاذ) 34 41 81

هرون الرشيد 50 83 103 133 161 249 254

الهروى (السائح) 151

هشام بن عبد الملك 137 162 191

هلبرخت (الاستاذ) 17

هوتسما (المستشرق) 27 33 173

الهوز 267

هولاكو 195 394 435

هولدج 367 369

الهون البيض 476 481

هوين تسانك (الرحالة الصينى) 484

الهياطلة 476

و الواتق 78

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 582

وارد (الاستاذ) 17

وستنفلد (المستشرق) 31 33

الوليد الاموى 163

وهسوذان (اسرة) 261

وود (الكابتن) 477

ى يات (سى. أى) 346 419 429 430 435 456

ياجوج و ماجوج 500 532

ياقوت الحموى 30 34 444 488

يحيى بن معاوية 169

يحيى (حفيد على زين العابدين) 253

يزدجرد 14 87 442

اليسى (الشيخ احمد) 529

اليعقوبى (ابن واضح) 26 27 32

ينال (ابراهيم) 225

الينيجرية 190

يول (السر ه) 388 460 532

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 584

3- الفهرست العمراني

أ الآبار 315 330 341 388 402 403 426 446

الابنوس 330 492

الآثار القديمة 299 307

آلات الحديد 519 531

آلات العاج و الآبنوس 244

آلات النحاس 531

الآنك (معدن) 321 332 510

الابر 471 531

الابراد (انظر: البرود)

الابريسم 278 346 410 418 426 443 472

الاجفان (سفن) 188

الاحجار الكريمة (انظر الجواهر)

الادهان 330 331 472 514

الارحية 427 429 450 518

أرحية الريح 375 451 453

الارمنى (نسيج) 89

الازر 281 330 331 502 515

الاسبست (انظر حجر الفتيلة)

الاستان 106- 108

الاسطرلاب 247

الاسود (السباع) 289 290 316 353

الاشترغاز 443

الاصباغ 332

الاصبهبدان 209

اصفهبذ (اصبهبذ) 410 412 414

الاصنام 384

الاطلس (نسيج) 196

الاقفال 502

الانماط 219 275 281

الاهليلج الكابلى 388

أوانى النحاس 146 150 472

الايغار 233

ب

الباذرنك 331

البازهر 480

البجاذى 480

البخاتى 389 بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد ؛ النص ؛ ص584

بذرقة 244 362 363 460

البذرقة 244 362 363

البرام 430 471

البربهار 330 331 351

البركانات (بتشديد الراء) 331

البرود 362 331 471

البريد 167

البز 281 471

البسط 182 219 296 331 332 403 431 471 502 514

البطانة الزرندية 347

البطيخ 199 353 393 397 418 438 492 514

البلخش 480

البلور (الزجاج) 480

البلوكات (الرساتيق) 452

البولاذ 471

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 585

بيت النار (لدى المجوس) 226 228 241 243 254 259 277 280 290 292 307 324 380 398 450 451 463

البيمارستانات (انظر: المارستانات)

ت التاختج 471

الترنجبين 513

التزويق 495

التطريز 492

التعدين 389 390

تفاح بدليس 218

التكك الارمنية 219

التمور 109

التوابل 330 472

التوتيا (التوتيا المرازبى) 347

التوز (خشب) 502

ث الثغور 160

الثلج 245 246 280 286 352

ثياب الابريسم 471

الثياب البيض 531

ثياب الشعر 332 471

ثياب الفرش 514

ثياب القطن 302 331 350 471 506

ثياب القطن المعلمة بالذهب 187

ثياب الكتان 295 302 307

الثياب المدلسة 276

الثياب المروية 443

الثياب الموشاة 331

الثياب الوذارية 510

ج الجبن 502

الجروم 237 284 337 354

الجسور 82 93 94 97 100 239 272 289 302 306 383 449 497

الجنار (شجر) 434

الجلود المدبوغة 465 502 514 531

الجمازات 111 362

جوارب الادم 262

الجواهر 197 330 480

جيلان (صنف من التمر) 303

ح حب الزلم 226

حجر الارحاء 288 531

حجر الفتيلة 480

الحديد 142 314 324 332 354 430 471 510 531

الحرير 321 393 396 398 411 416 420

الحرير القرمزى 218

الحصر 104 332 471

الحقائب 471

الحلتيت 372 373 472

الحمامات 124 126 128 216 277 350 400 442 497 505 507

الحياض 361 363 364 365 366 375 394 400 407 441

خ الخاقان (ج: الخواقين) 214

الخرز 417

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص:

586

الخركاهات 332

الخز 331

خزائن الكتب (انظر: دور الكتب)

الخشاب (الخشبات) 70

الخلنج (خشب) 262 410 416 502

الخماهن 430

الخمور 289 468

خنكبد (صنم بوذى) 461

الخيش 416

الخيل 157 259 471 481 531

د الدبس 331 332

الدبيقى 331

الدروع 502

الدستنبوية (الدستنبوى) 237 281

الدهقان (ج: الدهاقين) 45

الدهنج 430

دور الضرب 99 120 249 255 285 329 389 466 491 526

دور الكتب 66 247 250 278 285 444

الدوشاب 279 331 332 352 471 472

الديباج 201 269 281 285 331 421 463 471 502 515

ذ الذهب 259 332 405 430 459 471 480 510 531

ر الراختج 471

الرازقى (دهن) 332

الراسخت 109

الرشته 445

الرصاص 272

الرصد (مراغة) 199

الرقيق 471 481 502 531

الروم (مدلول اللفظة عند العرب) 159

الرمال المتحركة (المتنقلة) 362 375 376 379 445 516

الرمال المصوتة (الموسيقية) 379 381

الريباس (الريواس) 426 428

ز الزاج 472

الزبيب الكشماهنى 442

الزجاج 73

الزفت 510 531

الزلازل 294

الزلالى 332

الزنجار 109

الزنجفر 109

الزندنجى (ثياب) 506

الزئبق 332 461 510 531

س الستور 219 275 277 281

296 331 332

السجاجيد 105 393 410

السدود 248 289 312 313 377 393 440 444 491 496 499

سرخ بد (صنم بوذى) 460

سردسير 284

السرماهى (سمك) 211

سروة زرادشت 395 396

السعيدى (نسيج) 471

السفن 502

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 587

السقلاطون 196

السكر 281 367

السكور 378 384 496

سلطان العراقين 221

السماسرة 303

السمور 262

السوسنجرد (نسيج مطرز) 276

سيمرغ (طير خرافى) 411

السيف (ج: الاسياف) 292

السيوف 314 502 531

ش الشاذروان 81 82 269 270

الشار 458

شروان شاه 214

الشعيرة (لقياس الماء) 440

الشلتوك (الشلب) 407

الشمشكات 331

الشمع 502

شهرستان 238

ص الصابون 472 305 331

الصابون الرقى 133

صاحب البريد 26

الصرود 237 284 337 354

الصفر 332

الصندل 330

الصهاريج 124 126 163 181 293 296 427

الصيد 230 483

ط الطاسات 515

الطبرستانى (ثياب) 332

الطراز 331

الطربال 291

الطرق 22 23 265 282 318 320 332- 336 349 358 364 365 371

385 390 422 433 457 472- 475 496 515 518 531

طرق البريد 120 157- 158 334 335 472

طرق الحج 111- 112 351

الطريخ 157 217

الطسوج 106- 108

الطلخون 262

الطواحين 257

الطيالسة 350 408 416

طين اخضر يؤكل 293

طين لغسل الرأس 262

الطين النجاحى 393

الطيوب 330 332 353 410 472

ظ الظرائفى (نسيج) 471

ع العاج 330 492

العتابى 109 196 239 471

العرادات 495

العرعر 453

العرق المدينى 436 445

العسل 288 300 301 330 472 502

العصائب 438

العطور 232 330 410 472

العمائم 350 471

العنب 453 486 502 513 531

العنبر 330 502

عيون الكبريت 117 226 277 461

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 588

العيون المعدنية 296

غ الغبيراء (اشجار) 324

ف الفانيد (الفانيذ) 352 367

الفحم الحجرى 510 531

الفخرى (عنب) 451

الفراء 471 472 502

الفسافساء (الفسيفساء) 135

الفستق 457

الفضة 332 354 389 430 456 459 469 480 510 526 531

الفهلوية (البهلوية) 257 397 410

الفوط 281 332

الفوة 482

الفيروزج 430 471 510 531

ق القاشانى 105 197 244 432

القاقلى 280

القبيط 157

قدور النحاس 292 515 531

القرب 331

القرمز 201 217 218 219

القرميد 244

القز 332 419 443 471 472 515

القسى 502 531

القصاع 410 416

القصب (نسيج) 331

القصدير 262

القمار 139

القماقم (يابس البسر) 262

قمر الدين 181

القناديل 105 431

القناطر 82 87 145 156 163 204 238 253 261 269 270 273 280 301 304 305 312 369 379 380 418 438 452 481 511

القنانى 515

قياس علو الفيضان 440

القيثارة الايولية 380 381

القير 510

القيسارية 117

ك الكاغد 260 508 514

الكافور 330

الكبريت 332 472 515

كتابة المصاحف 314

الكتان 309 332

كتب المسالك 26

الكرباس (ثياب) 74 302

كرم سير 284

الكروغ (المعبد المغولى) 258

الكلل (للبق) 279

الكمثرى العباسى 257

الكمخاء 427

الكمرك 357

الكندكية (ثياب) 331

الكورة 106- 108

الكيمخت 531

ل اللازورد 480

اللبود 465 471 515 531

لحاء الجنار (لوجع الاسنان) 434

اللغة البهلوية (انظر: الفهلوية)

اللغة النبطية 89

اللؤلؤ

293 297 330

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 589

م المآصر 54 62 214 307

المارستانات 124 247 285 286 375 410 492

ماء الطلع 330

ماء القيصوم 330

ماء الورد 330

المتحجرات 366

المحفوريات 219

المدارس 471 472

المرداسنج 109

مرسى السفن (دربند) 214

المرعز 126 217

المسك 480

المسمارية (كتابة) 222

المسنيات 507

المصليات 331 403 504 515 531

المصمت (نسيج) 471

المصمغان 412

المصنعة 63 136

المقاريض 531

المقانع 421 438 502

مقسم المياه 405 440 443 444

المكوس 277

الملاحم بالقز 471

الملح 234 326 383 513

المن 472 513

المناديل 109 331 332 350 407 410 415

المنجنيق 212 256

المنيرات 262 331

الموبذ (ج: الموابذة) 99

موسيقى الرمال 379 381

المومياء 305 326 332

الميازر 410

ن الناطف 212 471

النحاس 430 510 531

النخاخ 331 427

النخيل 236 237 293 294 296 300 304 308 346 350 351 352 355 357 361 363 368 375 379 383 392 399 400 417

النفط 70 87 88 121 215 279 332 510 531

النقود 76 231 249 410 424 491

النمكسود 157 262

نهر رصاص 507

النواعير 269 273 508

النوشاذر 510 531

النيسابورية (ثياب) 403

النيل 352 355 356 358 388

ه الهور 62

الهول 62

و الورد الجورى 292

وعاء عظيم من النحاس (اسفرايين) 434

ى الياقوت 480

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 590

تصويبات د/ 16/ و بماديتا/ و بمباديتا

ه/ 10/ فاقان فافان

ح/ 1/ خونح/ خونج

ك/ 16/ اسنراباد استراباد

ن/ 9/ اقاليم/ اقليم

40/ 8/ الأصل/ التكوين

63/ 19/ على أبى طالب/ على بن أبى طالب

84/ 21/ من/ فى

116/ 3/ من ذلك رستاق نينوى/ اشهرها الرستاق المحيط

و فيه قبر/ بنينوى حيث دفن

121/ 2/ من/ فى

136/ 5/ الحقيقية/ الحالية

143/ 5/ الكلك/ كلك (اللام ساكنة)

162/ 22/ طرطوس/ طرسوس

197/ 4/ الى قال/ الى أن قال

208/ 2 الحاشية/ (الحنية)/ (الحسنية)

220/ 7/ كرخ/ كرج

226/ 2/ وشير/ و الشيز

236/ 21/

منكربرس/ منكوبرس

290/ 8/ جهرم/ جهرم (12)

313/ 10/ جفور/ جفوز

318/ 7/ الاصغر/ الاصفر

364/ 8/ البلدانيون/ البلدانيين

367/ 5 الحاشية/ القرون المختلفة/ العصور المتوسطة

370/ 6 الحاشية/ الباكستانية على/ الباكستانية الى الوقوف على

373/ 5/ اسفزاز/ اسفزار

392/ 10./ تضادد/ تناظر

394/ .../ (احذف السطر السابع)

400/ 7 و 8/ كيلكلى، كيكلى/ كيلكى

412/ 4/ يسق/ يشق

416/ 11/ وراءها:/ وراءها: شهرأباد

421/ 16/ اشتهرت/ اشتهر

435/ 11/ حفيدة/ حفيده

446/ 9/ فقر/ فقد

457/ 3 الحاشية/ الحكم/ الحكيم

486/ 18/ الخصب/ الخصب المعروف

530/ 4/ الاتراك. الخرلخية/ الاتراك الخرلخية

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 591

مطبوعات المجمع العلمى العراقى

1- مجلة المجمع العلمى العراقى (المجلد الاول).

2- مجلة المجمع العلمى العراقى (المجلد الثانى).

3- كتاب النغم ليحيى بن علي بن يحيى المنجم- تحقيق الاستاذ محمد بهجة الاثرى و مقدمة الدكتور جواد علي.

4- تأريخ العرب قبل الاسلام- تأليف الدكتور جواد علي (الجزء الاول).

5- تأريخ العرب قبل الاسلام- تأليف الدكتور جواد علي (الجزء الثانى).

6- تأريخ العرب قبل الاسلام- تأليف الدكتور جواد علي (الجزء الثالث).

7- تأريخ العرب قبل الاسلام- تأليف الدكتور جواد علي (الجزء الرابع) «تحت الطبع».

8- صورة الارض للشريف الادريسى، تحقيق الاستاذ محمد بهجة الاثرى و الدكتور جواد علي.

9- موجز الدورة الدموية فى الكلية- للدكتور هاشم الوترى.

10- المختصر المحتاج اليه من تأريخ بغداد للحافظ ابن الدبيثى- انتقاء الامام الذهبى، تحقيق الدكتور مصطفى جواد.

11- ابن الفوطى- للاستاذ محمد رضا الشبيبى «يصدر قريبا».

12- مقدمة للرياضيات- تأليف وايتهيد، و ترجمة الاستاذ محيى الدين يوسف.

13- خريدة القصر و جريدة العصر- للعماد الاصبهانى الكاتب، تحقيق الاستاذ محمد بهجة الاثرى، و الدكتور جميل سعيد «يصدر قريبا».

14- الدينار الاسلامى فى المتحف العراقى: تأليف السيد ناصر النقشبندى.

15- الخطاط البغدادى علي بن هلال- تأليف الدكتور سهيل أنور، و ترجمة الاستاذين محمد بهجة الاثرى و

عزيز سامى «تحت الطبع».

بلدان الخلافة الشرقية/ تعريب بشير فرنسيس-كوركيس عواد، النص، ص: 592

16- خارطة بغداد قديما و حديثا- وضع الدكتور أحمد سوسة، و الدكتور مصطفى جواد، و السيد أحمد حامد الصراف.

17- الوقاية من السل الرئوى وال بى. سى. جى- للدكتور شريف عسيران.

18- نزهة الارواح و روضة الافراح- تأليف شمس الدين الشهرزورى، و تحقيق الاستاذ محمد بهجة الاثرى «معدّ للطبع».

19- تاريخ الموصل (الجزء الثانى)- تأليف الشيخ أبى زكريا الازدى، و تحقيق الاستاذ محمد بهجة الاثرى «معدّ للطبع».

20- مجمع الآداب فى معجم الاسماء و الالقاب- تأليف ابن الفوطى و تحقيق الدكتور مصطفى جواد «معدّ للطبع».

21- منازع الفكر الحديث- تأليف سى. أم. جود، و ترجمة المرحوم الاستاذ عباس فضلى خماس، و مراجعة الدكتور عبد العزيز البسام «تحت الطبع».

22- معجم الرياضيات- تأليف جماعة من كبار الاختصاصيين الامريكيين، و ترجمة الاساتذة: محيى الدين يوسف، و محمد بهجة الاثرى، و الدكتور مصطفى جواد، و الدكتور عبد الجبار عبد اللّه، و الدكتور حلمى سمارة، و سعدى الدبونى «معدّ للطبع».

23- بلدان الخلافة الشرقية- تأليف لسترنج، و ترجمة: بشير فرنسيس، و كوركيس عواد. (و هو هذا الكتاب).

24- اليزيدية- تاليف السيد صديق الدملوجى.

25- أنت و الوراثة- تأليف أمرام شاينفلد، و ترجمة السيد بشير اللوس.

26- المدخل الى الفلسفة الحديثة- تأليف سى. أم جود، و ترجمة السيد كريم متى.

27- الديارات- للشابشتى، تحقيق السيد كوركيس عواد.

28- الشرفنامه- تأليف الامير البدليسى، و ترجمة السيد جميل بندى الروزبيانى.

29- ديوان الشرر- للسيد أحمد الصافى النجفى.

30- الدستور و حقوق الانسان- للسيد عطا بكرى (الجزء الاول).

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.